الأسباب والتداعيات: التنافس الروسي الإيراني في سوريا
أثارت التصريحات الأخيرة التي أدلى بها مسؤولون روس
بضرورة خروج القوات العسكرية التابعة للقوى الأجنبية الأراضي السورية، والتي من
بينها القوات الإيرانية بمختلف أشكالها، والمدعومة من إيران كذلك، العديد من
التساؤلات حول مستقبل الدور الروسي في سوريا ما بعد تنظيم "داعش" الإرهابي(1).
فقد شكّلت هزيمة هذا
التنظيم في الأراضي السورية منطلقاً جديداً ونقطة انعطاف للاعبين الأساسيين على
الأراضي السورية، والذين من أبرزهم روسيا وإيران. ومن نفس الزاوية، أثارت
التصريحات الروسية الأخيرة بضرورة خروج القوات غير الروسية من الأراضي السورية قلق
الجانب الإيراني الذي يرى أن حضوره في سوريا حتى لو على المدي المنظور، أمرٌ لا
جدال فيه؛ نظراً للأهمية الكبيرة التي تشكلها جغرافية سوريا للإيرانيين(2).
ولم تكن تصريحات
المسؤولين الروس وانزعاج الجانب الإيراني منها أمراً عادياً، بل يستحق الانتباه له
والتدقيق فيه؛ نظراً لأن المتابع للمشهد السوري لم يعتد إلا تنسيقاً روسياُ
إيرانياً على الأراضي السورية.
وهنا، سنحاول استعراض
أسباب هذه التطورات الأخيرة من خلال تناول طبيعة الدورين الروسي والإيراني في
سوريا.
الدور الروسي في سوريا
منذ أن
شعرت موسكو بتحول تدريجي سلبي في مواجهة النظام السوري للمجموعات المسلحة منذ عام
2011، بدأت القوات العسكرية الروسية التدخل فعلياً على الأرض السورية في محاولة
منها لإنقاذ الموقف. إلا أن التدخل العسكري الروسي لم يبدأ مرة واحدة، بل بدأت
روسيا أولاً بإرسال خبراء ومستشارين عسكريين اتبعتهم لاحقاً بقوات عسكرية مسلحة
منذ العام 2015. وكانت موسكو تهدف من وراء هذا التدخل إجمالاً إلى:
-
منع سقوط النظام السوري:
وذلك بعد
الضربات المتعددة التي تلقاها من المجموعات الإرهابية والمسلحة المتعددة. وترغب
موسكو في عدم سقوط النظام السوري؛ مدفوعة بالاتجاه نحو بقاء سيطرتها ونفوذها في
منطقة الشرق الأوسط، وخاصة على الساحل الغربي لسوريا. كما ترغب روسيا في الحفاظ
على قواعدها العسكرية خاصة قاعدة حميميم باللاذقية والتي تستخدمها روسيا، بعد
الاتفاق مع الجانب السوري، في إطلاق حملات جوية وذلك بدون مقابل أو مدة زمنية
محددة. ويعتقد الروس بأن أهمية سوريا تنبع من موقعها الجغرافي على البحر الأبيض
المتوسط، مما يتيح للأخيرة الوصول دائماً والبقاء بمنطقة الشرق الأوسط لأجل غير
محدد.
وتتنافس
موسكو مع الدول الغربية في هذا الجانب؛ حيث لم ترغب موسكو من البداية ترك سوريا
تفلت من يدها إلى أيدي الدول الغربية، لأن بفقدانها سيتم تحجيم الدور الروسي في
منطقة الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق.
-
حماية الحدود الروسية:
كانت
روسيا ترغب منذ بداية الأزمة والصراع في سوريا في عدم تقدم الجماعات الإرهابية إلى
حدودها الجنوبية والغربية. حيث شعر الروس، بعد تحقيق العديد من هذه الجماعات
تقدماً ونفوذاً داخل الأراضي السورية، بخطورة اقتراب هذه الجماعات من الحدود
الروسية والجمهوريات القريبة منها، مما يمكن أن يشكل لها بعض التوترات الأمنية،
خاصة وأن هناك بالأساس نشاطاً لبعض الجماعات المشابهة داخل هذه الجمهوريات.
