الأحزاب الإسلامية في مصر وآليات اتخاذ القرار (الحرية والعدالة نموذجاً )
تاريخ الحياة الحزبية في مصر:
لا يمكن لأحد، في مصر،أن يدعى أنه كانت لدينا في العقود الثلاثة
السابقة على ثورة 25 يناير 2011، حياة سياسية أو حزبية حقيقية، فقد مرت تجربة
الحزبية في القرن الماضي بمصر، بخمسة
مراحل ،كانت المرحلة الأولى هي ما قبل ثورة 1919 حيث شهد عام 1907، ميلاد خمسة
أحزاب حتى عرف هذا العام بعام الأحزاب هي : الحزب الوطني الحر، وسمى فيما بعد حزب
الأحرار، وكان مواليا لسلطة الاحتلال البريطاني، ثم الحزب الجمهوري المصري،
وحزب الأمة ،الذى كان يضم
كبار الملاك المتعاونين مع سلطة الاحتلال ،وتزعمه أحمد لطفى السيد، وحزب الإصلاح
على المبادئ الدستورية، بزعامة الشيخ على يوسف، وقد عكس هذا الحزب إرادة القصر
الحاكم ومصالحه.
إجمالاً يمكننا تصنيف
الأحزاب السياسية التي ظهرت خلال هذه الفترة، إلى خمس مجموعات رئيسية، بقيت، في
الغالب، هي الاتجاهات الفكرية السائدة في المجتمع المصري حتى اليوم:
1-
الأحزاب الليبرالية : كالوفد( 1918) والأحزاب المنشقة عنه وهى
الأحرار الدستوريين (1922) الحزب السعدى (1937 )حزب الكتلة الوفدية (1942 )
2- الأحزاب الاشتراكية: منها
حزب مصر الفتاة (1933 )أصبح فيما بعد الحزب الاشتراكي، وعدد من التنظيمات اليسارية
مثل حزب العمال الاشتراكي الشيوعي، الحزب الشيوعي المصري (1922 ) وحزب الفلاح المصري،
والحركة الديمقراطية (1947 )
3- أحزاب السراي
"الأحزاب الموالية للملك " : وهى حزب الشعب ، وحزب الاتحاد الأول ،الاتحاد
الثاني
4- الأحزاب النسائية : وهى
حزب بنت النيل السياسي ، الحزب النسائي الوطني ، الحزب النسائي السياسي
5-
الأحزاب والجماعات الدينية: الإخوان المسلمون، حزب
الله، حزب الإخاء، حزب الإصلاح الإسلامي
دخلت مصر بعد ذلك في
مرحلة التنظيم السياسي الواحد، بدءاً من هيئة التحرير في 1953 ،التي تحولت إلى
الاتحاد القومي في 1956 ،ثم الاتحاد الاشتراكي العربي في 1964 كتنظيم سياسي شعبي
جديد ،حتى عام 1976 الذى شهد طور التعددية السياسية المقيدة ،التي بدأت بثلاثة
منابر داخل الاتحاد الاشتراكي.. يمين ،ويسار ،ووسط تحولت في 22 نوفمبر من نفس
العام، إلى أحزاب سياسية كانت النواة الأولى للتعددية الحزبية المقيدة في عام 1977
،حيث انضمت للتجربة الحزبية عشرة أحزاب بأسلوب التصريح من خلال لجنة شؤون الأحزاب ،التي
تندر المصريون طويلاً عليها ،حتى سموها بلجنة حظر الأحزاب، إضافة إلى أحد عشر حزباً
أخرى خرجت للنور بموجب أحكام قضائية ،دون أن تعترض عليها اللجنة أو مباحث أمن
الدولة ،الذراع الباطش لنظام مبارك طوال عقود ما قبل ثورة يناير ،لتصل تلك الأحزاب
إلى 24 حزباً ديكورياً غير متقن ، تعكس تعددية زائفة في الحقيقة ،فيما السيطرة لحزب
واحد كان هو ذراع السلطة السياسي الذى انضوت تحته كافة مناحي الحياة في مصر ،بحيث
كان الباب الوحيد لممارسة الحكم دخول هذا الحزب. وظل الوضع هكذا أفقنا على واقع
أخر صنعته ثورة 25 يناير.
كيف نشأت الأحزاب
الإسلامية:
كان لدى الفصائل
الإسلامية موانع حالت دون انخراطها في العمل السياسي، وتأسيس الأحزاب، بعضها داخلي
مرتبط بالتطور الفكري الذى مرت به ،كحركات اجتماعية وسياسية تحولت، دون تمهيد، إلى
الممارسة الحزبية ،والآخر مرتبط بالبيئة التشريعية والسياسية ،وبينما زال العائق الثاني بثورة 25 يناير، فإن العائق الأول هو ما احتاج
جهداً لم يتم بشكل كاف، فبينما رفضت القوى الإسلامية السلفية وكذا الجهادية فكرة
تأسيس أحزاب واعتبرت هذا الأمر غير جائز ،متقيدة ببعض فتاوى شيوخ السلفية في
السعودية التي ذمت وجرمت الانخراط في أحزاب سياسية ،احتراماً لصيغة الدولة
السعودية، التي كانت نتاجاً للتزاوج بين المذهب الوهابي والأسرة المالكة السعودية ،حيث
تقاسم كل منهما مناطق النفوذ، فاحتكر النظام السعودي الفضاء السياسي لصالحه، بينما ترك الفضاء الديني للمذهب الوهابي
المتشدد ،الذى تشدد فقط فيما يتعلق بأمور التوحيد والشعائر والطقوس ،على حساب جوهر
الدين ،من حيث كونه وسيلة لإحقاق الحقوق والعدل والحرية ،لذا نشطت فتاوى علماء
السعودية في قطع الطريق ،تجاه فكرة تأسيس الأحزاب السياسية ،واعتبارها باباً للفتن،
وتقسيماً للأمة إلى طوائف وشيع، في
إرهاب للعقول، يأتي انسجاماً مع تعهدات قطعها رجال المذهب ،مع نظام ملكي يرتعد من فكرة الأحزاب ،التي تنشأ
بالأساس للوصول للحكم أو المنازعة فيه، معتبرة أن ولاية المتغلب من الولايات
الشرعية التي ترتب طاعة الشعب لولى الأمر ،وإذا قرر الملك، أو ولى الأمر، حظر
الأحزاب فذلك في سبيل الحفاظ على وحدة الملك ،وليس المملكة كما يدعى سدنة المذهب
الوهابي.
أما
د يوسف القرضاوي، أحد أهم علماء جماعة الإخوان، فقد أصدر فتوى مختلفة تحل العمل الحزبي
،بالقفز على نفور شيخه حسن البنا من فكرة التعددية الحزبية، وقد أخذت جماعة
الإخوان باجتهاد الشيخ القرضاوي، عندما أصدرت وثيقتين في العام 1995 إحداها تجيز
التعددية الحزبية ،والأخرى تكفل للمرأة الترشح والانتخاب في المجالس النيابية .
يقول
الدكتور يوسف القرضاوي: "لا يوجد مانع شرعي من وجود أكثر من حزب سياسي داخل
الدولة الإسلامية؛ إذ المنع الشرعي يحتاج إلى نص ولا نص، بل إن هذا التعدد قد يكون
ضرورة في هذا العصر؛ لأنه يمثل صمام أمان مِنَ استبداد فرد أو فئة معيَّنة بالحكم،
وتسلطها على سائر الناس، وتحكُّمها في رقاب الآخرين، وفقدان أي قوة تستطيع أن تقول
لها: لا. أو: لِمَ؟ كما دلَّ على ذلك قراءة التاريخ، واستقراء الواقع.
كل ما يُشترط، لتكتسب هذه الأحزاب شرعية وجودها،
أمران:
1-
أن تعترف بالإسلام عقيدة وشريعة ولا تعاديه أو تتنكر له، وإن كان لها اجتهاد
خاص في فهمه، في ضوء الأصول العلمية المقررة.
2-
ألا تعمل لحساب جهة معادية للإسلام ولأمته، أيّاً كان اسمها وموقعها.
وهكذا
كانت المسألة محسومة لدى الإخوان، حتى قبل أن يفتح الفضاء السياسي ، بينما خاض
السلفيون نقاشاً طويلاً، ليتحرروا من ربقة الفتاوى التي تحرم تأسيس الأحزاب، بعدما
أقدمت الدعوة السلفية على تأسيس ذراعها السياسي ،ممثلاً في حزب النور، وتلتها
العديد من الأحزاب الإسلامية الأخرى، بعدما تغيرت
البيئة التشريعية ،بعد إقرار دستور جديد للبلاد ،يسمح بتأسيس الأحزاب وفق مرجعية إسلامية،
وكسرت الأحزاب الإسلامية حالة احتكار العمل السياسي ،أو تداوله بين التيارات
القومية واليسارية والليبرالية طوال عقود، باستثناء فترة حكم السادات ،الذى وظف
الظاهرة الإسلامية، في مواجهة التيارات السياسية والقومية للمشهد ،والتي أفرزت
عنفاً تسربل بلباس إسلامي ،بلغ ذروته
باغتيال الرئيس السادات على يد ضابط ينتمى لمجموعة الجهاد ،وهو الذى حاول استيعابهم،
ومحاولة إحداث قدر من التوازن في البيئة السياسية المصرية، دون أن يعي أن هذه
المجموعات كانت تملك تصوراً عن دولة مغايرة في بنيتها وتوجهاتها، عن الدولة
المصرية التي حكمها.
