مسارات مترابطة: هل يمكن أن يستمر فرض العقوبات على طهران؟
بدأت الثلاثاء الموافق السابع من أغسطس 2018 إعادة فرض
الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية علي إيران، التي تشمل مشترياتها من الذهب،
المعادن الثمينة وقطاع السيارات، فضلاً عن الفحم، صناعة البرمجيات والسجاد، على أن
يتم فرض الحزمة الثانية بحلول نوفمبر /تشرين الثاني، التي تستهدف قطاعي النفط
والفحم. وعليه، اندلعت احتجاجات عنيفة داخل شوارع طهران اعتراضاً على غلاء الأسعار
الناتج عن إعادة فرض العقوبات.
لكن الجديد في الأمر هو مهاجمة دور العبادة ولاسيما
الحوزات الدينية من قبل المتظاهرين، لكن حاولت أوروبا التهدئة من حدة الأزمة، من
خلال حماية الجهات الاقتصادية الأوروبية الناشطة في أعمال مشروعة مع إيران، عبر
تطبيق ألية التعطيل الأوروبية، الحفاظ على القنوات المالية الفاعلة مع إيران
والاستمرار في استيراد النفط والغاز .
وكان
لإعادة فرض العقوبات نتائج خطيرة على نظام الجمهورية الإسلامية؛ تمثلت في السعي
لاستجواب وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" ومنح روحاني شهراً للمثول
أمام البرلمان للإجابة على أسئلة متعلقة بخطط الحكومة للتعامل مع الأزمة
الاقتصادية الحالية.
دوافع
الأزمة
أثارت قضية إعادة فرض العقوبات الأمريكية جدلاً كبيراً داخل طهران، مما أدي لمظاهرات حاشدة في أصفهان،
مشهد وشيراز ضد سوء الأوضاع الاقتصادية،
وذلك تلبية لدعوات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث ردد المتظاهرون شعارات
مناهضة للتضخم وغلاء الأسعار، فضلاً عن فشل الحكومة من وجهة نظرهم في وضع خطط
زمنية قصيرة للتعامل مع الأزمة الحالية (1).
كما ربط الرئيس الإيراني الأسبق "محمد خاتمي"
بقاء النظام بضرورة إجراء موجة جديدة من الاصلاحات الهيكلية، لكن تم مواجهة
المظاهرات بحملة منظمة من قبل قوات الأمن العام والحرس الثوري، فضلاً عن تخفيض
الحكومة لسرعة الإنترنت، على خلفية
الادعاء بأن وسائل التواصل الاجتماعي تعد بمثابة المنصة الأولى لنشر دعوات التظاهر
منذ الاحتجاجات التي شهدتها إيران في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي(2).
وأفاد موقع البرلمان الإيراني بأن 50% من الإيرانيين
يعانون الفقر المدقع، لاسيما بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي و انهيار سعر صرف
الريال في مقابل الدولار الأمريكي. في السياق ذاته، أشار اقتصاديون إيرانيون إلى تفشي
الفساد داخل أجهزة الدولة، نتيجة الرشوة والمحسوبية، خاصة في سوق العملة، مما أدي
لوصف البعض بأن الفساد داخل طهران، أدي لخلق دولة داخل الدولة(3).
ما
الجديد في هذه الأزمة؟
هاجم المتظاهرون في إيران للمرة الأولى الحوزات و
المدارس الدينية؛ حيث بدأت الاحتجاجات بهتافات ضد ارتفاع تكلفة المعيشة واتهامات
بالفساد المالي لكن سرعان ما تحولت لمسيرات مناهضة للنظام. ولذلك يقر كثير من الخبراء
بأن هذا تحول من نوع جديد داخل نظام الجمهورية الإسلامية؛ حيث تحول الناس من
مهاجمة الحكومة والأوضاع الاقتصادية، إلى التشكيك في هوية النظام وجدوى استمراره.
