المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .. من الفشل السعودي الى الواقع المصري

الأحد 29/ديسمبر/2013 - 12:00 م
دراسات المركز العربي - هاني سليمان
- السعودية بدأت طريق النجاة من الهيئة .. ومصر تهرول لتكمل المشوار.

- المجتمع السعودي ضاق ذرعاً بالهيئة وهناك دعوات قوية للحد من سلطاتهم.

- الملك عبدالله استجاب لشكاوى السعوديين ووضع نظاماً جديد للهيئة.

- الرياض منعت الهيئة من اقتحام المنازل والاعتقال العشوائي والاستجوابات.

- الدستور المصري الجديد يفتح الباب على مصراعيه لخلق تلك الجماعات.

- رجال الهيئة في السعودية تسببوا في حرق 15 فتاة بعد منع الرجال من انقاذهن.

- الأولوية الآن هل لنشر الحجاب ومنع الفنون ام لايجاد مساكن وفرص عمل وتوفير دواء

- الدولة الحديثة طورت الفكرة لمباحث التموين والآداب والمرور... الخ التي تقوم بدور المحتسب.

- الهيئة قتلت شباباً بالسويس وتركت الشيخ علي ونيس!!

- الفكرة عودة لزمن الفتوات وتضع “,”جهة“,” مكان الدولة.

- حق استخدام العنف “,”حصري“,” للدولة .. ومنحة للهيئة يفتح الباب لتوسيع العنف.

تعتبر حرية الرأي والتعبير والاعتقاد إحدى الإشكاليات الكبرى التي طفت على السطح مؤخرًا، وبعد ثورة 25 يناير، والتي كان يتوقع أن تشهد مزيدًا من الانفتاح وليس التقييد. فمع صعود نجم تيار الإسلامي السياسي وتوليه سُدة الحكم، كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عما يسمى “,”هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمصر“,”، والتي أشعل فتيلها إعلان مفاجئ من خلال مجهولين على موقع التواصل الاجتماعي “,”فيس بوك“,”، ولم يكشف فيه المعلنون عن هويتهم أو انتماءاتهم الدينية أو السياسية، واكتفوا فقط بأن عرفوا أنفسهم بأنهم “,”هيئة غير حكومية مؤلفة من شباب متدين متطوع يريد نصرة شريعة الله“,”.

وفي الواقع، أعقب هذا الإعلان الكثير من الحوادث في الشارع المصري التي أثارت الفزع والتخوف وإرهاب المواطنين، وقد تم غلق تلك الصفحة نهائيًّا في ظروف غامضة. وعلى اعتبار أن مصر تعيش في عصر المفاجآت، التي تبحث عن السعادة في أوقات والتعاسة في الأخرى، ظهر علينا المدعو “,”هشام العشري“,”، مؤسس الهيئة يملأ وسائل الإعلام المختلفة (جرائد وقنوات خاصة) ضجيجًا بنبل الفكرة. ومن ثم، نحاول هنا، معرفة: ما أهداف هذه الهيئة؟ومن يدعمها ويمولها؟ وهل هناك بعض مواد الدستور الجديد تؤطر لإنشاء مثل هذه الهيئة وتحديد ما هو المعروف والمنكر؟ ومن منوط به تطبيق ذلك، هل الدولة المصرية ممثلة في الأزهر أم أحزاب سياسية معينة أو أفراد في المجتمع؟ وهل نجحت هذا الهيئة في السعودية حتى تنجح في مصر أصلاً؟

أولاً: الهيئة تنتقل من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع

قام القائمون على الهيئة -في البيان الأول لهم على “,”فيس بوك“,”- بتعريف أنفسهم بأنهم جماعة سلفية، ولكنهم غير تابعين لحزب النور السلفي، وأكدوا أنهم لن يستخدموا أساليب تعنيف قاسية أو يجبروا المواطنين على أمر ما، ولكن كل ما في الأمر أنهم سيتوجهون بالنصيحة والإرشاد فقط لفظيًّا. وقد أكد البعض أن الهيئة ستعمل على نشر منشورات وبيانات أمام الكنائس في كل مصر في الفترة المقبلة لدعوة المسيحيين إلى الإسلام، وأن تطبيق الشريعة الإسلامية سيكون من خلال وزارة الداخلية والأزهر الشريف، بعد أن يكون مِلكًا لهما، وأن الهيئة ستُغير الزي للرجال والنساء أيضًا، وسوف تحدد ما الزي الشرعي للرجل أيضًا، مشيرين إلى أن الرجال أيضًا من الممكن أن يثيروا الفتن، بالإضافة إلى ارتداء المسيحيات للحجاب في الشوارع، وغلق المسارح ودور السينما، وإلغاء “,”الكليبات“,”، وستُحرم “,”المساج“,” والخمور .