ومع اغتيال السادات وتولى مبارك الحكم في مصر، أدرك مبارك، من خلال
وجوده كنائب لفترة طويلة بجوار السادات ،أن الإسلاميين لن يقنعوا بمجرد المشاركة
في الحكم، وعزز ذلك لديه، سلوك الإخوان السياسي،
من خلال مساعيهم الدؤوبة للمنافسة على دخول البرلمان ،والنقابات المهنية والنشاط
في أروقة الجامعات المصرية، لذا كان حريصاً على أن تكون مشاركتهم في الحياة العامة
محسوبة، وفى أضيق الحدود وحاصر نفوذهم في كل مساحة حاولوا أن يتمددوا فيها، سواء
بأدوات تشريعية أو أمنية ،أو المزج بينهما
في ذكاء في العشر سنوات الأولى من حكمه ،قبل
أن يبدأ في توجيه ضربات استباقية للتنظيم ،تضبط إيقاع الحركة تحت سقف حدده سلفاً ،كان
خيار الإخوان أن يحافظوا على التدافع السياسي مع النظام ،حتى وإن بدا ذلك عبثياً
من وجهة نظر التيار السلفي، الذى اختار أن يمارس كموناً سياسياً مقصوداً ،إبان
الصراع بين الإخوان ونظام مبارك، تقديراً من السلفيين أن الفضاء السياسي مغلق، لذا
حرصوا على أن ينشغلوا بتوسيع قواعدهم في الشارع والنشاط في الساحات الدعوية
والخيرية ،في سبيل امتلاك العقول والقلوب بالاستفادة بالدعم اللوجستي الهائل، الذى
قدمته لهم مؤسسات سلفية راسخة كالجمعية الشرعية (عمرها الآن مئة عام )وجمعية أنصار
السنة المحمدية ،فضلاً عن مجموعة من دعاة السلفية ممن يحظون بشعبية كبيرة في
الشارع المصري، الذى أضحى مزاج شرائح واسعة منه سلفياً بدعم سعودي كامل، أعتقد أنه
تعاظم وسيتعاظم في الفترة القادمة ( راجع مواقف حزب النور في العلاقة بينه وبين
الإخوان )
كشف أول استحقاق انتخابي بعد ثورة 25 يناير، وهو استفتاء 19 مارس
2011، عن نفوذ كبير للإخوان والسلفيين ، حيث صورت النتائج باعتبارها انتصاراً لتصورهم وقتها، ولكن تمثل الاستحقاق
الثاني في انتخابات مجلس الشعب ،التي
أجريت في شهر نوفمبر 2011 ويناير 2012 كاشفة بشكل أدق عن الوزن النسبي للأحزاب
الإسلامية ( أنظر جدول 1 )
جدول (1)
النتائج النهائية للأحزاب الاسلامية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية
م |
الحزب |
استفتاء 19/3/2011 |
انتخابات مجلس الشعب |
انتخابات مجلس الشورى |
انتخابات الرئاسة |
الاستفتاء على الدستور (2012) |
1 |
الفضيلة |
عدد من له حق التصويت: 45,000,000 إجمالي الحاضرين: 18,537,954 بنسبة 41.19% الأصوات الصحيحة: 18,366,764 بنسبة 90% الأصوات الباطلة: 171,190 1% نسبة من صوت بنعم: 14,192,577 77.2% نسبة من صوت بلا: 4,174,187 22.8% |
ــ |
|
عدد من له حق التصويت: 50,958,794 إجمالي
الحاضرين: 26,420,763 بنسبة
51.85% الأصوات
الصحيحة : 25,577,511 بنسبة
96.8% الباطلة
: 843,252 احمد
شفيق: 12,347,380 48.27% محمد
مرسي: 13,230,131 51.73% |
عدد من له حق التصويت: 51,919,067 إجمالي
الحاضرين 17,058,317 بنسبة 32.9
% الأصوات
الصحيحة: 16,755,012 بنسبة 98.2% الأصوات
الباطلة : 303,395 بنسبة 1.8
% المصوتون
بنعم: 10,693,911 بنسبة 63.8
% المصوتون
بلا: 6,061,101 بنسبة 36.2% |
2 |
الأصالة |
3 مقاعد (قائمة الكتلة الإسلامية) |
2 1بالانتخاب و1 بالتعيين |
|||
3 |
النور |
106 مقعد 90 (قائمة) 16 (فردي) |
