آليات تفعيل المشاركة: إعلاء صوت المواطنين في عملية صياغة السياسات
الإثنين 28/مارس/2016 - 10:50 ص
نبيل عبد الفتاح
لا يمكن لنا البحث عن آليات وأساليب لإعلاء صوت المواطنين في صنع السياسات وإصلاح القوانين دون الكشف عن الاختلالات في سياسة التشريع وصناعة القوانين والتي تحتاج إلى معالجات إصلاحية، وذلك بالتوازي مع السعي لطرح مقترحات عملية لدعم وتمكين المواطن - الذي لا يزال هذا الوصف مجازيًا أكثر من كونه تعبيرًا عن الواقع السياسي والاجتماعي – من لعب دوره في صناعة السياسات وتحسين وتطوير التشريعات.
سنعالج هذا الموضوع انطلاقًا من رؤى عملية ترمي إلى تقديم بعض المقترحات، وذلك على النحو التالي: أولًا:- تراجع فاعلية التشريعات ومبدأ سيادة القانون (مصر مثالًا). ثانيًا:- مدخل لتحسين وتطوير التشريعات: إنشاء المجلس القومي لتطوير التشريعات وتفعيل دولة القانون. ثالثًا:- دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام: صوت المواطنين في صياغة السياسات. رابعًا:- آليات للعمل وتفعيل مشاركة المواطن في صنع السياسات على المدى البعيد.
سنعالج هذا الموضوع انطلاقًا من رؤى عملية ترمي إلى تقديم بعض المقترحات، وذلك على النحو التالي: أولًا:- تراجع فاعلية التشريعات ومبدأ سيادة القانون (مصر مثالًا). ثانيًا:- مدخل لتحسين وتطوير التشريعات: إنشاء المجلس القومي لتطوير التشريعات وتفعيل دولة القانون. ثالثًا:- دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام: صوت المواطنين في صياغة السياسات. رابعًا:- آليات للعمل وتفعيل مشاركة المواطن في صنع السياسات على المدى البعيد.
لعبت المنظمات الطوعية الحقوقية دورًا مهمًا في مجال متابعة القوانين الاستثنائية
أولًا: تراجع فاعلية التشريعات ومبدأ سيادة القانوني (مصر مثالًا).
أحد أبرز أسباب تراجع مستويات الفن والصياغة القانونية في البرلمانات العربية، وتراجع فاعلية التشريعات ما بعد إقرارها – مصر - مثالًا ما يلي:
1- الدور البارز للسلطة التنفيذية في التقدم بمشروعات القوانين إلى البرلمان بعد عرضها على قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبروز مفاهيم دولة الرفاهة عالميًا، واتساع دور الدولة التدخلية في الاقتصاد والحياة الاجتماعية، من خلال السياسات العامة والضمانات الاجتماعية، وخاصة في ظل نظام يوليو.
2- ميراث التسلطية السياسية، وسطوة النخب السياسية الحاكمة على هندسة البرلمانات من خلال آليات تزوير الانتخابات والاستفتاءات العامة، ومن ثم إنجاح مرشحي الحزب الحاكم من هيئة التحرير إلى الاتحاد العربي القومي والاتحاد الاشتراكي العربي، ثم حزب الوسط، والحزب الوطني الديمقراطي، حتى قائمة في حب مصر، وائتلاف دعم الدولة.
3- تراجع مستويات التكوين القانوني في كليات الحقوق والشريعة والقانون.
4- نسبة الخمسين بالمائة من العمال والفلاحين، وغالبهم جزء من تركيبة الحزب الحاكم، أسهمت في إعاقة الممارسة التشريعية للبرلمان.
5- الاعتماد على أبنية القوة التقليدية في الأرياف، وغالبهم خارج نطاق الثقافة القانونية والفن التشريعي، ودورهم أقرب إلى نواب الخدمات لدوائرهم، ومن ثم هم أقرب إلى أعضاء المجالس المحلية في القرى والأحياء والمدن والمحافظات ومن ثم بعيدين عن مفهوم نواب الأمة كلها في الممارسة التشريعية والرقابية.
6- تنامي دور نظام القرار الجمهوري بقانون وتمدده إلى النطاقات المحجوزة لسلطة التشريع.
لا شك أن الأسباب سالفة السرد أثرت في العمق على تراجع مستويات إنتاج التشريعات ومدى دقتها وقدرتها على النفاذ لحكم المراكز القانونية المتصارعة والمتنافسة، وإلى بروز النزعة الأداتية في إدراك ووعي النخبة الحاكمة للقانون، وليس بوصفه تنظيمًا للسلوك الاجتماعي، وهندسة للعلاقات والمراكز القانونية الأمر الذي أدى إلى سرعة إصدار القوانين دونما دراسة متأنية لها، أو ضبط لجوانبها الفنية، والأخطر انفصال بعض القوانين عن السياسات الاجتماعية، على نحو أدى إلى إضعاف التشريعات في التطبيق، وإلى لا مبالاة المواطنين بقانون الدولة لصالح قوانين الأعراف والقوة والفساد.
ثانيًا: مدخل لتحسين وتطوير التشريعات: المجلس القومي لتطوير التشريعات وتفعيل دولة القانون.
إذا حاولنا الانتقال إلى الجوانب العملية في تحسين وتطوير أثر التشريعات يمكن أن نقدم المقترحات والآليات التالية:
إنشاء مجلس قومي شبه حكومي على نمط المجلس القومي لحقوق الإنسان، والمجلس القومي للمرأة، ويناط به ما يلي:
1- يختص بمتابعة أثر فاعلية التشريعات في إطار السياسات الاجتماعية والعامة ومدى تحقيقها للأهداف التي نيطت بها، ومدى وفاء البرلمان والسلطة التنفيذية بهذه الأهداف والمصالح التي يحملها التشريع.
2- يناط بهذا المجلس إجراء الدراسات الميدانية حول قياس مدى فاعلية التشريعات في التطبيق على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والكشف عن الثغرات في بنية التشريعات، وفى الجهات المنوط بها التطبيق وآلياته في حركة التشريع في الواقع الاجتماعي والمجالات التي ينظمها.
3- يقوم هذا المجلس بتقديم التقارير المختلفة عن التشريعات قبل مناقشتها والموافقة عليها من البرلمان وبعده من حيث تحقيقها لأهداف المشرع، والتوازنات في المصالح بين الأطراف المختلفة المخاطبة بحكم هذه القوانين على تعددها واختلافها.
4- يبحث المجلس ولجانه الآثار السلبية لبعض التشريعات في التطبيق، ويطرح المقترحات اللازمة للحد من هذه الآثار من خلال مقترحات بتعديل القانون سواء بحذف بعض النصوص، وطرح غيرها لتضمينها في التشريع، مع مراعاة المبادئ الدستورية والقانونية العامة التي استقر عليها قضاء الدستورية والنقض والإدارية العليا.
5- تقويم التجارب الرائدة دوليا في متابعة فاعلية القوانين بعد إقرار البرلمان لها وما بعد في التطبيق، وفي إطار النظم القانونية المقارنة أسوة بانفتاح المحكمة الدستورية العليا المصرية على نظام وقضاء المحكمة العليا الأمريكية على الرغم من أنها جزء من التراث القانوني اللاتيني.
6- إعداد برامج لتدريب البرلمانيين على ممارسة اختصاصهم التشريعي والرقابي والاستعانة بالخبراء الدوليين في هذا الصدد مع أقرانهم من المصريين.
7- تقديم الخبرة الفنية والاجتماعية والاقتصادية لمن يطلب من أعضاء البرلمان الحزبيين أو المستقلين، وذلك بالتنسيق مع هيئة مكتب البرلمان.
8- المساعدة على صياغة السياسة التشريعية، من خلال وضع أطر مقترحة لفلسفة القوانين المعاصرة، والقيم والمصالح التي تسعى السياسة التشريعية لتحقيقها من إنتاج القوانين، والحوار مع أعضاء البرلمان حولها في مؤتمرات وورش عمل وندوات.
9- إجراء الدراسات حول التشريعات الرائدة في القانون المقارن وترجمتها إلى اللغة العربية، ومعها الاتفاقيات الدولية على اختلافها وتعددها، وإتاحتها للنواب والخبراء ورجال القانون، ودراسات حول أثر تضمينها ودمجها في القانون الداخلي للدولة.
10- ترجمة بعض المؤلفات الفقهية المهمة في المدارس اللاتينية، والأنجلو أمريكية، والجيرمانية لتطوير الثقافة القانونية الوطنية وإثراؤها بالجديد النافع، وذلك بالاتفاق والمشاركة مع بعض المراكز القومية للترجمة، أو في المنطقة العربية، أو خارجها.
11- إجراء ورش عمل تعريفية بالأفكار والنظريات والمفاهيم والمبادئ القانونية العامة، وفى المنظومات القانونية الأساسية المكملة للدستور، أو التي تمس السياسات الاجتماعية والحقوق الدستورية للمواطنين، وكيف يمكن لهم المساهمة في تفعيل هذه التشريعات بعد إصدارها، والرقابة الشعبية / رقابة الرأي العام عليها. وتقدم ورش العمل والدورات التدريبية لرجال القانون والإعلام، ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، والموظفين العموميين المنوط بهم تطبيق القوانين، ولطلاب المدارس والجامعات، والنشطاء الحقوقيين.
أحد أبرز أسباب تراجع مستويات الفن والصياغة القانونية في البرلمانات العربية، وتراجع فاعلية التشريعات ما بعد إقرارها – مصر - مثالًا ما يلي:
1- الدور البارز للسلطة التنفيذية في التقدم بمشروعات القوانين إلى البرلمان بعد عرضها على قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبروز مفاهيم دولة الرفاهة عالميًا، واتساع دور الدولة التدخلية في الاقتصاد والحياة الاجتماعية، من خلال السياسات العامة والضمانات الاجتماعية، وخاصة في ظل نظام يوليو.
2- ميراث التسلطية السياسية، وسطوة النخب السياسية الحاكمة على هندسة البرلمانات من خلال آليات تزوير الانتخابات والاستفتاءات العامة، ومن ثم إنجاح مرشحي الحزب الحاكم من هيئة التحرير إلى الاتحاد العربي القومي والاتحاد الاشتراكي العربي، ثم حزب الوسط، والحزب الوطني الديمقراطي، حتى قائمة في حب مصر، وائتلاف دعم الدولة.
3- تراجع مستويات التكوين القانوني في كليات الحقوق والشريعة والقانون.
4- نسبة الخمسين بالمائة من العمال والفلاحين، وغالبهم جزء من تركيبة الحزب الحاكم، أسهمت في إعاقة الممارسة التشريعية للبرلمان.
5- الاعتماد على أبنية القوة التقليدية في الأرياف، وغالبهم خارج نطاق الثقافة القانونية والفن التشريعي، ودورهم أقرب إلى نواب الخدمات لدوائرهم، ومن ثم هم أقرب إلى أعضاء المجالس المحلية في القرى والأحياء والمدن والمحافظات ومن ثم بعيدين عن مفهوم نواب الأمة كلها في الممارسة التشريعية والرقابية.
6- تنامي دور نظام القرار الجمهوري بقانون وتمدده إلى النطاقات المحجوزة لسلطة التشريع.
لا شك أن الأسباب سالفة السرد أثرت في العمق على تراجع مستويات إنتاج التشريعات ومدى دقتها وقدرتها على النفاذ لحكم المراكز القانونية المتصارعة والمتنافسة، وإلى بروز النزعة الأداتية في إدراك ووعي النخبة الحاكمة للقانون، وليس بوصفه تنظيمًا للسلوك الاجتماعي، وهندسة للعلاقات والمراكز القانونية الأمر الذي أدى إلى سرعة إصدار القوانين دونما دراسة متأنية لها، أو ضبط لجوانبها الفنية، والأخطر انفصال بعض القوانين عن السياسات الاجتماعية، على نحو أدى إلى إضعاف التشريعات في التطبيق، وإلى لا مبالاة المواطنين بقانون الدولة لصالح قوانين الأعراف والقوة والفساد.
ثانيًا: مدخل لتحسين وتطوير التشريعات: المجلس القومي لتطوير التشريعات وتفعيل دولة القانون.
إذا حاولنا الانتقال إلى الجوانب العملية في تحسين وتطوير أثر التشريعات يمكن أن نقدم المقترحات والآليات التالية:
إنشاء مجلس قومي شبه حكومي على نمط المجلس القومي لحقوق الإنسان، والمجلس القومي للمرأة، ويناط به ما يلي:
1- يختص بمتابعة أثر فاعلية التشريعات في إطار السياسات الاجتماعية والعامة ومدى تحقيقها للأهداف التي نيطت بها، ومدى وفاء البرلمان والسلطة التنفيذية بهذه الأهداف والمصالح التي يحملها التشريع.
2- يناط بهذا المجلس إجراء الدراسات الميدانية حول قياس مدى فاعلية التشريعات في التطبيق على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والكشف عن الثغرات في بنية التشريعات، وفى الجهات المنوط بها التطبيق وآلياته في حركة التشريع في الواقع الاجتماعي والمجالات التي ينظمها.