كما تصدرت المرأة مشهد الاحتجاجات بداية من ديسمبر /كانون
الأول 2017، حيث لعبت النساء دوراً هاماً في طليعة الاحتجاجات المستمرة في أكثر من
40 مدينة إيرانية، انطلاقاً من إيمانها بأهمية التغيير. ففي مدينة "قم" التي
تعرف بأهم المراكز الدينية في إيران، لم تكتف النساء بالمشاركة فحسب، بل دعت
المارة للانضمام للاحتجاجات(4).
ردد المتظاهرون هتافات ضد "حزب الله" اللبناني
الموالي لإيران، في إشارة لرفض دوره في المنطقة
و حجم التمويل الكبير المقدم له من قبل الجمهورية الإسلامية، والذي يأتي
بالفعل على حساب مستوى الخدمات المقدم للمواطنين داخل إيران، فضلاً عن لفت أنظار
الحكومة لضرورة الانتباه للداخل ومراعاة تلبية الحاجات الأساسية للمواطنين.
دور
أوروبا في احتواء الأزمة
انطلاقاً
من مصالح الدول الأوروبية مع إيران، أصدرت
الأولى ولاسيما (فرنسا، بريطانيا، المانيا و المفوضية الأوروبية)، عقب بدء فرض
الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية، بياناً مشتركاً عبروا فيه عن أسفهم لعودة
العقوبات على طهران، مؤكدين تمسكهم بالاتفاق، الذي يشكل عنصراً أساسياً لمنع
الانتشار النووي، لأمن أوروبا، منطقة
الشرق الأوسط والعالم.
كما قررت الدول الأوروبية تبني استراتيجية جديدة لحماية
نفسها من تبعات إعادة فرض العقوبات الأمريكية علي إيران، لاسيما الحزمة
الثانية(قطاع النفط)، التي من المقرر تنفيذها بحلول نوفمبر/تشرين الثاني القادم. ورأت
أوروبا أنها بحاجة لتدابير مقنعة للرد على العقوبات الأمريكية، وإبراز عزمها على
حماية الشركات والمؤسسات التابعة لها التي تقيم علاقات مشروعة مع إيران، من خلال
إعادة تفعيل قانون المقاطعة الأوروبي لمواجهة القوانين الأمريكية عابرة الحدود(5).
على صعيد آخر ، يقر البعض أن التحدي الحقيقي الذي يواجه
الأوروبيون يتمثل في اقناع إيران على البقاء في الاتفاق النووي، ثم يأتي بعد ذلك،
تأثير التدابير الأوروبية ومعرفة مدي
نجاحها أو فشلها. كما سيكون الرئيس الاصلاحي "روحاني" الذي يعول عليه
الأوروبيون في وضع بالغ الضعف، إذا تبين للإيرانيين أن العقوبات الأمريكية اصبحت كابحة
لتقدم الاقتصاد الإيراني، فضلاً عن عدم توفير التدابير الأوروبية لمستوي الأمان
المطلوب(6).
ولوح "ترامب" نفسه بالتوازي مع فرض العقوبات، بإمكانية
عقد اتفاق جديد مع طهران، و دعا الرئيس "روحاني" للجلوس على طاولة
المفاوضات، ولكن واجه الأخير ضغوطاً كبيرة من قبل المتشددين في الداخل الإيراني
الذين رفضوا إمكانية حدوث ذلك حاضراً أو مستقبلاً.
مآلات
فرض الحزمة الأولى من العقوبات
كان لإعادة فرض الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية على
إيران، على خلفية خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، نتائج هامة
على حكومة روحاني، ومستقبل الجمهورية الإسلامية؛ حيث قررت لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية
بالبرلمان الإيراني استجواب وزير الخارجية "جواد ظريف" لتقديم تقرير
والإجابة على بعض الاسئلة المتعلقة بالاتفاق النووي والسياسة الخارجية.
وأمهل
النواب الإيرانيون الرئيس "روحاني" شهراً للمثول أمام البرلمان للإجابة
على بعض الأسئلة المتعلقة بالأزمة الاقتصادية الحالية، انهيار سعر العملة في مقابل
الدولار، الخطط المقترحة من قبل الحكومة لاستيعاب الأزمة(7).