-
إعادة إحياء الدور الروسي من جديد:
حاولت
روسيا خلال السنوات الماضية إثبات دورها الدولي وليس فقط الإقليمي مرة أخرى. وكان
ذلك بداية مع الأزمة الأوكرانية عام 2014، ثم مرة ثانية مع الأزمة السورية عام
2015. فروسيا ومنذ ظهور الرئيس فلاديمير بوتين تحاول العودة مجدداً إلى الساحة
العالمية والتي من أهمها منطقة الشرق الأوسط، وهنا تصطدم روسيا بعدد من اللاعبين
الدوليين والإقليميين في طريق تحقيق مصالحها الاستراتيجية، والتي منها الولايات
المتحدة الأمريكية وكذلك إيران في بعض الأحيان.
الدور الإيراني في سوريا
منذ
اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، بادرت إيران على الفور بإرسال العديد والعديد
من المقاتلين العسكريين، سواء إيرانيي الجنسية أو من أصحاب الجنسيات الأخرى. فقد
أرسلت إيران أولاً ما اسمتهم بالمستشاريين العسكريين الإيرانيين ثم ما لبثت الأمور
أن تدهورت كثيراً لاحقاً بالنسبة للجيش السوري، ما اضطر إيران إلى إرسال آلاف
المقاتلين ولكن من ذوي الجنسيات الأخرى.
واعتمدت إيران في ذلك على تجنيد جنسيات أجنبية من المهاجرين المقيمين في
إيران، وكان من أبرزهم المقاتلون الأفغان والباكستانيون. وشكّلت إيران، أو بالأحرى
الحرس الثوري الإيراني، ميليشيات شيعية عسكرية قامت بتدريبهم أولاً داخل الأراضي
الإيرانية، ثم أرسلتهم لاحقاً جواً إلى الأراضي السورية.
ولا تزال
هذه المجموعات المسلحة المدعومة من إيران تقاتل على الأراضي السورية، لا شئ إلا
لأن إيران تريد ألا تفقد أرضاً استراتيجية تقول إنها مستعدة أن تفقد أجزاء من
أراضيها ولكنها غير مستعدة لفقد نفوذها في سوريا. وهذا الأخير يدفعنا إلى التساؤل
حول الأسباب الرئيسية التي دفعت إيران والحرس الثوري الإيراني إلى المغامرة على
الأراضي السورية، وهي يمكن إجمالها فيما يلي:
-
ورقة استراتيجية إقليمية:
ليس من المبالغة القول إن الأراضي السورية
تمثل بالفعل لإيران أهمية استراتيجية كبرى تضاهي في أهميتها المكانة الاقتصادية
لإقليم الأحواز بإيران على الخليج العربي. فإذا كانت إيران تنوي من خلال مشروعها
إلى تصدير ما تسميه وتطلق عليه "الثورة"، وما هي إلا مشروع للسيطرة
والنفوذ، فإن هذا المشروع يبدأ بالشرق الأوسط، من العراق وسوريا، ومن هنا تمثل
سوريا، إلى جانب العراق، "عنق الزجاجة" للمشروع الإيراني ذي الصبغة
الطائفية.
وتصطدم إيران في ذلك المشروع
بالعديد من دول المواجهة العربية الإقليمية التي تتصدى لمثل هذا المشروع الإيراني
الذي نشاهد ونرى جزئياته يومياً في العراق وسوريا واليمن. وليس ذلك فقط، بل إن
إيران لا تواجه فقط تصدياً إقليمياً لمثل هذا المشروع، بل منعها من قِبل القوى
الكبرى من الاستمرار في مثل هذه المشاريع الفوضوية.
