السياسات اللغوية كأحد أبعاد الاندماج الوطني .. دراسة حالة المغرب
الإشكالية البحثية
تعد المغرب واحدة من الدول الأفريقية التى تأثرت بالاستعمار
بشكل كبير وما زال أثر المستعمر قائماً حتى الآن من حيث التعدد الثقافي واللغوي
الذي شهده المجتمع المغربي طيلة سنوات عديدة، ومن ثم تندرج الإشكالية البحثية في
معرفة ما هى الأدوات والوسائل التى اتبعتها النظم السياسية الحاكمة في المغرب
لإدارة مسألة التعددية اللغوية كأحد أبعاد الاندماج الوطني في المجتمع المغربي.
أهمية الدراسة
ترجع الأهمية النظرية للدراسة إلى التعرف على الحالة المغربية
كواحدة من دول القارة الأفريقية في كيفية إدراتها لواحدة من أهم المشاكل التي تعيق
تحقيق استقرارها السياسى وهي كيفية إدارتها للتعدد اللغوي والتعرف على السياسات
التى اتبعتها النظم السياسة منذ الاستقلال حتى الآن.
بينما تتمثل الأهمية التطبيقية في إثراء الحقل العلمى وخاصة
الدراسات العربية في هذه الحالة.
فروض الدراسة
تنطلق الدراسة من عدة فروض:
§
كلما زاد تكريس السلطة الحاكمة للغتها ولغة الجماعة
التابعة لها، كلما زاد الاحتقان السياسي داخل الدولة.
§
كلما تمكنت جماعة الأمازيغ من توحيد الصف داخياً وخارجياً،
كلما زادت الضغوط على النظام واستجاب لمطالبها.
منهج البحث
اعتمد البحث في نهجه على منهج تحليل النظم حيث التركيز
على مدخلات النظم الحاكمة في إدارتها للنظم الأمر الذى يسهم في كيفية تعاملها مع
الأزمة التى أسهمت بشكل كبير في إيجاد حالة من عدم الاستقرار السياسي. واعتمدت
الدراسة على المصادر الأولية في جمع البيانات من الكتب والدوريات وبعض المواقع الالكترونية
والصحف المغربية.
مقدمة
يعرف
مصطلح التعدد اللغوي في أبسط تعريفاته
بوجود أكثر من لغة داخل المجتمع
الواحد يتحدث بها أفراده, ويصل أحياناً إلى الحد الذى يمكن معه أن تحتوى اللغه
الواحدة على أكثر من لهجة, كما هو الحال في المغرب العربي تلك البلد الواقعة في
شمال القارة الافريقية والتي لها عددمن الخصائص التاريخية والجغرافية والسياسية
التى أسهمت بشكل كبير في ترسيخ مفهوم التعدد اللغوي .
إن
التعدد اللغوي في المغرب ليس وليد الوقت الراهن بل إنه إشكالية لها ظروفها
التاريخية, فهو لم يرتبط بفترة زمنية أو
بحقبة ما بل إنه مسألة تاريخية ترجع إلى عدد من العوامل (1):
§
العامل التاريخي: فتاريخ
دولة المغرب شكله عدد من الحضارات وكل حضارة كانت لها لغة مميزة لها.
§
العامل الجغرافي: ويمكننا هنا الاشارة إلى الحدود الجغرافية التى تحيط
بالمغرب وهم الأربع دول واللغات المنتشرة فيهم وطبيعة اللغة السائدة (الفينقية –الأمازيغية-اليهودية-العربية) وبالتالي فالواقع يشير إلى وجود أكثر من لغة، والبعض اشار إلى
اللغة الأمازيغية كأول لغة نطقها سكان المغرب والتي اتخذها الأمازيغ كنقطة البداية
في الدفاع عن هويتهم داخل المجتمع العربي فيما بعد, ومن بعدهم دخل اليهود ضمن القوافل التجارية "حركة التجارة والهجرات الوافدة". وكانوا يتحدثون
العبرية وقد حافظوا عليها, وقد ذهب
البعض للفصل في هذا الشأن إلى العودة إلى تاريخ فتح المغرب؛ أي إلى القرن الرابع عشر حيث وجد إدريس الأول عند فتحه
المغرب قبائل مسيحية ويهودية ووثنية؛ الأمر الذي يمكن معه القول بأن المغرب شهدت
تعدداً لغوياً. ومن ناحية أخرى نجد أيضاً
العنصر الفينيقي الذي أسس مدينة طنجة في القرن الخامس عشر وكان حلقة وصل بين الإسبان
والجاليات الفينقية، إلا أن تأثير اللغة الاسبانية لم يكن حاضر بشكل قوى ويرجع ذلك
إلى قيام الحرب بين الفنيقيين والرومان واستغلال الأمازيغ لهذه الظروف وتكوين
امبراطورية في الغرب والعمل على إثراء الحياة الأدبية الأمازيغية .
§
العامل السياسي: متمثلاً في دور المستعمر الفرنسي وتكريس لغته, وتأكيداً لهذه السياسة قامت بإنشاء عدد من المدارس في جبال الأطلس, إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد فقد اعتمدت فرنسا وجهودها
الاستعمارية على تكريس مسألة الهوية والاندماج الوطني داخل المغرب منذ الاستعمار
فقد أسهمت في ترسيخ ثنائية العرب والبربر ودعمت الجماعة الأمازيغية بإنشاء عدد من
المجالس الأدبية لتكريس اللغة الأمازيغية -كتأسيس
البعثة العلمية- انطلاقاً من مبدأ أن العرب وافدين مستعمرين بينما الأمازيغ
هم السكان الأصليين . ولم
يكتفي المستعمر بهذا الحد بل شمل الأمر أيضاً الناحية القانونية حيث إصدار عدد من
التشريعات التى تؤكد احترام الأعراف البربرية عام 1913. وفي عام 1930
تم استصدار مرسوم نتج عنه تقسيم المغرب
إدارياً إلى مناطق عربية لها خصوصيتها الثقافية والدينية ومناطق أخرى خاصة بالأمازيغ
لها خصوصيتها الثقافية والدينية أيضاً. على أن القانون الأسمى في كلاهما هو
القانون الفرنسي, ومن ثم نجد أن الاستعمار الفرنسي هو الذي خلق هذه الإشكالية داخل
المغرب ووصل الأمر إلى وجود لغتين لغة عربية وتنقسم إلى لهجة فصحى ولهجة دارجة
ولهجه حسانية نسبة إلى قبائل بنو حسان البدوية وإلى أخرى أمازيغية تندرج تحتها عدة
لهجات تمازيغيت, تاريفت, تاشليحت بالمغربن,..إلخ. وظل هذا
التعدد قائماً داخل المغرب، وعلى المستوى الخارجي نجد أن حتى نهاية القرن التاسع
عشر وبداية القرن العشرين تكالب الاستعمار الفرنسي والاسباني على القارة الأفريقية،
وبالتالي كان له أثره على دولة المغرب إذا أصبحنا بصدد لغتين أخرتين؛ لغة
فرنسية لها حضور قوى ولغة إسبانية لم تكن
بقوة اللغة الفرنسية.
مرحلة ما بعد الاستعمار وأزمة الهوية والاندماج الوطني(2)
لعب
الاستعمار الفرنسي دور كبير في تكريس مشكله الهوية داخل المجتمع العربي, بداية من
الإقرار بثنائية العرب- البربر، وجعل
لغته هى اللغة الأم داخل كافة مؤسسات الدولة, في هذا
الصدد يمكننا الإشارة إلى السلطة الحاكمة في المغرب، فبعد أن استقلت المغرب حاولت
السلطة الحاكمة التغلب على إشكالية الاندماج الوطني، فكان من أهم الأدوات التى
اعتمدت عليها هى الأخذ بآلية التعريب؛ أى إضفاء الطابع العربي على المجتمع ككل لغةً
وثقافةً تماشياً مع التيار القومي العربي
الذى كان سائداً في تلك الفترة مع حظر استخدام اللغة الأمازيغية وحظر أي نشاط ثقافي
أمازيغي من شأنها عرقلة تحقيق الاندماج الوطني، إلا أن هذه السياسية لم تحقق
الاندماج الوطني، بل انعكست على المجتمع ككل.
فقد
شعر الأمازيغ بالاغتراب داخل مجتمعهم واضطر عدد كبير منهم إلى الهجرة خارجياً إلى
الدول الأوربية وداخلياً, كما انعكس هذا الأمر على ازدياد الاحساس لديهم بفقد
الهوية ومحاولة تنظيم صفوفهم داخلياً وخارجياً للدفاع عن هويتهم. فاختيار اللغة في أحيان كثيرة لا يعكس سياسة تتبناها
الدولة وإنما هي خيارات مجتمعية يجب العمل على فهمها وتحقيقها, فاللغة ما هي إلى أداة
اتصال بين الجماعات وبعضها البعض, فعلى الرغم من اتخاذ المغرب آلية التعريب بعد
الاستقلال وجعل اللغة العربية هى اللغة الأولى إلا أن هذا الأمر لم يحقق الجدوى
المرجوة منه، فقد شهد المغرب أيضاً تعدداً لغوياً, فما تشهده مناطق المغرب حالياً
هو حالة من التعدد اللغوي الفعلي، فعلى الرغم من إقرار اللغة العربية إلا ان هذا
الأمر لم يمنع تعدد اللغات؛ فبالنظر للتقسيم الجعرافي لدولة المغرب نجد أن منطقة الشمال
المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط -كمنطقة
طنجة، الحسيمة، سبتة، الناظور- تتحدث البربرية ومنهم من يتكلم العربية الدارجة للتعايش مع غيرهم
من الجماعات الأخرى. وهناك
أيضاً بعض الكلمات والمصطلحات الاسبانية نتيجة لتأثرهم بالإسبان والأندلس لقرون
عدة.
وفي
الجنوب تطغى اللهجة الحسانية نسبة إلى قبائل بني حسان البدوية, وعلى المحيط الأطلسى
بداية من طنجة والقنيطرة و الرباط والدار البيضاء نجد اللغة الفرنسية والعربية
وقليل من اللغة الانجليزية .
أي
أن السياسة التى اتبعتها الدولة في مرحلة ما بعد الاستعمار لم تكن كافية بدرجة أو
بأخرى لحل مشكلة الاندماج الوطني خاصة وأن اعتمدت بالأساس على السياسات اللغوية
فلم تعترف بحق الجماعات الأخرى بالهوية واللغة والتاريخ، وإنما اكتفت فقط باتخاذ
الللغة العربية كأسس وأيدلوجية دون مطابقة الواقع المجتمعي, اتخذت من العربية أساساً
لاعتبارات القومية العربية في ذلك الوقت, إلا أن طبيعة الواقع داخل المجتمع العربي
مغايرة تماماً، فإدارة الدولة والاقتصاد بالمغرب كان قائماً بالأساس على اللغة
الفرنسية، وبالتالي أصبحنا أمام ازدواجية؛ فأياً من هاتان اللغتان هو الأساس بالدولة؟، وإن كانت
العربية هى الأساس كما جاء في النص الدستوري؛ فلماذا لا تفعل على كافة المستويات
الحكومية والاقتصادية ككل, أم أنها جاءت كلغة هيكلية تفصيليلة على مجتمع متعدد
الهويات واللغات فأبناء المغرب ذاتهما في مرحلة ما لا يجيدون العربية يتعملونها
داخل المدارس ولا يستطعون التحدث بها داخل مجتمعهم فلم يتعلموا الفصحى، وإنما
اكتفوا بالدارجة العامية فكيف يمكن اتخاذ لغة أساس دون تطبيق ودراسة مدى فعاليته
وقدرتها على التواصل مع كافة أبناء الدولة وإن كانت اللغة في أبسط مفاهميها هى أداة
التواصل، فكيف يتم الدمج بين أبناء دولة دون تواصل وهوية، كيف يتم إقصاء فئة وإقصاء
هويتها دون أخرى ودمجها مع غيرها وصهر لغتها وتقاليدها وتراثها مع أخرى دون ترتيبات منصفة، الأمر الذى أدى إلى شعور الأمازيغى
بالاغتراب داخل وطنه، وإن كان في مرحلة سابقة للاستقلال مناضلاً مع المتحدث
بالعربية ضد الاستعمار ومطالباً بالاستقلال شأنها شأن غيره من مواطني بلده,
ويعد ذلك جوهر إشكالية الاندماج الوطني
داخل المغرب القائم بالأساس على السياسات اللغوية والهوية, هذا فضلاً عن تهميش جماعات أخرى داخل
المجتمع كالأمازيغية.
الجماعة
الأمازيغية داخل المغرب
الأمازيغ
هي جماعة اثنية تقطن شمال القارة الأفريقية وتنتشر في عدد من البلاد الأفريقية كالمغرب
وتونس والجزائر وليبيا ومصر يقطن الجزء الأكبر منها بالمغرب لها هويتها الأمازيغية
ولغتها التى لا زالت تطالب بالاعتراف بها داخل كافة الأوساط السياسية والاجتماعية
المغربية, مرت الحركة الأمازيغية داخل المغرب بعد من المراحل وكانت لكل مرحلة
سماتها وسياساتها التى اختلفت باختلاف السلطة السياسية القائمة وكيفية التعامل مع
المسألة الأمازيغية: (3)
أولاً- مرحلة الاستعمار الفرنسي: نجد أن الاستعمار كان يعترف بالأمازيغية البربرية
وبلغتها كلغة أساسية وكان يكرس فكرة أن الأصل العربي هو الأمازيغى بينما العربي هو
الوافد,
وبالتالي فسيساساته كنت تتسق على هذا النحو
فقد اسست عدد من المراكز الأكاديمية للإقرار بالأمازيغية والحفاظ على الهوية من
خلال:
§ تأسيس البعثة العلمية
ومعهد الدراسات البربرية في باريس والرباط.
§ إصدار مجلة الأرشيف البربري
ومجلة هسبرس عام 1921.
§ إصدار عدد من القوانين التي
تعترف بعادات وهوية وتقاليد الأمازيغ.
§ إصدار قانون الظهير
البربرى عام 1930
الذى بمقتضاده تم تقسيم المغرب إدارياً
إلى عدد من المناطق بين العرب والأمازيغ .
وتحليلاً
لما قدمته فرنسا للأمازيع في تلك الفترة من الاعتراف بثنائية المكون العربي والأمازيغي,
فقد ترسخ مفهوم الهوية الأمازيغية حيث الاعتراف باللغة؛ فاللغة عند الأمازيغ لها أهميتها
فضلاً عن الأرض والتاريخ، ويرجع ذلك إلى أن اللغة هى ما تبقى للأمازيغ، فالأرض لم
تعد لديهم بعد الاستيطان والهجرات والتاريخ لم ينصفهم، وبالتالي فما امتلكوه هو
لغتهم التي هى أساس هويتهم, ولم يمنع دعم فرنسا للأمازيع من اندماجهم في الحركة
الوطنية للتخلص من المستعمر الفرنسي.
ثانياً- مرحله الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي: تعد هذه المرحلة جوهر التحول في مشكلة الاندماج الوطني
داخل المغرب لما شهدته من سياسات كان لها أثرها البالغ على المسألة الأمازيغية:
§ فقد تبنت السلطة الحاكمة في
المغرب عدد من السياسات تحت مسمى التعريب وإضفاء السياسة العربية.
§ منع استخدام اللغة الأمازيغية
وحظر كافة أنشطة الجماعات الأمازيغية داخل الدولة.
§ اعتبار المغرب جزء من
المنظومة العربية، وأشار العرف الدستوري إلى ذلك والاقتصار على الهوية العربية
سواء على مستوى الدستور أو القوانين وإقصاء الأمازيغ جانباً وعدم السماح لهم
بتشكيل الأحزاب.
كانت
لهذه السياسات أثرها على الجماعة الأمازيغية، فقد هاجر العديد منهم إلى أوروبا -وبخاصة
فرنسا وإسبانيا- وآثر البعض الآخر الهجرة إلى مناطق بالمغرب للانخراط مع أبناء
قبيلته كنوع للمحافظة على التراث بعيداً عن السلطة الحاكمة.
وفي
هذه الفترة كانت لهذه السياسات أثرها على الجماعة الأمازيغية؛ حيث بداية الشعور
بالاغتراب داخل المجتمع وفقدان الهوية والإجبار في التأقلم داخل مجتمع مغاير عليه
والانصهار فيه واغفال ثقافته ولغته وعاداته وتقاليديه, استمر هذه الشعور قائماً إلى
فترة الستينيات حيث نظم الأمازيغ أنفسهم
داخلياً وخارجياً وبدأوا في تكوين كيانات
للدفاع عن حقوقهم، ومن أبرز هذه الجمعيات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي
التى أٌسست عام 1967
كجهة منوط بها الدفاع عن الثقافة الأمازيغية, وتم إنشاء جمعية تاماينوت للثقافة أيضاً
للدفاع عن الثقافة الأمازيغية في فترة السبعينيات.
أما فترة الثمانينات (4)، فقد اتسمت
بحالة من الثبات السياسي داخل المجتمع العربي، فظل الوضع قائم على ما هو عليه
داخلياً إلا أنه خارجياً كان الأمر أكثر حراكاً, فقد شهدت الحركة الأمازيغية ما
يعرف بالربيع الأمازيغى عام 1980
حيث خرجت مظاهرات تندد بالتنكيل الذى تتعرض له الجماعة الأمازيغية حيث مُنع الكاتب
الأمازيغ "مولود العمري" من إلقاء محاضرة عن الأدب الأمازيغي القديم في
جامعة تيزي وزو. وجعلت تلك الفترة الجماعة الأمازيغية أكثر تنظيماً والتفافاً مما
كانت عليه، كما أنها اتخذت أشكالاً وصوراً أخرى للتعبير عن مطالبها وتنديدها بلواقع
الذى تعيشه، فقد لجات إلى استخدام وسائل ضغط كالتظاهرات للتأثير على السلطة
القائمة.
أما فترة التسعيينات تميزت
هذه الفتره عن سابقيها بعدد من العوامل من أبرزها:
§
أصبحت الحركة الأمازيغية أكثر تنظيماً داخل هياكل
تنظيمية مع زيادة الوعي بأهمية الهوية الأمازيغية.
§
تشكيل ما يعرف بميثاق أغادير عام 1991 المكون من ست جمعيات اندمجت معاً وشكلت عدد من المطالب
المؤيدة للقضية الأمازيغية.
§
اتجاه الحركة الأمازيغية إلى أطر موسسية خارج الجماعه
والاتجاه إلى الحراك الطلابي بالجامعات.
وكانت
لهذه الاتجاهات نتائجها فقد زاد عدد الجمعيات الأمازيغية ووصلت إلى خمسين جمعية بحلول
عام 2002,
المطالبة بالدفاع عن المعتقلين في قضايا الأمازيغية, تأسيس كونفدرالية، وبحلول عام
2000 أصبحت
الحركة الأمازيغية أكثر وعياً ثقافياً وسياسياً، وقد ظهر ذلك واضح فيما عرف
بالبيان الأمازيغى الصادر عام 2000
والذى صدر من عدد من الشعراء والكتاب والأدباء الأمازيغ، ووقع عليه أكثر من مائتي
شخصية وكانت له عدد من المطالب(5):
§
جعل اللغه الأمازيغية لغة رسمية للبلاد والاعتراف بها إلى
جانب العربية.
§
الدعوة إلى تنمية شاملة لكل مناطق المغرب على قدم
المساواة.
§
الفصل بين الدولة والدين والمناصفة الاجتماعية داخل
المجتمع.
§
اعتماد الهوية الوطنية للأمازيغية, والتعامل مع التعدد
الثقافي واللغوي كظاهرة صحية وضمان تكافؤ الفرص لكافة أبناء الدولة.
§
مأسسة الأمازيغية لغةً وثقافة في كافة مؤسسات الدولة وفي
التعليم.
§
التصريح بالأسماء الأمازيغية حيث تم حظرها سابقاً.
§
إعادة كتابة تاريخ المغرب وتصحيحه في المقرارت الدراسيسة.
§
انشاء قناة تلفزيونية نناطقة بالأمازيغية.
ومن
ثم، نجد أن المطالب اتسمت في أغلبها بالمرونة وانصبت بكاملها على الهوية الأمازيغية
وكل ما يتصل بها من حيث اللغة والتاريخ, والمتأمل للواقع السياسي العربي يجد أن
عدداً من المستجدات قد طرأت على المشهد السياسي منذ التسعينيات وحتى عام 2000م، أي منذ وفاة
الملك الحسن الثانى. فقد اتسمت فترة الملك الحسن الثاني بالركود من جانب الدولة
في التعامل مع القضية الأمازيغية، وأبرز ما ميز هذه الفترة هو تصريح الملك بإدماج
اللغة الأمازييغية في التعليم بالمغرب, وإدراج فترة في النشرة المسائية باللهجات الأمازيغية.
وذلك
على العكس بعد أن تولى الملك محمد السادس
العرش عام 1999م
حيث حدث تحول سياسي وبدا أثر ذلك واضحاً
من خلال الخطابات الملكية التي كانت تتبنى رؤية وطنية بحيث تعتبر الأمازيغية مكوناً
أساسياً من مكونات الهوية المغربية
واعتمدت استراتيجيته على حل كل الملفات العالقة التي كانت الدولة تنأى عن
التعامل معها, وبناء عليه اختلف نهج التعامل مع القضية الأمازيغية ويتضح ذلك من
خلال (6) :
§ تأسيس بعض الهيئات كديوان
المظالم وهيئة الإنصاف والمصالحة.
