من ليبيا إلى رواندا...إعادة التوطين لحل أزمة اللاجئين
بدأت عملية نقل اللاجئين المحتجزين في ليبيا إلى رواندا في
السابع والعشرين من سبتمبر 2019، تطبيقًا للاتفاق الذي توصلت إليه المفوضية العليا
لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة مع رواندا والاتحاد الأفريقي، والذي عُرف
باتفاق "إنقاذ الحياة" انطلاقًا من مساهمته في إجلاء المهاجرين المعرضين
للتضرر من الحرب الأهلية القائمة في ليبيا. (1) هذا الاتفاق يبدو، على الرغم من
نفي الأمم المتحدة، أنه جزء من استراتيجية الاتحاد الأوروبي لإبعاد اللاجئين عن
أوروبا، والذي يؤكد ذلك أن التمويل الأساسي لهذه العملية يأتي من الاتحاد الأوروبي.
(2)
ليبيا وتصدير اللاجئين لأوروبا
أصبحت ليبيا القناة الرئيسية للأفارقة الهاربين من الحرب
والفقر، الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا منذ الإطاحة بالرئيس السابق معمر القذافي
عام 2011. واستغل المهربون الحرب الأهلية في ليبيا لإرسال مئات الآلاف من
المهاجرين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا. واستمرت تلك العملية على الرغم من انخفاض
عدد المعابر بشكل حاد منذ عام 2017 وسط حملة يدعمها الاتحاد الأوروبي لمنع
القادمين إليه من ليبيا.
دفعت هذه الأزمة القادة الأوروبيون منذ عام 2014، إلى
الانخراط في نقاش مكثف حول الهجرة كناتج لزيادة غير مسبوقة في عدد اللاجئين وغيرهم
من المهاجرين الذين يدخلون أوروبا هربًا من النزاعات طويلة الأمد في أفريقيا
وبخاصة ليبيا. وقد تضررت دول أوروبا بسبب هذه الأزمة خاصة إيطاليا واليونان وبدرجة
أقل إسبانيا كونهما دول الوصول الأول. أدى
النمو في عدد الوافدين إلى خلق تصور لأزمة لا يمكن السيطرة عليها وجعل الجمهور أكثر
وعياً بهذه القضية. وبالتالي، كان لقضية الهجرة تأثير كبير على الانتخابات التي أجريت
في النمسا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى في الأعوام الخمس الماضية، مما
عزز الدعم للأحزاب الشعبوية.
سياسات المواجهة
سعى الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء إلى الحد من وصول المهاجرين
عبر البحر المتوسط، غير المصرح به من خلال مزيج استباقي من أنشطة الردع والاستخبارات
والمراقبة وأنشطة مكافحة التهريب والتعاون في مجال إعادة المهاجرين مع ليبيا. ومن تلك
الأنشطة تعطيل مهام الإنقاذ الإنسانية في البحر الأبيض المتوسط، وتقديم المساعدات لبلدان
شمال أفريقيا التي تلتزم بوقف تدفق الأشخاص أنفسهم ، وتمويل الأمم المتحدة لإعادة المهاجرين
العالقين في ليبيا، وتمويل خفر السواحل الليبي الذين يقومون بجمع المهاجرين من
البحر وإعادتهم إلى ليبيا، وغالبًا ما يتم احتجازهم في مراكز مزدحمة حيث يواجهون
انتهاكات لحقوقهم كبشر، منها الإجبار على العمل مع الجماعات المسلحة التي تقاتل
الجيش الوطني الليبي.(3) ودعمًا لسياساته، يستخدم الاتحاد الأوروبي والسلطات الوطنية
على نطاق واسع خطابًا لمكافحة تهريب المهاجرين إلى أوروبا، يركز على قسوة المهربين
والأضرار التي يتعرض لها المهاجرون، بمن فيهم طالبو اللجوء واللاجئون. يتوافق هذا الخطاب
مع ما يُعتقد أنه مستساغ سياسيًا، ويسهم في الحفاظ على الوضع الراهن المتقلب.
رغم الجهود المبذولة، فشلت السياسات الأوروبية والوطنية في
كبح جماح المهاجرين عبر البحر المتوسط بشكل كبير، فالردع، والاحتواء والحرب على
التهريب لم تَثبُت فعاليتها، ولم تعوض التكلفة الباهظة التي تكبدها الاتحاد
الأوروبي، فضلًا عن تسبب تلك السياسات في اختناق أزمة الهجرة في جزء من العالم أقل
قدرة على التعامل معها. وهو ما دفع قادة الاتحاد الأوروبي لانتهاج سياسات جديدة
لإبعاد طالبي اللجوء عن شواطئ أوروبا، منها عقد صفقات مع عدة دول مثل ليبيا وتركيا
والنيجر. ففي فبراير 2017 اتفق قادة الاتحاد على زيادة التعاون مع ليبيا للحد من
الهجرة إلى دولهم، كما قاموا بتمويل برامج مواجهة تحديات الهجرة بمبلغ 237 مليون
يورو.
اختيار رواندا كحل للأزمة .. حسابات
التكلفة
بعد الغارات والهجمات الجوية على مراكز احتجاز المهاجرين
في العاصمة الليبية طرابلس، توصل الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي
والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى اتفاق جديد لإجلاء المهاجرين واللاجئين من
ليبيا وإرسالهم إلى رواندا والتي عرضت استقبالهم. هذا الاتفاق يثير عدة تساؤلات
منها: لماذا تم الموافقة على رواندا في حين أن نقلهم إلى النيجر –الواقعة جنوب
ليبيا- أسهل؟ وما هي تكلفة هذا الاختيار على الاتحاد الأوروبي، وعلى المهاجرين
أنفسهم، وما هي الفائدة العائدة على رواندا من هذا الاتفاق؟
استبعاد النيجر كحل
فيما يتعلق بالنجير، فعقب الاتفاق الذي تم التوصل إليه
في اجتماع قمة الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي في نوفمبر 2017، استقبلت النيجر
منذ ذلك الحين أكثر من 2900 مهاجرًا من ليبيا. ولكن يبدو أن استعداد النيجر
للتعاون مع ليبيا والاتحاد الأوروبي قد وصل إلى الحد الأقصى نظرًا لأنه كان من
المفترض أن يتم إعادة المهاجرين الذين تم إجلاؤهم إلى النيجر إلى دولهم بمساعدة
المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أو إعادة توطينهم في أوروبا، لكن هذه العملية لم
تتم لأن دول الاتحاد الأوروبي تقاعصت عن تنفيذها. وفي حين أن الاتحاد الأوروبي قد
استثمر بكثافة في كبح الهجرة غير النظامية عبر النيجر، فإن المشروعات الهادفة إلى
دعم المهاجرين في النجير فشلت في تحقيق ذلك الهدف. ومع توجه النيجر إلى انتخابات
رئاسية في عام 2021، أصبحت الحكومة أقل استعدادًا للترحيب بمزيد من المهاجرين عبر
حدودها وبالتبعية أقل ميلًا للتعاون مع الاتحاد الأوروبي في هذه الأزمة.
مضمون الاتفاق
سعيًا لإيجاد ملاذ آمن للاجئين والمهاجرين نص الاتفاق
الرواندي على أنه سيتم نقلهم من ليبيا إلى رواندا جوًا، في مجموعات تضم حوالي 500
شخصًا سيمكثون في منشأة عبور تقع في العاصمة كيجالي. وأشار إلى أن عملية النقل
ستتم على أساس طوعي –بإرادة المهاجرين واللاجئين- وستُعطى الأولوية لأكثر الفئات
ضعفًا مثل الأطفال والمعوقين والمسنين، كما تم النص على أن معظم اللاجئين سيكونون
من دول القرن الأفريقي.