-
مقايضة القوى الدولية إقليمياً:
تتسم
العلاقات الأمريكية الإيرانية بالتوتر والاضطراب منذ عام 1979 و عملية اقتحام
السفارة الأمريكية. ولا تزال هذه العلاقات مضطربة حتى الوقت الحالي، خاصة بعد قدوم
الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة العام الماضي. وترغب إيران
بشكل عام من حضورها في سوريا أن تقايض وتفاوض الفاعل الأمريكي في منطقة الشرق
الأوسط من خلال نشاطها على الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي.
حيث إن موالاة
جماعات كحزب الله اللبناني لإيران وقربها من الحدود الإسرائيلية يجعل صانع القرار
الأمريكي مغلول اليد في التعامل مع الملف الإيراني، وذلك على الرغم من استغلال
إيران لمثل هذه الجماعات لخدمة مصالحها الاستراتيجية، ولذلك فإن فقدان إيران
لنفوذها في سوريا سيعني ضرب المشروع الإيراني برمته و "قتله".
-
مواصلة
إيران إمداد حزب الله بالسلاح و العتاد:
تُعد
الأراضي السورية، ومن قبلها العراقية، ممراً مهماً للغاية لإيران من أجل إيصال
أسلحتها وعتادها إلى حزب الله اللبناني الذي يُعد جزءاً من أدوات النفوذ الإيراني
في المنطقة. ومن هنا تبع أهمية أخرى رئيسة لأهمية الأراضي السورية على وجه الخصوص
بالنسبة إلى الاستراتيجية الإيرانية خاصة في منطقة الشرق الأوسط.
روسيا وإيران في سوريا... من
التعاون إلى الصراع
كانت كلٌ
من روسيا و إيران وإلى حد قريب تنظران إلى بعضهما البعض على أن أدوارهما مكملة
للأخرى في سوريا. حيث وفّرت روسيا الغطاء الجوي و قدّمت إيران القوات الأرضية،
ونتج عن كل هذه الجهود، وأخرى، هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا.
إلا أن هذه الأدوار التي كان يتم تنسيقها في الماضي، باتت الآن ترى نفسها في
معادلة ينبغي أن يحصد نتائجها طرفٌ واحد.
فمنذ أن
أعلن مبعوث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الخاص إلى سوريا "ألكسندر لافرينتيف"
ضرورة انسحاب القوات الأجنبية من سوريا وأن يتم ذلك بشكل شامل، ثارت في طهران ضجة
وموجة من التصريحات التي ترفض هذه السياسة الروسية الجديدة(3) التي
تثير الدل حول أسباب تبنيها في هذا التوقيت تحديداً:
أسباب رغبة روسيا في
خروج القوات الأجنبية من سوريا
تستند
أسس هذه التصريحات الروسية الجديدة إلى اليقين الروسي بأنها هي التي هزمت تنظيم
"داعش" وهي العامل واللاعب الأساسي في بقاء الرئيس السوري بشّار الأسد
في السلطة حتى الآن. فروسيا تنظر إلى القوات الأجنبية في سوريا على أنها تمثل
تدخلاً في أراضي دول أخرى، كالقوات الأمريكية والتركية والفرنسية وبالطبع
الإيرانية.
أما بالنسبة للقوات الإيرانية، فإن روسيا ترى ضرورة خروجها من الأراضي
السورية للأسباب التالية:
-
إعادة إعمار سوريا:
ترى روسيا أنه وبعد هزيمة تنظيم
"داعش" في سوريا، فإنه من الضروري الدخول في عملية إعادة إعمار البلاد؛
حيث إنه وإن كانت القوات الروسية قد حققت نجاحات كبيرة في سوريا، إلا أنها لا
تستطيع الاستمرار بشكل دوري هناك، وذلك للتكلفة الاقتصادية الكبيرة للقوات
الروسية، فضلاً عن الخسائر البشرية، وذلك كله في ظل فرض الدول الغربية عقوبات
اقتصادية على روسيا في الآونة الأخيرة.
وتتركز وجهة النظر الروسية في أن إعادة إعمار سوريا يتطلب خروج القوات
الإيرانية من البلاد؛ لأنها النفوذ الإيراني في سوريا يتمثل في الميليشيات المسلحة
التي تقاتل إلى جانب النظام السوري، مثل ميليشيات "فاطميون" الأفغانية و
"زينبيون" الباكستانية.
