مخاوف متجددة: انفصال جنوب السودان والأمن القومي المصري
تسعى مصر من خلال التوجه جنوباً إلى ضمان أمنها القومي بضرورة العمل على تقليص فرص التواجد الفاعل للقوى المضادة للمصالح المصرية سواء في شمال أو جنوب السودان، ومنع النزاعات الإثنية أو العرقية أو الدينية على هذا الاتجاه باعتبارها تهديداً للأمن القومي المصري وتهديداً للمصالح المصرية.
كما تهدف مصر إلى الحفاظ على حجم مواردها المائية من منابع نهر النيل في الهضبة الأثيوبية، وإمكانية العمل على زيادتها بما يسمح بالتنمية الاقتصادية مع المتابعة المستمرة لكافة الأعمال التي من الممكن أن تؤدى إلى تقليص كمية المياه الواردة إليها والاستعداد للتدخل بكافة الطرق والوسائل لإحباط مثل هذه النوايا، ولا يتأتى ذلك إلا بالتعاون مع جمهورية جنوب السودان. لذلك فإن انفصال جنوب السودان له العديد من التأثيرات على الأمن القومي المصري بمختلف أبعاده.
أولاً: تأثير انفصال جنوب السودان على الأمن القومي المصري في المجال السياسي:
إن وجود أي تهديد للأمن القومي السوداني سواء كان مصدر هذا التهديد داخلياً (من داخل السودان في شكل نزاعات انفصالية) أو إقليمياً (من جانب دول أفريقية مجاورة وخصوصاً كينيا وأثيوبيا) أو دولياً من جانب ( الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل ) إنما ينعكس بشكل مباشر على الأمن القومي المصري في المجال السياسي من الجوانب التالية.
1-التداعيات العامة للانفصال على الأمن القومي المصري من الناحية السياسية:
أ- تفرز الصراعات الداخلية التي يعانى منها السودان تأثيراً مباشراً على الأمن القومي المصري، وخاصة بعد أن أدت إلى انفصال لبعض أجزاء الإقليم السوداني، مما أدى إلى زيادة عدد دول حوض النيل إلى إحدى عشرة دولة، وما يعنيه ذلك من تعقيدات لمصر تؤثر بشكل مباشر على أمنها القومي، حيث تعتبر مياه النيل شريان الحياة بالنسبة لها من خلال تدفق ما نسبته28% من حصة مصر من المياه من الجنوب السوداني. كما أنه ترتب على انفصال جنوب السودان توقف عدد من المشروعات بين مصر والسودان الموحد.
ب-تحتل قضية المياه أولوية متقدمة في التفكير الاستراتيجي المصري في المرحلة المقبلة. ومسألة البحث عن موارد مائية جديدة تكاد تعتمد بشكل رئيسي على مبادرة حوض النيل المشتركة. لهذا فإن ظهور دويلة جديدة في جنوب السودان أو استمرار حالة عدم الاستقرار سوف يؤدى إلى خلق الكثير من التعقيدات في هذا المجال.
ج- قد يؤدى انفصال جنوب السودان إلى وقوع مصر في دائرة الابتزاز الغربية، التي قد تدفعها إلى تقديم تنازلات رفضتها من قبل أبرزها حصول إسرائيل على جزء من مياه النيل.
د- إن انفصال جنوب السودان وتصاعد الحركات المضادة لنظام الحكم في الشمال والتصادم مع دول الجوار والضغوط الدولية على السودان، سيعكس آثاره على الأمن
القومي المصري في المجالات الآتية:
· تصاعد الهجرات السودانية إلى مصر وما ينتج عنها من آثار سلبية في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
· عدم تحقيق الاتفاقيات مع السودان خاصة في مجال التكامل الزراعي وبما يمثل خسارة على مصر.
· تعرض الأمن المائي المصري لمخاطر نتيجة لتدخلات أجنبية في جنوب السودان وبما يعكس العديد من الآثار السلبية في المستقبل.
