المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

قراءة في الموقف الأوروبي بعد مرور عام على الأزمة الخليجية

الثلاثاء 19/يونيو/2018 - 02:08 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
آية عبد العزيز

جاء القرار العربي المستقل بمقاطعة قطر بمثابة مفأجاة غير متوقعة للاتحاد الأوروبي فقد نفذ صبر دول الجوار على السياسات العدائية التي تقوم بها الدوحة تجاه جيرانها بما يهدد الأمن القومي العربي فقد ساهمت بشكل كبير  على زيادة التدخلات القوى الإقليمية الكبرى في الشئون العربية.

تدخل الأزمة الخليجية عامها الأول بعد قطع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين علاقاتهم الدبلوماسية والاقتصادية بقطر في 5 يونيو/ حزيران 2017 نتيجة سياسات الدوحة العدائية تجاه دول المنطقة علاوة على إنها ترعى الإرهاب، وذات صلات وثيقة بطهران. وعليه فقد أقدمت الدول الأربع على وضع لائحة تتكون من 13 بندًا على الدوحة الالتزام بهم شرط إنهاء المقاطعة وذلك لضمان الاستقرار  في المنطقة.

آليات التعامل الأوروبي مع الأزمة

تبنت الدول الأوروبية عددًا من المواقف المتقاربة بشأن الأزمة الخليجية كانت معظمها داعمة لوقف التصعيد، وتجلت على النحو التالي:

1-      عدم الانخراط المباشر في الأزمة؛ انتهجت أوروبا سياسة متوازنة في التعامل مع الأزمات الدبلوماسية في المنطقة العربية، دون الانخراط بشكل مباشر تجنبًا لتصاعد انعكاسات الصراع عليهم باعتبارهم جزء من الأزمة وليس طرفًا لحلها. وعليه؛ فقد تبنت القيادة السياسية الأوروبية موقفًا شبه موحد في التعاطي مع الأزمة تبلور حول الدعوة للحوار  بين الأطراف لإنهاء التصعيد جاء ذلك على لسان  "فيديريكا موغيريني" مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في دعمها للحوار والتفاوض.

2-      دعم مبادرات الوساطة؛ دعمت العواصم الأوروبية المبادرة الكويتية في حل الأزمة، تمهيدًا لإنهاء المقاطعة مع قطر، فمازالت المنطقة مشتعلة وتعاني من العديد من الأزمات والتهديدات داخليًا وخارجيًا ولا سبيل أمام الغرب إلا حل هذا الخلاف، وهو ما اتضح في دعوة "زاغمار غابرييل" وزير الخارجية الألماني في أعقاب لقاءه مع نظيره القطري "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني"؛ حيث شدد "غابربيل" على ضرورة حل الأزمة لما لها من تداعيات سلبية على الاتحاد من الناحية السياسية والاقتصادية والأمنية، معتبرًا أن الدوحة شريكًا استراتيجيًا في مكافحة الإرهاب(1).

3-      المطالبة بإنهاء المقاطعة؛ سعت بعض الدول الأوروبية لتخفيف حدة المقاطعة على قطر، تمهيدًا لوقف التصعيد والوصول إلى حل تفاوضي ليضمن استقرار الأوضاع في المنطقة. وهو ما أشارت له الخارجية البريطانية إبان لقاء وزير الخارجية القطري نظيره البريطاني "بوريس جونسون"، فقد طالب "جونسون" من دول الخليج  ومصر تخفيف الإجراءات المفروضة على الدوحة باعتبارها شريكًا لهم. والجدير بالذكر إن الدوحة قد طالبت من لندن سرعة التدخل لحل هذه الأزمة لوقف الإجراءات التي تم فرضها عليهم من قبل دول الجوار(2).

4-      تقريب وجهات النظر؛ ساهمت القوى السياسية الأوروبية إلى تقريب وجهات النظر بين دول المقاطعة والدوحة لحل الخلاف فيما بينهم عبر التفاوض والحوار لأن استمرار تفاقم الأزمة سينعكس بشكل عميق على حياة الشعوب في كلا الجانبين، وعليه، سعت القيادة السياسية في العواصم الأوربية إلى تقريب وجهات النظر عبر الزيارات المتبادلة، فعلى سبيل المثال تمثلت في الجولة الخليجية التي قام بها وزرير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودريان" لحل الأزمة في 15 يوليو/ تموز 2017، لمدة يومين استهدفت زيارة الدوحة والرياض والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة بهدف التوصل إلى تهدئة سريعة. سبق هذه الجولة زيارة وزير الخارجية الألماني "زيمغار غابرييل" كأول مسئول أوروبي يزور كل من الدول السابقة للتوسط وإنهاء الأزمة وذلك في بداية يوليو/ تموز 2018، علاوة على زيارة وزير الخارجية البريطاني للخليج.

