المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

بين الإخوان والسلفيين ماذا تعني "مبادئ الشريعة" في الدستور؟

الأحد 29/ديسمبر/2013 - 11:46 ص
بسام صلاح
يبدو النص الخاص بـ “,”مبادئ“,” أو “,”أحكام“,” الشريعة هو العنوان الأبرز لمعركة كتابة دستور مصر بعد ثورة 25 يناير ، وهو الدستور الذي كان من المفترض أن يأتي تجسيدًا للشعارات وال قضايا الأساسية التي طرحتها ا لثورة المصرية التي تركزت حول شعارات: “,”عيش .. حرية .. وعدالة اجتماعية“,”.. ولكن كان من المثير أنه في مصر، الدولة الكبيرة السكان، التي يدين غالبية سكانها بالإسلام منذ أكثر من 1400 سنة ، ويمارسون شعائرهم الدينية بمنتهى الحرية والأمان ، أن تتصدر الشريعة الإسلامية باعتبارها القضية المحورية في كتابة الدستور ، وهي المفترض أنها قضايا راسخة في الوعي الجمعي، ولا تحتاج لأن يتم تضمينها في الدستور بما لا يزيد على مقامها في الدساتير المصرية السابقة، باعتبار أن الدساتير تتناول بالأساس الأهداف والغايات الأسمى للأمم والدول والشعوب .

تصر القوى الإسلامية التي تتمتع بأ غلبي ة عددية داخل الجمعية التأسيسية، على تضمين الدستور مادة مفسرة لمبادئ الشريعة الإسلامية، ومادة أخرى تنص على مرجعية الأزهر في تفسير الشريعة الإسلامية، ومادة ثالثة تضع شرطً ا للمساواة بين الرجل والمرأة بدون الإخلال بالشريعة الإسلامية ؛ ليبدو الأمر وكأن الشريعة الإسلامية في خطر أو كأن الثورة قد قامت لحماية الإسلام . و في مقابل ذلك قوى مدنية ترى أن مسودة الدستور بشكلها الحالي ستكون إعادة إنتاج للاستبداد القديم تحت ستار ديني هذه المرة ، وترفض هذه القوى المدنية مسودة الدستور بشكلها الحالي [1] . ولكن ما الذي يجعل حلم الثورة المصرية وكتابة دستورها يكاد أن يتحول إلى كابوس وعامل جديد لتحفيز عملية الاستقطاب التي أنهكت الشعب المصري بعد الثورة وحتى الآن؟ وما هو مستقبل عملية كتابة الدستور إذا استمرت بهذه الطريقة في الأيام القليلة المتبقية قبل الانتهاء من المشروع وطرحه ل لاستفتاء؟

تشكل القوتان الإسلاميتان الرئيسيتان (التيار السلفي وجماعة الإخوان المسلمون) معًا الكتلة الأكبر داخل الجمعية التأسيسية، وعلى عاتقهما تقع المسئولية الأكبر في الجدل الحاصل الآن حول الهوية الإسلامية ، بالطبع يشترك في الجدل حول مواد الشريعة والهوية كل القوى والجماعات الإسلامية في مصر. وسوف نركز بشكل أساسي على موقف هاتين القوتين باعتبارهما الأكبر تمثيلًا داخل الجمعية التأسيسية، والأكثر تأثيرًا على مشروع الدستور الذي يُكتب الآن، وهما القادرتان- إذا أرادتا- على اتخاذ موقف فعلي بعيدًا عن الحروب الكلامية الدائرة.

تاريخيًّا، وبعد انتهاء حقبة التسعينيات من القرن العشرين، والتي شهدت أحداث عنف كثيرة، خفتت الأصوات الإسلامية التي تنادي بتطبيق الشريعة، وتحول اهتمام مختلف القوى الإسلامية إلى فلسفة الإصلاح التدريجي وعدم تخطي الخطوط الحمراء التي تضعها الدولة، وإلى حد ما وافق ذلك هوى النظام السابق، واستمر الأمر كذلك حتى قيام ثورة 25 يناير، ولكن مجددًا وبسرعة عادت الشريعة الإسلامية لتتصدر أولويات قوى الإسلام السياسي بعد الثورة . ولفهم هذا التغير في المواقف سنعرض سريعًا لأهم المحطات في علاقة كلٍ من الفصيلين الإسلاميين الرئيسيين بقضية الشريعة بعد الثورة.

“,” الشريعة “,” في التراث الدستوري المصري :

ربما يكون استعراض التراث القانوني المصري - بدءًا من دستور 1923 - مفتاحً ا لفهم ما قد ينتظرنا في المستقبل في حالة إقرار النصوص الدستورية الحالية بعد الاستفتاء عليها، فقبل عام 1971 كان النص في الدستور حول الإسلام نصًّا عامًّا. فينص دستور 1923 (ال مادة 12 ) على أن “,” حرية الاعتقاد مطلق ة، أما ال مادة 13 فتنص على أن “,” تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقًا للعادات المرعية في الديار المصرية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب “,” . أما دستور 1956 (ال مادة 3 )، فتنص على أن “,” الإسلام دين “,” . بينما كان دستور 1971 هو أول دستور خرج بالنص العام بشأن الإسلام إلى نص خاص حول الشريعة، فنصت (المادة 2 ) على أن “,” الإسلام دين الدولة، ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع “,” . وجاءت تعديلات مايو1980 على دستور 1971 لتدخل على النص الأصلي لهذه المادة النص على أن “,” مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع “,” .

كانت النصوص الدستورية قبل دستور 1971 تتعامل مع جميع الأديان ككتلة واحدة، بالطبع لم يؤثر هذا على الإسلام كدين أو على المسلمين كجماعة، وظل المسلمون وغيرهم من أبناء الديانات الأخرى يمارسون شعائرهم بمنتهى الحرية ، وكان المجتمع أكثر تسامحًا بشكل عام، لكن في دستور 1971 – و بهدف مغازلة القوى الإسلامية التي كان الرئيس السادات يرغب باستخدامها في القضاء على القوى اليسارية والقومية - جرت إضافة المادة الثانية التي جعلت الشريعة الإسلامية مصدرًا للتشريع. وكجزء من لعبة سياسية أخرى عدَّل السادات المادة ليجعل الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع .

وب ال إمكان الآن - بعد مرور أكثر من 40 عامًا على كتابة هذا النص ، وبعد اغتيال السادات على أ يد ي الإسلاميين أنفسهم- أن نؤكد أن وجود المادة الثانية قد سبب أضرارًا تعاني منها مصر حتى الآن على المستويين الاجتماعي والسياسي، فعلى المستوى السياسي استهلك الجدل حول مرجعية الشريعة وتفسير كلمة “,”مبادئ“,” ومعني “,”دين الدولة“,” مساحات هائلة من المجال السياسي، وسنوات عديدة من الصراع مع الجماعات الإسلامية التي رفعت السلاح في وجه الدولة لتطبيق شرع الله كما تفسره وتعتقده هذه الجماعات ، وهي المواجهة التي كلفت مصر غاليًا على المستويين الاقتصادي والأمني. وعلى المستوى الاجتماعي ازدادت حوادث العنف ذات البعد الطائفي في الفترة بعد دستور 1971 وحتى الآن عشرات المرات عن مثيلتها من قبل. وتزامن ذلك مع تصاعد خطاب الكراهية للآخر أيًّا كان دينه.

السلفيون والإخوان .. فحوى الجدل حول ال نص :

كانت الدعوة السلفية قبل ثورة يناير تحرم الديمقراطية وتكوين الأحزاب؛ و لأجل ذلك أعلنت رفضها النزول لمظاهرات 25 يناير درءًا للمفاسد ولحرمة التظاهر، ولكن كان من الطبيعي بعد ثورة فتحت المجال السياسي للجميع أن تشارك الجماعات السلفية سياسيًّا، ولكن مع أول اختبار ديمقراطي حقيقي متمثلًا في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، رفع السلفيون سلاح الدين والهوية الإسلامية ضد ما أسموه “,” مؤامرة “,” العلمانيين لتغيير المادة الثانية (التي لم تكن مطروحة للاستفتاء أصلًا)، وجا ء ت النتيجة بواقع 77% ب ـ “,” نعم “,” للتعديلات ، ما مثل مفاجأة للقوي الإسلامية وخصوصًا التيار السلفي الذي اكتشف قوته في تلك اللحظة، ومن هنا بدأ التفكير في إقامة حزب سياسي يجمع السلفيين ويشاركون من خلاله في الانتخابات التشريعية.

وفي مقال ه بعنوان “,” لماذا تغير موقف السلفيين من المشاركة السياسية ؟ “,”، بتاريخ 2 أبريل 2011 ، فسر الشيخ ياسر البرهام ي عضو مجلس الدعوة السلفية سبب مشاركة الدعوة في الاستفتاء بقوله: “,” أردنا إرسال رسالة تتلخص في أن هذه القضية عندنا قضية كبرى: المحافظة على هوية البلاد من أن دينها الرسمي الإسلام ولغتها اللغة العربية، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع؛ لذلك كانت قضيتنا ألا تمس هذه المادة. خصوصًا أن بعض السياسيين المرشحين لرئاسة الدولة طارح لأن يعود لدستور 1923 الذي كان بعد ثورة 1919 مباشرة، وكان ينص على أن الدولة دينها الرسمي الإسلام لكن لا ينص على مرجعية التشريع، وبالتالي فالقانون الذي يفسره قال بأن معنى الدستور بهذه الطريقة أن يكون الدستور أولًا، القانون ثانيًا، العرف، ثالثًا، والقاضي إذا لم يجد يمكنه أن يحكم بالشريعة الإسلامية فجعل الشريعة الإسلامية في الترتيب الرابع بعد المصادر الثلاثة الأولى، وعندنا شرع الله -عز وجل- فوق كل شيء“,”.

وبعد مرور أكثر من عام ونصف تبلورت رؤية “,”البرهامي“,” إلى شكل أكثر وضوحًا في البيان [2] الذي أصدره مجلس شورى العلماء -والذي يضم كبار مشايخ التيار السلفي في مصر ومؤسسيه- حول مسودة الدستور، والذي أكد على سبعة بنود تضمنت ما يلي:

أولًا: يطالب مجلس شورى العلماء بوضع مادة فوق دستورية صريحة قاطعة تنص على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، وأن أي قانون يخالف الشريعة الإسلامية فهو باطل.

ثانيًا: كل مسلم ينبغي أن يكون له دور في نصرة الشريعة، ويبذل ما استطاع من جهد في سبيل تحكيم شريعة الله، مستخدمًا كل سبل التأثير المشروعة في تحقيق ذلك .

ثالثًا: إذا أردنا دستورًا جديدًا يُصلح الله به البلاد والعباد، فيجب ألا يُحل الدستور الجديد حرامًا ولا يُحرم حلالًا، ولا يصادم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في أي فقرة منه .

رابعًا: يعكُف مجلس شورى العلماء – في هذه الأيام – على النظر في مواد الدستور التي أبدى ملاحظاتٍ عليها، منها المادة الأولى التي تتحدث عن النظام الديمقراطي الذي يتعارض في أصوله مع قواعد الإسلام، فإن كان واضع هذه المادة يقول إنها من الإسلام فالتصريح بكلمة النظام الإسلامي أحق، وإن كانت تخالف الإسلام فلا حاجة للمسلمين بها .

خامسًا: المادة الثالثة من الدستور لا حاجة إليها بعد وجود المادة الثانية التي تكفل لغير المسلمين حقوقهم. والمجلس بصدد دراسة مواد مسودة الدستور مادةً مادة والتعليق على كل مادة بما يناسبها وسيُصدر ذلك – بإذن الله – ببيان تفصيلي بهذه المواد المتحفظ عليها .

سادسًا: نصت الدساتير السابقة في مصر على التطبيق العملي للشريعة الإسلامية، فنطالب بتفعيل هذه المواد على أرض الواقع، والشريعة الإسلامية هي اليسر كله، ولا عسر فيها.

سابعًا: ليس لأحد من البشر العصمة إلا الرسل، فلا يصلح أن يكون بالدستور نص على أي أحد من الناس على أنه غير قابل للعزل أو الإقالة. “,”

ويبدو هذا البيان هو الرؤية النهائية للتيار السلفي لمشروع الدستور، وهي رؤية - كما يبدو- تفصيلية، وهو أمر من الصعب أن يكون مجالاً لنصوص دستورية، وهي رؤية ربما تبدو متشددة ، و ربما تنتقص من الحقوق السياسية والدستورية للمواطنين كافة، وحقوق غير المسلمين بشكل أكثر وضوحًا.

أما فيما يتعلق بـ “,”الإخوان المسلمين“,”، ف بعد الإعلان عن موعد الخروج إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط النظام، أصدر “,”الإخوان“,” في 19 يناير بيانًا جاء بعنوان “,” 10 مطالب لتجنب ثورة شعبية“,” ، أعلنت فيه الجماعة عن “,” مطالب عاجلة لتهدئة الاحتقان داخل الشارع المصري “,”، وكانت هذه المطالب جميعها خاصة بالإصلاح السياسي والاقتصادي، ولم يكن بين هذه المطالب أي ذكر للشريعة أو للهوية الإسلامية ؛ فهي لم تكن قضية مطروحة للنقاش أصلًا في ذلك الوقت.

و بعد خلع مبارك - وعلى العكس من التيار السلفي - تجنبت الجماعة استخدام الدين
-رسميًّا على الأقل- في المعارك السياسية، وحاولت أن تظهر كقوة وطنية تحمل مشروعً ا سياسيًّ ا، وخصوصًا في الانتخابات البرلمانية التي دخلتها بتحالف مع أحزاب مدنية بعد فشل فكرة التحالف بينها وبين حزب النور السلفي، بل وزادت على ذلك بانتقاد نواب البرلمان السلفيين الذين أضافوا جملة: “,”بما لا يخالف شرع الله“,” للقسم الدستوري لمجلس الشعب ؛ في محاولة واضحة للتمايز عن التيار السلفي وكسب القوى الثورية والمدنية إلى جانبها، ولكن في الانتخابات الرئاسية، والتي مثلت ذروة الصعود السياسي للجماعة واللحظة الأكثر مفصلية في تاريخها بعد التأسيس، استُخدمت كل الأسلحة في الحشد والدعاية لمرشح الجماعة ، وكان محمد مرسي يصف نفسه دائمًا في مؤتمراته الشعبية التي أقامها أثناء الانتخابات بأنه المرشح الإسلامي الوحيد الذي يمتلك مشروعًا ورؤية إسلامية شاملة لنهضة مصر. واستمر هذا الخطاب حتى نهاية الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية. وفي جولة الإعادة وبعد خروج جميع مرشحي الثورة رفعت الجماعة راية الثورة بيد والدين باليد الأخرى في محاولة لكسب كل الأطراف. وبعد فوز مرسي، وعلى الرغم من الصلاحيات الغير مسبوقة التي يتمتع بها باعتباره يمتلك السلطتين التشريعية والتنفيذية في نفس الوقت، فإننا لم نر أي تغيير فيما يتعلق بتطبيق الشريعة، أو تغيير القوانين التي ترى الجماعة أنها لا تتفق مع الهوية المصرية، وربما كان التغيير الوحيد بهذا الخصوص هو مداومة الرئيس على صلاة الجمعة أسبوعيًّا أمام كاميرات التليفزيون، والخطبة بعد الصلاة بكلمة قصيرة عادةً ما تكون حول قيم إسلامية عامة كالعدل والعمل وحب الوطن وغيرها.

وفي بيان أصدرته ال جماعة باسم الشريعة الإسلامية وهوية الأمة [3] أكدت تمسكها بمواد الشريعة الإسلامية في المواد 2 و221 و68 قائلة: إنه “,” لما كان الدستور هو القانون الأساسي الذي تنشأ عنه القوانين، ويتضمن المبادئ الأساسية للعلاقات بين السلطات المختلفة ويحدد حقوق المواطنين وضمانات المواطنة السليمة، فقد حرص الإخوان المسلمون دائمًا على أن تكون الشريعة في موضعها اللائق من هذا الدستور، بما يساعد البرلمان على وضع قوانين الشريعة الإسلامية موضع التقنين إن شاء الله “,”.

وتحدث البيان بعد ذلك ب شيء من التفصيل عن المواد الخلافية قائلًا : “,” تم التوافق بين كافة القوى السياسية على إضافة مادة في الأحكام العامة تنص على ما يلي : مباد ئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة، والمقصود بأدلتها الكلية كل ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة، والمقصود بالقواعد الأصولية والفقهية: القواعد المستنبطة من عموم الأدلة الشرعية التي لا اختلاف عليها والتي تحقق مقاصد الشريعة، والمقصود بالمصادر المعتبرة: القرآن والسنة والإجماع والقياس، وبهذه المادة ينقطع الجدل الدائر حول تفسير مبادئ الشريعة بشكل كامل .

وفيما يتعلق بالأسرة والمرأة فقد نصت المادة (68) على المساواة بين الرجل والمرأة دون الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، وذلك حتى لا يكون للمعاهدات الدولية التي تدعو إلى مخالفة شيء من الشريعة مجال لتحقيق أغراضها، كمحاولة تقنين الشذوذ أو العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج الشرعي ونحو ذلك“,”.

و تكشف المقارنة بين بيان جماعة الإخوان وبيان مجلس شورى العلماء حجم المأزق الذي توشك الجمعية التأسيسية أن تضع مصر كلها فيه، فبينما ترى جماعة الإخوان أن المادة المفسرة لمبادئ الشريعة الإسلامية كافية لإنهاء الجدل الدائر حول تفسير مبادئ الشريعة بشكل كامل، يرى مجلس شورى العلماء أن المادة 2 والمادة 221 غير كافيتين لحسم هذا الجدل ويطالب بوضع مادة حاكمة فوق دستورية تضع الشريعة الإسلامية كمرجع وحيد للتشريع. والشاهد هنا أن القوى الإسلامية بالرغم من تأكيدها الدائم على مركزية قضية الشريعة وأهميتها إلا أنها لم تستطع التوافق فيما بينها على صيغة ترضيها لشكل مواد الشريعة، وظهر الخلاف بينها أثناء عملية كتابة الدستور، فكيف نحتكم لمواد يختلف كاتبوها أنفسهم في فهمها ومعرفة مغزاها، وهو ما سيؤدي في حالة إقرار الدستور بشكله الحالي إلى خلافات دستورية سيكون لها آثار سلبية على التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر بعد الثورة.

الشريعة والدستور .. إلى أين

يبدو مستقبل الدستور والجمعية التأسيسية المكلفة بوضعه غامضًا في ظل الانسحابات المتوالية منها، خاصة بعد انسحاب ممثلي الكنائس المصرية الثلاث الذي ربما يكون مقدمة لانسحاب قوى مدنية أخرى تمتلك شكوكًا عميقة حول نية القوى الإسلامية للتوافق حول الدستور.

وسنحاول عرض سيناريوهات متوقعة لمسار الأيام النهائية لمناقشات الدستور وما بعدها:

أولًا: إصرار القوى الإسلامية على المضي في طريقها وطرح الدستور للاستفتاء قبل الوصول لتوافق حول المواد الخلافية. و في هذه الحالة قد تكون النتيجة واحدة من اثنين :

(أ‌) الموافقة على مشروع الدستور: سيؤدي هذا إلى تكريس سيطرة القوى الإسلامية على مستقبل مصر وتهميش كل التيارات الفكرية والسياسية المخالفة لها، وبعد هذه المرحلة ستبدأ الخلافات المكتومة بين القوى الإسلامية بالظهور، وهو ما سيستتبعه صراع بين هذه القوى، وسيخلق هذا الصراع مناخًا أكثر تشددًا، وعند مد هذا الخط لاستقامته سنصل إلى سيطرة فصيل إسلامي واحد يحتكر تفسير الدين؛ وبالتالي يحتكر المجال العام بالكامل ، وقد نصل إلى دولة كهنوتية على النمط الإيراني مثلًا في نهاية المطاف.

(ب‌) رفض ال مشروع : اذا حدث ذلك سنكون أمام حدث تاريخي سيغ ي ر من موازين القوى على الساحة السياسية المصرية ، وسيكون رفض مشروع الدستور أكبر ضربة تتلقاها القوى الإسلامية المحافظة ، وستصل بنا هذه النتيجة - إ ذا حدثت- إلى نهاية إشكالية الخطاب (السياسي- ال ديني) التي تشكل العقبة الأكبر أمام التطور الديمقراطي في مصر وفي المنطقة العربية عمومًا.

ثانيًا: توافق القوى الإسلامية والمدنية حول المواد الخلافية : وهو سيناريو يبدو صعبًا الآن ، ولكنه ليس مستحيلًا إذا امتلكت القوى السياسية جميعها الإرادة الجادة لتحقيق ذلك، وفي حالة حدوث هذا ستكون إشارة جيدة للداخل والخارج للتفاؤل بالمستقبل، وبداية يمكن البناء عليها لخلق توافق وطني أوسع فيما يتعلق بقضايا أكثر إلحاحًا للمواطن المصري ، مثل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر وتكاد تضرب كل آمال وتضحيات الشعب المصري في مقتل.




1- ا نظر: مسودة الدستور الصادرة عن الموقع الرسمي للجمعية التأسيسية للدستور بتاريخ 24 أكتوبر 2012 .

[2] بيان مجلس شورى العلماء بشأن مسودة الدستور الصادرة عن الجمعية التأسيسية في 10 نوفمبر 2012

[3] الشريعة الإسلامية وهوية الأمة.. بيان من الإخوان المسلمين صادر في 31 أكتوبر 2012


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