· زيادة التوترات بين السودان ودول الجوار سوف يعكس آثاره على علاقات هذه الدول مع مصر، وقد يؤثر في موقف مصر مع الإتحاد الأفريقي.
· قد ينتج عن الأزمات الداخلية في شمال وجنوب السودان مساس بمصالح مصر والمصريين العاملين هناك، وهو أمر يمس كرامة مصر ووضعها الإقليمي.
· تصدير القلاقل إلى حدود مصر الجنوبية نتيجة عدم الاستقرار في دولتي السودان مما سيؤدي إلى العديد من المشاكل التي من الممكن أن تواجه الدولة المصرية مستقبلاً وبما سيشكل ضغطاً على الحكومة المصرية.
2- الآثار السلبية على السياسة الخارجية المصرية:
أ- هناك تداعيات على النظام العربي والنظام الإقليمي بصفة عامة نتيجة انفصال الجنوب ومحاولة استقطابه بواسطة قوى عربية أو إقليمية أو دولية تختلف مصالحها عن المصالح المصرية.
ب- وجود تداعيات على العلاقات السياسية المصرية / السودانية، والتي لابد أن يعاد تشكيلها طبقاً للأوضاع الجديدة، وبما قد لا يخدم القضايا المصرية فيما لو أن دولة الجنوب اتجهت إلى التحالف أو استجابت لاستقطاب دول على خلاف مع مصر.
ج- تداعيات من أثر التحريض الأجنبي لقوى الانفصال ضد مصر، وهذه التداعيات قد تستمر حتى بعد الانفصال من أجل إحراج مصر، كما أنها تخطط وتنفذ ضد مصر في سياق "الحرب بالوكالة" بأساليب مختلفة، بتقويض جهدها وهذا التحريض قد يتخذ أحد أو معظم الصور الآتية:
§ شن حملات نفسية وتدبير قضايا تمس بكرامة وسمعة مصر وأمنها.
§ التعرض للقوات المصرية المشاركة في قوات حفظ السلام أو المطالبة بإنهاء تواجدها.
§ تدبير حوادث على الحدود لتصعيد الموقف العسكري مع مصر إلى حالة توتر يتم خلالها اتهام مصر بالعدوان على السودان.
§ انفصال جنوب السودان وتكوين علاقات لحكومة الجنوب الوليدة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الأفريقية المحيطة بالجنوب السوداني مثل (أوغندا، كينيا، إثيوبيا) بهدف توجيه سياسة جنوب السودان في عكس اتجاه التيار القومي العربي بما يؤثر على الأمن القومي المصري.
وإدراكا للحقائق السابقة والتي تمثل تهديداً خطراً على الأمن القومي المصري، سعت مصر إلى الاتصال بقيادة الجنوب لتنظيم العلاقات معهم وبما يحقق المصالح المصرية في جنوب السودان، والعمل على بذل الجهد السياسي مع دول الجوار السوداني والقوى الفاعلة في أفريقيا والعالم من أجل دعم السودان شمالاً وجنوباً لإيقاف النزيف الناتج عنه الانفصال، والوصول إلى حالة تفاهم بشأن جميع النقاط المعلقة كمشكلة "آبيي" وكيفية استفادة الجانبين وليس على حساب جانب آخر.
ه- إن انفصال جنوب السودان يضر بالمصالح الاستراتيجية لمصر في السودان وأفريقيا، ذلك لأنه في حالة الصدام بين الدولة الجنوبية "الأفريقية" والدولة الشمالية "العربية"، فإن ذلك سيدفع الدول العربية إلى مساندة الشمال بينما ستدفع الدول الأفريقية إلى مساندة الجنوب بشكل يؤدى إلى تدهور العلاقات العربية / الأفريقية من ناحية ويكون معوقاً أمام العلاقات المصرية مع دول حوض النيل، ويقوض أية إمكانية للتعاون المائي المشترك.
