المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الدولة والنخبة: ضعف الوعى والتراكم التاريخى

الخميس 03/سبتمبر/2015 - 01:35 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
نبيل عبدالفتاح
معان شائعة تحملُ فى غالبها اليقين والمعرفة والقطع بمفهوم الدولة فى مناهج التعليم على تعددها واختلافها، وفى خطابات المدرسين والمدرسات للطلاب والطالبات، وفى لغة البيروقراطية والتكنوقراط، والوزراء ورؤسائهم، ورؤساء الجمهورية، ورجال الأمن والاستخبارات، ورجال الدين، والمثقفين والصحفيين ورجال الإعلام والموظفين وبسطاء الناس.. تبدو الدولة فى الخطابات السياسية واليومية الشائعة مختزلة فى إطار النظرة التى من خلالها يدرك هؤلاء وأولئك بعض أبعاد الدولة وأجهزتها وخبراتهم بها أو معها، وما تلقوه من تنشئة سياسية واجتماعية حول ماهية الدولة والمصرية عموماً.
أن خطورة هذه المعانى الشائعة، أنها فى غالبها تنطوى على نظرات جزئية ومحدودة، ومختزلة، لمعنى الدولة، وبعضها يحمل إدراكا بسيطا ولا تاريخيا لها. يمكن لنا أن نذكرك ببعض الملاحظات التالية:
أن تشكل عمليات بناء الدولة ومؤسساتها وأجهزتها كان جزءاً من تطور الحركة القومية وبناء الأمة، والأنسجة الاجتماعية والثقافية والوعى الجمعى بالهوية الوطنية الجامعة
أولا- الخلط بين الدولة وأنماط ما قبل الدولة

 النظرة الأولى الشائعة: التى تخلط بين الدولة القومية الحديثة وحركة القوميات والأمة والرأسمالية، وبين مفهوم وأنماط الدولة ما قبل الدولة/ الأمة، وكأن الدولة وميراثها وثقافاتها كائن اجتماعى وسياسى وثقافى معطى خارج التاريخ والكفاح الإنسانى وصراعاته من أجل التنظيم. هذا الخلط لا يميز بين معانى الدولة القومية وتركيبها وتعقيدها المفاهيمى والمؤسسى، وبين التجارب السابقة عليها. يشيع هذا الفهم فى غالب الخطابات الإسلامية السياسية ولدى بعض الدول الانقسامية ما بعد الاستقلال التى تستخدم مفهوم الدولة الوطنية والأمة استخداما مجازيا وإيديولوجيا كجزء من منظومة العنف الرمزى الذى يرمى إلى تبرير استخدام القمع الإيديولوجى والمادى لإنتاج وطنية سياسية وفرضها كقناع لتغطية الحكم الطائفى أو العرقى أو المناطقى أو القبلى والعشائرى كما شاع فى المشرق العربى وليبيا والسودان.. الخ وثمة استثناء فى الدولة القومية المصرية، والدولة المخزنية بالمغرب.

أن تشكل عمليات بناء الدولة ومؤسساتها وأجهزتها ومفهومها التصورى الجامع، كان جزءاً من تطور الحركة القومية وبناء الأمة، والأنسجة الاجتماعية والثقافية والوعى الجمعى بالهوية الوطنية الجامعة. من هنا يمكن تفسير لماذا انهارت دولة ما بعد الاستقلال فى العراق، وليبيا واختزلت فى أجهزة القمع فى سورية، وأيضا المثال اليمنى على خصوصيته.
رأت بعض القطاعات الاجتماعية فى المؤسسة العسكرية الوطنية هى السند الأساسى فى بقاء الدولة واستمراريتها وتماسكها
ثانيا- رؤي النخب السياسية

النظرة الثانية الشائعة لدى النخب: والتى سيطرت على النظم السياسية الشمولية والتسلطية، والتى تختزل الدولة فى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية أساساً، وأن تماسكها البنيوى يعنى استمرارية الدولة، وأن اهتزازها أو انكسارها هو انهيار الدولة. هذه النظرة القومية استعيدت وتم ترويجها عقب الانتفاضات الجماهيرية المجهضة فى المنطقة العربية، لإنتاج تعبئة سياسية وحشد جماهيرى فى ظل انقسامات سياسية واجتماعية حادة، وبعض من الفوضى الأمنية والسيولة وعدم اليقين.
إن المراحل الانتقالية كرست هذا المفهوم لدى بعض القطاعات الاجتماعية التى رأت فى المؤسسة العسكرية الوطنية هى السند الأساسى فى بقاء الدولة واستمراريتها وتماسكها. جزء من هذه النظرة اعتبر البيروقراطية العتيقة هى والجيش والأمن يمثلون الدولة العميقة وأن وراءهم مصالح اجتماعية وسياسية راسخة، ومن ثم يميلون إلى عدم التغيير السياسى الراديكالى، وأن تحالف هذه المنظومة هو الذى أدى إلى عدم سقوط الدولة.
بعض من هذا الرأى ينطوى على بعض من الصحة إلا أن هذا المعنى عن الدولة العميقة غير دقيق ومستعار من تركيا وأمريكا اللاتينية فى بعض مراحل تطور الدولة هناك، وذلك على الرغم من أهمية دور مؤسسات الأمن والجيش وبيروقراطية جهاز الدولة الإدارى.
النظام السياسى ليس هو الدولة كبناء تصورى جامع يتجاوز النظام أو السلطات الثلاث
ثالثا- اختزال الدولة

المعنى الثالث الشائع: اختزال الدولة ودورها فى النظام السياسى الجمهورى أو الملكى أيا كانت طبيعته شمولية وقمعية أو تسلطية أو مزيج من الثيوقراطية والقمعية والعائلية، لأن النظام السياسى ليس هو الدولة كبناء تصورى جامع يتجاوز النظام أو السلطات الثلاث.

المعنى الرابع الشائع: اختزال الدولة فى رئيس الجمهورية أو الملك أو الأمير أو السلطة التنفيذية ممثلة فى الحكومة، أو فى الجهاز الإدارى الذى يتعامل معه «المواطنون» يومياً فى تيسير أمورهم وقضاء احتياجاتهم، ومنها الحاجة إلى الأمن. هذا المنظور شاع فى عهدى السادات ومبارك، وبعضهم يحاول ترويجه مؤخراً، وهو أمر يعنى وبوضح غياب التراكم والوعى التاريخى بالدولة كبناء تصورى ومفهومى جامع وأوسع نطاقا من معانى القوة، والسلطة، والبيروقراطية، والأمن، والجيش، ورجل الدين، وهروات الجنود، وسطوة البيروقراطى وتوقيعاته وأختامه!!.. الخ.
إن ما يعطى هذه المعانى الشائعة والمغلوطة عن الدولة سطوتها فى الوعى شبه الجمعى لبعض النخب السياسية الحاكمة والمعارضة، هو ضعف مستويات المعرفة بالدولة وتاريخها وأنماطها وتطوراتها وتعقيداتها، سواء فى السياسة والمناهج التعليمية على اختلافها ما قبل الجامعية وما بعدها إلا فى الدرس الأكاديمى القانونى أو فى العلوم السياسية، ولا يستقر فى ذهن الدارسين للعلوم الاجتماعية والقانونية السياسية، إلا بعض من هذه المعانى الشائعة والغامضة والغائمة، ومن ثم لا يتأثرون بالدرس السوسيو - فلسفى، والسوسيو قانونى، والسوسيو - سياسى عن الدولة ناهيك عن ندوة الأعمال الفلسفية والسياسية والتاريخية العميقة والرصينة حول الدولة وأنماطها ونماذجها وتاريخها. ثمة استثناءات لدى بعض الثقاة من الباحثين والفلاسفة والسوسيولوجين إلا أن ربط الدولة باحتكار القوة فقط وبالنخبة والأجهزة الأمنية والعسكرية والمعلوماتية والبيروقراطية، يشكل خطا فادحاً فى الوعى والإدراك السياسى، والأخطر هيمنة نمط من المعانى المغلوطة التى تقود بعض القادة السياسيين، وكبار رجال الدولة إلى أخطاء فادحة فى تسيير شئون الدولة والنظام والمؤسسات السياسية والبيروقراطية. أن سطحية وبساطة ما نتلقاه من عديد الخطابات الرسمية، والمعارضة ومن بعض قادة المجتمع المدنى تحت التشكيل - يشير إلى أعطاب فى تكوين النخب السائدة، لاسيما ضحالة التكوين المعرفى وضعف ثقافة الدولة والوعى التاريخى بها وتحولاتها.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