صورة الإسلام السياسي في الصحافة الغربية قبل ثورة 30 يونيو وبعدها
نوقشت مؤخرًا تحت إشرافنا العلمي بكلية الإعلام جامعة
القاهرة رسالة دكتوراه للباحثة إكرام محمود سيد عبد الرازق المدرس المساعد بالمعهد
العالي للإعلام وفنون الاتصال بعنوان "صورة الإسلام السياسي في مصر في
الصحافة الغربية قبل ثورة 30 يونيو وبعدها: دراسة تطبيقية على الصحافتين الأمريكية
والبريطانية".
وقد قامت الدراسة بطرح عدد من التساؤلات المهمة منها: في
أي إطار تقدم الصحف الأمريكية والصحف البريطانية صورة الإسلام السياسي قبل ثورة
الثلاثين من يونيو وبعدها؟ وما مدى استيعابها لمجريات الأحداث بعد ما سُمي عام
حُكم الجماعة حتى بعد عام من تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم مصر؟ وكيف تحدد
هذه العلاقة بين استخدام وسائل الإعلام لهذه الدول كنافذة لنقل الصورة والعوامل
المؤثرة فيها؟.
وسعت هذه الدراسة إلى تحقيق هدف رئيس وهو التعرف على الصورة المقدمة للإسلام السياسي في مصر في الفترة من الثلاثين من يونيو 2012 حتى الثلاثين من يونيو 2015 في كلٍ من الصحف البريطانية والأمريكية طبقًا لمدارس تحليل الخطاب اللغوي والسيميولوجي والثقافي. وشملت عينة الدراسة عددًا من الصحف الأمريكية (واشنطن بوست– نيويورك بوست– تايم)، وعددًا من الصحف البريطانية (ديلي تليجراف– جارديان– إيكونوميست).
أولاً- الإطار
العام لصورة الإسلام السياسي:
كشفت نتائج الدراسة أن صورة الإسلام السياسي في مصر جاءت في إطار من الصراع، والمقصود هنا بالصراع أي أن القضايا التي ثارت حولها صورة الإسلام السياسي في مصر جاءت في إطار من الديمقراطية تارة والاحتجاجات والعنف المتبادل بين مؤيدين ومعارضين لوجود الإسلام السياسي وخصوصًا جماعة "الإخوان" تارةً أخري، وبين رؤى دولية أمريكية وبريطانية داعمة لجماعة "الإخوان" ودعم شرعية الرئيس المعزول محمد مرسي ضمن أبعاد دولية عملت على تحسين استراتيجياتها تجاه مصر بوضع جماعة "الإخوان" كمنظمة إرهابية بعد أن دعمتها في بادئ الأمر، وبعد أن رأت أن من مصالحها الأمنية دعم مصر في مكافحاتها للإرهاب بعد أن اتضح لكلٍ من الإدارتيْن الأمريكية والبريطانية أن هجمات الإرهاب الراديكالي التي يشهدها الشارع الأوروبي خلال السنوات الثلاث الماضية يجب أن يتم التعامل معها بالقوة، وهذا ما عكسته السياسة التحريرية للصحف عينة الدراسة والتي تأثرت في تناولها لصورة الإسلام السياسي في مصر بصانع القرار السياسي في دولها الحاكمة لها.
ثانياً- القضايا التي تناولتها
صحف الدراسة حول صورة الإسلام السياسي في مصر:
في إطار تلك المنظومة، أكدت نتائج الدراسة أن القضايا المطروحة بالصحف عينة الدراسة عن الإسلام السياسي في مصر جاءت بما يتلاءم مع توافق سياسي وثقافة اجتماعية ورؤى سياسية وسياسة تحريرية من خلال رصدها لأجندة الموضوعات المطروحة بصحافتها واتجاهاتها إزاء الواقع الفعلى للإسلام السياسي في مصر؛ وبذلك يمكن القول إن للصحافة الغربية الأمريكية والبريطانية عينة الدراسة دورٌ كبير في نقل صورة الإسلام السياسي على نحو ما كشفت عنه المعايير الدولية والتحريرية .