3- الصراعات المتعلقة بدولتي السودان في منطقة القرن الأفريقي وتأثيرها على الأمن القومي المصري في المجال السياسي:
أ- إن تفكيك السودان أو عدم استقراره سوف يؤدى إلى الإخلال بالتوازن الاستراتيجي في الإقليم سواء في القرن الأفريقي أو البحر الأحمر، الأمر الذي سيؤثر سلباً على أمن مصر ودورها ومكانتها لصالح دول أخرى متحالفة بالفعل مع دول وقوى أخرى من خارج المنطقة.
ب-تشهد منطقة القرن الأفريقي العديد من الخلافات والصراعات بين دولها، كما توجد أيضا صراعات وتوترات متعددة بين دول حوض النيل يكون السودان طرفاً فيها مما يجعل الانشقاقات والصراعات سمة مميزة لعلاقات تلك الدول. وتتسم هذه الصراعات بتعدد مستوياتها مما يضفى عليها قدراً كبيراً من التعقيد والصعوبة.
ج- يتأثر الأمن القومي المصري أيضاً بقضية المياه تأثيراً بالغاً، وتعتبر أثيوبيا التي تتحكم في نسبة كبيرة من مياه النيل تصل إلى(85%)مصدر الخطر الرئيسي بالنسبة للسودان ومصر باعتبارهما دولتي المعبر والمصب.
د- تأثير انفصال جنوب السودان على الأمن القومي المصري في المجال الأمني والعسكري.
4-الضغوط الخارجية وتأثيرها على الأمن القومي المصري في المجال السياسي:
يقصد بالضغوط الخارجية في هذا الإطار تأثير القوى الكبرى التي وسعت اهتمامها بالقارة الأفريقية وخاصة السودان وما يجاوره من دول، والتي تسعى إلى تحقيق مصالحها على حساب السودان ومصالحه، وأخطر هذه التهديدات تأتى من الجانب الأمريكي والإسرائيلي.
وتتجلى المصالح الغربية وخاصة الأمريكية، حيث تمثل العنصر الحاكم في تطور الأوضاع في السودان، ومن المؤكد أن الهدف الذي تسعى إليه الولايات المتحدة هو تفكيك السودان وتفتيته إلى دويلات صغيرة تكون خاضعة لها في المنطقة. ويترتب على تلك الأوضاع تهديد الدول العربية المجاورة للسودان خاصة مصر، وحصارها استراتيجياً والتلويح بأن مصر ليست بعيدة عن مثل هذا المصير إذا حاولت مواجهة الضغوط الأمريكية أو عدم الالتزام والأهداف الأمريكية في المنطقة مما يؤثر على الأمن القومي المصري تأثيراً مباشراً.
على صعيد آخر فإن إسرائيل سوف تسعى لاستخدام تواجدها الكثيف في جنوب السودان، للعمل على محورين أساسيين هما:
المحور الأول: يتعلق بأزمة المياه في حوض النيل، حيث تسعى إلى عرقلة أي مشروعات لاستقطاب الفواقد في جنوب السودان، وفى الوقت نفسه سوف تسعى إلى تعقيد أزمة اتفاقية عنتيبي عبر علاقاتها الممتدة مع أوغندا وكينيا وأثيوبيا.
المحور الثاني: ينصرف إلى إعطاء دفعة قوية لكل الصراعات والتوترات القائمة في شمال السودان ( دارفور، النيل الأزرق، جنوب كردفان، وغيرها)، لتنفيذ المرحلة الثانية من المخطط الاستراتيجي الإسرائيلي بتفكيك شمال السودان أو تحويله إلى الصوملة. بما يعنى حصار مصر من الجنوب وإعادة رسم التوازنات في حوض النيل والقرن الأفريقي وأمن البحر الأحمر لصالح الإستراتيجية الإسرائيلية وعلى حساب الأمن القومي المصرى. وإذا أخذنا في الاعتبار الضغوط الناتجة عن أزمة المياه فإن الهدف الماثل هو تركيع مصر وإجبارها على الانغلاق في صندوق محكم، بما يجعلها تغص بمشاكلها الداخلية وتستمر في الدوران في حلقة مفرغة من المشاكل السياسية والاجتماعية.
ثانياً: تأثير انفصال جنوب السودان على الأمن القومي المصري أمنياً وعسكرياً:
1- أسس الرؤية المصرية لتحقيق الأمن في الاتجاه الجنوبي تتحدد من خلال الآتي:
أ- أمن السودان يرتبط بالأمن القومي المصري في نطاق العقيدة العسكرية المصرية
ب-دولتا السودان تمثل ركيزة للأمن المائي المصري، وأي مساس بالأمن المائي يهدد الأمن القومي المصري.
ج- أمن الحدود هو مسئولية مشتركة خاصة في المناطق التي تدور حولها توترات أو صراعات بكافة أنواعها.
د- يوجد لمصر قوات عسكرية ومراقبون ضمن قوات حفظ السلام الدولية/ الأفريقية والتي تعمل في جنوب السودان ودارفور، ويقع أمن هذه القوات على عاتق حكومة شمال وحكومة جنوب السودان كالتزام أدبي ودولي.
ه- مسئولية تأمين المصالح المصرية ومنها المشروعات الاقتصادية والثقافية التي أقامتها مصر في السودان هي مسئولية مباشرة للحكومة السودانية طبقاً للقوانين والأعراف الدولية.
و- يحتاج توجه مصر للتعمير في مناطق شرق العوينات وتوشكي والنوبة (بحيرة ناصر) إلى ضمانات أمنية مناسبة ضد احتمالات أعمال تخريبية قد تأتى من الجنوب.
2- الآثار السلبية للأوضاع في السودان وانفصال الجنوب في المجال الأمني العسكري:
أ- المساس بمصالح مصر في السودان يعنى المساس بكرامة مصر وأمنها القومي، وستجد مصر نفسها مضطرة إلى اتخاذ مواقف ربما تصل إلى حد استخدام آليات عسكرية للحفاظ على مصالح وكرامة مصر.
ب-قد تتعرض مصر للخطر العسكري بسبب العلاقات العسكرية الإسرائيلية مع جنوب السودان، إذ أنه من الممكن التخطيط لاختراق شمال السودان، مما قد يعرض المصالح الحيوية في جنوب مصر لأعمال عسكرية بالتعاون مع إسرائيل.
ج- التهديدات فيالاتجاه الإستراتيجي الجنوبي ستؤدى إلى اضطرار مصر للاحتفاظ بقوات مسلحة بحجم مناسب في هذا الاتجاه، وهذا يعكس آثاره في زيادة الإنفاق العسكري وبما يتطلبه من تجهيز مسرح العمليات لمواجهة أية تهديدات مستقبلية.
د- الإرهاب دائماً ما يجد مجالاً في المناطق غير المسيطر عليها أمنياً وكان تنظيم القاعدة هو أول من اتخذ من السودان قاعدة لعملياته وتدريبه، وهذا من الطبيعي أن يؤثر على الوضع الأمني في مصر.
ه- طبقاً لاستراتيجية المنظمات الإرهابية فإن تنفيذ الجرائم الإرهابية لا يقتصر على ساحة الدولة، ولكن يمكن أن ينتقل إلى مختلف المسارح لارتكاب جرائمه، ومع فوضى الانفصال يمكن نزوح جماعات إرهابية لارتكاب جرائم على أرض مصر أو تنفيذ جرائم أخرى ضد المصالح المصرية في أي مكان في المنطقة العربية أو العالم.
و- إن آثار الانفصال سوف تؤدى إلى حالة توتر مستديمة بين مصر والعديد من الدول التي تؤيد الانفصال وتدعم فصائل المعارضة السودانية، وسيتطلب ذلك احتمال قيام مصر بدعم عسكري لحكومة السودان حتى تتمكن من خلاله التصدي للدعم الذي تقدمه هذه الدول.
ز- قيام الحركات الانفصالية الأخرى داخل السودان بالمطالبة بالانفصال على غرار الجنوب، مما يضعف البناء الجغرافي لدولة السودان وإنشاء دويلات صغيرة متنازعة في جنوب مصر، وما لذلك من تأثيرات مباشرة على أمن مصر القومي.
ح- إن أي تهديد لحدود مصر الجنوبية قد يترتب عليه مواجهات عسكرية طبقاً للمباديء المصرية في عدم المساس بحدودها وردع أي محاولات لاختراقها.
ط- إمكانية تحول جنوب السودان لقاعدة متقدمة للتواجد الأجنبي بالمنطقة، وما يمثله من تهديد مباشر للأمن القومي المصري على الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي.
3-الانعكاسات الأمنية على علاقات مصر الأفريقية:
أ- نظراً لوقوع مصر في أقصى شمال القارة فإن جنوب السودان يعتبر المدخل والممر الطبيعي للعلاقات المصرية / الأفريقية، ومن ثم فإن عدم استقرار العلاقات الثنائية مع جنوب السودان سيؤدى إلى احتمالات عزل مصر أفريقياً، كما أنه سيعمل على إضعاف مساهمتها في التدابير اللازمة لمواجهة الأزمات والخلافات الأفريقية تحت مظلة الإتحاد الأفريقي، ويكرس ذلك البعد ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية بعد إنشائها "القيادة الأمريكية الموحدة لأفريقيا" التي جعلت نطاق مسئوليتها يشمل القارة الأفريقية بالكامل عدا دولة واحدة فقط وهى مصر، وذلك في محاولة لتهميش مصر عن روابطها الأفريقية، ومساهمتها في أزمتها الأمنية وأن تظل مصر الوحيدة من دول القارة التي تقع في نطاق عمل القيادة المركزية.
ب-إنهيار الأمن في جنوب السودان أو أي دولة جوار لابد أن تكون له آثاره السلبية على الأمن القومي المصري، الأمر الذي يفرض على مصر ضرورة دعم الأمن بمستوياته المختلفة في الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي في السودان وفى دول نطاق الأمن وفى أفريقيا عامة، وذلك كخطوة متقدمة لدرء المخاطر مبكراً من هذا الاتجاه. وهكذا فإن انعكاس ما سبق يمكن أن يؤدى إلى عزل مصر وحصارها من ناحية الجنوب وازدياد فرص ممارسة الضغوط المؤثرة إقليمياً ودولياً في الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي عامة ومياه النيل خاصة .
ثالثاً: تأثير انفصال جنوب السودان على الأمن القومي المصري اجتماعياً وثقافياً:
يتأثر الأمن القومي المصري في مجاله الاجتماعي بانعكاس حالة الاستقرار في السودان على العلاقات المصرية / السودانية (شمالا وجنوبا) فيما يلي:
1. التكامل مع دولتي السودان في مجال الأمن الغذائي من خلال إقامة مشروعات مشتركة في المجال الزراعي (خاصة إنتاج المحاصيل) لمواجهة آثار ارتفاع الأسعار العالمية.
- إقامة مشروعات اقتصادية وثقافية بدعم مصري من أجل مساعدة دولتي السودان، وذلك على نمط فرع "جامعة القاهرة" في الخرطوم وفرع "جامعة الأزهر" وفرع "جامعة الإسكندرية " في جوبا وغير ذلك من المنشئات.
- نشر الدين الإسلامي على أسس حضارية تعكس سماحة الدين وتبتعد عن التشدد وتقاوم وجود الجماعات اللادينية كما تقاوم البعثات التبشيرية التي يرسلها الغرب في جنوب السودان.
وبعد استعراضنا لآثار الانفصال على الأمن القومي المصري، يمكننا القول أن التقسيم سوف يؤدى إلى عرقلة المهام الإنسانية والاجتماعية المصرية في مناطق الجنوب.
كما أن دولة جنوب السودان لا تتمتع بالتماسك الاجتماعي الكافي، وذلك لأن طبيعة الصراعات فيه بين قبيلة "الدنيكا" من جانب وقبيلتي "النوير والشلك" من جانب آخر، تبدو أعقد كثيراً من الصراع الماضي بين الشمال والجنوب، وبهذا فإن انفصاله سيؤدى إلى اندلاع صراع اجتماعي ممتد تشيع فيه حالة الفوضى والاضطراب في منطقة وادي النيل مما يؤثر على الأمن القومي المصري.
وسيترتب على الانفصال الإضرار بالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد تتعرض البعثات المصرية إلى عدوان من قوى الانفصال المعارضة للتواجد المصري، ويتطلب ذلك وضع خطط لتدعيم وتأمين المصالح المصرية في مجالاتها المختلفة.
كما يجب أن تتحدد استراتيجية ردع لمن تسول له نفسه الاعتداء على أي مصالح مصرية، وأن يكون ذلك معلناً مسبقاً بأسلوب ما تنفذه العمليات النفسية حتى تضمن عدم المساس بكرامة مصر والمصريين عند حدوث أي أزمات.
وينبغي الإشارة هنا إلى أن انفصال جنوب السودان يمثل نجاحاً لأحد أطراف مسلسل الانقسامات التي تعانى منه بعض الدول العربية، فضلاً عن استمرار المشاكل بين الشمال والجنوب حتى بعد الانفصال دون التوصل لحل هذه المشاكل مثل مشكلة "آبيي" مما يعطى الفرصة للدول غير العربية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي للتدخل في شئون السودان شمالاً وجنوباً مما يؤثر على الأمن القومي المصري.
وفى الواقع، تعد مصر هي الخاسر الأكبر من عملية انفصال جنوب السودان، لخطورتها على الأمن القومي المصري والعربي، إذ أن تفتيت السودان إلى دويلات ضعيفة سيعطى الفرصة للتدخل الأجنبي، ويهدد أمن مصر واستقرارها، وخاصة أن جنوب السودان اتخذ اتجاهاً غير عروبي، مما سيغلب عليه طابع العداء لمصر، ومحاربة مصالحها، وخاصة المصالح المائية في نهر النيل، وذلك بسبب علاقة القيادات الجنوبية منذ أمد طويل بإسرائيل، التي تضاعفت بعد انفصال جنوب السودان.
ولذلك فإن مصر سوف تواجه مأزقاً استراتيجياً لا يستهان به في مدى زمني قصير لا يتجاوز عشر سنوات، إن لم تسارع إلى تبنى تحركات نشطة تستثمر فيها الموارد المتاحة إلى حدها الأقصى، من أجل إنفاذ استراتيجية مركبة تقوم على الحفاظ على تماسك دولة شمال السودان، وكذلك مساعدة دولة جنوب السودان على الاستقرار والتنمية بجهد مصري عربي مشترك، مع السعي بقوة إلى خلق وتشجيع علاقة تعاونية بين شمال وجنوب السودان. وفى الوقت ذاته فإنه يجب الشروع في إطلاق مبادرة جديدة لإنشاء إطار تعاوني جديد يؤسس وينظم تفاعلات دول حوض النيل على أسس موضوعية تقوم على أساس الاعتراف بالمصالح المتبادلة والسعي إلى تحقيق منافع متوازنة للجميع بعيداً عن الأجندات الخارجية التي لن تجلب إلى المنطقة إلا الصراع والدمار والتخريب.
* باحث دكتوراه في العلوم السياسية