المواطنة الأخلاقية: نحو هوية مشتركة في مناهج التاريخ
يسعى العالم إلى تحقيق
"المواطنة الأخلاقية" من أجل معالجة ومواجهة غياب البدائل أمام الخيار
الأوحد، والغلبة أمام التعدد والاختلاف. وتأتي أهمية "المواطنة
الأخلاقية" في معالجة تلك السلوكيات السلبية في إطار من القيم
والأخلاقيات، ولكن تلك المعالجة لا تأتى ومناهجنا الدراسية تتبنى سياسة الرأي
الواحد، وخاصةً في مناهج التاريخ حيث عرض الحدث التاريخي أو رواية تاريخية واحدة دون
الأخرى، وتربية طلابنا وأبنائنا على وجهة نظر واحدة مع التأكيد على أنها الصحيحة
والوحيدة التي يجب تعلُمها وتصديقها، ثم نأتي للمجتمع ونطالبه بالتعددية والتنوع
واحترام الاختلاف؟!.
وقد يمكن معرفة واقع "المواطنة
الأخلاقية" في المجتمع المصري دون دراسات وأبحاث، بل يكفي النظر إلى المواقف
الحياتية في حياتنا اليومية من مشاحنات وعنف لمجرد الاختلاف والتباين في وجهات
النظر ويزداد الأمر سوءً عندما تنتقل تلك المشاحنات بين النخبة الثقافية المعنية
بمساعدة العامة على الارتقاء فقد يكفي مشاهدة الوسائل الإعلامية لتشاهد مادة لاذعة
من السخرية والهجوم والتراشق بالألفاظ والأيدي.
أولاً- المواطنة الأخلاقية
ترتكز فكرة المواطنة
الأخلاقية على أن العلاقة بين الأفراد قائمة على مفهوم الاعتراف الاجتماعي من حيث
الالتزامات والتعهدات المشتركة. وقد قابل ذلك انتقاد بسبب الفشل في معالجة
التعددية، من أجل ذلك بحث كل من "جون روالز" John Rawls و"بيخو
بارخ" Bhikhu Parekh حول كيفية صياغة هوية مشتركة قوية مع السماح
للهويات الأخرى في الازدهار(1)
مفهوم المواطنة الأخلاقية:
يتضمن مفهوم "المواطنة
الأخلاقية" على كل من أفكار الوحدة والتنوع، حيث وحدة الوجود مع التنوع.
والاعتماد على الجانب الأخلاقي، لأن فكرة المواطنة قائمة على المسؤولية
اللانهائية، والمسؤولية يمكن تعريفها على أنها التعامل مع الحقيقة والاهتمام، مما
يترتب عليه أن المواطنة الأخلاقية تحافظ على التنوع مع الحفاظ على الفرق بين الذات
والآخر.(2)
ونستعرض فيما يلي بعض
تعريفات "المواطنة الأخلاقية" كما يلي:
§
ديمقراطية راديكالية تتطلب المشاركة النشطة في المناقشات
العامة والحكم الذاتي – الجماعي واحترام حقيقي للتنوع الذي هو جزء لا يتجزأ من أي
مجتمع بشري(3)
§
أن يكون المواطن الأخلاقي شخص يقبل المسؤوليات والواجبات
والأعمال وكيفية إمكان ذلك في خضم القوى العالمية والاقتصاديات. (4)
§
فكرة معيارية عن علاقة الأفراد ببعضهم البعض كأعضاء
متساوون في المجتمع السياسي.(1)
ثانياً- طرق تحقيق المواطنة الأخلاقية في
التعليم
أكدت ميلسا لوجان Melissa Logan في عام 2014 إلى أن هناك
ثلاث طرق لتحقيق المواطنة الأخلاقية في التعليم وهى:
§
السلوك الإيجابي النموذجي:
يجب
أن يكون هناك مثال يحتذي به، فنحن نماذج لطلابنا، وإدراك هذا الأمر بالغ الأهمية
لنمذجة السلوك الإيجابي إذا كنا نتوقع من الطلاب إظهار الاحترام والتعاطف والرحمة،
ويجب أن تكون النمذجة حقيقية، أي أننا في حاجة إلى الاعتراف بالأخطاء وتحمل مسؤولية
أعمالنا، لأن الطلاب يراقبون ويتعلمون من سلوكياتنا.
