في
السنوات الأخيرة، حدث تراجعٌ مستمر في الإقبال على الصحافة والمحتوى الصحفي
المنشور في الصحافة المصرية سواء المطبوعة منها أو الإلكترونية، وقد تجلى ذلك في
تدني أرقام توزيع الصحف المطبوعة، وتراجع معدلات المرور لمواقع الصحف الإلكترونية
والمواقع الإخبارية، مما جعل كثيرًا من المؤسسات الصحفية يعتبر أن أرقام توزيع
الصحف المطبوعة كعمر المرأة لا يجوز الإفصاح عنها، وجعل بعض الصحف الإلكترونية
والمواقع الإخبارية تقوم بتزوير أرقام
المرور لمواقعها وعدد المستخدمين لها بغية الحصول على الإعلانات ومصادر التمويل، ومحاولة
كسب ثقة القراء.
وفي
الحقيقة، إن هذا التراجع الحاد في أرقام الصحف المطبوعة وعدد مستخدمي المواقع
الإخبارية والصحف الإلكترونية لم يكن نتاجًا لعوامل خارجية؛ أي خارج نطاق العمل
الصحفي، بل للأسف كان ذلك بسبب تراجع إقبال جمهور القراء على استهلاك المحتوى الصحفي
المقدم لهم، ولم تسعَ صناعة الصحافة والإعلام إلى تطوير المحتوى المقدم، مما أفقد
الجمهور الرغبة في استهلاك السلعة البائرة التي تقدمها الصناعة، التي ترتفع كُلفة
إنتاجها، وتزداد كُلفة استهلاكها وتوزيعها في الوقت نفسه.
ولعل ذلك
هو ما حدا ببعض المؤسسات الصحفية والإعلامية إلى إنشاء وحدات لتطوير المحتوى، دون
أن يدرك بعض مَن أوكلت إليهم هذه المهمة طبيعة تطوير هذا المحتوى، والاتجاهات
والمداخل الحديثة في هذا المضمار. وربما يكمن هذا الغموض في هذه المهمة النوعية في
تطوير المحتوى الصحفي إلى انعزال الصحفيين المصريين –في معظمهم- عن التوجهات
العالمية في هذه السبيل من جهة، وعدم مطالعة معظم العاملين في الصناعة للدراسات
التي تُجرى في هذه السبيل ليس على مستوى العالم فقط، بل في مصر أيضًا، والتي
أُجريت فيها بعض الدراسات أو قُدمت فيها بعض أفكار المشروعات البحثية لتطوير
المحتوى، والتي أشرُف بالإشراف على بعضها.
وفي هذه الدراسة
نستعرض بعض الاتجاهات الحديثة والمداخل المبتكرة لتطوير المحتوى الصحفي والإعلامي
بغية استعادة المساحة المفقودة والتأثير المتراجع للصحافة بنوعيْها المطبوعة
والإلكترونية، وبغية استعادة إقبال القراء وجذبهم إلى استهلاك المحتوى المقدم.
أولًا- نشوء
تقنية الذكاء الاصطناعي واستشراف آفاقه المستقبلية
لقد حقق
التطور التكنولوجي في مجال الاتصال ثورةً هائلة انعكست تفاصيلها على شبكة الإنترنت
والأقمار الصناعية والتكنولوجيا الرقمية وأجهزة الحاسوب والأتمتة وكل ما له علاقة
بمخرجات الذكاء الاصطناعي، وأدت تلك التأثيرات إلى تشكيل حالة فريدة، وبلورة
مفاهيم وآليات إعلامية جديدة كان لها الفضل في ظهور خريطة اتصال حديثة تجمع بين
المرئي والمسموع والمطبوع تستطيع نقل المحتوى بسرعة فائقة للمجموعات والأفراد،
وتُحدث أيضًا حالة من التفاعل المتبادل، وفي بعض الأحيان تُوكل للتكنولوجيا أدوارًا للقيام بها بدلًا من
البشر.
