المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

إعادة الانخراط .. هل يتدخل الناتو بدعم من الولايات المتحدة في ليبيا مجددًا؟

السبت 06/يونيو/2020 - 08:31 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

منذ تدخل حلف شمال الأطلسي "الناتو" في ليبيا للإطاحة بنظام الرئيس السابق معمر القذافي في مارس 2011، وتشهد دوائر السياسة الداخلية والخارجية الليبية حالة من الاضطرابات، خاصة مع انتشار الجماعات الإرهابية المسلحة؛ حيث أن الحلف اعتبر أن دورها قد انتهى بإسقاط نظام العقيد، ولكن على العكس من ذلك فقد كان هذا التحول بداية لسلسلة من التداعيات السلبية على الداخل الليبي وأيضًا على مصالح الدول الإقليمية والدولية.

من ناحية أخرى اتجهت بعض الدول مثل تركيا وروسيا إلى الانخراط بصورة مباشرة وغير مباشرة في دائرة الصراع الليبي الداخلي بين حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، والجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، وكل هذه التداعيات جاءت بعدما تدخل الحلف تحت مسمى عملية الحماية الموحدة التي تستدعيها قاعدة "المسؤولية عن الحماية (R2P)"، بهدف حماية الشعب الليبي من حرب أهلية، ولكن اليوم فقد تراجعت قدرة الحلف على التأثير في مجريات الأوضاع الداخلية والخارجية ذات الصلة بليبيا بعدما أصبحت تتعرض لسلسلة من الاضطرابات الداخلية والخارجية وانخراط العديد من القوى الإقليمية والدولية في دائرة الصراع بصورة كان لها التأثير السلبي المباشر على أدوات ومصالح الحلف.

تراجع النفوذ

هناك تساؤلات عديدة حول حول حقيقة موقف حلف الناتو، وأيضًا الموقف الأمريكي مما يحدث في ليبيا، ومطالبة البعض بضرورة أن تكون هناك استراتيجية للحلف وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وذلك بعدما تراجع نفوذهما في التأثير على مجريات الأوضاع الليبية، فالولايات المتحدة فعلت نفس الشيء الذي قام به الحلف؛ حيث تراجع الاهتمام الأمريكي بالملف الليبي وتطوراته لعد مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز في 11 سبتمبر 2011 ببنغازي.

وضمن السياق ذاته فقد تكون هناك استراتيجية أمريكية قائمة على الاعتماد على مفهوم إدارة الظل من خلال حلفائها الأطلنطيين، والتي ترتكز بصورة أساسية على أن واشنطن تقوم بالتأثير في الأوضاع بصورة غير مباشرة ولكن من خلال حلفائها، وهو الأمر الذي تجلى بصورة واضحة عندما تم اسناد مهمة إسقاط النظام الليبي السابق للحلف دون المشاركة بصورة مباشرة في إعادة بناء الدولة وهو الأمر الذي تسبب في النهاية إلى انخراط بعض القوى الإقليمية والدولية للتأثير في مجريات الأوضاع الليبية، ولعل التدخل التركي الأخير منذ توقيع الاتفاق الأمني والبحري مع حكومة الوفاق الليبية في 27 نوفمبر 2019 يمكن تفسيره في أحد جوانبه بأنه تم بضوء أخضر من جانب الولايات المتحدة بعدما تأكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدم قدرة الحلف على التأثير في المعادلة الليبية، ويدعم هذا التصور بأن الولايات المتحدة سمحت لتركيا للتأثير في مجريات الأوضاع السورية بصورة قد تؤدي إلى مجابهة النفوذ الروسي المتصاعد في الأزمة السورية، في ظل الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي يعتمد عليها الرئيس الأمريكي ترامب بعدم جدوى التدخل المباشر في الأزمات وبدلًا من ذلك يقوم باسناد هذه السياسات إلى دولة أو مجموعة من الدول لتنفيذ الأهداف الأمريكية.

التحرك بصورة فردية

على خلفية تراجع النفوذ الغربي بصورة عامة والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وعلى الرغم من النشاط الكبير الذي تقوم به كل من حلف الناتو والولايات المتحدة في  الكثير من أزمات المنطقة في سوريا وفي إيران ومنطقة الخليج العربي، بيد أنه لم يصدر أي اهتمام حقيقي من الولايات المتحدة بما يحدث في ليبيا.

