سياسة المناورة .. الاتفاق الأمني بين تركيا وحكومة الوفاق وتداعياته على الأمن الإقليمي في شرق المتوسط
أبرمت
حكومة الوفاق الليبية وتركيا اتفاقيتين إحداهما حول التعاون الأمني وأخرى للتنسيق
في المجال البحري، وذلك خلال لقاء جمع رئيس الحكومة الليبية فايز السراج والرئيس
التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول، في 28 أكتوبر 2019، جدد خلاله الرئيس التركي
أردوغان استمرار دعم بلاده لحكومة الوفاق، وتمثل هذه الاتفاقية بمثابة تأكيد
للتعاون العسكري والأمني الذي يشهده الجانبين بالفعل من قبل.
وتسبب
الإعلان عن الاتفاقية في الكثير من ردود الفعل الإقليمية والدولية الرافضة لمثل
هذه التحركات، إضافة إلى التخوفات المتزايدة من إمكانية التصعيد العسكري بين دول
منطقة شرق المتوسط، خاصة وأن دول المنطقة بالفعل تشهد حالة من الاضطرابات على
خلفية الكثير من الملفات المرتبطة بصورة وثيقة بترسيم الحدود البحرية بينهم، إضافة
إلى التوترات السياسية في ملفات أخرى تتعلق بحدود الدور الذي تمارسه كل دولة خاصة
وأن الجانب التركي يتعرض لمعارضة كبرى من جانب دول المنطقة لمسارات تحركه التي من
شأنها إفراز حالة من الاضطرابات المتجددة، ومن ثم فإن لجوء حكومة الوفاق إلى
انتهاج هذا المسلك سيتسبب في زيادة مستوى التوترات الإقليمية فيما يتعلق بتجديد
النزاع حول التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، وزيادة معدلات التوتر التي ستنعكس بصورة
كبيرة على الأمن الإقليمي في شرق المتوسط.
الجدير
بالذكر أن ليبيا أقدمت على إبرام هذا
الاتفاق رغم أن هناك دعوة وجهتها الجامعة العربية لأعضائها في أكتوبر 2019 لوقف
التعاون مع أنقرة والحد من تمثيلهم الدبلوماسي في تركيا إثر الهجوم العسكري التركي
على المقاتلين الأكراد في شمال سوريا.
ردود الفعل
بمجرد
الإعلان عن الاتفاقية بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية في طرابلس؛ توالت ردود
الفعل المناهضة لمثل هذه التحركات؛ حيث أعلنت مصر في بيان صادر عن وزارة الخارجية
ادانتها الاتفاق التركي مع الحكومة الليبية في طرابلس برئاسة فايز السراج، وأجرى
وزير الخارجية المصري سامح شكري، اتصالًا هاتفيًا بكل من وزير خارجية اليونان
نيكوس دندياس ووزير خارجية قبرص نيكوس خريستودوليدس بشأن الاتفاق، وتوصلوا إلى أنه
لا وجود لأي أثر قانوني لهذا الإجراء الذي لن يتم الاعتداد به لكونه يتعدى صلاحيات
رئيس مجلس الوزراء الليبي وفقًا لاتفاق الصخيرات، فضلًا عن أنه لن يؤثر على حقوق
الدول المشاطئة للبحر المتوسط بأي حال من الأحوال.
على
الجانب اليوناني استدعت أثينا سفير ليبيا لديها لطلب معلومات عن مضمون الاتفاق العسكري
الذي وقعته تركيا مع حكومة الوفاق الليبية، كما أعربت إن عن استيائها من هذا
الاتفاق وطلبت من السفير اللليبي تزويدها بمعلوماتفي موعد أقصاه الخامس من ديسمبر
تحت طائلة طرده، فيما صرح المتحدث باسم الخارجية اليونانية الكسندروس ينيماتاس بأن
"توقيع هذا الاتفاق لا يمكن أن ينتهك الحقوق السيادية للدول الأخرى لأن ذلك
سيكون انتهاكًا صارخًا للقانون البحري الدولي". وأعلن رئيس الوزراء اليوناني
كيرياكوس ميتسوتاكيس أن أثينا ستطلب الدعم من حلف شمال الأطلسي خلال قمته المقررة 4 و5 ديسمبر 2019 في لندن بعد توقيع أنقرة اتفاقًا
عسكريًا مع حكومة الوفاق الليبية.