وعلى أرض الواقع، هذا لم يحدث على مستوى التطبيق، حيث شهد الشارع المصري العديد من الأحداث المفزعة: مقتل شاب في السويس على يد ثلاثة ملتحين حاولوا نهيه عن قيامه بما سموه “,”فعلاً فاضحًا“,”، ثم حادثة تهديد الصحفية المصرية “,”إسلام عزام“,”، عبر رسالة موقعة باسم “,”جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر“,” تحمل تهديدات تطالبها بأن تجعل زوجها الصحفي “,”سعيد شعيب“,” يتوقف عن هجومه على الإسلاميين، وإلا لدى الجماعة الكثير لتفعله. وحوادث أخرى متعاقبة، منها منع الشيعة من الاحتفال بمولد الحسين، ثم مطالبة الجماعة لكل الكاتبات والمثقفات في مصر بارتداء الحجاب، لنجد أن ذلك الفكر المتطرف والمنظم تطرق لأمور حياتية عادية وداخل مؤسسات الدولة، مثلما حدث في إقدام سيدة منتقبة على قص شعر طفلة مسيحية (13 سنة) أثناء وجودهما في المترو، وقيام معلمة محجبة بالأقصر بقص شعر طالبتين في المرحلة الابتدائية رفضتا الانصياع لأوامرها بارتداء الحجاب . وفيما يخص تعامل الهيئة مع الأقباط في مصر، قال المتحدث إن “,”العقيدة الإسلامية تعطي الآخرين حرية الاعتقاد، لكنني أحترم القبطي المصري فهو ابن بلدي، وأخبره عن الإسلام حتى ندخل الجنة معًا، حتى لو لم أضمن أنا الجنة“,”.

وما يدلل على أن أعضاء الهيئة هم من قاموا ببعض الأحداث السابق ذكرها، بيانها الذي أكدت فيه أنها ستفتح تحقيقًا داخليًّا مع عضو الهيئة الذي تسبب في وفاة شاب السويس، ووعدت بتفتيش أعضائها تفتيشًا دقيقًا وكاملاً قبل انطلاق حملاتهم؛ وذلك للتأكد من عدم حمل أي نوع من أنوع الأسلحة، بخلاف الأدوات التي تستعملها.

وقد اعتبر البعض أن بعض هذه التصرفات قد تكون عشوائية، إلا أن أحداثًا بذلك الحجم، وترتيبات كتلك، لا يمكن أن تتم مصادفة ودون تخطيط وتمويل، فالهيئة أعلنت عن احتياجها لنحو 1000 شاب متطوع بمكافأة أسبوعية قدرها 500 جنيه، تتولى -ما سموها- “,”إدارة التجهيزات والشئون الإدارية بالهيئة“,” وتسليمهم 1000 عصا كهربائية، وسعت كذلك لتوظيف عدد من المتطوعات لنشرهم بالأماكن التي يقتصر وجود النساء بها، مثل عربات مترو الأنفاق. وبالرغم من إعلانهم على صفحتهم بيانًا يؤكد أنهم لن يجروا أي لقاءات إعلامية ولن يدلوا بتصريحات صحفية، ومع أن البيانات العشرة الصادرة عنهم، لم يتم من خلالها التعرف على هويتهم وانتماءاتهم بشكل مؤكد وكامل، وبعد غلق الصفحة بعد ذلك في ظروف غامضة، فإن البيان الخامس لتلك الهيئة أعلن فيه الشباب المؤسس للهيئة استقالته نهائيًّا من حزب النور، وتوقفه الكامل عن أي أنشطة تتعلق به، بعد موقف الحزب الذي وصفوه بـ“,”المخزى“,” فيما يتعلق بإنشاء الهيئة بمصر، حيث أكدوا أنهم التحقوا بالحزب، وحصلوا على تمويل منه بناءً على تصريح مباشر، ووعد صريح من قادته بالسعي لتشكيل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالبلاد، بعد التنسيق مع الجهات الحكومية، على غرار الهيئة بالمملكة العربية السعودية، إلا أن الحزب غرر بهم، وتجاهل رغبتهم، وتنكر لها، بعدما لاقوه من رفض تام من المجتمع. وهذا ما قام بنفيه حزب النور في وقت لاحق.

