نمو الظاهرة: جماعات الألتراس.. والعنف في الملاعب الرياضية(1)
لعل الإرهابي المقتول في حادث الغردقة الإرهابي، وهو شاب عشريني ويُدعى محمد شيكا وينتمي لألتراس زملكاوي، يجب أن يسترعي انتباهنا لكي نتوقف بعض الملاحظات السريعة والتي يجب أن تقودنا إلى فهمٍ أعمق لظاهرة الألتراس. ومن بين هذه الملاحظات أن ملف الألتراس لا يزال خارج السيطرة ولا تزال العقلية الأمنية فقط هي التي تدير الملف، وأن استقطاب الجماعات الجهادية لشاب من عناصر الألتراس يؤكد قدرتهم على التأثير في هذه المجموعات من الشباب وتوجيه حماسهم واحتلال رؤوسهم في غيبة من الدولة والمجتمع الذي يكتفي بصب اللعنات على هؤلاء الشباب كل صباح، وأن الألتراس انتقل من مدرجات الرياضة حيث الحب الجارف لأنديتهم إلى الساحة السياسية حيث الحضور الواضح في المظاهرات والمليونيات وثورتي يناير ويونيو والنقلة النوعية التي تحدث الآن أنه ينتقل إلى صفوف الجماعات الجهادية ومخطئ من يعتقد أن محمد شيكا ظاهرة عابرة ولن تتكرر. إن "محمد شيكا" هو عنوان لفشل الدولة والمجتمع في التعامل مع مجموعات الألتراس حيث التعامل معهم على أنهم مجموعة بلطجية وخارجون عن القانون فقط دون وضع إستراتيجية شاملة لاحتواء هؤلاء الشباب.
ونسلط الضوء هنا على الظاهرة ونحاول أن نطرح بعض الآليات للتعامل معها:
أولاً: نشأة روابط الألتراس في مصر
وقد تناول عديد من الصحف مثل الأهرام والمصري اليوم وصف هذه المجموعات وسلوكياتهم المتطرفة، فعند فوز المنتخب الوطني على الكونجو الديمقراطية بتصفيات كأس العالم اتخذ الألتراس من المدرجات خلف المرمى مكانًا لهم لسب وقذف حارس المرمي المصري عصام الحضري والجهاز الفني منذ بداية اللقاء، حيث إنهم لم يستطيعوا إخفاء فرحتهم وسعادتهم بالهدف الأول الذي دخل شباك مرمى مصر، وهناك مثال آخر في مباراة الأهلي والإسماعيلي حيث قام الألتراس بإلقاء صواريخ مع هتافات خارجة والقيام بالضرب والاعتداء على بعض الجماهير الموجودة، ورغم ذلك فإن المسئولين تغاضوا عن تصرفاتهم ولكن بعض هذه الصحف انتقدت الظواهر السلبية التي تقوم بها هذه المجموعات ووجهت الدعوة لنبذ هذه السلوكيات والحد من ارتكابها والعمل على تغييرها إلى سلوكيات إيجابية.
إن استمرار الظواهر السلبية والسلوكيات المتطرفة التي يقوم بها الألتراس قد ترجع إلى قصور رد فعل المسئولين سواء كانوا " مجلس إدارة اتحاد كرة القدم، إدارة النادي الرياضي المتسبب جمهوره في هذا التطرف والشغب، إدارة الاستاد الرياضي المقام به المباراة، والأمن أو غيرهم من المسئولين غير الظاهرين بشكل واضح ولهم تأثير كبير في تحجيم هذا السلوك وردع هؤلاء الخارجيين عن السلوك الخاطئ.
وقد لاحظنا من خلال دراسة استطلاعية لتحليل مضمون صفحات الرياضة لبعض الأعداد من الصحف اليومية (الأهرام)، وبعض الصحف الخاصة (المصري اليوم)، وبعض الصحف الأسبوعية المتخصصة (الأهرام الرياضي) أن غالبية ما يُكتب عن روابط مشجعي الأندية يتركز في الأساس عن أخلاقيات الألتراس والأمن، والألتراس الجُدد، والألتراس الأحمر، ومشاغبات الالتراس. كما تطرق النُقاد الرياضيون في الصحف إلى الظواهر السلبية بصورة سطحية؛ أي وصف ما حدث وتحليله دون نقده أو وضع حلول مقترحة لمعالجة هذه الظواهر، بالإضافة إلى أن ذلك من ضمن المؤشرات التي تعكس ضعف القرارات الرادعة للمسئولين، ومن أهم هذه المؤشرات التي تم التوصل إليها من خلال هذه الموضوعات ما كُتب عن الظواهر السلبية التي يقوم بها الألتراس داخل الملعب وخارجه من إلقاء صواريخ وألعاب نارية، والصياح بهتافات خارجة، وحدوث اعتداءات على الأمن. ولم تكن العقوبات التي أصدرها اتحاد الكرة تتناسب مع ما حدث، وأن غالبية هذا التناول يكون وصفا للأحداث أو الظواهر وقليلاً ما يكون هدف التناول الصحفي اقتراح حلول للمشكلات التي تواجه روابط مشجعي الأندية، بالإضافة إلى عدم توضيح دور النقد الرياضي في نشر الوعي لمشجعي الأندية وجماعات الألتراس.
ثانيًا: العنف في الملاعب الرياضية
أصبحت ظاهرة العنف ظاهرة واسعة الانتشار في الملاعب الرياضية، وهذه الظاهرة ليست حديثة في المجال الرياضي وإنما هي ظاهرة قديمة قدم الرياضة التنافسية، ولكن الجديد هنا هو تعدد مظاهر العنف وتغير طبيعته، حيث أصبحت هذه الظاهرة تتعدى حدود الملاعب الرياضية. ويعد التعصب من الظواهر العالمية التي تعاني منها معظم المجتمعات بصورة أو بأخرى في أي نشاط من أنشطة الحياة، وبالرغم من التقدم التقني الذي يعيش فيه الإنسان الآن فإنه ما زال يعاني من عديدٍ من المشكلات التي تمارس تحت مسميات كثيرة للتعصب مثل التعصب السياسي، أو التعصب الاجتماعي، أو التعصب الجنسي، أو التعصب الرياضي أو التعصب الإقليمي، أو التعصب للأفكار المستوردة، أو التعصب للذات.
ومن الأسباب المباشرة للتعصب الرياضي الجماهير واللاعبون والحكام والإداريون ووسائل الإعلام. ومن الأمور المؤسفة التي التصقت بالمنافسات الرياضية، خاصة في الآونة الأخيرة، ما عُرف بظاهرة العنف الرياضي لمشجعي الرياضة، فكم من إنسان فقد حياته أو أُصيب إصابة خطيرة خلال مشاهدته لإحدى المباريات الرياضية.
ولم يخلُ تاريخ الرياضة عبر العصور المختلفة من بعض شبهات العنف، وربما يرجع ذلك إلى الأصول للمنافسات الرياضية القديمة للإنسان البدائي، حيث كان لا بد أن يصل الصراع إلى نهايته، وحيث المباراة شكل من إشكال المعارك وحل النزعات بطرق شبه سلمية. ومن جانب آخر، يعتبر تعصب الجماهير من العوامل المهمة التي تؤدي إلى زيادة سرعة القابلية للاستثارة لدى اللاعبين أثناء المنافسة الرياضية، لذا فإنه من الأهمية بمكان استخدام برامج التوعية الجماهيرية كعامل مساعد في تقليل سرعة القابلية للاستثارة.
ويدل سلوك الأفراد في الجمهرة على انخفاض في مستوى التفكير نتيجة للتوتر والاستثارة الانفعالية الشديدة، مما يعمل على شل العمليات العقلية العليا. وأشار بعض المؤرخين في المجال الرياضي إلى أنه منذ أن وجدت الرياضة كان العدوان والعنف ملازميْن لها، سواء في ألعاب الإغريق القدامى أو الرومان أو مبارزات القرون الوسطي. وتتضمن إستراتيجيات المنافسة جميع أنواع السلوك والأفكار منذ بداية المنافسة، ويجب أن يكون اللاعب تحت السيطرة الكاملة للقائمين على المنافسة من حكام وإداريين والقدرة على التغلب على جميع أوجه الإزعاج المختلفة والتي قد تحدث في المنافسة من خلال طريقة تعليمية ثابتة في خطوات أو من خلال عمليات تعديل السلوك، كما أنه يجب على اللاعبين تطوير المعرفة وممارسة السلوك للتحكم في جميع الضغوط التي تحدث في المجال الرياضي، وبصفة خاصة في مواقف التنافس، ويجب أن توضع في الاعتبار جميع المصادر للمشكلات(المدرب، المنافسين، الإداريين، الجمهور) وأي أبعاد أخرى يمكن أن تؤثر على الظروف المحيطة بالمنافسة.
وأخيرًا للقضاء على هذه الظاهرة، يجب أن يقوم التربويون بشكلٍ عام و مدرسو التربية الرياضية بشكلٍ خاص بدورٍ كبير في تغيير كثيرٍ من السلوكيات والتصرفات غير المرغوبة، من خلال تقويم السلوك غير المناسب ومعاقبته وتعليم الأفراد وتعويدهم كيفية التعامل مع العنف والتحكم والسيطرة على انفعالاته، وذلك عن طريق تنمية الروح الرياضية لدى النشء وتعليم القيم الاجتماعية للرياضة والتوعية العامة بالأهداف التربوية للرياضة، وتشجيع الرياضيين على التحلي بالروح الرياضية، والالتزام بقواعد اللعبة، والتقنين المنتظم لقواعد الألعاب، وتطوير المعرفة الرياضية لدى العاملين في وسائل الإعلام الجماهيري، علاوة على دور النقد الرياضي البناء دور في القضاء علي هذه الظاهرة .
أما بالنسبة لدور الصحافة في مكافحة العنف، فإنها يجب أن تلعب دورًا مهمًا في نزع فتيل العنف، فقد يتحيز الصحفي لأحد الفريقين مما يُشعر مشجعي الفريق الآخر وجماهيره بالظلم بسبب ذلك التحيز, ويحق للصحفي أن يشتهر بمقالاته وآرائه ولكن ليس على حساب إشعال الفتن والمشاكل في الملاعب الرياضية, علماً بأن البعض منهم قد اشتهر من خلال هذه الأساليب غير الشريفة.
وربما يكون العنف الرياضي ناتجا من تطرف سياسي أو ديني، ولكننا يجب أن نتحلى بالحلم والأخلاق تجاه هذه الأمور والمواقف, لأن الرياضة يجب أن تخلو من مثل هذه الأمور، فالإداريون والمدربون لا بد أن يتحلوا بالأخلاق الحميدة لكي يحذو اللاعبون حذوهم ويقتدون بهم, وعليهم أيضا التقليل من العصبيات لدى لاعبيهم ومشجعيهم أيضًا.
ثالثًا: مظاهر السلوك الجماهيري في التنافس الرياضي
هناك مظاهر خارجية تظهر واضحة على الجماهير منها الغضب والخوف والتعصب والشغب :
1. مظاهر الغضب
إذا ما شعرت الجماهير أن فريقها مهدد بالفشل،والفشل هنا يحدده مستوى طموح الجماهير . فقبل إقامة المباراة تكون الجماهير قد حددت هدفا ترجوه وتأمله، فإذا جاءت نتيجة المباراة مخالفة لآمالها، تملكها انفعال الغضب الذي تبدأ مظاهره أولا , في صورة هتافات عدائية وتجريح وشتائم لأفراد الفريق المنافس وجمهوره، وأحيانا لحكم المباراة ومساعديه، فإذا ما استمرت الحال على ما هي عليها انتقل الاعتداء بتوجيه هتافات التشجيع إلى الفريق المنافس كظاهرة من ظواهر العدوان الموجّه للفريق وقد يتطاول الاعتداء من مجرد اعتداءات لفظية وتجريح إلى اعتداءات بدنية بإلقاء الحجارة على الخصوم والجمهور المنافس والحكم ومساعديه.
2. عامل الخوف
الذي يعتبر حالة موقفية تحددها ظروف المباراة وأهميتها وقوة الفريق المنافس, والخوف أقرب ما يكون من مشاعر الجماهير في حالات التصارع, وتبدو مظاهر الخوف في صور الصمت والوجوم والأنفاس التي تحتبس في الصدور.
3. التعصب الرياضي
يعتبر نوعًا من التحيز المتطرف ولا يقوم على أساس منطقي، كما أنه يتصف بتشنجات انفعالية زائدة تجعل التفكير بعيدا عن الموضوعية والمنطق السليم، والمتعصب يكون أعمى البصيرة وهذا شيء لا يحتاج إلى تأكيد، كما توجد الكثير من جماهير هذا النوع خاصة في كرة القدم.
ويضيف البعض أن التعصب ينشأ عن اضطرابات لا شعورية أشبه بسلوك العصاب ويؤدي وظيفة نفسية خاصة تتلخص في التنفيس عما يختلج في النفس من كراهية وعدوان مكبوت، يتميز التعصب بعدم الاستقرار الوجداني والعصابية, لشعورهم بعدم الأمان والقلق والتوتر الناتج عما يتعرضون له من إحباط والذي يؤدى إلى البحث عن كبش فداء ليحملوه مسئولية فشلهم ويوجهون لهم عدوانهم.
ومن الأهمية القول أن التعصب ينمو في ظروف اجتماعية ونفسية معينة منها:
1- التعصب ينشأ ويزداد كلما كان هناك اختلاف أو تباين بين الجماعات التي تكون المجتمع , فوجود جماعات تنتمي إلى أعراق أو أديان أو ثقافات مختلفة يعتبر أرضا خصبة للتعصب.
2- المجتمعات التي تسمح بالحراك الاجتماعي الرأسي تعمل على توليد نوع من المنافسة التي ستترتب على الحراك, فقد يخشى الفرد الذي ينتمي إلى طبقة أعلى منافسة فرد ينتمي لطبقة أقل, خشية أن يتمكن من اللحاق به, أو من احتلال مكانته.
3- كلما كان التغير الاجتماعي سريعًا ازداد التعصب, إذ إن كثيرًا ما يصاحب هذه السرعة اختلال ملموس في النظم والمؤسسات الاجتماعية والقيم والتي يؤمن بها الفرد. ويصاحب هذه السرعة نوع من عدم الاتزان والقلق عند الأفراد, فيلجأون إلى التعصب كوسيلة لتغطية هذا الكم من القلق واختلال القيم.
4- الجهل وعدم وجود فرص للاتصال بين الجماعات المختلفة في المجتمع الواحد.
5- التعصب يزداد كلما ازداد حجم الأقلية موضع الاتجاه, وكلما زاد معدل نموها زاد من حدة الصراع بين الأغلبية والأقليات الموجودة، الأغلبية تلجأ إلى التعصب واضطهاد أفراد الأقليات بقصد توحيد وتقوية العلاقات بين الأغلبية, خاصة إذا ما كانت هناك أخطار تهددهم.
6- يعتبر الاستغلال عاملا يزيد من التعصب، فقد تتعصب جماعة ضد جماعة أخرى لاستغلالها اقتصاديا أو سياسيا أو اجتماعيا، المنافسة في ميادين العمل والخوف من الفشل يزيد من التعصب, فلم تتشكل اتجاهات العداوة ضد الهنود الغربيين في بريطانيا, إلا عند زيادة البطالة في أواخر الخمسينيات, كما يسود التعصب معظم أقطار أوربا بسبب نقص فرص العمل في تلك البلاد.
7- القيم المشتركة لها دور في تقوية التعصب , فعندما يكون هناك تشجيع ثقافي واجتماعي للتعصب، سيتخذ الأفراد الموقف المتعصب سلوكا له، كي يجاري الآخرين، وسيكون في أتم الاستعداد لتغيير موقفه, إذا تغيرت القيم الاجتماعية.
8- الأفكار النمطية الجامدة تفتقر إلى الحقيقة وغالبًا ما تؤدي إلى التعصب, فعندما يكون لدى فرد انطباع محدد عن فرد بعينه فيؤدي ذلك إلى حدوث تشوهات في الإدراك, مما يجعله يستجيب غالبا لمعظم المنبهات السائدة باستجابات مفرطة, تؤدي إلى التعصب.
وتوجد بعض السمات النفسية للمتعصب منها: أولا، يميل المتعصب للعدوان والعنف على الآخرين, والذي يأخذ صورته الجسمانية مثل الضرب والقتل والإيذاء البدني أو في صورته اللفظية مثل الإهانة والتلفظ بكلمات خارجة أو استخدام النكات للسخرية . ثانيا، جمود الفكر والتصلب في الرأي وعدم المرونة في التعامل مع المخالفين له. ثالثا، يتأثر بسهولة بأصحاب مراكز السلطة والإعلام وسهولة الانسياق وراء أفراد الجماعة المنتمي إليها. رابعًا، عدم القدرة على التحكم في النفس والتبرير الدائم للتصرفات والأحداث والهزائم لفريقه. وأخيرًا، التطرف في المشاعر سواء الفرح عند الفوز أو الحزن عند الهزيمة.
************************************************************
أ.د. شريف درويش اللبان وكيل كلية الإعلام جامعة
القاهرة ورئيس وحدة الدراسات الإعلامية بالمركز
د. إيمان محمد الأشقر مدرس الإدارة الرياضية
كلية التربية الرياضية (بنات) جامعة الإسكندرية