ارتدادات عكسية .. كيف هُزمت إيران مرتين؟
رحبت الأطراف
الدولية والإقليمية بالنتائج التي توصلت اليها المشاورات اليمنية اليمنية (الحكومة
اليمنية وجماعة الحوثي) خلال اللقاءات التي حدثت في العاصمة السويدية ستوكهولم في
6 ديسمبر/ كانون الأول لعام 2018 و التي استمرت لمدة أسبوع كامل.
و ناقشت المحادثات بين جماعة الحوثي
والحكومة اليمينة عدد من القضايا تمثلت في؛ اتفاقية لإطلاق صراح جميع الأسرى
والمعتقلين، إعادة فتح مطار صنعاء للرحلات الدولية، تحرير ميناء الحديدة من أيدى
الحوثيين ووضعه تحت تصرف إدارة دولية، تسهيل وصول المساعدات الإنسانية عبر رفع
الحصار عن مدينة تعز ،فتح المعابر و تطوير خطط لنزع الألغام.
في
السياق ذاته، القت المشاورات السويدية بظلها على الهزائم الإيرانية المتكررة ومدى
نجاح تحركات الجبهة السعودية الخليجية؛ ففي المرة الأولى خرجت الولايات المتحدة
الأمريكية من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة(5+1 ) واعادة فرض العقوبات الدولية
مرة أخرى.
وعلى
الناحية الأخرى، نجحت القوى الدولية والإقليمية في تحجيم نفوذ إيران في المنطقة
الذى تمثل في العمل على انجاح محادثات السلام اليمنية اليمنية في السويد مطلع
ديسمبر / كانون الأول لعام 2018، مما أسهم في خروج جماعة الحوثي من مواني الحديدة
و الصليف ورأس عيسي إلي شمال طريق صنعاء.
أولاً- النفوذ الإيراني في
المنطقة العربية... اليمن نموذجاً
ينطلق
النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط من أساس منهجي يتمثل في نظرية تصدير الثورة
الإسلامية و مبدأ الحكومة العالمية؛ فمنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979،
سعت طهران لنشر نفوذها في المنطقة العربية بحجة محاربة المستبدين ونصرة الضعفاء،
ولكن يتمحور السبب الخفي حول رغبة الجمهورية الإسلامية في أن تصبح أكبر القوى
الإقليمية الموجودة في الشرق الأوسط، مما
يمكنها من قيادة المنطقة بأكملها، ومن هنا
تستطيع استخدام هذه الورقة في المناورة مع القوى الكبرى لتنفيذ مطالبها.
في
السياق ذاته، سعت طهران لتوطيد نفوذها في اليمن من خلال زرع عدد من الميليشيات
المسلحة التابعة لها، على أن تكون أهمهم جماعة الحوثي. بدأ الوجود الإيراني يتعاظم
في اليمن عام 1982 عندما أسست طهران "حزب الله" في لبنان، انشأت في
العام ذاته حركة " أنصار الله" التي قامت خلالها بأول عملية إرهابية في
صنعاء تمثلت في تفجير سينما بلقيس عام 1983. فمنذ تلك اللحظة بدأ النفوذ الإيراني
يتعاظم في اليمن إلي أن وصل لمرحلة الدعم الشامل عسكرياً وسياسياً(1).
وتحاول
طهران من خلال دعم جماعة الحوثي اليمنية التأثير على معادلة التوازنات السياسية
بما يعزز مصالحها في دول الجوار الإقليمي.
من ناحية أخرى، تعمل طهران على إثراء الذات الطائفية داخل المنطقة العربية بشكل
عام و اليمن بشكل خاص. نتيجة لما سبق، أدت السياسات الإيرانية في اليمن لتمزيق النسيج الاجتماعي ونسف التعايش السلمى، كما
تسبب الدعم العسكري الإيراني من خلال أسلحة حديثة وبكميات كبيرة لجماعة الحوثي في تقويض
قدرة الدولة اليمنية وتصعيد وتيرة الصراع(2).
ثانياً- الهزائم الإيرانية
المتكررة
ترك
الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني مع دول (4+1 ) كثير من التداعيات
السلبية على وضع الجمهورية الإسلامية؛ حيث التعثر الاقتصادي نتيجة انهيار سعر
الصرف في مقابل الدولار وارتفاع معدل البطالة، الاحتجاجات السياسية واتهام الحكومة
الإيرانية بتوجيه موارد الدولة لدعم الجماعات الإرهابية والمسلحة في الخارج، تدهور
الوضع الاجتماعي على خلفية تزايد النعرات العرقية و رغبة العرقيات غير الفارسية في
الدفاع عن حقوقها المسلوبة من قبل الحكومة
الإيرانية.
فعلى
الصعيد الداخلي، باتت إيران تعانى مجموعة من الأزمات المتفاقمة على كافة الأصعدة،
وزادت سياسات الدولة القمعية الوضع سوءاُ من خلال قمع الحركات الاحتجاجية وتجريم
التظاهر عن طريق إجراءات خاصة بالقضاء،
الشرطة والمنافذ الإعلامية التي تديرها الدولة. وعلى المستوى النفسي لجأ النظام
إلي القاء اللوم على المحتجين و اتهامهم بالتسبب في زيادة حدة المعاناة من خلال
تعطيل دورة العمل داخل الدولة، ومن هنا تسهيل الهجوم على بقية المضربين و تفريع
تجمعهم، ثم التفاوض مع بقية المحتجين على مزايا أقل من التوقعات التي اطلقتها
الفئة نفسها في البداية(3).