49 مقعد 41 بالانتخاب و8 بالتعيين |
|||
4 |
البناء والتنمية |
13 مقعداً |
5 مقاعد 2 بالانتخاب و3 بالتعيين |
|||
5 |
الاصلاح والنهضة |
ــ |
|
|||
6 |
التحالف الديمقراطي بقيادة الحرية والعدالة |
235 مقعد 127(قائمة) 108 (فردي) |
116 مقعد 106 بالانتخاب و10بالتعيين |
|||
7 |
العدالة والتنمية المصري |
ــ |
|
|||
8 |
الوسط |
10 مقاعد جميعهم بالقائمة |
9 بالتعيين |
|||
9 |
الحضارة |
2 1(قائمة) 1(فردي) |
|
|||
10 |
العمل |
1 (عن طريق القائمة) |
|
|||
11 |
التيار المصري |
ــ |
|
|||
12 |
حزب الإصلاح |
1 (عن طريق القائمة) |
|
|||
13 |
التوحيد العربي |
ــ |
|
|||
14 |
السلامة والتنمية |
ــ |
|
|||
15 |
الوطن |
ــ |
|
|||
16 |
مصر القوية |
ــ |
ــ |
|||
الإجمالي |
|
361 مقعد
72% من المقاعد |
181 مقعد69% من المقاعد |
|
|
وبالرغم من هذا النفوذ المتصاعد الذى أكدته النتائج ،إلا أن فكرة
الأحزاب وطبيعتها في الحالة الإسلامية ،تختلف عن الأحزاب التقليدية ،فما هي أهم
خصائص الأحزاب الإسلامية، وكيف انعكس ذلك على آليات اتخاذ القرار داخلها؟
تضاريس الأحزاب الإسلامية في مصر:
يمكننا تقسيم الأحزاب الإسلامية ضمن خمس مجموعات، تعبر عن الاتجاهات
الرئيسية التي تتوزع عليها تلك الأحزاب:
أولاً :الإخوان المسلمون، الحركة الأقدم والتي انخرطت في التدافع السياسي
مبكراً مع إعلان حسن البنا المؤسس، الانتقال من ساحة العمل الدعوى والتربوي إلى
ساحة العمل السياسي ،والسعي للوصول للحكم عندما أصدر رسالة المؤتمر الخامس في الثاني
من فبراير من عام 1939، وظلت الجماعة ناشطة في فضاء التدافع السياسي، حتى أسست حزب
الحرية والعدالة ،الذى وصفته بأنه المعبر الوحيد عنها وعن مشروعها السياسي ،ولم
تسمح بالفصل بين الحزب والجماعة ليصبح نمطاً جديداً في الأحزاب، وهو الحزب الذى
تحركه الجماعة الأم ، دون أن يكون له أي إرادة مستقلة في الحركة وبقى يعانى أثقال
الميراث الفكري والحركي لها .
وقد خرجت عن مدرسة الإخوان المسلمون أحزاب أخرى، مثل الوسط والنهضة،
والريادة، والتيار المصري، ومصر القوية، بعضها أسس بالفعل، والآخر تحت التأسيس .
ثانيا :السلفيون ،وكانت الدعوة السلفية بالإسكندرية هي التي حسمت أمر
تأسيس حزب إسلامي، لتخرج بحزب النور، الذى مثل الذراع السياسي للدعوة السلفية ،وتحمل،
مثل حزب الحرية والعدالة ،عبء الجماعة الأم ،وسطوة القيادات الدينية، وكان من
تداعيات ذلك ، انشقاق مجموعة عنه ،أسست
حزب الوطن بزعامة عماد عبدالغفور، وانضمت للساحة أحزاب سلفية أخرى، كالفضيلة،
والإصلاح ، والإصلاح والنهضة ،والراية ( تحت التأسيس ) برئاسة حازم أبو أسماعيل،
المثير للجدل والذى خرج في مؤتمر تأسيس حزب الوطن باعتباره أحد قياداته، ليفكر في
مغامرة جديدة ،تنضم لمغامراته السياسية .
ثالثاً : الجهاديون ويمثلهم حزبان: الأول حزب البناء والتنمية المنبثق
عن الجماعة الإسلامية ،التي طلقت العنف بعد مبادرتها الشهيرة في 1995 ،وكذا جماعة
الجهاد، التي أجرت أيضا مراجعات حول اللجوء للعنف كطريق للتغيير ،قبل أن تنخرط في
المشهد السياسي مؤخراً ،وتسعى لتأسيس حزب السلامة والتنمية الذى لم يشارك بعد في أي
انتخابات .
رابعاً : تعتبر الأحزاب الصوفية التي تعبر عن الطرق الصوفية ،إحدى
الحركات الاجتماعية الأقدم في البيئة المصرية ،والتي لم تنخرط في السياسة إلا بعد
ثورة يناير، ربما بدافع الرغبة في الوجود السياسي، للدفاع عن مصالحها وحرية حركة
الطرق في طقوسها التي لا تحظى بقبول من السلفيين ،أحد اللاعبين الكبار في الساحة
السياسية الآن، أسست حزب التحرير المصرى، المعبر عن الطريقة العزمية ،ووكيل مؤسسيه
الخبير البترولي د إبراهيم زهران، وحزب النصر، ورئيسه محمد صلاح زايد .
خامساً : الأحزاب الشيعية التي تعبر عن الأقلية الشيعية في مصر، والتي
أسس بعض أعضائها، وهو أحمد راسم النفيس، القيادي الشيعي، وأحد الأعضاء السابقين في
جماعة الإخوان، حزب الوحدة والتحرير ، بينما سعى محمد الدرينى أمين جمعية أل البيت
لتأسيس حزب آخر، تحت اسم الغدير .
تلك المجموعات الخمسة هي قوام الأحزاب الإسلامية الحالية، يربط بينها
أنها تدعى كلها، أنها ما قامت إلا لتطبيق الشريعة الإسلامية ،وتحويل مصر إلى دولة
إسلامية في كل مناحي حياتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ولكنها ترفع شعار
الشريعة كسلاح ، في مواجهة خصومها من التيارات المدنية. تنشأ الأحزاب في الغالب من خلال تنظيم جماهيري،
يلتقى أعضاؤه على أفكار محددة ،تترجم لبرامج تستهدف إقناع الناخب بإعطاء صوته، وبالتالي
الوصول للحكم فإلى أي حد ينطبق ذلك على نموذج الحرية والعدالة ؟وماهي طبيعة
العلاقة بين الحزب والجماعة ،وآليات اتخاذ القرار داخل الحزب؟
الحرية والعدالة نموذجاً للأحزاب الإسلامية:
حزب الحرية والعدالة ،أسسته جماعة الإخوان بعد ثورة25 يناير ليكون
الذراع السياسية لمشروعها في الحكم ، حيث حرصت على أن ينشأ بطريقة تختلف عن كل
الأحزاب التقليدية، فمن خلال مجموعة من المعايير الانتقائية، سعت الجماعة أن يكون
جل مؤسسى الحزب من أرقى رتبة تنظيمية داخل الجماعة ،وهى شريحة الأعضاء العاملين، ممن
يحظون بثقة التيار المحافظ، المتحكم في طريقة تصعيد الأعضاء، من خلال السيطرة على
ما يسمى بلجنة التربية ،التي تتولى تكوين الإخوان فكرياً وعقائدياً.
أجرت الجماعة انتخابات داخلية، في كل المناطق الإخوانية بين شريحة
العاملين ،لاختيار عشرة بالمائة من الأعضاء العاملين ، البالغ عددهم أكثر من
70.000 عضواً ما أسفر عن انتخاب 7.000 عضو، أضيف إليهم 1821 عضو أخرين، حذرا من أن
تتجاوزهم عملية الاقتراع، ليبلغ عدد المؤسسين 8821 عضو مؤسس، بينهم 978 امرأة ،أي
أن نسبة المرأة أكثر قليلاً من عشرة بالمائة من جملة المؤسسين، بما يعكس أيضاً موقع
المرأة في الأحزاب الإسلامية دون تجمل، كما يعكس وجود 93 قبطياً ضمن المؤسسين أيضاً
،موقع الأقباط في ظل حزب إسلامي، وتحليل تركيبة هؤلاء تشى بالكثير ،مما يخرج عن
نطاق الدراسة .
بالرغم من أن الجماعة حرصت على طبيعة المؤسسين، من حيث قوة ارتباطهم
بها، ورسوخ السمع والطاعة لديهم ،فإنها لم تثق فيهم بشكل يجعلها تمنحهم حق اختيار
رئيس الحزب ونوابه والأمين العام ،فقد حرصت على أن يكون أول رئيس للحزب ونوابه
والأمين العام ،حقاً أصيلاً للحلقة الضيقة داخل مكتب الإرشاد، وهو مركز صنع القرار
الحقيقي داخل الحزب والجماعة معاً ،فالارتباط العضوي بينهما، اختيار صارم للجماعة .
كان أول رئيس معين للحزب هو الدكتور محمد مرسى ،مشرف القسم السياسي
السابق بالجماعة ،وعضو مكتب الإرشاد ،وأحد غلاة المحافظين داخل الجماعة ،والأقرب
لقلب وعقل الرجل القوى في الجماعة، خيرت الشاطر النائب الأول للمرشد رسمياً،
والمرشد الفعلي واقعياً ،أما الأمين العام فكان د محمد سعد الكتاتنى أحد من يحظون
بثقة التيار المحافظ ،أما النواب فهم بلا صلاحيات حقيقية، بموجب اللائحة وهم د عصام العريان ،ود رفيق حبيب، القبطي، في مشهد تجميلي
لحزب إسلامي ،يختار نائباً قبطياً لرئيس الحزب (استقال فيما بعد من العمل السياسي
كله )
كان هذا أول محك ،يتم القفز فيه على إرادة مجموع أعضاء الحزب ،الذين
هم بالأساس أعضاء بالجماعة ،ومن أرقى مرتبة تنظيمية في الجماعة ،ورغم أن اللائحة
تجعل المؤتمر العام صاحب الحق في انتخاب الرئيس والأمين والنواب، فقد سلبت الجماعة
هذا الحق من الأعضاء ،بموجب مادة انتقالية في لائحة الحزب ،لكى تحدد، منذ البداية،
وتكرس فكرة سيطرة التيار المحافظ ،فبالنظر للهيكل التنظيمي للحزب ،وبحسب اللائحة
المنشورة ،تجد أن هيئات اتخاذ القرار أربعة: هيئة المؤتمر العام ،الذى ينتخب رئيس
الحزب، والأمين العام ،ونواب الرئيس، كما ينتخب الهيئة الثانية وهى الهيئة العليا،
التي تنتخب بدورها أعضاء المكتب التنفيذي للحزب ،والبالغ أعضاؤه 15 عضواً، هم نواب
الرئيس، والأمين العام ،والأمناء المساعدون ،إضافة إلى رؤساء الأمانات النوعية.
بالنظر
لتركيبة الحزب وأعضائه، وطبيعة أن معايير الانتخاب والاختيار، هي السبق في الدعوة والاشتراك في أنشطة الدعوة
معاً، وبطبيعة أن الجميع في العمل السياسي مبتدئون، فهم يختارون على أساس معايير اختيار
الدعاة ،وليس السياسيين، ومن ثم فالتركيبة لكل تلك الهيئات ،الغالب عليها أعضاء
التيار المحافظ الذين يقبلون بسهولة فكرة الحرمان من ممارسة حقهم في اتخاذ
القرارات، داخل الحزب لحساب الرئيس والأمين العام ، هم مجرد حملة بريد مكتب
الإرشاد إليهم ،وقد خاض أعمدة التيار المحافظ معركة مكتومة ،قبل أول انتخابات
أجريت لاختيار رئيس الحزب والأمين العام ،لتأكيد سيطرة
الجماعة على الحزب ،من خلالهم، بما يحول دون أن تمضى هيئات الحزب في ممارسة دورها الطبيعي،
ومن ثم تصنع قرارات الحزب، انخرطت بعض
رموز التيار المحافظ في جولات دؤوبة في الاتصال بأعضاء المؤتمر العام، لحثهم على اختيار
سعد الكتاتنى لمنصب رئيس الحزب ،وحسين إبراهيم لمنصب الأمين العام ،كما انخرطت
بالمقابل رموز التيار الإصلاحي، كمحمد البلتاجي، وحلمى الجزار، للتسويق لانتخاب
رمزهم الأقدم عصام العريان، لتأتى النتائج مؤكدة سيطرة التيار المحافظ، ويتم انتخاب
الكتاتنى الذى يحظى بثقة المحافظين، وتحديداً الحلقة الأضيق، التي تدير الجماعة
والحزب ثم مصر في الأخير، بعد وصول رئيس الحزب السابق محمد مرسى، لقصر الرئاسة .
نظرياً لدينا في جماعة الإخوان هيئة هامة، يحب الإخوان أن يطلقوا
عليها أرقى مؤسسة داخل الجماعة ،ويعتبرونها مركز صناعة القرار الحقيقي، بحيث إن
القرارات الأخطر سياسياً، تفوض لتلك الهيئة ،التي يتم انتخاب أعضائها ،مع تعيين
نسبة كافية تكفل احتفاظ التيار المحافظ بالأغلبية لضمان ألا تصطدم قرارات المجلس ،مع
قرارات الحلقة الضيقة.
حاولت تلك الهيئة أن تبرز استقلالها عن مكتب الإرشاد وإرادته ،عندما
طرح أمر ترشح السيد خيرت الشاطر لرئاسة مصر، بالمخالفة لتعهد قطعته الجماعة على
نفسها بعدم المنافسة على منصب الرئاسة ،في اجتماع مجلس شورى الجماعة يوم 10
/2/2011 وقبل تنحى مبارك بيوم واحد، وعندما تغير المسار السياسي لمصر كلها، ارتأت
الحلقة الضيقة داخل مكتب الإرشاد الدفع بخيرت الشاطر مرشحاً على مقعد الرئاسة،
وعرض الأمر على مجلس الشورى الذى رفض بنسبة كبيرة ،ليعاد التصويت مرتين بعد ممارسة
ضغوط من جانب الشاطر على الأعضاء ، ليوافق مجلس الشورى في النهاية على الترشح
بأغلبية ضئيلة . كذلك خالف مكتب الإرشاد أيضاً، قرار مجلس الشورى بالمشاركة في انتخابات
البرلمان بنسبة من30 إلى 40 % ،لينافس في النهاية على كافة مقاعد المجلس.
وتوالت المواقف التي كانت الإرادة الماضية فيها ،هي إرادة مكتب
الإرشاد والحلقة الضيقة فيه ،والتي نجحت في أن تنتزع من أعضاء مجلس الشورى في
النهاية قراراً بتفويض مكتب الإرشاد في كل القرارات، ليختفي دور مجلس الشورى لحساب
تلك الحلقة الأضيق، وتسقط آخر حلقة كانت تضفى نوعاً من المؤسسية على أداء الجماعة
، ويصبح الحزب مجرد قناع سياسي للجماعة ،والرجل القوى فيها ،الذى أربك تدخله
الدائم ، مسار الحزب وعلاقته بباقي فرقاء الساحة السياسية، حتى إنه كان من المألوف
في أي حوار، أو تنسيق للمواقف بين حزب الحرية والعدالة ،وأي طرف سياسي آخر، ألا
يستطيع أحد من قيادات الحزب أن يعطى رأياً قبل انتظار الاجتماع الأسبوعي لمكتب
الإرشاد، الذى يقرر هو للحزب ماذا يفعل ، وماذا يقرر ، وما هو موقفه .
كان من نتائج ذلك أن أصبح معلوماً للكافة في المجتمع المصري، سواء على
مستوى القوى السياسية أو الجماهير، من هو مصدر القوة والقرار داخل الحزب والجماعة ، لذا كان مفهوماً لماذا يهتف
المتظاهرون بسقوط المرشد والشاطر،
باعتبارهما مركز الثقل الحقيقي ،بينما يمضى رئيس الحزب وقته في لقاءات في الداخل
والخارج ،دون أن يحظى بأقل عتاب، حيث إنه غير مسؤول عن أي شيء، سوى بروزه للرأي
العام أحياناً ، للرد وتبرير مواقف وقرارات لم يشارك في صنعها، ويبقى دوره فقط
إبلاغها لكافة الأطراف، فاللياقة فقط هي ما اقتضت ،ألا تخرج قيادات الجماعة
لإبلاغها للرأي العام.
يعتقد البعض ،أن إبراز بعض رموز جماعة الإخوان للمشاركة في المرحلة الانتقالية
،سواء في الحكومة أو في مجلس الشورى، هو من أجل التمهيد لحكومة أخوانية كاملة،
وربما يكون مطروحا انتخابات رئاسية مبكرة للدفع بالسيد خيرت الشاطر رئيساً في ظل
ثقة الجماعة ،فى كفاءة الماكينة الانتخابية وسيطرتها على حقائب الشباب ،والقوى
العاملة ،والإدارة المحلية، والإعلام ،والإسكان، والنقل، وكلها وزرات لها علاقة
مباشرة بحياة الناس، مما يسهل استخدام إمكانات الدولة كرشاوى انتخابية، قبل الانتخابات
بوقت كاف لحسم النتائج .
تنشأ دوما في الأحزاب، مراكز نفوذ تنطلق من وحدة الأفكار بين بعض أعضاء
الحزب ،بحيث قد يظهر صراع أفكار تختفى معه أحياناً الوحدة الفكرية، التي يعززها
إيمان الأعضاء ببرامج وأفكار الحزب، ولعل هذا هو إحدى المزايا النسبية لأعضاء الحرية والعدالة ، فغالبية الأعضاء هم
أعضاء سابقون في جماعة الإخوان ،تربوا على أفكارها وتشبعت عقولهم ومشاعرهم بأهداف
ومشروع الجماعة، والحزب في هذا السياق مجرد وسيلة لتمكين المشروع الإخوانى الأممي،
الذى تعد مصر حلقة ضمن حلقاته، لذا لا ينشغل أعضاء الحزب بشيء، أكثر من الرغبة في امتلاك
السلطة ، دون الاجتهاد المكافئ في إنجاز برامج تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية،
تدفع في اتجاه شرعية الإنجاز السياسي، وهذا بالطبع لا ينجح إلا في بيئة مؤسسية ، تتشارك
التفكير وصناعة القرار، ويشعر معها الأعضاء بأنهم شركاء في كليهما، ولكن في حالة
كحالة الحزب تتراجع لياقة الأعضاء سواء في التفكير، أو في صناعة القرار لإدراك جل
الأعضاء أنهم لا يشاركون، لا بالتفكير أو التدبير ،حيث احتكرت الحلقة الضيقة بمكتب
الإرشاد كل ذلك.
تجاوزت جماعة الإخوان الأطر الطبيعية في بناء الحزب ،ومن ثم نشأ
الحزب، على غير عادة الأحزاب، من بين مجموعة من الناس يتحقق بينهم نوع من الانسجام
الفكري، الذى ينتج أشكالاً من تبادل وتداول الأفكار والعصف الذهني الجماعي، وتقسيم
أنفسهم في مجموعات بحسب الاهتمام في لجان وأقسام ،ومن ثم كتابة البرنامج الذى يعبر
عنهم، والخطاب السياسي المترجم لذلك، تشكيل مؤسسات الحزب بالانتخاب وهيئات صنع
القرار داخله، بما يحقق الاطمئنان لسلامة القرارات والتوجهات ،وتبنيها من قبل
الأعضاء والشعور بالرضا لديهم ،أما في حالة الحزب الذى بين أيدينا ،تبقى مؤسسات
الحزب مجرد خطط إشغال، تستفرغ طاقة الأعضاء في مهام هامشية، بينما يبقى القرار بيد
قوى أخرى من الخارج كما أسلفنا، وبذلك يكون الحزب مجرد واجهة سياسية للجماعة ،ولا
أعتقد أنه يستطيع الصمود ذاتياً دون قدرات الجماعة اللوجستية، والماكينة الانتخابية
التي تتحرك لنصرة مرشحي الحزب بأوامر عقائدية ،والتي تتراجع أيضاً فاعليتها، مع
نمو فاعلية الخصوم السياسيين، خصوصا بعد انفتاح الفضاء السياسي، بعد سنوات الحظر
الطويل ، لذا يبقى الرهان على الوقت قائما في تراجع حظوظ حزب الحرية والعدالة، في
ظل هذا الاتصال العضوي بينه وبين الجماعة .
في كل الأحوال، نحن أمام جماعة امتلكت تنظيماً شعبياً كبيراً ،حافظ
على بنيته التنظيمية متماسكة ، برغم التضييق والحصار ،وعندما أسس حزباً، فذلك لأن
قواعد اللعبة السياسية اقتضت ذلك ،فقد فضل أن تبقى الجماعة بما تحمله من انضباط
وتماسك تنظيمي، هي الوصية على حركة الحزب، بدعوى أن الطفل لا يفطم قبل أن يتم
عامين من الرضاعة، متجاهلة أنه لم يولد طفلاً، بل رجلا ارتدى رداء أخر لمهمة أخرى ،هي
إقامة الدولة الإسلامية ،التي تحكم بالشريعة ،والدولة الحالية هي مرحلة ،في طريق قد
يكون طويلاً نحو دولة إسلامية، حسب ما يعتقدون ،وإن كان من المؤكد أنهم لا يملكون
نظرية سياسية حقيقية، تتضمن آليات آخري تقفز على الدولة الحديثة ،بمؤسساتها
التشريعية والقضائية والتنفيذية وضمان الفصل بينهما، وبما يعكس أيضا ،أنهم قد
يقبلون بفكرة التعددية الحزبية كمرحلة، يتم تهيئة الأمور بعدها للإطاحة بهذه
الفكرة ،حيث لم تخرج لنا الجماعة حتى الآن
باجتهاد معرفي إسلامي يؤكد أنهم يؤمنون إيماناً عميقاً بما أنتجته التجربة الغربية
في النظام السياسي وآلياته ،التي تجعل الأحزاب هي ألية الوصول للسلطة، ومدرسة لتخريج
الكوادر السياسية ،القادرة على النبوغ في إدارة ملفات الدولة، وممارسة وإدارة
الخلاف السياسي ،من خلال آليات أكثر تحضراً وعصرية، فقد توقف اجتهاد فقهاء الإسلام
منذ قرون، ولم تستأنف مسيرة العقل المسلم لمساندة جهود النهوض الحضاري حتى الآن ،إلا
من بعض المحاولات الخجولة هنا أو هناك، مما لا ينهض كأساس معرفي كاف لنظرية سياسية
إسلامية .