وقد
ساعدت تقنيات الذكاء الاصطناعي فى تقديم مفهومٍ متطور في مجال الإعلام يُعرف اليوم
بصحافة الذكاء الاصطناعى Artificial
Intelligence Journalism أو صحافة
الروبوت Robot Journalismوالتي من المحتمل أن تقود إلى تحولاتٍ كبيرة في بنية
المؤسسات الإعلامية وطرق عملها، كما يُتوقع أن تُمثل الصحافة المستعينة بأنظمة
الذكاء الاصطناعى حالةً فريدة في جمع الأخبار وكتابتها بعيدًا عن الجهد البشرى،
خاصة أن الذكاء الاصطناعي يعمد إلى محاكاة السلوك الإنساني من خلال فهمه وتحويله
إلى برامج حاسوبية لديها القدرة على اتخاذ قرارات والبحث عن حلول لمشاكل معينة عن
طريق توصيفها والاستدلال عليها من خلال المعلومات التي غُذي الحاسوب بها.
ويمكن
تعريف صحافة الذكاء الاصطناعى بأنها: "حقبة جديدة من الإعلام تتضافر مع تقنيات
الثورة الصناعية الرابعة، وتخلق أدواتٍ إعلامية جديدة، وتصيغ محتوى إعلامي أكثر
تأثيرًا، وتحافظ على تنوع الجمهور وتلبي طموحاته، وتصنع قنوات لتبادل الآراء وردود
الأفعال بصورة تفاعلية مستمرة على مدار 24 ساعة".
ولا شك
أن تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته والتطورات التي يشهدها العالم في هذا القطاع
ستقود إلى ثورة تقنية في قدرة وسائل الإعلام على التأثير ومخاطبة الجمهور وتشكيل
الرأي العام، مما يتطلب من مختلف وسائل الإعلام العربية، الاستعداد مبكرا لهذا
الأمر، الذي سيضاعف من التنافسية والسباق المحموم للريادة إعلاميًا على مستوى
الشرق الأوسط والعالم. لأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستوفر لوسائل الإعلام أدواتٍ
أكثر ذكاءً وتقدمًا وسرعة في نقل الخبر إلى المتلقي وتفاعل الأشخاص مع ذلك.
وقد بدا
واضحًا فى السنوات الأخيرة أن الأتمتة اخترقت بقوة المؤسسات الإخبارية العالمية
ونجحت في إنتاج آلاف القصص الإخبارية دون تدخل بشري بدءًا من جمع المعلومات
وتصنيفها ومن ثم تحريرها ونشرها، خاصة في المجالات الرياضية والمالية بالإضافة إلى
أحوال الطقس، ومن المتوقع أن تتوسع لتشمل مجالات التغطية الإخبارية كافة.
وحتى الآن،
يبدو أن استخدامات الذكاء الاصطناعي في الصحافة، حسب التجارب العالمية القائمة،
يشمل خمس مهمات أساسية:
· إنتاج الأخبار القصيرة بشكل آلي في الموضوعات المعتمدة
على البيانات الإحصائية.
· تتبع الأخبار العاجلة وتنبيه الصحفيين بالمعلومات
الجديدة ذات الصلة بموضوع ما.
· إجراء بحث بشكل أسرع وأدق، وربط المعلومات بسرعة
وكفاءة، وتحويلها إلى أشكال بيانية.
· التصحيح الإملائي والنحوي والأسلوبي للغة بشكل
تلقائي.
· فحص الحقائق بشكل سريع وموثوق، واكتشاف الأخبار الزائفة، مثل
الخوارزميات التي بدأ فيسبوك باستعمالها من أجل التخلص من الأخبار الزائفة.
وبرغم من
مخاوف البعض من قيام المؤسسات الصحفية بالتخلي عن العنصر البشري لصالح الروبوت، إلا
أن عديدًا من الدراسات أكدت أن التوجه نحو استخدام البرمجيات في العمل الصحفي، لا
يستهدف الاستغناء عن الصحفيين، ولكنه فرصة لتحريرهم من عمليات إنتاج التقارير
الروتينية، مما يوفر لهم مزيدًا من الوقت للقيام بالمهام المعقدة والتصدي للقضايا
المهمة، والتى تحتاج إلى مزيد
من التركيز والاستقصاء والتحليل.
في هذا
الإطار تتحدد مشكلة الدراسة التي أقوم بالإشراف عليها لتلميذتي دينا طارق محمود
المدرس المساعد بقسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة فى دراسة كيفية توظيف الصحافة
المستعينة بأنظمة الذكاء الاصطناعى فى مصر والاستفادة منها فى تطوير بيئة العمل
الصحفي، وما يترتب على ذلك من تغييرات جوهرية في مستقبل العملية
الصحفية سواء من حيث بنائها، والمسئوليات المنوطة بعناصرها، والأدوار التي من
الممكن القيام بها، إلى جانب تأثيراتها على اللغة الصحفية والإعلامية، وكذلك رصد
أهم مميزات وعيوب تطبيق صحافة الذكاء الاصطناعى بالإضافة إلى الفرص التى تخلقها والتحديات
التى ستواجها فى المؤسسات الصحفية المصرية.
وعلى
جانب أخر تهتم الدراسة برصد تأثير استخدام الروبوت على وظائف الصحفيين
الحاليين، والتعرف على الأدوار المنوط بالصحفيين القيام بها، وأهم المهارات التى
يجب إتقانها للتكيف مع بيئة العمل الجديدة، وتحقيق التكامل بين الصحفي والبرمجيات
من أجل تحسين جودة العمل.
كما تهتم
الدراسة بالاستفادة من رؤية مجموعة من الخبراء (الأكاديميين والممارسين) فى وضع
مجموعة من السيناريوهات المستقبلية للصحافة المصرية فى ظل التطورات التى تفرضها الصحافة
المستعينة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، وهو ما يتيح فرصة لرسم ملامح مستقبل الصحافة
المصرية مع بدء استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى فى العمل الصحفى والتى ستساعد فى
تغيير بيئة العمل ومواكبة التطورات فى غرف الأخبار العالمية والتأثير بشكل كبير
على الصحفيين والمضمون المقدم.
ثانيًا- تطبيقات
الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى
شق
الذكاء الاصطناعي طريقه إلى صالات التحرير الصحفي قبل عدة أعوام عندما أعلنت وكالة
"أسوشيتدبرس", بالتعاون مع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية،
ابتكار أول محرر روبوت مختص بتحرير أخبار الطقس، ونشرة المرور على الطرق السريعة٬
وتطبيق“Quil” الذي
يكتب التقارير السنوية لكل من مجلة "فوربس"، و"إيريكا" مذيعة
الأخبار اليابانية، والمذيع الروبوت الملقب بـ "المذيع التراكبي" في
الصين الذي يحاكي "جان جاو" المذيع الحقيقي في وكالة أنباء
"شينخوا"، و"روزي" الأداة البرمجية التي تحلل طلبات الإنفاق
لكل عضو من أعضاء الكونجرس الأمريكي، الأمر الذي شكَّل نقطة تحول كبيرة في عالم
الإعلام, ومن المرجح أن يقدم لنا تحديات أخلاقية غير مسبوقة تاريخيًا.
وفي
أبريل ٢٠١٧, نشرت وكالة أسوشيتدبرس تقريرًا بعنوان "تأثير الذكاء الاصطناعي في
الصحافة" تحدثت فيه عن ترسخ ما أطلقت عليه "الصحافة المعززة" Augmented Journalism، وفي
التقرير يذكر فرانسيسكو ماركوني، مدير التطوير والاستراتيجية بالوكالة، "إن
مستقبل الأخبار سوف يعتمد على عمل الصحفيين جنبًا إلى جنب مع الآلات الذكية",
ربما يتطلب هذا من المؤسسات الصحفية الاستعانة بعلماء اللسانيات والبرمجيات ومطوري
البرمجيات والتطبيقات الذكية؛ لكي تصمد أمام طوفان الذكاء الاصطناعي. ويشير مصطلح
"الصحافة المعززة" إلى أنه بات من الصعب الفصل بين الواقع والشبكات
الاجتماعية وتطبيقات الهواتف الذكية, حيث أصبح كل ذلك يندرج تحت مسمى حقيقة مدمجة Compact Reality؛ لذا بات على القائم بالاتصال أن يطور من مهاراته في الاستعانة
بوسائل التكنولوجيا الحديثة؛ فهناك تقنية توليد النصوص Text Generation، التي تستهدف صنع نصوص مكتوبة من معلومات أولية, كالبيانات
الجرافيكية والصور البيانية وغيرها، ويعطي موقع "ستاسشيت" الأميركي
للإعلام الرياضي نموذجًا للصحافة التي تعتمد على الأساليب المؤتمتة الذكية لصنع
مواد صحفية بصورة آلية كليًا.
وقد شاع
استخدام الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية إلى الحد الذي دفع الباحثين, في معهد
مستقبل الإنسانية في جامعتي أوكسفورد البريطانية وييل الأمريكية, إلى إجراء
استبيان رأي شمل ٣٥٢ عالمًا من علماء الكمبيوتر, دار حول تنبؤاتهم حول التقدم الذي
يمكن أن يصل إليه الذكاء الاصطناعي خلال النصف قرن المقبل, وكانت النتيجة صادمة؛
إذ اتفقت الأغلبية على أن الذكاء الاصطناعي سيتفوق على البشر، وسيتمكن من أداء المهام
البشرية.
وتتمثَّل
التجربة البارزة لاستخدام الخوارزميات, في العمل الإعلامي في مصر, في تجربة مجموعة
مواقع "سرمدي"، وهي بوابة فنية ترفيهية٬ يقول عنها جورج صبري رئيس تحرير
المجموعة: "إن بوابة أخبار الترفيه العربية قدمت لمستخدميها أداةً
جديدةً تتيح للمستخدم معرفة مواعيد أكثر من مائة برنامج من ثلاثين قناة في المنطقة
العربية؛ وذلك بهدف تقديم متابعة تلفزيونية أسهل، لذا أطلقت أول "بوت"(bot) لدليل التلفزيون في رمضان،
عبر "تويتر", وهو عبارة عن تطبيق ذكي يتيح خاصية الرد التلقائي على
أوامر معينة عبر الإنترنت؛ فعند استعلام المستخدم عن مسلسل معين, يزوده
"البوت" بمواعيد عرضه، ومعلومات عن طاقم العمل، وعند اختيار المستخدم
لطاقم العمل على سبيل المثال، يحصل على قائمة بأسماء الممثلين في المسلسل،
بالإضافة إلى روابط إلى حساباتهم الخاصة على "تويتر"، ويتم ذلك من دون
جهد وفي أقل من الثانية؛ مما أسهم في زيادة عدد المشتركين على صفحة الموقع على "تويتر"
بنسبة 50%، وزيادة نسب تصفح الموقع بنحو ١٣٠٪.
في هذا
الإطار جاءت الدراسة المهمة للدكتورة بسنت عطية المدرس بكلية الإعلام واللغة
بالأكاديمية العربية للنقل البحري بالإسكندرية، والتي استهدفت التعرف على مدى تقبل
القائمين بالاتصال في مصر لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام.
وتحدثت
د. بسنت عن استخدامات تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام؛ حيث ذكرت ليزا جبس, مسئولة إستراتيجية الذكاء الاصطناعي في وكالة
أسوشيتدبرس, في منتدى الإعلام العربي بدبي ٢٠١٨: "إن الذكاء الاصطناعي يحمل كثيرًا
من التطوير لعالم الصحافة والإعلام على صعيد الكم والكيف، حيث يمكن استخدامه
لإنتاج كم هائل من القصص الإخبارية، مقارنةً بما تنتجه وكالات الأنباء، من خلال
تحويل البيانات والأرقام إلى نصوص، وكذلك تحويل النصوص إلى فيديوهات تلخص الحدث،
كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لعمل قوالب متعددة تعالج نفس الخبر من جوانب
متعددة، كعمل تغريدات وعناوين، وتلخيص مختصر للقصة الخبرية، وكتابة نُبذة عن أبطال
الحدث، مشيرة إلى دخول الذكاء الاصطناعي بقوة في عالم الترجمة من خلال ترجمة
الفيديوهات والنصوص إلى أكثر من لغة، وإنتاجها بوسائط متعددة لتناسب كافة المنصات
والأجهزة الذكية، ومساعدة الصحفيين في التعرف على أسماء المسئولين من خلال تقنيات
التعرف عبر الصور".
وهناك
منصات إخبارية عريقة أخرى تعمل على مشروعات تقنية متقدمة لتطوير عملية استخراج
المحتوى الإخباري وكتابة القصص والأخبار الصحفية، مثل "واشنطن بوست"
التي طورت مفهوم الصحافة الآلية، ومنصة "سي إن إن" التي تستخدم نظام "شات
بوت" أو "الدردشة الآلية" لإرسال تقرير يومي للحسابات في "فيسبوك
ماسنجر" عن أهم الأخبار المهمة بناء على اهتمام الجمهور، كذلك تقوم صحيفة "الجارديان"
بالشيء نفسه، أما صحيفة "نيويورك تايمز" فهى تعمل أيضًا على تقليص عمليات
بناء القصص الصحفية والأخبار عبر مشروع محررEditor)) الذي يقوم
على تحليل المحتوى وفهمه عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويرى
خبراء الصحافة أن الصحفيين يمكن تقسيمهم إلى ثلاث فئات وفقًا لموقفهم من صحافة الروبوت؛ الفئة الأولى تعتقد بأن الروبوتات لن تحل محل الصحفيين
البشر؛ لأنها تواجه قصورًا حاسمًا بالنسبة للأدوار التي يمكن أن تقوم بها على
الصعيد الصحفي. وثمة شك كبير في أن الروبوتات ستكون قادرة على فهم الفوارق البسيطة
أو الدقيقة أو قراءة ما بين السطور، وهى الخطوات الرئيسة في تحديد عناصر القصص
الإخبارية، إلى جانب ذلك فالروبوتات لا تستطيع تحمل المسئولية عن محتوى القصص
الإخبارية التي تُعِدُّها؛ لأن هذه العملية تتطلب استقلالية أخلاقية، الأمر الذي لا
يتوفر لدى الروبوتات.
أما الفئة
الثانية من الصحفيين فتقف موقفًا عدائيًّا واضحًا من صحافة الروبوت، وتعمل على مقاومتها،
وتعتبرها منافسًا لها، فضلًا عن رفضها لصحافة الروبوت باعتبار أنها ستكون سببًا
محتملًا لتخريب نوعية الصحافة، وتنظر هذه الفئة بعين الريبة للأفكار التي يتم
تداولها، والتي تشير إلى أن الإقبال على صحافة الروبوت سيتيح للصحفيين التركيز على
كتابة مقالات وقصص أكثر عمقًا.
وتنظر الفئة
الثالثة إلى صحافة الروبوتات بشكل إيجابي، ويعترف مؤيدو هذه الفئة بوجود حدود لهذا
النوع من الصحافة، وتقدِّم هذه الفئة سيناريوهات إيجابية, من بينها أن صحافة
الروبوت تساعد على ظهور قصص إخبارية منقحة، وتطوير أخبار متعمقة، كما تتيح للصحفيين
أوقاتًا إضافية للقيام بمهمات أكثر أهمية مما يمكن أن تقوم به صحافة الروبوت.
وبشكلٍ
عام, يمكن تقسيم وظائف الذكاء الاصطناعي في الإعلام إلى خمس وظائف أساسية, هى استخراج
البيانات وتحسين البحث، واختيار الموضوعات وشخصنة تجربة المستخدم، وفهم ردود الفعل
البشرية وتعليقات الجمهور، وكتابة النصوص الإخبارية، ومكافحة
الأخبار المزيفة.
ثالثًا- تبني
مفهوم "الإعلام العابر للوسائط والوسائل"
أصبح
استخدام الوسائط المتعددة أحد أهم السمات الاتصالية المميزة للصحافة الإلكترونية،
ومع التطور التكنولوجي تمكّنت المؤسسات الصحفية من استخدام عناصر عدة مثل الصوت
والصورة والألوان والفيديو والإنفوجراف لتقديم مضمون صحفي متميز يجذب انتباه
الجمهور لهذا المضمون بعيدًا عن الأشكال التقليدية التي سادت لعقود، واتجه كثيرٌ
من غُرف الأخبار بالصحف ومواقع الأخبار الإلكترونية إلى استحداث أقسام خاصة
بالوسائط المتعددة Multimedia، وتبنّت بعضها نماذج واستراتيجيات حديثة في
تقديم المضمون الصحفي مثل نموذج الإعلام المتقاطع Cross-media model.
فاستخدام
الوسائط المتعددة عنصر مهم وأساس في جذب الانتباه للفن الصحفي وإدراكه بسهولة، لما
تقدمه من إثراء وتعميق للمعلومات وتقديمها في إطار متكامل فعّال، لذا فقد أصبح من
المآخذ ونقاط الضعف في الصحف الإلكترونية اليوم نشر الخبر أو الحدث دون وجود وسائل
إيضاح متمثلة في الوسائط المتعددة.
ويعدّ مفهوم
"الإعلام المتقاطع" Cross-Media أحد المفاهيم حديثة الظهور داخل غُرف الأخبار في
كثيرٍ من المؤسسات الصحفية على مستوى العالم، والتي كان ظهورها كإحدى تبعات
التطورات التكنولوجية المتلاحقة والمتسارعة في الوقت ذاته، وهم ما أدى إلى طرح
التساؤلات المهمة حول طريقة إنتاج المحتوى الصحفي ونشره عبر المنصّات الإعلامية
المختلفة، والتفكير في أساليب جديدة لإعداد المحتوى وتقديمه للمستخدمين، وخصوصًا
بعدما تحول هؤلاء المستخدمون بفعل التحولات الرقمية من مجرد متلقين للمحتوى
الإعلامي إلى محور أساسي وفاعل في العملية الإعلامية برمّتها، ومن ثمّ لم يعد
التنافس الآن بين المؤسسات الصحفية على السبق الصحفي، بل أصبح الأمر يتعلق أكثر
بطرق جذب الشريحة الأكبر من المستخدمين وزيادة نسبة تفاعلهم مع المحتوى الصحفي
المعروض على المنصات الإلكترونية لهذه المؤسسات.
فقد حمل
الاندماج الإعلامي تأثيرًا على استخدام الأفراد لوسائل الإعلام واستهلاكهم
للأخبار، وهى التطورات التي دفعت لمراجعة الكثير من الأُطر النظرية المفسرة لعلاقة
المتلقي بالوسيلة الإعلامية، ومن ثم اتجهت المؤسسات الإعلامية للاعتماد على
الإنتاج والتوزيع والعرض العابر للوسائل Cross
media Production، ما يدفع
المستخدمين للتكيف مع ذلك وتكوين خليط من المحتوى من وسائل مختلفة يبنون من خلالها
بيئاتهم الإعلامية الخاصة العابرة للوسائل أيضًا.
وبناءً
على ذلك، فإن استخدام تقنية "الإعلام المتقاطع" فى عرض المحتوى الصحفي لم
يعد من باب الترف أو الرفاهية بالنسبة للمؤسسات الصحفية، بل إنه أصبح أداةً مهمة
تستعين بها هذه المؤسسات لمواكبة التحولات المطردة في أساليب إنتاج المحتوى الصحفي
في غُرف الأخبار العالمية.
في هذا
الإطار، جاءت الدراسة المهمة للباحث حسين محمد ربيع مدرس الصحافة بالمعهد الدولي
العالي للإعلام بأكاديمية الشروق المعنونة: "التوجهات الحديثة في تقديم
المضمون الصحفي بالمواقع الإلكترونية المصرية: دراسة حالة لاستخدام تقنية الإعلام
المتقاطع Cross-media في إنتاج القصص الصحفية المدفوعة بالبيانات".
يُطلق
مفهوم الإعلام المتقاطع Cross Media على ِنِتَاجٍ معين أو على خدمة تمزج معطيات
النص والصوت والصورة الفوتوغرافية والفيديو والإنفوجراف والرسوم والصور المتحركة،
ويتجاوز هذا التعبير مجرد التعدد في استخدام الوسائط إلى فكرة الدمج بين هذه
الوسائط وتكاملها بشكل يحقق جذب المتلقين ويدفعهم للتعرض للمحتوى الإعلامي المقدم
في هذه الرسائل الاتصالية، بالإضافة إلى إسهامها في بناء المعنى المراد توصيله إلى
هؤلاء المتلقين.