§ العمل على احترام وصيانة
كافة اللغات داخل المغرب الأمازيغية والحسانية وكافة اللغات .
§ في إطار سعي المغرب لتحقيق
الاندماج الوطني وحل إشكالية الأمازيغ، فقد تم في عام 2011 إقرار اللغة الأمازيغية لغة أساسية كالعربية في الدستور
وهذا الأمر اعتبره الأمازيغ نقطة إيجابية في مجال التاكيد على هويتهم.
§ إنشاء قناة تلفزيونية أمازيغية
إلى جانب بث فقرات في التلفزيون العربي باللغة الأمازيغية.
§ ربط الأمازيغية بالمشروع الوطني
باعتباره مقوماً من مقمات الهوية المغربية.
§ إنشاء المعهد الملكى
للثقافة الأمازيغية كخطوة إيجابية للحفاظ على التراث والهوية الأمازيغية.
§ قام الملك بزيارة إقليم
الحسيمة عام 1991م في خطوة تاريخية للتأكيد على الدخول في مرحلة جديدة تسعى
إلى إدماج كافة الجماعات داخل الدولة.
§ وبالتالي، فقد اتبعت
المغرب في هذه الفترة سياسة الاستيعاب كوسيلة لحل مشكلة الاندماج الوطني حيث
استيعاب الحركة الأمازيغية داخل الدولة والاعتراف بلغتها وتدريسها في المدارس
بداية من عام 2003
مع الاعتراف بثقافتها.
واستناداً
على كافة هذه الإجراءات، نجد أن المغرب شهد تحولاً في التعامل مع المكون الأمازيغي
داخل الدولة حيث بدأت باستيعابه داخل الدولة وتجلى هذا واضحاً في سياسات الملك
محمد السادس، وهو ما أكدت عليها الأسس التي اتبعها، حيث الإقرار الدستوري على
اللغة الأمازيغية والتمثيل الداخلي في موسسات الدولة وتنمية المناطق التى يسكنها الأمازيغيين
والعمل على الحفاظ على هويتهم وثقافتهم وإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛
فعلى الرغم من تحقيق أغلب مطالب الأمازيغ، إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد،
فدائماً ما كان يرى المكون الأمازيغي أن هناك تسويف من
جانب الحكومة المغربية في تنفيذ مطالبهم وهذا ما دفعهم للخروج في تظاهرات عام 2011
ضد النظام في محاولة للاستفادة من موجة الربيع العربي والضغط على النظام الحاكم
لتلبية مطالبهم, على زعم أن هويتهم لم تتحقق بعد، باحثي نعن مزيد من التفعيل، من
حيث إدراج اللغة في كافة مؤسسات الدولة والمطبوعات الإدارية وعلى الأختام الرسمية,
إلا أن المتأمل لقضية الاندماج الوطني في المغرب والمكون الأمازيغي يجد أن ما وصل إليه
أمازيغ المغرب هو مرحلة متقدمة لم يصل إليها الأمازيغ في أغلب الدول المجاورة.
رؤية تقيمية
من واقع دراسة الحالة المغربية وكيفية معالجتها للسياسات
اللغوية ضمن اتجاه الاندماج الوطني، نجد أن المغرب شأنها شأن العديد من الدول الأفريقية
التي تأثرت بشكل مباشر بالاستعمار الفرنسي وبمساوىء الاستعمار حيث ترسيخ لغة
المستعمر بالأساس إلى جانب الانقسامات االاثنية التى خلَّفها المستعمر والتى ساهمت
بها الحركات التجارية والاستيطان بالقارة، وأيضاً الأثر الأكبر الذى يقع على
المستعمر هى كيفية التعامل مع الاثنيات داخل الدولة والأسلوب الإكراهى في تعامله
مع الجماعات الذي خلف الجانب الأكبر من طرق معالجة هذا الأمر, فالتعدد اللغوي هو أحد
السمات التاريخية لدولة المغرب، ولم يكن أبداً عائقاً، فكل مجتمع له سماته
الثقافية وااللغوية المميِّزة له ولم تكن إشكالية داخل المغرب، إلا أن الأمر اختلف
تماماً في فترة الاستعمار الفرنسي، حيث اتخذت فرنسا عدد من الأسس التى رسخت مفهوم
الانقسام داخل المجتمع وترسيخ مفهوم الثنائية العربية والأمازيغية ورفع شعار أن الأمازيغية
هى الأصل والعربي هو الوافد، وبالتالى رسخت لمفهوم لمن الهوية المغربية للعربي أم
للأمازيغي. فلم تعرف في هذه الفترة هوية وإن اكتفى كلاً من الطرفين باللغة لترسيخ
هويته, وعقب الاستقلال اتجهت المغرب إلى نهج جديد في التعامل مع مسأله السياسات
اللغوية فقد انتهجت نهج القومية العربية شأنها شأن أغلب دول شمال أفريقيا؛ فهى لغة
القرآن ولغة أغلب الشعوب دون الالتفات إلى الشعب العربي وهويته، أي أنها طبقت
النموذج كما هو دون معالجته, فلجات إلى سياسة التعريب وجعلت من اللغة العربية أساس
للدولة بمقتضى نص دستوري، وإقصاء المكون الأمازيغي، بجانب إطار موازي بإندماج إكراهي,
الأمر الذي انعكس بدوره على المكون الأمازيغي وشعوره بفقدان الهوية والإقصاء،
وبناء عليه بدا في تجميع صفوفه والتهيئة السياسية والاجتماعية والضغط على الدولة.