وما يؤكد أن الأمر لم يكن مجرد مصادفة، فإن عددًا من قيادات “,”السلفية الجهادية“,”، ومنهم السيد أبو خضرة، رئيس جماعة أنصار الشريعة، طالبوا رئيس الجمهورية بإنشاء هيئة لــ“,”الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر“,”. كما طالبوا بأن تكون مؤسسة رسمية، كبادرة أولى على طريق تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، داعين إلى تقنين وضعها، وإلحاقها بوزارة الداخلية؛ وذلك لامتصاص حدة الغضب المجتمعي، الذي سينتج عن إنشاء مثل هذه الهيئة.

ثانيًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. واللادولة

في الوقت الذي يعترف فيه الجميع، ويؤكد في ذات الوقت، على ضرورة الحفاظ على وسطية مصر واعتدالها، تثير مثل هذه الأفكار العديد من الإشكاليات والخوف، ليس فقط بين المسيحيين ولكن بين عموم المصريين، على مستوى القاعدة وعلى مستوى النخبة. ومن هذه الإشكاليات، ما يلي:

1. إشكالية الخطأ والثواب: إن إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شأنه أن يدفع تيارات أخرى في المجتمع لإنشاء كيانات مماثلة تتبنى إخضاع المجتمع لما يرونه خطأ أو صوابًا؛ ومن ثم سنكون أمام إشكالية التطبيق، الذي لن يكون دائمًا ملتزمًا بتعاليم الدين، خاصة أنه ليس لدينا تعريف جامع مانع يبين ما المعروف وما المنكر، فهيئة الأمر بالمعروف قتلت شاب السويس وتركت النائب السلفي علي ونيس، وهنا تطبيق القاعدة على جموع الشعب دون الصفوة من الشيوخ والدعاة.

2. زمن الفتوات واللادولة: تشكل الدعوة لإنشاء مثل هذه الهيئات تكريسًا وعودة لزمن الفتوات الذي شهدته مصر من قبل. والسؤال هنا: هل يجوز لجهة أو جمعية ممارسة هذا الدور بدلاً من الدولة، وبعيدًا عن إشرافها ورقابتها؟ وهل من حق الدولة أن توقف إنشاء كيانات تسعى لممارسة دور رقابي أو عقابي على المواطنين؟

إن فكرة تولي أفراد مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في غاية الخطورة؛ لأن المجتمع المصري لن يرضى بمثل هذه الأفكار، التي قد تؤدي إلى صدامات مع بعض أفراد المجتمع. كما أن اقتراح البعض بأن يمنح أفرادها سلطات للضبطية القضائية، أو سلاحًا، سيؤدي -بلا شك- لازدواجية مع أجهزة الدولة والشرطة، الجهة الوحيدة التي تمتلك حق استخدام العنف المادي تجاه بعض المصريين في حالة الضرورة القصوى؛ وذلك من أجل حماية باقي عموم المصريين.

3. فقه الأولويات: لا شك في أن الحسبة والأمر بالمعروف بشكله القديم قد تغير تمامًا، حيث حدث تغير في معطيات العصر وصولاً لمفهوم الدولة ومؤسساتها بالمعنى الحديث، فكان هناك محتسب الأسواق، المسئول عن ضبط أسعار السلع ومنع الغش والتلاعب، والآن موجود في صورة مباحث التموين، وكذلك بالنسبة للمحتسب القائم بشئون الطريق والأخلاقيات المرعية نجد مقابلاً له الآن شرطة الآداب. ويشير البعض إلى أن فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو مهمة الأمة بأكملها ولكن بدرجات، فتغيير المنكر يكون إما باليد، وهذه مسئولية الدولة ومؤسساتها المختلفة، أو يكون باللسان عن طريق العلماء وحكماء الأمة بالنصح والإرشاد، وأخيرًا يكون بالقلب، وهذا مسئولية كل فرد، أي أن حدود الفرد تتوقف عند القلب، وباقي الأدوات في يد الدولة.

وبدلاً من الانشغال بمسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد من أن ينشغل الجميع بضرورة تجديد الخطاب الديني. والسؤال: هل من أولويات الحركات الإسلامية في حكم مصر نشر الحجاب، الذي هو بالمناسبة غالب على المرأة المصرية بالأصل، أو منع دور السينما والمسرح ومحاربة الفنون، أم من الأولى البحث عن أولويات هي من صميم الشريعة حتى يحفظ الناس دينهم، كإيجاد مساكن لمن يسكنون القبور أو الشوارع، وإيجاد فرص عمل للعاطلين، أو توفير دواء للمرضى الذين يموتون لعجزهم عن دفع أجرة التداوي، بعد أن يعيشوا ردحًا من الزمن تحت براثن المرض، أو توفير الحماية والأمن الذي يفقد في كثير من الأحيان؟ ويذهب البعض إلى ضرورة تركيز الجماعات الإسلامية، التي وصلت إلى سدة الحكم، على القضاء على الفساد الإداري، فهو أخطر آلاف المرات من فساد الأفراد في الشارع.

4. الدستور وجماعة الأمر بالمعروف: يؤكد البعض أن الدستور الجديد فتح الباب على مصراعيه لخلق تلك الهيئات، ويشيرون في ذلك إلى ما جاء في العديد من المواد، مثل المادة (10) التي تنص على أن “,”الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية . تحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها؛ وذلك على النحو الذي ينظمه القانون“,”، والمادة (11) حيث “,”ترعى الدولة الأخلاق والآداب والنظام العام، والمستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية، والحقائق العلمية، والثقافة العربية، والتراث التاريخي والحضاري للشعب؛ وذلك وفقًا لما ينظمه القانون“,”، وأيضًا في المادة (12) التي نُص فيها على أن “,”تحمي الدولة المقومات الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع، وتعمل على تعريب التعليم والعلوم والمعارف“,”.

وحقيقة، نجد في هذه المواد المبهمة والغامضة، التي قد تحمل نوايا مسبقة للتيار الديني، كما أكد بعضهم، مخاطر كبرى على المجتمع المصري. فعلى سبيل المثال، كلمة «الأخلاق» كلمة ملتبسة ومبهمة وليس لها معايير واضحة، فهي تختلف من مكان لآخر؛ طبقًا للأعراف والتقاليد السائدة به، بل بين طبقات المجتمع ذاته . ثم إن وضع الدولة والمجتمع حاميين للقيم والأخلاق، هو ما يعطي الجماعات الإسلامية الحق في إنشاء جمعيات تفرض “,”ما تراه“,” بالقوة، ويصبح المجتمع في حالة استباحة، فهذا سيثير ارتباكًا كبيرًا، في مجتمع مضطرب أصلاً، ف هذا الأمر يفتح الباب أمام ظهور ما يعرف بالميليشيات التي تطبق القانون من تلقاء نفسها، وتقيم ما تراه لا يتفق مع أفكارها دون الرجوع للقانون.

ثالثًا: التجربة السعودية وإمكانية التطبيق في مصر

لعل النموذج الشهير في الأذهان لتطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو ذلك النموذج المطبق في المملكة العربية السعودية ، وهو هيئة “,”حكومية قانونية“,” تابعة لنظام الحكم الإسلامي المتبع هناك، ولكن رغم ذلك فقد شابها العديد من السلبيات والمشاكل، على مستوى الأفراد والتنظيم ككل.

ويكفي هنا أن نشير إلى حريق مدرسة البنات في مكة 11 مارس 2002؛ وهي مدرسة داخلية كان بها 835 طالبة و55 امرأة؛ مما أدى إلى مقتل 15 فتاة سعودية في المدرسة، وإصابة أخريات . وقد تم اتهام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية، أو ما يطلق عليهم “,”المطوعون“,”، بالتسبب في زيادة عدد الوفيات عندما قاموا بطرد أولياء الأمور والحريق مشتعل في المدرسة وإغلاق الباب على البنات أثناء الحريق وذلك لأنهن “,”لا يرتدين الحجاب“,”!! واتُهم أفراد الهيئة بمنع رجال الإطفاء والإسعاف من الدخول إلى المدرسة لأنه “,”لا يجوز للفتيات أن ينكشفن أمام غرباء“,” كونهم ليسوا من “,”المحارم“,”! وكانت النتيجة خروج البنات جثثًا متفحمة.