"المصالح"... محركًا أوروبيًا في التعاطي مع الأزمة

حاولت الدول الأوروبية تجنب الخلافات العربية في منطقة الخليج من خلال الدعوة المستمرة للحوار السلمي والاحترام المتبادل، ويرجع ذلك لعدد من المصالح تتمثل أبرزها على النحو التالي:

1)      المصالح الاستراتيجية؛ جسدت الروابط التاريخية التي نشأت بين الجانبين على أساس التعاون، وتحت مظلة الشراكة الاستراتيجية على كافة الأصعدة نتيجة المتغيرات الدولية والإقليمية المتلاحقة، مدى قوة هذه العلاقات التي اتخذت عدد من الآليات لدعم هذه السياسات من خلال عقد اجتماعات مشتركة بصفة دورية، فضلًا عن المناقشات حول مجالات الاهتمام المشترك مثل الطاقة والنقل والبحث والابتكار والاقتصاد، إضافة إلى المشاركة في المؤتمرات والقمم الخاصة بمكافحة الإرهاب والتطرف، ومواجهة موجات الهجرة غير الشرعية خاصة بعد تنامي تداعيات الثورات في المنطقة العربية.

2)      المصالح الأمنية؛ تجنبت القيادة الأوروبية الانقسام العربي ومآلاته العميقة على الأمن الإقليمي التي قد تؤدي إلى تنامي موجات الهجرة غير شرعية إلى العواصم الأوروبية متدفقة من الشرق الأوسط، علاوة على تنامي الفاعلين العنيفين من غير الدول والراغبين في هدم الدولة الوطنية وإثارة الفوضى وعدم الاستقرار.

3)      المصالح التجارية؛ تخوفت القوى الأوروبية من انعكاس الأزمة على حركة التبادل التجاري بين الجانبين فقد بلغت على سبيل المثال قيمة الواردات من الدوحة إلى الاتحاد الأوروبي 5.8 مليار دولار، في حين بلغت الصادرات 10.75 مليار دولار ، في المقابل بلغت قيمة الوراردات من الرياض 21.3 مليار دولار، في حين وصلت قيمة الصادرات إليها ما يقرب من 38 مليار دولار وذلك في عام 2016، وعليه فقد حاولت القيادة السياسية حماية هذه المصالح بعيدًا عن الخلافات البينية.

4)      المصالح الطاقوية؛ تواجه العواصم الأوروبية تحديًا استثنائيًا فيما يتعلق بالطاقة؛ تأتي الطاقة وخاصة "النفط" كمحدد للدول الأوروبية في التعاطي مع الأزمة؛ حيث تنبع البرجماتية الأوروبية من الدفاع عن مصالحها في الشرق الأوسط وبشكل خاص بعد تراجع الدور الأميركي في حماية مصالحها التي تتمثل في استمرار تدفقات الطاقة بأسعار معتدلة. وفي هذا الإطار من المعروف أن دول الخليج العربي تمتلك أكبر احتياطات نفطية في العالم، ومن شأن استمرار المقاطعة أن تخلق أزمة في أسعار النفط على غرار أزمة 1973.

لذا، وفقًا لما نشرته منظمة الأوبك في 2017، بلغ احتياطي النفط في  المملكة العربية السعودية إلى (21،9٪) وفي الكويت (8،3٪)، الإمارات العربية المتحدة (8،0٪)، قطر (2،1٪). حاولت القيادة السياسية إدارة الأزمة عبر قنوات الوساطة والحوار حفاظًا عن مصالحها وليس دافعًا عن القضية الأصلية مواجهة الدول الراعية للإرهاب والتصدي لها(3). وفيما يتعلق بالغاز الطبيعي؛ فقد شكل مزيج الطاقة في أوروبا 22% عام 2015، ومن المتوقع أن يصل إلى 28% في 2035، لذا فيجب على الساسة الأوروبين البحث عن مبادرة للتخلص من هذه الانقسامات ولعب دور الوسيط، للتصدي لتحدي الطاقة فضلًا عن تنامي الصعود الروسي في الغرب(4).

ختامًا؛ نبع الموقف الأوروبي من إيمانه بضرورة حماية مصالحه داخل المنطقة فلا يمكن اتخاذ موقفًا من أى دولة فلديهم علاقات وثيقة معهم بشكل كبير، فضلًا عن توافقهم حول عدد من القضايا المثارة في المنطقة فكل من دول المقاطعة بجانب الدوحة تنظر إليهم القوى الأوروبية باعتبارهم شركاء في إدارة أزمات المنطقة وفي مقدمتها إعادة إعمار سوريا ومكافحة الإرهاب.

 لذا فمن المتوقع أن تستمر السياسة الأوروبية تجاه دول المنطقة على نحو مماثل نتيجة التحديات الداخلية والخارجية التي تشهدها العواصم الأوروبية، ودول المنطقة العربية دون اتخاذ موقف حاسم في هذه الأزمة.

المراجع:

1)       "الاتحاد الأوروبي يدعو لإنهاء التصعيد وحل الأزمة الخليجية بالحوار"، الخليج اونلاين، 10 يونيو 2017. الرابط

2)       "بريطانيا تطالب دول الخليج "بتخفيف الحصار" على قطر"، هيئة الإذاعة البريطانية، 12 يونيو 2017. الرابط

3)             Andri Stavros, "Qatar–Gulf crisis: What does the EU stand for?", EUROPEAN STUDENT THINK TANK. Available at

4)             Przemysław Osiewicz, "Europe Seeks Peaceful End to Gulf Crisis", the Middle East Institute, Jun 28, 2017. Available at

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