ويُنظر إلى
مصطلح "الإعلام المتقاطع" عادةً على أنه استخدام الوسائط التقليدية على نحو
متبادل بطريقة مبتكرة، وهو عبارة عن أداة اتصال بما في ذلك قصة تشجعك على التبديل من
وسيط إلى آخر والعودة، والنتيجة هي قيمة مضافة للمفهوم؛ حيث يمكن زيادة عمق القصة
الخبرية وجعلها مثيرة للاهتمام.
والإعلام
المتقاطع هو ببساطة عملية تواصل وتعاون لإنتاج الخبر وغيره من الفنون الصحفية، ثم
المشاركة في نشر المحتوى على عدة منصات إخبارية بطريقة متكاملة كي تصل لمختلف
القراء والمشاهدين.
ومن
المفاهيم المتعددة للإعلام المتقاطع يتضح أنه يتضمن جانبين على قدر من الأهمية،
الجانب الأول هو عملية إنتاج المحتوى الصحفي والتي تبدأ من الفكرة التي يقدمها
المحرر الصحفي مرورًا بجمع المعلومات من مختلف المصادر وتنظيمها، وإجراء
المقابلات، وتصوير الفيديو، والتقاط الصور الفوتوغرافية، وتحرير الصوت والفيديو،
وانتهاءً بكتابة القصة الصحفية تمهيًدًا للنشر، أما الجانب الآخر فيتعلق بطريقة
عرض المحتوى عبر المنصات الإعلامية المتنوعة بشكل يحقق التكامل بحيث يصبح من الصعب
الاستغناء عن إحداها، وعملية عرض المحتوى تحتاج إلى عناية كبيرة من قبل غرفة
الأخبار لأن الإخفاق في اختيار الطريقة الأنسب لعرض المحتوى قد تدمر المحتوى ذاته.
ولعل
أقوى بصمات وتأثيرات الوسائط المتعددة في المجتمعات هو التزاوج والاندماج بين
وسائل الاتصال ما أتاح نشر وجمع المعلومات بمستوى عالٍ من الدقة والسرعة
للمستفيدين منها، بل يمكن القول إن وسائل الإعلام وجدت نفسها مجبرة على التكيف مع
طبيعة هذه الوسائط. وقد تطور مفهوم الوسائط المتعددة من مجرد تعدد الوسائط
المستخدمة بشكل متتابع أو متزامن إلى فكرة الدمج بين هذه الوسائط وتكاملها لتتيح
للمتلقي التفاعل والتحكم في عملية التلقي.
وعلى
مستوى الجمهور، ففي ظل تبعات التطور التكنولوجي المتسارع والذي قاد إلى الاندماج
الإعلامي، أصبح الجمهور محور عمليات إنتاج المحتوى نتيجة ظهور مفهوم الجمهور النشط
Active User الذي غيّر
كثيرًا في مفاهيم تحكم الصحفيين بالأخبار المنشورة، حيث بات الجمهور قادرًا على
منح درجات من الظهور لأخبار دون غيرها، عن طريق مشاركاتهم الفعالة على موضوعات دون
أخرى، فإذا كان بمقدور الصحفي نشر موضوع ما، فيمكن للجمهور أن يتجاهلوه ويحرموه
فرص الوصول للعشرات في ظل بيئة إخبارية جديدة تعتمد فيها الترشيحات على معدل تفاعل
المستخدمين مع المحتوى.
ويشير
واقع الاستهلاك الإعلامي أن الجمهور لا يميل إلى الانتقال من استخدام وسيلة إلى
أخرى، ولكنه يتجه إلى استخدام أكثر من وسيلة لاستقاء الأخبار بأنماطها المختلفة،
فقدرة الأفراد على الدخول للمحتوى من خلال منصات أو أدوات متعددة أثرت على
استخدامهم لذلك المحتوى وتوقعاتهم من هذا الاندماج، كما أصبحت الأجهزة المدمجة
سوقًا ضخمة منحت الناس قدرة الدخول على أنواع مختلفة من المحتوى.