في السياق ذاته، صوت البرلمان الإيراني الأربعاء في
الثامن من أغسطس/آب الجاري على سحب الثقة من وزير العمل بحكومة روحاني "على
ربيعي"، بعد موافقة 129 نائباً في مقابل 111 رافضاً و 3 امتنعوا عن التصويت،
مع منح روحاني مدة ثلاثة أشهر لتعيين وزيراً جديداً. يأتي سحب الثقة على خلفية
الجدل المتصاعد داخل إيران عن ارتفاع نسب البطالة، لاسيما خلال الأشهر الأخيرة
الماضية، فضلاً عن السخط الشعبي تجاه الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع الأزمة
الاقتصادية الحالية(8).
اخفق "ربيعي" في اقناع البرلمان بإمكانية
بقاءه في المنصب، وسط جلسة لاستعراض أهم المشكلات الأساسية التي تواجه الإيرانيين
على الصعيد الاجتماعي وأهمها؛ فقدان الأمن الوظيفي، تراجع الوضع المعيشي للعمال.
في السياق ذاته، كشف النائب "مسعود كودرزي" أن حكومة روحاني نجحت في
توفير 300 فرصة عمل فقط، مع وجود 8 مليون
مواطن عاطل عن العمل، محملاً الحكومة ووزارة العمل مسئولية ارتفاع نسبة البطالة
داخل المجتمع الإيراني.
ختاماً: أدي فرض الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية على إيران
إلى تفاقم الأوضاع داخل الجمهورية الإسلامية؛ حيث تصاعدت حدة الاحتجاجات، وزاد
استياء المواطنين جراء الظروف الاقتصادية الصعبة وتدهور مستوي المعيشة. وبات الأمر
يهدد حكومة "روحاني"، لاسيما بعد حجب الثقة عن وزير العمل والتعاون
والرفاه الاجتماعي، فضلاً عن مهاجمة المتظاهرين للمدارس الدينية و الحوزات، مما
سيكون له أثر كبير على عقيدة النظام وبقاءه.
كما اعترضت أوروبا على إعادة فرض العقوبات من خلال بلورة سياسة شاملة (اقتصادية، سياسية، قانونية) لمواجهة التدابير الأمريكية، وحماية مصالح شركاتها العاملة في إيران، ولكن من الواضح أن أوروبا لا تمتلك أدوات قوية لمواجهة القوانين الأمريكية العابرة للحدود، ومن هنا التنبؤ بإمكانية استمرار فرض العقوبات. في حين تعول إيران على عدم مشروعية فرض العقوبات في ظل استمرارها للالتزام ببنود الاتفاق النووي، لاسيما بعد تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أكدت انصياع إيران للاتفاق النووي المبرم مع دول (4+1).
الهوامش:
1. تواصل
احتجاجات كبريات المدن الإيرانية ... و الشرطة تطلق الغاز المسيل للدموع، الشرق
الأوسط، 2/8/2018، الرابط.
2. إيران تواجه الاحتجاجات بخفض سرعة الانترنت، الشرق
الأوسط، 7/8/2018 ، الرابط.
3. أوروبا تراهن على تدابير مضادة لمواجهة العقوبات
الأمريكية، 7/8/2018 ، الشرق الأوسط، الرابط.
4.
البرلمان الإيراني يستجوب
ظريف الاثنين والثلاثاء المقبلين، 4/8/2018 ، الشرق الأوسط، الرابط.
5. رضوخاً لمظاهرات الغضب ... حجب الثقة عن وزير العمل
الإيراني، 8/8/2018 ، سكاي نيوز عربية، الرابط.
6.
majid Zamahani, The
political and socio-economic causes and consequences of corruption case study of Iran, 2016, Payame
Noor University
7.
Peter Kenyon, In
Iran protests, women stand up, lift their hijab, for their rights, 3/8/2018, NPR News.
8. which European firms could be hit by US sanctions on Iran, 6/8/2018, Euro News.