§
توفير فرص لممارسة السلوك الاجتماعي الايجابي:
وفقا لدراسة
2012 بجامعة كاليفورنيا، إن مشاركة الشباب في السلوك الاجتماعي الإيجابي تزيد من
فرص التحصيل الدراسي واكتساب قبول الاجتماعي، حيث أن الطلاب يميلوا إلى أن يكونوا
أكثر شمولاً للآخرين إذا وجدوا أنهم مقبولون ومحبوبون، ويمكن أن يستخدم المعلم
نتائج هذه الدراسة من خلال تقديم أنشطة دعم السلوك الاجتماعي الإيجابي.
§
توفير الفرص للطلاب من أجل المساهمة في مجتمعاتهم:
يتم تحقيق
ذلك من خلال تنمية هوية المتعلم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أفراد وعناصر فعالة في
عالم أوسع، ويتحقق ذلك عندما يصبح المتعلم مشارك في كل من المجتمع المحلي والعالمي،
وقد يتم ذلك من خلال طريقة مشروعات التعلم الخدمي
Service Learning Projects
التي تمكن الطلاب من تحديد القضايا الهامة في
المجتمع والعمل على إيجاد الحلول. وبناء على ذلك فإن توفير الطرق الثلاث السابقة
قد تجعل الطلاب مواطنين أخلاقين.(5)
ثالثاً- نماذج المواطنة الأخلاقية
يوجد اثنان
من النماذج للمواطنة الأخلاقية وهما: نموذج "جون روالز" John Rawals ونموذج "بيخو بارخ" Bhikhu Parekh (1) ونستعرض تلك النماذج كما يلي:
§
نموذج جون روالز John
Rawles (التغلب على
خلافتنا):
يركز هذا النموذج على
مشكلة الاستقرار السياسي في المجتمعات الحديثة حيث يرى أن كل مجتمع يتسم بالتنوع
والمذاهب الشاملة المعقولة Reasonable
Comprehensive Doctrines هذه المذاهب
تعلم من خلال وجهات نظر الأفراد نحو القيم والخير، وقد تكون تلك المذاهب دينية
وفلسفية وأخلاقية تشمل جميع الديانات الكبرى والمناهج الفلسفية الرائدة. حيث أن
مشكلة الاستقرار السياسي تنشأ بسبب تنوع المذاهب من قبل المواطنين، مما يظهر الحاجة
إلى نموذج يحدد كيفية حل النزاعات فيما بينها. ومشكلة روالز أنه يفترض أن
أي نظرية مقبولة من العدالة السياسية ستؤمن وتحافظ على المساواة بين المواطنين،
وذلك حتى إذا اختلف المواطنون حول ما يجب أن تكون عليه السياسة العامة، ويرى روالز
أن الحل في هذه المشكلة هو إعطاء المساواة في احترام وجهات النظر المختلفة حول
الصالح الذي عقد من قبل المواطنين ولا ننظر إلى أن الجميع يؤكدون نفس المذهب ولكن
اكتشاف بعض البدائل لمعالجة الخلافات. ويدافع عن فكرة التوافق كحل للمشكلة
الاستقرار السياسي واحترام تنوع الآراء التي أعرب عنها مختلف المواطنين من خلال
بناء توافق يتم بناؤها من خلال استخدام "العقل العام" Public Reasons
§
نموذج بيخو بارخ Bhikhu
Parekh
يدرك بيخو بأهمية أن
يكون هناك شعور قوي بالهوية المشتركة بين المواطنين من أجل إقرار وتنفيذ القرارات الملزمة
بشكل جماعي ومن ناحية أخرى تشكل رابط قوي تغذي التنوع الذي لا مفر منه، وأن الهوية
السياسية المشتركة يجب أن تكون موجودة في المؤسسات السياسية المشتركة وأن يجب
تعريف الهوية الوطنية بـأنها تشمل جميع المواطنين وأن هذه الهوية يجب ألا تكون
موجودة فقط بل، ومشتركة، فيرى أن التنوع تحدي في قبوله وحله يرتكز على صنع شعور
أكثر ثقة بالنفس للهوية الوطنية باعتبارها أفضل وسيلة لتعزيز التنوع الثقافي لدينا
بدلاً من الابتعاد عن التنوع وأن وحدتنا المشتركة تأتي من هوية وطنية يمكن للجميع
القرب عليها مثل مجموعة مشتركة من المؤسسات.
رابعاً- علاقة المواطنة الأخلاقية بمناهج
التاريخ
توجد علاقة بين المواطنة
الأخلاقية ومناهج التاريخ، وقد يتضح ذلك في أن دور الدراسات الاجتماعية والتاريخ
يتضمنان مساعدة الطلاب على تنمية القيم والمعارف، والفهم، والمهارات والعمليات
اللازمة ليصبحوا مواطنين نشاطين ومسؤولين وذلك من خلال ما يلي:
·
فهم حقوقهم ومسؤولياتهم من أجل المشاركة الكاملة.
·
يفهم ويقدر أرضه وتاريخها والقضايا الراهنة.
·
فهم واحترام التقاليد والمفاهيم والرموز التي تعبر عن
الهوية.
·
احترام وجهات النظر الثقافية المتنوعة، وفهم وجهات النظر
التي شكلت الحقائق السياسية والثقافية.
·
قيمة التنوع واحترام الكرامة ودعم المساواة بين جميع
البشر.
·
تنمية الشعور بالتعاطف الاجتماعي والعدالة والإنصاف.
·
فهم تاريخ بلاده والعالم، لفهم أفضل للحاضر وتأثيرها على
المستقبل.
·
فلنظر نقديًا لفهم القضايا التاريخية المعاصرة، بما في
ذلك القضايا المثيرة للجدل من وجهات نظر المتنوعة.
·
تطوير الوعي العالمي فيما يتعلق بحالة الإنسان وقضايا
العالم.
·
فهم الكيفية التي يتم بها توزيع السلطة والاقتصاد
وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات والدول والبيئات.
·
فهم المفاهيم والمهارات الجغرافية وبأن البشر في علاقة
ديناميكية مع البيئة الطبيعية.
·
تطوير الوعي والشعور بدوران الأرض وكذلك فهم مبادئ
الاستدامة.
·
الانخراط في حل المشكلات وتسوية النزاعات مع الوعي
بالعواقب الأخلاقية في اتخاذ القرار.
·
إجراء البحوث بطريقة أخلاقية باستخدام أساليب ومصادر
موثقة مع تنظيمها وتفسيرها وتقديم النتائج.
·
تطوير المهارات الاتصال الفعال.(7)
·
وبطبيعة الحال ينتقل هذا الواقع إلى المدرسة لأنها جزء
من مجتمعنا، ويلاحظ من سلوكيات طلابنا إلى غياب القيم.
خامساً- التحديات التي تواجهها المواطنة الأخلاقية في مناهج
التاريخ
إن إدراج "المواطنة الأخلاقية" داخل مناهجنا الدراسية ليس بالأمر اليسير، طالما يتم تصميم المناهج الدراسية من وجهة نظر واحدة وثقافة واحدة مما يترتب عليه أن ينمو المجتمع والطالب على وجهة نظر واحدة ورفض وجهات النظر المختلفة مهما كانت صحتها وقيمتها، فعند النظر إلى مناهج التاريخ في ألمانيا على سبيل المثال يلاحظ عرض وجهات النظر المختلفة حول الحدث التاريخي مما له الأثر في تنشئة الطالب على تعددية الآراء وحرية الاعتقاد والاختيار.
الهوامش:
1-
Brooks,
Thom (2014) 'Ethical citizenship and the stakeholder society.',
in Ethical citizenship : British
idealism and the politics of recognition. , pp. 125-138. Palgrave
studies in ethics and public policy. Available on: http://dro.dur.ac.uk/13522/
2-
Hulkko.
A.(2005). Democracy and Ethical Citizenship. University of
Tampere. Pp 1-15. Available on line: http://www.helsinki.fi/project/eva/pop/pop_Hulkko.pdf
3-
Murray,
S & Fast, S.(N.D). Ethical Citizenship and Post-Secondary Education. University
of the Fraser Vally. Pp 1-7. Available online: http://journals.ufv.ca/rr/RR21/article-PDFs/murray.pdf Access on 23-8-2016.
4-
Armour L. (2014) Idealism and Ethical Citizenship.
In:Brooks T. (eds) Ethical Citizenship. Palgrave Studies in Ethics and Public
Policy. Palgrave Macmillan, London. Pp 57-78.
5-
Logan, M.(2014). Three
ways to Inspire Ethical Citizenship, Every Living Thing. Available on: http://everylivingthing.ca/three-ways-to-inspire-ethical-citizenship/
6-
WNCP.(2000).
Foundation Document for the Development of Common Curriculum Framework for
Social Studies Kindergarten to Grade12. Western and Northern Candian
Protocol. Pp 1-18. Available on
line:https://www.wncp.ca/english/subjectarea/socialstudies/ccf.aspx Access on
26-8-2016.
* د. سعاد عز الدين - دكتوراه في المناهج وطرق تدريس التاريخ