تحديات متداخلة... هل يشكل ٢٠٢٠ عام انفراج الأزمات في الشرق الأوسط؟
لطالما
اسُتخدمت النزاعات المحلية و الإقليمية كمرأة عاكسة للاتجاهات العالمية، و علاقات
القوى العظمى، شدة المنافسة واتساع طموحات الجهات الفاعلة الإقليمية التي تري في
التوجهات العالمية و حالة الانتقال الحادثة على مستوى النظام الدولي من نظام متعدد
ثنائي القطبية إلي متعدد الأقطاب فرص إقليمية لابد من استغلالها. وعليه، شهد عام
2019 حالة من التأجيج الكبير للصراعات في الشرق الأوسط، الأمر الذي اتضح في عدد من
صراعات المنطقة مثل اليمن، ليبيا و حالة التصعيد المستمرة في الخليج العربي بين
طهران من
جهة و الولايات المتحدة الأمريكية و حلفاءها في
المنطقة من جهة أخري.
فعلى
الرغم من أن عدد لا بأس به من أزمات المنطقة بات قريبًا من الحل، على خلفية بعض
المتغيرات الإقليمية و الدولية التي استجدت؛ الأمر الذي اتضح في المحادثات السعودية مع جماعة الحوثي اليمنية للتوصل إلي
حل نهائي بشأن أزمة اليمن، وجود عدد من المبادرات السلمية و جهود الوساطة التي
تقوم بها عدد من دول المنطقة مثل باكستان لحل الأزمة و حالة التوتر المتصاعدة بين
طهران و الرياض في المنطقة. على الناحية الأخرى، تتصاعد حدة التوتر في أزمات أخري
في المنطقة و أبرزها الأزمة الليبية، سيما بعد التدخل التركي في ديسمبر لعام 2019.
و سنعرض فيما يلي لأبرز الصراعات الموجودة في الشرق
الأوسط و مدى قابليتها للانفراج أو التفاقم في عام 2020:-
أولاً-
اليمن... والقابلية للتسوية
منع
التدخل الدولي في الأزمة اليمنية في عام 2018 ما اعتبره مسؤولو الأمم المتحدة أسوأ
أزمة إنسانية في العالم من التدهور، وقد يوفر عام 2020 فرصة نادرة لإنهاء هذه الحرب،
على خلفية المحادثات التي تمت بين الرياض و جماعة الحوثي اليمنية، و التي تداخلت فيها مجموعة من العوامل المحلية،
الإقليمية و الدولية، لذا، يشير عدد من المحللين أنه إذا لم يتم استغلال هذه
الفرصة من الممكن أن تتلاشي سريعًا. كانت و لازالت التكلفة البشرية لحرب اليمن
واضحة بشكل كبير لدى الجميع؛ لقد قتل بشكل مباشر ما يقدر بنحو 100000 شخص، كما تم
الدفع بدولة كانت بالفعل من أفقر بلدان العالم العربي إلى شفا المجاعة، و باتت
اليمن بمثابة خط واضح للتنافس على مستوى الشرق الأوسط بين إيران من جهة والولايات المتحدة
وحلفائها الإقليميين من ناحية أخرى.
و الجدير
بالذكر ، أن غياب الصراع عن الوعى الدولي من الممكن أن يتسبب في مشكلة كبيرة، بما
يؤدى لتدهورها و اتساع افاق الأزمة مرة أخري؛ حيث شجع اتفاق استوكهولم الذي تم عقده في ديسمبر لعام 2018 على وقف هش لإطلاق
النار حول مدينة الحديدة الساحلية المطلة على البحر الأحمر بين حكومة الرئيس عبد ربه
منصور هادي المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي التي استولت على العاصمة صنعاء في سبتمبر
لعام 2014. فمن المؤكد أن الاتفاق حال دون
حدوث مجاعة وساعد على تجميد القتال بفعالية بين الجانبين. و منذ ذلك الحين، كانت الجوانب
الأكثر ديناميكية للنزاع هي معركة داخل الجبهة المناهضة للحوثيين التي حرضت الانفصاليين
الجنوبيين ضد حكومة هادي، وحرب عبر الحدود شهدت إطلاق صواريخ الحوثيين و عدد من الغارات
الجوية على المملكة العربية السعودية بتحريض من الجمهورية الإسلامية الإيرانية(1).
نتيجة
لما سبق، تكمن الفرصة الحقيقة في حل هذه الأزمة في اللعب على محور التقريب بين
المملكة العربية السعودية و جماعة الحوثي المدعومة من إيران، بعد حالة التناحر
الكبيرة بين الموالين للمجلس الانتقالي الجنوبي و أتباع الحكومة الشرعية المعترف
بها دوليًا. لذا، لم يكن لدى الرياض من خيار سوى التوسط في هدنة بينهما للحفاظ على
مجهودها الحربي، ومحاولة التقرب من جماعة الحوثي عن طريق إجراء محادثات مباشرة تهدف
إلى تخفيف حدة نزاعهم وإخراج اليمن من ساحة الصراع السعودي الإيراني على السلطة.
ومن هنا، يقر البعض الأخر بأن الصراع من الممكن أن يشتعل بضراوة مرة أخري، لذا،
يجب اقتناص هذه الفرصة الحالية بتحقيق السلام و الخروج من حلبة الصراع الممتد
لسنوات طويلة سابقة(2).
ثانيًا-
ليبيا... أزمة متصاعدة
تنذر
الحرب في ليبيا بالتصاعد و ازدياد حالة التوتر خلال الأشهر القليلة الماضية؛ حيث تعتمد
الفصائل المتناحرة بشكل متزايد على الدعم العسكري الأجنبي لتغيير ميزان القوى،
فضلاً عن أن انقسام الدولة إلي إدارتين أو حكومتين منفصلتين من شأنه أن ينبئ
بصعوبة حل الأزمة. فمنذ عام 2016 انقسمت ليبيا بين حكومة رئيس الوزراء فايز السراج
المعترف بها دوليًا في طرابلس و حكومة منافسة مقرها في شرق ليبيا، فعلى الرغم من
إقامة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش) مؤطئ قدم هناك و لكن تمت
هزيمته، وكذلك هناك حالة من التناحر بين الميليشيات على البنية التحتية النفطية و
الثروات الطبيعية الموجودة على الساحل.
فخلال
العام الماضي، اتخذ الصراع منحى مختلف تمثل في فرض القوات العسكرية بقيادة اللواء
خليفة حفتر المدعوم من قبل حكومة الشرق
حصاراً على طرابلس؛ حيث يزعم حفتر بمواجهة الإرهابيين الموجودين هناك، و لكن في
الحقيقة، كان يحارب بعض منافسيه من الميليشيات الإسلامية و حكومة الوفاق المدعومة
من قبل الولايات المتحدة الأمريكية و غيرها من الدول الغربية. اتساقًا مع ما سبق،
لطالما كانت ليبيا ساحة للصراع و الحرب بالوكالة في المنطقة، سيما بعد أحداث الربيع العربي و الإطاحة بحكومة
الرئيس معمر القذافي على خلفية الدعم الذي طلبته الميليشيات المسلحة في ذلك الوقت
من القوى الخارجية، الأمر الذي عزز الخصومات الإقليمية و الدولية و الانقسام بين الحكومتين المتنافستين والائتلافين
العسكريين لكل منهما؛ حيث دعمت كل من مصر والإمارات العربية المتحدة القوات التي يقودها
حفتر ، ودعمت تركيا وقطر الجماعات الغربية المسلحة الموالية للسراج(3).
