حسابات معقدة: الأزمة السورية وتحولات العلاقات الإيرانية- الروسية
السبت 05/ديسمبر/2015 - 10:50 ص
د. محمد السعيد إدريس
على الرغم من العلاقات الثنائية المهمة والتاريخية بين كل من إيران وروسيا، فإن البيئة الإقليمية لهذه العلاقات تفرض نفسها بقوة بين حين وآخر كمحدد رئيسي وحاكم لمسار تطور العلاقات بين البلدين. حدث هذا بشكل ملحوظ في مراحل تاريخية متعددة إلا أن الظروف الحالية التي يواجهها إقليم الشرق الأوسط وبالذات تطورات الأزمة السورية والحرب ضد الإرهاب وعلى الأخص تنظيم "داعش" أخذت تلعب الدور الرئيسي في مسار تطور العلاقات بين موسكو وطهران.
نستطيع أن نلحظ هذا على مدى فترة محدودة من تطورات الأزمة السورية بتحليل حدثين مهمين استطاعا أن يفرضا تطورات متباينة في مجرى العلاقات الثنائية بين طهران وموسكو. الحدث الأول هو مؤتمر فيينا للسلام الخاص بسوريا، أما الحدث الثاني فهو تأزم العلاقات الروسية- التركية بعد إسقاط مقاتلتين تركيتين لطائرة روسية من طراز "سوخوي- 24" في الأجواء السورية أو على مقربة من الحدود التركية- السورية.
ففي حين أدى الحدث الأول إلى تأزم العلاقات أو على الأقل توتّرها بشكل ملحوظ بين طهران وموسكو، دفع الحدث الثاني موسكو كما دفع طهران إلى إعادة تمتين هذه العلاقات على نحو ما تكشف خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطهران ولقائه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية على هامش الاجتماع الثالث لقمة منتدى الدول المصدرة للغاز (أوبك- غاز) في طهران.
نستطيع أن نلحظ هذا على مدى فترة محدودة من تطورات الأزمة السورية بتحليل حدثين مهمين استطاعا أن يفرضا تطورات متباينة في مجرى العلاقات الثنائية بين طهران وموسكو. الحدث الأول هو مؤتمر فيينا للسلام الخاص بسوريا، أما الحدث الثاني فهو تأزم العلاقات الروسية- التركية بعد إسقاط مقاتلتين تركيتين لطائرة روسية من طراز "سوخوي- 24" في الأجواء السورية أو على مقربة من الحدود التركية- السورية.
ففي حين أدى الحدث الأول إلى تأزم العلاقات أو على الأقل توتّرها بشكل ملحوظ بين طهران وموسكو، دفع الحدث الثاني موسكو كما دفع طهران إلى إعادة تمتين هذه العلاقات على نحو ما تكشف خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطهران ولقائه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية على هامش الاجتماع الثالث لقمة منتدى الدول المصدرة للغاز (أوبك- غاز) في طهران.
التسرع الروسي للقبول بمسار الحل السلمي جنبًا إلى جنب مع مسار الحرب ضد الإرهاب مثَّل صدمة كبيرة لإيران وبشار الأسد وهما من تصورا أن التدخل الروسي جاء ضمن معادلة فرض الحل
أولا- مؤتمر فيينا وصدمة إيران في الحليف الروسي
صدمت إيران في الحليف الروسي بعد أن تكشفت الخلافات بين الرؤى والمصالح الإيرانية مع الرؤى والمصالح الروسية في سوريا، والمشكلة أن هذه الصدمة جاءت في أعقاب موجة غير مسبوقة من التفاؤل الإيراني لا ينافسها عن حالة التفاؤل لدى النظام السوري وكذلك "حزب الله" منذ اللحظات الأولى للتدخل العسكري الروسي في سوريا. فقد توقعت كل هذه الأطراف أن هذا التدخل سيفرض معادلة جديدة لتوازن القوى دخل سوريا ستفرض حتمًا معادلة سياسية جديدة لصالح النظام السوري خصوصًا في ظل تعمد الطائرات الروسية عدم الاكتفاء بضرب قواعد ومراكز تنظيم "داعش" في سوريا بل امتدت إلى ضرب تنظيمات جهادية مدعومة من أطراف عربية وإقليمية ودولية، وهي الضربات التي أدت إلى توقعات بإضعاف المعارضة السورية والتأثير سلبيًا على وزنها السياسي في أي مؤتمر مستقبلي للسلام في سوريا.
فقد وجدت إيران ومعها نظام بشار الأسد و"حزب اللـه" أنفسهم وجهًا لوجه في صدام مع الحليف الروسي. فالتسرع الروسي للقبول بمسار الحل السلمي جنبًا إلى جنب مع مسار الحرب ضد الإرهاب مثَّل صدمة كبيرة لإيران وبشار الأسد وهما من تصورا أن التدخل الروسي جاء ضمن معادلة فرض الحل العسكري أو على الأقل فرض معادلة توازن قوى جديدة لصالح النظام السوري تضمن للنظام أن يتسيد الموقف السياسي ويفرض شروطه للعملية السياسية وفي مقدمتها الاستبعاد النهائي لمقولة إبعاد بشار الأسد عن مستقبل سوريا كشرط يطالب به الطرف الآخر: الولايات المتحدة وحلفاؤها الدوليون والإقليميون وفصائل ومنظمات المعارضة السورية.
روسيا عبَّرت مبكرًا عن هذا التوجه المزدوج عندما استدعت الرئيس السوري بشار الأسد منفردًا للقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين تأكد أنه كان يتعلق بدور الأسد شخصيًا أو "مصير الأسد" وليس فحوى أو مضامين المشروع السياسي الروسي لحل الأزمة السورية، ما يعني أن روسيا قد تعمدَّت إرسال رسائل إلى الطرف الآخر بأنها هي الأخرى لم تعد تربط شرط بقاء الأسد بضرورة الدفع بحل سياسي لإنقاذ سوريا والحفاظ على وحدة الدولة السورية. وجاءت الممارسات الروسية بعد ذلك لتؤكد أن هدف التدخل العسكري الروسي في سوريا ليس بالضرورة هو هدف النظام السوري وإيران فقد أخذت معالم افتراق الرؤى والمواقف تفرض نفسها بين موسكو وكل من طهران ودمشق وكأن الطرفين يخوضان حربين في سوريا وليست حربًا واحدة. فالمهمة الروسية في سوريا تنطوي على رغبة في التفاوض وتهيئة ظروف الحل السياسي وعدم الصدام لا مع الولايات المتحدة أو حتى إسرائيل عسكريًا في سوريا.
تأكد التنسيق العسكري الروسي – الأمريكي في سماء سوريا لتجنب أي صدام بين الطرفين، لكن المثير في الأمر أن هذا التنسيق امتد أيضًا إلى إسرائيل عندما أغارت طائرات إسرائيلية على موكب للجيش السوري في منطقة القلمون القربية من الحدود مع لبنان، واستهدفت شاحنات وصفها الإعلام الإسرائيلي بأنها كانت تنقل أسلحة إلى "حزب اللـه" هذه الطائرات اجتازت الأجواء السورية في منطقة تشهد كثافة في تحليق الطائرات الروسية، ومن غير المنطق تصور تجرؤ إسرائيل على القيام بالتحليق في هذه الأجواء دون تنسيق مسبق مع روسيا، ما يعني أن المهمة الروسية في سوريا تأخذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية، وأن شاحنات الجيش السوري التي تنقل السلاح إلى "حزب اللـه" عبر الأراضي السورية ستبقى ضمن دائرة الاستهداف، ما يعني بروز افتراق مصالح روسية- إيرانية في سوريا.
افتراق المصالح ظهر أيضًا في الاهتمام الكبير الذي توليه روسيا لإعادة الاعتبار للجيش السوري الذي كان يعتبر دائمًا ورقة الرهان الروسية على مدى سنوات طويلة. هذا التوجه جاء بعد إعلان بشار الأسد وحديثه عن هزائم تحدث للجيش، الأمر الذي اعتبره الروس طلبًا للنجدة من روسيا واعترافًا بأن إيران "لم تحقق شيئًا له اعتباره على الأرض". التدخل الروسي جاء من هذا المنطلق وجاء بدافع من الحفاظ على المؤسسات وأبرزها الجيش على نحو ما ورد على لسان ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية الروسي الذي أكد أن موسكو ستضرب كل من هو خارج الجيش وستتيح الفرصة للجميع للانضمام إلى الجيش، هذا يعني أن روسيا يمكن أن تضرب تنظيمات عسكرية وميليشيات موالية لإيران مثل "جيش الدفاع الوطني" و"اللجان الشعبية" و"كتائب البعث" إذا ما بقيت خارج الاندماج في الجيش السوري. إلى جانب هذا التوجه اتجهت روسيا أيضًا إلى الترويج لدعوة تأسيس "مجلس عسكري" تبحث الآن عن تركيبته ضمن مسعى إعادة هيكلة الجيش وتنظيمه، يصعب أن يتم تحت إشراف بشار الأسد، انطلاقًا من قناعة مفادها أن الجيش وحده هو من يضمن وحدة سوريا، وإذا كانت هذه المهمة تستلزم إعادة دمج العسكريين المستقيلين اعتراضًا على ممارسات سياسية وعسكرية خاطئة للنظام فإن هذه المهمة تتعارض تمامًا مع كل ما يسعى إليه الأسد بدعم من إيران.
وجنبًا إلى جنب مع هذا التوجه تتحدث روسيا بعد مؤتمر فيينا عن اعتبار "الجيش السوري الحر" منظمة غير إرهابية وتسعى إلى دمجه في العملية السياسية، مع تلميحات بدعمه بقصف جوي في حال انخراطه في قتال ضد "داعش"، ما يعني أن روسيا مستعدة للتنسيق مع المعارضة عسكريًا، وهذا ما أغضب إيران ونظام الأسد خاصة بعد إعلان رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان العامة الروسية الجنرال اندريه كارتابولوف (3/11/2015) أن "المقاتلات الروسية استهدفت24 موقعًا لتنظيم (داعش) تم تحديدها بمساعدة المعارضة السورية". لم يكتف الجنرال الروسي بذلك بل قال "لقد أعلنا مرارًا استعدادنا للتعاون مع جميع القوى الوطنية السورية التي تقاتل ضد الإرهابيين من داعش وجبهة النصرة. أريد أن أحيطكم علمًا بأنه في إطار التحالف الدولي الواسع لمكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، أقمنا اتصالات مع قادة المعارضة السورية والقادة الميدانيين لعدد من التشكيلات"، وتابع "لقد أنشأنا مجموعة تنسيق العمل والتي لا يمكن الإفصاح عن تكوينها لأسباب واضحة. وتم تنظيم عملهم المشترك في تنسيق الجهود المشتركة الموجهة لحل مسألة محاربة داعش"، ثم أضاف موضحًا أن الطائرات الروسية والأمريكية أجرتا تدريبات مشتركة في الأجواء السورية لتجنب الاصطدام.
صدمت إيران في الحليف الروسي بعد أن تكشفت الخلافات بين الرؤى والمصالح الإيرانية مع الرؤى والمصالح الروسية في سوريا، والمشكلة أن هذه الصدمة جاءت في أعقاب موجة غير مسبوقة من التفاؤل الإيراني لا ينافسها عن حالة التفاؤل لدى النظام السوري وكذلك "حزب الله" منذ اللحظات الأولى للتدخل العسكري الروسي في سوريا. فقد توقعت كل هذه الأطراف أن هذا التدخل سيفرض معادلة جديدة لتوازن القوى دخل سوريا ستفرض حتمًا معادلة سياسية جديدة لصالح النظام السوري خصوصًا في ظل تعمد الطائرات الروسية عدم الاكتفاء بضرب قواعد ومراكز تنظيم "داعش" في سوريا بل امتدت إلى ضرب تنظيمات جهادية مدعومة من أطراف عربية وإقليمية ودولية، وهي الضربات التي أدت إلى توقعات بإضعاف المعارضة السورية والتأثير سلبيًا على وزنها السياسي في أي مؤتمر مستقبلي للسلام في سوريا.
فقد وجدت إيران ومعها نظام بشار الأسد و"حزب اللـه" أنفسهم وجهًا لوجه في صدام مع الحليف الروسي. فالتسرع الروسي للقبول بمسار الحل السلمي جنبًا إلى جنب مع مسار الحرب ضد الإرهاب مثَّل صدمة كبيرة لإيران وبشار الأسد وهما من تصورا أن التدخل الروسي جاء ضمن معادلة فرض الحل العسكري أو على الأقل فرض معادلة توازن قوى جديدة لصالح النظام السوري تضمن للنظام أن يتسيد الموقف السياسي ويفرض شروطه للعملية السياسية وفي مقدمتها الاستبعاد النهائي لمقولة إبعاد بشار الأسد عن مستقبل سوريا كشرط يطالب به الطرف الآخر: الولايات المتحدة وحلفاؤها الدوليون والإقليميون وفصائل ومنظمات المعارضة السورية.
روسيا عبَّرت مبكرًا عن هذا التوجه المزدوج عندما استدعت الرئيس السوري بشار الأسد منفردًا للقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين تأكد أنه كان يتعلق بدور الأسد شخصيًا أو "مصير الأسد" وليس فحوى أو مضامين المشروع السياسي الروسي لحل الأزمة السورية، ما يعني أن روسيا قد تعمدَّت إرسال رسائل إلى الطرف الآخر بأنها هي الأخرى لم تعد تربط شرط بقاء الأسد بضرورة الدفع بحل سياسي لإنقاذ سوريا والحفاظ على وحدة الدولة السورية. وجاءت الممارسات الروسية بعد ذلك لتؤكد أن هدف التدخل العسكري الروسي في سوريا ليس بالضرورة هو هدف النظام السوري وإيران فقد أخذت معالم افتراق الرؤى والمواقف تفرض نفسها بين موسكو وكل من طهران ودمشق وكأن الطرفين يخوضان حربين في سوريا وليست حربًا واحدة. فالمهمة الروسية في سوريا تنطوي على رغبة في التفاوض وتهيئة ظروف الحل السياسي وعدم الصدام لا مع الولايات المتحدة أو حتى إسرائيل عسكريًا في سوريا.
تأكد التنسيق العسكري الروسي – الأمريكي في سماء سوريا لتجنب أي صدام بين الطرفين، لكن المثير في الأمر أن هذا التنسيق امتد أيضًا إلى إسرائيل عندما أغارت طائرات إسرائيلية على موكب للجيش السوري في منطقة القلمون القربية من الحدود مع لبنان، واستهدفت شاحنات وصفها الإعلام الإسرائيلي بأنها كانت تنقل أسلحة إلى "حزب اللـه" هذه الطائرات اجتازت الأجواء السورية في منطقة تشهد كثافة في تحليق الطائرات الروسية، ومن غير المنطق تصور تجرؤ إسرائيل على القيام بالتحليق في هذه الأجواء دون تنسيق مسبق مع روسيا، ما يعني أن المهمة الروسية في سوريا تأخذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية، وأن شاحنات الجيش السوري التي تنقل السلاح إلى "حزب اللـه" عبر الأراضي السورية ستبقى ضمن دائرة الاستهداف، ما يعني بروز افتراق مصالح روسية- إيرانية في سوريا.
افتراق المصالح ظهر أيضًا في الاهتمام الكبير الذي توليه روسيا لإعادة الاعتبار للجيش السوري الذي كان يعتبر دائمًا ورقة الرهان الروسية على مدى سنوات طويلة. هذا التوجه جاء بعد إعلان بشار الأسد وحديثه عن هزائم تحدث للجيش، الأمر الذي اعتبره الروس طلبًا للنجدة من روسيا واعترافًا بأن إيران "لم تحقق شيئًا له اعتباره على الأرض". التدخل الروسي جاء من هذا المنطلق وجاء بدافع من الحفاظ على المؤسسات وأبرزها الجيش على نحو ما ورد على لسان ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية الروسي الذي أكد أن موسكو ستضرب كل من هو خارج الجيش وستتيح الفرصة للجميع للانضمام إلى الجيش، هذا يعني أن روسيا يمكن أن تضرب تنظيمات عسكرية وميليشيات موالية لإيران مثل "جيش الدفاع الوطني" و"اللجان الشعبية" و"كتائب البعث" إذا ما بقيت خارج الاندماج في الجيش السوري. إلى جانب هذا التوجه اتجهت روسيا أيضًا إلى الترويج لدعوة تأسيس "مجلس عسكري" تبحث الآن عن تركيبته ضمن مسعى إعادة هيكلة الجيش وتنظيمه، يصعب أن يتم تحت إشراف بشار الأسد، انطلاقًا من قناعة مفادها أن الجيش وحده هو من يضمن وحدة سوريا، وإذا كانت هذه المهمة تستلزم إعادة دمج العسكريين المستقيلين اعتراضًا على ممارسات سياسية وعسكرية خاطئة للنظام فإن هذه المهمة تتعارض تمامًا مع كل ما يسعى إليه الأسد بدعم من إيران.
وجنبًا إلى جنب مع هذا التوجه تتحدث روسيا بعد مؤتمر فيينا عن اعتبار "الجيش السوري الحر" منظمة غير إرهابية وتسعى إلى دمجه في العملية السياسية، مع تلميحات بدعمه بقصف جوي في حال انخراطه في قتال ضد "داعش"، ما يعني أن روسيا مستعدة للتنسيق مع المعارضة عسكريًا، وهذا ما أغضب إيران ونظام الأسد خاصة بعد إعلان رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان العامة الروسية الجنرال اندريه كارتابولوف (3/11/2015) أن "المقاتلات الروسية استهدفت24 موقعًا لتنظيم (داعش) تم تحديدها بمساعدة المعارضة السورية". لم يكتف الجنرال الروسي بذلك بل قال "لقد أعلنا مرارًا استعدادنا للتعاون مع جميع القوى الوطنية السورية التي تقاتل ضد الإرهابيين من داعش وجبهة النصرة. أريد أن أحيطكم علمًا بأنه في إطار التحالف الدولي الواسع لمكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، أقمنا اتصالات مع قادة المعارضة السورية والقادة الميدانيين لعدد من التشكيلات"، وتابع "لقد أنشأنا مجموعة تنسيق العمل والتي لا يمكن الإفصاح عن تكوينها لأسباب واضحة. وتم تنظيم عملهم المشترك في تنسيق الجهود المشتركة الموجهة لحل مسألة محاربة داعش"، ثم أضاف موضحًا أن الطائرات الروسية والأمريكية أجرتا تدريبات مشتركة في الأجواء السورية لتجنب الاصطدام.
خامنئي: "الحقيقة المؤكدة هي أن أهداف أمريكا تجاه الجمهورية الإسلامية لم تتغير. ولو تمكنوا من تدميرها فإنهم لن يترددوا أو يتوانوا عن ذلك لحظة واحدة"
معالم هذا الافتراق في الرؤى والتوجهات الروسية عن مثيلاتها لدى إيران والنظام السوري ظهرت أيضًا في الرؤية الروسية لتفعيل العملية السياسية وفقًا لمؤتمر فيينا، فروسيا حريصة على إنضاج حوار سوري- سوري بين النظام وقوى المعارضة المعتدلة التي سوف يتم الاتفاق عليها كشريك في هذه العملية السياسية بحيث يضم هذا الحوار كافة أطياف المجتمع السوري بما في ذلك كل مجموعات المعارضة التي سوف يتفق على اعتبارها معارضة معتدلة. وحرص سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي في اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي جون كيري على بحث "إمكانيات الحصول على دعم دولي لتسوية الأزمة السورية على أساس حوار وطني، بما في ذلك تشكيل وفد مشترك من المعارضة السورية لإطلاق حوار سياسي مبكر وتوحيد المواقف في مكافحة الإرهاب".
إيران ترفض إطلاق مثل هذا الحوار وترفض أي تعاون مباشر أو غير مباشر مع واشنطن حول سوريا على نحو ما ورد على لسان علي أكبر ولاياتي مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران للشئون الدولية عقب لقائه مع فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري في طهران، فقد أكد أن بلاده "لا تقبل بأي مبادرة لا تقبل بها الحكومة السورية والشعب السوري" في حين أعلن محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني أن "الشعب السوري وحده من يقرر مستقبله بنفسه ويجب عدم فرض أي شئ عليه". وفي ذات الوقت تعمدت طهران التصعيد ضد الولايات المتحدة وعلى لسان المرشد الأعلى السيد على خامنئي الذي جدد شعار "الموت لأمريكا" مؤكدًا أن هذا الشعار يحظى بسند عقلاني ومستلهم من الدستور". خامنئي أعاد التأكيد أيضًا على ضرورة عدم الثقة في أمريكا أمام آلاف الطلاب الجامعيين بمناسبة الاحتفالات الإيرانية بـ "اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي"، كما شدد على أن "الحقيقة المؤكدة هي أن أهداف أمريكا تجاه الجمهورية الإسلامية لم تتغير. ولو تمكنوا من تدميرها فإنهم لن يترددوا أو يتوانوا عن ذلك لحظة واحدة".
هذا الموقف التصعيدي الإيراني ضد الولايات المتحدة هو الوجه الآخر لتصعيد مكبوت ضد روسيا جرى إظهاره أحيانًا مرة على لسان قائد الحرس الثوري عندما تعمد التنديد بالسياسة الروسية في سوريا بقوله أن "روسيا تعمل فقط من أجل مصالحها في سوريا"، ومرة بالتلكؤ في إظهار الموافقة على حضور الجولة الثانية من محادثات فيينا الخاصة بسوريا بعد تردد عن قبول هذه المشاركة تحدثت فيها عن عزم على الانسحاب من تلك المحادثات وهو موقف يكشف أن إيران لم تعد ترى في روسيا حليفًا لها في سوريا بعد قراءة دقيقة للموقف الروسي وبالذات المسعى للتوصل إلى حل قائم على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب".
ثانيا- تداعيات الأزمة الروسية – التركية على علاقات طهران وموسكو
جاءت الأزمة التي تفجرت بين روسيا وتركيا لتفرض معادلات جديدة في علاقات طهران مع موسكو حيث شكلت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيران يوم الإثنين (23/11/2015) على هامش مشاركته في أعمال القمة الثالثة لمنتدى الدول المصدرة للغاز (أوبك- غاز) ولقائه المهم بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية على خامنئي انعطافة مهمة في مسار العلاقات الثنائية بين روسيا وإيران وفي مسار تطورات الموقف الروسي من أحداث إقليم الشرق الأوسط وعلى الأخص الأزمة السورية وانعكاسات هذا الموقف على منظومة العلاقات الإقليمية في ظل ما أخذ يحدث من استقطاب دولي- إقليمي محوره الأزمة السورية ومستقبل الحرب على "داعش".
إيران ترفض إطلاق مثل هذا الحوار وترفض أي تعاون مباشر أو غير مباشر مع واشنطن حول سوريا على نحو ما ورد على لسان علي أكبر ولاياتي مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران للشئون الدولية عقب لقائه مع فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري في طهران، فقد أكد أن بلاده "لا تقبل بأي مبادرة لا تقبل بها الحكومة السورية والشعب السوري" في حين أعلن محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني أن "الشعب السوري وحده من يقرر مستقبله بنفسه ويجب عدم فرض أي شئ عليه". وفي ذات الوقت تعمدت طهران التصعيد ضد الولايات المتحدة وعلى لسان المرشد الأعلى السيد على خامنئي الذي جدد شعار "الموت لأمريكا" مؤكدًا أن هذا الشعار يحظى بسند عقلاني ومستلهم من الدستور". خامنئي أعاد التأكيد أيضًا على ضرورة عدم الثقة في أمريكا أمام آلاف الطلاب الجامعيين بمناسبة الاحتفالات الإيرانية بـ "اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي"، كما شدد على أن "الحقيقة المؤكدة هي أن أهداف أمريكا تجاه الجمهورية الإسلامية لم تتغير. ولو تمكنوا من تدميرها فإنهم لن يترددوا أو يتوانوا عن ذلك لحظة واحدة".
هذا الموقف التصعيدي الإيراني ضد الولايات المتحدة هو الوجه الآخر لتصعيد مكبوت ضد روسيا جرى إظهاره أحيانًا مرة على لسان قائد الحرس الثوري عندما تعمد التنديد بالسياسة الروسية في سوريا بقوله أن "روسيا تعمل فقط من أجل مصالحها في سوريا"، ومرة بالتلكؤ في إظهار الموافقة على حضور الجولة الثانية من محادثات فيينا الخاصة بسوريا بعد تردد عن قبول هذه المشاركة تحدثت فيها عن عزم على الانسحاب من تلك المحادثات وهو موقف يكشف أن إيران لم تعد ترى في روسيا حليفًا لها في سوريا بعد قراءة دقيقة للموقف الروسي وبالذات المسعى للتوصل إلى حل قائم على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب".
ثانيا- تداعيات الأزمة الروسية – التركية على علاقات طهران وموسكو
جاءت الأزمة التي تفجرت بين روسيا وتركيا لتفرض معادلات جديدة في علاقات طهران مع موسكو حيث شكلت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيران يوم الإثنين (23/11/2015) على هامش مشاركته في أعمال القمة الثالثة لمنتدى الدول المصدرة للغاز (أوبك- غاز) ولقائه المهم بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية على خامنئي انعطافة مهمة في مسار العلاقات الثنائية بين روسيا وإيران وفي مسار تطورات الموقف الروسي من أحداث إقليم الشرق الأوسط وعلى الأخص الأزمة السورية وانعكاسات هذا الموقف على منظومة العلاقات الإقليمية في ظل ما أخذ يحدث من استقطاب دولي- إقليمي محوره الأزمة السورية ومستقبل الحرب على "داعش".
بدلًا من نجاح تركيا في فرض منطقة تركية عازلة على الحدود مع سوريا تمكنت روسيا من إقامة هذه المنطقة لتصبح منطقة عازلة روسية بعد قرار موسكو نشر وتفعيل منظمات صواريخ
هذه الانعطافة وما تعنيه من تحولات في مواقف كل من موسكو وطهران إزاء بعضهما البعض على نحو مختلف عن التوترات التي حدثت بين طهران وموسكو والتي سبقت زيارة بوتين لطهران مرجعها المواجهة المتصاعدة الآن بين روسيا وتركيا على هامش إسقاط مقاتلتين تركيتين طائرة "سوخوي" روسية على الحدود السورية – التركية، وحاجة روسيا إلى حليف قوي مثل إيران في هذه المواجهة مع تركيا وأطراف تحالفاتها الإقليمية والدولية من ناحية، ومرجعه من ناحية أخرى التحولات الجديدة في الموقف الفرنسي من العلاقة مع نظام بشار الأسد والجيش السوري كرد فعل فرنسي على أحداث باريس الدامية وعزم فرنسا دعم قتال يرى ضد تنظيم "داعش" في سوريا يستلزم تعاونًا مع الجيش السوري، الأمر الذي يحمل مؤشرات جديدة تدعم الرؤية الإيرانية المتمسكة بشخص بشار الأسد والتي تمايزت عن الرؤية الروسية الأكثر مرونة بهذا الخصوص على نحو ما تكشف في لقاء فيينا السوري.
ففي اليوم الثاني لإسقاط طائرة "السوخوي- 24" بدا أن الرد الروسي على الحادثة الجوية قد أخذ في الحسبان ضرورة التركيز على إفشال الأهداف التي ابتغتْها تركيا من مغامرتها وهو ما ترتب عليه تكثيف الانغماس العسكري الروسي في سوريا الأمر الذي استلزم أهمية تفعيل التعاون العسكري مع إيران على أرض المعارك في سوريا.
أدركت روسيا مبكرًا أن تركيا أرادت تحقيق حزمة من الأهداف بضربة واحدة من خلال إسقاطها للطائرة الروسية، أبرزها توجيه ضربة معنوية للرئيس بوتين عبر إسقاط طائرة حربية باتت تمثل رمزًا لعاصفته العسكرية المتواصلة في سوريا، واستنزاف الجهود الدبلوماسية والعسكرية الروسية الهادفة إلى دحر الإرهاب وتحقيق الحل السياسي للأزمة السورية، وذلك من خلال استدراج موسكو إلى مواجهة تتجاوز جبهتها الميدان السوري، والأهم هو وضع حلف شمال الأطسي (الناتو) أمام واقع جديد يدفعه إلى القبول بخطة رجب طيب إردوغان الهادفة إلى إقامة منطقة آمنة/ عازلة من جرابلس إلى البحر المتوسط لكن جاء الرد السوري القوي والمباغت ليحبط هذا التخطيط التركي، فالإجراءات الأولية التي اتخذتها موسكو كانت كافية لإفشال الأهداف التركية الثلاثة أو على الأقل احتوائها. كانت البداية هي نجاح عملية كوماندوز مشتركة روسية- سورية في إنقاذ وإعادة الطيار الروسي الثاني الذي نجا من القتل إلى قاعدته الجوية في سوريا. أما محاولات الاستنزاف فبدا أنها اصطدمت برد الفعل الروسي الذي أحبط آمال أنقرة بمنازلة روسية- أطلسية. أما مخطط المنطقة العازلة فكان من نصيب روسيا وليس من نصيب تركيا، فبدلًا من نجاح تركيا في فرض منطقة تركية عازلة على الحدود مع سوريا تمكنت روسيا من إقامة هذه المنطقة لتصبح منطقة عازلة روسية بعد قرار موسكو نشر وتفعيل منظمات صواريخ " إس 300" و" إس 400" على الأراضي السورية، إضافة إلى تسيير طائرات مقاتلة لمواكبة العمليات الجوية، وكذلك إدخال دبابات "تي- 980" إلى مسارح العمليات في سوريا في إشارة روسية إلى رفع وتيرة العمليات ضد "داعش" والمنظمات الإرهابية جنبًا إلى جنب مع تصعيد روسيا المواجهة الدبلوماسية مع تركيا بفرض تأشيرات دخول على الأتراك مع مطلع عام 2016 وفقًا لتصريحات جاءت على لسان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. الذي هدد بإغلاق الحدود بين سوريا وتركيا معتبرًا أن هذه الخطوة سوف تسهم في حل مشكلة الإرهاب في سوريا إلى حد كبير، مشيرًا إلى أن تركيا بدأت تتوتر بعدما بدأ الطيران الروسي يقصف قوافل النفط المسروق من سوريا.
هذه التطورات وعلى الأخص الانغماس الروسي المتعمق في الحرب داخل سوريا كان لها تأثيرها القوي والمباشر على الأجواء شديدة الإيجابية في العلاقات بين إيران وروسيا التي صاحبت زيارة بوتين لطهران ولقائه المهم مع السيد على خامنئي سواء ما يتعلق بالعلاقات الثنائية أو الأزمة السورية أو الموقف من الولايات المتحدة الأمريكية.
فقد وضعت هذه الزيارة حجر الأساس لشراكة إستراتيجية بين البلدين في مواجهة محاولات الهيمنة الأمريكية، وهو ما عبر عنه بوتين برسائل مباشرة وغير مباشرة للقيادة الإيرانية أبرزها قرار موسكو برفع الحظر المفروض على توريد التكنولوجيا النووية لإيران، وتأكيد بوتين أن بلاده "لا تطعن حلفاءها في الظهر، ولا تعمل ضدهم حلف الكواليس كما يفعل الآخرون"، في إشارة إلى الولايات المتحدة. كما فتحت آفاقًا واعدة أمام إقامة منطقة للتجارة الحرة بين إيران والاتحاد الأوراسي، وتعميق علاقات التعاون من خلال منتدى الدول المصدرة للغاز الطبيعي (أوبك – غاز) وتأكيد الثقل الذي تمثله الدول الأعضاء في هذا المنتدى على مستوى سياسات الطاقة، وعلى أهمية التكامل الاقتصادي بين هذه المجموعة من الدول أعضاء ذلك المنتدى والتكتلات الاقتصادية الأخرى التي لروسيا دور محوري فيها خاصة "منظمة شنغهاي" و"مجموعة الدول المطلة على بحر قزوين" وتجمع دول "بريكس" وكذلك "الاتحاد الأوراسي".
وفي لقاء بوتين مع مرشد الجمهورية الإسلامية تم تبادل الضمانات وتوضيح المواقف في ملفات ما بعد الاتفاق النووي الإيراني والانخراط الروسي المتزايد الذي قد يتجه نحو التدخل البري في الأزمة السورية، وتقارب الرؤى حول مصير الرئيس بشار الأسد خلفا لما قد ورد على لسان قادة الحرس الثوري الإيراني بهذا الخصوص، حيث أعلن الطرفان موقفًا موحدًا مفاده أنه " لا يحق لأحد أن يفرض شيئًا على الشعب السوري"، كما عكست التصريحات المتبادلة لكل من خامنئي وبوتين أن الجانبين توصلا إلى تفاهمات بشأن مجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك وتوسيع التعاون الثنائي والإقليمي المشترك، وهو ما ظهر في الثناء الذي ورد على لسان السيد خامنئي على مواقف روسيا من سوريا وإشادته بالدور الروسي في "مواجهة المخططات الأمريكية" وقوله لبوتين: "الأمريكيون يحاولون دائمًا دفع منافسهم إلى موضع الانفعال، لكنكم أفشلتم هذه السياسة"، كما رأى خامنئي أن "قرارات وإجراءات روسيا في الموضوع السوري أسهمت في زيادة المصداقية الإقليمية والعالمية لروسيا والرئيس بوتين شخصيًا".
من ناحيته لم يكن بوتين أقل سخاء في الثناء على إيران وقيادتها فقد اعتبر أن إيران "بلد مستقل ويتمتع بآفاق زاهرة للغاية" وقال "نحن نعتبركم حليفًا موثوقًا به ويعوّل عليه في المنطقة والعالم" موضحًا موقف روسيا من أصدقائها ومنهم إيران بقوله: "على النقيض من البعض نحن ملتزمون بألا نطعن شركاءنا من الخلف، وألا نقدم على أي إجراء خلف الكواليس ضد أصدقائنا، وإن كانت لدينا خلافات فيمكن أن نتوصل إلى تفاهم من خلال الحوار"، كما اعتبر بوتين أن مواقف روسيا وإيران تجاه سوريا "متقاربة جدًا".
تطورات مهمة تزامنت مع تسليم روسيا صواريخ "اس 300" لإيران على نحو ما أكد مهدي صانعي السفير الإيراني في موسكو، كما تزامنت مع إعلان الرئيس بوتين خلال لقائه مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في طهران أن روسيا تعتزم العمل على تنفيذ خطة الأعمال المتعلقة ببرنامج إيران النووي، كما أنها ستساعد في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية.
تحولات مثيرة أثارت استياءً أمريكيًا عبرت عنه العديد من الصحف التي شككت في جدية آفاق التعاون الروسي- الإيراني على قاعدة تباين المصالح، لكنها تطورات تعتبر متغيرً مهمًا في مجرى التفاعلات الإقليمية بالشرق الأوسط على ضوء ما يحدث الآن من استقطاب إقليمي حول الأزمة السورية.
ففي اليوم الثاني لإسقاط طائرة "السوخوي- 24" بدا أن الرد الروسي على الحادثة الجوية قد أخذ في الحسبان ضرورة التركيز على إفشال الأهداف التي ابتغتْها تركيا من مغامرتها وهو ما ترتب عليه تكثيف الانغماس العسكري الروسي في سوريا الأمر الذي استلزم أهمية تفعيل التعاون العسكري مع إيران على أرض المعارك في سوريا.
أدركت روسيا مبكرًا أن تركيا أرادت تحقيق حزمة من الأهداف بضربة واحدة من خلال إسقاطها للطائرة الروسية، أبرزها توجيه ضربة معنوية للرئيس بوتين عبر إسقاط طائرة حربية باتت تمثل رمزًا لعاصفته العسكرية المتواصلة في سوريا، واستنزاف الجهود الدبلوماسية والعسكرية الروسية الهادفة إلى دحر الإرهاب وتحقيق الحل السياسي للأزمة السورية، وذلك من خلال استدراج موسكو إلى مواجهة تتجاوز جبهتها الميدان السوري، والأهم هو وضع حلف شمال الأطسي (الناتو) أمام واقع جديد يدفعه إلى القبول بخطة رجب طيب إردوغان الهادفة إلى إقامة منطقة آمنة/ عازلة من جرابلس إلى البحر المتوسط لكن جاء الرد السوري القوي والمباغت ليحبط هذا التخطيط التركي، فالإجراءات الأولية التي اتخذتها موسكو كانت كافية لإفشال الأهداف التركية الثلاثة أو على الأقل احتوائها. كانت البداية هي نجاح عملية كوماندوز مشتركة روسية- سورية في إنقاذ وإعادة الطيار الروسي الثاني الذي نجا من القتل إلى قاعدته الجوية في سوريا. أما محاولات الاستنزاف فبدا أنها اصطدمت برد الفعل الروسي الذي أحبط آمال أنقرة بمنازلة روسية- أطلسية. أما مخطط المنطقة العازلة فكان من نصيب روسيا وليس من نصيب تركيا، فبدلًا من نجاح تركيا في فرض منطقة تركية عازلة على الحدود مع سوريا تمكنت روسيا من إقامة هذه المنطقة لتصبح منطقة عازلة روسية بعد قرار موسكو نشر وتفعيل منظمات صواريخ " إس 300" و" إس 400" على الأراضي السورية، إضافة إلى تسيير طائرات مقاتلة لمواكبة العمليات الجوية، وكذلك إدخال دبابات "تي- 980" إلى مسارح العمليات في سوريا في إشارة روسية إلى رفع وتيرة العمليات ضد "داعش" والمنظمات الإرهابية جنبًا إلى جنب مع تصعيد روسيا المواجهة الدبلوماسية مع تركيا بفرض تأشيرات دخول على الأتراك مع مطلع عام 2016 وفقًا لتصريحات جاءت على لسان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. الذي هدد بإغلاق الحدود بين سوريا وتركيا معتبرًا أن هذه الخطوة سوف تسهم في حل مشكلة الإرهاب في سوريا إلى حد كبير، مشيرًا إلى أن تركيا بدأت تتوتر بعدما بدأ الطيران الروسي يقصف قوافل النفط المسروق من سوريا.
هذه التطورات وعلى الأخص الانغماس الروسي المتعمق في الحرب داخل سوريا كان لها تأثيرها القوي والمباشر على الأجواء شديدة الإيجابية في العلاقات بين إيران وروسيا التي صاحبت زيارة بوتين لطهران ولقائه المهم مع السيد على خامنئي سواء ما يتعلق بالعلاقات الثنائية أو الأزمة السورية أو الموقف من الولايات المتحدة الأمريكية.
فقد وضعت هذه الزيارة حجر الأساس لشراكة إستراتيجية بين البلدين في مواجهة محاولات الهيمنة الأمريكية، وهو ما عبر عنه بوتين برسائل مباشرة وغير مباشرة للقيادة الإيرانية أبرزها قرار موسكو برفع الحظر المفروض على توريد التكنولوجيا النووية لإيران، وتأكيد بوتين أن بلاده "لا تطعن حلفاءها في الظهر، ولا تعمل ضدهم حلف الكواليس كما يفعل الآخرون"، في إشارة إلى الولايات المتحدة. كما فتحت آفاقًا واعدة أمام إقامة منطقة للتجارة الحرة بين إيران والاتحاد الأوراسي، وتعميق علاقات التعاون من خلال منتدى الدول المصدرة للغاز الطبيعي (أوبك – غاز) وتأكيد الثقل الذي تمثله الدول الأعضاء في هذا المنتدى على مستوى سياسات الطاقة، وعلى أهمية التكامل الاقتصادي بين هذه المجموعة من الدول أعضاء ذلك المنتدى والتكتلات الاقتصادية الأخرى التي لروسيا دور محوري فيها خاصة "منظمة شنغهاي" و"مجموعة الدول المطلة على بحر قزوين" وتجمع دول "بريكس" وكذلك "الاتحاد الأوراسي".
وفي لقاء بوتين مع مرشد الجمهورية الإسلامية تم تبادل الضمانات وتوضيح المواقف في ملفات ما بعد الاتفاق النووي الإيراني والانخراط الروسي المتزايد الذي قد يتجه نحو التدخل البري في الأزمة السورية، وتقارب الرؤى حول مصير الرئيس بشار الأسد خلفا لما قد ورد على لسان قادة الحرس الثوري الإيراني بهذا الخصوص، حيث أعلن الطرفان موقفًا موحدًا مفاده أنه " لا يحق لأحد أن يفرض شيئًا على الشعب السوري"، كما عكست التصريحات المتبادلة لكل من خامنئي وبوتين أن الجانبين توصلا إلى تفاهمات بشأن مجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك وتوسيع التعاون الثنائي والإقليمي المشترك، وهو ما ظهر في الثناء الذي ورد على لسان السيد خامنئي على مواقف روسيا من سوريا وإشادته بالدور الروسي في "مواجهة المخططات الأمريكية" وقوله لبوتين: "الأمريكيون يحاولون دائمًا دفع منافسهم إلى موضع الانفعال، لكنكم أفشلتم هذه السياسة"، كما رأى خامنئي أن "قرارات وإجراءات روسيا في الموضوع السوري أسهمت في زيادة المصداقية الإقليمية والعالمية لروسيا والرئيس بوتين شخصيًا".
من ناحيته لم يكن بوتين أقل سخاء في الثناء على إيران وقيادتها فقد اعتبر أن إيران "بلد مستقل ويتمتع بآفاق زاهرة للغاية" وقال "نحن نعتبركم حليفًا موثوقًا به ويعوّل عليه في المنطقة والعالم" موضحًا موقف روسيا من أصدقائها ومنهم إيران بقوله: "على النقيض من البعض نحن ملتزمون بألا نطعن شركاءنا من الخلف، وألا نقدم على أي إجراء خلف الكواليس ضد أصدقائنا، وإن كانت لدينا خلافات فيمكن أن نتوصل إلى تفاهم من خلال الحوار"، كما اعتبر بوتين أن مواقف روسيا وإيران تجاه سوريا "متقاربة جدًا".
تطورات مهمة تزامنت مع تسليم روسيا صواريخ "اس 300" لإيران على نحو ما أكد مهدي صانعي السفير الإيراني في موسكو، كما تزامنت مع إعلان الرئيس بوتين خلال لقائه مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في طهران أن روسيا تعتزم العمل على تنفيذ خطة الأعمال المتعلقة ببرنامج إيران النووي، كما أنها ستساعد في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية.
تحولات مثيرة أثارت استياءً أمريكيًا عبرت عنه العديد من الصحف التي شككت في جدية آفاق التعاون الروسي- الإيراني على قاعدة تباين المصالح، لكنها تطورات تعتبر متغيرً مهمًا في مجرى التفاعلات الإقليمية بالشرق الأوسط على ضوء ما يحدث الآن من استقطاب إقليمي حول الأزمة السورية.