ويؤكد البعض أن المجتمع السعودي ضاق ذرعًا بسلطات الهيئة وممارساتها مع الكثير من الشباب وسحلهم نتيجة الخلوة مع امرأة، التي هي بالأساس أمه أو أخته، وكانت هناك دعوات للحد من قوة الشرطة الدينية، وتخفيف الضوابط الصارمة الاجتماعية في المملكة الإسلامية المحافظة. وهذا ما جعل العاهل السعودي، الملك عبد الله، وبعد سنوات من الشكاوى من الإذلال وسوء المعاملة، وخاصة من النساء، يبدأ بتضييق الخناق على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كجزء من مجموعة الإصلاحات ، فتم اتباع نظام جديد يضع آلية للعمل الميداني لرجال الهيئة، التي تسلم بعض اختصاصاتها لأجهزة الدولة الأخرى، مثل الاعتقالات والاستجوابات التي ستتحول ل ضباط الشرطة النظامية، في حين أنها لن تكون قادرة على تنفيذ دوريات ومداهمات على المنازل دون موافقة عليا مسبقة ، كما تم منع رجال الهيئة من التجول في مراكز التسوق للنساء ، كما أصدر الملك مرسومًا يحد من عمل الرجال في محلات الملابس الداخلية للنساء السعوديات، في محاولة للحد من البطالة بين الإناث، التي تشير التقديرات إلى أنها وصلت إلى 30 % ، و الإصلاحات –أيضًا- تشمل إعادة النظر في الدوريات السرية الخاصة بالهيئة إما بترشيد عملها أو إلغائها .

كما أن هناك مجموعة أخرى من الإصلاحات ظهرت في المملكة السعودية بعد الربيع العربي، حيث شاركت لأول مرة في تاريخ المملكة لاعبة سعودية في الألعاب الأوليمبية هذا الصيف، على الرغم من أن هذا القرار واجه رد فعل عنيفًا من المحافظين والمتشددين من رجال الدين، وقد سمح للنساء بالتصويت في الانتخابات البلدية المقبلة، والانتخابات العامة الوحيدة التي عقدت في المملكة، وفي عام 2009 أنشأ الملك أول جامعة مشتركة .

إن تلك الإصلاحات، وإعادة النظر في وضع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية، إنما تأتي انعكاسًا للعديد من السلبيات والعيوب التي أدت لكوارث داخل المجتمع السعودي، فما بالنا والحديث هنا عن وجود هيئات مجتمعية للحفاظ على القيم والأخلاق، فالوضع بلا شك كارثي، ولا يتماشى مع طبيعة المجتمع المصري الذي لا يقبل التسلط والتفزيع.

وبالنظر إلى الواقع المصري، فهذه ليست المرة الأولى التي يتم الإعلان فيها عن قيام هذه الهيئة، فقد سبق للداعية الإسلامي الشيخ يوسف البدري أن حاول الأمر نفسه في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وتم منعه وسجنه لمدة عام، ثم عاد وفتح النقاش حولها خلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك عندما قدم مشروعًا لإنشاء وزارة الحسبة، يكون عملها ومهمتها شبيهًا بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن ظل اقتراحه مجرد حبر على الورق ليس أكثر. فالفكرة مرفوضة مجتمعيًّا، وكانت مرفوضة سياسيًّا؛ لأن المجتمع المصري متدين بطبعه، ولديه نزعة ذاتية للفظ القيم والعادات الدخيلة عليه، وفي الوقت نفسه فهو لا يقبل بأية سلطة دينية فارضة ومقيدة لحرياته، وهو ما ظهر جليًّا في الرفض القاطع ونبذ تصرفات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفض الفكرة جملة وتفصيلاً.

ثم إن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر رأى في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خروجًا عن الشرعية وتدخلاً في سلطات الأزهر الشريف، وهو المؤسسة الدينية المعتدلة المنوط بها تلك الوظيفة عبر آلياتها المحددة، فالدعاة وظيفتهم نشر ثقافة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الناس، من خلال خطب الجمعة والدروس المسجدية والبرامج الإذاعية وعلى الفضائيات، وأن يفقهوا الناس بكيفيته بالأسلوب الأحسن والطريق الأمثل؛ حتى يكون جزءًا من نسيج المجتمع المصري كما كان في القديم. ورغم ادعاءات تلك الهيئة في بيانها أنها ستنتهج الطريقة السلمية للمحافظة على إسلامية مصر، وأنها لن تلجأ إلى العنف، فإن تشكيل مثل هذه الهيئة وتصريحات الأزهر في حد ذاته يحمل دلالات تحتاج إلى مراجعة فكرية .

رابعًا: استخلاصات عامة واستحالة التطبيق

على الرغم من استحالة إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مصر، حتى ولو أرادت الطبقة الحاكمة الآن؛ وذلك ليس فقط بسبب وسطية المجتمع المصري في السياسية والدين، ولكن لأن المجتمع المصري متدين بطبعه، ولا يريد أن يزايد عليه أحد في ذلك. وهنا نقف عند بعض الملاحظات:

§ أولاً: إن تلك الممارسات الجديدة قد تمثل بداية انهيار الدولة المدنية المصرية، وسيطرة الفكر السلفي المتشدد، وخاصة في ظل حالة الاستقطاب والتخوين في المجتمع، واستخدام القوة تجاه من يعارض التيار الإسلامي، كما حدث مع بعض الشخصيات الوطنية، مثل أبو العز الحريري وسعد الدين إبراهيم والمخرج خالد يوسف... إلخ، والهجمة على حرية القلم والرأي وغلق العديد من القنوات الفضائية، وحصار “,”ولاد أبو إسماعيل“,” لمدينة الإنتاج الإعلامي، والهجوم على معتصمي الاتحادية والاعتداء على مقر حزب الوفد.

§ ثانيًا: تلك الحوادث لا تنفصل عن الواقع السياسي (صعود التيار الإسلامي للحكم) ولا عن السياق الاجتماعي الثقافي السائد، الذي يتم تغذيته من منابر القنوات الدينية والمشايخ المتشددين، ونابعة من الخطاب الإسلامي التكفيري؛ حيث انصرف بعض الشيوخ والدعاة عن وظيفتهم الأساسية ليتحولوا إلى الهجوم بالسباب والقذف لكثير من رموز المجتمع والمعارضين؛ بما يساهم في تعميق مشاعر الحقد والكراهية لدى أفراد المجتمع.

§ ثالثًا: هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى إن لم يكن لها وجود فعلي، أو باعتبار أنها بعض الأعمال الفردية، إلا أن الجو العام والإعلام قد يجعلها قابلة للتحقيق على أرض الواقع، ويجب أن نتذكر أن نشأة تنظيم القاعدة كانت بنفس الأسلوب؛ ألا وهو تغطية أخبار التنظيم؛ حتى تتم بناء قاعدة جماهيرية له في مختلف الأقطار . فإذا كانت نشأة القاعدة هي نشأة إعلامية أعقبها انضمام فعلي للكوادر؛ فهذا ربما ما سيحدث مع جماعة الأمر بالمعروف في مصر، فقد ينضم الشباب المصري لهذه الجماعة، أو يُكوّن روابط اتحادية نفسية بينهم في المحافظات، وسيعقب ذلك شرعنة وضعها تنظيميًّا عبر سياسة الأمر الواقع، وهو ما يمهد لنشأة موجة من العُنف سيخسر فيها الشعب المصري الكثير.

والخلاصة، فإن من يراقب ردود الفعل الغاضبة والرافضة لإنشاء الهيئة سواء في الشارع بين الناس أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي يرى بوضوح رفض المجتمع المصري لهذا الأمر ؛ لأنه، ببساطة شديدة، لا يقبل تسلطًا من أحد عليه، سواء بالغلو في الدين وقمع الحريات، أو بالحريات المطلقة على النحو الغربي بشكل كامل، فالمجتمع المصري لديه الحس التوازني الوسطي الذي يشكل رمانة الميزان، فلا تشدد ولا انحراف، ولهذا لا يتوقع لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أن تكون مجرد زوبعة بالفنجان، إلا إذا شجعت الدولة والقيادة الإسلامية على وجود تلك التجمعات، وهو مرهون -بشكل كبير- بتفسير واستخدام النصوص الدستورية وتطويعها لذلك؛ استجابة لرغبات القوى والحركات الإسلامية، والتي تعتمد بشكل كبير على الحشد والتجمهر لتمرير مخططاتها في ظل رعاية وإرادة سياسية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