بجانب
هذه الإجراءات طالبت مصر المجتمع الدولي، بحسب البيان، بـ"الاضطلاع
بمسئولياته لمواجهة هذا النهج السلبي الذي يأتي في توقيت دقيق للغاية تتواصل فيه
الجهود الدولية بالتنسيق والتعاون مع الأشقاء الليبيين في إطار مسار برلين، للتوصل
لاتفاق شامل وقابل للتنفيذ يقوم على معالجة كافة جوانب الأزمة الليبية، بما يحافظ
على وحدة ليبيا وسلامتها الإقليمية، ويساعد على استعادة دور مؤسسات الدولة الوطنية
بها، ويساهم في محاربة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة واستعادة الأمن، وتعبر مصر عن
مخاوفها من تأثر عملية برلين السياسية من جراء هذه التطورات السلبية".
مسار العلاقات التركية -
الليبية
تتشابك
التحركات التركية داخل ليبيا في الكثير من الاتجاهات فهي تؤطر علاقاتها مع حكومة
الوفاق الليبية في طرابلس، وتدعم الجماعات المسلحة الموالية لها كما تستقطب
القيادات التي تقبل التعاون معها، وفتحت أنقرة مسارات لعلاقات مع الجماعات المسلحة
في مدينة مصراتة الليبية، الجدير بالذكر أن الدور التركي بدا حاضرًا في الداخل
الليبي منذ اندلاع الثورة الليبية للحفاظ على المصالح التركية الاقتصادية؛ حيث أن
السوق الليبية تتزايد بداخلها الشركات التركية التي تصل 120 شركة، كما أنه بعد
سقوط النظام السياسي الليبي شرعت أنقرة في تقديم الدعم للتنظيمات المسلحة الممثلة
في حزب العدالة والبناء المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وميليشيات مدينة مصراتة
في الغرب الليبي، ومن قبل قدمت أنقرة الدعم للجماعات المسلحة في تحالف فجر ليبيا
في مواجهة عملية الكرامة التي أطلقها الجيش الوطني الليبي في مايو 2014، بقيادة
"خليفة حفتر"، وهو ما تسبب في توتر علاقاتها مع الشرق الليبي، حيث وجه
قائد الجيش الليبي في الشرق "حفتر" اتهامات لتركيا بدعم
"الإرهاب" في ليبيا، وأصدرت حكومة الشرق الليبي قرارًا بإيقاف التعامل
مع كافة الشركات التركية في ليبيا ردًا على سياساتها الداعمة لتحالف "فجر
ليبيا".
وتتجه
مسارات السياسة التركية نحو تحقيق جملة من الأهداف بعضها يتعلق بالتوغل الاقتصادي والمشاركة
في مشاريع إعادة الإعمار والسيطرة على الموانئ كونها تعد مجالًا للنفوذ في بلد
يعتبر من أكثر البلدان أهمية واستراتيجية في البحر المتوسط، في ظل السياسة التركية
الهادفة للتوسع في الأسواق الخارجية من خلال التجارة وفتح أسواق جديدة، بجانب ذلك فإن
الأهداف التركية لا تقتصر فقط على تحقيق التوغل الاقتصادي في العديد من دول العالم
الثالث؛ وليس أيضًا مجرد تمكين تلك الجماعات المتطرفة من زعزعة استقرار ليبيا، بل
تقويض دول الجوار الجغرافي خاصة مصر التي بعد الإطاحة بحكم الإخوان الذين تدعمهم
أنقرة، ومن ثم يتمثل الهدف الأساسي هو تحقيق مزيد من حالة عدم الاستقرار التي من شأنها تنفيذ
أجندتها الخاصة بالتوسع.
تهديد الأمن الإقليمي
في ظل
نزاع تركيا مع دول شرق المتوسط حول ثروات الغاز الضخمة المُكتشفة حديثًا والإشكاليات
المتعلقة بالحدود البحرية المشتركة خاصة مع قبرص واليونان ومصر، تمكنت تركيا من توقيع
مذكرة ترسيم حدود بحرية يتيح لتركيا التنقيب عن الغاز مع المؤسسة الوطنية للنفط
بالشمال الغربي لليبيا، ما سيضر بالمنتدى المتوسطي للغاز الذي شكَّلته مصر بعضوية
7 دول باستثناء تركيا، كما إن إدانة مجلس النواب الليبي، توقيع رئيس حكومة الوفاق
الاتفاق الأمني والبحري مع تركيا، ووصفه بالخيانة العظمى، محذرًا من بأن الجيش
الوطني لن يقف مكتوف الأيدي أمام تآمر أردوغان مع المجلس الرئاسي والميليشيات
الإرهابية، إلا أن هذا الأمر سيتسبب في العديد من الانعكاسات السلبية على مستوى
الداخل الليبي أو الأمن الإقليمي لمنطقة شرق المتوسط.
داخليًا:
من المحتمل أن تتسبب العلاقات المترابطة بين حكومة الوفاق وتركيا من استمرار تدفق
الأسلحة والدعم السياسي للجماعات المسلحة في الغرب الليبي، خاصة في ظل العديد من
الدلالات التي تؤكد تورط تركيا في العديد من هذه التوجهات غير المشروعة وذلك في ظل
حالة الحظر الدولي على بيع الأسلحة لليبيا؛ حيث تمكنت السلطات اليونانية من القبض
على سفينة تركية محملة بالأسلحة قرابة سواحلها في يناير 2018، ورغم أن السفينة كانت تحمل علم تنزانيا إلا أنها أخذت
حمولتها من مينائي مرسين والإسكندرونة التركيين، كما ألقت السلطات الليبية في
ميناء الخمس البحري غرب ليبيا في 17 ديسمبر 2018، القبض على شحنتي أسلحة ضخمتين وذخائر وحمولات قادمة من
ميناء مرسين التركي كانت في طريقها إلى الجماعات المسلحة، وبالتالي استمرار حالة
التأزم الداخلية وصعوبة الوصول إلى حل توافقي بين الليبيين.
خارجيًا:
هناك دلالات عدة على أن ارتباط حكومة الوفاق بعلاقات مع تركيا سيؤدي إلى زيادة حدة
الاضطرابات في منطقة غاز شرق المتوسط، خاصة في ظل زيادة مستوى التوتر بين تركيا
ودول منطقة شرق المتوسط المتواجد بالأساس، والرفض الإقليمي للممارسات التركية فيما
يتعلق بالتنقيب عن الغاز في المناطق الاقتصادية الخاصة بالعديد من الدول خاصة قبرص
واليونان، وبالتالي زيادة مستوى التصعيد السياسي والعسكري بين دول المنطقة الأمر
الذي يؤشر على إمكانية زيادة مستوى التسلح والصراعات في المنطقة التي تشهد بالأساس
خلافات قانونية وسياسية.
المراجع:
1) ليبيا... ما تداعيات
الاتفاق العسكري بين تركيا وحكومة السرّاج؟، على الرابط: https://cutt.us/MnN0Z
2) الاتفاق
التركي-الليبي.. لماذا تناوش أنقرة القاهرة وحلفائها؟، على الرابط: https://cutt.us/OH5P3
3) مصر واليونان: توقيع
حكومة الوفاق في ليبيا على مذكرتي تفاهم مع تركيا "غير شرعي"، على
الرابط: