المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

النماذج والدروس: العلاقات المدنية العسكرية مساهمة في وضع نموذج مصري (1-2)

الأربعاء 16/مارس/2016 - 12:29 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. علاء الدين عرفات
ركزت مراكز الأبحاث الغربية والأمريكية على وجه الخصوص منذ ثورة 25 يناير 2011 على دراسة العلاقات المدنية العسكرية في مصر، ودور الجيش في السياسة؛ وذلك على خلفية الدور الذي قام به الجيش في تلك الثورة. وقد زادت تلك الأبحاث بعد ثورة 30 يونيو 2013؛ أيضا على خلفية الدور الذي قام به الجيش المصري في خلع الرئيس الأسبق محمد مرسي والإخوان عن الحكم. وبشكل عام ينقص تلك الأبحاث أنها منزوعة من سياقها؛ فهي تحاول تطبيق العلاقات المدنية العسكرية ونظريتها المختلفة المطبقة في الدول الراسخة في الديمقراطية على الحالة المصرية التي مازالت تخطو خطواتها الأولي والخجولة في مسار طويل من التحول الديمقراطي. والأهم أن تطبيق نموذج العلاقات المدنية العسكرية وفقًا للتصور الغربي:خضوع القوات المسلحة لقيادة مدنية ديمقراطية (The Subordination of the Military to Democratic Civilian Control)(1)،هي عملية معقدة تتطلب إصلاحا تشريعيا شاملا وإصلاح للقطاع الأمني بأكمله(DCAF) Security Sector Reform وإجراء العدالة الانتقالية Transitional Justice وبناء المؤسسات الديمقراطية وتعميق للمثل للديمقراطية، ليس فقط لدى المواطنين، لكن أيضا لدى الأحزاب والنخب السياسية، وفهم العلاقة بين آليات الديمقراطية – احترام نتيجة الصندوق – والمثل الديمقراطية التي تهتم بقبول الآخر المختلف دينيًا وسياسيًا وعدم الاقصاء والتسامح. ويتطلب أيضا إعداد نخبة من الخبراء المدنيين المتخصصين في قضايا الدفاع والأمن القومي والشئون العسكرية. فوفقًا للتصور الغربي؛ فالعلاقات المدنية العسكرية سلسلة طويلة متعددة الحلقات والمراحل ومتشابكة مع التحول الديمقراطي، وليست منفصلة عنه. وهي جوهرة التاج في التحول الديمقراطي في الواقع. ولذلك فإن أصعب مرحلة في التحول الديمقراطي لأي دولة، هي إدارة العلاقات المدنية العسكرية، ولذلك فإن لم يُحسن إدارة هذا الموضوع المتشابك والمعقد، فمن الممكن أن تنتكس الدولة وربما تعود إلى الحالة السلطوية التي كانت عليها قبل عملية التحول الديمقراطي. أما إذا أُحسن إدارة إصلاح العلاقات المدنية العسكرية فستخطو الدولة خطوات واثقة حتى تصبح من الديمقراطيات المستقرة (نموذج البرتغال وإسبانيا).  
        فالسياق المصري بهذا الفهم مختلف من ناحية درجة التحول الديمقراطي، وتعثر المسار، بالإضافة إلى اختلاف البيئة السياسية، ورؤية المصريين وتقديرهم لقواتهم المسلحة؛ وهي معايير تغيب عن معالجة الباحثين الغربين للحالة المصرية. ولذلك فإن فهم مستقبل العلاقات المدنية العسكرية في مصر؛ يتطلب وضع الحالة المصرية في إطار أوسع من التجارب الدولية في العلاقات المدنية العسكرية في محاولة لوضع تصور للنموذج المصري المحتمل في العلاقات المدنية العسكرية، والدروس التي يمكن أن تستفيد منها مصر من تلك النماذج. ولإظهار أنه ليس هناك نموذج واحد في العلاقات المدنية العسكرية، ولو كان مسارا واحدا يجب أن يحتذى. فالنماذج متعددة والتجارب متنوعة.
        وفي هذا السياق تم اختيار ستة نماذج مختلفة في العلاقات المدنية العسكرية: النموذج الباكستاني؛ النموذج الإندونيسي؛ النموذج البرتغالي؛ النموذج التركي؛ النموذج الإسباني؛ وأخيرًا، نموذج بعض دول أمريكا اللاتينية، خاصة البرازيل وتشيلي. فثلاثة من تلك النماذج الستة دول ذات أغلبية مسلمة ولديها تيار إسلامي قوي: وهي باكستان وتركيا وإندونيسيا. ومعيار الاختيار هنا هو إلى أي مدى يمكن أن يؤثر الإسلاميون على مسار إصلاح العلاقات المدنية العسكرية أو التحول الديمقراطي بشكل عام. ومن بين تلك النماذج الستة هناك نموذجيين لدولتين أوربيتين: البرتغال واسبانيا؛ وقد بدأت كلتا الدولتين مسار العلاقات المدنية العسكرية في بداية الموجة الثالثة من الديمقراطية "Third Wave". ومن بين تلك النماذج الستة أيضا؛ نموذج واحد استثنائي من أمريكا اللاتينية (البرازيل وتشيلي)؛ وهو أقرب النماذج للحالة المصرية. وفي حالتين من تلك النماذج الستة - إندونيسيا والبرتغال- تولي الجيش بنفسه إصلاح العلاقات المدنية العسكرية؛ وفي هذه الحالة حققت البرتغال فقط قصة نجاح في العلاقات المدنية العسكرية وفقًا للمعيار الغربي: خضوع القوات المسلحة لقيادة مدنية ديمقراطية؛ بينما حققت إندونيسيا نجاحًا جزئيًا. ربما لأن في الحالة الإندونيسية أستكمل النظام إصلاح العلاقات المدنية العسكرية بعد مبادرة الجيش بالإصلاح، وبالتالي أثرت بعض الموائمات السياسية وأمور أخرى ستذكر بالتفصيل لاحقًا على مسار العلاقات المدنية العسكرية الإندونيسية. ومن بين تلك النماذج الستة؛ هناك نموذجان – إسبانيا ودول أمريكا اللاتينية – حققت العلاقات المدنية العسكرية من خلال  التفاوضnegotiation pacts بين النخبة السياسية للنظام القديم والنخبة السياسية للنظام الجديد أو بين المؤسسة العسكرية والنخب المدنية. وفي هذا السياق تم تحقيق نجاحًا ملحوظًا في العلاقات المدنية العسكرية. وعلى الرغم من ذلك فإسبانيا لديها تجربة أكثر نجاحًا عن دول أمريكا اللاتينية في العلاقات المدنية العسكرية وفقًا للنموذج الغربي. ومن بين تلك النماذج الستة هناك دولتان – تركيا وباكستان – حققتا إصلاحا في العلاقات المدنية العسكرية من خلال صراع القوىpower-struggle game أو الصراع على السلطة بين المؤسسة العسكرية والإسلاميين في تركيا، وبين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة في باكستان. وفي كلتا الحالتين حققت الدولتان نجاحًا جزئيًا في العلاقات المدنية العسكرية، وفقًا للمعيار الغربي؛ حيث حققت الدولتين توازنًا بين ديمقراطية غير مكتملة ومنقوصة وجيش متنفذ. باختصار فالستة نماذج يمكن أن تقسم إلى ثلاثة نماذج فرعية: النموذج التصارعي: باكستان وتركيا؛ النموذج التفاوضي: إسبانيا ودول أمريكا اللاتينية؛ النموذج التصارعي ـ التفاوضي: البرتغال وإندونيسيا؛ وهو نموذج بادر فيه الجيش وقاد عملية التحول الديمقراطي. وبشكل عام النموذج التصارعي لم تحقق فيه العلاقات المدنية العسكرية إلا نجاحًا جزئيًا، بينما النموذج التفاوضي أو النموذج التصارعي-التفاوضي، خاصة الذي قاد فيه الجيش إصلاح العلاقات المدنية العسكرية بنفسه – نموذج البرتغال- حققت نجاحًا مبهرًا في العلاقات المدنية العسكرية وفقًا للمعيار الغربي.وسيتم عرض تلك النماذج الستة بالبدء بالنماذج التي حققت نجاحًا جزئيًا أو متوسطًا في العلاقات المدنية العسكرية: باكستان – إندونيسيا – تركيا؛ ثم بالنماذج التي حققت نجاحًا كاملًا: البرتغال – إسبانيا؛ ثم أخيرًا عرض أقرب النماذج للحالة المصرية: البرازيل – تشيلي. ثم تختتم الدراسة باقتراح نموذج تجريبي لمستقبل العلاقات المدنية العسكرية في مصر.    

العلاقات المدنية العسكرية سلسلة طويلة متعددة الحلقات والمراحل ومتشابكة مع التحول الديمقراطي، وليست منفصلة عنه
       وبشكل عام، تنطلق الدراسة من ثلاث فرضيات أساسية. أولًا: الصراع بين كل من الأحزاب والنخب المدنية والمؤسسة العسكرية حول إصلاح العلاقات المدنية العسكرية، تنتج إصلاحًا جزئيًا في تلك العلاقات؛ وربما تزيد من قبضة الجيش وتدخله في السياسة والحكم.
         ثانيًا: الدول التي بها تيار إسلامي قوي أو أحزاب دينية،أو حركات انفصالية، وتوتر على حدودها السياسية، يكون من الصعب أن تتبنى إجراء إصلاح في العلاقات المدنية العسكرية، بل تزيد قبضة الجيش على الشئون السياسية، ويزيد تدخله في السياسة، وربما يكون من المستحيل ترك دوره المركزي في صنع السياسة.
ثالثًا، الدول التي بها جيوش ذات نفوذ وإمبراطورية اقتصادية، يكون من الصعب إجراء علاقات مدنية عسكرية، دون الاتفاق على ضمانات وترتيبات دستورية تضمن استقلال وامتيازات للجيش لفترة مؤقتة، تطول أو تقصر، حسب درجة قوة اتحاد واتفاق الأحزاب والنخب السياسية ورغبة الجيش في إجراء إصلاح العلاقات المدنية العسكرية وترك السياسية للسياسيين المدنيين.

أولا: النموذج الباكستاني
النموذج الباكستاني هو دراسة حالة ثرية في العلاقات المدنية العسكرية لعدد من الأسباب. فقد أثبتت باكستان مرونة في مواجهة الموجات المختلفة للديمقراطية خلال العقود القليلة الماضية، والتي أسهمت في تغييرات واسعة النطاق في العلاقات المدنية العسكرية في دول كثيرة حول العالم. ثانيًا،  تميز النظام السياسي الباكستاني بما يعرف بـpraetorian military، أي جيش له دور سياسي قوي، الذي أطاح مرارًا وتكرارًا بالحكومات المدنية الضعيفة. وفي هذا الصدد فقد شهدت البلاد أربعة أنظمة عسكرية، حكمت البلاد لأكثر من ثلاثين عامًا؛ في ظل أيوب خان (1958-1969)، يحيى خان (1969-1971)، ضياء الحق (1977-1988)، وبرويز مشرف (1999-2008 ). ثالثًا، باكستان دولة ذات أهمية حاسمة بالنسبة للسياسة الأمريكية، فهي حليف رئيسي للولايات المتحدة. بالإضافة إلى أنها قوة إقليمية أساسية في منطقة جنوب شرق آسيا، وتمتلك أسلحة نووية. فقد عملت باكستان كدولة من دول المواجهة أثناء الحرب الباردة، وعادت إلى الظهور كذلك في الحرب على الإرهاب، حيث كانت مرتعًا للجماعات الإسلامية المتطرفة، بما في ذلك تنظيم القاعدة. وأخيرًا، قد أنتجت علاقتها المضطربة مع جارتها النووية الهند عدة حروب كبرى، ومناوشات لا تحصى ولا تعد، ويكفي التهديد الدائم بالحرب بين الطرفين لتعزيز أجواء أزمة شبه دائمة في شبه القارة الهندية(2)
        ولفهم العلاقات المدنية العسكرية في باكستان يجب معرفة الأسباب التي تدفع المؤسسة العسكرية بالقيام بتلك الانقلابات المتعددة، وفهم ديناميكية النظام السياسي الباكستاني والأعمدة المختلفة التي يقوم عليها. وفي الواقع، قد تكون مقاربة ألفريد ستيبان Alfred Stepan مفيدة في فهم العلاقات المدنية-العسكرية الباكستانية؛ وفهم ديناميكية النظم الباكستاني(3)فقد قدم النموذج الباكستاني إطارًا لفهم التقسيم المعقد للمسئوليات والمصالح التي تنشأ في الأنظمة العسكرية. والتي قد تؤدي إلى قيام الجيش انقلاب عسكري. فقد فكك ستيبان الأنظمة العسكرية إلى عدد من النماذج. النموذج الأول "الجيش كحكومة""military-as-government"، وفي هذا النمط يتولى كبار القادة العسكريين بشكل مباشر السلطة السياسية في الدولة، والتي تضم عادة الحاكم العسكري العام وزمرة صغيرة من كبار الضباط والمدنيين. النمط الثاني هو "الجيش كمؤسسة" "military-as-institution"، وهو نموذج يشير إلى أغلبية ضباط الجيش،الذين يتولون مسئولية المهام العسكرية المعتادة.(4)) وقد أكد Stepan على أن إذا ما تسبب الجيش كحكومة في أزمة أو عرض للخطر مصالح الجيش كمؤسسة، فإن الجيش كمؤسسة قد يكون مستعدًا للإطاحة بالجيش كحكومة لمعالجة هذه المشكلة(5)؛ وذلك من خلال انقلاب عسكري.
ومن ناحية أخرى فإن نظرية الوكالة "agency theory" لبيتر فافير Peter Feaver يمكن أن تكمل فهمنا للعلاقات المدنية العسكرية في باكستان(6). فقد افترض Feaver بأن مفاهيم مثل القيم الثقافية لمجتمع والاحترافية العسكرية لا يمكن أن تفسر تمامًا ظاهرة الانقلابات العسكرية. ففي بعض الحالات، قامت الجيوش المحترفة والمتجانسة ثقافيًا بالانقلابات العسكرية. ولتفسير هذا اللغز، فقد أقترح Feaver نظريته سالفة الذكر. فوفقًا لفافير Feaver فإن الوكالة تشير إلى القدرة المتأصلة لشخص أو مؤسسة ما ما يمتلك القوة والقدرة على إحداث تغيير ما(7). وبنفس القدر من الأهمية، فإن التعديل الذي قام به إعجاز حسين Ejaz Hussain على نظرية "agency theory" مفيد للغاية كذلك في فهم العلاقات المدنية-العسكرية الباكستانية. فوفقًا لحسين، هناك أربعة فاعلين رئيسيين يحددون العلاقات المدنية-العسكرية الباكستانية، وهي السياسيون؛ والبيروقراطية المدنية؛ والقضاء؛ والجيش. هؤلاء الفاعلون الأساسيون يتفاعلون مع بعضهم بعضا من الناحيتين الإستراتيجية والعقلانية لإحداث قدر من التغير في العلاقات المدنية العسكرية. فكل طرف، في سياق معين، يميل إلى تعظيم مصالحه السياسية والاقتصادية، ويسعى لتولي المنصب الرئيسي في مصفوفة العلاقات المدنية-العسكرية، بشكل خاص، ومصفوفة السلطة بشكل عام في باكستان. فإذا تولى طرف من الأطراف الأربعة المنصب الرئيسي في مصفوفة العلاقات المدنية-العسكرية، تصرفت الجهات الثلاث المتبقية كوكلاء.
وبشكل عام أخذت العلاقات المدنية العسكرية في باكستان مسارات متعرجة. فقد ورثت القوات المسلحة الباكستانية التقليد البريطاني في العلاقات المدنية العسكرية. فقد غُرس في الجيش السيادة والسيطرة المدنية على القوات المسلحة(8). فقد شُكلت بنية الجيش باستخدام التسلسل الهرمي، المتبع في التقاليد العسكرية البريطانية؛ على مستويين: الضباط والمجندين. ومن الناحية الفنية يتم اختيار الضباط في الغالب من بين أفراد الطبقة الوسطي الباكستانية. ويتم اختيار الضباط في شكل تنافسي للغاية؛ لكن بمجرد اختيار فرد من أفراد أسرة في الجيش تتمتع أسرته بدعم واسع النطاق، بما في ذلك الرعاية الصحية، وشبكة من المحسوبية، وبعض التسهيلات الأخرى(9).ومنذ الاستقلال في عام 1947، شهدت باكستان 30 عامًا من الحكم العسكري (1958-1971، 1977-1988 و1999-2008). وحتى عندما لا يكون الجيش في الحكم فإنه يسعى باستمرار إلى تركيز وتوطيد السلطة السياسية والعسكرية ( خاصة الاستخبارات العامة، والاستخبارات الداخلية، والتي تمارس الرقابة العلنية والسرية بشكل كبير على السلطات المدنية في الشئون الداخلية والخارجية على حد سواء). ونظرًا للعلاقة الباكستانية المضطربة مع الهند، والتي تتمحور حول الصراع المستمر منذ عقود من أجل السيطرة على كشمير، فقد كانت باكستان دائما ما تُوصف بأنها " دولة أمنية "، وكان الجيش الوطني تاريخيًا لاعبًا رئيسيًا في الساحة الجيوسياسية(10).ولذلك فقد تشكلت باكستان كدولة أمنية أولوياتها الأساسية سد احتياجات الأمن الإقليمي والتركيز على بناء جيش قوي ومجهز تجهيزًا جيدًا. وكل تلك الأولويات تعمل في غير صالح المؤسسات المدنية(11).
          وبتطبيق نظرية الوكالة على الحالة الباكستانية، فعلى سبيل المثال، فعند استقلال باكستان عام 1947 أصبح السياسيون الفاعل الرئيسي في العلاقات المدنية العسكرية بتولي لياقت علي خان  LiaquatAliKhan منصب أول رئيس وزراء لباكستان، وأول وزير دفاع مدني، وبالتالي أصبح الفاعلون الثلاثة وكلاء. وبعد اغتيال علي خان في عام 1951 وحتى عام 1958 تولت البيروقراطية منصب الفاعل الرئيسي في البلاد، وأصبح الفاعلون الثلاثة الآخرون: السياسيون، الجيش، والقضاء، وكلاء. ووفقًا لنظرية الـ agency فقد تحالف الجيش إستراتيجيًا مع البيروقراطية الحاكمة من أجل الاستفادة اقتصاديا من المعونة الأمريكية. ولذلك فلم تكن هناك حاجة للانقلابات العسكرية(12).وبالبناء على نظرية الوكالة، فالجيش كحكومة أصبح البديل الرئيسي للسلطات المدنية، في حين ظل الجيش كمؤسسة كـ "وكيل". ومن الواضح أن التمييز غير واضح لأن كلا من الفاعل الرئيسي والوكيل يرتدون الزي العسكري الرسمي، وغالبًا ما يعملون في انسجام تام. لكن تحت السطح تسير مصالحهم في مسارات مختلفة ومتناقضة، حيث يسعى قادة القوات المسلحة لحماية مصالح القوات المسلحة الاقتصادية، بينما يسعى قادة النظام العسكري لحماية هيمنتهم على السلطة السياسية المدنية(13)
وبعد أن قاد الجنرال أيوب خان الانقلاب العسكري الأول في عام 1958، قام بالاستيلاء على السلطة، ورقّى نفسه لدرجة المشير، والقائد الأعلى للقوات المسلحة. وأصبح عدد من كبار الضباط وزراء ومحافظين، وارتدى آخرون قبعات سياسية أخرى(14).وبمرور الوقت قل اعتماده أكثر فأكثر على القادة العسكريين، وزاد اعتماده أكثر فأكثر على المدنيين، مثل ذو الفقار علي بوتو Zulfikir Ali Bhutto، والذي أصبح واحدًا من أقرب المقربين لأيوب خان ومصدر ثقته. بالإضافة إلى ذلك فقد منح أيوب الجيش قدرًا كبيرًا من الاستقلال الذاتي عن الجيش كحكومة. فقد منح الجيش زيادات كبيرة في النفقات الدفاعية، وضمن للجيش مساعدات عسكرية متنوعة لتحديث القوات المسلحة(15).ولذلك فمنذ 1958 أصبح الجيش ولأول مرة الفاعل الرئيسي، وأصبحت الثلاث قوى الأخرى وكلاء(16).ومع ذلك، فسرعان ما انهار النظام السياسي لأيوب بسبب ظهور أحزاب المعارضة الشعبية المطالبة بالعودة إلى الديمقراطية البرلمانية. وكما يشير ستيبان فلم يكن التحريض المتزايد من قبل المدنيين الضربة الحاسمة لنظام أيوب. فكما يشير ستيبان فخسارة دعم المدنيين للنظام تحول إلى تكلفة مادية، وتهديد مباشر للجيش كمؤسسة(17). فالمعارضة السياسية نشرت بشكل متزايد الاضطرابات المدنية، مما دفع أيوب لتكثيف القمع من خلال فرض الأحكام العرفية، وطلب مساعدة الجيش في بداية عام 1969. فبالنسبة للجيش، فقمع الاحتجاجات الشعبية، وخصوصًا في ولاية البنجاب، التي يجند منها معظم الضباط والأفراد والجنود، قد يعرض مصالح الجيش الاقتصادية لمخاطر عالية، وقد تكون تهديدًا مباشرًا لوحدته وهيبته. ونظرًا لذلك التناقض الهائل بين مصالح الجيش، ومصالح النظام، فلم يعد الجيش يرى من مصلحته استمرار نظام أيوب خان، وأصبح على استعداد للتضحية به، وبالجيش كحكومة لتهدئة الاحتجاجات الشعبية(18). ولذلك فقد رفض قائد الجيش يحيى خان بالاتفاق مع القيادات العسكرية فرض الأحكام العرفية، وقاموا بانقلاب مضاد غير دموي. وبعد أن فقد أيوب خان الدعم النشط من قادة للجيش، استقال في وقت لاحق ونقل سلطاته ليحيى خان في عام 1969(19).
شُكلت بنية الجيش الباكستانى باستخدام التسلسل الهرمي، المتبع في التقاليد العسكرية البريطانية؛ على مستويين: الضباط والمجندين
شكل الجنرال يحيى خان حكومة عسكرية بالكامل، والتي شملت عدد أكبر من الضباط مما كان في عهد أيوب خان. وقد رقي يحيى خان أقرب رفقائه الجنرال عبد الحميد خان General Abdul Hamid Khan إلى رتبة رئيس أركان حرب الجيش. ثم حاول يحيى معالجة العديد من القضايا السياسية الأساسية التي يعاني منها النظام السياسي المحلي الباكستاني منذ الاستقلال من أجل إبعاد الجيش عن السلطة المباشرة. ثم قام بإلغاء دستور 1962، وأعلن عن إجراء انتخابات حرة للجمعية الوطنية National Assembly في نهاية 1970، وخولها سلطة إصدار دستور جديد، وضمان التمثيل النسبي لباكستان الشرقية مع باكستان الغربية لأول مرة في تاريخ البلاد.
           وقد خرجت خطة النظام العسكري فيما يتعلق بالانسحاب للثكنات عن مسارها بالكامل بسبب نتيجة الانتخابات. حيث حصلت رابطة عوامي على الأغلبية المطلقةThe Awami League (AL) في البرلمان، حيث حصلت على كل المقاعد باستثناء مقعدين فقط في باكستان الشرقية، بينما حصل حزب الشعب الباكستاني Pakistan People's Party (PPP)  الذي يتزعمه بوتو على ما يقرب من ثلثي المقاعد في غرب باكستان. وقد كان فوز رابطة عوامي نذير شؤم، حيث أصدرت الرابطة ستة مطالب شديدة اللهجة طالبت فيها بالاستقلال الذاتي لباكستان الشرقية، وتكوين جيش مستقل. ورفض بوتو تشكيل حكومة مع عوامي. وفي مارس 1971، وبعد فشل المفاوضات بين الأطراف المختلفة والنظام، أعلن يحيى خان إلغاء الجمعية الوطنية لأجل غير مسمى. فاندلعت الثورة في باكستان الشرقية، وأعلنت رابطة عوامي استقلال المنطقة تحت أسم "بنجلادش". فقام يحيى خان بدعم من القوات المسلحة باكتساح الإقليم، وأطلق العنان لحملة عسكرية وحشية في الشرق. وتطور الوضع بسرعة إلى حرب أهلية واسعة النطاق قتل فيها مئات الآلاف من المدنيين على أيدي الجيش على مدى تسعة أشهر. وفي نفس الوقت دخلت القوات الهندية إلى باكستان الشرقية في نوفمبر 1971 لدعم المتمردين البنجال ردًا على تدفق موجات من اللاجئين البنجال إلى الهند نتيجة لتلك الحرب. وردت باكستان بإرسال حملة عسكرية إلى الهند في بداية ديسمبر، فقامت الهند بالتوغل في الأراضي الباكستانية بنجاح، وأسرت ثلث الجيش الباكستاني الذي كان محاصرًا في الشرق، وأجبرت يحيى خان على الاستسلام. ونتيجة لذلك، أصيب نظام يحيى خان بكارثة كاملة؛ ليس فقط على البلاد، ولكن بالنسبة للجيش أيضا، حيث وصلت معنويات وهيبة الجيش إلى الحضيض، وتفتت وحدته. وبناء على مطالب من القيادات الصغرى في الجيش، أرسل، رئيس هيئة الأركان العامة  Chief of General Staff (CGS) الفريق غول حسن Lieutenant General Gul Hassan تهديدًا مباشرًا للنظام جاء فيه: "ما لم يستقل الجنرال يحيى خان وحكومته العسكرية بشكل جماعي في اليوم التالي؛ ستتوغل الدبابات في العاصمة وتطيح بهم جميعًا"(20). وبالتالي أُجبر يحيى خان والجيش كحكومة والجنرال حميد على الاستقالة في نهاية ديسمبر. وبمجرد الإطاحة بالقيادة العليا للنظام عين الجنرال غول حسن قائما بعمل أركان حرب القوات المسلحة، ورتب الجيش لبوتو وحزب الشعب بسرعة لتولي مقاليد السلطة وعاد الجيش إلى الثكنات.
وقد تصرف بوتو كفاعل رئيسي مدني في النظام السياسي الباكستاني، ومن ثم تحولت القوى الثلاث الأخرى كوكلاء. والشيء المثير أن بوتو قد أثر في تشكيل البيروقراطية والقضاء، والأهم أنه قد أثر في الجيش أيضا. وقبل أن يتمكن بوتو من تحقيق رؤيته السياسية بالكامل، تمت الإطاحة بحكومته نتيجة لانقلاب عسكري، قام به الجيش بقيادة ضياء الحق. وهو الانقلاب الثالث في تاريخ البلاد. ومن المفيد هنا ملاحظة بعض الإجراءات التي اتخذها بوتو ضد الجيش، وهو ما يدل على أن الجيش عندما يُضار كمؤسسة، فهناك احتمالية كبيرة بقيامه بانقلاب عسكري.
والمثير أن عددًا من السياسيين ورجال القضاء انضموا للجيش كفاعل رئيسي جديد. ومنذ عام 1977 وحتى الآن والجيش يلعب دور الفاعل الرئيسي في الحياة السياسية الباكستانية(21) . وفي هذا السياق، بذل ضياء الحق جهودًا مضنية في بداية حكمه لجعل الجيش كمؤسسة صاحبه مصلحة في استمرار حكمه(22). وطبقًا لذلك منح ضياء الحق حوافز كبيرة للجيش من بينها زيادة نفقات الدفاع، وزيادة في المرتبات، فضلًا عن منح مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، والمساكن والقروض المصرفية، والمزايا الأخرى". وبالتالي فقد حظي ضياء باحترام كبار الضباط.وقد أضفى ضياء الحق طابعا مدنيا على حكمه، ونأى بنفسه عن الجيش كمؤسسة. ومن ناحية أخرى، أحاط ضياء الحق نفسه بعدد من المدنيين والضباط الموالين والمخلصين. كما دخل في علاقات نسب مع كبار الضباط لبناء تحالفات القرابة. ولم تتم ترقية الضباط الذي لا يثق فيهم ضياء الحق إلى المناصب العليا، كما عين عددًا من الضباط العاملين والمتقاعدين في المناصب المدنية،حتى يتمكنوا من تكوين ثروات لأنفسهم، ولكن دون تولي مناصب قيادية. وحاول ضياء الحق إضفاء الشرعية على نظامه من خلال إجراء تعديلات على الدستور، والذي منحه تولي منصب رئيس البلاد، وقائد الجيش في نفس الوقت. وقد أنشأ ما يشبه نظام المشاركة بتعيين رئيس وزراء منصاعٍ، وموالٍ له، وإنشاء برلمان من خلال انتخابات غير حزبية. وقد وجد ضياء منصبه في الجيش مسألة حاسمة لاستمرار نظامه، ولذلك فقد ضمن للجيش الاحترافية اللازمة، وأبقى على مصالحه الاقتصادية. وانتهت محاولته ليكون جسرًا بين جيش قوي ومؤسسات مدنية موالية بشكل مفاجئ عندما مات في حادث تحطم طائرة في عام 1988.(23) وبعد وفاة ضياء الحق تسلم إدارة البلاد نائب رئيس أركان حرب القوات المسلحة Vice Chief of Army Staff (VCOAS) الجنرال ميرزا إسلام بج General Mirza Aslam Beg. وخلال ساعات من وفاة ضياء الحق توصل الجنرال ميرزا وقادة الفرق العسكرية، والقيادة العامة لقرار بالإجماع للعودة إلى الثكنات. وعينت حكومة مدنية لتسيير الأعمال والإشراف على عقد الانتخابات في نوفمبر 1988، بموجبها تولى حزب الشعب، وبنظير بوتو السلطة.
          ووصلت تلك الفترة إلى نهايتها عندما قام الجنرال بيرويز مشرف General Pervez Musharraf بالانقلاب الرابع في تاريخ باكستان، وتمت الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء نواز شريف NawazSharif.(24) وتولى الجنرال مشرف السلطة في أكتوبر 1999. وقد تشابهت علاقة الجنرال مشرف بالمؤسسة العسكرية في سنوات حكمه الأولى مع علاقة نظام ضياء الحق في سنواته الأولى في الحكم. حيث زادت نفقات الدفاع، وزادت الامتيازات الأخرى لضباط الجيش. وقد راعى الجنرال مشرف مصالح ومتطلبات القادة العسكريين، وحرص على الحفاظ على المصالح الاقتصادية للجيش. وبناء على تلك الامتيازات التي منحت للجيش، أصبح مشرف رئيسًا، وأجرى انتخابات شكلية للبرلمان في عام 2006. لكن النظام كان محاصرًا بسبب ارتفاع عنف المليشيات الإسلامية في أفغانستان؛ حيث شن الجيش حربًا ضد القبائل المتحالفة مع تنظيم القاعدة، وحركة طالبان الباكستانية. ووسط تلك الخلفية من العنف المتطرف المتصاعد، بدأ النظام في الانهيار في عام 2007 ، ففي الفترة التي سبقت إعادة انتخابه للرئاسة وإجراء الانتخابات البرلمانية، سحب الجيش دعمه للحكومة. وبدأ القضاة في المحكمة العليا الطعن في شرعية النظام العسكري، على أساس الجمع غير الدستوري الذي قام به مشرف بين رئاسة الدولة وقيادة الجيش(25).
 حيث يتعارض الاحتفاظ بالمنصبين صراحة مع الدستور الباكستاني، الذي ينص على أن الموظف الحكومي، خاصة الموظف في الجيش، لا يجوز له تقلد المناصب السياسية، خاصة منصب رئيس الدولة. بل إن التعهد بعدم التدخل في السياسة يعد جزءًا من اليمين الدستورية لرئيس أركان حرب القوات(26) . وبالتالي، كان إصرار مشرف على الجمع بين رئاسة البلاد وقيادة الجيش واحدة من أهم المشاكل التي واجهت الرئيس مع المحكمة العليا. وردًا على ذلك علق مشرف عمل المحكمة العليا التي تحظى باحترام كبير في مارس مما أثار أعمال شغب في جميع أنحاء البلاد، والتي استمرت حتى إعادة انتخابه بنجاح في أكتوبر(27). لكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد تزايدت المظاهرات في الشوارع للمطالبة بعودة الديمقراطية، وأذعن مشرف لبعض الضغوط الداخلية، وقدرًا من الضغوط الخارجية، خاصة من الولايات المتحدة، وسمح لحزب الشعب، وتحالفات سياسية أخرى بخوض الانتخابات البرلمانية في أوائل عام 2008. ولكن بعد أن هددت المحكمة العليا بإبطال انتخابه لجمعه بين وظيفة رئيس الدولة وقيادة الجيش، أعلن مشرف حالة الطوارئ والغي الدستور، وأوقف عمل المحكمة العليا مرة ثانية، وأمر الجيش بالانتشار في الشوارع لقمع المظاهرات. فزاد الانقسام بشكل سريع بين مشرف والجيش أثناء الشهرين اللذين فرضت فيهما حالة الطوارئ، وقبل إجراء الانتخابات البرلمانية. وبشكل عام، فقد كان كبار الضباط غير سعداء بقرار مشرف بإجبار الجيش على التدخل لحماية مستقبله السياسي. وبعد مرور عدة أسابيع أستقال مشرف من قيادة الجيش، وهو أول رئيس في النظام العسكري الباكستاني يتنازل عن اللقب العسكري، ويترك الجيش، وهو في منصبه. وقد خلفه على قياده الجيش الجنرال أشفاق برويز كياني General Ashfaq Parvez Kayani. وبالاتفاق والتنسيق مع القيادات العسكرية سعى كياني لإعادة وحدة الجيش، والحفاظ على هيبته، حيث أشار إلى أن الجيش لن يعرض مصالحه للخطر من أجل مشرف، والذي يجب أن يبني مجده السياسي بالاعتماد على نفسه. وقد أمر كياني عددًا من الضباط العاملين، الذين يتولون مناصب مدنية، أن يعدوا للخدمة العسكرية. ولمنع مشرف من تسييس كبار قواد الجيش، أصدر كياني حظرًا على ضباط الجيش على حضور اجتماعات مع الجنرال مشرف أو الاشتراك في أي نشاط سياسي. وفي الشهر التالي، طالب مئات من كبار الضباط المتقاعدين باستقالة مشرف، وهي إشارة واضحة على أنه قد فقد دعم الجيش(28). ونتيجة لذلك فقد أبلغ كياني الجنرال مشرف بأنه قد حان الوقت لتقديم استقالته بدلًا من تحمل أعباء إقالته. مقابل ذلك سيمنحه الجيش حصانه من الملاحقة القانونية على الجرائم التي تم ارتكابها خلال فترة حكمه. ولم يكن أمام مشرف خيار آخر غير الاستقالة من الرئاسة. وتم تعيين آصف علي زرداري Asif Ali Zardari أرمل بنظير بوتو، وزعيم حزب الشعب رئيسًا للبلاد، ثم عاد الجيش لثكناته، وكان سعيدًا بالوقوف جانبًا، ومشاهدة نظام مشرف ينهار، واثقًا من المحافظة على امتيازاته المؤسسية والدستورية والاقتصادية على الأقلحتى الآن تحت حكم حكومة مدنية.
       ومن خلال هذا العرض الملخص فقد تميز النظام السياسي الباكستاني بالتعطيل المتكرر للنظام الدستوري والسياسي، وضمور في المؤسسات السياسية، وضمور في العملية السياسية ذاتها، وصعود للبيروقراطية، والجيش، وإعادة هندسة مستمرة للنظام السياسي والدستوري، من قبل القادة العسكريين لحماية سلطات وامتيازات المؤسسة العسكرية السياسية والاقتصادية. وعلى الرغم من أن باكستان تعاني من عجز في الديمقراطية تاريخيًا، فهناك محاولات جديدة لإعادة الديمقراطية. وقد لاقت تلك الجهود دعمًا غير محدود في انتخابات مايو 2013، عندما اكملت حكومة مدنية للمرة الأولي في تاريخ البلاد مدتها الكاملة في الحكم، قبل نقل السلطة لحكومة مدنية أخرى. وعلى الرغم من أن الانتخابات قد شابتها أعمال عنف فقد اعتبرت معلمًا رئيسيًا نحو الديمقراطية. ومع ذلك مازالت المؤسسة العسكرية في باكستان تلعب دورًا اقتصاديًا وسياسيًا رئيسيًا أيضا. فإذا كان هذا التوزان بين الديمقراطية المنقوصة وجيش يشارك سياسيًا في الحكم ممكنًا؛ فهل يمكن أن تتبع مصر هذا النموذج؟(29)).

تتشابه الحالة المصرية مع الحالة الباكستانية في كون الجيش قوة مركزية، ويحظى بتأييد شعبي،، ،، لعب الجيش الإندونيسي دورًا محوريًا في الاقتصاد والسياسة الإندونيسيين
1-    نقاط التشابه ببن الجيش الباكستاني والجيش المصري
منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 قارن عدد من الباحثين المهتمين بالشرق الأوسط مثل سبنسر آكرمان Spencer Ackerman وميشيل دان Michelle Dunne ومايكل كجلمان Michael Kugelman الجيش المصري بالجيش الباكستاني. والواقع أن عوامل التشابه بين البلدين تفوق عوامل الاختلاف بينهما.(30) أولًا فكلا الجيشين لديهم تصور ذاتي بأنهم حراس للهوية الوطنية. وكان التهديد الأول للجيش الباكستاني هو التهديد الهندي. ولكن على الرغم من ذلك لم يُحدث التهديد الخارجي الهندي لباكستان إلى تطور في العلاقات المدنية العسكرية، أو أي شيء قريب من السيادة المدنية على القوات المسلحة كما يشير هنتنجتون Samuel Huntington، وكثير من منظري التهديد الخارجي وأثره الإيجابي في إصلاح العلاقات المدنية العسكرية.(31)ثانيًا، كلا الجيشين لديه تاريخ ودور سياسي ممتد من الـ praetorianism(32)و ما جعل بعض المحللين يستشهدون بالنموذج الباكستاني كنموذج يمكن أن تستلهمه مصر. ثالثًا، تتشابه الحالة المصرية مع الحالة الباكستانية في كون الجيش قوة مركزية، ويحظى بتأييد شعبي. وكلا الجيشين يفهم جيدًا بأن ادارة البلاد أو على الأقل الظهور بمظهر من يدير البلاد هو الوسيلة الأسوأ في توطيد السلطة، فكلاهما يفضل الإدارة غير المباشرة للبلاد، وبالتالي يتجنبون الغضب الشعبي حينما تسوء الأمور(33)). رابعًا، كلا الجيشين لديه حصة كبيرة من الموازنة العامة للدولة. فقد أعلنت الحكومة الجديدة المنتخبة في باكستان بأن النفقات العسكرية سوف تزيد بنسبة 15% في السنة المالية المقبلة. كلا الجيشين يشكل القوة الاقتصادية الأولى في البلاد. فكلا الجيشين لديه إمبراطورية اقتصادية كبيرة. وتضم استثمارات الجيش في كلا البلدين مشروعات اقتصادية، وأصولا مثل أجهزة تليفزيون ذات شاشات مسطحة، والمكرونة، والسيارات، والمرافق وشركات البناء...إلخ. فوفقًا لإحصائيات 2007 فإن رأسمال الاستثمارات الاقتصادية للمؤسسة العسكرية الباكستانية يشكل أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي الباكستاني. بينما يمتلك ويدير الجيش المصري الآن مشروعات اقتصادية ضخمة في الصناعات المدنية، والزراعة، والبنية التحتية(34)، تقدر بنحو 25% من قيمة الاقتصاد المصري(35)). والغنى المفرط للمؤسسة العسكرية في كلا البلدين يشكل تناقضًا حادًا مع الفقر المدقع الذي يعاني منه الشعب في كلا البلدين((36)وأخيرًا كلا الجيشين لديه سيطرة مطلقة على السياسات الخارجية والدفاعية.

2-    نقاط الاختلاف ببن الجيش الباكستاني والجيش المصري
من ناحية أخرى فهناك نقاط اختلاف أساسية بين الجيش الباكستاني والجيش المصري. فباكستان لديها حدود غير آمنة بشكل كبير. فمن وقت لآخر يشكل الصراع على الحدود علاقاتها مع كل من أفغانستان والهند(37). ولذلك فالأولوية الأولى والأهم للجيش هي الدفاع عن الوطن من التهديدات الخارجية؛ بينما تتراجع أولوية المحافظة على الاستقرار الداخلي إلى درجة أقل في الأهمية. وعلى النقيض من ذلك، لم تواجه مصر أبدا تهديدًا لوجودها أو سيادتها. وعلى الرغم من بعض التوترات مع جيرانها، مثل السلام البارد مع إسرائيل؛ والعلاقات المتذبذبة مع ليبيا، فمع الوقت فعلاقتها تتحسن -وأن كان بشكل شكلي- مع كلا البلدين. لكن تلك التوترات مع كلا البلدين لم تتطور لتشكل مخاوف بالتهديد الخارجي أو التهديد الوجودي كالحالة الباكستانية. والأهم أن التوتر على الحدود المصرية؛ مسألة مؤقتة ترتبط كثيرًا بخروج الإخوان من الحكم؛ وانتهاجهم نهجًا عنيفًا وإرهابيًا في التعامل مع الدولة. كما تستفيد مصر أكثر من التجانس الثقافي والعرقي وحدود أكثر أمنًا مقارنة بباكستان. ومع تصور أقل عبئا للتهديد الخارجي فالدور السياسي للجيش المصري مختلف عن الجيش الباكستاني (38).ثانيًا، باكستان أمة مجزأة، مع انشقاقات سياسية مكثفة على مستوي الأقاليم الإدارية وعلى المستوى العرقي، وعلي المستوي الطائفي والقبائلي، وعلي المستوي الاقتصادي الاجتماعي(38). وقد سمح هذا التفتت لجنرالات الجيش بمنح الأحزاب المحلية في عدد من الأقاليم الباكستانية عددا من الامتيازات. وفي المقابل، مصر ليست منقسمة على أسس إقليمية مثل باكستان، وهذا يعني إمكانية وجود أحزاب تعبر عن إقليم بعينه في البلاد احتمال ضعيف جدًا(39).
ثالثًا، على الرغم من أن الإسلام قد لعب دورًا مهمًا في كلا البلدين، فعلاقة كلا الجيشين مع قوى الإسلام السياسي مختلفة بشكل تام. بالنسبة لباكستان فقد لعب الإسلام دورًا مركزيًا في الجيش والحكومة والأمة الباكستانية أيضا. فقد أعتمد الجيش الباكستاني على الإسلام لفترة طويلة داخل المؤسسة العسكرية ذاتها. فقد شكل الإيمان بالمعنى المجرد مصدر قوة موحدة للأمة الباكستانية لتحل محل الانقسام الطائفي والعرقي والمناطقي، والتي تشققت بسبب نظام الحكم الباكستاني(40). فعلي سبيل المثال، فخلال فترة حكم الجنرال يحيى خان اتخذ الجيش دورًا دفاعيًا جديدًا؛ ليس فقط الدفاع عن هدف السيادة الإقليمية الباكستانية؛ ولكن أيضا الدفاع عن "الحدود الأيديولوجية" لباكستان: الإسلام، مقابل الدولة الهندوسية: الهند. فعلى حد تعبير يحيى خان "الدفاع عن باكستان هو الدفاع عن الإسلام(41). وقد وظف الجيش الإسلام لتعزيز إرادته في القتال عن طريق الحط من شأن العدو. فخلال الحرب الأهلية 1971 ، حث يحيى خان جنوده بالقول بأن الجيش البنجالي جيش كافر، ولذلك فقد قرر الجيش الباكستاني شن الجهاد الشرعي عليه(42). وقد وصل الإسلام إلى درجة الصدارة أثناء فترة حكم ضياء الحق في السبعينيات. فقد تمت إضافة بعض المقررات الشرعية في المناهج الدراسية لكلية القيادة والأركان Command and Staff College ، كما سُمح للجماعات الإسلامية بتوزيع بعض الكتب الدينية على الضباط، وخيّر الضباط العلمانيون بين الالتزام بالإسلام أو التقاعد(43).علاوة على ذلك، فمنذ عقود طويلة، نسجت عناصر المؤسسة الأمنية الباكستانية -خاصة وكالة الاستخبارات- علاقات جيدة مع المنظمات الإسلامية المتشددة، مثل جماعة طالبان (44) الأفغانية، وحزب التحرير، ومنظمة القاعدة(45). ونتيجة لذلك فالجيش الباكستاني جيش محافظ وديني التوجه.  
 على النقيض من ذلك، لا يزال الجيش المصري مؤسسة ذات ميول علمانية ومناهضة للإسلام السياسي فكريًا وحركيًا. فمنذ سبعينيات القرن الماضي طبقت القوات المسلحة المصرية برنامج تطهير ممتدًا لمنع تسرب العناصر المتطرفة والجماعات الراديكالية الإسلامية داخل صفوف القوات المسلحة المصرية. كما رفضت قبول المنتمين للجماعات الإسلامية في الأكاديمية الحربية. فبينما يرتبط الجيش الباكستاني بالعناصر الراديكالية، فلدى الجيش المصري مخاوف متجذرة وشكوك من العناصر الراديكالية والجماعات الإسلامية. لكن هذا لا يعني أن تلك الجماعات لم تتمكن من اختراق القوات المسلحة والتسرب داخل صفوفها.
رابعًا، كلا البلدين يختلفان نوعًا ما من حيث دور وسائل الإعلام الخاصة المستقلة، والأحزاب السياسية، والقضاء المستقل، في تعميق الحكم الديمقراطي، والقيم المرتبطة بها. فباكستان، على سبيل المثال، على الرغم من ديمقراطيتها المنقوصة؛ قد وصلت في الممارسة الديمقراطية إلى نقطة لم يعد من السهل تبرير الانقلابات العسكرية. فبالإضافة للانتقال التاريخي من حكومة منتخبة ديمقراطيًا إلى حكومة أخري، مما يدل على تداول سلس للسلطة، فقد أصدرت باكستان عدد من التعديلات الدستورية التي حدت من سلطات الرئاسة، ونقلت موارد مالية وافرة ومسئوليات (التي كانت تستفيد منها المؤسسة العسكرية ماليًا) من الحكومة المركزية إلى الأقاليم والسلطات المحلية. تلك الروح اللامركزية تبشر بالخير بالنسبة للديمقراطية الباكستانية. فتنامي قوة الديمقراطية الباكستانية يمكن أن يكون مرتبطًا بالدور التي تقوم به وسائل الإعلام الخاصة المستقلة، وكذلك الدور الذي يقوم به القضاء وشعبيته وتصميمه على المثل الديمقراطية(46). وقد يكون الخلاف بين مشرف والسلطة القضائية أبرز مثال على تلك الروح. في المقابل، مصر لا تزال في مخاض مبكر من الديمقراطية. فعلى النقيض من باكستان، حيث وسائل الإعلام الخاصة المستقلة والقوية والسلطة قضائية النشطة فيما يتعلق بالمثل الديمقراطية قوية ونشطة وذات تأثير، ففي مصر هناك قليل من النقد للروح التداخلية للجيش. فالجيش ينظر للقيادة المدنية بتوجس وعين الريبة، وليس مقتنعًاحتى الآن بكفاءة المؤسسات المدنية(47) وبشكل عام، فمصر الآن تشبه باكستان في التسعينيات، عندما أستخدم الجيش ما عُرف بالوسائل القانونية والدستورية للسيطرة على النظام، وحزب الشعب الباكستاني. ففي عام 1990 و 1993 و 1996 استخدم الجنرالات الباكستانيون السلطة القضائية، ومؤسسة الرئاسة، وأحزاب المعارضة للإطاحة بالحكومات الموجودة بالحكم، وحل البرلمان، ومنع حكومة مدنية من الوصول للسلطة وبناء قواعد قوية(48).ولذلك فالنموذج الباكستاني من الصعب على مصر أن تستلهمه، ليس فقط بسبب الاختلافات العميقة بين الحالتين، ولكن ببساطة لأن باكستان ليست دولة ديمقراطية، ولم تصل العلاقات المدنية العسكرية فيها إلى الدرجة التي تدعو أي دولة إلى محاكاة نموذجها. فعلى الرغم من وجود بعض التشابه بين الحالتين فإن الاختلافات عميقة؛ ولا يمكن تجاوزها. خذ مثالًا واحدًا فقط، الدور المركزي للإسلام في القوات المسلحة الباكستانية الذي يمكن أن يشكل العمود الفقري لعقيدة القوات المسلحة الباكستانية، وتحالف الجيش مع تيار الإسلام السياسي الباكستاني إلى حد ما، وعلى النقيض الدور غير مركزي للجماعات الإسلامية بالنسبة لقوات المسلحة المصرية. فبينما تُعد الجماعات الإسلامية الراديكالية حليف صغير للقوات المسلحة الباكستانية، هي خصم ومصدر خطر، عن حق، للقوات المسلحة المصرية. وأخيرًا فالنموذج الباكستاني قد يكون أنسب لمصر أن تستلهمه إذا كانت مصر لا تزال تحت حكم الإخوان ونجحوا في جزء من مشروعهم في أخونة القوات المسلحة المصرية. هنا فقط كان من السهل محاكاة ذلك النموذج.  
ومع ذلك فبصرف النظر عن كل تلك الاختلافات العميقة بين الدولتين، فيمكن لمصر أن تتعلم بعض الدروس من النموذج الباكستاني، بدلًا من العمل على محاكاته. الدرس الأول، هو أن التوازن بين الديمقراطية المبتسرة وجيش يشارك عمليًا في صنع السياسة لا ينتج إصلاحًا للعلاقات المدنية-العسكرية، ولكنها تنتج الإصلاح العسكري المنقوص.
الدرس الثاني، هو أن الصراع على السلطة بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسات المدنية الأخرى في الدولة مثل القضاء، والجيش، لا ينتج إصلاحًا في العلاقات المدنية ـ العسكرية؛ بل قد تساعد في الإطاحة برئيس غير ديمقراطي، ولكنها لن تجلب نظامًا ديمقراطيًا في المقابل. إقالة مشرف هي أبرز نموذج على ذلك. الدرس الثالث، النزاعات البينية بين الأحزاب المدنية والانقسام بين الأحزاب السياسية يضعف أي مطالبة من أجل إصلاح العلاقات المدنية العسكرية. رابعًا، النظم السلطوية والاستبدادية والأمنية راسخة الجذور، والتي لديها جماعات إسلامية ذات نفوذ قوي أو جماعات راديكالية إسلامية متطرفة، سيكون من الصعب تحقيق إصلاح العلاقات المدنية العسكرية دون الاتفاق على قواعد اللعبة السياسية التي ينبغي أن تتضمن تعريفًا واضحًا لدور الإسلام في السياسة التي يجب أن يكون خارج اللعبة السياسية.
خامسا، في الأنظمة التي يلعب فيها الجيش دورًا سياسيًا واقتصاديًا مثل مصر وباكستان، يجب على الفاعلين السياسيين الأساسيين إيجاد وسائل للتفاوض وعقد اتفاقيات مع المؤسسة العسكرية من أجل الشروع في إصلاح العلاقات المدنية-العسكرية. وينبغي لهذه الاتفاقات أن تحافظ على امتيازات وصلاحيات المؤسسة العسكرية، وتضمن لها استقلالًا، والذي ينبغي أن يوضع في الدستور لفترة مؤقتة. ومن المهم الإشارة إلى أن عقد تلك الاتفاقات لا ينبغي أن يكون إشارة لدفع الجيش للعودة إلى الثكنات بشكل فوري. فعودة الجيش للثكنات يجب أن تكون تدريجية، وأيضا تقليص صلاحيات الجيش وامتيازاته يجب أن يكون تدريجيًا؛ ومتفقًا عليه وفق آليات وجدول زمني متفق عليه بين كل الأطراف المعنية، فالإطار التدريجي في إصلاح العلاقات المدنية العسكرية هي الطريقة السلمية في النظم التي تحظى فيها القوات المسلحة بنفوذ سياسي واقتصادي.
لعب كبار ضباط الجيش دورًا رئيسيًا في المفاوضات التي أدت إلى استقالة سوهارتو، وفي المقابل تلقوا بعض التنازلات التي حافظت على بعض الامتيازات المؤسسية للجيش
ثانيا: لنموذج الإندونيسي
العلاقات المدنية-العسكرية في إندونيسيا هي إصلاح قادة الجيش الإندونيسي بنفسه؛ ثم استكمل النظام ذلك الإصلاح. وبشكل عام فقد لعب الجيش ((TentaraNasional Indonesia or TNI)) دورًا محوريًا في الاقتصاد والسياسة الإندونيسيين. فقد لعب أفراد القوات المسلحة تقليديًا أدوارًا مهمة في الحياة السياسية. فأثناء حكم سوهارتو الذي عُرف بـ "البرنامج الجديد" "New Deal"  والذي دام اثنين وثلاثين عامًا، فقد عُين عدد من ضباط القوات المسلحة في المناصب الوزارية والدبلوماسية والبرلمانية. وقد تم تعيين آخرين كمحافظين أو كرؤساء بلديات (49). والأهم من ذلك، فبفضل هيكل القيادة الإقليمية للجيش على مستوى الدولة، التي تأتي بشكل متوازٍ مع التقسيم الإداري المدني للبلاد من الإقليم الرئيسية وحتى مستوى القرية، فقد منح الجيش السلطة في التدخل مباشرة في جميع أنواع القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية(50). بالإضافة إلى توفير مصدر مالي إضافي يعوّض به الجيش العجز الدائم في ميزانيته المتضائلة دائما. ولكن تورط الجيش في الفساد وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان جعله يفقد شعبيته على نحو متزايد في السنوات الأخيرة من فترة حكم سوهارتو(51) ومع ذلك فوفقًا لهنتنجتون Samuel Huntington فإن الدور المتزايد لأفراد القوات المسلحة في المجالات غير العسكرية تقوض مهنيتهم كضباط عسكريين. وقد كانت هذه هي الحال بالضبط في إندونيسيا(52) ولذلك فقد بادر الجيش الإندونيسي بإصدار برنامج لإصلاح القوات المسلحة. ووفقًا لاندي ويدجاجانتو Andi Widjajanto فقدجاء إصلاح القوات المسلحة بمبادرة ذاتية من الجيش. فقد جاءت من رغبة الجيش في التكييف مع التغيير الحادث في المجتمع آنذاك. ولذلك فقد أعدت القوات المسلحة إستراتيجية إصلاح أطلق عليها "النموذج" الجديد" "New Paradigm" تم إطلاقها في عام 1995. وفي البداية لم تُدعم تلك الإستراتيجية من خلال لوائح حكومية، فقد جاءت اللائحة الأولى المتعلقة بتلك الإستراتيجية بعد مرور سنتين من بدء عملية إصلاح الجيش الإندونيسي. وكانت القوانين اللاحقة أبطأ في الظهور. ومع ذلك ظلت قضية السيطرة المدنية على الجيش الإندونيسي تمثل مشكلة، لأن القادة المدنيين يفتقرون القدرة على دفع عملية الإصلاح(53). ومع ذلك، فنتيجة للصراع بين سوهارتو وقوي المعارضة فقد أجبر الجيش سوهارتو على الاستقالة وتسليم السلطة لنائبهحبيبيBacharuddin Jusuf Habibie.((54). وتحت ضغوط متزايدة بعد سقوط سوهارتو أعلنت المؤسسة العسكرية أن الجيش سينسحب من الحياة السياسية ويعود لثكناته، وبذلك فقد حقق الجيش هدفًا مزدوجًا(55).
  وبشكل عامتعتبر استقالة الرئيس سوهارتو في مايو 1998 تحولًا حاسمًا في التحول الديمقراطي في البلاد من البرنامج الجديد لعصر الإصلاح، وتعتبر أيضا البداية الحقيقية لإصلاح العلاقات المدنية العسكرية الاندونيسية. وكان الهدف من هذا الإصلاح إحداث تحول وطني يشمل جميع عناصر الدولة والمجتمع، بما في ذلك القوات المسلحة. وتمشيًا مع هذا التحول بدأت القوات المسلحة عملية إصلاح داخلي. وكانت تلك العملية مستديمة، وعكست تصميم والتزام الجيش على التحول إلى قوة عسكرية احترافية في إندونيسيا الديمقراطية(56). ولكن طريقة الانتقال السياسي من سوهارتو إلى حبيبي حالت دون إصلاحات جذرية في العلاقات المدنية العسكرية في وقت مبكر من فترة ما بعد سوهارتو. حيث لعب كبار ضباط الجيش دورًا رئيسيًا في المفاوضات التي أدت إلى استقالة سوهارتو، وفي المقابل تلقوا بعض التنازلات التي حافظت على بعض الامتيازات المؤسسية للجيش((57). ومع ذلك فأثناء فترة رئاسة حبيبي (1998-1999)، اُتخذت خطوات مهمة في بداية المرحلة الانتقالية، وذلك لمنع تسيس القوات المسلحة. فبين شهري يوليو ونوفمبر 1998 تم تنفيذ العديد من الإصلاحات التي ساعدت على إقصاء الجيش عن السياسية. والأهم من ذلك تم إبعاد ضباط الجيش العاملين من الحكومة، وتم تقليص التمثيل التشريعي للقوات المسلحة تدريجيًا ( من 75% إلى 38% في البرلمان الوطني وإلى 10% في المجالس التشريعية المحلية)،(58). ومع ذلك فوفقًا لتسوية عقدت بين الرئيس حبيبي والجيش أعطى الجيش بموجبها السلطة على تحديد مجالات الإصلاح في القوات المسلحة. ونتيجة لذلك تم استبعاد المجالات التي وجدها الجيش أكثر أهمية لمصالحه. فهيكل القيادة الإقليمية، على وجه الخصوص، لم يُمس، وسمح للقوات المسلحة لتبقي مستقلة إلى حد كبير عن تمويل الحكومة المركزية، ومراقبة المؤسسات المدنية. وعلاوة على ذلك قدم نظام اللامركزية فرصًا متزايدة للقوات المسلحة للوصول إلى ميزانيات الحكومات المحلية على مستوى المديريات. وفي نفس الوقت، فبسبب تزايد التوترات بين النخب المدنية، استثمرت القوات المسلحة ذلك في الحصول على دعمهم السياسي، وبالتالي تمكنت من كسب النفوذ غير الرسمي في اللعبة السياسية(59).ومنذ عام 1999 فصاعدا أصبح الصراع بين القوي السياسية المدنية الرئيسية، سمة بارزة، وليس التوافقات والتنازلات السياسية التي ميزت عام 1998، ولذلك أصبحت تلك الخلافات هي العامل الرئيسي في تشكيل نطاق ونوعية الإصلاح في القوات المسلحة. وتلك الظاهرة هي ما تؤكد عبارة  فاينر Finer بأن نوعية السياسة المدنية لها تأثير مباشر على تصرف القوات المسلحة في التدخل في الشئون السياسية((60). فوفقًا لفاينر، في الدول التي لديها أحزاب ومؤسسات مدنية قوية لديها فهم مشترك حول ضرورة خضوع الجيش لسلطة مدنية، تجد الجيوش من الصعوبة التدخل في العملية السياسية. بينما في الدول ذات المؤسسات الضعيفة والدرجة العالية من الصراع بين نخبتها المدنية، تجد القوات المسلحة فرصًا أكبر للتدخل في العملية السياسية. ففي إندونيسيا أثناء المنافسات السياسية في انتخابات 1999 استخدمت القوات المسلحة عدم توحد واتفاق وتفتت النخب المدنية لصالحها((61)، ولذلك فقد أحجمت الأحزاب السياسية في حملاتها الانتخابية عن تقديم برنامج للإصلاح العسكري؛ خشية من خسارة دعم الجنرالات، وهو الأمر الحاسم في الانتخابات الرئاسية. والواقع أن صراع القوى المدنية في عام 1999 كانت مقدمة لصراعات خطيرة وواسعة النطاق بين الجماعات المدنية الأكثر نفوذًا في إندونيسيا في السنوات القادمة"((62)
        ومع ذلك فقد حققت العلاقات المدنية-العسكرية في إندونيسيا تقدمًا مهما للغاية في عهد الرئيس عبد الرحمن وحيد (1999-2001). فعندما تولى السلطة، بدا الرئيس وحيد عازمًا على الشروع في عملية إصلاح جذرية للمؤسسة العسكرية، وفرض السيادة المدنية على المجال السياسي. وقد كان هناك اعتقاد أن النخبة المدنية كانت قوية بما فيه الكفاية للدفع بعملية إصلاحات واسعة النطاق. وقد تجلى ذلك من خلال بدء المناقشات بشأن مستقبل هيكل القيادي الإقليمي(63)). وقد كان أبرز مثال على ذلك إنشاء أول جهاز تنفيذي منتخب منذ عام 1955، واستبعاد قطاعات واسعة من نخبة النظام السابق من الحكومة. بالإضافة إلى أن مشاركة معظم الأحزاب السياسية في مجلس الوزراء قد أسهم في تشكيل وحدة سياسية بين النخب المدنية من أجل هدف ديمقراطي التي يراها كل من Larry Diamond و PlattnerMarc كشرط أساسي للإصلاح العسكري الناجح في التحولات الديمقراطية(64) بالإضافة إلى ذلك، فعندما تولى الرئيس الجديد مهام منصبه كان لديه فهم عميق بالمدى الذي وصلت إليه تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة الإندونيسية. لذلك فقد بدأ في تفكيك الشبكة التي تستند إليها تلك المؤسسة العسكرية. وبدأ من محيطه الشخصي، حيث سعى لتهميش وجود القوات المسلحة في البيروقراطية الرئاسية((65)وبالمثل، اتخذ وحيد سلسلة من التدابير الرامية إلى بسط السيطرة المدنية على الجيش، وكبح جماح المؤسسة العسكرية. فقد عين الأدميرال ويدودو Admiral Widodo، وهو ضابط في البحرية كقائد للجيش الإندونيسي. وقام بتعويض ضباط الجيش الرئيسين مثل يرانتو Wiranto ويودويونو Yudhoyono وجوميلار Gumelar بمناصب وزارية بعد أن أزاحهم وحيد من المناصب القيادية في الجيش، وأنهى بذلك وبأناقة مهنتهم العسكرية. كما عين أيضا أكاديمي مدني يحوز احتراما على نطاق واسع كوزير للدفاع (وهو أول وزير دفاع مدني منذ أوائل الخمسينيات). كما حل وكالة الأمن الحربي ذات السمعة السيئة لأنشطتها في المراقبة السياسية، والغي المكاتب السياسية والاجتماعية في وزارة الداخلية، المعقل التقليدي للجيش(66). كما فصل قوات الشرطة عن القوات المسلحة الإندونيسية في عام 1999. ولذلك فقد تغيرت مهام القوات المسلحة الإندونيسية، ولم تعد مسئولة عن المهام غير الدفاعية ((67).Non‐defence tasks. كما أزاح وحيد أيضا العديد من جنرالات الجيش، الذين وصلوا إلى مرتبة الصدارة تحت حكم سوهارتو، مثل الجنرال يرانتو Wiranto. وبسبب إدراك وحيد أن الجنرال يرانتوWiranto هو العقبة الرئيسية لمزيد من الإصلاح العسكري، فقد أجبره كذلك على الاستقالة من مجلس الوزراء في فبراير 2000، ثم انتقل إلى تدمير شبكة المحسوبية التي شكلها ويرانتو في جميع رتب التسلسل الهرمي للقوات المسلحة(68). ومن المفارقات، هو اندلاع صراع بسرعة بين الرئاسة والسلطة التشريعية. فقد بدأ وحيد يفقد الدعم من أعضاء ائتلافه، حتى إنه حاول الحصول على دعم سياسي من القوات المسلحة. ولكسب قلوب أفراد الجيش، قدم وحيد بعض التنازلات للقوات المسلحة، التي أدت إلى توقف شبه كامل للإصلاح العسكري. ومع ذلك أستمر الإصلاح على المستوى المؤسسي. ففي عام 2000، تم تعريف دور ورسالة الجيش، حيث ركز فقط وبشكل حصري على مهام الدفاع((69).
            وقد استفزت إصلاحات وحيد جنرالات القوات المسلحة. ومع ذلك، رأت قيادة القوات المسلحة نفسها ملزمة مؤسسيًا للامتثال لتعليماته. ومع ذلك، فبعد أن اتضح تداعيات عزل الرئيس من النخبة السياسية، وجدت النخبة العسكرية الفرصة سانحة لشن هجمات فاعلة على سياساته الإصلاحية(70) ففي ذلك الوقت أصبح وحيد معزولًا من النخبة السياسية، وعاجزًا عن كبح جماح القوات المسلحة. وكرد فعل، لجأ وحيد إلى مزيد من التهديدات غير العقلانية وغير الرشيدة ضد خصومه. فعندما قرر البرلمان عقد جلسة لإصدار قرارٍ بعزله، هدد الرئيس بحل البرلمان وفرض حالة الطوارئ، واستدعى قوات الأمن لتنفيذ أوامره(71). ومع ذلك، أشار رئيس أركان الجيش الجنرال أندريارتونو سوتارتو إلى أن الجيش لن ينفذ هذه التعليمات. وقد وضح قادة القوات المسلحة أن معارضتهم لقوانين الطوارئ أثبتت اتساقهم الوطني في تنفيذ "النموذج الجديد"، وحيادهم وعدم تدخلهم في السياسة العملية والحزبية، ورفضهم أن يُستخدموا كأداة في مواجهة المعارضة ضد سياسات الرئيس وحيد، أو فهم موقف الجيش على أنه جزء من معارضته وتحديه لسياسة وحيد فيما يتعلق بالسيادة المدنية على القوات المسلحة. وبدأ رفقاء وحيد في حيرة، حيث بدأ الإندونيسيون يرون وحيد بأنه لم يعد مصلحًا لكن كـ "ديكتاتور"((72).وفي مايو أصدر البرلمان الوطني (Dewan Perwakilan Rakyat) مذكرة أخرى ضد وحيد، وقرر عقد جلسة استثنائية لمناقشة عزل وحيد إذا لم يستجب استجابة مرضية للبرلمان. فصعد الرئيس من إجراءاته، ولم يستجب للبرلمان، وفي مواجهة التيار العسكري غير المتعاطف، توجه وحيد للشرطة للحصول على الدعم. وفي يونيو حاول وحيد تعيين تشرودين إسماعيل Chaeruddin Ismailقائدًا لجهاز للشرطة، ليحل محل الجنرال بيمانتورو General Bimantoro، الذي كان معروفًا بقربه من ميجاواتي سوكارنوبوتريMegawati Sukarnoputri(73). وكان تعيين وحيد للجنرال إسماعيل  يتناقض مع الدستور؛ فوفقًا لمرسوم صادر من البرلمان في عام 2000 يجب على الرئيس الحصول على موافقة البرلمان قبل تعيين أو إقالة قائد القوات المسلحة أو قائد الشرطة، لذا اختار وحيد تعليق عمل بيمانتورو، وتعيين إسماعيل كنائب لقائد الشرطة مع صلاحيات تنفيذية كاملة. ورفض بيمانتورو ترك منصبة، وقد أدى الخلاف الدستوري بين مؤسسة الرئاسة والبرلمان إلى تفاقم التوتر السياسي أكثر فأكثر. وعندما هدد وحيد بجلب الآلاف من أنصاره المتعصبين من معقله في جاوة الشرقية في جاكرتا للدفاع عنه، خسر الرئيس آخر حلفائه: ميجاواتي سوكارنوبوتري(74). وقد أعطى وحيد للشرطة والقوات المسلحة حجج قوية لتحدي تعليماته، وتجاهل سلطاته. وفي 23 يوليو صوّت الأعضاء المنتمون للشرطة والقوات والمسلحة في البرلمان مع الأحزاب الأخرى على عزل وحيد من السلطة وتعيين ميجاواتي خلفا له((75).والواقع أن تصرفات وحيد تتشابه إلى حد كبير مع تصرفات محمد مرسي والإخوان في التعامل مع المعارضة والجيش والشرطة؛ خاصة عندما استدعى مرسي ميلشيات الإخوان المسلحة للاعتداء على المتظاهرين والمعارضة أمام قصر الاتحادية؛ وعندما أطلق العنان لتلك المليشيات بالقيام بأعمال عنف وإرهاب منظم بعد عزله عن الحكم في 3 يوليو 2013.
ولكن، فبكل تأكيد فقد أعادت أحداث 2001 في إندونيسيا القوات المسلحة إلى دورها المركزي الذي كانت تلعبه في ظل نظام سوهارتو. فقد كان الجيش الحكم والوسيط الحاسم في الخلاف بين سوهارتو والحركة المؤيدة للديمقراطية في عام 1998، وبين الرئيس وحيد والأغلبية البرلمانية التي أقالته في عام 2001 ((76). ومع ذلك، كانت الصراعات بين المدنيين وتفتتت وعدم اتحاد النخبة المدنية والذي بلغ ذروته في عام 2001 السبب الرئيسي لركود الإصلاح العسكري. لهذا السبب، ففي أعقاب رئاسة وحيد الفاشلة، تبنت النخبة الإندونيسية على نحو متزايد موقفًا محافظًا وحسمت أولوياتها في الأمن القومي والسيادة الإقليمية، والتراجع عن المزيد من الإصلاح العسكري((77).ولهذا السبب فبين عامي 2001 و 2004 وسعت الرئيسة مجاواتي التي كانت تخشي من فقدان دعم الجيش لها، إذا ما تخلت عنها النخبة السياسية ـ من التنازلات للجيش التي كان من بينها استقلال مؤسسي أكبر للقوات المسلحة الإندونيسية، ونفوذ متزايد في القضايا الأمنية. لكن كانت هناك ثلاثة تطورات أثرت بالسالب على العلاقات المدنية العسكرية: فقدان تيمور الشرقية في عام 1999، واندلاع العنف الطائفي بين عامي 1999 و 2001، وتوسع الحركات الانفصالية في إقليم أتشيه Aceh وبابوا Papua (التي كانت قد بدأت خلال حكم وحيد). وبالتالي أدى عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن في إعادة تحديد الأولويات، والتي تمثلت في وحدة أراضي البلاد. وهنا بدأ يُنظر للجيش باعتباره أمرًا لا غنى عنه في الحفاظ على القانون والنظام((78). بالإضافة إلى ذلك، فقد تزامنت التنازلات الإستراتيجية التي قدمتها ميجاواتي للقوات المسلحة مع تحولات كبيرة في الميول الأيديولوجية والسياسية لقطاعات واسعة من النخبة المدنية منذ النصف الثاني من عام 2001 فصاعدا((79). حيث سلمت تلك النخبة بمطالب الجيش في ممارسة دور نشط في الأمن الداخلي، وإعادة القوات المسلحة إلى مركز صنع القرار في المناطق المتضررة التي تقع تحت سيطرة الحركات الانفصالية؛ وفي المواجهات الطائفية((80).ولكن رغبة ميجاواتي في إبعاد نفسها عن كل التطورات التي أدت إلى سقوط سوهارتو، ورفضها كل الدعوات للانضمام إلى المعارضة النشطة، وسع الفجوة بين النخبة السياسية الرئيسية الإندونيسية. وقد منعت الفجوة الكبيرة بين النخبة السياسية الحاكمة حول العلاقات المدنية العسكرية من تكوين اتحاد/اتفاق بين النخب السياسية المدنية لهدف ديمقراطي، التي تعتبر شرطا أساسيا لإنهاء تدخل الجيش في السياسة، وتأسيس علاقات مدنية عسكرية ناجحة(81). ومع ذلك، فخلال هذه الفترة، زادت شعبية القوات المسلحة داخل النخبة المدنية وبين الرأي العام. وقد أنعكس ذلك في فوز الجنرال سوسيلو بامبانج يودويونو general Susilo Bambang Yudhoyono في أول انتخابات رئاسية مباشرة عام 2004 (82).
ولكن في ظل رئاسة يودهوينو Yudhoyono (2004-2014) تلاشى الزخم المتعلق بتحقيق إصلاح للعلاقات المدنية العسكرية بشكل ملموس. فقد تجنبت الحكومة حتى عن اتخاذ أي إجراءات بسيطة ورمزية. والأغرب أن قائد القوات المسلحة استمر في عضويته في مجلس الوزراء، وهو ما دمر دور وزير الدفاع المدني، وأحدث ارتباكًا في تسلسل السلطة. فقد تجنب يودهوينو اتخاذ أي إجراءات مؤسسية، مثل الضغط لإجراء تغييرات في هيكل القيادة الإقليمية أو إصدار قانون القضاء العسكري. ومع ذلك فقد أدى إصلاح النظام الانتخابي في عام 2004 إلى حرمان ضباط القوات المسلحة من عضوية البرلمان(83) وبشكل عام لم يكن مأسسة مزيد من الإصلاح العسكري محتمل في ظل رئاسة يودهوينو. فعلى وجه الخصوص، لم يتحقق خضوع حازم للقوات المسلحة لوزارة الدفاع، كما لم يتحقق إصلاح فعلي لنظام تمويل القوات المسلحة (لا سيما من خلال تحسين الرقابة على مؤسساتها الاقتصادية)(84) وبالمثل، فهناك العديد من سمات تدخل الجيش في السياسة والمجتمع لا تزال تعرقل اتخاذ تدابير إصلاحية أكثر جوهرية. ويعتبر استمرار هيكل القيادة الإقليمية واحدا من أهم تلك السمات. وقد سمح هذا النظام من التمويل الذاتي للمؤسسة العسكرية إلى الاستمرار في العمل. وفي الواقع، فإن عدم كفاية الميزانية قد أجبرت القوات المسلحة على البحث عن مصادر تمويل أخرى، والحصول على مصالح اقتصادية للجيش. فعلى سبيل المثال، على مدى السنوات الـ 15 الماضية، ظلت ميزانية الدفاع أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي (GDP). وبالمقارنة، فإن ميزانيات الدفاع في سنغافورة وماليزيا (جيران إندونيسيا) هي على التوالي 5% و 3% من ناتجها المحلي الإجمالي على التوالي(85) ولذلك فقد استمرت القوات المسلحة في تعويض قدر كبير من عجز موازنة الجيش الدفاعية على نحو فاعل، من خلال شبكة هيكل القيادة الإقليمية، والتي مكنتهم من الحفاظ على استقلالية مالية كبيرة عن الدولة(86). وإلى حد ما، فالأنشطة الاقتصادية للجيش كان لها تأثير إيجابي على الجنود في زيادة رواتبهم الهزيلة، أو في توفير خدمات السكن والتعليم والصحة لأفراد وضباط القوات المسلحة. ولكن تلك الأنشطة قد قوضت أيضا المهنية العسكرية. وهي من الشروط الأساسية لإصلاح العلاقات المدنية العسكرية. ولذلك فقد كان المرسوم الرئاسي رقم 43 لسنة 2009، الذي استهدف النزع التدريجي لملكية المؤسسة الاقتصادية للجيش واحدة من الخطوات الإيجابية. ولكن لكي نكون منصفين، فمن دون توفير المصادر المالية الكافية، وزيادة ميزانية القوات المسلحة، فيمكن أن يدمر هذا القرار فاعلية القوات المسلحة((87). ولذلك فقد استمرت المؤسسة العسكرية في تعويض قدر كبير من نفقاتها الفعلية من خلال الشبكات المحلية territorial network وهو ما مكنها من تحقيق استقلال كبير عن الدولة(88).
منذ عام 1998 شهدت إندونيسيا انتقالا ديمقراطيا ناجحا بشكل ملحوظ، وإن كانت لم تصل بعد لمرحلة الديمقراطية المستقرة، فهناك انتقادات متعددة للتجربة
          وبكل تأكيد، فغياب تقدم كبير وملموس في العلاقات المدنية العسكرية في إندونيسيا لا يمكن أن يكون فقط بسبب المؤسسة الرئاسية أو المؤسسة العسكرية وحدهما. فالبرلمان واللجنة رقم 1، وهي الهيئة الوحيدة في المسائل العسكرية، لم تكن تمتلك المهنية الكافية للإشراف على القضايا الأمنية والدفاعية والعسكرية، وذلك بسبب الخبرة المحدودة للمشرعين، وعدم وجود أعضاء ذوي خبرة  في القضايا الأمنية والدفاعية والعسكرية والخصومات والخلافات السياسية بين النخب المدنية، وعدم كفاية المعلومات التي تقدمها وزارة الدفاع الإندونيسية في القضايا الدفاعية والعسكرية. وكذلك فعدم وجود سياسات أو توجيهات من الأحزاب السياسية الرئيسية حد من النقاش حول القضايا العسكرية أو ثقة المشرعين على اتخاذ موقف بشأن قضية متعلقة بالإصلاحات العسكرية(89). ويرجع سبب ذلك التردد إلى مجموعة من العوامل، أهمها، على سبيل المثال، انتشار وجهة نظر غير صحيحة بين النخب السياسية بأنه قد اُتخذ ما يكفي من الإجراءات لجعل الجيش تحت سلطة مدنية، وأن مزيدًا من الإصلاح قد تكون له نتائج عكسية. فطبقًا لدروسمان Darusman فقد كان هناك تراجع في اتخاذ إجراءات لإصلاح العلاقات المدنية العسكرية على اعتبار أن ما تم اتخاذه كافٍ ولا داعي لوضع القوات المسلحة على الحافة، وبالتالي تعطيلها تمامًا كقوة عسكرية(90). والنتيجة النهائية هي أن الأجهزة الأمنية والجيش والشرطة وأجهزة المخابرات، ما زال يُنظر إليه على أنها مازالت تحتفظ بالكثير من الحكم الذاتي والاستقلالية. وبالتالي فالتقدم في تعزيز الديمقراطية والسيطرة المدنية على أجهزة الأمن لا يزال هشًا وبعيدًا عن المنال(91)..
ومنذ عام 2014، قلت الرغبة في الدفع بمزيد من الإصلاح في العلاقات المدنية العسكرية حتى ولو باسم الديمقراطية. فالموقف الحالي للحكومة هو لصالح العمل ضد التهديدات الأمنية، وليس الدفع بمزيد من السيطرة المدنية على القوات المسلحة، وهو ما عُبر عنه من خلال دعم الترتيبات الأمنية الجديدة في الاستخبارات، وقوانين الأمن الوطني. وقد أدى هذا إلى القلق بين جماعات المجتمع المدني حول التراجع المحتمل للديمقراطية(92) بالإضافة إلى أن فالرئيس الحالي جوكو ويدودو Joko Widodo(أكتوبر 2014) حاكم جاكرتا السابق، وهو أول رئيس وصل للحكم من خارج النخبة العسكرية أو السياسية، ليس لديه برنامج واضح في إصلاح العلاقات المدنية العسكرية. ولذلك، فإنه من المبكر جدًا قياس نهج إصلاح العلاقات المدنية العسكرية لهذا الرئيس الجديد.
        وبشكل عام، فمنذ عام 1998 شهدت إندونيسيا انتقالا ديمقراطيا ناجحا بشكل ملحوظ، وإن كانت لم تصل بعد لمرحلة الديمقراطية المستقرة، فهناك انتقادات متعددة للتجربة. فعلى سبيل المثال هناك خيبة أمل في الطريقة التي أديرت بها اللعبة السياسية، وانتشار الفساد بشكل صارخ، والفشل في وضع حد للثقافة الأبوية، وهو ما دفع كثيرًا من الإندونيسيين إلى التشكيك في جدوى فوائد الديمقراطية((93)ومع ذلك، فعلى الرغم من الإنجازات الإيجابية، تواجه عملية الإصلاح أيضا العديد من القضايا العالقة التي يمكن أن تعرقل مزيدًا من إصلاح القوات المسلحة. فحتى الآن، فالجيش لا يخضع لسيطرة مدنية، كما هي الحال في الدول الديمقراطية. والجهود الرامية لوضع القوات المسلحة تحت سلطة وزارة الدفاع ليس لها أثر يذكر. ومن الناحية العملية، فالقوات المسلحة لا تزال تحت السيطرة الرئاسية، بينما علاقاتها مع وزارة الدفاع، وخاصة العلاقة بين القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع، تركزت فقط على التنسيق، وليس الخضوع للسلطة المدنية. فحاليًا، وزارة الدفاع قادرة فقط على وضع عقيدة وإستراتيجية الجيش، والتخطيط طويل المدى، والشئون المتعلقة بالميزانية. وبالتالي فإن دور وزارة الدفاع باعتبارها المؤسسة التي تمثل المبدأ الديمقراطي في السيطرة المدنية على الجيش لم تتحقق بالكامل. فأفراد القوات المسلحة ما زالوا يسيطرون على مواقع إستراتيجية في وزارة الدفاع، والتي من المحتمل أن تشكل نفوذًا بشكل غير رسمي في وضع سياسات الدفاع من قبل القوات المسلحة. ليس من المحتمل أن يتغير هذا الوضع في المستقبل المنظور. وبصرف النظر عن صعوبة تجنب هذا النفوذ عير الرسمي في وضع السياسات الدفاعية، تواجه إندونيسيا نقصا في الخبراء المدنيين في المجالات الدفاعية، لاسيما في صياغة ووضع السياسات والتخطيط الإستراتيجي، وفي مجالات صنع القرار(94) بالإضافة إلى ذلك، فالدولة ليس لها بشكل تام على ميزانية الجيش، وبالتالي فالرقابة من قبل الوكالات المدنية لا تزال سطحية. وفي نفس الوقت، فإن الفشل في إخضاع القوات المسلحة بوضوح لوزارة الدفاع، والدفع للأمام بعملية مدنية "civilianization" ، أو إضفاء الطابع المدني على وزارة الدفاع ترك لضباط الجيش حرية كبيرة لإدارة شئونهم الخاصة. وبالمثل، كانت المحكمة العليا مترددة في فرض رقابتها على القضاة العسكريين، والسماح للقوات المسلحة للاحتفاظ بالسيطرة على نظام العدالة والقضاء العسكري الخاص بهم. وبالتالي أستمر القضاة العسكريين في إصدار أحكام خفيفة للأفراد العسكريين المتورطين في انتهاكات جسيمة(95).

ما الذي يمكن أن تتعلمه مصر من التجربة الإندونيسية؟
بدأ إصلاح العلاقات المدنية-العسكرية في إندونيسيا بمبادرة من الجيش ثم أكمل النظام السياسي إدارة الإصلاح العسكري. ومع ذلك، فعلى الرغم من الإنجازات الإيجابية في إصلاح العلاقات المدنية العسكرية، فمازال الجيش لا يخضع لسيطرة مدنية كما هي الحال في الدول الديمقراطية. وفي الواقع، فمصر لا يمكن أن تستلهم الحالة الإندونيسية، ولكن يمكن أن تتعلم بعض الدروس من تلك التجربة. أولًا، ينبغي على القادة المدنيين فهم صعوبة وضع الجيش تحت سيطرة مدنية، كما هي الحال في الدول الديمقراطية، على الأقل في المدى القصير.
          ثانيًا، دون سيطرة ومراقبة الدولة بشكل كامل على ميزانية الجيش، لا يمكن الحديث عن إصلاح عسكري فاعل وناجح.
        ثالثًا، ينبغي أن تواجه مصر افتقارها في الخبراء المدنيين في المجالات الدفاعية والأمنية والعسكرية، ولاسيما في صياغة السياسات والتخطيط الإستراتيجي، وصنع القرار.
       رابعًا، واحدة من الدروس المستفادة من التحول الديمقراطي هو أن تصرفات القادة السياسيين الفردية ودرجة الوحدة بين النخب السياسية، هي واحدة من المحددات الرئيسية لإصلاح الأجهزة الأمنية وإصلاح العلاقات المدنية العسكرية. هذا يتطلب رئيسا وبرلمانا ونخبة وأحزابا سياسية قادرة على التوحد والاتفاق حول أجندة إصلاح للعلاقات المدنية العسكرية.
         خامسًا، ينبغي على الأحزاب والقوى السياسية في مصر تسوية النزاعات فيما بينها، والإصرار على عقد وحدة وطنية قبل التفاوض مع المؤسسة العسكرية حول عملية إصلاح العلاقات المدنية ـ العسكرية. ففي الدول ذات المؤسسات الضعيفة والدرجة العالية من الصراع بين نخبتها المدنية تجد القوات المسلحة فرصًا أكبر للتدخل في العملية السياسية. وبالرجوع إلى التجربة الإندونيسية، فدرجة المنافسة العالية في انتخابات 1999 وتفتت النخب السياسية المدنية وعدم اتفاقها وفرت فرصًا كبيرة للقوات المسلحة للتدخل في السياسة واستخدام تفتت المدنيين المتزايد لصالحها. وبنفس القدر من الأهمية، فإن الفجوة الكبيرة بين النخبة السياسية الحاكمة حول العلاقات المدنية العسكرية يمنعها من تكوين وحدة سياسية بينها من أجل هدف ديمقراطي، وهو شرط أساسي للإصلاح العسكري الناجح في التحولات الديمقراطية وكشرط حاسم لإنهاء تدخل الجيش في السياسة.
المراجع
1-    bلمزيد من التفاصيل حول تعريف العلاقات المدنية العسكرية ومتطلبات الرقابة الديمقراطية الفعالة على القوات المسلحة، انظر على سبيل المثال:The Geneva Centre for the Democratic Control of Armed Forces (DCAF), Security Sector Governance in Egypt: Civil-Military Relations in Focus,DCAF International Expert Conference, Montreux, Switzerland 2-4 April 2014, pp.5-8.
   
2-    Bell, Anthony,Military Disengagement from Politics: The Case of Pakistan’s Revolving Barracks Door, Georgetown Security Studies Review, Jun 10, 2014, Available at:http://georgetownsecuritystudiesreview.org/2014/06/10/military-disengagement-from-politics-the-case-of-pakistans-revolving-barracks-door/
3-    Alfred C. Stepan, Rethinking Military Politics:Brazil and the Southern Cone,  Princeton University Press, 1988.
4-    Bell, Anthony, Military Disengagement from Politics, op cit.
5-    Bell, Anthony, Military Disengagement from Politics, op cit.
6-    Feaver, Peter, Armed Servants: Agency, Oversight, and Civil-Military Relations. Cambridge, MA: Harvard University Press, 2003.
7-    Hussain, Ejaz, Civil-Military Relations in Pakistan, Daily Times, April 23, 2014.
8-    Ibid.
9-    Greenwood, Lauren, and Balachandran, Gowthaman, The Search for Common Ground, Pakistani Civil-Military Relations, Humanitarian Policy Group (HPG), Overseas Development Institute, HPG Working Paper, March 2014, P.5.
10-    Greenwood, Lauren, and Balachandran, Gowthaman, The Search for Common Ground, op cit, P.5.
11-    Mahmoud, Faiqa, Evolving Civil-Military Relations: A Comparative analysis of Egypt, Turkey and Pakistan, Ibn Khaldun Center for Human Development Studies, 18 August, 2013, PP. 13-15.
12-    Ibid.
13-    Bell, Anthony, Military Disengagement from Politics, op cit.
14-    الديمقراطية الأساسية هي نظام من المجالس المحلية غير الحزبية وغير السياسية منحت الشرعية لحكم أيوب خان من خلال انتخابه كرئيس في عام 1960 و 1965. انظر لمزيد من التفاصيل،Bell, Anthony, Military Disengagement from Politics, op cit.
15-    Bell, Anthony, Military Disengagement from Politics, op cit.
16-    Hussain, Ejaz, Civil-military relations in Pakistan, op cit.
17-    Bell, Anthony, Military Disengagement from Politics, op cit.
18-    Ibid.
19-    Ibid.
20-    Ibid.
21-    Hussain, Ejaz, Civil-military relations in Pakistan, op cit. 
22-    Bell, Anthony, Military Disengagement from Politics, op cit. 
23-    Mahmoud, Faiqa, Evolving Civil-Military Relations, op cit.  , PP. 13-15.
24-    Ibid.
25-    Bell, Anthony, Military Disengagement from Politics, op cit. 
26-    حول تفاصيل الخلاف بين مشرف والسلطة القضائية انظر علاي، ستار جبار، التطورات السياسية في باكستان بعد الانتخابات العامة 2008، دراسات دولية، العدد 40، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، 2009، ص 9.
27-    عبد الباقي، مصباح لله، مشرف وأزمة النظام السياسي في باكستان، مجلة السياسة الدولية، العدد۱۷۰، أكتوبر۲۰۰۷، ص۱۷.
28-    Bell, Anthony, Military Disengagement from Politics, op cit.
29-    Mahmoud, Faiqa, Evolving Civil-Military Relations, op cit., PP. 13-15.
30-    Stratfor, Egypt's Military and the Pakistani Model, Stratfor, December 20, 2012, (accessed November 18, 2014).
31-    انظر لمزيد من التفاصيل،Huntington, Samuel P. 1957. The soldier and the state: theory and politics of civil-military relations. New York: Vintage Books.
وSamuel P. Huntington, Political Order in Changing Societies (New Haven: Yale University Press, 1968).وكذلك
Huntington, Samuel P., “Reforming Civil-Military Relations,” in Civil-Military Relations and Democracy, in ed. Diamond, Larry and Plattner, Marc F. (eds.), Baltimore: The John Hopkins University Press, 1996.
32-    Mahmoud, Faiqa, Evolving Civil-Military Relations, op cit., PP. 13-15.
33-    Bremmer, Ian, Is becoming Pakistan the best Egypt can hope for? Reuters, Thursday, July 11, 2013.
34-    Krieg, Andreas, Egyptian civil-military relations and Egypt potential transition to democracy, King’s College London, War Studies Department / Department of Defence Studies, 2011. Available at:http://www.thepicaproject.org/?page_id=760.
35-    هناك اختلافات كبيرة نحو تقدير نسبة اقتصاد الجيش من الاقتصاد القومي المصري. فوفقًا لتقدير لتقرير جان الأسبوعي المتعلق بشئون الدفاع Jane’s Defence Weekly فميزانية الجيش المصري السنوية نحو 5 بلايين دولار؛ ونسبة اقتصاد الجيش من اقتصاد الدولة نحو 20%؛ بينما يقدر الكسندر توينينجا Alexander Tuininga اقتصاد الجيش بأكثر من 30% من اقتصاد الدولة، ويقدر دينال سيلفرمان Daniel Silverman اقتصاد الجيش المصري بين 20% إلى 40%. لمزيد من التفاصيل انظر، Frisch, Hillel, the Egyptian Army and Egypt's "Spring", PP. 182-186; Tuininga, Alexander, The Emerging Pattern of Civil-Military Relations, PP. 79-94; and Silverman, Daniel, the Arab military in the Arab Spring.
36-    Michael Kugelman, it's not Egypt: the myth of coming militaries coup in Pakistan, available at: Muftah, July 10th, 2013, available at:http://muftah.org/its-not-egypt-the-myth-of-a-coming-military-coup-in-pakistan/#.VGsZefmUeSo.
37-    Greenwood, Lauren, and Balachandran, Gowthaman, The Search for Common Ground, op cit, P.5.
38-    Bell, Anthony, Military Disengagement from Politics, op cit.
39-    Stratfor, Egypt's Military and the Pakistani Model, op cit.
40-    Fair, Christine, ‘Is Pakistan’s Army as Islamist as We Think?’ Foreign Policy, September 15, 2011.
41-    Ibid.
42-    Ibid..
43-    Greenwood, Lauren, and Balachandran, Gowthaman, The Search for Common Ground, op cit, PP.6-7.
44-    Michael Kugelman, it's not Egypt: the myth of coming militaries coup in Pakistan,op cit.
45-    Fair, Christine, ‘Is Pakistan’s Army as Islamist as We Think? op cit.
46-    Mahmoud, Faiqa, Evolving Civil-Military Relations, op cit.. 17-20.
47-    Ibid..
48-    Ibid.
49-    Ate, Jan Pieter, The Reform of the Indonesian Armed Forces in the Context of Indonesia’s Democratisation, Shedden Papers, Centre for Defence and Strategic Studies, Australian Defence College 2010. Pp. 5-8.
50-    Webber, Douglas, a Consolidated Patrimonial Democracy? Democratization in post-Suharto Indonesia, Paper presented at the workshop, ‘Post-Cold War Democratization in the Muslim World: Domestic, Regional and Global Trends’, Joint Sessions of the European Consortium of Political Research, Granada, 14-19 April 2005, pp-4-6.
51-    Webber, Douglas, a Consolidated Patrimonial Democracy?Op cit., Pp. 4-6.
52-    Ate, Jan Pieter, The Reform of the Indonesian Armed Forces, Op cit., Pp. 5-8.
53-    Ibid.
54-    Webber, Douglas, a Consolidated Patrimonial Democracy?Op cit.,Pp. 4-6.
55-    Ibid.
56-    Ate, Jan Pieter, The Reform of the Indonesian Armed Forces, Op cit.,Pp. 4.
57-    Mietzner, Marcus, The Politics of Military Reform in Post-Suharto Indonesia: Elite Conflict, Nationalism, and Institutional Resistance,Policy Studies 23, East-West Center Washington, 2006, PP.  63-66.
58-    United Nations Development Programme (UNDP), The Political Economy of Transition: Comparative Experiences, Discussion Paper, 5 March, 2013, PP. 29-35.
59-    (UNDP), The Political Economy of Transition, Op cit.,PP. 29-35.
60-    The Man on Horseback, with a new introduction by Jay Stanley Transaction Publishers: New Brunswick and London, 2003, PP. 86-89.
61-    Mietzner, Marcus, The Politics of Military Reform in Post-Suharto Indonesia, Op cit.,P. 16-17.
62-    Ibid.
63-    UNDP, The Political Economy of Transition, Op cit.,PP. 29-35.
64-    Mietzner, Marcus, The Politics of Military Reform in Post-Suharto Indonesia, Op cit.,PP.  19-21.
65-    Ibid., PP.  19-21.
66-    Ibid..
67-    Ate, Jan Pieter, The Reform of the Indonesian Armed Forces, Op cit.,Pp. 5-8.
68-    Mietzner, Marcus, The Politics of Military Reform in Post-Suharto Indonesia, Op cit.,PP.  19-21.
69-    UNDP, The Political Economy of Transition, Op cit.,PP. 29-35.
70-    Mietzner, Marcus, The Politics of Military Reform in Post-Suharto Indonesia, Op cit.,P.  28.
71-    الخروب، خالد، وحيد يغادر الحكم غير مأسوف عليه، الحياة 30 يوليو 2001.
72-    Mietzner, Marcus, The Politics of Military Reform in Post-Suharto Indonesia, Op cit.,PP.  29-33.
73-    Ibid.
74-    Ibid.
75-    Ibid.
76-    Webber, Douglas, a Consolidated Patrimonial Democracy?Op cit.,pp. 4-6.
77-    Mietzner, Marcus, The Politics of Military Reform in Post-Suharto Indonesia, Op cit.,PP.  63-66.
78-    UNDP, The Political Economy of Transition, Op cit.,PP. 29-35.
79-    Mietzner, Marcus, The Politics of Military Reform in Post-Suharto Indonesia, Op cit.,PP.  34-36.
80-    Ibid.
81-    Ibid, PP.  8-9.
82-    UNDP, The Political Economy of Transition, Op cit.,PP. 29-35.
83-    Greenlees, Donald, Unfinished Business: Reform of the Security Sector in Democratic Indonesia, Security Challenges, Vol. 7, No. 3 (Spring 2011: 5-22), pp. 10-16.
84-    UNDP, The Political Economy of Transition, Op cit.,PP. 29-35.
85-    Ate, Jan Pieter, The Reform of the Indonesian Armed Forces, Op cit.,Pp. 10-11.
86-    Mietzner, Marcus, The Politics of Military Reform in Post-Suharto Indonesia, Op cit.,PP.  59-60.
87-    Ate, Jan Pieter, The Reform of the Indonesian Armed Forces, op cit, Pp. 11-12.
88-    United Nations Development Programme (UNDP), Op cit., PP. 29-35.
89-    Greenlees, Donald, Unfinished Business,Op cit., pp. 10-16.
90-    Ibid.
91-    Ibid., pp. 6-7.
92-    Ibid., pp. 20-22.
93-    Ibid., pp. 20-22.
94-    Ate, Jan Pieter, The Reform of the Indonesian Armed Forces, Op cit., Pp. 5-8.
95-    Mietzner, Marcus, The Politics of Military Reform in Post-Suharto Indonesia, Op cit., PP.  63-66.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