3- يقوم هذا المجلس بتقديم التقارير المختلفة عن التشريعات قبل مناقشتها والموافقة عليها من البرلمان وبعده من حيث تحقيقها لأهداف المشرع، والتوازنات في المصالح بين الأطراف المختلفة المخاطبة بحكم هذه القوانين على تعددها واختلافها.
4- يبحث المجلس ولجانه الآثار السلبية لبعض التشريعات في التطبيق، ويطرح المقترحات اللازمة للحد من هذه الآثار من خلال مقترحات بتعديل القانون سواء بحذف بعض النصوص، وطرح غيرها لتضمينها في التشريع، مع مراعاة المبادئ الدستورية والقانونية العامة التي استقر عليها قضاء الدستورية والنقض والإدارية العليا.
5- تقويم التجارب الرائدة دوليا في متابعة فاعلية القوانين بعد إقرار البرلمان لها وما بعد في التطبيق، وفي إطار النظم القانونية المقارنة أسوة بانفتاح المحكمة الدستورية العليا المصرية على نظام وقضاء المحكمة العليا الأمريكية على الرغم من أنها جزء من التراث القانوني اللاتيني.
6- إعداد برامج لتدريب البرلمانيين على ممارسة اختصاصهم التشريعي والرقابي والاستعانة بالخبراء الدوليين في هذا الصدد مع أقرانهم من المصريين.
7- تقديم الخبرة الفنية والاجتماعية والاقتصادية لمن يطلب من أعضاء البرلمان الحزبيين أو المستقلين، وذلك بالتنسيق مع هيئة مكتب البرلمان.
8- المساعدة على صياغة السياسة التشريعية، من خلال وضع أطر مقترحة لفلسفة القوانين المعاصرة، والقيم والمصالح التي تسعى السياسة التشريعية لتحقيقها من إنتاج القوانين، والحوار مع أعضاء البرلمان حولها في مؤتمرات وورش عمل وندوات.
9- إجراء الدراسات حول التشريعات الرائدة في القانون المقارن وترجمتها إلى اللغة العربية، ومعها الاتفاقيات الدولية على اختلافها وتعددها، وإتاحتها للنواب والخبراء ورجال القانون، ودراسات حول أثر تضمينها ودمجها في القانون الداخلي للدولة.
10- ترجمة بعض المؤلفات الفقهية المهمة في المدارس اللاتينية، والأنجلو أمريكية، والجيرمانية لتطوير الثقافة القانونية الوطنية وإثراؤها بالجديد النافع، وذلك بالاتفاق والمشاركة مع بعض المراكز القومية للترجمة، أو في المنطقة العربية، أو خارجها.
11- إجراء ورش عمل تعريفية بالأفكار والنظريات والمفاهيم والمبادئ القانونية العامة، وفى المنظومات القانونية الأساسية المكملة للدستور، أو التي تمس السياسات الاجتماعية والحقوق الدستورية للمواطنين، وكيف يمكن لهم المساهمة في تفعيل هذه التشريعات بعد إصدارها، والرقابة الشعبية / رقابة الرأي العام عليها. وتقدم ورش العمل والدورات التدريبية لرجال القانون والإعلام، ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، والموظفين العموميين المنوط بهم تطبيق القوانين، ولطلاب المدارس والجامعات، والنشطاء الحقوقيين.
أن البرلمانات الحالية وهندسة العضوية داخلها، تشير إلى ضعف الخبرات الدستورية والقانونية والسياسية، والأخطر غياب رأسمال خبراتي بمعنى الدولة وآليات عملها
ثالثًا: دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام: صوت المواطنين في صياغة السياسات
- المجتمع المدني تحت التشكيل
قبل الانتفاضات العربية المجهضة، لعبت المنظمات الطوعية الحقوقية دورًا مهمًا في مجال متابعة القوانين الاستثنائية – كنظام الطوارئ في مصر، وإجراءات وتشريعات حالة الضرورة – وذلك من خلال الآليات التالية:
1- إصدار التقارير المختلفة حول مخاطر قوانين الطوارئ، ومكافحة الإرهاب، وبعض القوانين الاستثنائية، وذلك من خلال مقاربات نقدية حول مفارقة هذه القوانين لبعض النصوص الدستورية الحامية للحقوق والحريات العامة والفردية، ومن ناحية ثانية: عدم تطابق هذه القوانين مع الشروط الدستورية والواقعية (الموضوعية) اللازم توافرها لإصدار هذه القوانين، أو تمريرها من البرلمان، أو من خلال نظام القرار (المرسوم) الجمهوري بقانون، وبعضها تجاوز النطاق المحجوز لسلطة التشريع.
2- استخدام آلية ورش العمل والندوات في شرح وتحليل هذه القوانين في إطار جماعة النشطاء الحقوقيين، وبعض النشطاء السياسيين على التداخل والخلط السائد مصريًا في الأدوار فيما بينهما.
3- استخدام آلية الإخراج الدولي international shaming mechnism للحكومة من خلال آليات التشبيك الإقليمي والدولي، بهدف إحراج هذه الدول عبر المنظمات الحقوقية الطوعية النظيرة داخليًا، وإقليميًا، ودوليًا، أو عن طريق بعض الشكاوى إلى بعض لجان الأمم المتحدة المعنية.
لا شك أن هذه الآليات أسهمت في الإحراج الدولي، وربما بعضُ من التأثير النسبي المحدود على مواقف بعض منظمات التمويل الدولية التي تضع بعض الشروط الخاصة لمنح الدول المعونات والمساعدات الفنية، والقروض، كالموقف من حقوق الإنسان واتفاقياتها الدولية، لا سيما وضع الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية والقومية واللغوية، ومدى احترام حقوق المرأة وتمكينها.
4- قيام بعض النشطاء بتقديم رؤاهم عن أوضاع القوانين المقيدة للحريات، في بعض الاجتماعات التي عقدت بالكونجرس الأمريكي، أو بعض المنظمات الأوربية، لكي تمارس بعض الضغوط على حكوماتها إزاء السياسة الحكومية (مصر مثالًا).
إن إمعان النظر في هذه الآليات وتوظيفها تشير إلى بعض من التأثير النسبي إلا أن ذلك كان ينظر إليه حكوميًا، ولدى بعض قطاعات من الرأي العام على أنه استعانة بالأجنبي والاستقواء به.
يمكن أيضًا ملاحظة أن هذه الأنشطة على أهميتها ظلت في نطاق نخبوي، واهتمام بعض الأحزاب السياسية بها كان بمثابة أداة للضغط على الحكومة، إلا أن انتشارها الجماهيري ظل محدودًا. ويمكن القول إن هذه الممارسات ساهمت في تحريك الرفض داخل الفئات الوسطى المدينية التي حركت الجمهور في أعقاب الانتفاضة المصرية الشعبية في 25 يناير وما بعد، وكان دور المنظمات خافتًا رغم تقاريرها وبياناتها، لأن حركة الجموع من الفئات الوسطى – الوسطى المدينية، وبعض الشرائح الشعبية كانت الأكثر زخمًا، وهي التي تحرك الواقع، وكان صوتها هو الأعلى ومعها بعض نشطائها الشباب.
من ناحية أخرى وضعت هذه المنظمات الحقوقية في موضع التشكيك في أهدافها ونواياها، وأنها تسهم في استمرارية وضعية الاضطراب السياسي والاجتماعي والأمني وعدم الاستقرار، وفرضت عليها قيود وقدم بعضهم إلى المحاكمات. بعض هذه المنظمات اضطرت إلى الانسحاب من القاهرة لتعمل من بيروت أو تونس أو باريس.
في ضوء ما سبق ما الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المنظمات في إعلاء صوت المواطنين في عملية صياغة السياسات؟
بنظرة واقعية تستصحب معها الأوضاع السياسية، وموجات العنف الإرهابي، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتكالبة والمؤثرة على حياة الأغلبيات الشعبية والفئات الوسطى وميل بعض الحكومات إلى استخدام القانون ونزعة تغليظ العقاب والإفراط فيها في بعض القوانين، كالتظاهر، والإرهاب، لا بد من الواقعية السياسية والقانونية في التعامل مع هذه الأوضاع المضطربة في الإقليم، ومصر، وذلك على النحو التالي:
1- الانتقال المؤقت من دور آلية الإحراج الدولي للحكومات إلى الدور الإرشادي للبرلمان والسلطة التنفيذية، وذلك للاعتبارات التالية:
(أ) وضعية الإرهاب، والاضطراب، داخل جهاز الدولة، والأزمات الاقتصادية والاحتقانات الاجتماعية المتصاعدة.
(ب) أن البرلمانات الحالية وهندسة العضوية داخلها، تشير إلى ضعف الخبرات الدستورية والقانونية والسياسية، والأخطر غياب رأسمال خبراتي بمعنى الدولة وآليات عملها، والصراعات داخلها حول القوة والنفوذ والمصالح، والتوازنات ... إلخ وهو ما يؤثر على مستويات الأداء التشريعي والرقابي على الرغم من أن غالب التشريعات هو ما تتقدم به الحكومات إلى البرلمان، أو من خلال القرارات الجمهورية بقوانين في غير أوقات انعقاد البرلمان.
(ج) تردي مستويات الوعي والمعرفة القانونية – والدستورية- داخل الجماعة القانونية – المحامين والفقه والقضاة- والإعلامية، ولدى غالبُ المواطنين، وهو ما يؤثر على حضور فاعل للمواطن في صناعة السياسات والتشريع.
(د) غلبة مفهوم نائب الخدمات على النائب السياسي الذي يطرح الخطاب الوطني كنائب عن الأمة أو الشعب، ومن ثم غالبهم أقرب إلى أعضاء في المجالس المحلية الشعبية، منهم إلى أعضاء برلمان من الناحية الواقعية.
(هـ) انفجار الآلة التشريعية على نحو شكل غابة من القوانين المتشابكة والمتداخلة والمتناقضة على مدى أكثر من ستين عامًا في الحالة المصرية، مما عسر عمل البرلمان والقضاة والمحامين والمتناقضين، وأعطى لبيروقراطية الدولة سلطانًا في تفسير وتطبيق القوانين واللوائح والقرارات الإدارية.
من الأسباب والاعتبارات سابقة السرد يمكن القول أن سياسة الإحراج الدولي ليست ملائمة لتفعيل دور المواطن، إلا في الأمور الاستثنائية، وذلك لفترة محدودة زمنيًا، يتم اللجوء فيها إلى الدور الإرشادي للمنظمات الحقوقية على اختلافها.
تأسيسًا على ما سبق يمكن في الفترة الانتقالية البرلمانية والسياسية الحالية اقتراح ما يلي:
1- الاعتماد على آلية التقارير حول القوانين المزمع إصدارها، وتبيان العناصر السلبية والإيجابية فيها، وطرح صياغات أكثر دقة لها، والتعديلات للنصوص السلبية منها، أو اقتراح مواد لم ترد بالقانون، وإرسالها إلى البرلمان والحكومة ورئيس الجمهورية والمجلس القومي لحقوق الإنسان، وإلى أعضاء البرلمان، وإلى القطاعات المختلفة المعنية بهذا القانون أو ذاك.
2- العمل على نشر هذه التقارير من خلال الصحف القومية، والخاصة، وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت فعالة من خلال خطاب التغريدات في ممارسة الضغوط والتأثيرات على بعضهم بعضًا، أو على الجهات المعنية، ويزداد دور مواقع التواصل الاجتماعي كقوة ضغط افتراضية، سرعان ما تؤثر على الواقع الفعلي في المراحل الحالية والمستقبلية.
3- تبادل التقارير والمذكرات مع المنظمات النظيرة وطنيًا، والسعي إلى بناء تحالف فيما بينها حول بعض مشروعات القوانين، أو المقترحات بقوانين أو تعديل بعضها، وإرسال هذه المذكرات إلى المنظمات الحقوقية النظيرة إقليميًا (عربيًا)، وعلى المستوى الدولي.
4- عقد ورش عمل workshops حول مشروعات القوانين المقدمة للبرلمان، ودعوة أعضاء البرلمان لحضورها، والمشاركة في نقاشها، بهدف خلق قوة ضغط داخل البرلمان لتصحيح مشروعات القوانين وإصلاح الخلل فيها على صعيدي الصياغة الفنية، أو المواد الأكثر فاعلية ودعمًا لحقوق المخاطبين بالقانون.
5- إرسال المذكرات إلى النقابات المهنية والعمالية.
2- ضرورة التمايز بين الناشط الحقوقي والناشط السياسي
منذ بدء المنظمات الحقوقية عمومًا، ثَّم خلط بين عمل واستقلالية الناشط الحقوقي، وبين العاملين في الحقول الحزبية والأنشطة السياسية المحضة، وهو ما يعود إلى نشأة الحركة الحقوقية المصرية، وبعض العربية، التي بدأت مع بعض جرحى الحياة السياسية المصرية اليسارية والقومية من الماركسيين بمختلف أحزابهم واتجاهاتهم والناصريين والقوميين العرب، وبعض الليبراليين.
هذا الخلط المستمر أدى إلى حساسية الحكومات والأجهزة الأمنية إزاء النشطاء الحقوقيين المستقلين ومنظماتهم الطوعية، وسهلت عليها كيل الاتهامات وتسويغ عمليات القبض على النشطاء الحقوقيين المستقلين. صحيح أن ثمة بعضًا من التداخل بين نشاط كلا الناشطين الحقوقي والسياسي إلا أن ثمة هوامش استقلالية للأول عن الثاني، وحدود لدوره.
من هنا أتصور أن هذا الخلط أدى إلى تشويه دور الناشط الحقوقي المستقل، وأدى إلى إشاعة عديد من الصور النمطية السلبية حوله، ودوره ونشاطه، على نحو يسر على أجهزة الدولة الأيديولوجية عمليات التشويه.
هذا التمايز المطلوب يتطلب ما يلي:
- المجتمع المدني تحت التشكيل
قبل الانتفاضات العربية المجهضة، لعبت المنظمات الطوعية الحقوقية دورًا مهمًا في مجال متابعة القوانين الاستثنائية – كنظام الطوارئ في مصر، وإجراءات وتشريعات حالة الضرورة – وذلك من خلال الآليات التالية:
1- إصدار التقارير المختلفة حول مخاطر قوانين الطوارئ، ومكافحة الإرهاب، وبعض القوانين الاستثنائية، وذلك من خلال مقاربات نقدية حول مفارقة هذه القوانين لبعض النصوص الدستورية الحامية للحقوق والحريات العامة والفردية، ومن ناحية ثانية: عدم تطابق هذه القوانين مع الشروط الدستورية والواقعية (الموضوعية) اللازم توافرها لإصدار هذه القوانين، أو تمريرها من البرلمان، أو من خلال نظام القرار (المرسوم) الجمهوري بقانون، وبعضها تجاوز النطاق المحجوز لسلطة التشريع.
2- استخدام آلية ورش العمل والندوات في شرح وتحليل هذه القوانين في إطار جماعة النشطاء الحقوقيين، وبعض النشطاء السياسيين على التداخل والخلط السائد مصريًا في الأدوار فيما بينهما.
3- استخدام آلية الإخراج الدولي international shaming mechnism للحكومة من خلال آليات التشبيك الإقليمي والدولي، بهدف إحراج هذه الدول عبر المنظمات الحقوقية الطوعية النظيرة داخليًا، وإقليميًا، ودوليًا، أو عن طريق بعض الشكاوى إلى بعض لجان الأمم المتحدة المعنية.
لا شك أن هذه الآليات أسهمت في الإحراج الدولي، وربما بعضُ من التأثير النسبي المحدود على مواقف بعض منظمات التمويل الدولية التي تضع بعض الشروط الخاصة لمنح الدول المعونات والمساعدات الفنية، والقروض، كالموقف من حقوق الإنسان واتفاقياتها الدولية، لا سيما وضع الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية والقومية واللغوية، ومدى احترام حقوق المرأة وتمكينها.
4- قيام بعض النشطاء بتقديم رؤاهم عن أوضاع القوانين المقيدة للحريات، في بعض الاجتماعات التي عقدت بالكونجرس الأمريكي، أو بعض المنظمات الأوربية، لكي تمارس بعض الضغوط على حكوماتها إزاء السياسة الحكومية (مصر مثالًا).
إن إمعان النظر في هذه الآليات وتوظيفها تشير إلى بعض من التأثير النسبي إلا أن ذلك كان ينظر إليه حكوميًا، ولدى بعض قطاعات من الرأي العام على أنه استعانة بالأجنبي والاستقواء به.
يمكن أيضًا ملاحظة أن هذه الأنشطة على أهميتها ظلت في نطاق نخبوي، واهتمام بعض الأحزاب السياسية بها كان بمثابة أداة للضغط على الحكومة، إلا أن انتشارها الجماهيري ظل محدودًا. ويمكن القول إن هذه الممارسات ساهمت في تحريك الرفض داخل الفئات الوسطى المدينية التي حركت الجمهور في أعقاب الانتفاضة المصرية الشعبية في 25 يناير وما بعد، وكان دور المنظمات خافتًا رغم تقاريرها وبياناتها، لأن حركة الجموع من الفئات الوسطى – الوسطى المدينية، وبعض الشرائح الشعبية كانت الأكثر زخمًا، وهي التي تحرك الواقع، وكان صوتها هو الأعلى ومعها بعض نشطائها الشباب.
من ناحية أخرى وضعت هذه المنظمات الحقوقية في موضع التشكيك في أهدافها ونواياها، وأنها تسهم في استمرارية وضعية الاضطراب السياسي والاجتماعي والأمني وعدم الاستقرار، وفرضت عليها قيود وقدم بعضهم إلى المحاكمات. بعض هذه المنظمات اضطرت إلى الانسحاب من القاهرة لتعمل من بيروت أو تونس أو باريس.
في ضوء ما سبق ما الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المنظمات في إعلاء صوت المواطنين في عملية صياغة السياسات؟
بنظرة واقعية تستصحب معها الأوضاع السياسية، وموجات العنف الإرهابي، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتكالبة والمؤثرة على حياة الأغلبيات الشعبية والفئات الوسطى وميل بعض الحكومات إلى استخدام القانون ونزعة تغليظ العقاب والإفراط فيها في بعض القوانين، كالتظاهر، والإرهاب، لا بد من الواقعية السياسية والقانونية في التعامل مع هذه الأوضاع المضطربة في الإقليم، ومصر، وذلك على النحو التالي:
1- الانتقال المؤقت من دور آلية الإحراج الدولي للحكومات إلى الدور الإرشادي للبرلمان والسلطة التنفيذية، وذلك للاعتبارات التالية:
(أ) وضعية الإرهاب، والاضطراب، داخل جهاز الدولة، والأزمات الاقتصادية والاحتقانات الاجتماعية المتصاعدة.
(ب) أن البرلمانات الحالية وهندسة العضوية داخلها، تشير إلى ضعف الخبرات الدستورية والقانونية والسياسية، والأخطر غياب رأسمال خبراتي بمعنى الدولة وآليات عملها، والصراعات داخلها حول القوة والنفوذ والمصالح، والتوازنات ... إلخ وهو ما يؤثر على مستويات الأداء التشريعي والرقابي على الرغم من أن غالب التشريعات هو ما تتقدم به الحكومات إلى البرلمان، أو من خلال القرارات الجمهورية بقوانين في غير أوقات انعقاد البرلمان.
(ج) تردي مستويات الوعي والمعرفة القانونية – والدستورية- داخل الجماعة القانونية – المحامين والفقه والقضاة- والإعلامية، ولدى غالبُ المواطنين، وهو ما يؤثر على حضور فاعل للمواطن في صناعة السياسات والتشريع.
(د) غلبة مفهوم نائب الخدمات على النائب السياسي الذي يطرح الخطاب الوطني كنائب عن الأمة أو الشعب، ومن ثم غالبهم أقرب إلى أعضاء في المجالس المحلية الشعبية، منهم إلى أعضاء برلمان من الناحية الواقعية.
(هـ) انفجار الآلة التشريعية على نحو شكل غابة من القوانين المتشابكة والمتداخلة والمتناقضة على مدى أكثر من ستين عامًا في الحالة المصرية، مما عسر عمل البرلمان والقضاة والمحامين والمتناقضين، وأعطى لبيروقراطية الدولة سلطانًا في تفسير وتطبيق القوانين واللوائح والقرارات الإدارية.
من الأسباب والاعتبارات سابقة السرد يمكن القول أن سياسة الإحراج الدولي ليست ملائمة لتفعيل دور المواطن، إلا في الأمور الاستثنائية، وذلك لفترة محدودة زمنيًا، يتم اللجوء فيها إلى الدور الإرشادي للمنظمات الحقوقية على اختلافها.
تأسيسًا على ما سبق يمكن في الفترة الانتقالية البرلمانية والسياسية الحالية اقتراح ما يلي:
1- الاعتماد على آلية التقارير حول القوانين المزمع إصدارها، وتبيان العناصر السلبية والإيجابية فيها، وطرح صياغات أكثر دقة لها، والتعديلات للنصوص السلبية منها، أو اقتراح مواد لم ترد بالقانون، وإرسالها إلى البرلمان والحكومة ورئيس الجمهورية والمجلس القومي لحقوق الإنسان، وإلى أعضاء البرلمان، وإلى القطاعات المختلفة المعنية بهذا القانون أو ذاك.
2- العمل على نشر هذه التقارير من خلال الصحف القومية، والخاصة، وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت فعالة من خلال خطاب التغريدات في ممارسة الضغوط والتأثيرات على بعضهم بعضًا، أو على الجهات المعنية، ويزداد دور مواقع التواصل الاجتماعي كقوة ضغط افتراضية، سرعان ما تؤثر على الواقع الفعلي في المراحل الحالية والمستقبلية.
3- تبادل التقارير والمذكرات مع المنظمات النظيرة وطنيًا، والسعي إلى بناء تحالف فيما بينها حول بعض مشروعات القوانين، أو المقترحات بقوانين أو تعديل بعضها، وإرسال هذه المذكرات إلى المنظمات الحقوقية النظيرة إقليميًا (عربيًا)، وعلى المستوى الدولي.
4- عقد ورش عمل workshops حول مشروعات القوانين المقدمة للبرلمان، ودعوة أعضاء البرلمان لحضورها، والمشاركة في نقاشها، بهدف خلق قوة ضغط داخل البرلمان لتصحيح مشروعات القوانين وإصلاح الخلل فيها على صعيدي الصياغة الفنية، أو المواد الأكثر فاعلية ودعمًا لحقوق المخاطبين بالقانون.
5- إرسال المذكرات إلى النقابات المهنية والعمالية.
2- ضرورة التمايز بين الناشط الحقوقي والناشط السياسي
منذ بدء المنظمات الحقوقية عمومًا، ثَّم خلط بين عمل واستقلالية الناشط الحقوقي، وبين العاملين في الحقول الحزبية والأنشطة السياسية المحضة، وهو ما يعود إلى نشأة الحركة الحقوقية المصرية، وبعض العربية، التي بدأت مع بعض جرحى الحياة السياسية المصرية اليسارية والقومية من الماركسيين بمختلف أحزابهم واتجاهاتهم والناصريين والقوميين العرب، وبعض الليبراليين.
هذا الخلط المستمر أدى إلى حساسية الحكومات والأجهزة الأمنية إزاء النشطاء الحقوقيين المستقلين ومنظماتهم الطوعية، وسهلت عليها كيل الاتهامات وتسويغ عمليات القبض على النشطاء الحقوقيين المستقلين. صحيح أن ثمة بعضًا من التداخل بين نشاط كلا الناشطين الحقوقي والسياسي إلا أن ثمة هوامش استقلالية للأول عن الثاني، وحدود لدوره.
من هنا أتصور أن هذا الخلط أدى إلى تشويه دور الناشط الحقوقي المستقل، وأدى إلى إشاعة عديد من الصور النمطية السلبية حوله، ودوره ونشاطه، على نحو يسر على أجهزة الدولة الأيديولوجية عمليات التشويه.
هذا التمايز المطلوب يتطلب ما يلي:
تبدو عملية إشراك المواطن في وضع السياسات العامة لا سيما القوانين المنظمة لها من الصعوبة بمكانة لاسيما في أعقاب انتفاضات مجهضة
1- عدم مشاركة الناشط الحقوقي في الأنشطة الحزبية والسياسية، وإذا ما أسهم في أيهما كخبير حقوقي لا يخلط بين الوظيفة الحقوقية والقانونية الإرشادية وبين الوظيفة الحزبية، حتى وإن خصصت بعض الأحزاب لجان لحقوق الإنسان داخلها ومن ثم يجب التعامل معها من منطق الخبرة والترشيد والإرشاد، أو التدريب والتكوين لأعضائها.
2- جذب المهتمين بالقانون والحقوق والمهتمين بمتابعتها والرقابة الشعبية على تطبيقها إلى الوسط الحقوقي الطوعي، أي في دائرة عمل واهتمامات وأنشطة المنظمات الحقوقية والقانونية، وليس في إطار الدوائر الحزبية والسياسية وأنشطتها.
3- الميل إلى ضبط التقارير وأعمال المعايير المهنية والاحترافية، في إعدادها من حيث المعلومات، وبعض التحليل، وفي إبداء الآراء حولها، وذلك لتخفيض بعض المبالغات التي تؤدي إلى استفزاز حساسية الأجهزة الحكومية والأمنية، أو إضعاف صدقية هذه التقارير، في ظل عدم تدقيق وضبط بعض المعلومات الواردة بها.
4- تنظيم بعض الحملات المدروسة على مواقع التواصل الاجتماعي إزاء بعض القوانين المفرطة في تغليظ العقاب، أو فرض القيود على الحريات العامة أو الفردية، تحت هشتاجات مدروسة بلا مبالغة، وهو ما يفتح الشهية المهنية لبعض الصحف الخاصة والقومية للكتابة عنها، وهي ظاهرة باتت تتمدد الآن في مصر على سبيل المثال.
5- تقديم التجارب الدولية في الطرق العملية التي يمكن للنواب اتباعها لتحسين أثر التشريعات، وقضايا التدقيق ما بعد التشريع.
6- متابعة أشكال تطبيق الأجهزة المنوط بها تطبيق القانون – البيروقراطية والجهاز الأمني .. إلخ – للقوانين، ومدى الصحة والالتواء في التطبيق، ومساعدة ذوي المصلحة في الطعن عليها أمام القضاء الإداري والدستوري والمدني.
7- كتابة التقارير حول أخطاء عملية تطبيق القوانين أو الالتواء بها في التطبيق من الأجهزة الإدارية، ونشرها، وتوزيعها على أعضاء البرلمان ونقابة المحامين والنقابات المهنية والعمالية، وعلى الواقع الافتراضي، ومواقع التفاعل الاجتماعي أو إعلام المواطن. وعمل تقارير ربع سنوية عن مدى فعالية القوانين في تطبيقها على المخاطبين بأحكامها.
8- تقديم المبادئ القانونية العامة لأعضاء البرلمان، وللنقابات، والجمهور.
إن المقترحات السابقة – وبعضها يتم العمل به لكنه غير مُفعل ومؤثر- يمكنها أن تساعد في إنماء الوعي القانوني، والمعرفة والثقافة القانونية، من خلال تيسير اللغة والصياغات في استخلاصات عامة، ومبادئ أساسية، والآليات السابقة يمكن عملها في الأجلين القصير والمتوسط.
رابعًا:- آليات للعمل وتفعيل مشاركة المواطن في صنع السياسات على المدى البعيد
في ظل أزمة الثقافة الدستورية والقانونية طيلة عديد العقود، والناتجة عن موت السياسة، وضعف المشاركة السياسية، واللا مبالاة بالبرلمانات التي جاءت مصحوبة على ونتاجًا لعمليات تزوير الإرادة العامة للجماعة الناخبة، وضعف مستويات الوعي والمعرفة القانونية، تبدو عملية إشراك المواطن في وضع السياسات العامة لا سيما القوانين المنظمة لها من الصعوبة بمكانة لاسيما في أعقاب انتفاضات مجهضة، وبروز مؤشرات على عودة بعض الأنظمة التسلطية، وإنعاش الثقافة التسلطية القانونية والسياسية والدينية، تبدو الأمور بها بعض الصعوبة، إلا أن الثورة الرقمية وبعض تجارب وحملات الفاعلين على مواقع التفاعل الاجتماعي، وسرعة التغيرات والتحولات، ما يدفع للإسراع بطرح بعض المقترحات فيما يلي:
1- حث الدول والحكومات على تدريس المبادئ القانونية العامة وطرق الحصول على الحقوق في المدارس والجامعات، وذلك على نحو ميسر ومتدرج، وهو ما سوف يساعد ضمن آليات أخرى سبق طرحها سلفًا، إلى إنماء الوعي والمعرفة بالمبادئ القانونية والحقوقية، وهو ما سوف ينتج أثره خلال الأجلين المتوسط والبعيد، ويجعل من المواطن طرفًا إيجابيًا وفاعلًا في الاهتمام بالشأن العام، والمشاركة الإيجابية في متابعة السياسات العامة، والقوانين المنظمة لها.
2- سيساعد تدريس المبادئ العامة للقانون وأساليب تنفيذه وفاعليته على استقطاب اهتمام المواطنين بمعاني القانون والدستور عمومًا، ومبدأ دولة القانون الحديث.
3- يمكن لبعض المنظمات الحقوقية أن تتشارك في وضع منهج لتدريس المبادئ القانونية والسياسات العامة، على نحو متدرج ويتناسب مع هيكل الأعمار للطلاب من المدارس الابتدائية إلى الجامعة ودراساتها العليا أيًا كان تخصص الطلاب والكليات داخلها. إن وضع هذه المناهج وطبعها وتوزيعها على النقابات المهنية والعمالية، والإعلام، والمنظمات الحقوقية، من الأهمية بمكان لخلق تيار مؤثر وضاغط لدمج هذه المواد في المناهج التعليمية المدنية والدينية، من قبل الحكومات.
من ناحية أخرى من الضروري التعاون والتنسيق مع المجلس القومي لحقوق الإنسان، والمجلس القومي للأمومة والطفولة، والمجلس القومي للمرأة، والمجالس الجديدة التي نص عليها الدستور المصري 2014 كالمجلس القومي للصحافة والإعلام.
يتعين أيضًا إرسال هذه المقررات إلى الحكومة ورئيس الجمهورية، وأعضاء البرلمان، وإلى مجلس القضاء الأعلى، ومجلس قضاة مجلس الدولة، وأعضاء المحكمة الدستورية العليا، ونوادي القضاة بهذه المحاكم، وذلك لتنشيط الحوار الخلاق بين هذه الأطراف.
إن تفعيل مشاركة المواطنين في تحسين وتطوير التشريعات من الأهمية بمكان ويحتاج إلى التدرج وتشكيل ائتلاف مدني واسع يسهم في إبراز رقابة المواطن على التشريع وتطبيقه، ونقده، والمساهمة في السعي إلى تطويره ليكون أكثر فاعلية وتوازنًا في الصراعات حول المصالح والمكانة والنفوذ في المجتمع والدولة.
وبصراحة يمكن القول إن مبدأ سيادة القانون، يعاني من مأزق تاريخي في ظل سطوة الدولة الشمولية والتسلطية، والثقافة السياسية التسلطية، وفي الازدواجية بين النظام القانوني الرسمي، وبين قانون الأعراف والقوة والنفوذ والفساد، ومن ثم أدى ذلك إلى التشكيك في قانون الدولة، لا سيما في ظل جماعات إسلامية سياسية وراديكالية تجحد شرعية القانون الوضعي الحديث لصالح خطابها حول نظام الشريعة الإسلامية، والتي لا توجد تناقضات كبرى بين مبادئها الكلية العامة، وبين غالبُ المبادئ العامة للقانون الحديث من هنا يبدو مهمًا تطوير وإنماء الوعي القانوني لدى المواطنين وجعلهم طرفًا فاعلًا في عملية تطوير التشريعات وتحسينها لكي تعبر عن التوازنات بين المصالح الاجتماعية المتنازعة والمتصارعة، ولتطبيق فعال لمبدأ دولة القانون.
2- جذب المهتمين بالقانون والحقوق والمهتمين بمتابعتها والرقابة الشعبية على تطبيقها إلى الوسط الحقوقي الطوعي، أي في دائرة عمل واهتمامات وأنشطة المنظمات الحقوقية والقانونية، وليس في إطار الدوائر الحزبية والسياسية وأنشطتها.
3- الميل إلى ضبط التقارير وأعمال المعايير المهنية والاحترافية، في إعدادها من حيث المعلومات، وبعض التحليل، وفي إبداء الآراء حولها، وذلك لتخفيض بعض المبالغات التي تؤدي إلى استفزاز حساسية الأجهزة الحكومية والأمنية، أو إضعاف صدقية هذه التقارير، في ظل عدم تدقيق وضبط بعض المعلومات الواردة بها.
4- تنظيم بعض الحملات المدروسة على مواقع التواصل الاجتماعي إزاء بعض القوانين المفرطة في تغليظ العقاب، أو فرض القيود على الحريات العامة أو الفردية، تحت هشتاجات مدروسة بلا مبالغة، وهو ما يفتح الشهية المهنية لبعض الصحف الخاصة والقومية للكتابة عنها، وهي ظاهرة باتت تتمدد الآن في مصر على سبيل المثال.
5- تقديم التجارب الدولية في الطرق العملية التي يمكن للنواب اتباعها لتحسين أثر التشريعات، وقضايا التدقيق ما بعد التشريع.
6- متابعة أشكال تطبيق الأجهزة المنوط بها تطبيق القانون – البيروقراطية والجهاز الأمني .. إلخ – للقوانين، ومدى الصحة والالتواء في التطبيق، ومساعدة ذوي المصلحة في الطعن عليها أمام القضاء الإداري والدستوري والمدني.
7- كتابة التقارير حول أخطاء عملية تطبيق القوانين أو الالتواء بها في التطبيق من الأجهزة الإدارية، ونشرها، وتوزيعها على أعضاء البرلمان ونقابة المحامين والنقابات المهنية والعمالية، وعلى الواقع الافتراضي، ومواقع التفاعل الاجتماعي أو إعلام المواطن. وعمل تقارير ربع سنوية عن مدى فعالية القوانين في تطبيقها على المخاطبين بأحكامها.
8- تقديم المبادئ القانونية العامة لأعضاء البرلمان، وللنقابات، والجمهور.
إن المقترحات السابقة – وبعضها يتم العمل به لكنه غير مُفعل ومؤثر- يمكنها أن تساعد في إنماء الوعي القانوني، والمعرفة والثقافة القانونية، من خلال تيسير اللغة والصياغات في استخلاصات عامة، ومبادئ أساسية، والآليات السابقة يمكن عملها في الأجلين القصير والمتوسط.
رابعًا:- آليات للعمل وتفعيل مشاركة المواطن في صنع السياسات على المدى البعيد
في ظل أزمة الثقافة الدستورية والقانونية طيلة عديد العقود، والناتجة عن موت السياسة، وضعف المشاركة السياسية، واللا مبالاة بالبرلمانات التي جاءت مصحوبة على ونتاجًا لعمليات تزوير الإرادة العامة للجماعة الناخبة، وضعف مستويات الوعي والمعرفة القانونية، تبدو عملية إشراك المواطن في وضع السياسات العامة لا سيما القوانين المنظمة لها من الصعوبة بمكانة لاسيما في أعقاب انتفاضات مجهضة، وبروز مؤشرات على عودة بعض الأنظمة التسلطية، وإنعاش الثقافة التسلطية القانونية والسياسية والدينية، تبدو الأمور بها بعض الصعوبة، إلا أن الثورة الرقمية وبعض تجارب وحملات الفاعلين على مواقع التفاعل الاجتماعي، وسرعة التغيرات والتحولات، ما يدفع للإسراع بطرح بعض المقترحات فيما يلي:
1- حث الدول والحكومات على تدريس المبادئ القانونية العامة وطرق الحصول على الحقوق في المدارس والجامعات، وذلك على نحو ميسر ومتدرج، وهو ما سوف يساعد ضمن آليات أخرى سبق طرحها سلفًا، إلى إنماء الوعي والمعرفة بالمبادئ القانونية والحقوقية، وهو ما سوف ينتج أثره خلال الأجلين المتوسط والبعيد، ويجعل من المواطن طرفًا إيجابيًا وفاعلًا في الاهتمام بالشأن العام، والمشاركة الإيجابية في متابعة السياسات العامة، والقوانين المنظمة لها.
2- سيساعد تدريس المبادئ العامة للقانون وأساليب تنفيذه وفاعليته على استقطاب اهتمام المواطنين بمعاني القانون والدستور عمومًا، ومبدأ دولة القانون الحديث.
3- يمكن لبعض المنظمات الحقوقية أن تتشارك في وضع منهج لتدريس المبادئ القانونية والسياسات العامة، على نحو متدرج ويتناسب مع هيكل الأعمار للطلاب من المدارس الابتدائية إلى الجامعة ودراساتها العليا أيًا كان تخصص الطلاب والكليات داخلها. إن وضع هذه المناهج وطبعها وتوزيعها على النقابات المهنية والعمالية، والإعلام، والمنظمات الحقوقية، من الأهمية بمكان لخلق تيار مؤثر وضاغط لدمج هذه المواد في المناهج التعليمية المدنية والدينية، من قبل الحكومات.
من ناحية أخرى من الضروري التعاون والتنسيق مع المجلس القومي لحقوق الإنسان، والمجلس القومي للأمومة والطفولة، والمجلس القومي للمرأة، والمجالس الجديدة التي نص عليها الدستور المصري 2014 كالمجلس القومي للصحافة والإعلام.
يتعين أيضًا إرسال هذه المقررات إلى الحكومة ورئيس الجمهورية، وأعضاء البرلمان، وإلى مجلس القضاء الأعلى، ومجلس قضاة مجلس الدولة، وأعضاء المحكمة الدستورية العليا، ونوادي القضاة بهذه المحاكم، وذلك لتنشيط الحوار الخلاق بين هذه الأطراف.
إن تفعيل مشاركة المواطنين في تحسين وتطوير التشريعات من الأهمية بمكان ويحتاج إلى التدرج وتشكيل ائتلاف مدني واسع يسهم في إبراز رقابة المواطن على التشريع وتطبيقه، ونقده، والمساهمة في السعي إلى تطويره ليكون أكثر فاعلية وتوازنًا في الصراعات حول المصالح والمكانة والنفوذ في المجتمع والدولة.
وبصراحة يمكن القول إن مبدأ سيادة القانون، يعاني من مأزق تاريخي في ظل سطوة الدولة الشمولية والتسلطية، والثقافة السياسية التسلطية، وفي الازدواجية بين النظام القانوني الرسمي، وبين قانون الأعراف والقوة والنفوذ والفساد، ومن ثم أدى ذلك إلى التشكيك في قانون الدولة، لا سيما في ظل جماعات إسلامية سياسية وراديكالية تجحد شرعية القانون الوضعي الحديث لصالح خطابها حول نظام الشريعة الإسلامية، والتي لا توجد تناقضات كبرى بين مبادئها الكلية العامة، وبين غالبُ المبادئ العامة للقانون الحديث من هنا يبدو مهمًا تطوير وإنماء الوعي القانوني لدى المواطنين وجعلهم طرفًا فاعلًا في عملية تطوير التشريعات وتحسينها لكي تعبر عن التوازنات بين المصالح الاجتماعية المتنازعة والمتصارعة، ولتطبيق فعال لمبدأ دولة القانون.