تفاؤل حذر: تقييم قرار الحكومة بتعيين الشباب معاونين للوزراء
اهتمت الحكومات المصرية المتعاقبة من عام 2002 بمسألة ضخ دماء جديدة من الشباب في الجهاز الإداري للدولة للعمل كمساعدين للوزراء، غير أن الخبرة العملية قد أثبتت أن هذه التجارب قد شابتها أخطاء عدة، ولم تحقق هدفها المنشود في تنشيط الجهاز الإداري للحكومة، حيث افتقدت في أغلبها للمعايير الدقيقة لاختيار هؤلاء المساعدين، وعدم تحديد أدوار واختصاصات واضحة تتيح لهم حرية أكبر في التصرف، واتخاذ القرار دون الرجوع إلى الوزير في صغائر الأمور وكبائرها.
ومع إصدار رئيس الوزراء في 4 سبتمبر 2014 قرارًا وزاريًا نص على تفويض الوزراء في اختيار عدد يتراوح من 2-4 شباب للعمل كمعاونين لهم، وتحديد اختصاصات عملهم، ثار التساؤل عن كيفية تفعيل عمل هؤلاء المعاونين بما يحقق الأهداف التي نصت عليها خارطة المستقبل في مجال تمكين الشباب، ويتلافى خبرات الماضي الفاشلة.
أولًا: خبرات الماضي
بدأت أولى محاولات الدفع بالشباب في الجهاز الإداري في عام 2002، حين أصدر د. أحمد نظيف قراره بتعيين مساعدين للوزراء بهدف إعداد صف ثان من الكوادر المؤهلة في كل وزارة تكون جاهزة عند إجراء أي تغيير وزاري، إلى جانب مساعدة الوزير في مهامه الداخلية والخارجية مثل حق الرد على تساؤلات نواب مجلس الشعب في حالة اعتذار الوزراء أو انشغالهم في أعمال أخرى وسريان توقيعاتهم على قرارات كان ينفرد بها الوزراء.
ووضع القرار عددًا من الشروط لتعيين هؤلاء المساعدين، أهمها: ألا يزيد سن مساعد الوزير الأول على 40 عامًا، ويكون متقنًا للغتين على الأقل غير اللغة العربية، وحصل على دورات تدريبية علمية في فنون القيادة والإدارة ومقتضيات الحكومة الإلكترونية، وأن تتم الاستعانة بهم من داخل الجهاز الإداري ومن خارجه. لكن هذه المبادرة لم تنجح بسبب اعتقاد عدد كبير من الوزراء بأن ذلك سيكون بداية لتقليص دورهم وإلغاء شخصياتهم بل وربما استبدالهم، وزاد من هذا التخوف قيام د. أحمد نظيف بتعيين أربعة من مساعديه في وزارة الاتصالات وزراء للتضامن الاجتماعي والتنمية الإدارية والنقل والاتصالات دون الالتزام بشرط السن المنصوص عليه في القرار.
ومع اندلاع ثورة يناير، عاد الحديث مرة أخرى عن ضرورة الاستفادة من طاقات الشباب في الجهاز الحكومي، فقام د. عصام شرف بتشكيل لجنة استشارية له من ائتلاف شباب الثورة، وفَتَحَ مكتبًا لهذه اللجنة بمجلس الوزراء للمشاركة فى إعداد القوانين والحوار الوطني وغيرها من القرارات التي تتخذها الحكومة، لكن هذه اللجنة لم تستمر في عملها واختفت تدريجيًا مع تغيير الوزارة .
وفي ديسمبر 2011، أصدر د. كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء، قرارًا بتعيين 6 من الشباب تحت سن أربعين سنة مساعدين للوزراء ورؤساء الهيئات، وشمل ذلك وزارة البترول والثروة المعدنية، ووزارة الدولة للتنمية المحلية والصناعات الصغيرة، ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، والمجالس القومية للشباب والرياضة ولرعاية أسر الشهداء والمصابين. ولكن هذه التجربة فشلت مرة أخرى بسبب اعتماد الدور الفعلي الذي يقوم به مساعد الوزير على مدى حرية الحركة التي يتركها له الوزير، وعدم وجود قرار من رئيس مجلس الوزراء يحدد بصورة واضحة اختصاصات المساعد والدور المطلوب منه، وقيام الوزراء أنفسهم بتحديد هذه الاختصاصات. أضف إلى ذلك وجود ثقافة بيروقراطية تقوم على الالتزام الشكلي بتوفير كل الدعم لمساعد الوزير لكن مع إعاقة عمله إذا ما تصادمت الخطط التي يطرحها مع نظم العمل السائدة في الوزارة. واقتصرت التجارب الناجحة على تلك التي تحرك فيها مساعد الوزير في مجالات جديدة خارج نطاق العمل التقليدي للمؤسسات الحكومية مثل التنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني والجهات المانحة في تنفيذ أنشطة الوزارة، وبناء شراكات مع إدارات المسئولية الاجتماعية بالشركات الكبرى، والارتقاء بقدرات شباب العاملين.
وفي حكومة د. هشام قنديل، تم تعيين غالبية المساعدين من ذوي الانتماء الإخواني، وصاحب ذلك زيادة فعلية في سلطاتهم، فاعتمد الوزراء عليهم في تسيير العمل الإداري اليومي وتم تفويض بعضهم غالبية سلطات الوزير، وكان المثال الأبرز لذلك مساعد وزير الشباب. وترافق ذلك مع استقالة عدد من مساعدي الوزراء المستمرين من حكومة الجنزوري السابقة بسبب تقليص صلاحياتهم، واختلاف توجهاتهم المهنية والسياسية عن الوزراء الإخوان. ولكن هذه التجربة سقطت برمتها مع ثورة 30 يونيو وتعيين حكومة د. الببلاوي. وفي هذه الحكومة التي استعانت بالمرة الأولى بنواب ومساعدين شباب من أحزاب وقوى التيار المدني مثل الدستور والتيار الشعبي، ظهرت المشكلة الأكبر وهي نقص كفاءاتهم الإدارية بسبب عدم تمتعهم بخبرة سابقة في تسيير دولاب العمل الحكومي.
ثانيًا: التغير في عهد السيسي
بدأ التغير نحو اتخاذ خطوات عملية في دمج الشباب في المؤسسات التنفيذية بعد ثورة 30 يونيو، فنصت خارطة المستقبل على "اتخاذ الاجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكون شريكًا في القرار ومساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة". وأكدت خطب الرئيس السيسي أثناء فترة حملته الانتخابية أو بعد توليه الحكم على هذا المعنى. فخلال لقائه مع شباب المستثمرين ورجال الأعمال في مايو 2014 أكد على ضرورة أن تكون بداخل الوزارات والهيئات الحكومية والمحافظات "طاقة مناسبة من الشباب القادر على العطاء والعمل". كما تعهد السيسي بتدريب هؤلاء الشباب في أكاديمية ناصر العسكرية، وهو ما بدأت الأكاديمية في تنفيذه بالفعل في 2014 بتنظيمها لدورات في موضوع "الإستراتيجية القومية والأمن القومي" شارك فيها أعدادًا كبيرة من الشباب العاملين في الجهاز الحكومي. وفي خطابه بمناسبة تسلمه السلطة في 8 يونيو، قرَن السيسي دعواته لدمج الشباب بالعمل "عبر القنوات الشرعية" التي توفرها الدولة.
في هذه الأجواء، صدر قرار رئيس الوزراء رقم 1592 لسنة 2014 بتفويض الوزراء في اختيار معاونيهم. ونص القرار على ألا يقل سن المعاون على 30 ولا يزيد على 40 سنة، وأن يكون من ضمن العاملين الدائمين بالوزارات أو الوحدات التابعة لها، وأن تكون له خبرة في الإدارة لا تقل عن خمس سنوات، وأن يتمتع بإجادة اللغة الإنجليزية تحدثًا وكتابةً. وذلك بالإضافة إلى مجموعة من الشروط الإدارية الأخرى مثل أن يحمل المعاون مؤهلًا ملائمًا للوظيفة، وأن يكون رأي مدير المباشر فيه إيجابيًا. وحدد القرار اختصاصات المعاونين الذي يتم تكليفهم سنويًا ويخضعون لتقييم نصف سنوي في: المشاركة فى اقتراح ووضع السياسات والخطط والإستراتيجيات الخاصة بالوزارة، ومتابعة الأنشطة والمشروعات التي تنفذها بغرض المساهمة في وضع حلول إبداعية ومبتكرة للمشاكل والتحديات التي تواجهها.
ومن تحليل هذا القرار وملابسات صدوره، يمكن الوصول إلى ثلاث ملاحظات أساسية:
الأولي، التوقيت المتأخر لهذا القرار، فقد صدر بعد قرب مرور ثلاثة شهور على تشكيل حكومة محلب في 17 يونيو. ويمكن تفسير صدور القرار برغبة الحكومة في الإسراع بتنفيذ تعهدات الرئيس خاصة مع قرب انقضاء المائة يوم الأولي من رئاسته، وفي مواجهتها للانتقادات المتعلقة بارتفاع متوسط عمر وزرائها والذي بلغ 59 عامًا، حيث تعدى 56% من وزرائها سن الستين عامًا، ولم يدخلها إلا أربعة وزراء في الشريحة العمرية 40-50 سنة.
والثانية، أن هذا القرار ينص على تعيين "معاونين" وليس "نوابًا" أو "مساعدين" للوزراء. والتفرقة هنا ليست تفرقة لفظية فقط، فنواب الوزراء يقومون بحلف اليمين أمام رئيس الجمهورية، وعادة ما تكون لهم صلاحيات أكبر من وكلاء الوزارات، وتنتهي مهام عملهم بإقالة الوزارة مثال خالد تليمة نائب وزير الشباب السابق في حكومة الببلاوي. وكل من "المساعد و"النائب" تتم معاملتهما ماليًا على الدرجة الممتازة، أي نفس معاملة وكيل أول الوزارة. أما المعاونون فقد نص قرار رئيس الوزراء على أنه لا تخصص لهم أي مخصصات مالية، وأن يحتفظ شاغل هذه الوظيفة بالمعاملة المالية في جهة عمله الأصلية. وإذا كان ذلك يمكن تفسيره بعدم إمكانية رفع الدرجات الوظيفية للعاملين الشباب، وأغلبهم في الدرجتين الأولي والثانية، إلي الدرجة الممتازة دون انقضاء المدة البينية اللازمة لذلك والمحددة في قانون العاملين رقم 47 لسنة 1978، فإنه يجعل من صلاحياتهم الفعلية محل شك وجدل.
والثالثة، أنه على خلاف الخبرة الوزارية من عام 2002، فإن هذا القرار قصر تعيين معاوني الوزراء على العاملين بالجهاز الإداري دون خارجه. وعلى الرغم من عدم صدور تفسيرات رسمية حول ذلك الأمر، فإنه قد يكون السبب هو التصدي لمشكلة عدم خبرة "القادمين الجدد" من خارج الجهاز الإداري واحتياجهم لوقت طويل لمعرفة تعقيدات دولاب العمل الحكومي.
ثالثًا: سيناريوهات التطبيق المتوقعة
يبرز سيناريوهان محتملان لتطبيق قرار اختيار المعاونين:
السيناريو الأول: التحسن النسبي في كفاءة الجهاز الإداري
وفي هذا السيناريو، تتحسن كفاءة الجهاز الإداري للدولة الذي تغلب على أعضائه الشيخوخة أو الهرمية، ويتم ضخ دماء جديدة فيه يتوافر لديها الحماس والإرادة اللازمة للتطوير، وتنجح تجربة تمكين الشباب والدفع بهم إلى صدارة العمل الإداري والتنفيذي.
ويعزز من هذا السيناريو توافر الإرادة السياسية لتنفيذ القرار، والتي تشمل التزام الرئيس بتمكين الشباب، وتأكيد رئيس الوزراء على اعتبارات الجدارة والكفاءة في تعيين المعاونين، وإشادة الأحزاب والقوى السياسية بالقرار على الرغم من إبداء بعضها لتحفظات تطالب بالاستعانة أيضًا بكوادر مدربة من خارج الجهاز الإداري بغرض "ضخ دم مختلف من شباب مؤهل ويفكر بطريقة تختلف عن الطريقة التي تفكر بها الوزارات". كما تعززه أيضًا رغبة المعاونين الشباب في إثبات قدراتهم بالبناء على الخبرات الفنية والإدارية المكتسبة لديهم، والخبرات الجديدة المتولدة من الاحتكاك المباشر مع القيادات الإدارية العليا.
ويؤدي النجاح في تجربة اختيار هؤلاء المعاونين إلي توفير قوة الدفع لتعيين مساعدي المحافظين، ويقود إلي تعميم هذه التجربة في جميع وحدات الجهاز الإداري للدولة، وهو ما يعزز من استقرار نظام الحكم وارتكانه إلى الشباب كمصدر رئيسي لشرعيته.
السيناريو الثاني: تعثر تجربة تمكين الشباب
وفي هذا السيناريو، لا تتوافر البيئة المشجعة لتنفيذ القرار وحصد ثماره. وقد يرجع ذلك لعدة أسباب أولها، اتباع الطابع الشكلي عند تشكيل اللجنة الداخلية المعنية باختيار المعاونين، وعدم مراعاة معايير الجدارة والكفاءة في اختيارهم. وثانيها، مقاومة وكلاء الوزارة ورؤساء الإدارات المركزية لتقبل فكرة قيام معاونين شباب من داخل الجهاز الإداري بمتابعة الأنشطة والبرامج التي يقومون بتنفيذها واقتراح تعديلات عليها في بعض الأحيان، وما يتعلق بذلك من قيام الوزير بدور "الوسيط والحكم" في حالة حدوث أية خلافات في التطبيق. وثالثها، عدم توفير المتطلبات اللوجستية والإدارية اللازمة لتمكين هؤلاء المعاونين من أدائهم لأعمالهم.
ويؤدي فشل التجربة في عدد كبير من الوزارات إلى الإضرار بمجمل تجربة تمكين الشباب ودمجهم في كل مؤسسات الدولة، وإلى سيادة روح سلبية بين شباب العاملين على نحو قد يؤثر على أدائهم الوظيفي لاحقًا.
بناء على العرض السابق، تتمثل أهم التوصيات المتعلقة بانجاح تجربة اختيار المعاونين فيما يلي:
1. قيام الرئيس بإصدار قرار جمهوري بأسماء المعاونين الشباب، واللقاء معهم بصفة دورية من أجل إكسابهم الثقل المعنوي اللازم لأدائهم لأعمالهم.
2. تدريب هؤلاء المعاونين على المهارات الإدارية المتقدمة والعمل على تغيير اتجاهاتهم وسلوكهم باتجاه غرس وتعزيز القيم الإيجابية، وقد يتم ذلك من خلال أكاديمية ناصر العسكرية التي توفر زمالات تعادل درجة الماجستير التي تمنحها الجامعات المصرية، ويتم إكساب المشاركين فيها مهارات إدارة الدولة المصرية، أو من خلال الاستفادة من التعاون المصري الإماراتي وتدريب هؤلاء المعاونين - على مراحل- في أكاديمية دبي للإدارة الحكومية.
3. توفير المتطلبات اللوجستية والإدارية اللازمة لعمل المعاونين من مكاتب إدارية وطاقم مساعد من الشباب الأصغر سنًا.
4. القضاء على الازدواج الإداري القائم في بعض الوزارات مثل التربية والتعليم والشباب والصحة، والتي ستوجد بها فئتان: الأولى مساعدو الوزراء، والفئة الثانية المعاونون الشباب، مع وجود تداخل في اختصاصاتهما، وعدم وضوح علاقاتهما البينية المشتركة.