ثالثاً- تناول صورة الإسلام
السياسي في ضوء مدارس التحليل اللغوي والسيميولوجي والثقافي:
§
مدرسة التحليل اللغوي للخطاب المصاحب لصورة الإسلام السياسي:
اتفقت نتائج الدراسة مع ما أكده فردينان دى سوسير على أن
اللغة بوصفها صانعة ومؤثرة ومتأثرة بالظروف الخارجية التي تحيط بها، من خلال
تراكيب ووحدات عبر جوانب تأويل الخطاب المقدم من خلاله صورة الإسلام السياسي في
مصر، فقد استخدمت الصحافة الغربية الأمريكية والبريطانية عينة الدراسة الاستعارات،
كما استخدمت مسارات البرهنة كالبرهنة الهجومية واللغوية المنطقية في دلالة على أن
الخطاب المصاحب لصورة الإسلام السياسي في مصر قد استخدم جماليات اللغة من استعارات
ومسارات برهنة للتدليل والتأويل طبقاً لسياسة تحريرية اتبعتها الصحف عينة الدراسة.
فالنظام اللغوي ما هو إلا نظام ذو معانٍ في ضوء علاقات
متبادلة بين الدال والمدلول، وهذا ما اتفقت معه نتائج هذه الدراسة بأن الصحف عينة
الدراسة قد استخدمت دلالات وإيحاءات تضع صورة الإسلام السياسي في مصر إيجابيةً
تارةً وسلبيةً تارةً أخري.
مما سبق تتشكل الآليات المحددة للخطاب المصاحب لصورة
الإسلام السياسي ومخاوف تأثيره طبقًا لتصنيف فوكو فيما يلي:
·
إجراءات خارجية تأتي في إطار المنع المرتبط بموضوعات
سياسية مرتبطة بالسلطة أو تقديم خطابات وهمية غير حقيقية وهذا ما فعلته الصحافة
البريطانية عينة الدراسة بتقديمها صورة مغايرة عن الإسلام السياسي في مصر، وخصوصًا
صحيفة "الجارديان" البريطانية، حيث قدمت خطاباتها طبقًا لثقافة معينة.
·
إجراءات الاستخدام والتوظيف التي شملت المنظور الدلالي
للخطابات المصاحبة لصورة الإسلام السياسي في مصر بصحف عينة الدراسة .
§
المدرسة السيميولوجية لتحليل صورة الإسلام السياسي:
أشارت نتائج الدراسة إلي أن بعض رسوم الدراسة
الكاريكاتورية جمعت في أفكارها صورًا رمزية شملها الرسم الكاريكاتوري الواحد حول
العنف، والإرهاب، والسيف والجلباب، واللحية، و"الإخوان"، والانتخابات،
وعلاقة "الإخوان" بالمؤسسة العسكرية وثورات الربيع العربي .
واتفقت نتائج الدراسة مع تأكيد مفهوم الصورة عند "ريجيس
دوبري" بأن لها قوة ساحرة ومؤثرة على مشاهديها وصانعيها؛ لما لها من تأثير
على الرأي العام، وتوجيهه أو تضليله؛ لأنها وسيلة فعالة ومؤثرة في التحول الذهني،
حيث إنها تستخدم لتثبيت وتكريس واقع معين، أو من أجل التمرد على واقع مكرس؛ فالعصر
الذي نعيشه الآن أصبحت فيه السيادة للصورة التي يتم استهلاكها من الآخر لخلق صورة
مضادة؛ لذلك فإن هناك ارتباط وثيق الصلة بين توظيف الصحافة للصورة وبين رصدها
لصورة الإسلام السياسي في إطار بث رسائل للقراء بصورة فعالة ومؤثرة وسريعة ومقنعة
في ضوء جذب الانتباه وإثارة الاهتمام لدي القارئ، فالصورة تخفف من ثقل المادة
التحريرية وتضفي عنصر الصدق على المادة التحريرية المقدمة.
وأشارت نتائج الدراسة إلى البعد الرمزي لرسوم الكاريكاتور
في إطار تأويل الصورة كما يعرفها دوبري بأن
للصورة علامة تمثل خاصية كونها قابلة للتأويل، فالصورة ترتبط بعنصر دال ومدلول
ومؤول وفق منظور خاص من المتلقي، وهذا ما أشارت إليه نتائج الدراسة باستخدام بعض
الرموز الدالة على الإسلام واتجاهات الغرب منه، ويرتبط هذا النسق بخصائص الصورة
ضمن تدليل وتأويل يفسر قراءة الصورة ودلالاتها بطريقة محددة سلفاً لدي ثقافة
منتجها وصانعها.
§
المدرسة الثقافية لتحليل صورة الإسلام السياسي:
اتفقت نتائج الدراسة مع ما أشار إليه "فيركلاو" Fariclough و"جوفمان" Goffman حول تحليل الجوانب الموجهة نحو استقبال الجمهور للقصة، والتي يتم فيها التعبير عن التوتر بين الطبيعة العامة للناتج الإعلامي والظروف الخاصة لاستقبال الإعلام، في ظل تفاعلات معقدة يلعب الإعلام فيها دورًا بارزًا، على الجانب الآخر نجد أن أبعاد السلطة المتحكمة في إنتاج الأشكال الصحفية ومواد الرأي ورسوم الكاريكاتور تتوقف على الأبعاد الثقافية الإيحائية والتقريرية، واتفقت نتائج الدراسة مع أن الخلفية الثقافية للمجتمعين البريطاني والأمريكي حول مفهوم الإسلام السياسي جاءت في إطار الإرهاب والعنف والصراع السياسي وارتباطه بالحفاظ على السياسة الأمنية.
رابعاً- تفسير نتائج الدراسة
في ضوء الإجابة عن تساؤلاتها:
§
مضمون الأفكار التي قُدمت بها صورة الإسلام السياسي في مصر:
تشير
نتائج الدراسة إلى أن معايير السياسة الدولية والتحريرية أثرت على طبيعة تناول
القضايا حول صورة الإسلام السياسي في مصر قبل وبعد ثورة الثلاثين من يونيو بالصحافة
الأمريكية عينة الدراسة وللقضايا الأخري بنسبة 65.6% والتي شملت (الإرهاب –
الإسلام الراديكالي –إعادة هيكلة العلاقات مع مصر بعد ثورة الثلاثين من يونيو –
إسقاط مرسي) مقابل نسبة 35% ممثلة للقضايا الأخرى في الصحافة البريطانية ممثلة في
(قمع جماعة الإخوان– رؤية الغرب للرئيس الأسبق محمد مرسي وعلاقته بالخارج – فرض
أيديولوجية الإخوان– المصالح السياسية الأمريكية والتعامل مع الإخوان قبل وبعد
الثلاثين من يونيو – أخطاء مرسي – محاربة الإسلام الراديكالي – معاناة الإخوان بعد
ثورة 30 يونيو).
تعاطف الصحافة البريطانية
مع جماعة "الإخوان" لأنها قدمتها كإرهابيين بنسبة 21% بالصحافة
البريطانية، مقابل 9.5% للصحافة الأمريكية فقط، وقدمت صورة الإسلام السياسي في مصر
في إطار ارتباطه بدور القوات المسلحة في الحياة السياسية بنسبة 14% بالصحافة
البريطانية، مقابل 12.5% بالصحافة الأمريكية. ويرجع هذا إلى الصورة السلبية التي
اعتمدت عليها الصحافة البريطانية في تقديمها لصورة الإسلام السياسي في مصر، كما
أنها ركزت على ردور الفعل الدولية المتعاطفة مع جماعة "الإخوان".
§
انعكاس السياسة التحريرية على طبيعة المضامين المقدمة عن الإسلام
السياسي في مصر:
مارست
الأنظمة الدولية الغربية الأمريكية والبريطانية تأثيرًا على الرؤى التحريرية
للمؤسسات الصحفية عينة الدراسة في تناولها لصورة الإسلام السياسي في مصر، حيث قدمت
رؤية مؤيدة للإسلام السياسي في مصر بنسبة 54% بالصحافة البريطانية، مقابل 12% بالصحافة
الأمريكية، تليها رؤية معارضة للإسلام السياسي في مصر بنسبة 41% بالصحافة
الأمريكية، مقابل 28% بالصحافة البريطانية، كما قدمت رؤية متوازنة بنسبة 47%
بالصحافة الأمريكية، مقابل 18% بالصحافة البريطانية؛ حيث ركزت الصحافة البريطانية
على أعمال القتل والإعتقالات تجاه جماعة "الإخوان" في مصر لإثارة الرأى
العام العالمي ضد الدولة المصرية، وذلك بهدف التعاطف مع جماعة "الإخوان".
§
الشفرات المستخدمة لوصف صورة الإسلام السياسي في رسوم الكاريكاتور:
أكدت
نتائج الدراسة أن بعض رسوم الدراسة الكاريكاتورية جمعت في أفكارها صورًا رمزية
كدلالة على أن الإسلام يرمز إليه في إطار من العنف والإرهاب، وهو رمز للسيف
والقنبلة والجلباب واللحية، وحول موضوع الدراسة الحالية شملت بعض الرسوم رموزًا
لها علاقة بالانتخابات و"الإخوان" في مصر، وتولي الإسلام السياسي سُدَة
الحكم، ومطاردة الجيش له.
فالصحافة
البريطانية اشتملت على الرمز للعنف والإرهاب في مجلة "الإيكونوميست"
وصحيفة "الجارديان" بنسبة 7% لكلٍ منهما، تليهما كل من صحيفة "الديلى
تليجراف" البريطانية ومجلة "التايم" الأمريكية بنسبة 3.5% لكلٍ
منهما. فيما تساوت كل الصحف الأمريكية والبريطانية عينة الدراسة في عدم استخدامها
للصورتين الرمزيتين السيف والقنبلة.
أما
استخدام رمز "الجلباب" فجاء في المركز الأول في مجلة "الإيكونوميست"
البريطانية بنسبة 7%، تليها كلٌ من مجلة "التايم" الأمريكية وصحيفتا "الجارديان"
و"الديلى تليجراف" البريطانيتان بنسبة 3.5% لكلٍ منهما، فيما اتفقت كلٌ
من مجلتي "التايم" الأمريكية و"الإيكونوميست" البريطانية في
نسبة 7% لرمز "اللحية" تليهما صحيفة "الجارديان" البريطانية
بنسبة 4%.
§
الاستعارات المستخدمة:
أشارت نتائج الدراسة إلى أن الصحافة الأمريكية والبريطانية عينة الدراسة استخدمت استعارات بنسبة 59.5% بالصحافة الأمريكية، مقابل 40.5% بالصحافة البريطانية؛ وذلك لتوضيح وتيسير المعني المراد توضيحه ضمن إيحاءات عقلية تعمل في إطار شبكات من المعاني عن صورة الإسلام السياسي.
وفي النهاية .. خَلُصَت الدراسة إلى ان الإعلام الغربي لديه منهجية في التعامل مع تيار الإسلام السياسي بصفةٍ خاصة والإسلام والمسلمين بصفةٍ عامة، ويكمن الغرض من هذه المنهجية في إعادة ترتيب أوضاع المنطقة العربية طبقًا لإيديولوجيات يتحكم فيها الصراع، ويصنع صورًا ذهنية مقصودة في عيون الغرب حول الإسلام والمسلمين في إطار مرتكزات الأصولية الإسلامية والإسلام الراديكالي، وهذا ما يؤثر على رمزية الصورة المقدمة عن الإسلام السياسي في الصحافة الغربية البريطانية والأمريكية وصناعة القرار السياسي.