كما زاد
التدخل التركي في ليبيا في ديسمبر لعام 2019 من صعوبة حل هذه الأزمة؛ حيث يُشار
إلي أن التهديد التركي يهدف إلي تخويف اللواء المتقاعد خليفة حفتر حتى يتراجع عن دخول
العاصمة طرابلس ويلجأ إلى الحل السياسي، دون
وجود نية تركية للانتشار العسكري في ليبيا، و لكن أصدر الرئيس التركي تعليمات بشأن
إعداد مذكرة تسمح للجيش التركي بالانتشار والتواجد في ليبيا لدعم حكومة الوفاق هناك،
ومن المقرر مناقشتها داخل البرلمان التركي يوم 2 يناير لعام 2020 ، الأمر الذي
ينذر بتفاقم حدة الصراع في ليبيا خلال الفترة القادمة.
والجدير
بالذكر، أن انتشار الجهات الفاعلة يعيق الجهود الرامية إلي إنهاء الصراع، سيما مع
تلاشي المحاولة التي قادتها الأمم المتحدة
في برلين لنفس الهدف، الأمر الذي يتوقف على ما إذا كان مؤتمر السلام الذي تأمل الأمم
المتحدة وألمانيا عقده في أوائل عام 2020 سيعقد أم لا؟ و لكن لإنهاء الحرب يتعين على
القوى الأجنبية التوقف عن تسليح حلفائها الليبيين والضغط عليهم للدخول في مفاوضات
جادة بدلاً من ذلك، لكن احتمالات حدوث ذلك تبدو منخفضة. بل قد تكون النتيجة في النهاية
مأزقًا أكثر تدميراً يتمثل في الاستيلاء على طرابلس بما يتضمن قتال طويل الأمد للميليشيات(4).
ثالثاً-
إيران و الولايات المتحدة الأمريكية...إقتراب العودة إلي مائدة التفاوض
زادت حدة
التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية و إيران في عام 2019 بشكل كبير حتى وصل
الأمر إلي ذروته؛ حيث لم يتسبب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في تحقيق
أهداف الإدارة الأمريكية المتمثلة في تكبيد النظام الإيراني تكاليف باهظة على
الجانب الاقتصادي و هو ما حدث بالفعل و لكن ليس بالشكل المتصور من قبل الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب، على خلفية امتلاك طهران لأساليب أخري مثل التهريب من خلال
السوق السودة و الطرق غير الشرعية. يتوازى ذلك، مع اقتناع واشنطن بأن هذه الخطوة كان
من الممكن أن تؤدى إلي استسلام إيراني تام و العودة إلي طاولة المفاوضات، ولكن حدث
غير المتوقع واتبعت إيران استراتيجية النفس الطويل، الأمر الذي تمثل في العمل على
تهديد المصالح الأمريكية و حلفاءها في المنطقة عن طريق تعطيل حركة الملاحة البحرية
في الخليج العربي و الهجوم على القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة(5).
يتوازى
ذلك، مع استجابة إيران لما تعتبره حصاراً أمريكيًا شاملاً من خلال زيادة تدريجية في برنامجها
النووي في خطوات ملحوظة نحو انتهاك بنود خطة العمل المشتركة الشاملة، واستعراض عضلاتها
الإقليمية بقوة، وقمع كل التظاهرات التي قامت في هذه الفترة، انطلاقاً من حظر
وسائل التواصل الاجتماعي، و صولاً إلي فصل إيران عن الشبكة الدولية للإنترنت بشكل
كامل. في السياق ذاته، تصاعدت حدة التوتر بين طهران و الرياض في المنطقة على خلفية
بعض الملفات العالقة فيما بينهم و التي يعد الملف اليمني أهمها؛ حيث بلغ التصعيد
الإيرانى السعودي ذروته بعد حادث الهجوم على منشأتا النفط التابعتين لشركة أرامكو
، و التي اعلنت جماعة الحوثي اليمنية التابعة لإيران مسؤوليتها الكلية عن هذه
الضربات.