ومن ناحية أخرى فإن التحرك الأخير من جانب كل من الحلف والولايات المتحدة جاء من خلال السماح لتركيا بالتأثير في مجريات الأوضاع التركية ولعل إعلان الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ التي اعتبر فيها أن "حكومة فايز السراج الحكومة الشرعية، ولا يتعامل  الناتو مع غيرها". تؤكد على ذلك، كما أن هذا التصريح يكشف عن وجود مخطط تركي لاقحام حلف شمال الأطلسي في ليبيا لمساندة الميليشيات الإسلامية حليفة أنقرة واستهداف الجيش الذي لعب دورًا مهمًا في حصار الإرهاب في بنغازي ودرنة.

إن التقارب الروسي – التركي في العديد من المجالات وبخاصة المجال الاقتصادي لم يمنع الطرفان من محاولة تعزيز نفوذهما في منطقة الشرق الأوسط، فكليهما يتنافسان في الأزمة السورية وفي العراق وفي منطقة شرق المتوسط، وضمن نفس السياق تحاول روسيا العودة مجددًا إلى التأثير في مجريات الأوضاع في الأزمة الليبية خاصة أنه وبعد موافقتها على الحظر الجوي على ليبيا 2012 قام حلف الناتو والولايات المتحدة باستثمار ذلك في التدخل العسكري الليبي.

وبناء عليه فإن الاتفاق الموقع بين كل من أنقرة وحكومة الوفاق يمثابة تهديد جديد للمصالح الروسية هناك، خاصة في ظل تنافس تركيا لروسيا على الساحة السورية؛ حيث يتم الدفع بتركيا إلى الدخول بالوكالة عن الولايات المتحدة والحلف كغطاء غير مباشر للتدخل لمزاحمة والتأثير على النفوذ الروسي، التي تتخذ من ليبيا نقطة انطلاق للتأثير في ملفات الشمال الأفريقي وأيضًا منطقة شرق المتوسط؛ حيث تعتبر روسيا نفسها أنها ركيزة الدول المصدرة للغاز في العالم، ووجودها في ليبيا لا يجعلها متحكمة فقط من الغاز والنفط الليبي، بل يجعلها ضمن المحركات السياسية والاقتصادية ومبيعات السلاح في منطقة الساحل والدول الإفريقية جنوب الصحراء.

وهذا الافتراض يرتكز على كثير من المؤشرات أهمها هو أن كل من حلف الناتو والولايات المتحدة لا يرغبان في تكرار السيناريو السوري بتعقيداته الداخلية والخارجية، خاصة أن الولايات المتحدة والأوروبيين غير مستعدين للدخول في صراعات جديدة في منطقة الشرق الأوسط، لكن على العكس من ذلك فإن هذا الأمر سيكون الأقرب وهو أن تحافظ الولايات المتحدة على مصالحها في ليبيا من خلال أوراقها الأوروبية والأطلنطية مع السماح لروسيا بالإبقاء على مصالح محدودة هناك.

انعكاسات محتملة

أصدر البيت الأبيض في 15 نوفمبر 2019 إعلان دعا فيه إلى وقف الصراع بين حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي وذلك في ضوء مساعي الولايات المتحدة لمواجهة التدخل الروسي في الأزمة الليبية، وتسوية القضايا الهامة التي تقف وراء الصراع، مؤكدًا على دعم واشنطن للسيادة الليبية ووحدة أراضيها في مواجهة المحاولات الروسية لاستغلال الصراع ضد إرادة الشعب الليبي، ولعل هذا الأمر يعكس تغيرًا في استراتيجية الولايات المتحدة؛ حيث اعتمدت على نظرية «الاحتواء المزدوج» بمعنى أنها تحاول أن تكون قريبة من طرفي أي أزمة، وربما ما ساعد في هذا التوجه انخراط الجانب الروسي بقوة وتصاعد نفوذها في ليبيا، وأن الولايات المتحدة عليها مواجهة هذا النفوذ.

ومن ناحية أخرى فقد أبدى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في 31 يناير 2020 استعداده لدعم مراقبة حظر تصدير السلاح إلى ليبيا وفق عملية إيريني؛ إذا طلب الاتحاد الأوروبي منه ذلك، وهو الأمر الذي يأتي عقب مؤتمر برلين بشأن ليبيا ووسط دعوات لإعادة التفكير في مهمة "عملية صوفيا" في شرق المتوسط الخاصة بمواجهة الهجرة غير الشرعية، ويدعم حلف الناتو العملية "صوفيا" حتى الآن على المستوى اللوجستي ومستوى تبادل المعلومات، وقد توقفت سفن العملية صوفيا عن العمل منذ نحو عام ولذلك لم يعد الدعم اللوجستي للعملية قائما في الوقت الراهن، وقد ناقش وزراء الخارجية الأوروبيون مختلف السبل الممكنة الخاصة بأن يضطلع الاتحاد الأوروبي بدور أكبر في ليبيا وإعادة فرض حظر الأسلحة على الأطراف الداخلية المتقاتلة وأيضًا مواجهة النفوذ المتنامي لروسيا هناك، ومن ثم قد ينعكس عن هذه التوجهات الجديدة عدة اتجاهات على النحو الآتي:

1. التدخل المباشر

قد تكون التوجهات الجديدة من جانب حلف الناتو والولايات المتحدة بمثابة العدول عن التوجهات القديمة التي ساهمت في تنامي النفوذ الروسي وتهميش أدوارهم وتراجع نفوذهم، وهو ما يؤكد عليه السياسات التي باتت تعتمد عليها الولايات المتحدة والحلف في إمكانية الانخراط مجددًا في التأثير على مجريات الأوضاع الداخلية والخارجية ذات الصلة بالأزمة، وهو الأمر الذي انعكس على اتجاهات دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منذ تبني سياسة المؤتمرات الدولية بجانب التحرك بصورة فردية وذلك بعد عمليتي إيريني وصوفيا اللتان أطلقهما الاتحاد الأوروبي بجانب مؤتمر برلين الذي تم انعقاده في يناير 2020، وضمن نفس السياق فقد اتهم الجيش الأمريكي في 26 مايو 2020 روسيا بإرسال طائرات مقاتلة إلى ليبيا لدعم مرتزقة روس هناك، وضمن السياق ذاته أعلنت أفريكوم - القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا-  في بيان لها بأن روسيا نشرت مؤخرًا طائرات مقاتلة في ليبيا من أجل دعم المقاولين العسكريين الروس الذين ترعاهم الدولة والذين يعملون على الأرض هناك. وقد يكون لهذه التصريحات انعكاسات على السياسة الغربية لاستعادة النفوذ مجددًا في مواجهة النفوذ الروسي.

2. التدخل غير المباشر

يعكس هذه الاحتمال تباينَا داخل التحالف الأمريكي مع حلف شمال الأطلنسي الناتو خاصة وان الولايات المتحدة لا تريد التدخل بصورة مباشرة في دائرة الصراع الليبي وتعول على دور الدول الأوروبية، وقد يفسر هذا التوجه من خلال السماح لتركيا للتأثير في الأو       ضاع الليبية ولهذا السبب يعتقد البعض أنه على الرغم من إعلان البيت الأبيض اعتراضه على اتفاقيتي السراج وأردوغان، إلا أن الولايات المتحدة قد تكون سمحت لتركيا لمزيد من الانخراط في ليبيا لأسباب كثيرة منها رغبة الولايات المتحدة في تحويل تركيا «كقوة حاجزة» للنفوذ الروسي في ليبيا، وذلك لاختلاف أجندات روسيا وتركيا في ليبيا، واعتمادًا على أن أيديولوجية تركيا الداعمة للجماعات المتطرفة لا يمكن أن تتسق مع الأجندة الروسية.

ومن ناحية أخرى فإن هذه التوجهات الجديدة من جانب الولايات المتحدة تواجه الكثير من التحديات من جانب الحلف ومن جانب دول الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن هناك تباين كبير في التوجهات الخارجية التركية وبين السياسة الدفاعية والأمنية المنظمة لعمل الحلف في ظل التقارب التركي مع روسيا في الحصول على منظومة الدفاع الصاروخية إس 400، وهو الأمر الذي دفع بالخلافات بين الجانبين إلى التصاعد في الفترة الماضية، كما أن سياسة الصفقة التي يعتمدها الرئيس الأمريكي ترامب تسببت في زيادة مستوى التوتر بين الجانبين، وهو ما يمكن أن ينضوي على تفتيت هذه الجهود.

ختامًا: يظل هناك حاجة من جانب الحلف والولايات المتحدة إلى الانخراط مجددًا في الأزمة الليبية لمواجهة النفوذ المتنامي لروسيا وهو الأمر الذي بدأت ملامحه تتحدد بصورة كبيرة خلال هذه المرحلة، ولكن تظل هناك معضلة أساسية تتعلق بمدى القدرة على توظيف الأدوات المختلفة لتحقيق هذه الأهداف.

 

المراجع

1. ليبيا وحدود التدخل الأمريكي والروسي، على الرابط: https://www.albayan.ae/opinions/articles/2019-12-26-1.3736358

2. أردوغان وأوهام توريط الناتو في ليبيا، على الرابط: https://al-ain.com/article/erdogan-libya-nato-greece-turkey

3. الحرب في ليبيا: الولايات المتحدة تتهم روسيا بإرسال طائرات مقاتلة إلى "مرتزقة" روس، على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-52810749

4. شهية "الناتو" مضطربة تجاه ليبيا وواشنطن تتحرك بعد صوم، على الرابط: https://cutt.us/Cw0qW

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