تساؤل مشروع: هل يستهدف قانون الإرهاب مكافحة إعلام الإرهاب أم إرهاب الإعلام؟
شهد الوسط الصحفي حالة من الاستياء الشديد بسبب مشروع قانون مكافحة الإرهاب الذي يضع القيود على الصحافة وحريتها وفقًا لما قالته نقابة الصحفيين في بيان لها، كما دعا مجلس نقابة الصحفيين برئاسة يحيى قلاش، نقيب الصحفيين، جميع أعضاء المجلس لاجتماع طارئ، للوقوف على سبل التصدي للمواد المتعلقة بالصحافة في قانون «مكافحة الإرهاب»، وأعلنت نقابة الصحفيين في بيانها رفضها المطلق للقيود الجديدة التي وضعها مشروع قانون «مكافحة الإرهاب» على الصحافة وحريتها لأنها مخالفة لنصوص الدستور المصري الحالي، مشيرة إلى أن مشروع القانون يعيد من جديد القيود التي ناضلت الجماعة الصحافية لإلغائها عبر عقود من تاريخها، وتم تتويج هذا النضال في نصوص دستور 2014.
وعلى الرغم من قيام المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، بالتعبير عن شعوره بالأمن والأمان والسعادة خلال تفقده للأوضاع الأمنية بمدينة العريش، مشيرًا إلى أنه ستتم مناقشة كل الملاحظات الخاصة بشأن قانون مكافحة الإرهاب. وأضاف محلب أن الوقت الحالي هو المناسب لاتخاذ إجراءات رادعة لحماية الوطن ضد العناصر الإرهابية، لافتًا إلى أن وسائل الإعلام روَّجت لأكاذيب حول عدد شهداء القوات المسلحة في أحداث سيناء الأخيرة.
وأكد رئيس مجلس الوزراء أن قانون مكافحة الإرهاب لا يهدف إلى مراقبة وسائل الإعلام، حيث إن مصر الجديدة تحترم وسائل الإعلام ولا تقيدها، موضحًا أن بيان القوات المسلحة تأخر لأنه كان يجب أن يخرج بمعلومات مؤكدة وأعداد سليمة.
ورغم تصريحات المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء فإننا ما زلنا أمام قصة خبرية متفاعلة ومتشابكة الخيوط وسط غبار الضجيج الإعلامي غير المسبوق. وفي هذه الدراسة نستعرض مواقف الأطراف كافة ذات الصلة بالموضوع، كما نطرح في هذه الدراسة سؤالًا مشروعًا: هل يصدر قانون الإرهاب لمكافحة الإعلام الذيا يساند الإرهاب ، كما حدث في الحرب الأخيرة في سيناء، ومواقف أخرى كثيرة نعدد بعضها في هذه الدراسة، أم أنه يصدر لإرهاب الإعلام كما يدعي بعض الإعلاميين والصحفيين ووسائل الإعلام الإخوانية ووسائل الإعلام الغربية الداعمة لجماعة الإخوان، التي تبنت موقف "الجماعة الصحفية"بشكلٍ يكاد يكون متطابقًا ومثيرًا للاستغراب في آنٍ واحد
أولًا: موقف نقابة الصحفيين
في البداية، أكدت نقابة الصحفيين رفضها المطلق للقيود الجديدة التي جاء مشروع قانون "مكافحة الإرهاب" ليضعها على الصحافة وحريتها، في مخالفة واضحة لنصوص الدستور المصري الحالي. حيث جاء مشروع القانون، الذي أعلنت عنه الحكومة، ليعيد من جديد القيود التي ناضلت الجماعة الصحفية لإلغائها عبر عقود من تاريخها، وتم تتويج هذا النضال في نصوص دستور 2014.
وشددت النقابة على أن مشروع قانون "مكافحة الإرهاب" حفل بعديدٍ من المواد التي تخالف بشكل صريح المادة (71) من الدستور، وما نصت عليه من "حظر توقيع أي عقــوبة ســالبة للحرية فى الجــرائم التي تُرتكب بطريق النشــر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون، خصوصًا في مواده (26، 27، 29، 33، 37(.
ووجّهت نقابة الصحفيين نظر المسئولين في الدولة، وكل من يهمه أمر هذا الوطن، إلى أن يعيدوا قراءة نص المادة (33) من مشروع قانون "مكافحة الإرهاب” جيدًا، وهي المادة التي تنص على "يُعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن".
ولفتت النقابة النظر إلى أن هذه المادة الخطيرة تخالف النص الدستوري، وتعيد من جديد عقوبة الحبس، بل وتصادر حق الصحفي في الحصول على المعلومات من مصادرها المختلفة وتحصرها في جهة واحدة، الأمرالذي يُمثل ارتدادًا واضحًا على حرية الرأي والنشر التعبير، حيث لم تكتف المادة المذكورة بإعادة الحبس في قضايا النشر بالمخالفة للدستور، بل إنها جعلت من السلطة التنفيذية رقيبًا على الصحافة وحريتها، ومعيارًا للحقيقة، وفتحت الباب لمصادرة حرية الصحافة، وإهدار الضمانات كافة التي كفلها القانون للصحفي.
وأكدت النقابة أن هذا القانون جاء ليغلق الباب أمام كل المحاولات التي تسعى إلى أن تكون الصحافة معبرة عن المجتمع بكل طوائفه، ويفتح الباب أمام عودة الرقابة على الصحافة والإعلام عبر نصوص قانونية تضرب حرية الصحافة في مقتل، وهو ما ظهر في عديدٍ من مواد ذلك القانون، حيث حفلت المواد (26، 27، 29، 37) بالعديد من العبارات المطاطة التي تتعدى الهدف الرئيسي للقانون وهو مواجهة الإرهاب، إلى مصادرة حرية الصحافة، وفتح الباب واسعًا عبر تفسيرات مطاطة للنيل منها، ومصادرتها من خلال السلطة التنفيذية، بالمخالفة لنص المادة (70) من الدستور.
ونقابة الصحفيين إذ تعلن عن مساندتها للدولة المصرية ومؤسساتها في حربها على الإرهاب، فإنها تؤكد أن محاربة الإرهاب لا تكون بمصادرة الحريات العامة، وفي القلب منها حرية الصحافة والإعلام، بل بإطلاق الحريات العامة وإدخال المجتمع كشريك رئيس في مواجهة جماعات التطرف والعنف.
ودعت النقابة الجماعة الصحفية وكل المدافعين عن الحريات، للوقوف صفًا واحدًا أمام محاولات تقويض حرية الصحافة بدعوى محاربة الإرهاب. وتشدد النقابة على أن الطريق لمحاربة الإرهاب لن يكون بإهدار الدستور وإقرار نصوص قانونية غير دستورية، لكن بتفعيل نصوص الدستور، خصوصًا في مجال الحقوق والحريات.
وقرر مجلس النقابة الدعوة إلى اجتماع طارئ، للوقوف على سبل التصدي للمواد المتعلقة بالصحافة في قانون "مكافحة الإرهاب"، ومنها دعوة رؤساء التحرير، وأعضاء مجالس الإدارات والجمعيات العمومية في المؤسسات الصحفية القومية، والجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، لمواجهة محاولات النيل من الصحافة وحريتها.
وقال يحيى قلاش نقيب الصحفيين: إن الاجتماع الطارئ الذي دعا إليه يبحث مع رؤساء تحرير الصحف وشيوخ المهنة الاتفاق على طريقة التصدي لهذا القانون، ومن الوارد الدعوة إلى جمعية عمومية للنقابة في حالة عدم الاستجابة للمطالب الخاصة بتعديل النصوص الخمسة المقيدة للحريات والتي تعد من أخطرها المادة 33، وأوضح "أن الهجمة على الإعلام وحرية الصحافة تتصاعد يوميًا، وأصبح الصحفي متهمًا إلى أن يثبت العكس، وأضاف "أن الإرهابيين لو أنهم كانوا هم من صاغوا هذا القانون لما خرج بهذا السوء، مشيرًا إلى أن القانون كفيل بأن يقضي على مهنة الصحافة بأكملها".
من جانبه أكد جمال عبدالرحيم ، سكرتير عام نقابة الصحفيين، أنه لا يختلف اثنان على الدور المهم الذي قامت به الصحافة المصرية لمواجهة الإرهاب، ومساندة الدولة في التصدي للعمليات الإرهابية والفكر المتطرف منذ سنوات طويلة وحتى الآن. وأضاف أنه "يبدو أن النصوص الخطيرة غير الدستورية التي تضمنها مشروع قانون مكافحة الإرهاب الجديد، والتي تعاقب الصحفيين بالحبس والغرامة هي مكافأة محلب وحكومته للصحافة المصرية ردًا علي دورها المهم والبارز في التصدي للإرهاب".
واستنكر حازم الملاح عضو جبهة الدفاع عن الصحفيين والحريات قانون مكافحة الإرهاب والذي أقره المجلس القضاء الاعلي. وأكد الملاح أن هذا القانون يأتى لمصادرة حرية الصحافة والإعلام ووأد المكتسبات التى حصلت عليها الجماعة الصحفية في دستور 2014.
وأوضح الملاح أن هناك مواد كارثية بالقانون ستدمر مهنة الصحافة وتلقي بالصحفيين في السجون، حيث تهدد المادة 33 من القانون الحالي بنشر أية أخبار أو تقارير إلا من خلال الجهات الرسمية، وهذا يعني أن الصحفيين سيكونون تابعين للجهات الحكومية، وكذلك جريمة عدم إتاحة المعلومات للمواطنين ومن مصادر مختلفة إعمالا بأهمية تداول المعلومات.
وأشار الملاح إلى أن المادة 37 في القانون تُعد كارثية أيضا لأنها تمنع من نقل وتسجيل وقائع الجلسات والمحاكمات في تعنت واضح لعدم نقل الحقيقة، وأكد حازم الملاح أن مكافحة الإرهاب لن تُحَل بسن تشريعات او قوانين تدمر حرية الصحافة في ظل جماعات تكفيرية لم تعترف أصلا بالقانون، وعلى الحكومة إذا كانت راغبة في الحل فعليها القيام بخطوات على أرض الواقع لمواجهة الفكر والتطرف من خلال الفكر والثقافة وإطلاق العنان للإبداع ونشر ثقافة الحوار وتعمير سيناء.
وقال خالد البلشي، رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، قررت نقابة الصحفيين أن تكون هناك دعوات لاجتماع رؤساء تحرير الصحف للتصدي بشكل كبير لهذا القانون، وهناك اجتماعان آخران مع مجلس النقابة واجتماع موسع يضم كبار الصحفيين وأعضاء مجالس النقابة السابقين وأعضاء مجالس إدارات الجمعيات العمومية وكِبَار الكُتَاب واجتماع أيضا لأعضاء النقابة المهنية، وذلك للوقوف في وجه المواد التي تعادي حرية الصحافة، وأكد "نحن لسنا في حرب فكرية ضد أحد، ولكن معركتنا من أجل حرية الصحافة، وأن يكون جميع الأطراف طرفًا واحدًا ضد الإرهاب".
وأكد البلشي "أن مشروع قانون الإرهاب الجديد شهد عديدًا من المواد التي تخالف الدستور وتعارضه، وفي مقدمتها المادة رقم 33 من قانون الإرهاب والتي تعارض المادة 71 من الدستور"، وأضاف "أن المادة 71 تنص على "حظر توقيع أي عقــوبة سالبة للحرية في الجرائم التي تُرتكب بطريق النشر أو العلانية، بل وما ورد فيها من استثناء بالإحالة لقانون العقوبات في الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد"، وهو ما ظهر بشكلٍ واضح في نصوص المواد رقم 26 و27 و29 و33 و37.
ثانيًا: اعتراضات نقابة الصحفيين على مشروع القانون
وتتمثل أهم اعتراضات نقابة الصحفيين في مشروع قانون مكافحة الإرهاب في مواد القانون التي تراها النقابة سالبة لحرية الصحافة، وهذه المواد هي:
§ يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنين كل من روّج أو أعد للترويج، بطريق مباشر أو غير مباشر، لارتكاب أي جريمة إرهابية، سواء بالقول أو الكتابة أو بأي وسيلة أخرى.
§ يُعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنين، كل من أنشأ أو استخدم موقعًا على شبكات الاتصالات أو شبكة المعلومات الدولية أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة، بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية، أو لبث ما يهدف إلى تضليل السلطات الأمنية، أو التأثير على سير العدالة في شأن أي جريمة إرهابية.
§ يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنين، كل من جمع دون مقتضٍ، معلومات عن أحد القائمين على تنفيذ أو تطبيق أحكام هذا القانون، وذلك بغرض استخدامها في تهديده، أو في الإعداد لإلحاق الأذى به أو بمصالحه، أو مصالح جهة عمله.
§ يُعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمّد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية.
§ في قضايا الإرهاب المنصوص عليها في هذا القانون، يحظر، قيام أي فرد أو جهة بتسجيل أو تصوير وقائع جلسات المحاكمة بأي وسيلة كانت أو بثها عبر وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة أو على شبكات الاتصالات أو التواصل الاجتماعي أو على أي وسيلة أخرى، وذلك كله ما لم تأذن المحكمة.
ثالثًا: موقف الصحفيين من القانونقال الكاتب الصحفي والإعلامي خالد صلاح، رئيس تحرير "اليوم السابع"، إننا جميعًا نقف في خندق واحد لمكافحة الإرهاب داخل الدولة، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يزايد على أحد فيما يخص ملف الإرهاب، مضيفًا: "لا نستطيع أن نقول بين عشيةٍ وضُحاها إننا نعمل للإرهاب، لمجرد قول رأي مختلف بالدولة، وعندما حدثت بعض الاختلالات الأمنية فى الفترة السابقة ونتج على إثرها اغتيال بعض الشخصيات العامة، مثل الشهيد المستشار هشام بركات، لم يوجه الإعلام اللوم للتقصير الأمني بعد هذه الواقعة تقديرًا منه لتعرض الدولة لمخاطر عديدة، بجانب عدم إضعاف معنويات الشرطة في هذه المرحلة بسبب إطالة الحرب الحالية مع الإرهاب".
وأضاف صلاح عبر برنامج "آخر النهار" المذاع على فضائية "النهار"، أن مشروع قانون مكافحة الإرهاب، عندما يخرج لمكافحة الصحافة والإعلام والنشر فهذه مسألة تدخل في منطقة خطيرة، لاسيما أن هناك شخصيات تحرض ضد الإعلام والصحافة، وهناك أيضًا أخطاء تخرج من الصحافة والإعلام مثلما تخطأ وتقصر أي جهة أخرى أو مؤسسة أخرى بالدولة، وتابع: "ولكن الدولة تريد هنا بقانون الإرهاب محاكمة هؤلاء الذين يمكن أن يتداركوا أخطاءهم ولا تُحاسب هؤلاء الذين يقصرون في مهامهم التي تؤدي إلى الإرهاب أو الذين يعطلون مسارات الحياة السياسية بما يؤدي إلى مزيدٍ من الإرهاب".
وقال الكاتب مجدي الجلاد، رئيس تحرير صحيفة "الوطن"، "إن القانون يُسلم الإعلام للإرهاب، مشيرًا إلى أن هناك عناصر كانت في أجهزة أمنية سيادية تعمل الآن ضد حرية الصحافة وتحرض على الصحفيين داخل الدولة".
وأكد عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة "الشروق"، تأييده الكامل لمعظم ما جاء في البيان الذي أصدرته نقابة الصحافيين، والذي أعلنت فيه رفضها لمشروع قانون مكافحة الإرهاب، وقال "إن أول من سيستفيد من التوسع في المواد المطاطية التي نص عليها هذا القانون، هم الإرهابيون وجماعة الإخوان المسلمين"، وأضاف "أن هذه المواد المطاطية ستعطي انطباعًا للجميع بأن الهدف من هذا القانون هو تكميم الصحافة، وليس ردع الإرهابيين، مؤكدًا أن ما يحدث اليوم هو تكرار لتجربة الرئيس الأسبق مبارك، في التسعينيات، عندما كان يحارب الإرهاب، ويضيّق على الحريات"، ولا بد من البحث عن كيفية تحقيق المعادلة الصعبة، الخاصة بردع الإرهابيين، دون خنق الحريات".
وعلى الجانب الآخر، هاجم الكاتب الصحفي مصطفى بكري، والبرلماني السابق، الرافضين لقانون مكافحة الإرهاب، مؤكدًا أن الدولة المصرية في حالة حرب ونحن في احتياج شديد لقانون مكافحة الإرهاب. وقال "إن حرية الصحافة في مصر تحولت إلى حرية الفوضى"، وأضاف "أقول لمعارضي قانون مكافحة الإرهاب بلاش ضجة لا داعي لها، ومن على رأسهم بطحة هم الذين يخافون من قانون مكافحة الإرهاب"، وأشار إلى أن الأخبار والبيانات الكاذبة تؤدي إلى الفوضى وضد الأمن القومي المصري، موضحًا أن قانون مكافحة الإرهاب لا يتعارض مع الدستور بل يعاقب المحرضين على العنف.
واستطرد قائلًا "عندما يتعارض الحديث عن المهنة مع ثوابت الوطن لا بد أن تُقَدَمَ الثانية، ولا يجب المزايدة على الدولة المصرية، لأنها تحصن حريات الصحفيين والإعلاميين"، كما انتقد رفض نقابة الصحفيين لهذا القانون، قائلا "يجب أن تنأى النقابة بنفسها عن انتقاد هذا القانون، لأن الوقوف ضد قانون مكافحة الإرهاب يصب في صالح الكيانات الإرهابية".
رابعًا: موقف اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلاميةأعلنت اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية، رفضها لبعض المواد الخاصة بالنشر في مشروع قانون مكافحة الإرهاب. وأكد جمال عبد الرحيم، سكرتير عام نقابة الصحفيين وعضو لجنة التشريعات الصحفية، أن اللجنة أصدرت بيانًا بهذا الشأن.
وقال نص البيان: "فوجئت اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية، وهي بصدد الانتهاء من صياغة القوانين الخاصة بالصحافة وبالإعلام بخروج بعض مواد قانون الإرهاب التي تكبل حرية الصحافة والإعلام وتعيد عقوبة الحبس في قضايا النشر والبث، بالمخالفة لمواد الدستور المصري خاصة المادة 71، من خلال نصوص صريحة وعبارات مطاطة تهدد بملاحقة الصحفيين والإعلاميين في وقت أُلغيت فيه المواد السالبة للحرية في أغلب دول العالم حتى حديثة الديمقراطية منها".
وأضافت اللجنة في بيانها: "أن أبناء الصحافة والإعلام المصري الذين تصدروا الصفوف في أحلك الظروف ضد الإرهاب وجماعات الظلام دون خوف من تهديدات بتصفية أو اغتيال، هم أحرص من أي جهة على مكافحة المخططات الإرهابية التي تستهدف تقويض الدولة وترويع المواطنين، ويؤكدون أن حرية الصحافة والإعلام أقوى سلاح يمتلكه الشعب أمام الإرهاب، وتقييده هدية مجانية لدعاة القتل والترويع والتخريب وسفك الدماء، حيث يفتح الباب لانصراف الجمهور عن وسائل الإعلام المصرية واللجوء لوسائل الإعلام الأخرى".
ودعت اللجنة إلى تعديل تلك المواد المكبلة للصحف ووسائل الإعلام، وإلغاء المادة 33 في مشروع قانون مكافحة الإرهاب، والتي تفترض أن النشر بالمخالفة للبيانات الرسمية جريمة عمدية يستحق مرتكبها عقوبة الحبس لمدة سنتين. وأكدت اللجنة في ختام بيانها على مساندة الصحفيين والإعلاميين لرجال الجيش والشرطة في معركة الوطن لدحر الإرهاب وصون أمن البلاد.
وصف حقوقيون مشروع القانون بأنه "كارثة"، ويعتبرون بنوده هدرًا للحق في ضمانات المحاكمة العادلة. وقال جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: "أمر كارثي أن نرى الدولة تمرر مثل هذا القانون في مناخ مشحون بالمطالبة بالانتقام". وينص التشريع الجديد على عقوبة الإعدام لممولي ومؤسسي أي تنظيمات "إرهابية"، والسجن خمسة أعوام لمن "يروج للإرهاب" عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأبدى حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، ملاحظاته على قانون الإرهاب، مؤكدا أن المادة 33 من القانون تعرض الصحفيين والإعلاميين للحبس عامين؛ لنشر أخبار تتعلق بأحداث تهم قطاعًا كبيرًا من الناس، قبل الجهة الرسمية، معتبرًا ذلك يتنافى مع ما تضمنته مواد الدستور الخاصة بحرية الرأي والتعبير، كما يحجم دور الإعلام في نشر الحقائق على الرأي العام ويعطل عملهم، ﻻفتا النظر إلى أن الاعتماد على جهة واحدة في إذاعة ونشر ما يحدث على أرض الواقع بشكل سريع وبمهنية أمر غير جيد.
كما أعلن مرصد "صحفيون ضد التعذيب" رفضه لبعض مواد مشروع قانون "مكافحة الإرهاب"، والذي يمثل قيدًا جديدًا على حرية الإعلام بمصر، غير مخالفة القانون للدستور، والذي منح حقوق للجماعة الصحفية طالما طالبت بها، مردفًا: "فجاء القانون ليعيد الرقابة و الحبس في قضايا النشر، ما يُعد انتهاكًا صريحًا للدستور".
وشدد المرصد على أن مشروع القانون به خمس مواد وهي "26 - 27 - 29 - 33 - 37"، تخالف بشكل صريح المادة 71 من الدستور، وما نصت عليه من "حظر توقيع أي عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي تُرتكب بطريق النشر أو العلانية، كما تصادر هذه المواد حق الصحفي في الحصول على المعلومات من مصادرها المختلفة وتحصرها في جهة واحدة، الأمر الذي يُمثل ارتدادًا واضحًا على حرية الرأي والنشر"، على حد تعبيره.
وأضاف المرصد " مواد القانون تحفل بكثير من العبارات المطاطة التي تتعدى الهدف الرئيس للقانون، وهو مواجهة الإرهاب إلى مصادرة حرية الصحافة من خلال السلطة التنفيذية”، هذا غير أن محاربة الإرهاب لا تكون بمصادرة الحريات العامة بل بإدخال المجتمع كشريك رئيسي في مواجهة جماعات التطرف".
سادسًا: موقف الأحزاب
أكد هلال عبد الحميد، أمين الحزب المصري الاجتماعي بأسيوط، أن مشروع قانون مكافحة الإرهاب يحتوي على مواد تخص الإعلام، وتفتعل مشكلات داخلية مع وسائله. وأضاف أن المشرعين بالحكومة يفتعلون مشكلات بالجملة، ويوقعون البلاد فيها، ولو أن الإرهابيين أنفسهم الذين يرغبون في إرباك المشهد المصري ما فعلوا أكثر منهم، وشدد على أن مكافحة الإرهاب نحتاج فيها لكل الأدوات والفعاليات الوطنية، وليس إلى افتعال المشكلات، كتلك التي يفتعلها واضعو مشروع قانون مكافحة الإرهاب .
وتساءل عبد الحميد: ما الذي يريده ترزية القوانين من تكميم أفواه الإعلام الوطني؟ بينما هم لا يستطيعون مواجهة الإعلام المتربص، سواء أكان تقليديًا أم فضائيًّا! أو الـ "سوشيال ميديا"، مطالبًا بتنقية مشروع القانون من كل المخالفات الدستورية التي شابته، وأهمها مخالفة المادة 71 من الدستور الخاصة بحرية الإعلام.
وطالب ممتاز الدسوقي، أمين حزب المصريين الأحرار بصدفا، الرئيس السيسي وعد بعدم اعتماد المشروع إلا بعد تنقيته من كل المواد المعادية لحرية الإعلام، والمخالفة للدستور، حتى لا يستخدم القرار بقانون في تشويه سمعة مصر .
سابعًا: موقف خبراء الإعلام
أكد خبراء الإعلام أن مشروع القانون يحمل مخالفة دستورية مطالبين بسرعة تعديله واتهموا وسائل الإعلام بكون ما سببته من بلبلة وأخطاء مهنية خلال تغطية الأحداث الإرهابية منذ أيام أدت لخروج القانون هكذا. قال ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامى إن القانون فيما يتعلق بالصحافة يتضمن مخالفةً دستورية، لأنه يناقض إحدى مواد الدستور والتى تنص على إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر، وأضاف أن القانون يجبر وسائل الإعلام والصحفيين بالتزويد من مصدر محدد وهو ما يعتبر تدخلًا فى حرية الصحافة والإعلام، لذلك وجبت مراجعة القانون. ومن جانبه قال الإعلامي حمدى الكنيسى؛ إن إصدار قانون الإرهاب تأخر أكثر مما يجب ولو أنه صدر فى موعده لتفادينا عددًا كبيرًا من الجرائم الإرهابية. وتابع قائلا: على أي حال صدوره متأخرًا افضل من عدم صدوره على الإطلاق، ولكن أرجو أن تتم مراجعة بعض مواد القانون التي يظهر فيها أنها ستقيّد حرية التعبير والصحافة والإعلام وهي مواد معروفة اعترضت عليها نقابة الصحفيين، وأصدرت بيانًا بها ويجب أن تضمن مراجعة المواد أي مادة قد يُساء فهمها أو استغلالها. وأضاف: إن القانون هو لمكافحة الإرهاب ويوجد جزء فيه خاص بالصحف نتيجة لأخطاء جسيمة حدثت من وسائل الاعلام وبعض الصحف أثناء تغطية العمليات الإرهابية أول يوليو الجاري، حيث تم نشر أخبار دون الرجوع إلى المصدر ما أدى إلى حالة من القلق والإحباط لدى الشعب المصري، وهذا ما استغله الإعلام المعادي للدولة. وأكد أن هذا لا يعني أن نترك مواد يُساء فهمها، مؤكدًا أن الدولة حريصة على تفهم واستيعاب أصوات الصحفيين والإعلاميين التي تنبّه إلى بعض الأخطاء في المواد، لافتًا النظر إلى أن الدولة فى النهاية تريد إصدار قانون يتم قبوله بالإجماع. |
وأكدت د. ليلى عبد المجيد، عميد كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية وعميد إعلام القاهرة الأسبق وأستاذ التشريعات الصحفية، أن مشروع قانون مكافحة الإرهاب الجديد يتعلق بالجرائم الارهابية وليس بشكل عام، مشيرة إلى أن قانون العقوبات المصري يجرم في نصوصه نشر الأخبار الكاذبة عن طريق العلن، ويشدد ذلك في أوقات الحرب. وقالت إن "هناك صعوبة في إثبات وجود سوء نية أو قصد في نشر الأخبار الكاذبة"، مضيفًة "أنه في وقت الحرب تكون هناك ظروف استثنائية خاصة فيما يتعلق بالأمن القومي.
وأكد اللواء الدكتور طارق خضر، أستاذ القانون الدستوري بكلية الشرطة، ومحافظ دمياط السابق، أن حرية الرأي والتعبير تختلف عن ارتكاب جريمة معينة تخل بالأمن القومي وتثير البلبلة والفتن في البلاد، مشيرًا إلى أن جريمة الإرهاب غير كل الجرائم، حيث لها خصائص وصفات تختلف عن جميع الجرائم الأخرى. وأوضح أن مشروع قانون الإرهاب رأى توقيع عقوبة على كل من ينشر بيانات أو أخبار غير حقيقية تخالف البيانات الرسمية لأنها تخل بالأمن القومي، مضيفًا لقد شاهدنا ما حدث من نشر معلومات غير حقيقية خاصة بالاعتداء في سيناء. وأشار إلى أن نشر أخبار غير حقيقية يخرج عن نطاق الحرية والتعبير، مضيفًا أن بعض الصحفيين يتعاملون مع جريمة الإرهاب على أنها جريمة عادية وليس متعلقة بالأمن القومي.
وأكدت د. هويدا مصطفى، عميدة معهد الإعلام بأكاديمية الشروق، أن الدولة كانت تحتاج قانون مكافحة الإرهاب منذ فترة لمواجهة الإرهاب، فالمواجهة لا تكون أمنيًا فقط بل تحتاج إلى مواجهة فكرية وإعلامية أيضًا .وأضافت أن القانون مهم وجيد في مجال الإعلام خاصة وأن هناك بعض القنوات تحرض على العنف وارتكاب الجرائم، بل إنها أصبحت منصة اتهام واضحة وصريحة، فالقانون يقنن تلك الأعمال ويهدف لتوجيه الإعلام نحو الصدق والمصداقية بشكل أكبر.
ولفتت أستاذ الإعلام النظر إلى أن المادة 33 من القانون، والتي تنص بحبس الصحفيين حال نشر أخبار غير صحيحة لمدة لا تقل عن عامين، يجب أن يتم تعديلها لتكون العقوبة الغرامات المغلطة بدلًا من الحبس، خاصة وأن الصحفي يجتهد من أجل الحصول على معلومة صحفية لينقلها للقارئ. وطالبت الجهات الرسمية بالدولة بتسهيل التواصل مع الصحفيين وأن يكونوا أكثر تعاونًا مع مندوبي الصحف والقنوات الإعلامية حتى يتم تطبيق القانون دون خلل.
ثامنًا: موقف وسائل الإعلام الإخوانية والداعمة للإخوانومن الملاحظ أن موقف وسائل إعلام "جماعةالإخوان" مثل شبكة "رصد" وموقع "مفكرة الإسلام" جاء متطابقًا مع موقف نقابة الصحفيين وبعض الصحفيين الذين ينتمون لـ "الجماعة الصحفية"، بل ومع موقف بعض الصحف الغربية الداعمة للإخوان والناقمة على مصر بعد إسقاط مشروع الإسلام السياسي في المنطقة بعد ثورة 30 يونيو، ومن أبرز هذه الصحف صحيفتا "نيويورك تايمز الأمريكية" و"الجارديان" البريطانية.
فقد ركزت شبكة "رصد" الإخوانية أن على بعض الطروحات المركزية في خطابها الصحفي، من بينها أن قانون مكافحة الإرهاب مخالف للدستور، وأنه يمثل عودة مرة أخرى لحبس الصحفيين، ويعيد الرقابة والقيود على الصحف، وأنه تكرار لتجربة مبارك في وأد حرية الصحافة، وأنه سيحول الصحف إلى نشرات للشئون المعنوية للقوات المسلحة، وأن إصدار مثل هذه القوانين ليس جديدًا على النظام، وأنه يثير مخاوف الصحفيين الأجانب العاملين في مصر.
ولم يختلف موقف موقع "مفكرة الإسلام" عن موقف شبكة "رصد" في توجيه الانتقادات اللاذعة لقانون مكافحة الإرهاب، وقد استعان الموقعان بفقرات مطولة من تصريحات خالد صلاح رئيس تحرير "اليوم السابع" وبعض تصريحات بعض المنتمين إلى "الجماعة الصحفية"، علاوة على تصريحات جمال سلطان رئيس تحرير موقع وصحيفة "المصريون" المعروف بعدائه للدولة المصرية وتبنيه لمواقف جماعة الإخوان.
ولم يكن موقف الصحف الأجنبية الداعمة للإخوان مغايرًا لموقف إعلام الإخوان وموقف نقابة الصحفيين "المصريين"؛ حيث اتهمت صحيفة "الجارديان" The Guardian البريطانية مصر بتعديها الواضح والسافر على حرية التعبير بعد أن صاغ مجلس الوزراء قانونًا جديدًا يعاقب بالحبس كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عملية إرهابية بما يخالف التصريحات الرسمية التي تقدمها الحكومة. وبموجب هذه المادة في قانون الإرهاب الجديد- الذي تم عرضه على رئيس الجمهورية للتصديق عليه- فإن الصحفيين يعرّضون للحبس لمدة لا تقل عن سنتين إذا كانت الأرقام التي يقدمونها في تقاريرهم تختلف أو تتعارض مع تلك التي تقدمها مؤسسات الدولة أو كما يذيعها الجيش في بياناته. وقالت الصحيفة إن المادة تنص على: "يُعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية".
وتأتي هذه الخطوة بعد الهجوم العنيف الذي شنه تنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم الدولة الإسلامية داعش على شبه جزيرة سيناء، الهجوم الذي فشل في الاستيلاء على تلك المنطقة النائية في صحراء سيناء “الشيخ زويد”. وأسفر الهجوم عن مقتل عدد من الجنود المصريين، ونفى المتحدث الرسمي باسم القوات المسحلة المصرية مقتل أكثر من 17 جنديًا وانتقد وسائل الإعلام الأجنبية التي ذكرت أن عدد القتلى تجاوز الستين. وقد جاء مشروع قانون “مكافحة الإرهاب” كرد على تلك الأكاذيب التي ينشرها الإعلام وبذلك جعل من السلطة التنفيذية رقيبًا على الصحافة وحريتها.
واستنكر جمال عيد- المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية مقرها القاهرة- في تصريحات للصحيفة مشروع هذا القانون وقال إنه تصرف نازي ويجب معاقبة من اقترح هذه المادة. وقال عيد "إننا بصدد مادة ستدفع الإعلام نحو نوع من الدعاية النازية على غرار اعلام جوبلز” وأضاف أنها فتحت الباب لمصادرة حرية الصحافة -المهنة المهمة التي يجب أن تتمتع بالحرية والموضوعية- وإهدار كل الضمانات التي كفلها القانون للصحفي".
وقال وزير العدل المصري أحمد الزند في تصريحات له لوكالة فرانس بريس "إن الدولة لم يكن لديها خيار آخر سوى فرض بعض المعايير، والحكومة لا بد أن تحمي مواطنيها من المعلومات الخاطئة التي تنتشر فى وسائل الإعلام. وآمل ألا يُفسر الأمر بأنه قيد على حرية الصحافة والإعلام".
وقالت "الجارديان" إن القانون أثار جدلًا واسعًا وأحدث صراعات بين الحكومة المصرية "الاستبدادية" وبين ما تبقى من "أحرار المجتمع المدني المستقل". فمنذ أن أطاح الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي قبل عامين تستخدم الحكومة “مكافحة الإرهاب والتشدد” التي أسفرت عن قتل المئات من رجال الشرطة والجيش كذريعة لفرض مزيد من القيود في صورة تشريعات وقوانين والتي تُعد الأسوأ منذ خمسين عامًا. ولم تفوت الصحيفة الفرصة في شن "موجة ردح" بشأن اعتقال آلاف المنتمين لجماعة الإخوان وعدد من الصحفيين، وحرية التعبير التي تقلصت في مصر، وماشابه من الأكاذيب التي لا تنطلي على أحد.
كما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الانتقادات التي وجهتها جماعات حقوق الإنسان للحكومة المصرية من أنها استغلت الهجمات الأخيرة التي حدثت بسيناء، لدفع التدابير التي من شأنها قمع المعارضة لا سيما وسائل الإعلام والصحافة. وأشارت الصحيفة، في سياق تقريرها المنشور عبر موقعها الإلكتروني، إلى أن هذه الجماعات رأت أن قانون مكافحة الإرهاب الجديد هو تعزيز لحملة القمع التي بدأتها المعارضة منذ عامين وأدت إلى إلغاء الاحتجاجات واعتقال الآلاف من معارضي الحكومة بمن فيهم الصحفيون. ونقلت الصحيفة عن محمد زراع، مدير مكتب معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، قوله "اعتمد قانون مكافحة الإرهاب على التعريف الفضفاض للإرهاب، إذ يمكن تطبيقه على المتطرفين والصحفيين وأيضا جماعات الحقوق المدنية". وأشار زارع إلى أن القانون الجديد كفل مادة من شأنها إعطاء حصانة لضباط الشرطة في تطبيق هذه الإجراءات، فالكثير من مواد هذا القانون يمثل انتهاكًا صريحًا للدستور".
تاسعًا: قانون لمكافحة إعلام الإرهاب أم لإرهاب الإعلام؟
والتساؤل الذي يطرح نفسه هو: هل يصدر قانون الإرهاب بغرض إرهاب الإعلام كما تتهمه نقابة الصحفيين، وبعض من ينتمون لـ "الجماعة الصحفية"، وتؤيدهم في ذلك وسائل الإعلام الإخوانية وبعض الصحف الأجنبية الداعمة للإخوان في حربهم ضد الدولة المصرية. ألم تسأل نقابة الصحفيين نفسها وبعض الصحفيين أنفسهم: لماذا يتطابق موقفنا مع إعلام الإخوان والإعلام المُناصر له في بريطانيا والولايات المتحدة؟ ألم يصف هذه الإعلام الإخواني الإعلام المصري على الدوام منذ عهد "ساقط الذكر" محمد مرسي بأنه إعلامٌ فاسد، ألم يصف إعلام الإخوان بعض الصحفيين المصريين بأقذع الصفات والأوصاف؟ ألم يحاصر المنتمون لجماعة الإخوان مدينة الإنتاج الإعلامي في عهد مرسي؟ ألم يتم استهداف بعض الصحف المصرية في ذلك العهد البائد؟ ألم يقم الإخوان قبل أيام معدودة من ثورة 30 يونيو بإعادة تشكيل مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي ليضم عناصر إخوانية، أصدرت قرارًا ضد حرية الرأي والتعبير في أول اجتماعٍ لها بإغلاق قناة "الفراعين"، ألم يجتمع مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي (الإخواني) يوم (الجمعة) على غير المعتاد ليصدروا بيانًا يمثل تهديدًا لكل القنوات الفضائية ينال من حريتها، وذلك قبل 48 ساعة من ثورة 30 يونيو؟
ألم تسأل نقابة الصحفيين نفسها هذه الأسئلة المهمة، لكي تعرف الإجابة عن تساؤلٍ واحد شديد الأهمية هو ما الذي يدفع إعلام الإخوان والإعلام الداعم له على أن يكون معنا في الخندق نفسه؟ ورغم أهمية السؤال فإن الإجابة غاية في البساطة والمباشرة ولا تحتاج إلى إعمال الذهن أو "اللف والدوران"، وهى أن الإعلام المصري "الفاسد" –على حد تعبير الإخوان وأنصارهم - يحقق لهم وظيفة غاية في الأهمية، وهي أنه يروّج للإرهاب، وتصب معالجاته السقيمة وغير المهنية في صالحهم. ومن هنا تأتي أهمية مساندة الإخوان لهذا الإعلام المغيب، الذي يُحدث تأثيرًا سلبيًا في معركة الدولة المصرية على الإرهاب، بل ويفت في عضد قواته المسلحة وشرطته في الحرب الضروس ضد الإرهاب، بل وفي إشاعة روح الهزيمة والانكسار لدى الشعب المصري.
وللأسف الشديد، مارس هذا الإعلام المغيب غير المهني – إذا أحسنا الظن بأن هذه هى دوافع معالجاته المساندة لجماعات التكفير والظلام- دورًا أعظم تأثيرًا في دعم الإرهاب مقارنةً بوسائل الإعلام الإخوانية محدودة التأثير. وليس أدل على هذا الطرح مما ذكره الأستاذ صلاح عيسي أمين عام المجلس الأعلى للصحافة من أنه تم استخدام الإعلام خلال الفترة الماضية في الترويج للإرهاب، وهناك فيديو على اليوتيوب يوثق لهذا الطرح.
وليس أدل على هذا من مقالٍ مهم كتبه الصديق العزيز د. محمد شومان عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية بعنوان "إعلامنا لا يساعد في الحرب على الإرهاب" بموقع اليوم السابع يوم الأحد، الخامس من يوليو، وذكر فيه "أنه لا يكفي ارتداء المذيعات الجميلات الأسود، ولا تكفي شارات الحداد على الشاشات، ولا تكفي عبارات الرثاء والإجلال لشهداء الوطن، ولا تكفىي عبارات الإدانة والرفض لكل أشكال الإرهاب، ولا يكفى بث أغنيات ساذجة عن حب مصر ودماء الشهداء الغالية.. لم يعد كل هذا مفيدًا أو مناسبًا، لأن أبناءنا في الجيش والشرطة يخوضون حربًا شرسة ضد الإرهاب، بينما الإعلام بعيد عن هذه المواجهة المصيرية، ومشغول ببث سيل لا ينقطع من المسلسلات والمسابقات والإعلانات التافهة التي تقدم حياة غير واقعية عن مصر والمصريين. كل مظاهر الحزن التي اجتاحت شاشات القنوات الخاصة والعامة وبعض الصحف هي نفاق موسمي سبق أن قدّم في مناسبات سابقة ضرب فيها الإرهاب أبناء الوطن، وسقط شهداء وجرحى، وتسابقت القنوات وبعض الصحف في البكاء والإدانة والشجب، ثم نسيت موضوع الحرب على الإرهاب، واستمرت في لعبة خداع النفس وخداع الناس من خلال تقديم حياة مخملية لا تمس الواقع بصلة، حياة تسيطر فيها صور ورموز الثراء والمتعة والسعادة التي ترتبط دائما بمزيد من الاستهلاك، والإعلانات. حياة ليس للحرب أو معاناة الوطن فيها مكان، إعلامنا لا يقدم أخبارًا وصورًا كافية عن الحرب التي يخوضها الجيش والشرطة في سيناء، والتي يجب أن يعيشها كل أبناء الوطن ويقفوا على تفاصيلها ويعرفوا دورهم في هذه المعركة، ولا يعني هذا منع التسلية أو منع بث المسلسلات، ولكن ما أطالب به هو التوازن بين المتعة والترفيه، وبين الاهتمام بتغطية الحرب مع الإرهاب ونقل الإعلام للمعركة.. وأقصد به أن ينتقل الإعلاميون والكاميرات إلى الجنود في مواقعهم في سيناء، وينقلوا لنا بالتنسيق مع الشرطة والجيش والشئون المعنوية حياة الجنود في الميدان، بطولاتهم، مشاكلهم، وعلاقتهم بعائلاتهم، وفي ظني أن نوعية هذه البرامج شبه غائبة عن الشاشات والإذاعات، ربما لأن أعداد المراسلين الحربيين أقل من أعداد الطهاة في برامج الطهو. لدينا فى حرب الاستنزاف تجربة غنية من إعلام المعارك، الإعلام الذي ينتقل إلى الميادين، ولا ينتظر أخبارًا وتقارير تأتى إليه كي يبثها بلا روح".
والأنكى من ذلك أن هذا الإعلام يختلق الأكاذيب ويروج لها لتقويض الدولة المصرية والعمل على شن حرب معنوية ضدها وسط معاركها المحتدمة على الإرهاب، وإلا فما معنى التغطية الإعلامية السقيمة للحرب بين القوات المسلحة المصرية والإرهابين في سيناء، والتحدث باسم الإرهابيين، وتبني روايتهم للأحداث التي تجري في سيناء؟ وما معنى أن ينشر اليوم السابع قصة خبرية مفبركة ومختلقة وكاذبة عن استهداف الإرهابيين لموكب رئيس الجمهورية؟ وما معنى نشر صحيفة "المصري اليوم" لملفٍ كامل بعنوان: "الشرطة شهداء وخطايا: ثقوب في البدلة الميري" يستهدف التحريض على رجال الشرطة المصرية؟
هل هذه هي الحرب التي يخوضها الإعلام المصري ضد الإرهاب أم هي حرب بالوكالة عن الجماعات الإرهابية؟ ثم أين نقابة الصحفيين التي صدعت هي ومن ينتمون إليها عقب الإعلان عن مشروع قانون مكافحة الإرهاب أدمغتنا، وبالغت هي والجماعة الصحفية في الدفاع عن خالد صلاح رئيس تحرير موقع اليوم السابع الذي اختلق قصة خبرية ضمنها وقائع مكذوبة ومختلقة للهجوم الإرهابي على موكب رئيس الجمهورية، ولم تفكر النقابة في محاسبة منتسبيها على هذه الخروقات والانتهاكات المهنية الجسيمة ، بل إنها تستميت في الدفاع عن الفوضى الإعلامية والتردي المهني بشكل مثير للتساؤلات والاشمئزاز في آنٍ واحد.
ومصداقًا لهذا ذكرت د. نجوى كامل أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة وعضو المجلس الأعلى للصحافة وعضو اللجنة الوطنية لتشريعات الصحافة والإعلام، عندي أن ردود الفعل التي تابعتها علي صفحات قامات فكرية ومن بينهم صحفيون وإعلاميون من أصدقائها على الفيس بوك ضد نقابة الصحفيين وموقفها من قانون الإرهاب كانت ضد موقف النقابة من القانون الجديد؛ فالبعض دعا لمقاطعة الصحافة المطبوعة والإلكترونية، والبعض اتهم النقابة أنها إخوانية وتدافع عن الإرهاب، والبعض كتب ضد حرية الصحافة، ورأى أن أمن المواطن ومواجهة الإرهاب أهم، وكل هذه الرؤي تبين بوضوح أن الجمهور الذي كان دومًا ملتفًا حول صحافته، مدافعًا عنها وعن حريتها باعتبارها لسان حاله والمعبرة عن أحلامه ومشاكله، لم يعد كذلك! وهنا تثير د. نجوى سؤالًا أساسيًا وهو لماذا ؟
وتتصور أننا لو سألنا الناس فلن تخرج إجاباتهم عن: أنه لا صوت يعلو علي صوت مواجهة الإرهاب .وتختتم د. نجوى تدوينتها بقولها: إن الصحفيين لا يجب أن يدافعوا عن الأخبار الكاذبة، وأن عليهم أن يتحروا الدقة فيما ينشرونه من أخبار، وبالتالي لن يتعرضوا للحبس ..وفي النهاية أصبحت لدينا مشكلة أن النقابة لم تعد فقط في مواجهة مع السُلطة أية سُلطة وإنما في مواجهة الجمهور أيضًا.
عاشرًا: الدعوة إلى مقاطعة الصحفومما يثبت أن الصحافة وضعت نفسها في مقابل الجمهور الذي
لم يصبح متعاطفًا معها بعد سقطاتها الأخيرة بشكل خاص، وبعد استمرائها حالة
الانفلات الإعلامي والأخلاقي والمهني منذ ثورة 25 يناير أن الفنان عمرو مصطفى،
والكاتب حسام نصار، دشنا دعوة إلى حملة تهدف لمقاطعة كل الصحف المصرية الورقية
والإلكترونية يوم 10 يوليو تحديدًا، بهدف التأثير عليها نظرًا لموقف نقابة
الصحفيين الرافض لبعض مواد قانون مكافحة الإرهاب الجديد، والتي تتعلق بالنشر وحرية
الصحافة ورفعت الحملة شعار "نقابة الصحافيين تدعم الإرهاب"، وقال حسام
نصار عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك): "أقسم باللـه
العظيم، إن ما اتعدلتوا،هشكل نقابة للكتاب المستقلين، وحارفع قضايا تطالب بحرية
إصدار الصحف والمطبوعات الإلكترونية لغير الصحفيين، وحاكسبها".
كما كان من أبرز المؤيدين للحملة زكريا سالم، خبير شئون الإرهاب الدولي، وشارك فى
الترويج للحملة عن طريق تصوير بعض الأخبار المغلوطة، ويتهمها بأنها تروج للإرهاب
والخراب. فيما قال عبر صفحته الرسمية على الفيس بوك: "عندما ترفض نقابة
الصحفيين إصدار بيان لشهداء سيناء، وعندما ترفض نقابة الصحفيين الوقوف مع أعضاء
النقابة المتهمين من قبل أشخاص مشكوك في وطنيتهم، وعندما ترفض نقابة الصحفيين
المشاركة في أي فاعلية لصالح مصر، نجد أن من يقوم على هذه النقابة يجب البحث في
سجله لمعرفة سبب هذا الانحطاط في التعامل مع قضايا الوطن». كما تبنت هذه الحملة
د.نائلة عمارة أستاذ الإعلام بجامعة حلوان والإعلامية المعروفة، كما تبنتها لجنة
التواصل الطلابي التي تضم طلابًا يمثلون 23 جامعة مصرية.
ولا أجد ما أختم به هذه الدراسة سوى مقولة د. نجوى كامل أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة: الصحفي الذي يتعمد نشر أخبار كاذبة عن القوات المسلحة أو العمليات العسكرية ونحن في حالة حرب، لا يستحق الحبس بالتأكيد.. إنه يستحق الشنق.
يجب أن يعلم الصحفيون يعني إيه كلمة وطن حتى لو كانت ممنوعة من الصرف .. بعيدًا عن معرفة معاني كلماتٍ أخرى قد تكون قابلة للصرف!