مخرجات إيجابية.. قمة العشرين من الصدام إلى التوافق الدولي
اختتمت القمة 14 لمجموعة العشرين (G20) التي استضافتها
مدينة "أوساكا" اليابانية، التي استمرت على مدار يومين، بحضور عدد من
قادة العالم لمناقشة العديد من القضايا المهمة المتعلقة بالاقتصاد العالمي،
والتجارة الدولية، والابتكار، والبيئة، والتنمية، والاستثمار، والطاقة، والوظائف فضلاً
عن سبل تعزيز التعاون بين الأسواق الناشئة والبلدان النامية ومتابعة التنفيذ وفقًا
لجدول أعمال الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.(1)
والجدير بالذكر؛ أن مجموعة
العشرين تعد أول مؤسسة دولية كبرى يتم إنشاؤها بدون دور الولايات المتحدة المهيمن
(على الرغم من أن واشنطن ساعدت في الإشراف على اختيار الأعضاء). وقد تأسست في عام
1999 من قبل بعض الدول الأوروبية وكندا كمجموعة من وزراء المالية، ومحافظي البنوك
المركزية تحولت منذ ذلك الحين إلى منتدى الاقتصادي بارز في العالم، متفوقة بذلك
على مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى. وهكذا أصبحت مجموعة العشرين ركيزة أساسية
في عملية الإصلاح الاقتصادي.(2)
توقيت القمة
تزامنت
القمة مع تنامي النزاع التجاري بين الولايات المتحدة وعدد من القوى الدولية الكبرى
وفي مقدمتهم الصين، التي تعرضت لعدد من العقوبات التجارية على صادراتها، وذلك في
سياق انتهاج واشنطن سياسة الحمائية الاقتصادية، ورفع شعار "أميركا
أولاً". فمنذ انتخاب الرئيس
الأميركي "دونالد ترامب" شن البيت الأبيض حربًا تجارية ضد الصين وحلفاءه
في أوروبا، بينما طالبهم، بما في ذلك اليابان وحلف شمال الأطلسي، المشاركة في تحمل
العبء بمعنى دفع ثمن الحماية العسكرية الأميركية لهم.
تنامت حدة الحرب التجارية والتهديدات
العسكرية في قمة مجموعة العشرين الأخيرة في بوينس آيرس في ديسمبر/ كانون الأول 2018. تجلى
ذلك في فبراير/ شباط 2019 عندما انسحبت الولايات المتحدة رسميًا من معاهدة القوى
النووية، و في مايو/ أيار 2019، قام "ترامب" بمضاعفة الرسوم
الجمركية على السلع الصينية بقيمة 200 مليار دولار، بالإضافة إلى توقيعه أمر تنفيذي يمنع شركات الاتصالات الأميركية
من بيع مكونات لشركة Huawei التي تعد أهم شركة اتصالات رائدة في الصين،
وثاني أكبر شركة لتصنيع الهواتف الذكية في العالم. وردًا على ذلك، دعت الصين للبدء
في "مسيرة طويلة جديدة" في الكفاح ضد الإدارة الأميركية.
وفي هذا السياق نشرت وزارة الدفاع
عقيدة رسمية بشأن استخدام الأسلحة النووية معلنة أن "استخدام الأسلحة النووية
يمكن أن يخلق الظروف المأمولة لتحقيق نتائج حاسمة واستعادة الاستقرار الاستراتيجي". و في
20 يونيو، سمحت إدارة "ترامب"
ثم ألغت سلسلة من الضربات الجوية والصاروخية ضد إيران. كما هددت
بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران، وضد ألمانيا إذا مضت قدمًا
في خطط لشراء الغاز الطبيعي من روسيا عبر خط أنابيب Nord Stream II..
فضلاً عن تزايد حدة التوتر الأميركي التركي حول اقتناء
أنقرة لمنظومة صواريخ "S400"، وتهديد الإدارة الأميركية لها بالتراجع عن إتمام
الصفقة، تجنبًا لمنع بيع
مقاتلي"F-35" إلى تركيا وسط نزاع على أنظمة الدفاع الصاروخي. وأخيرًا
قامت بإلغاء المزايا التجارية الخاصة المقدمة للهند.(3)بجانب تعرض بعض العواصم
الأوروبية لموجة من الحر التي اجتاحت معظم أوروبا، نتيجة زيادة معدلات التلوث
البيئي الناتجة عن عمليات التصنيع، مما أدى إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض.
إجراءات
حاسمة تجاه أبرز القضايا الدولية
اختتمت
القمة باتفق قادة مجموعة العشرين على إعلان نهائي حول عدد من
القضايا التي كانت محل خلاف في الآونة الأخيرة؛ حيث شهدت القمة تحولاً ملحوظًا
لعدد من المواقف الدولية تجاه بعض الملفات على النحو التالي:
1- تغير المناخ؛ اتفق قادة مجموعة قمة العشرين
على الالتزام بمكافحة تغير المناخ؛ حيث أيد رؤساء 19دولة من أصل 20 دولة باستثناء الولايات
المتحدة اتفاق باريس،و تعهده بالتزامهم بخفض
انبعاثات الغازات الدفيئة، ومراجعة ذلك العام المقبل، كما دعمت وحاربت كل من الصين
الاتحاد الأوروبي لإبقاء الدول ملتزمة باتفاق باريس.
2- الحمائية التجارية؛ تعهد الزعماء "بالتزام
واضح بالتجارة الحرة والنزيهة وغير التمييزية والشفافة"، وأعلنوا أن إصلاح
منظمة التجارة العالمية ضروري، حتى تتمكن من معالجة القضايا محل الاهتمام، وتستطيع
احتواء السياسات الحمائية المتنامية، وتسعى لردعها بشكل آمن. كما أعرب
"ترامب" عن توقف واشنطن عن فرضها رسومًا جديدة على الصين، ولكنها لن
تتراجع عن العقوبات السابقة، مع السماح للشركات الأميركية بالتعامل مع شركة هواوي
التي تعرضت لعدد من القيود، بسبب المخاوف الأميركية المتعلقة بأمنها القومي.
3- الهجرة؛ قالت المستشارة الألمانية
"إنجيلا ميركل" إن قادة مجموعة العشرين سيعالجون ملف الهجرة ويعدون
"بالعمل الوثيق" مع الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية بشأن
سياسات الهجرة الخاصة بهم. (4)
4- عقوبات متوقعة .. نظام
الدفاع الصاروخي "S400"؛ أوضح "ترامب" عن موقفه بانه مازال يبحث عن تسوية سلمية للملف
لأنه متشابك ومعقد، كما إن هناك احتمالية لفرض عقوبات على أنقرة، فتركيا العضو في
حلف شمال الأطلسي، ستُشكل تهديدًا أمنيًا وتكنولوجيًا على طائرات "F35"، في حالة شراء المنظومة
الروسية.
5- الشأن الإيراني؛ أعرب "ترامب" عن
رغبة بلاده في عدم استخدام الحل العسكري في التعاطي مع طهران، لما له من تداعيات
سلبية قد تضر بالإيرانيين، في إشارة إلى طهران لتعديل سلوكها في محيطها الجغرافي.
(5)
تحديات متتالية
بالرغم من الجهود القائمة من قبل زعماء
قمة مجموعة العشرين لتسوية الخلافات المثارة بينهم، نتيجة عدم توافقهم حول تسويتها
بما يتناسب مع مصالحهم، إلا إن استمرار غياب الإرادة السياسية للالتزام بهذه
التعهدات ستعرق مسيرة التعاون والتنسيق المشترك متعدد الأطراف لحل الأزمات
والصراعات الدولية بكفارة وفعالية.
فمازال الرئيس الأميركي غير واضحًا
بشأن السياسات التي يتنبها، علاوة على غموض مواقفه تجاه القضايا الدولية؛ حيث يستند في قراراتها
على عقيدة "رجل الصفقات"، كنهج عام في إدارة الملفات المثارة الأمر الذي
خلق حالة من عدم الاستقرار، والتنبؤ بالأوضاع.
هذا بجانب التحول الاستراتيجي الذي
تشهده العواصم الأوروبية، تجلى في تنامي القوى اليمينية والشعبوية المتطرفة
الرافضة للسياسات التكامل والاندماج تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن عدم قدرة
بريطانيا على حسم مصيرها في الاتحاد، الأمر الذي أدى تزايد حدة التباين حول إدارة
الملفات المتعلقة بملف الهجرة وتغير المناخ. بالرغم من إدراك القادة الأوروبيين
مخاطر استمرار هذه الملفات، بدون حسم، إلا إنهم ما زلوا حتى الآن غير متوافق حول
التعاطي معها.
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط فمازال يعيش حالة من عدم الاستقرار نتيجة تنافس القوى الإقليمية على خلق موطئ قدم جديد خارج نطاقها الجغرافي، فضلاً عن تحركاتهم الخارجية مثل تركيا في سوريا ورغبتها في التقارب الروسي لفرض سيطرتها على الشمال السوري، لمنع قيام أي تقدم كردي على حدودها في ظل حالة الفوضى الداخلية. هذا بجانب استمرار إيران في انتهاجها سياسات معادية انعكست بشكل كبير على استقرار الإقليم.
الهوامش
1-
Jamil Mustafa, “What
is the G20 and how does it work?",
Telegraph
.https://www.telegraph.co.uk/business/0/what-is-the-g20-and-how-does-it-work/
2-
آية عبد العزيز، "
مواجهات غير مريحة ... “ترامب” في قمة مجموعة العشرين "G20"، المركز العربي للبحوث والدراسات،
3/12/2018، الرابط:
3-
Andre Damon, “The G20 Summit in Osaka: The
war of all against all”, 29/6/2019. https://www.wsws.org/en/articles/2019/06/29/pers-j29.html
4-
Jakob Hanke, “G20 leaders agree
declaration after climate fight”, politico, 6/29/19. https://www.politico.eu/article/merkel-g20-leaders-agree-declaration-after-climate-fight/
5-
" ترامب
في ختام قمة العشرين.. رسائل إلى الحلفاء والخصوم"، سكاي نيوز عربي،
29/6/2019.