ولم يحسم الاتفاق ما إذا كان سيتم إعادة توطين بعض
المهاجرين الذين تم نقلهم في دول أخرى، أو مساعدتهم على العودة إلى دولهم الأصلية
إذا كانت آمنة أو السماح لهم بالبقاء في رواندا. ورغم هذا أوضحت رواندا أنها ستنفذ
أيا من تلك الخيارات حسبما تقرر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. كما تعهدت بمنحهم
مكان وتصريح للإقامة بما يمكنهم من الإقامة بشكل قانوني كلاجئين. (4)
جدوى وتكلفة الاختيار
فيما يتعلق باختيار رواندا كمستقبل للمهاجرين واللاجئين،
فمن المؤكد أنه سيأتي بثمن سياسي جاد سيتكبده الاتحاد الأوروبي. فرئيس رواندا بول
كاجامي لم يرحب باللاجئين بدافع تقديم المساعدة، فمن المرجح أن يطلب مكافأة
دبلوماسية من دول الاتحاد، تعزز القيادة الدولية لرواندا في شؤون الهجرة واللجوء
مع التزام الصمت إزاء انتهاكات حقوق الإنسان الأخيرة بها، فوفقًا لتقرير الاتحاد
الأوروبي لعام 2018، لا تزال انتهاكات الحقوق المدنية والسياسية في رواندا خطيرة.(5)
هذه المكافأة لن تمثل عائقًا للاتحاد الأوروبي كون استخدام المال السياسي لعقد صفقات
تُبقي المهاجرين بعيدًا عن شواطئها ليس بالأمر الجديد عليه. ومن المرجح أن الاتحاد
الأوروبي وافق على خيار رواندا كمستضيف للاجئين، نظرًا لبعدها عن أوروبا مقارنة
بليبيا والنيجر، فضلًا عن كونها دولة حبيسة غير مشاطئة لبحر، كما أنها ستكون
مرتفعة التكلفة بالنسبة للأشخاص الذين سيحاولون الذهاب لاحقًا إلى أوروبا.
وعلى الرغم من الاعتقاد بجدوى هذا الخيار للمهاجرين
واللاجئين القادمين من ليبيا، إلا أنه بالنظر إلى وضع اللاجئين في رواندا يتأكد
عدم صحة هذا الاعتقاد. تستضيف رواندا أكثر من 148 ألف لاجئ، منحتهم رسميًا حقوقًا
اجتماعية واقتصادية بما في ذلك الحق في العمل، ولكن هذه الحقوق لا تتساوى مع
الحقوق الفعلية في الممارسة حيث يكافح اللاجئون فيها للحصول على الخدمات العامة
وفرص العمل، كما قمعت الحكومة بعنف احتجاجات اللاجئين ضد التمييز ونقص الغذاء في
المخيمات. (6) هذا الوضع المتردي من المحتمل أن يعاني منه المهاجرين الذين
استقبلتهم يوم 27 سبتمبر 2019، وكذلك الدفعات اللاحقة منهم، بما يؤكد أن الخسارة
الكبرى سيتكبدها اللاجئون أنفسهم. ويجب الإشارة هنا إلى أن تأثير الاتحاد الأوروبي
على السياسات الرواندية تجاه اللاجئين والمهاجرين سيكون محدودًا في هذه الحالة
تجنبًا لتهديدها بإعادتهم إلى أوروبا مثلما هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في
5 سبتمبر 2019 بفتح الأبواب أمام اللاجئين للدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وفي الختام، يمكن القول إنه حتى لو نجح هذا الاتفاق مع رواندا، فستظل استجابة غير كافية كونه حل قصير الأجل، مؤجل. ومن ثم يجب أن تركز جهود الاتحاد الأوروبي على دعم الحلول التي تقلل العنف وتزيد الاستقرار في ليبيا والذي سيتطلب تدابير تتجاوز نقل المهاجرين من دولة إلى أخرى بشكلٍ مؤقت، وتتراوح من تحسين الحكم المحلي إلى إصلاح قطاع الأمن وبناء السلام.
الهوامش
(1) "رواندا تستقبل أول مجموعة من اللاجئين العائدين من
ليبيا"، اليوم السابع، 27 سبتمبر 2019، متاح على الرابط
التالي:
(2)
Karen Mcveigh, “Life-saving: hundreds of
refugees to be evacuated from Libya to Rwanda”, The guardian, 10 September
2019, available at:
(3) “Hundreds of refugees held in Libya to be
relocated to Rwanda”, The National, 20 September 2019, available at:
(4) Ibid.
(5) Elena Sánchez Nicolás, “Will EU keep paying
to keep migrants away?”, EU Observer, 9 September 2019, available at:
https://euobserver.com/migration/145872
(6) Camille Le Coz, “EU-Rwanda plan:
Another short-sighted answer to Libya migration crisis”, The New
Humanitarian, 16 August 2019,
available at: