العراق بين إيران والسعودية وصراعات الحلفاء
استثمرت إيران كثيراً في العراق، وعندما
كانت تفعل ذلك فإنها كانت تدافع عن مصالح وعن مشروع. فإيران منذ انتهاء حربها مع
العراق وهي على قناعة إستراتيجية بأن مشروعها السياسي يرتبط بدرجة كبيرة بعدم وجود
عراق قوي قادر على تهديدها مرة أخرى. وجاء الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق
والانحياز إلى حلفاء إيران في العراق ليدفع بإيران نحو التمدد والسيطرة داخل
العراق عبر العديد من الأدوات السياسية والعسكرية والاقتصادية، لكن دائماً كانت
القوى السياسية الشيعية الحاكمة في بغداد والحليفة إلى إيران هي أهم مرتكزات
المشروع السياسي الإيراني في العراق الذي هو، بجدارة، نقطة الأساس في المشروع
الإيراني كله بالشرق الأوسط، لكن العراق هذه الأيام لم يعد كما كانت تأمله وتريده
إيران، وبالذات من منظور العودة العربية كمنافس قوي لإيران في العراق بعد غياب
طويل استطاعت فيه إيران أن تفرض سيطرتها على العراق بتفاهم مع واشنطن لتعميق مخطط
الصراع الطائفي وخيار تقسيم العراق كنموذج لإعادة ترسيم الخرائط السياسية في الدول
العربية بعد احتلالها للعراق عام 2003.
فالعراق يعيش الآن معركة جديدة من أهم معاركه
حيث يدرك الجميع أن الأحداث التي واجهت العراق طيلة سنوات ما بعد الاحتلال الأمريكي
تؤكد فشل معادلة السياسة والحكم التي فرضها الأمريكيون على البلاد. فالذين يحكمون العراق،
الآن، يدركون ذلك سواء كانوا من التحالف الوطني (الشيعي) أو من التحالف الكردي، بل
أنهم منقسمون على أنفسهم حول مستقبل العراق. الأكراد يعدون لاستفتاء حول استقلال إقليم
كردستان وانفصاله عن العراق يؤكدون على إجرائه يوم 25 سبتمبر القادم، وهم بذلك يعدون
أنفسهم لمغادرة بغداد بما لها وما عليها إن نجحوا في إجراء هذا الاستفتاء الذي لا يحظى
بدعم أمريكي ويرفضه الجوار الإقليمي خاصة إيران وتركيا، فضلاً عن رفض الشركاء العراقيين.
والتحالف الوطني (الشيعي) في طريقه إلى الانفراط
هو الآخر، ويتنافس زعمائه في إعلان مواقف تتعارض تماماً مع ثوابت هذا التحالف. والطرف
السُني أخذ يلملم أوراقه ويعد نفسه للتوحد وتأسيس "مرجعية سُنية" على الصعيدين
السياسي والديني تكون قادرة على جعل "المكون السُني" شريكاً حقيقياً في الحكم
وهناك منهم من يسعون إلى توظيف هذا التوحد للتأسيس لمشروع وطني جديد تحت عنوان
"دولة مواطنة لا دولة مكونات"، أي إنهاء التفرد الشيعي بالحكم وإنهاء المحاصصة
السياسية وبناء دولة المواطنة.
العامل المشترك بين كل هذه التطورات هو إيران.
بمعنى أن الدعوة إلى بناء عراق أكثر اعتمادية على قواه الداخلية وإنهاء الطائفية السياسية
كأساس للحكم سوف تفرض حتماً مراجعة واقع الخضوع العراقي لإيران. فدولة المواطنة والديمقراطية
لابد أن تكون حتماً دولة متمتعة باستقلال إرادتها السياسية، ومن ثم لابد أن يقترن مسعى
المراجعة للسياسة والحكم إلى مراجعة للعلاقة مع إيران، خصوصاً مع تنامي الحاجة إلى
تمتع العراق بتوازن في علاقاتها الإقليمية وعودة عراقية مجددة إلى العالم العربي على
نحو ما عبر حيدر العبادي عند زيارته للرياض التي أعقبها بزيارة لطهران والكويت،
وبعدها جاءت زيارة السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري للسعودية ومن بعدها
الإمارات بمثابة "صدمة" غير متوقعة لإيران.
زيارة مقتدى الصدر للسعودية.. أولى الصدمات
جاءت زيارة مقتدى الصدر يوم 23 يوليو
2017 للمملكة العربية السعودية بعد مرور شهر واحد تقريباً على زيارة حيدر العبادي للمملكة
(19/6/2017)، ليس هذا فقط، بل أن من استقبله في مطار جدة كان ثامر السبهان وزير الدولة
السعودي لشئون الخليج العربي، سفير المملكة السابق في بغداد الذي قام أنصار طهران بالدور
الرئيسي لإبعاده عن البلاد واتهامه بأنه يتدخل في الشئون الداخلية العراقية بسبب تواصله
مع العشائر السُنية العراقية. استقبال الوزير السبهان لمقتدى الصدر كان رسالة سعودية
واضحة وصريحة لكل من تطاولوا عليه في بغداد أنه من يقوم بواجب الضيافة لأحد أهم وجوه
"البيت الشيعي" العراقي، وأن السعودية "لم ولن تخرج من العراق".
زيارة مقتدى الصدر للسعودية ولقائه مع الأمير
محمد بن سلمان نائب الملك وولي عهده لم تأت من فراغ، فمسيرة مقتدى الصدر الاستقلالية
عن إيران وانحيازه لمرجعية النجف وزعيمها السيد على السيستاني لم تتوقف. فهو من قاد
المسيرات رفضاً للفساد وانحيازاً للفقراء والمستضعفين، وهو من تجرأ وطالب الرئيس السوري
بشار الأسد بالاستقالة حرصاً على سوريا وحفظاً لوحدة أرضها وشعبها ضد كل ما تقاتل إيران
من أجله في سوريا. ما يعني أن ذهاب مقتدى الصدر إلى السعودية لم يكن قفزة في فراغ،
حتى أن لقاءه مع ثامر السبهان في جدة جاء استكمالاً لتواصل معه في العراق ولقاء مهم
أجراه معه في بيروت عندما زار مقتدى الصدر لبنان وعندما كان السبهان سفيراً لبلاده
في بيروت.
أما السعودية التي قررت أن تعود للعراق وأن
تناطح الدور الإيراني وتنافسه وتستعيد العراق من الهيمنة الإيرانية فقد استوعبت أزمة
إنهاء خدمات سفيرها السبهان في بغداد، وبعثت بوزير خارجيتها عادل الجبير في 25 فبراير
2017 ليجري محادثات مطولة مع نظيره العراقي وكبار المسئولين العراقيين معلناً تطلع
بلاده إلى "بناء علاقات مميزة مع العراق" ثم توجه وزير الطاقة السعودي خالد
الفالح بعدها هو الآخر إلى بغداد وتحدث عن إعادة تشغيل الأنبوب النفطي الذي يربط منشآت
النفط العراقية في الجنوب بميناء ينبع السعودي على البحر الأحمر (كانت السعودية قد
أغلقته عام 1990 بعد الغزو العراقي للكويت)، وجاءت زيارة حيدر العبادي للسعودية لتعيد
مجدداً قواعد تعاون جديدة بين بغداد والسعودية من خلال تأسيس "مجلس تنيسقي للارتقاء
بالعلاقات بين البلدين إلى المستوى الإستراتيجي المأمول وفتح آفاق جديدة من التعاون
في مختلف المجالات بما فيها السياسية والأمنية والاقتصادية".
بهذا المعنى يمكن القول أن زيارة مقتدى الصدر
للسعودية لم تكن محض صدفة، بل هي تكلل جهوداً طويلة بين الرياض والصدر وحتماً لم تكن
على هوى إيران إذا صدقت المعلومات التي قالت أنه حاول التشاور بخصوصها مع طهران عندما
طلب موعداً مستعجلاً لحظة وصول أحد المسئولين الإيرانيين إلى بغداد لكنه سمع جواباً
إيرانياً حاسماً "الزيارة مرفوضة وغير مبررة"، لكن الصدر كان يعرف ما يريد
ووصل إلى جدة والتقاه السبهان في توقيت عميق الدلالة بالنسبة للعواصم الثلاث: بغداد
وطهران والرياض، حيث ثلاثتهم يعدون العدة لسؤال العراق ما بعد الموصل.
قبل أن يبد أ مقتدى الصدر زيارته للسعودية
صدر بيان مقتضب عن مكتبه بالنجف قال أن الزيارة تجئ "بدعوة رسمية" من المملكة،
وأوضح مصدر في مكتبه أن الزيارة "تأتي تأكيداً منه على أهمية إعادة العلاقات بين
السعودية والعراق" وأن الاتجاه العام للصدر "يتمحور حول السعي لإزالة الفكرة
المأخوذة عن العراق بأنه بلد يدور في فلك إيران"، وأن الصدر "يخالف التوجه
الإيراني في العديد من قضايا المنطقة ولاسيما الوضع في سوريا" أما ما يتعلق بالخلافات
بينه وبين إيران في قضايا العراق الداخلية فإن "إيران تسعى لتقوية شوكة الحشد
الشعبي على حساب القوات التابعة للحكومة، لكن الصدر يرفض هذا التوجه وطالب مراراً بحل
الحشد ودمجه بالقوات الرسمية بعد انتهاء الحرب ضد (داعش)".
ورغم حرص الجانبين السعودي ومقتدى الصدر
على التكتم حول نتائج الزيارة التي يؤكد البعض خاصة الأطراف الأقرب إلى إيران أنها
(النتائج) تتجاوز حتماً كل ما هو معلن وأنها "ذهبت أبعد من ذلك لتشمل الحديث عن
تثبيت الحضور السعودي في العراق"، لكن المكتب الإعلامي الخاص بالصدر اكتفى بإعلان
أنه "بحث التعاون بين البلدين في شتى المجالات بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية
للمتضررين والنازحين والمهجرين"، وأشار إلى أن الملك السعودي أمر بتقديم 10 ملايين
دولار إضافية لمساعدة النازحين عن طريق الحكومة العراقية.
أما البيان الصادر بخصوص هذه الزيارة عن
مكتب الصدر فقال أن الزيارة بحثت "افتتاح قنصلية سعودية عامة في النجف لتسهيل
التواصل بين البلدين، إلى جانب المسارعة في إنشاء خط جوي وافتتاح المنافذ الحدودية
لتعزيز التبادل التجاري". كما تضمن البيان أن "الجانب السعودي أبدى رغبته
في تعيين سفير جديد للمملكة في العراق". وكان لافتاً ما نشره معهد واشنطن لدراسات
الشرق الأدنى حول زيارة مقتدى الصدر للسعودية وخاصة القول أن "استقبال ولي العهد
السعودي محمد بن سلمان للصدر يأتي في إطار مسعاه (ابن سلمان) لاحتواء النفوذ الإيراني
المتزايد في العراق وإعادته إلى امتداده العربي". وأن هذه الزيارة "تعد أكثر
أهمية من زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خاصة وأن الصدر يمثل قطاعاً كبيراً
من الشيعة العراقيين، وخصماً رئيسياً لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي
تراه السعودية أنه يمثل إيران في بغداد".
هذه التوقعات أكدتها تصريحات مقتدى الصدر
عقب عودته إلى العراق وخاصة في كلمته للمتظاهرين بساحة التحرير وسط بغداد ودعوته إلى
"دمج العناصر المنضبطة من الحشد الشعبي بالقوات الأمنية، وحصر السلاح بيد الدولة"
وتأكيده على ضرورة "استمرار رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي في مواصلة مشوار الإصلاح
بخطى عزيزة". كان الصدر صريحاً وهو يطالب بـ "حصر السلاح بيد الدولة وعلى
رأسها قائد القوات المسلحة الذي يصارع تركة ثقيلة تركها له سلفه"، والمقصود هنا
هو دعم رئيس الحكومة حيدر العبادي في مواجهة سلفه نوري المالكي رجل إيران القوي في
بغداد. كما أعلن الصدر رفضه القاطع أن تُمسك الأراضي المستعادة من قبضة "داعش"
أو تلك الحدودية إلا من قبل القوات العراقية في لفتة أخرى إلى رفضه القاطع أن تُسند
تلك المهمة إلى قوات "الحشد الشعبي" باعتبارها "تنفذ أجندة إيرانية".
لم يكتف الصدر بذلك لكنه زاد مخاطباً أنصاره
المحتشدين بالآلاف بقوله: "أنتم ملزمون بأن تناصروا جيشكم وقواتكم الأمنية بكل
صنوفها". وهو هنا يعيد رفضه للحشد الشعبي، واختتم خطابه محفزاً أنصاره ضد إيران
بتذكيرهم بسيناريو "اغتياله" الذي كان قد حدثهم بخصوصه قبل أسابيع من سفره
إلى السعودية، وقال: "إذا لم تكتب لي الحياة، فأسألكم الدعاء، سيما بعد أن انزعج
البعض من خطواتي الأخيرة" في إشارة منه إلى الانزعاج الكبير الذي أبدته طهران
وحلفاؤها في العراق من زيارته للسعودية، ومحاولاً تحميل مسئولية سلامته للأطراف المناهضة
لتلك الزيارة. لذلك جاء تعليق محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي بوصف الصدر بأنه
"الأكثر جرأة" ليشخص حقيقة الأزمة بين إيران ومقتدى الصدر أو بالأحرى أحد
أبرز أزمات إيران في العراق، حيث دعا النجيفي منافسي الصدر إلى "أن يعترفوا بأنه
الأكثر جرأة على تشخيص الأخطاء الشائعة ومواجهتها".
تمرد عمار الحكيم.. ثاني الصدمات
كان طبيعياً أن تعرب قيادات "الحشد
الشعبي" والمقربين من نوري المالكي زعيم ائتلاف "دولة القانون" رئيس
وزراء العراق الأسبق عن استيائها من زيارة الصدر للسعودية، ولم يكن غريباً أن يكون
رد أنصار الصدر على ذلك هو وصف زيارته للمملكة أنه "سدد طعنة للتحالف العراقي-
الإيراني"، لكن ما هو ليس طبيعياً في هذه الظروف أن يعرب عمار الحكيم رئيس
"التحالف الوطني" العراقي عقب انشقاقه عن حزبه الذي يتزعمه "المجلس
الإسلامي الأعلى" وتأسيسه حزباً جديداً أعطاه اسم "حزب الحكمة الوطني"
وعقب عودة السيد مقتدى الصدر من السعودية عزمه هو الآخر على زيارة المملكة.
زيارة عمار الحكيم للسعودية مازالت رهن التوقعات
لكنها ليست مستبعدة، خصوصاً في ظل تفاعلات الفعل ورد الفعل بينه وبين طهران منذ تفجيره
قنبلة الانشقاق عن حزبه الذي ورثه عن أبيه عبد العزيز الحكيم وعمه محمد باقر الحكيم،
وانقلابه على قادة هذا الحزب الموالين لإيران ولمبدأ ولاية الفقيه وعزمه على قيادة
حزب أكثر تحرراً من قيود الطائفية وأكثر انفتاحاً على الديمقراطية والمواطنة، في خطوة
يراها البعض اقتداءً بمشروع مقتدى الصدر باعتماد "الخطاب الوطني" بدلاً من
الخطاب الديني الطائفي، وسعيه إلى تحييد العراق عن نيران حروب المنطقة.
بانقلاب السيد عمار الحكيم على حزب
"المجلس الإسلامي الأعلى" تكون إيران قد خسرت أحد أهم أذرعها السياسية في
العراق. فالحزب الذي أسسه السيد محمد باقر الحكيم عام 1982 من داخل إيران تحت اسم
"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" وحارب مع إيران ضد عراق صدام حسين سنوات
الحرب العراقية- الإيرانية وكان أول الأحزاب السياسية التي دخلت العراق عقب سقوط نظام
صدام حسين عام 2003 مع الغزو وثم الاحتلال الأمريكي للعراق، هذا الحزب يتداعى الآن،
لأن عمار الحكيم أخذ بانشقاقه كل المقدرات المالية والعقارية للحزب واستقطب ممثليه
في البرلمان العراقي بحزبه الجديد ويقود تيار الشباب ضمن مسار سياسي ديمقراطي جديد
يتعارض حتماً مع المشروع الإيراني في العراق. كما أن هذا الانشقاق جاء بعد فشل كل الضغوط
الإيرانية في تحقيق التهدئة ولملمة الخلافات داخل حزب المجلس الإسلامي الأعلى، وهو
الفشل الذي كان حتمياً نظراً لوجود أسباب موضوعية قوية للانشقاق.
فالمشروع السياسي الجديد لعمار الحكيم يكاد
يصطدم مباشرة بالمشروع الإيراني، فهو إن كان يدعو إلى "تحرير الاقتصاد من تحكم
الدولة بهدف توزيع الثروة بشكل عادل والخروج من الاقتصاد الريعي وتجديد الإدارة واختصار
الروتين الحكومي" فإنه يرى أن "العراق هو العنوان الأكبر للانطلاق بالاقتصاد
ويعيد بناء المؤسسات الاجتماعية التي سحقت تحت الانفلات السياسي والأمني وترسيخ السلم
المجتمعي"، فإنه علاوة على ذلك دعا إلى "تأسيس منظومة علاقات متينة ورصينة
مع محيط العراق العربي والإسلامي وفق مصلحة العراق أولاً والمصالح المشتركة بين هذه
الدول" وهو هنا يلتقي أيضاً مع الشعار الذي رفعه مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري
قبل أشهر وعنوانه "العراق أولاً". وهذا ما جعل الكثيرين يتحدثون الآن في
العراق عن التوجهات الجديدة لعمار الحكيم بأنها "تنزع الأسلمة" عن مشروعه
السياسي، خصوصاً وأنه بات "يعتقد أن الشارع العراقي بدأ يتململ من التيارات الإسلامية،
وبأن "المزاج العام في 2017 ليس كمزاج عام 2003".
ما يضاعف من صدمة إيران في عمار الحكيم وتحولاته
السياسية أنه يرأس حالياً "التحالف الوطني" (الشيعي) الجامع لمختلف أطياف
"البيت الشيعي في العراق" والسؤال المهم هنا هو: هل سيبقى عمار الحكيم زعيماً
أو رئيساً لها التحالف أم سينسحب منه أم سيقال، وفي الحالتين سوف يدخل هذا التحالف
في "مأزق" قد يتضاعف بفعل ثلاثة عوامل: أولها أنه يأتي مباشرة قبل انتخابات
نيابية من المقرر أن تجرى في أبريل 2018 القادم، الأمر الذي سيضعف حتماً من تماسكه
السياسي وفرصه الانتخابية.
ثانيها، أن عمار الحكيم قد يتحالف انتخابياً
مع مقتدى الصدر وقد يشاركهما أطراف أخرى باتت تدعو إلى مشروع وطني غير طائفي في العراق،
وقد تدخل أطراف سُنية في هذا التحالف الأمر الذي قد يُعد انقلاباً جذرياً في السياسة
والحكم بالعراق إذا قدر لهذا الائتلاف أو التحالف الجديد أن يحقق أغلبية في الانتخابات
ومن ثم يقود العراق بتوجهات هذا التيار سواء على المستوى الداخلي أي تحجيم البُعد الديني
– الطائفي في الحكم أو على المستوى الإقليمي وبالذات الانفتاح على العلاقات مع الجوار
العربي على حساب العلاقة مع إيران، وثالثها، أن الخلافات بدأت تتفاقم بي الكتل المنضوية
في "التحالف الوطني". آخر هذه الخلافات الاعتراضات من جانب بعض أطراف هذا
التحالف، وفي مقدمتها عمار الحكيم نفسه، الذي أعلن في 4 يونيو 2017 أن "التسوية
الوطنية توضح ملامح العراق ما بعد (داعش)"، وشدد على أهمية خلق "رؤية عميقة
وواضحة وشاملة لما يجب أن يكون عليه العراق، ليس في الجانب السياسي فحسب، إنما سياسياً
ومجتمعياً وثقافياً واقتصادياً وخدمياً وتنموياً وأمنياً، وكيف نبني دولة مواطنة ترعى
جميع مواطنيها".
إذا أخذنا في اعتبارنا الأزمة التي تتفاقم
حول الانقسام بين أطراف عراقية متعددة سواء كانت من السُنة أو الشيعة حول "الحشد
الشعبي" ودوره المستقبلي، أو حتى مشاركته في تحرير ما تبقى من مناطق سيادة
"داعش" خاصة في "تلعفر"، ناهيك عن الأزمة المتصاعدة حول الإصرار
الكردي على استفتاء الانفصال عن العراق لأدركنا مدى عمق الأزمة في العراق ومدى عمق
مأزق إيران في إدارة هذه الأزمات وهي أمور كلها تؤكد أن العراق بأزماته، على الأقل،
بات عصياً على الهيمنة الإيرانية، في ظل ما يمكن وصفه بأنه "موجة التلاقي
العربي- العراقي". فقد استقبلت بغداد أربع وزراء خارجية عرب في غضون عشرة
أيام كان آخرهم رئيس البرلمان العربي مشعل بن فهم السلمي للعاصمة العراقية
(14/8/2017)، لكن المفاجأة الكبرى كانت الزيارة التي قام بها السيد مقتدى الصدر
للإمارات التي أرسلت له طائرة خاصة ليقوم بزيارتها (14/8/2017) حيث استقبله الشيخ
محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، وهي الزيارة التي علق عليها الدكتور أنور قرقاش
وزير الدولة الإماراتي للشئون الخارجية في تغريدة على حسابه في "تويتر"
قال فيها "طموحنا أن نرى عراقاً عربياً مزدهراً مستقراً. التحدي كبير والجائزة
أكبر"، والرسالة حتماً وصلت كاملة إلى طهران.