الهيكلية أو المراجعات: تحديات تواجه مجلس التعاون الخليجى
أولا: تمهيد
الحديث الذى أدلى به وزير الخارجية القطرى خالد بن محمد
العطية أمام معهد الدراسات السياسية فى باريس يكشف حقيقة مهمة وهى أن فجوة الإدراك
للمصالح وللأمن والرؤى المستقبلية بين قطر والدول الخليجية الثلاث التى سحبت
سفراءها من الدوحة (السعودية والإمارات والبحرين) تتسع وليس العكس.
ما يعنى أن المراجعة القطرية لحساباتها الوطنية بعد قرار
سحب السفراء لم تأت فى الاتجاه الذى يسمح بالتفاؤل بأن مصالحة قريبة قد تحدث قبيل
انعقاد القمة العربية الدورية فى الكويت أواخر هذا الشهر.
فى هذا الحديث
أكد الوزير القطرى أن «استقلال السياسة الخارجية لدولة قطر هو ببساطة غير قابل
للتفاوض» وهذا تأكيد ليس من حق أحد ينازعها فيه، لكنه عاد ليؤكد مرة أخرى التزام
بلاده بما سماه «حق الشعوب فى تقرير المصير، ودعم التطلعات نحو إحقاق العدالة
والحرية» موضحاً أن بلاده «اختارت ألا تبقى على هامش التاريخ». هذه التأكيدات
والتوضيحات نقلتها وكالة الأنباء القطرية الرسمية (10 مارس الجاري) ما يعنى أن
الوزير لم يكن يتحدث عن اجتهادات خاصة به ولكنه كان يعبر عن وجهة نظر رسمية لبلده.
ربما يكون السؤال المهم بهذا الخصوص هو إلى أى مدى تريد
قطر أن تسير فى علاقة التنازع مع مجلس التعاون الخليجي؟ وما هو مستقبل هذا المجلس
إذا أخذنا فى الاعتبار أن الخلافات من الناحية الشكلية تبدو محصورة فى أربع من
الدول الست أعضاء المجلس، لكن الحقيقة تقول إنه إذا كانت الكويت قد تريثت فى سحب
سفيرها هى الأخرى من قطر لأسباب داخلية قد ترجع لوزن التيار الإسلامى الكويتى
(الإخوان والسلفيين) أو لحرص كويتى على اتخاذ موقف حيادى انتظاراً للقيام بدور
الوساطة بين الأشقاء الأربعة، وهى مهمة تستلزم وتفترض الحياد، لكن الواقع العملى
يوضح أن للكويت رأياً مخالفاً وموقفاً مخالفاً ، وأن الكويت لها حساباتها الخاصة،
أى لها مصالحها الخاصة. ويبقى الموقف العمانى الصامت هو الأكثر صخباً فى رفضه
القاطع لكل ما يحدث، انطلاقاً من إدراكه القوى أن المجلس قد سلبت منه قدراته منذ
سنوات طويلة تعود إلى مرحلة ما بعد حرب تحرير الكويت عام 1991. حال المجلس الآن
يقول إن الانقسام موجود، وإن قطر ليست وحدها هى التى تغرد خارج السرب، لكن حال
المجلس يقول ما هو أهم وما هو أهم هو التحديات الأربعة التى بات المجلس عاجزاً عن
إيجاد حلول لها.
ثانيا: التحديات الأربعة التى تواجه المجلس
التحدى الأول: هو تداعيات
الخروج الأمريكى العسكرى الرسمى من العراق. فقد كان الرهان الخليجى أن يكون هذا
الوجود العسكرى الأمريكى فى الخليج درعاً قوية تحمى البوابة الشرقية العربية أمام
إيران، بعد أن أسقط الأمريكيون النظام الذى كان يقوم بهذه المهمة، والذى كانوا
يعتبرونه مصدراً للتهديد وهم من شاركوا فى عملية التخلص منه. هذا الرهان لم يفشل
فقط بخروج الأمريكيين من العراق بل الأهم هو دخول الإيرانيين إلى العراق. لم يدرك
الخليجيون أن الأمريكيين دخلوا العراق واحتلوه لمصالح أمريكية، وأنهم انسحبوا
أيضاً من العراق لمصالح أمريكية، لكن الصدمة الكبرى أن الدرع المأمولة (الدرع
العسكرية الأمريكية) لم تتهاو فقط، بل إن النفوذ الإيرانى فى العراق أضحى النفوذ
المتفوق على أى نفوذ.
التحدى الثاني: هو التقارب
الأمريكي- الإيرانى الذى أضحى من أهم خيارات إدارة الرئيس باراك أوباما، وهو
الخيار الذى امتلك أوباما شجاعته من أجله ليتحدى بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة
الإسرائيلية واللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة، بل ويتحدى الكونجرس الأمريكي،
أوباما أعلن أن خياره هو الحوار مع إيران وليس الحرب معها، وأعلن أن من حق إيران
امتلاك برنامج نووى سلمي، وأن من حقها تخصيب اليورانيوم فى الحدود التى تؤمن سلمية
برنامجها النووي، ورفض أن يفرض الكونجرس أية عقوبات جديدة ضد إيران حفاظاً على
الاتفاق النووى المرحلى معها (اتفاق جنيف). هذا التقارب أو التفاهم الأمريكى
الإيرانى تخشاه الدول الخليجية وترفضه خشية أن يتحول هذا الاتفاق النووى إلى «صفقة
شاملة» أمريكية إيرانية تعطى لإيران نفوذاً أو دوراً فى قضايا ومصالح عربية
وبالذات خليجية، فى وقت تنظر بعض دول المجلس إلى إيران كعدو أو كمصدر مؤكد
للتهديد.
التحدى الثالث: هو الفشل فى تطوير مجلس التعاون وتفعيل أدائه بتحويله
من مجرد إطار تشاورى إلى إطار اتحادي. الدعوة إلى تحويل المجلس إلى اتحاد خليجى
جاءت على لسان العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز فى القمة الخليجية
بالرياض (ديسمبر 2011) ضمن محاولات سعودية حثيثة لمواجهة تداعيات سلبية قد تكون
محتملة لما عُرف بـ «الموجات الثورية العربية»، لكن الدعوة لم تحظ بالحماس الكافى
من باقى الأعضاء باستثناء البحرين. وظل الاقتراح يعرض على القمم الدورية
والتشاورية حتى انتهى به الأمر إلى تأجيله لأجل غير مسمى فى القمة الخليجية
الأخيرة بالكويت (ديسمبر 2013) بعد رفض عمانى علنى وتهديد على لسان وزير الخارجية
يوسف بن علوى عبد الله أن بلاده سوف تنسحب من المجلس إذا كان هناك إصرار لتحويله
إلى اتحاد، وأبدى اعتراض بلاده على نهج بعض الدول سياسة خارجية باسم المجلس، كما
أوضح رفض بلاده التعامل مع إيران كعدو وتحويل المجلس إلى تكتل عسكرى لمحاربة
إيران.
التحدى الرابع: وجاء التحدى
القطرى كتحد رابع بعد التحدى العمانى لتأسيس الاتحاد الخليجى بدعم قطر للمنظمات
الإرهابية التى تهدد أمن واستقرار دول المجلس، وعلى الأخص جماعة الإخوان
«الإرهابية» ليفاقم من التهديدات لتى تواجه وحدة المجلس. فقد أوضح البيان الصادر
عن السعودية والإمارات والبحرين بسحب السفراء من الدوحة أن الدول الثلاث بذلت
جهوداً كبيرة للتواصل مع قطر على كل المستويات بهدف الاتفاق على مسار نهج يكفل
السير ضمن إطار سياسة موحدة لدول المجلس تقوم على الأسس الواردة فى النظام الأساسى
للمجلس وفى الاتفاقيات الموقعة بينها بما فى ذلك الاتفاقية الأمنية، والالتزام
بالمبادئ التى تكفل عدم التدخل فى الشئون الداخلية لأى من الدول الأعضاء، وعدم دعم
كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد سواء عن طريق
العمل الأمنى المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي، وعدم دعم الإعلام
المعادي، لكن قطر لم تلتزم وحديث وزير خارجيتها يؤكد فى باريس أنها ماضية فى مشروع
خاص.
ثالثا: الخلاصة:
تحديات أربع تؤكد أن المجلس فى حاجة إلى معالجات هيكلية ومراجعات للرؤى والسياسات والأهداف، خصوصاً وأن هناك تربصاً من قوى إقليمية وأخرى دولية لتفكيك المجلس وفرض صياغات جديدة لمنظومة تعاون أمنى وسياسي: إيران تتربص وإسرائيل تتربص وأمريكا تدعم وتحرك، وانفراط المجلس بات أحد الاحتمالات المرجحة، دون أن يدرى أحد حتى الآن ماذا بعد هذا الانفراط، وما هى البدائل الممكنة؟.