المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. عبد الرحمان الأشعاري
د. عبد الرحمان الأشعاري

كيف يدير العدالة والتنمية الملف الإعلامي في المغرب؟

الأحد 10/نوفمبر/2019 - 05:54 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تحاول هذه الدراسة، اعتماد مقاربة موضوعية تتوخى الوقوف بقدر المستطاع على بعض التفاصيل والحيثيات التي تخص المجال الإعلامي مع التركيز خصوصا على المستجدات التي ميزت ولاية الحكومة المغربية التي يرأسها الإسلامي عبدالإلاه بنكيران ما بين (2011ـ2016)(1).

                ومن المستجدات التي جاءت بها هذه الحكومة بخصوص هذا القطاع، إصدار الكتاب الأبيض بهدف تقنين الصحافة الإلكترونية، وإطلاق دفاتر التحملات الخاصة بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، بالإضافة إلى ورش إصلاح منظومة قوانين الصحافة والنشر والحق في الحصول على المعلومة من أجل مواكبة التحولات العميقة التي يعرفها المغرب في مجال الحريات.

                ذلك أن المغرب في سياق ثورات الربيع العربي كان أول بلد تفاعل بشكل سريع مع تطلعات الحركات الاجتماعية النشيطة من خلال اعتماد دستور جديد في 2011 قطع مع العديد من العادات والممارسات السياسية والاجتماعية السيئة، وكرس قوانين ومبادئ مجتمع حديث يقوم على الديمقراطية والمواطنة التشاركية والتعددية السياسية والتنوع الثقافي واللغوي وحرية الرأي والصحافة.

                غير أن عملية تنزيل هذه القوانين الدستورية الجديدة على أرض الواقع لم تكن بالشكل المطلوب وبالمستوى الذي ينتظره الجميع، فالمواطنون كانوا وما زالوا ينتظرون مثلا أن تقدم القنوات والمحطات العمومية، خدمة عمومية، لا أن تبقى خاضعة لنهج رسمي، كما كانت قبل اعتماد الدستور الجديد.

                وحسب متتبعين لهذا الشأن، فقد كان من واجب الحكومة أن تسلك هذا الاتجاه بدل أن تدخل في سجالات هامشية، وتخلق بالتالي صراعات وجيوب جديدة، تتيح الفرصة، لكل من لا يريد الإصلاح، لتحوير النقاش وتحريفه والابتعاد عن المضمون الحقيقي للدور الذي ينبغي أن تلعبه وسائل الإعلام، كما أن الممارسة اليومية للأجهزة الحكومية لم تتطور في اتجاه الاستجابة لروح الدستور، بل ظل أسلوب التكتم والانغلاق هو سيد الموقف، مما يشير إلى أن هذه الحكومة غير قادرة على الاستجابة لطموحات وتطلعات الشعب المغربي.

الحق في الحصول على المعلومة

                من الحسنات الكبرى التي جاء بها الدستور الجديد بخصوص هذا القطاع، الحق في الوصول إلى المعلومة، في إطار تنفيذ مقتضيات الشفافية والحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة وإتاحة الفرصة لكل أفراد المجتمع بمراقبة الشأن العام، وتقول المادة 27 منه على أن "للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العمومية، ولا يمكن تقييد هذا الحق" (2).

وفي يناير 2012، أقر المغرب تعديلا لقانون الصحافة والنشر تضمن بندا عاما عن الحصول على المعلومات، ونصت المادة الأولى على أن "لمختلف وسائل الإعلام الحق في الوصول إلى مصادر الخبر والحصول على المعلومات ما لم تكن هذه المعلومات سرية بمقتضى القانون."

                وأطلق المغرب بموجب ذلك، البوابة الوطنية للمعلومات على شبكة الأنترنت وأنشأت عدد من الوزارات والمؤسسات العامة مواقع لها على شبكة الأنترنت، غير أن هذه المبادرات مازالت قاصرة عن تحقيق انفتاح الحكومة، فلا يوجد قانون يلزم المؤسسات العامة بالحفاظ على موقع إلكتروني على شبكة الأنترنت ويحدد محتواه وحقوق المواطنين في مقابل واجبات المؤسسات العامة، أو يحدد الجزاءات للمخالفين وآلية للإشراف، كما أن القانون لم يتضمن إنشاء آلية يمكن من خلالها لوسائل الإعلام الوصول إلى مصادر الأخبار، ولم يحدد واجبات الدولة وعواقب الامتناع عن تقديم المعلومات، ويفتقر أيضا إلى آلية للطعن والتظلم من رفض المؤسسات العامة تقديم المعلومات، وينطوي القانون على عدد من المآخذ من حيث غموضه ونظام جزاءاته وعقوباته.

                زد على ذلك أن مشروع القانون الذي وضعته الحكومة الحالية في هذا الصدد، تقول النقابة الوطنية للصحافة المغربية، "هزيل ولا يستجيب لهذه المبادئ الواردة في الدستور، وأهم ملاحظة على هذا المشروع هو أن وضعه تم بتشاور مع عدة وزارات، فيما كان التشاور مع الأطراف المدنية الأخرى، وخاصة تلك المختصة في الموضوع، ضعيفا جدا، ونتج عن كل هذا مشروع قانون يتضمن استثناءات كثيرة، بصيغ عامة وفضفاضة، تفتح المجال واسعا أمام إفراغه من مضمونه".

                وفي هذا الإطار، وجه خبراء وباحثون مغاربة، انتقادات شديدة إلى هذا المشروع، متهمين الحكومة بافتقاد الجرأة اللازمة لتنزيل مبادئ الدستور في هذا الشأن. (3)

                وأجمع هؤلاء على أن مشروع قانون الحق في الولوج إلى المعلومة محتشم للغاية ولا يرقى إلى ما هو معمول به في بلدان أقل تطورا من المغرب، موضحين أن "المعلومة هي أوكسجين الديموقراطية"، لأنها تحفز المواطن على المشاركة في القرار وتقييمه، كما تكرس الشفافية من خلال سيادة منطق المساءلة.

                وأبرز الخبير السيد عز الدين أقصبي (4)، أن مشروع القانون يكرس الاستثناءات والمحظورات عموما، والتي باستطاعتها أن تلغي حق الوصول إلى المعلومة في مجالات عدة، كالاقتصاد والمالية والدفاع والأمن، كما أنه يمنح الإدارة مكانة بارزة (وسلطة تقديرية واسعة) في اللجنة الوطنية، ولا يمنح المجتمع المدني إلا حيزا رمزيا ويغيب تماما ممثلي وسائل الإعلام والمستهلكين.

                واعتبر السيد أقصبي أن إمكانية الطعن في قرارات الإدارة عندما ترفض تسليم المعلومة، تمييزية لأنها مشروطة بالقدرة المالية على أداء الكفالة، مشيرا إلى أن التعامل مع مبدأ حسن النية غير متكافئ، إذ يجري قبوله بسهولة من طرف الموظف الرافض منح المعلومات أو على أكثر تقدير تبقى العقوبات رمزية، بينما يجري التعامل بصرامة مع الموظف الذي يمنح خطأ معلومات غير مسموح بنشرها.

                وخلص أقصبي إلى القول إن "كل هذه الأسباب تجعلنا أمام هندسة قانونية ستقلص بشدة الحق في الوصول إلى المعلومة وتكاد تخنقه، وبالتالي، فإنها تمثل تراجعا تزيد من حدته المادة 40 التي تمنح الإدارة كل الحرية لكي تخرج القانون إلى الوجود متى شاءت وبحسب النصوص التطبيقية التي تتحكم في صياغتها".

                وكان المشروع قد جاء في إطار تنزيل أحكام الفصل 27 من الدستور الجديد بعد أحداث الربيع العربي، وهو مشروع ينص على الحق في الحصول على المعلومات كحق من الحقوق والحريات الأساسية، وكذلك في إطار تنفيذ الالتزامات الدولية للمغرب، لاسيما المادة 19 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمادة 10 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

                إن حق الإطلاع على الوثائق يمكن المواطنين من مراقبة ما يحدث داخل الأجهزة الحكومية، ويفضح الفساد، سوء الإدارة أو استغلال الموارد العامة لمصالح شخصية، وهو تعبير ملموس عن حق جميع المواطنين في الوصول إلى الوثائق الرسمية والإطلاع على الأنشطة الحكومية، وبالتالي تقع على عاتق السلطات مسؤولية الالتزام بضمان حق المواطن بالوصول إلى المعلومات، ذلك أن التشريعات المتعلقة بهذا القانون من شأنها أن تزيد من إمكانيات المجتمع المدني في إيجاد الحلول اللازمة لمختلف القضايا والمشاكل التي تتخبط فيها البلاد.

قانون الصحافة والنشر

                وفيما يخص مشروع قانون الصحافة والنشر بالمغرب فإنه يمكن القول أنه لأول مرة يخرج إلى حيز الوجود مشروع قانون لا يتضمن أية عقوبة حبسية في حق الصحافيين، كما أنه سحب من الحكومة حق منع صدور أية صحيفة مغربية أو دخول أية صحيفة أجنبية إلا بقرار قضائي، وهو ما نادت به العديد من الهيئات الحقوقية الوطنية والدولية.

                ويقترح مشروع القانون فصل الدعوة العمومية عن الدعوة المدنية بحيث يمكن للمتضرر أن يلجأ إلى المحكمة للمطالبة فقط بالتعويض المادي أو الرمزي، دون إلزامية المرور عن طريق النيابة العامة، كما في السابق، حيث كان يترتب عليه التعويض أو الغرامة أو الحبس أو هما معاً.

                ويعيد مشروع قانون الصحافة الجديد كذلك، النظر في جرائم القذف والسب، حيث تم توضيحها وتبسيطها على عكس الغموض الذي كان يكتنف القانون القديم من قبيل "المس بالنظام العام"، كما تم، حسب مصادر إعلامية، الرفع من الغرامات تعويضا للعقوبات السالبة للحرية، فيما بقي التعويض كما هو عليه بالقانون القديم وترك للقاضي التقدير في حجم الضرر الذي يتعرض له المعني، في الوقت الذي طرح فيه إمكانية التنصيص على مقتضى مراعاة رقم المعاملات التجارية لكل جريدة.

                غير أن تطلعات حكومة بنكيران إلى سن مثل هذه الفصول القانونية لم يحل دون اعتقال الصحافي علي أنوزلا، مدير صحيفة لكم الإلكترونية، الذي وجد نفسه ذات يوم متهما في إطار قانون الإرهاب عقب نشره على موقعه لفيديو منسوب إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يتضمن دعوة صريحة لارتكاب أعمال عنف في المغرب والتحريض عليها.

                وبغض النظر عن كون هذا الاعتقال مشروع أو غير مشروع، فإن تنفيذه في إطار قانون مكافحة الإرهاب طرح أكثر من علامة استفهام ودفع نحو 60 منظمة دولية مدافعة عن حرية التعبير وحقوق الإنسان إلى إطلاق بيان مشترك تطالب فيه بالإفراج الفوري وإسقاط التهم عن الصحفي علي أنوزلا، مدير الطبعة العربية من الموقع الإخباري Lakome، الذي ألقي القبض عليه يوم 17 شتنبر/أيلول 2013.
                وأعلن موقعون على البيان بأن التهم الموجهة من قبل قاضي محكمة الاستئناف بالرباط إلى علي أنوزلا يوم 24 شتنبر/أيلول 2013، ومن بينها "الدعم المادي"،و"تمجيد الإرهاب" و"التحريض على تنفيذ أعمال إرهابية" لا أساس لها بموجب القانون الدولي، وأشاروا إلى أنها انتهاك خطير لحرية الصحفي في التعبير وحقه في إعلام الجمهور، مشددين على ضرورة إسقاط التهم الموجهة إليه وإطلاق سراحه فورا.
                وأضاف الموقعون أنه بعد الإطلاع على المادة المنشورة يوم 13 شتنبر/أيلول 2013 على موقع Lakome.com، تبين لهم أن استنتاجات النائب العام للملك التي اعتبرت المقال بمثابة دعم مادي للإرهاب وإشادة به، وتحريضا على ارتكاب عمل إرهابي، لا أساس لها من الصحة بموجب القانون الدولي، موضحين أن المقالة تعرض ببساطة محتويات فيديو جماعة القاعدة بالغرب الإسلامي الذي يوصف بأنه "دعاية"، ويوفر رابطا غير مباشر لذلك، ومعبرين عن خشيتهم من أن تكون التهم الموجهة لأنوزلا والاعتقال الذي يتعرض له مرتبطان باختياراته التحريرية، خصوصا مقالاته التي تتطرق بالانتقاد الشديد للشخصيات السياسية التي تحتل مناصب عليا في الدولة.
                وذكرت المنظمات السلطات المغربية وفقا للجنة حقوق الإنسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة بأن أفعالا مثل "تشجيع الإرهاب" و"النشاط المتطرف"، و"مدح"، و"تمجيد" أو "تبرير" الإرهاب، ينبغي أن تحدد بدقة من أجل ضمان عدم وجود مساس غير مبرر أو غير متناسب مع حرية التعبير، مؤكدة على ضرورة تجنب القيود المفرطة للوصول إلى المعلومات أيضاً.
                وقالت المنظمات في بيانها إن وسائل الإعلام تلعب دورا حاسما في إعلام الجمهور حول الإرهاب، ولا ينبغي تحجيم قدرتها على العمل، كما لا ينبغي معاقبة الصحفيين بسبب أنشطتهم المهنية المشروعة، مشيرة في هذا الإطار ووفقا للمعايير الدولية التي وضعت في دجنبر/كانون الأول من العام 2008 من قبل المقرر الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير في الأمم المتحدة والمقررين الإقليميين المتابعين لأوضاع حرية التعبير والإعلام لدى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومنظمة الدول الأمريكية واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، إلى أن "تمجيد الإرهاب لا ينبغي أن يعاقب إلا إذا كان التحريض متعمدا، وهذا يعني أنه يشكل دعوة مباشرة لارتكاب أعمال إرهابية تكون مسؤولة بشكل مباشر عن ازدياد خطر الأعمال الإرهابية، أو المشاركة فيها، لذا فإن مفاهيم غامضة حول تقديم المساعدة في التواصل للإرهابيين والمتطرفين، أو "التمجيد" أو "الترويج" للإرهاب أو التطرف، من خلال مجرد تكرار التصريحات التي أدلى بها الإرهابيون، فهذا ليس في حد ذاته مساعدا لهم ولا ينبغي أن يعاقب".

                النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أكدت بدورها في بلاغ عممته على وسائل الإعلام بتاريخ 19 فبراير/شباط 2014، على موقفها القاضي بوقف متابعة مدير "لكم"  بقانون الإرهاب، وتجدد مناشدتها بإلغاء هذه المتابعة، معتبرة أن اعتقال أنوزلا، ومتابعته بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب، مسالة غير مقبولة، و بناء على ذلك ناشدت السلطات القضائية، المكلفة بهذا الملف، بأن تلغي هذه المتابعة.

                وجددت نقابة الصحفيين في بلاغات سابقة لها، أو في لقاءاتها مع السيد وزير العدل السابق مصطفى الرميد، أو مع السيد وزير الاتصال السابق مصطفى الخلفي، التأكيد على رفضها التام لاستعمال أي قانون آخر، في ما ينشر أو يبث، غير قانون الصحافة، خاصة وأن هذا القانون يتضمن مواد تمكن القضاء من إجراء عمليات الاستنطاق والبحث وحتى المتابعة في كل قضايا الصحافة والنشر. 

                ومثل أنزولا، صباح الثلاثاء 18 فبراير/شباط 2014 أمام قاضي التحقيق الذي أجل التحقيق معه إلى 20 ماي 2014، في نفس التوقيت الذي نظم فيه عدد كبير من الحقوقيين والإعلاميين والسياسيين، وأنصار حرية التعبير والإعلام، وقفة احتجاجية أمام محكمة الاستئناف بسلا، رافعين لافتات تدين المتابعة، وتطالب بإيقافها، كما حضر الوقفة الاحتجاجية وكالات إعلامية دولية.

                وفي كلمتها، جددت خديجة الرياضي، منسقة اللجنة الوطنية للدفاع عن أنوزلا، والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وفقا لما جاء في موقع إنصاف برس، تأكيدها على غياب الأسس القانونية لمتابعة أنزولا، مؤكدة مرة أخرى على استمرارهم في النضال حتى إيقاف المتابعة.

                واشتغل علي أنوزلا في جريدة الشرق الأوسط واستقال منها بعد حرب الخليج الثانية، ليرحل إلى فرنسا ومن بعدها تونس، ثم استقر في ليبيا ثلاثة أشهر، عمل خلالها صحافيا في وكالة الأنباء الليبية، وعاد مرة أخرى إلى المغرب ليشغل منصب مدير مكتب جريدة الشرق الأوسط في الرباط بين 1998-2004.

الصحافة الإلكترونية

                تحولت الصحافة الإلكترونية من مواقع إلكترونية ومدونات وغيرها خلال الأعوام الأخيرة إلى وجهة مفضلة لعدد كبير من الصحفيين والصحفيات الذين وجدوا فيها ملاذهم الأخير والفضاء الذي يسمح لهم بنشر إنتاجهم الإعلامي في حالة تعرضهم للمضايقة أو الترهيب وبالتالي التغلب على القيود التي تفرضها الحكومة على حرية الرأي والصحافة، بحيث وفر هذا الشكل الإعلامي الجديد لهؤلاء، فرصة لنشر آرائهم، والنبش في المحظور وانتقاد الأوضاع السياسية، ما جعلهم عرضة للاعتداء والاعتقال من طرف القوات العمومية كلما حاولوا التقاط صور أو استقاء تصريح ما حول أحداث اجتماعية صرفة تعرفها بعض المناطق من المغرب.

                ويمكن القول أن هجرة الصحفيين إلى العالم الافتراضي تفاقمت خاصة خلال العام 2008، التي لقبها تقرير صادر في نفس العام عن منظمة مراسلون بلا حدود، بسنة تكميم أفواه الصحافة المكتوبة، بحيث أقدمت الحكومة في تلك الفترة على عقد مسلسل من المحاكمات ضد عدد من المنابر الصحفية أسفرت عن حذف بعضها من الوجود فيما لا يزال بعضها الآخر يصارع إلى يومنا هذا من أجل البقاء، وأخص بالذكر صحيفة "نيشان" و"لوجورنال" و"تيل كيل" و"الوطن الآن" وصحيفة "المشعل". 

                وأشار التقرير إلى أن الدولة المغربية فازت بكل القضايا التي رفعتها ضد بعض الصحافيين بموجب قانون الصحافة أو القانون الجنائي، ولم يتمكن القضاء من إثبات استقلاليته، بحسب التقرير المذكور، مؤكدا أنه سنة قبل ذلك عملت وزارتا الاتصال والعدل على تطوير قانون الصحافة بالتشاور مع النقابة الوطنية للصحافة المغربية، والاتحاد المغربي للناشرين، إلا أنه لم يتم تقديم أي مشروع قانون إلى البرلمان لأن الأطراف المعنية لم تنجح في التوافق على نسخة نهائية، كما أوضح التقرير أن السلطات المغربية أظهرت أنها ليست مستعدة تماما لإلغاء العقوبات من جنح الصحافة، وهو ما تم استخدامه حينها من أجل متابعة الصحفيين والصحفيات وإدانتهم بالسجن النافد.

                هذا الوضع الغير السوي سيدفع الصحفيين خاصة منهم العاملين بالصحافة المكتوبة إلى الهروب إلى العالم الافتراضي حيث لا قيود ولا مضايقات ولا متابعات قضائية، وبذلك استطاعت الصحافة الإلكترونية وفي ظرف وجيز أن تتسلق المراتب وتفرض وجودها بقوة في المشهد الإعلامي المغربي، الشيء الذي أحدث جدلا واسعا بين العاملين في الميدان، حول ضرورة وضع قانون منظم لها، فمنهم من رأى في التقنين حبسا للصحافة الإلكترونية ومنعها من ممارسة حريتها في إبداء الرأي، في حين يرى آخرون أن التقنين اعتراف بالدور الذي بات يلعبه هذا الوافد الجديد إلى الساحة الإعلامية المغربية.

                وحسب ورقة تنظيمية للكتاب الأبيض، فإن الصحف الإلكترونية بالمغرب عرفت ارتفاعا هاما خلال العقد الأخير، حيث ناهز عددها 500 موقع خلال العام 2012، وهو ما جعل نفاذ الإعلام الرقمي قويا جدا، مع الإشارة إلى تزامن ذلك، كما سبقت الإشارة، مع نقل عدد من ممارسي الصحافة المكتوبة تجاربهم إلى الشبكة العنكبوتية.

                وأضافت ورقة الكتاب الأبيض، أن كل ذلك عزز من حضور الصحافة الإلكترونية في تنشيط الحياة السياسية والمجتمعية بالمغرب، مع تنامي دورها في تجسيد السلطة الرابعة في الديمقراطية المغربية، وسجلت أن الصحافة الإلكترونية تعد إحدى البوابات الأساسية التي يتأسس عليها مجتمع المعلومات والمعرفة، إلا أنها تثير في الوقت نفسه جملة من الأسئلة، إن لم نقل الانشغالات والمخاوف، المهنية والأخلاقية، والتي تقترن حتما بالأدوار الجديدة التي يجب أن تنهض بها هذه الوسيلة ذات العلاقة بالتكنولوجيات الحديثة للإعلام والتواصل، خدمة للذات والمجتمع والحضارة، مبينة أن الصحافة الإلكترونية المغربية تواجه اليوم  عدة تحديات، ابتداء من فوضى المصطلح التي تطبعها، إذ ما يزال الجدل اليوم قائما حول المفاهيم المؤسسة للحقل كتلك التي ترتبط بماهية الصحافة الإلكترونية، وتعريف الصحفي المهني الممارس في الحقل، يضاف إلى ذلك تحديات البيئة التكنولوجية وتأهيل القطاع والنموذج الاقتصادي، وتحديات المضمون الرقمي، وكذا تحديات أخلاقيات المهنة.

                وحسب دراسة ميدانية أنجزت حول واقع الصحافة الإلكترونية، وردت في ورقة الكتاب الأبيض، فإن المشاكل التي تعاني منها هذه الصحافة تتمثل في صعوبة الحصول على الخبر أو المعلومة، ضعف الموارد المالية والبشرية، غياب قانون منظم لمهنة الصحفي الإلكتروني وللمقاولة الإعلامية الرقمية، ضعف التكوين الأكاديمي وقلة الدورات التكوينية والتأهيلية، الإكراهات التقنية المادية المعلوماتية، الضغوط التي تمارسها السلطات على الصحفي أثناء ممارسة عمله، بالإضافة إلى مشاكل تتعلق بالخط التحريري والأهداف المرجعية للصحيفة الإلكترونية، وصعوبة حماية حقوق الملكية الفكرية للمقال في المجال الإلكتروني.

غير أن المشكل الكبير الذي تعاني منه الصحافة الإلكترونية المغربية، هو ضعف حجم الاستثمار في القطاع، بخلاف ما يجري في بلدان أخرى مجاورة، نتيجة غياب مستثمرين قادرين على احتضان مشاريع واعدة في هذا المجال.

أعطاب الإعلام العمومي

                النقاش الذي ظل يدور داخل الأوساط الإعلامية خلال العام 2013، حول وسائل الإعلام السمعية البصرية العمومية على وجه الخصوص يثير القلق ويطرح الكثير من علامات الاستفهام فيما يخص مستقبل هذا القطاع.

                وقد بلغ هذا النقاش أوجه مباشرة عقب كشف لجنة استطلاعية شكلها البرلمان المغربي من داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال شهر يناير/كانون الثاني 2014، عن تقريرها الذي أكد أن الإعلام العمومي بحاجة وقبل أي وقت مضى إلى إصلاحات جذرية، مبرزا بشكل مجمل أن كل قنوات القطب العمومي تعتمد هيكلة متجاوزة تعد عائقا أمام النهوض بالتحديات التي تواجهها، منتقدا بالأساس الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة التي توجد بها 26 مديرية، بعضها أحدث دون الحاجة إليه، كما انتقد الغموض الكبير في التوظيفات، وفي إبرام العقود مع المستخدمين، والافتقار إلى النزاهة والشفافية في إسناد المهام والمسؤوليات.  

                وتحدث التقرير الذي استغرق إنجازه 19 شهرا من العمل، عن تأخر في برامج التكوين وتفعيله، مضيفا أن "مسار الحوار بين الإدارة والفاعلين الاجتماعيين مطبوع بضعف الالتزام مع وجود غموض في مجال التوظيف وإسناد المسؤولية وعدم وضوح مساطر الترقية، خاصة في القناة الثانية".     

                وحول الموارد المالية لتلك القنوات، أشار التقرير إلى أن المقرات لم تعد مناسبة، وكذلك التجهيزات والتقنيات، منبها إلى أن هاته القنوات، خاصة القناة الثانية مرتهنة لمداخيل الإشهار "الذي يحد من استقلاليتها واستقرار تمويلها"، وانتقد التقرير في موضوع الحكامة والتدبير، ما وصفه بـ"مركزة القرار المبالغ فيها"، و"الغموض في اللجوء إلى الإنتاج الخارجي"، والافتقار إلى الشفافية في "مساطر اللجوء إلى الشركات الخاصة"، وغياب "مواثيق التحرير ومجالس التحرير".

                وبخصوص الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة (5)، أوضح التقرير أنها تواجه تحديات منها التفاوت الكبير في المستوى الدراسي والتكوينات مما ينعكس سلبا على الأداء، وافتقار أغلب القنوات للموارد البشرية والتقنية اللازمة والكافية، مشيرا إلى أن مداخيل الإشهار وصلت إلى 225 مليون درهم خلال السنوات الأخيرة لكنها تراجعت بنسبة %5.

                وعن نسبة المشاهدة كشف التقرير أن نسبتها تصل إلى 41 في المائة فقط، مما يعني أن 59 في المائة يهاجرون إلى القنوات الأجنبية، وأن مشاهدي النشرات الإخبارية لا يتعدى 4 ملايين.

وانتقد التقرير، على لسان العاملين والنقابيين في قنوات الشركة، غياب الشفافية والنزاهة في التوظيفات التي لا تخضع للتباري، كما انتقد احتكار شركات معينة ومحدودة لما يزيد عن نصف الصفقات العمومية للشركة، مشيرا كذلك إلى أن عدد المتعاقدين يتجاوز عدد العاملين الرسميين في العديد من المديريات. 

                أما القناة الثانية فقد كشف التقرير أن اللجنة البرلمانية طلبت من المدير العام للقناة لائحة باسم شركات الإنتاج التي فازت خلال السنوات الماضية بالصفقات، لكن "للأسف"، يقول النائب عند الصمد حيكر عن فريق العدالة والتنمية، "لم نتوصل بها لحد الآن".

                التقرير حاول أن يوازن بين ما يقوله مسؤولو القناة والفرقاء الاجتماعيون بها، فبينما اعتبر النقابيون أن جوهر المشكلة التي تعاني منها القناة يرجع إلى النموذج الاقتصادي المتبع فيها، رد المدير العام للقناة بالقول إنها تعاني من منافسة شرسة من قنوات أجنبية، وأكد أنه منذ العام 2008 لم تتم عملية توظيف واحدة داخل القناة، لكن التقرير سجل لجوء الإدارة إلى توظيفات عبر عقود مؤقتة ومتعددة غامضة وتفتقر للشفافية والنزاهة، كما أكد أن ذلك يتم على حساب الأطر والكفاءات خاصة في مديرية الأخبار بالقناة الثانية، لصالح ذوي الولاءات والمقربين، مضيفا أن هناك ثمة تمييزا من المسؤولين بين العاملين في القسم الفرنسي والقسم العربي سواء في الأجور أو التعويضات وغيرها، كما سجل التقرير غموضا كبيرا بشأن الصفقات العمومية، حيث تفوز شركات بعينها بأغلب الصفقات.

                لكن المدير العام رد على ذلك بالقول إن "القناة الثانية تقوم بثلاثة أضعاف ما هو مطلوب منها في دفاتر التحملات"، في الوقت الذي تواجه فيه منافسة شرسة من قنوات أجنبية، الأمر الذي يتطلب أجورا أعلى، مشيرا إلى أن أقل أجر بالقناة هو 5500 درهم، كما يتطلب اللجوء إلى كفاءات وخبرات معينة، وأكد أن موارد الإشهار تشكل 95 في المائة من الموارد العامة للقناة، لكن التقرير نبه "أن تحكم المستشهرين من شأنه أن يهز استقرار تمويلها واستقلاليتها".

                وبخصوص قناة العيون، فقد كشف التقرير أن انطلاقتها كانت بمستخدمين من أبناء المنطقة، حيث تم توظيفهم لاعتبارات قبلية، ولم تكن المجموعة الأولى منهم تتوفر على أي دبلوم مهني في الصحافة، لكنهم خضعوا لتكوينات لمدة 6 أشهر من قبل معهد فرنسي، وأبرز التقرير أن سوء التدبير في القناة أدى أحيانا إلى استقالة جماعية للأطر، لكن مدير القناة في رده اعتبر خطوة الاستقالة ابتزازا ومحاولة لوقف عمل مرفق عمومي بسوء نية يعاقب عليها القانون، وأورد التقرير كذلك أن المدير أصدر قرارات تأديبية دون إحالة على المجلس التأديبي، وقام بتنقيلات عقابية.

                وانتقد التقرير أيضا الغموض في توزيع المنح والتعويضات، واستمرار المعطى القبلي في التوظيفات "التي تعوزها الشفافية"، كما انتقد هيمنة شركة معينة من أصل 50 شركة إنتاج محلية، بعضها غير معترف به من قبل المركز السينمائي المغربي، وهي الشركة نفسها التي تقوم بوظائف أخرى للقناة مثل البستنة والحراسة والنظافة. وفي هذا السياق، طلبت اللجنة البرلمانية من المدير لائحة باسم الشركات التي تفوز بالصفقات، لكنها لم تتوصل منه بأي شيء، بحسب التقرير.

                النقابة الوطنية للصحافة المغربية وبعد اطلاعها على هذا التقرير، دعت في بلاغ لها، إلى وضع خارطة طريق لهذا القطاع، عبر حوار وطني، بمنهجية تشاركية ونقاش عمومي وواسع، تساهم فيه المؤسسات الدستورية والسلطات والقطاع والمجتمع المدني، والخبراء والمعنيون من فاعلين ومنتجين ومستهلكين، مع الالتزام باستقلالية وسائل الإعلام العمومية السمعية البصرية، عن كل الأطراف، من سلطات وأحزاب سياسية ومجموعات اقتصادية وتيارات إيديولوجية، مشددة على ضرورة تقوية وتعزيز القطاع العام، كأساس للمجال السمعي البصري في المغرب، وكنواة صلبة لتقديم خدمة عمومية مع جعل المؤسسات الخارجة عن هذا الإطار، خاضعة للالتزامات والتعاقدات المتوافق عليها، والمؤطرة بالدستور والقوانين.

                كما دعت إلى ضرورة تحديد تصور جديد لمفهوم الخدمة العمومية بهدف الانتقال من التوجه الرسمي إلى تطبيق مقتضيات المرفق العام، انطلاقا من المبادئ الواردة في الدستور، ومن التجارب الدولية المتقدمة في هذا المجال، و احترام مبدأ الحق في الخبر والوصول إلى المعطيات، واعتبار تعددية الآراء من المبادئ الكبرى، التي ينبغي احترامها، من طرف وسائل الإعلام السمعية البصرية، عمومية وخاصة.

                ودعت النقابة الوطنية للصحافة المغربية كذلك إلى مراجعة القوانين المؤطرة للقطاع، في ضوء الإصلاحات الدستورية والتطورات السياسية، الحاصلة في المغرب، نحو مزيد من الانفتاح وتكريس التعددية في الآراء والحق في الاختلاف، ونحو تعزيز تمثيلية الصحافيين والعاملين المهنيين، والمجتمع المدني، في المجالس الإدارية لمؤسسات الإعلام العمومي، مع تطوير آليات الحكامة في التسيير الداخلي لمؤسسات الإعلام العمومي السمعي البصري، خاصة في إدارة الموارد البشرية، وذلك عن طريق وضع قواعد تكافؤ الفرص واعتماد الكفاءات وربط المسؤولية بالمحاسبة ووضع برنامج متطور للتكوين والتكوين المستمر.

                وأكدت نقابة الصحفيين على ضرورة اعتبار وسائل الإعلام العمومية، السمعية البصرية، رافعة أساسية في تنمية الثقافة والفن والترفيه الراقي، وذلك بالانفتاح على مختلف المكونات الثقافية والفنية، وعلى الخبرات والكفاءات والمكونات الثقافية والفكرية..، مع العمل على تعزيز دور وسائل الإعلام السمعية البصرية في تطوير الحوار السياسي والتعددية والتنوع، ومحاربة كل أشكال التمييز ضد المرأة وتصحيح الصورة النمطية حولها، ونشر ثقافة حقوق الإنسان ومبادئ الحداثة والديمقراطية، وأيضا إرساء القواعد والآليات الضرورية، لضمان الاستقلالية المهنية لوسائل الإعلام السمعية البصرية، وذلك بواسطة ميثاق ومجلس للتحرير، منتخب بطريقة ديمقراطية، ووضع الهيآت والهياكل المستقلة لاحترام أخلاقيات المهنة والتجارب مع متطلبات الجمهور، في الارتقاء بدور هذه الوسائط، مبدية استعدادها للنضال من أجل إرساء قواعد هذا الحوار، ومن أجل كذلك تفعيل مضامين الدستور وتحقيق التطور الذي ينتظره المجتمع، ولن يتأتى ذلك إلا بواسطة وسائل سمعية بصرية متطورة تستجيب لمتطلبات الديمقراطية والحداثة، على حد تعبير بلاغ النقابة. 

دفاتر التحملات    

                في استجواب له مع صحيفة "العاصمة بوست" اعتبر الإعلامي المغربي محمد عمورة، رئيس الجمعية المغربية لمهنيي الإذاعة والتلفزيون، أن ملف دفاتر التحملات، ملف يسوق رسالة سياسية بالدرجة الأولى، فهو رهين بأمزجة السياسيين وحساباتهم الخاصة، مشددا على ضرورة إعطاء الأولوية في الوقت الراهن لمشروع إعادة هيكلة الإعلام العمومي (6).

                وأكد محمد عمورة في الاستجواب نفسه أن جمعيته ليست ضد دفاتر التحملات، بل هي تطالب بإنزاله على أرض الواقع، مبينا أن الإعلامي في نهاية المطاف هو الذي ينضبط لدفتر التحملات، والكلمة الحسم فيما إذا كان منتوج هذا الإعلامي جيدا أم سيئا تكون للجمهور.

                ودفاتر التحملات ملف جرى إعداده من طرف وزير الاتصال الحالي أسابيع قليلة بعد تعيينه، إلا أنه ووجه بانتقادات لاذعة من لدن أطراف في الأغلبية والمعارضة، ومن أغلب مسؤولي القنوات العمومية، مما أدخل مشكل هذه الدفاتر في النفق المظلم، ولم يتم الخروج منه إلا بعد تحكيم ملكي، تلاه إعادة دفاتر التحملات إلى لجنة وزارية للتدقيق فيها والبحث في مدى انسجامها مع روح قانون السمعي البصري.

                وعلى هذا الأساس جرى تعديل هذه الدفاتر (7)، وحافظت على إلزام "دوزيم" ببث آذان الصلوات الخمس يوميا، ووقائع صلاة الجمعة وصلاة العيدين، كما تشبثت الحكومة بالجانب المتعلق بالإلتزامات الخاصة بالحكامة والتي لم تعتد التلفزة العمومية على الاشتغال بها، إلا أنه وتحت ضغط المهنيين عادت الحكومة وتراجعت عن إقرار دفاتر التحملات، في صيغتها الأولى، وأعلنت عن إنشاء لجنة وزارية أخرى لإعادة صياغة الدفاتر وذلك بحذف بعض البنود المرتبطة بالإمكانيات المادية والبشرية وكذلك بعض الصيغ ذات الطابع السياسي والإيديولوجي.

                وتؤكد دفاتر التحملات الخاص بـ"صورياد" أنه على القناة المغربية الثانية "دوزيم"، اعتماد برمجة تعكس تنوع مقومات وروافد الهوية المغربية وتجلياتها الثقافية واللغوية والفكرية والمجالية والاجتماعية وتساهم، عبر مختلف برامجها، في إبرازها وإغنائها، وذلك في إطار يحفظ الوحدة ويضمن التنوع ويصون السيادة ويتيح الانفتاح على اللغات والثقافات الأجنبية بما يعزز التواصل وتلاقح الحضارات."

                كما تلزم دفتر التحملات القناة الثانية بتخصيص 50 بالمائة للغة العربية و30 بالمائة من البرامج باللغة الأمازيغية، والتعبيرات العربية واللسان الحساني الصحراوي و20 بالمائة للغات الأجنبية، مع المحافظة على سلامة اللغتين العربية والأمازيغية، خاصة في البرامج الموجهة للأطفال والجمهور الناشئ والنشرات الإخبارية، وفي الدبلجة وفي الترجمة المكتوبة المرافقة للأعمال المبثوثة.

                وتلتزم شركة "صورياد" ببث البرامج، التي تدخل في إطار الالتزامات الكمية المنصوص عليها في الدفتر، بالعربية والأمازيغية والتعبيرات المغربية، مع تخصيص جزء مهم من برامجها للأعمال الثقافية والفنية المغربية وضمان التوازن بين مختلف التعبيرات الشفوية المختلفة.

الشركة تلتزم كذلك، في إطار مهام المرفق العام المنوطة بها، بالمساهمة المتميزة في تثمين وتنمية وإنتاج وبث الثقافة المغربية بتنوع مكوناتها وروافدها الثقافية واللغوية والمجالية.

                والملاحظ أن دفتر التحملات الخاص بشركة صورياد 2M قد حظي بالنصيب الأوفر وكأن القناة الأولى وباقي القنوات الأخرى مثل الرابعة والسادسة والرياضية ومدي 1 تي في ليست معنية بهذا النقاش..

                سليم الشيخ، مدير القناة الثانية "دوزيم"، أحد أبرز المعارضين لدفتر التحملات، شن على هذه الدفاتر حربا عشواء وأنكرها جملة وتفصيلا وأكد في استجواب(8)، أنها ستزعزع القناة الثانية وأنها لم تراع أي تصور من تصورات المهنيين، بل ويكشف أنه لم يطلع عليها هو وفيصل العرايشي، المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة التلفزة المغربية إلا ساعات قليلة قبل مصادقة الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري المعروفة اختصارا بـ"الهاكا" عليها.

                وقال سليم الشيخ "الطريقة التي تمت بها صياغة دفتر التحملات، هي طريقة نرى نحن كمهنيين أنها تتدخل في صلاحياتنا، فهو يعطي إما موعد البث أو صنف البرنامج أو مدته أو حجمه، ما يجعل من دفاتر التحملات مجرد برمجة وتصورات برامج أكثر منها أهدافا واستراتيجيات يمكن أن نسهم في تفعيلها بطريقة تعطي جاذبية وتوصل الرسالة إلى الجمهور".

                ويعود أصل الخلاف في هذه القضية، حسب مجموعة من المتتبعين، إلى الاختلاف في المرجعية بين من يرى في دفتر التحملات، أسلمة للقناة الثانية، وهو تيار يقول بالمحافظة على الهوية وثوابت الأمة ويرى المغرب مستهدفا من الخارج ومتجها إلى فقد هويته أمام منافسة إعلامية شرسة تحتم تقنين الفضاء السمعي البصري باعتباره واجهة المغرب والمؤثر في الأجيال القادمة، وبين من يرى أن القناة الثانية تمثل المغرب الآخر أو المغرب الثاني الحداثي الفرنكوفوني، وهو تيار مجدد يسعى إلى خلق واقع جديد يتجاوب ويتفاعل مع محيطه الاجتماعي والثقافي والسياسي.

الهوامش

(1)          الحديث هنا عن الحكومة، التي كان يقودها الإسلاميون، والتي عينت مباشرة بعد أحداث الربيع العربي خلال العام 2011، وهو العام نفسه الذي تم فيه تعديل الدستور المغربي بتعديلات مهمة.

(2)               المادة 27 من الدستور المغربي المعدل خلال العام 2011.

(3)          وفقا لما جاء في مقالة نشرتها صحيفة الحياة الإلكترونية بتاريخ 28 أكتوبر 2013، تحمل عنوان "الحق في الوصول إلى المعلومة.. مشروع قانون يثير زوبعة إعلامية في المغرب".

(4)               C’est un économiste marocain né le 5 août 1952 à Fès. Il est titulaire d'un doctorat d'État en sciences économiques de l'Université Paris-Dauphine.

(5)               الشركة المالكة للإعلام العمومي في المغرب.

(6)               صحيفة "العاصمة بوسط" العدد الثاني الصادر يوم الأربعاء 2 أكتوبر/تشرين الأول 2013.

(7)               وفقا لما جاء في صحيفة الأخبار في عددها 37 الصادر يومي السبت والأحد 29ـ30 دجنبر/كانون الأول 2012.

(8)               استجواب أجرته معه صحيفة الأحداث المغربية بتاريخ 20 أبريل/نيسان من العام 2012.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