-
ترسيخ عملية السلام مستقبلاً في سوريا:
ترغب روسيا كذلك بعد هزيمة تنظيم
"داعش" في إطلاق عملية السلام داخل سوريا بمبادرة دولية. وتعتقد روسيا
أن بقاء القوات الإيرانية داخل الأراضي السورية لن يؤسس لعملية السلام المستقبلية
في سوريا، بل سيعمل على استمرار النزاع والصراع على الأراضي السورية. فالميليشيات
التابعة لإيران في سوريا تأخذ الصبغة الطائفية، واستمرار الحضور الإيراني داخل
الأراضي السورية بهذه الصورة سيظل سبباً لتجدد الصراع فيها.
-
رغبة روسيا في استثمار شركاتها داخل
سوريا:
وذلك في
ظل العقوبات الغربية على موسكو، حيث إن الأخيرة تريد أن تتدفق الشركات الروسية إلى
داخل الأراضي السورية للاستثمار وإعادة الإعمار. وهنا، لا تتنافس روسيا فقط مع
الشركات الإيرانية، التي يريد النظام كذلك أن تعمل في مشروعات إعادة الإعمار
السورية، إلا أنها تتنافس مع الشركات الأخرى كالصينية والغربية.
ومن
ناحية أخرى، ترى إيران أنها قدّمت الكثير من أجل بقاء النظام السوري ورئيسه الأسد،
ولذلك فإنها تريد هي الأخرى أن تستثمر وتستحوذ على عملية "إعادة إعمار"
سوريا. ففي إحدى خطبه، أبدى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف انزعاج إيران من سيطرة
روسيا على ملف إعادة إعمار سوريا؛ وذلك لقلق إيران من إقصائها من هذا الملف
الاقتصادي المستقبلي. وقال جوّاد ظريف في إحدى حواراته "تستطيع روسيا وإيران أن
يكملا بعضهما البعض في عملية إعادة الإعمار، فهنالك فرص واسعة لإعادة الإعمار في سوريا".
-
التنسيق الإسرائيلي مع روسيا في عدم بقاء
إيران داخل سوريا:
فقد كان للزيارة التي قام رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى روسيا مؤخراً تنصب على المسألة السورية، وكان من
أهم نتائجها وتداعياتها ضرب إسرائيل لبعض المواقع السورية. وترغب إسرائيل بشكل عام
في عدم بقاء إيران وقواتها داخل الأراضي السورية؛ وبما أن إسرائيل ترى أن روسيا هي
المسيطر وصاحب النفوذ الأول في سوريا عسكرياً وسياسياً فإنها تحاول التنسيق مع
الجانب الروسي في عدم بقاء القوات الإيرانية داخل الأراضي السورية مستقبلاً.
إذاً يمكن القول إجمالاً إن أسباب الصراع الروسي الإيراني، إذ جاز التعبير، في سوريا سياسية و اقتصادية، سياسية حول استقرار السلام في سوريا والنظرة الروسية إلى أنها هي من قامت بحماية النظام السوري، واقتصادية تتعلق برغبة الجانب الروسي في قطف ثمار جهوده العسكرية في سوريا من خلال فتح أسواق جديدة للاقتصاد الروسي في ظل العقوبات الغربية المتجددة عليه.
المراجع:
1-
"اختلاف ميان ايران و روسيه در سوريه عميق تر
شده است"، يورونيوز، 1 ديسمبر 2017.
http://fa.euronews.com/2017/12/01/iran-russia-growing-apart-in-syria
2-
" واكنش
ايران به تاكيد روسيه بر خروج نيروهاي ايراني از خاک سوریه"، فردا
نيوز، 21 مايو 2018.
https://www.radiofarda.com/a/Iran-would-not-take-orders-to-leave-Syria-ghasemi-says/29240064.html
3-
"موضع منسوب
به پوتین در رابطه با خروج نیروهای ایرانی از سوریه نادرست است"، خبرگزاری دانشجویان ایران، 20 مايو 2018.