أما على
الصعيد الخارجي، أدى نجاح مشاورات السويد إلي انسحاب جماعة الحوثي من أهم المواقع الاستراتيجية في اليمن هزيمة
أخرى للحكومة الإيرانية التي اعتمدت على هذه الجماعة لتعزيز نفوذها في صنعاء و استكمال مشروع الهلال الشيعي المزمع تطبيقه في
المنطقة.
وأسفرت
المحادثات اليمنية اليمنية عن مجموعة من النتائج الهامة تمثلت في؛ وقف إطلاق النار
في مدينة الحديدة ونشر قوات محايدة و
إقامة ممرات انسانية، انسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة، الصليف ورأس عيسي، تشكيل
لجنة بقيادة الأمم المتحدة تتمحور مهمتها حول الانتشار في اليمن لمنع أي احتكاكات
سلبية بين الطرفين، ومنع استقدام أي تعزيزات عسكرية للطرفين، إزالة الألغام
الموجودة في مدينة الحديدة وموانيها، وضع البنك المركزي اليمنى تحت إشراف الأمم
المتحدة(4).
نتيجة لما سبق، من شأن كل هذه
الأزمات المتفاقمة أن تعمل على تقويض قدرة الدولة الإيرانية على الصعيدين الداخلي
والخارجي؛ حيث أدت الأزمات الداخلية إلي تأجيج مشاعر المواطنين تجاه الحكومة
الإيرانية و لاسيما الرئيس "حسن روحاني" الذي خالف الواقع توقعاته بشأن المكاسب
الاقتصادية للاتفاق النووي الإيراني. كما توافقت الظروف الخارجية حول العمل ضد
مصالح طهران الإقليمية ولاسيما بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي؛ حيث بدت
هناك توافقات بين تل أبيب، موسكو و واشنطن حول ضرورة خروج إيران من سوريا، فضلاً
عن تحجيم نفوذها في الشرق الأوسط(5).
ثالثاً- مآلات التحرك السعودي-
الخليجي
أشادت
دول مجلس التعاون الخليجي بالمشاورات اليمنية التي تمت في العاصمة السويدية
ستوكهولم تحت إشراف الأمم المتحدة باعتبارها خطوة هامة لعودة السلام والاستقرار
إلي البلاد؛ حيث تعد تحركات المملكة العربية السعودية خطوة هامة في سبيل محاولة
جدية لتصحيح التوازنات المختلة في المنطقة، مساعدة الشعب اليمنى في مواجهة ميليشيا
الحوثي المدعومة من إيران.
في
السياق ذاته، تحاول المملكة العربية السعودية حشد دول المنطقة في مواجهة النفوذ
الإيراني المتنامي؛ حيث اعلنت الرياض إقامة تحالف مع ست دول عربية متاخمة للبحر
الأحمر وخليج عدن وهى مصر، جيبوتي، السودان، الصومال، اليمن و الأردن، الذي أشار
وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير" إلي أن الهدف الرئيسي للتحالف
يتمثل في تحقيق الاستقرار في المنطقة والحد من التأثير السلبي لبعض القوى الخارجية
.
فمنذ
أحداث الربيع العربي في عام 2011 التي عملت على زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، استغلت بعض القوى الإقليمية
هذه الحالة من الفوضى بغرض تعزيز نفوذها في دول الصراعات العربية، من خلال دعم
مجموعة من الفاعلين من غير الدول و بعض القوى المحلية ومساعدتها على الوصول إلي
السلطة. كما حاولت إيران أكثر من مرة مهاجمة السفن التجارية، ناقلات النفط و السفن
الحربية عبر حركة الحوثيين المدعومة من طهران(6).
ختاماً: باتت إيران مُهددة على المستوى الداخلي على خلفية الظروف السياسية والاجتماعية الداخلية المتأزمة و الاحتجاجات المستمرة بسبب التعثر الاقتصادي المتواجد منذ خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة (4+1 ). كما يتم تحجيم نفوذها من قبل بعض القوى الإقليمية و الدولية على المستوى الخارجي، الأمر الذي تسبب في هزائم متوالية قد تفضي إلي تغير كبير على مستوى النظام الداخلي و تقليم أظافر النظام خارجياُ، فضلاً عن الحد من نفوذه المتزايد في الشرق الأوسط.
الهوامش:
1. التدخل الإيراني في اليمن: مخطط طائفي توسعي هدفه اخضاع
المنطقة لولاية الفقيه، الحياة اللندنية، 15/12/2018 ، متاح على الرابط
التالي:
http://cutt.us/IVFM7 .
2.
Elisabeth Kendall, Iran's
Fingerprints in Yemen: Real or Imagined? Atlantic Council: working Together
to secure the future, 19/10/2017, available
at:
3.
Reza
Parchizadeh, Will It Succeed? Strategies of the Iranian regime to absorb the
shocks of US sanctions, Arabic center for research& studies,
6/12/2018, available at :
http://www.acrseg.org/41041?fbclid=IwAR02ZROwHsatHRKc1xbD90p5vHTTs0ApUrn-VTSft9eDytRUICnegCB8P8w
.
4.
Faisal
Edroos, Yemen's warring parties agree to ceasefire in Hodeidah, Al
Gazeera, 13/12/2018, available at : http://cutt.us/6yKMb
.
5.
BARBARA
SLAVIN, The Dangerous Consequences of US Withdrawal from the Iran Nuclear Deal,
Atlantic
Council: working Together to secure the future, 7/5/2018, available at:
6. شادي عبد الوهاب، تحالف البحر الأحمر: احتواء التهديدات في نظام إقليمي مضطرب، 16/12/2018، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، متاح على الرابط التالي: http://cutt.us/HwDmH .