ومن الملاحظ أيضاً أن المجتمع العربي يعيش حالة من
التعدد اللغوي فأغلبية الشعب يتكلمون
الفرنسية والعامية الدارجة ولا يعرفون العربية الفصحى المنصوص عليها
بالدستور إلى جانب تمسك الأمازيغين بلغتهم والحسانية بلغتها, هذا فضلاً عن أن
الاقتصاد والإدارة في المغرب تطغى عليهم اللغة الفرنسية، فكيف يتعلم أبناء الدولة
العربية لتأهيلهم لسوق عمل الأساس اللغوي فيها للفرنسية، وكيف يمكن لشعب يتحدث أكثر
من لغة ولديه أكثر من ثقافة وهوية أن يخضع للغة إكراهية؟. وفي إطار سعي المغرب
لمعالجة السياسات الوطنية من أجل تحقيق الاندماج الوطني، اتخذت استراتيجية جديدة
استعابية بحيث تحتوى مختلف الجماعات داخل الدولة وتضمن لهم صيانه واحترام ثقافتهم
وهويتهم وهذا ما بدا واضحاً منذ 1999م، فترة تولي الملك محمد السادس الحكم. فقد بدا
فترة حكمه بمحاولة لحل كافه المشاكل التب من شأنها عرقلة الاندماج الوطني في
المغرب. فقد زار كافة الأقاليم المغربية الحسيمية ومناطق الأمازيغ وغيرها من
المناطق للتأكيد على ان كافه الجماعات داخل الدولة لها نفس الحقوق والواجبات وكل
جماعه لها هويتها ومندمجة داخل الدولة مثلها مثل غيرها. واتخاذه عدد من الإجراءات
كالاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية والإقرار دستورياً عليها، ووصول قيادي
يساري لرئاسة الحكومة كخطوة إيجابية نحو حل مشكلة الاندماج الوطني وتأسيس المعهد
الملكي الأمازيغي لصيانة اللغة والهوية الأمازيغية, فقد كانت من أهم ركائز حكمه هو معالجة كافه القضايا العالقة
التى كان الحكام في المغرب لا يقربون منها لحساسيتها الشديدة على الأمن الداخلي
للمغرب, فقد تبنت المغرب نهج الاندماج الإكراهي في الفترة السابقة للتسعينات، إلا أنها
سرعان ما حاولت تغيير هذا النهج مع بداية التسعينيات، حيث أن الأمور لم تعد كسابقتها،
فأصبحنا أمام مكون أمازيغى أكثر تنظيماً ووعياً وثقافةً عن غيرها. لذلك حاولت انتهاج
نهج الدمج الوظيفي من حيث استيعاب هذه الجماعة، إلا أن هذا الاستيعاب لم يكن كافياً
بالنسبة لفئة من الأمازيغ؛ فالاستيعاب اقتصر على اللغة في الدستور والتعليم، فلم
يمثلوا في الدولة شأنهم شأن المكون العربي ولم تكتب لغتهم على السفارات ولا الأماكن
التاريخية ولم يكتب التاريخ بالأمازيغية, ويمكن إرجاع هذا التغير في نهج التعامل
مع القضية الأمازيغية في المغرب إلى حالة الحراك الثوري عام 2013 وخروج الشعوب
للثورة على الحكام ما كان له أثره على السياسة المغربية التى آثرت نهج الاستيعاب
منعاً من خروج الأمازيغ والثورة على النظام القائم.
فالمغرب ليست كباقي الدول؛ فهي متعددة الجماعات الأمر الذى يمكن أن يشكل معه تهديداً للدولة ككل، وبالتالي آثرت المغرب اتخاذ عدد من الإجراءات الدستورية بشأن اللغة والهوية الأمازيغية عام 2011. وهل هذا الأمر من شأنه أن يمنع خروج أياً من الجماعات في المغرب والمطالبة بحقوقهم السياسية والاقتصادية الواقع بالطبع لا يمنعهم إشارة إلى حراك الريف أو كما أٌطلق عليه الحراك الشعبي عام 2016. حيث خروج مئات المتظاهرين للتنديد بسوء الأحوال الاقتصادية في مدنهم ووجوب إحداث تنمية يتمتع بها المكون الأمازيغي، ومن ثم نجد اختلاف نهج التعامل معه من الدولة؛ فقد قامت بتغيير الوزير المحتص بالتنمية والتأكيد على وجوب إحداث تنمية. ويمكن القول أن المكون الأمازيغي أصبح أكثر إرادة في إثبات هويته وأكثر تنظيماً سواء على الناحية الداخلية أو الخارجية، وفي سبيل تحقيق أهدافه نحو مزيد من إثبات الهوية، فإنه إما أن يسعى إلى الضغط على الحكومة كما حدث سابقاً في فترة التسعينات من خلال تظاهرات أو إما أن تلجا الدولة -كما فعلت سابقاً- في مرحلة حكم الملك محمد السادس إلى سياسة الاستيعاب وتحقيق أهداف هذا المكون وتمكينه مثل المكون العربي أو أن نكون أمام خيار ثالث وهو الصدام مع الدولة واللجوء إلى فكرة الانفصال وتكوين اقلية منفصلة ذات هوية مشتركة ولغة وثقافة واحدة خاصة في ظل اخر التطورات على الساحة المغربية -حراك الريف- إلا أن هذا الأمر لم يكن مطروحاً في السابق حتى في أسوأ الفترات التى عانت منها الأمازيغ داخل المغرب ولم تدعوا مطلقاً إلى فكرة الانفصال، حيث أن المكون الأمازيغى كان لها باع طويل في مقاومة المستعمر الفرنسي ولديه فكرة جيدة عن الأرض والتاريخ، فهو لا يريد أن ينفصل بل يريد الحفاظ على مكتسبات هويته ولغته داخل مجتمع تعددي. كما أن المغرب تدرك جيداً هذا الأمر وتدرك خطورة التحديات التى تواجه القارة عامة وتسعى دائماً إلى عدم تفجير الأوضاع الداخلية وبالتالي، تبنت سياسة الاستيعاب، وهو ما بدا أثره من خلال المكاسب التى حققها المكون الأمازيغى داخل المغرب, فلكل مجتمع ثقافة وهوية، والتعدد لم يكن عائقاً أمام التنمية، بل إن التنوع الثقافي سمة تتميز بها المجتمعات التاريخية. وفي سعى المغرب لتحقيق مزيد من الاندماج الوطني بإتاحة الفرص لكافة الجماعات على قدم المساواة وعدم التميز وخلق مناخ أكثر دايمقراطية ومعالجة إشكاليات السياسات اللغوية بصورة تتوافق مع شأنها الداخلي والمحلي وثقافتها وعدم الانسياق وراء نماذج مغايرة على واقع مجتمعه.
الهوامش
(1) طه على أحمد,الحركة الأمازيغية وتاثيرها على النظام
السياسى في المغرب منذ عام 1990, رسالة ماجستير, معهد البحوث والدراسات الافريقية,
جامعه القاهرة ,2015, ص20.
(2) محمد قروق كركيش,حول مسألة التعدد اللغوي بالمغرب: مقارنةسوسيوتاريخية,
مجلة الحوار المتمدن, الرابط:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=411618
(3) طه على أحمد, مرجع سابق, ص 26و27.
(4) محمد مصباح, الأمازيغية في المغرب: جدل في الداخل
والخارج, الدوحة, 2011 ص3 .
(5) طه على أحمد, مرجع سابق, ص125.
(6) نادية
محمود مصطفي, الأبعاد الدينية والثقافية في تحولات المجتمعات والسياسات والتوازنات
العربية (2011-2018)، الرابط: