تاريخ حافل: الحركة الطلابية والوطنية المصرية
1ـ البدايات
لعب الطلاب دومًا
دورًا مهمًا في تطور الحياة العامة في مصر عبر العصور. وفي رأينا أن بدايات هذا
الدور ترجع إلى الفاعليات المهمة التي كان يقوم بها طلاب الأزهر قبل نشأة التعليم
الحديث في مصر في القرن التاسع عشر.
وتزخر صفحات تاريخ
الجبرتي بالكثير من الأمثلة على الدور المهم الذي لعبه طلاب الأزهر، والذين عرفوا
آنذاك باسم "المجاورين" نسبة إلى معيشتهم في جوار الأزهر. وتركز هذا
الدور في العصر العثماني في الاعتراض على القرارات الاقتصادية الجائرة لبعض الولاة،
أو انتهاكات عسكر المماليك للأحياء والبيوت. وكانت صور المقاومة معروفة، إذ يتجمع
الطلاب من أروقة الأزهر المختلفة، والرواق في ذلك الزمان هو أشبه بالمدينة
الجامعية الآن، حيث يتم إغلاق أبواب الأزهر والخروج في مظاهرات تجوب المدينة، وكان
يقودها في بعض الأحيان بعض مشايخ الأزهر الثوريين أصحاب الكاريزما والهيبة أمام
الحاكم والمحكومين. وأحيانًا تصعد هذه المظاهرات إلى القلعة مقر الحكم في محاولة
لتوصيل صوت الشعب إلى الوالي وحاشيته. وكانت هذه الأحداث من الأيام العصيبة التي
تمر بها القاهرة في ذلك الزمان إذ تتوقف تقريبًا مظاهر الحياة الاقتصادية
والاجتماعية فيها.
ومع مجيء الحملة
الفرنسية ونمو الشعور القومي والديني تجاه هذا المحتل الغاصب، شهدت القاهرة على
وجه الخصوص العديد من مظاهر إضراب طلاب الأزهر عن الدراسة، والخروج في وجه عساكر
الفرنسيس. كما شارك طلاب الأزهر في المقاومة الشعبية
ضد الحملة الفرنسية، ولعل المثال الواضح على ذلك هو قيام الطالب الأزهري
"سليمان الحلبي" ذي الأصول الشامية باغتيال الجنرال "كليبر"
قائد الحملة الفرنسية آنذاك.
ومع نشأة الدولة
الحديثة على يد "محمد عليّ"، وقيامه بتحديث نظام التعليم في مصر، والأخذ
بنظام التعليم المدني ونشأة المدارس الحديثة سيقل إلى حدٍ ما دور طلاب الأزهر
ليأخذ الريادة في ذلك طلاب المدارس "الأفندية الجدد"، لا سيما طلاب
المدارس العليا.
وسيلعب الطلاب بشكلٍ
عام دورًا مهمًا في الثورة العرابية سواء طلاب المدارس العليا "الأفندية
المُطربشين" أو طلاب الأزهر "المجاورين المُعمّمِين". لكن الفشل
السريع للثورة العرابية ووقوع مصر تحت وطأة الاحتلال البريطاني وقيامه بإضعاف نظام
التعليم الحديث سيقلل إلى حدٍ ما، بل وربما سيُضعِف من دور الطلاب في العقد التالي
على الاحتلال البريطاني.
لكن دور الطلاب وصعود
الحركة الطلابية سيبدأ من جديد مع نهايات القرن التاسع عشر مع وجود خديو شاب هو
"عباس حلمي الثاني" يحاول أن يستعيد نفوذه في مصر أمام سطوة المعتمد
البريطاني في مصر اللورد كرومر. ومع ظهور مصطفى كامل خريج مدرسة الحقوق ستعود
الروح من جديد للحركة الطلابية في مصر، وسيتم التعبير عن ذلك في ظهور نادي المدارس
العليا، والدور الكبير الذي سيلعبه هؤلاء الطلاب في الحزب الوطني، حزب مصطفى كامل
ومحمد فريد، حيث سيخرج الطلاب في مظاهرات مطالبين بالدستور والجلاء.
وتصل الحركة الطلابية
إلى ذروتها الوطنية في ثورة 19. ويرصد عبد الرحمن الرافعي في كتابه الشهير
"ثورة 19" انطلاق الشرارة الأولى للثورة من خلال طلاب المدارس العليا
ولا سيما مدرسة الحقوق، وانتشار روح الثورة إلى المدارس الثانوية، بل وانضمام
مدارس البنات إلى المظاهرات حيث شهدت مصر خروج الطالبات غير عابئات ببنادق الإنجليز.
وستتجلى في ثورة 19
روح الوحدة الوطنية بحق، إذ ينضم إلى الثورة طلاب المدارس من الأفندية وطلاب الأزهر
من المجاورين، كما شارك في هذه الثورة الطلاب بهوية قومية وبدون انتماءات دينية،
مسلمين وأقباط رفعوا جميعًا شعار "يحيا الهلال مع الصليب".
كما شارك الطلاب
أيضًا في الكفاح السري في ثورة 19، حيث تشكلت المجموعات التي تقوم باغتيال عساكر
الإنجليز وعملائهم من المصريين. ولعل أبرز صور الوحدة الوطنية في الحركة الطلابية
هو قيام الطالب "عريان سعد"، طالب مدرسة الطب، بالتطوع باغتيال رئيس
الوزراء آنذاك "يوسف وهبة باشا" ليُفسِد مخطط الإنجليز الذين هدفوا
آنذاك إلى تنصيب رئيس وزراء قبطي ليقوم باغتياله أحد الطلاب المسلمين فيُحدِث ذلك
فتنة طائفية شبيهة بما حدث من قبل مع اغتيال "بطرس غالي". لكن عريان سعد،
الطالب القبطي سيصر على القيام بهذه العملية السرية مرددًا بأن دمي فداء لمصر.
ولذلك نجحت الثورة بحق في إرساء دعائم القومية المصرية.
هكذا تطور دور الطلاب
في الحركة الوطنية المصرية منذ خروج مجاوري الأزهر لمقاومة استبداد الولاة وتعسف
عسكر المماليك، وصولاً إلى التعليم الحديث ونشأة طبقة الأفندية وتجلي ذلك في نادي
المدارس العليا وشباب الحزب الوطني، ليصل دور الطلاب إلى ذروته في ثورة 19 ليصبح
هؤلاء الطلاب عماد الثورة وليصبح دورهم أهم تجليات القومية المصرية دون تحيز لفئة
أو جماعة أو حزب، فالحركة الطلابية هي عماد الحركة الوطنية المصرية.
2ـ الفترة الليبرالية
أـ الطلاب
واستقلال الجامعة
عانت مصر كلها،
والجامعة على وجه الخصوص، من استبداد حكومة إسماعيل صدقي في فترة الثلاثينيات، حيث
شهدت الجامعة في عام 1932 معركة شهيرة من معارك استقلال الجامعة، حيث عمدت حكومة
صدقي الاستبدادية إلى الإطاحة بطه حسين من عمادة كلية الآداب، لأن حكم الاستبداد
لم يكن يتقبل بوجود عميد أصبح رمزًا للحرية الفكرية مثل طه حسين منذ معركة كتاب
"الشعر الجاهلي" في عام 1926. حيث كِيلت لطه حسين الاتهامات مثل ممالأة
الأستاذة الأجانب على حساب المصالح الوطنية فضلاً عن تشجيع طه حسين للاختلاط بين
الجنسين في الكلية.
وانتفض طلاب الجامعة
دفاعًا عن استقلال جامعتهم، حيث طافت مظاهراتهم الحرم الجامعي وأضربوا عن الدراسة،
وخرجوا من الجامعة في مظاهرة كبيرة توجهت إلى قصر عابدين، حيث قدموا طلبًا إلى
الملك بضرورة عودة طه حسين إلى منصب العمادة احترامًا لمبدأ استقلال الجامعة.
والتقت عزيمة
الأساتذة مع الطلاب على ضرورة عودة طه حسين إلى العمادة، وتوقفت الدراسة وعم الاضطراب
الجامعة. ولجأ إسماعيل صدقي إلى الحل الأمني الذي لا يعد كافيًا لحل هذه الأمور
المعقدة والصعبة. ففي التاسع من مارس عام 1932 أرسل إسماعيل صدقي قوات البوليس إلى
داخل الحرم الجامعي لفض اعتصام الطلاب، وهنا وجد أحمد لطفي السيد رئيس الجامعة
نفسه في موقف حرج، إذ كانت تربطه صداقة وطيدة بإسماعيل صدقي رئيس الوزراء وفي نفس
الوقت يعتبر طه حسين تلميذه النجيب رغم وجود الخلافات بينهما في ذلك الوقت. لكن
لطفي السيد كان يدرك معنى استقلال الجامعة، ومكانة الأستاذ الجامعي ولذلك لم يتردد
لطفي السيد في تقديم استقالته احتجاجًا على الإجراءات القمعية لحكومة صدقي واعتداءه
على استقلال الجامعة، وهكذا أصبح 9 مارس يمثل في ذاكرة الجامعة عيدًا لاستقلالها.
ولم يكتف الطلاب بذلك
الأمر، وإنما لجأوا إلى تدويل قضية استقلال الجامعة وأرسلوا خطابات إلى مختلف
جامعات العالم لتتضامن معهم في مواجهة اعتداء الحكومة على مبدأ استقلال الجامعة. واستمر
الطلاب في الإضراب عن الدراسة لمدة أسبوعين.
وبعد ذلك سرعان ما
عاد أحمد لطفي السيد إلى عمله كمدير للجامعة، كما عاد طه حسين إلى الجامعة لكن لم
يُسمح له بالعودة كعميد للكلية.
بـ - انتفاضة
1935
ستخرج مصر كلها وعلى
رأسها طلاب الجامعة في هذا العام من أجل عودة دستور 1923، هذا الدستور الذي أصبح
رمزًا للحرية بعد أن ألغاه إسماعيل صدقي في عام 1930. وكان من اللافت للنظر أن
خروج طلاب الجامعة هو الذي دفع رجال السياسة المتنافرين إلى الوحدة من أجل مواجهة
القصر والاحتلال. ويصف المؤرخ الأمريكي "دونالد
مالكوم ريد" في كتابه عن دور جامعة القاهرة في بناء مصر الحديثة، هذا الدور
المهم للطلاب قائلاً:
"بدأت
مظاهرات الاحتجاج في الجامعة المصرية، وأصبح على ساسة الأمة أن يسارعوا للحاق بها،
ولم تكن القاهرة قد شهدت ما يشبه هذا منذ ثورة 19".
وعندما خرج الطلاب من
الجامعة في اتجاه كوبري عباس للعبور إلى وسط المدينة، فتحت القوات البريطانية النار
عليهم فقتلوا طالبًا وأصابوا آخرين، وهنا اشتعلت الجامعة بأكملها، إذ انضم
الأساتذة إلى طلابهم، كما حضر لطفي السيد احتفال الطلاب بإقامة النصب التذكاري
لشهداء الجامعة في ساحة الجامعة. ومع سقوط حكومة علي ماهر وعودة الوفد إلى الحكم
أصدر مصطفى النحاس قرارًا بعودة طه حسين إلى عمادة كلية الآداب كما أنعم عليه بلقب
البكوية انتصارًا لمبدأ استقلال الجامعة الذي انتُهك من قبل على يد إسماعيل صدقي،
لتعود الحرية من جديد إلى الجامعة، كما عادت إلى الوطن مع عودة دستور 23.
جـ ـ اللجنة
الوطنية العليا للطلبة والعمال عام 46
تطورت الحركة
الطلابية تطورًا نوعيًا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وانتشار الأفكار
الاشتراكية في مصر، إذ لأول مرة يتم التنسيق بشكل كبير بين الحركة الطلابية
والحركة العمالية في مطالب وطنية سيتم التعبير عنها من خلال تشكيل اللجنة الوطنية
العليا.
وفي 9 فبراير 1946
خرجت مظاهرة كبرى من الجامعة لتطالب بالاستقلال التام، وحاولت كالمعتاد عبور كوبري
عباس تمهيدًا للنزول إلى وسط المدينة، وهنا ستحدث حادثة كوبري عباس الشهيرة، حيث
سيأمر قائد البوليس بفتح الكوبري على الطلاب. وتكاد تُجمع معظم المراجع على عدم
حدوث قتلى في ذلك اليوم المشهود، وإن وقع العديد من الإصابات، لكن على أي حال سقطت
حكومة النقراشي على إثر ذلك الحادث، ولجأ الملك غلى سياسة القبضة الحديدية في
محاولة لكسر هذا التطور النوعي الجديد المتمثل في وحدة الحركة الطلابية مع الحركة
العمالية. إذ عهد الملك فاروق إلى إسماعيل صدقي، الذي عُرف عنه بطشه الشديد،
بتشكيل الوزارة في محاولة لقمع مظاهرات الطلبة والعمال. لكن الأمور لم تهدأ، إذ
تحدى الطلاب إسماعيل صدقي وخرجوا من الجامعة في مظاهرات عارمة تطالب بجلاء
الإنجليز وسقوط وزارة صدقي، ونجحوا في يوم 21 فبراير في عبور كوبري عباس ووصلوا
إلى ميدان التحرير "الإسماعيلية" حيث معسكرات الجيش الإنجليزي التي ـ
للأسف ـ فتحت النار على الطلاب وأحدثت مجزرة كبرى حيث عم الغضب بعدها في مصر،
وانتشر الخبر في مختلف الجامعات، مما أحدث ضغطًا دوليًا على بريطانيا فاضطرت
الحكومة البريطانية إلى اتخاذ بعض الإجراءات لتهدئة الأمور والحيلولة دون تصاعدها
في مصر، وكان من أهم هذه الإجراءات استدعاء السفير البريطاني من مصر، هذا السفير
المتغطرس الذي حمّله البعض مسئولية هذه المجزرة. كما أصدرت بريطانيا قرارًا بسحب قواتها
من القاهرة والدلتا إلى منطقة القناة حتى لا تصطدم هذه القوات مع الطلاب، ولأن
منظر المعسكرات البريطانية في قلب القاهرة والدلتا كان يستفز مشاعر المصريين.
وهكذا انتصرت الحركة الطلابية في هذه المعركة حتى ولو كان هذا الانتصار محدودًا
لكنه في النهاية انتصارًا في حدود الأوضاع المحلية والدولية آنذاك.
3ـ ثورة يوليو والحركة الطلابية
أـ
الجامعة وطلاب الإخوان في عام 1954:
وقعت ثورة 1952 وبدأت
العديد من المتغيرات في الحياة السياسية المصرية آنذاك، إذ قام مجلس قيادة الثورة
آنذاك بإلغاء الأحزاب السياسية، وفرض بعض القيود على الحركة العمالية، وكانت جماعة
الإخوان المسلمين هي أكبر المستفيدين من هذه المتغيرات إذ لم يتم حل الجماعة تحت
دعوى أنها جماعة دعوية وليست حزبًا سياسيًا! واستفاد الإخوان آنذاك من شهر العسل
القصير بينهم وبين الضباط الأحرار، هذا التقارب الذي استمر من عام 52 إلى عام 54.
وفي رأينا أن الصدام
بين الطرفين كان محتومًا في نهاية الأمر، إذ رأى الضباط الأحرار أنهم هم قادة
الثورة وهم الأجدر بحكم البلاد، بينما ادعى الإخوان أنهم هم صناع الثورة وأنهم
الظهير المدني للضباط الأحرار، لا سيما وأن بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا
ينتمون إلى الجماعة. ومن الأمور التي تحتم الصدام الطبيعة العسكرية للجماعة، فضلاً
عن تسليح الجهاز السري لها، هذا الأمر الذي لم يكن يقبله الجيش آنذاك. من هنا كان
من المحتم الاصطدام بين التنظيم والدولة.
وكالعادة أصدرت جماعة
الإخوان المسلمين تعليماتها إلى قواعدها الطلابية في جامعة القاهرة للخروج في
مظاهرات حاشدة والإضراب عن الدراسة. وفي يناير 54 شهدت جامعة القاهرة أعمال شغب
خطيرة من جانب طلاب الإخوان. وفي محاولة من مجلس قيادة الثورة لإثبات هيبة الدولة
أصدرت الدولة قرارها بحظر نشاط جماعة الإخوان المسلمين. وهذه الحادثة بالذات حادثة
أعمال العنف التي قام بها طلاب الإخوان في عام 54، تثبت لنا أن الحركة الطلابية
تنجح عندما تكون مُجمِعة على أهداف وطنية واضحة ومحددة، ولكن مظاهرات الطلبة عندما
تكون لفصيل معين أو لحزب محدد يصبح من السهل على الدولة مواجهاتها لأنها تصبح في
النهاية أعمال شغب ولا تدخل ضمن الحركة الطلابية.
ب ـ
1968: عودة الروح للحركة الطلابية:
شهد عام 1968 حركات
شبابية عديدة في أوربا وأمريكا كانت تعبيرًا عن ميلاد أجيال جديدة ترفض النمط
التقليدي القديم للسياسة والمجتمع في هذه البلدان، وتعبيرًا عن عالم جديد يولد مع
اقتراب العالم من الدخول في عصرٍ جديد رافضًا أيديولوجيات الأربعينيات والخمسينيات.
وفي تلك الأثناء
ستحدث أيضًا مظاهرات الطلبة في مصر، ربما تأثرًا بالحركة العالمية للشباب ولكن
أيضًا، وربما بشكل أكثر مباشرةً، نتيجة الظروف الصعبة التي كانت تمر بها مصر آنذاك
وهي هزيمة 1967. وفي ذلك يقول أحمد بهاء شعبان، أحد أهم قيادات الحركة الطلابية في
السبعينيات، في كتابه "حكاية مُشعلي الثورات":
"من رحم هزيمة
1967، ولدت الحركة الطلابية الجديدة في السبعينات، من انهيار المُثل وخيبات الأمل
واكتشاف حجم المأساة والإحساس العميق بوطأة الاحتلال، ومن مهانة الوضع القائم في
مواجهة الرايات الصهيونية المختالة التي كانت ترفرف فوق التراب الوطني المقدس،
انفجرت صواعق الغضب الطلابي".
كان الخروج الكبير
للحركة الطلابية في فبراير عام 68 احتجاجًا على الأحكام الهزيلة التي خرجت بها
محاكمات قادة الطيران في حرب 67، إذ رفض الطلاب أن يتم اختزال الهزيمة في مجرد
أحكام هزيلة على بعض القادة، حيث رأت الحركة الطلابية أن للهزيمة أسباب أكثر عمقًا
من ذلك.
ومع احتفالات اليوم
العالمي للطلاب في 21 فبراير 68 خرج الطلاب من جامعات القاهرة وعين شمس في مظاهرات
تجمع كل أطياف الحركة الطلابية لأول مرة منذ ثورة 1952. كانت هذه المظاهرات تخرج
رافضة للهزيمة وفي نفس الوقت تريد إصلاح النظام بأكمله من الداخل لأنها أدركت أن
إزالة آثار العدوان لن تأتي إلا بإصلاح البيت الداخلي أولاً، وشهدت الشوارع
المصرية صدامات عنيفة لأول مرة مما اضطر الزعيم جمال عبد الناصر للخروج إلى الأمة،
مشيرًا إلى تفهمه لغضب الطلاب وضرورات الإصلاح من أجل تجديد النظام والاستعداد
لمعركة إزالة آثار العدوان. من هنا سيصدر عبد الناصر بيان 30 مارس الذي رأى فيه
أنه مشروع إصلاحي يجدد دماء الأمة من جديد، وكان أهم ما ورد في البيان الدعوة إلى
إعداد دستور جديد يتناسب مع طبيعة المرحلة القادمة.
جـ ـ
الحركة الطلابية وجيل السبعينيات
يعتبر المرحوم
الدكتور أحمد عبد اللـه رزه، من أهم رموز الحركة الطلابية وجيل السبعينيات، إذ كان
يعتبر زعيم هذه الحركة آنذاك، كما قام أحمد عبد اللـه بالحصول على درجة الدكتوراه
حول هذا الموضوع، وتمت ترجمة رسالته للدكتوراه ونُشرت تحت عنوان "الطلبة
والسياسة في مصر" هذه الدراسة التي تعتبر بحق من أهم المراجع الأساسية في
تاريخ الحرة الطلابية، لأنها جمعت بين الدراسة الأكاديمية والشهادة الحية على دور
الطلاب في التاريخ المصري.
مات عبد الناصر في
سبتمبر 1970، وتولى أنور السادات، وكان الوطن ما يزال يئن في ظل الاحتلال الإسرائيلي
للتراب المصري بعد هزيمة 67. وكان المطلب الأساسي للجميع في مصر منذ حركة الطلاب
في عام 68 هو إزالة آثار العدوان، ووعد السادات بعد توليه الحكم بتحقيق هذا المطلب،
وأطلق في إحدى خطبه شعاره الشهير أن هذا العام هو عام الحسم. لكن عام 1971 مر ولم
يحدث جديد، وفي 13 يناير 1972 ألقى السادات خطابًا شهيرًا آنذاك حاول فيه أن يبرر
تراجعه عن الحرب في العام السابق، وكان المبرر في الحقيقة غير مقنع للجميع، إذ تحجج
السادات بأن ضباب الحرب الباكستانية الهندية، وردود الأفعال الدولية لم يسمحا
للسادات باتخاذ قرار الحرب! وسخر الطلاب من هذا الخطاب هازئين به قائلين، إن عام
الحسم قد تحول إلى "عام الضباب". وسرعان ما عم الغضب جامعات مصر في يوم
السبت 15 يناير رفضًا لخطاب السادات الذي اعتبروه تمييعًا للقضية، واستمرارًا
لحالة "اللا سلم واللا حرب"
وكان رد الفعل عنيفًا
من جانب السادات على المطالب الوطنية للطلاب، إذ تم اقتحام الحرم الجامعي لفض
الاعتصام. لكن ذلك الأمر لم ينجح في إيقاف الحركة الطلابية التي نزلت إلى الشارع
رافضةً للهزيمة مناديةً بضرورة الحرب من أجل إزالة آثار العدوان.
كانت هذه الحركة في
الحقيقة حركة وطنية منادية بمطالب وطنية رافضة للهزيمة، ساعية إلى تحرير التراب
الوطني. وسرعان ما سيتحقق حلم الحركة الطلابية، بل حلم مصر بأكملها، في حرب أكتوبر
1973 التي أعادت بحق الكرامة إلى المجتمع المصري.
لكن السادات، الذي
اصطدم مبكرًا مع الحركة الطلابية في عام 1972، لم ينسَ ذلك الدرس، واستجاب لمشورة
بعض المقربين إليه بضرورة إعادة إحياء التيار الإسلامي لكي يواجه الحركة الطلابية
في الجامعات، هذه الحركة التي كانت تتسم بطابع يساري وناصري، وبناءً عليه ستقدم
العديد من التسهيلات للتيارات الإسلامية لتصعد بقوة وتواجه الكتلة الصلبة من
الحركة الطلابية، وينجح السادات في إحداث الشقاق داخل الجامعة هذه الجامعة التي
شهدت عبر عقد السبعينيات صدامات متوالية بين التيار الإسلامي الصاعد والحركة
اليسارية الناصرية، وبالتالي نجح السادات في إلهاء الحركة الطلابية وانقسام الجامعة
على نفسها، لكن الثمن الذي دفعه السادات كان قاسيًا، إذ خرج المارد من القمقم وتم
اغتيال السادات في عام 1981، ودخلت الحركة الطلابية في دوامة جديدة، حيث سيطر
التيار الإسلامي على معظم الأنشطة في الجامعة، وبالتالي أفقدوا الحركة الطلابية
طبيعتها الجامعة الوطنية، وربما ما نشهده من عنف في الجامعات الآن يكون نتاجًا
لأحداث السبعينيات.
أهم المراجع:
- عبد الرحمن
الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1998.
- عبد الرحمن
الرافعي: مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية، دار المعارف، 1985.
- عبد الرحمن
الرافعي: محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية، دار المعارف، 1985.
- عبد الرحمن
الرافعي: ثورة 1919 تاريخ مصر القومي من 1914 إلى 1921، دار المعارف، 1987.
- دونالد مالكوم ريد:
دور جامعة القاهرة في بناء مصر الحديثة، ترجمة: إكرام يوسف، طـ1، مركز المحروسة
للبحوث والتدريب والنشر، القاهرة، 1997.
- أحمد عبد اللـه:
الطلبة والسياسة في مصر، ترجمة: إكرام يوسف، سينا للنشر، 1991.
- أحمد بهاء الدين
شعبان: حكاية مشعلي الثورات، سلسلة حكاية مصر، العدد 26، الهيئة العامة لقصور
الثقافة، القاهرة، 2013.