ومن
اللافت للانتباه، دخول إسرائيل على خط المواجهة من خلال توجيه عدد من الضربات لبعض
الأهداف التابعة لإيران داخل سوريا و لبنان، و هو ما توعدت إيران من خلال جماعة
"حزب الله" اللبنانية بالرد عليه بكل حزم و قوة، مما دفع بعض دول
المنطقة مثل باكستان، و سلطنة عمان للقيام بجهود وساطة للتفاوض و تخفيف حدة التوتر
بين الرياض و طهران، مع الاستمرار في دعم الولايات المتحدة الأمريكية للتعامل مع
إيران من خلال استراتيجية "أقصى قدر من الضغوط" لردعها عن القيام بهذه
الأعمال الاستفزازية في المنطقة. لذا، من المتوقع أن يصل هذا الصراع إلي نقطة
الغليان الأمر الذي يتمثل في انفجار الأزمة عن طريق الحل العسكري، ما لم ينتظر كل
طرف أن يقوم الطرف الأخر بتقديم التنازلات المتوقعة(6).
ختامًا: على
الرغم من تصاعد حدة الصراعات في الشرق الأوسط ولكن من المحتمل أن يحدث انفراجه في
الأزمة اليمنية و التصعيد الحالي بين إيران و الولايات المتحدة الأمريكية و
حلفاءها في المنطقة و الذي تمثلت أخر
علاماته في الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد أواخر ديسمبر لعام 2019؛ حيث
تسعى المملكة العربية السعودية للتفاهم مع جماعة الحوثي اليمنية من خلال الاعتراف
بها كفصيل رئيسي على الأرض، و هو ما يعتبر سعى حثيث نحو حل هذه الأزمة من جذورها.
يتوازى ذلك، مع اقتراب الجلوس الفعلي لكن من
طهران وواشنطن على طاولة المفاوضات بعد أن أعلن الرئيس الإيراني "حسن
روحاني" ذلك صراحة في 2 يناير 2020 ، و لكن الملاحظ أن كل منهما يسعي لكسب
بعض الوقت لتعظيم مكاسبه، و هو الأمر الذي ظهرت مؤشراته في عدم لجوء واشنطن للحل
العسكري على الرغم من الوصول إلي ذروة التوتر مع إيران، و سعى طهران من ناحية أخري
إلي تخفيف حدة التوتر على الصعيد الإقليمي
لأنها تعي جيداً أن هذه النقطة تعد بمثابة المحرك الرئيسي لفرض العقوبات
الاقتصادية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
على صعيد أخر، تتجه الأزمة
الليبية إلي التصاعد دون وجود مؤشرات واضحة على إمكانية حلها؛ على خلفية الطبيعة
القبلية للمجتمع الليبي و انتشار الميليشيات، فضلاً عن رغبتها الدائمة في
الاستفراد بالسيطرة على الثروات الاقتصادية و التي يعد أهمها النفط، و جاء التدخل التركي
في ليبيا ليساعد على إشعال فتيل الأزمة و يوقظ فكرة تدخل القوى الغربية و
الأوروبية مرة أخري، لتصبح الأزمة الليبية بمثابة حرب بالوكالة تحركها فقط بعض الأطراف
خارجية.
الهوامش
1-
Ali Younes, Yemen's war: Signs conflict
could wind down in 2020: UN, Al Jazeera.Net, 16/12/2019, available at:
https://www.aljazeera.com/news/2019/12/yemen-war-signs-conflict-wind-2020-191215185510885.html.
2-
Robert Malley, 10 Conflicts to Watch in
2020, Foreign policy, available at:
https://foreignpolicy.com/2019/12/26/10-conflicts-to-watch-2020/
.
3-
Mark Leon Goldberg, Libya is Poised to Become THE Major
International Crisis of 2020, 16/12/2019, UN news commentary, available
at:
https://www.undispatch.com/libya-is-poised-to-become-the-major-international-crisis-of-2020/
.
4-
Turkey
accuses AL of remaining silent on Libya crisis, Xinhua Net , 1/1/2020,
available at:
http://www.xinhuanet.com/english/2020-01/01/c_138672004.htm.
5-
Robert Malley, op.cit.
6-
Tom
Allinson, Israel-Iran conflict to be
major Middle East issue in 2020, 2/1/2020, Deutsch Welle, available at:
https://www.dw.com/en/israel-iran-conflict-to-be-major-middle-east-issue-in-2020/a-51600787 .