المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات التعاون: مسارات التفاهم الصيني - العربي

الثلاثاء 11/يونيو/2024 - 11:54 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

شهدت الصين في الفترة من 28 مايو إلى الأول من يونيو 2024 انعقاد منتدى التعاون الصيني – العربي بمشاركة أربع رؤساء دول عربية هم مصر والإمارات وتونس والبحرين، ولعل هذه المشاركة في اجتماعات منتدى التعاون الصيني - العربي، رسالة لتأكيد العمل على تعزيز العلاقات مع الصين، التي تسعى في المقابل للانخراط بشكل أكبر مع القضايا الخاصة بالمنطقة العربية؛ حيث أجرى الرئيس الصيني شي جي بينج محادثات مع قادة الدول الأربع على التوالي لتبادل وجهات النظر حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك خاصة فيما يتعلق بتبني موقف مشترك بين الصين والدول العربية بشأن القضية الفلسطينية وأن هذا اللقاء جاء في لحظة تزداد معها تعقيدات الحرب الإسرائيلية على غزة، كما  تبدو معها احتمالات التوصل إلى هدنة ضئيلة وخاصة بعد الغارة الجوية التي استهدفت مدينة رفح في قطاع غزة والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 50 مدنيًا فلسطينيًا على الأقل. بالإضافة إلى ذلك، جاءت هذه الاجتماعات في وقت يشهد فيه العالم تغيرات اقتصادية كبيرة، وهو ما يجعلها فرصة هامة لمناقشة عدد من المشاريع الاقتصادية والاستثمارية الكبرى.

كما عكس الحضور العربي الرفيع للنسخة العاشرة من المنتدى الصيني العربي مستوى الشراكة المتنامي بين الصين والدول العربية في السنوات الأخيرة، كما أبرزت أهمية العلاقات المشتركة بين بكين والدول العربية، وتطلعات الجانبين لتعزيز التعاون في مختلف المجالات؛ حيث سعت الصين خلال الفترة الأخيرة إلى تقديم نفسها كلاعب أساسي في منطقة الشرق الأوسط الذي تعتبر جزءًا من الفضاء الاستراتيجي الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية وبشكل خاص منذ تسعينيات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو ما دفع الصين إلى العمل على تعزيز نفوذها في المنطقة، وهو ما ظهر من خلال الدبلوماسية الصينية التي لعبت دورًا فعالًا في عملية التقارب بين إيران والسعودية في مارس 2023 وغيرها من الأدوار الصينية من الملفات المثارة في المنطقة العربية؛ إذ تسعى إلى لعب أدوار تتجاوز التعاملات الاقتصادية. وتستعرض بكين بشكل متزايد نفوذها الدبلوماسي في المنطقة؛ إذ استضافت في أبريل الماضي أول محادثات على أرض الصين بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة فتح الفلسطينيتين المتنافستين.

أجندة متنوعة

تشهد العلاقات العربية الصينية آفاق واسعة للتطور في المستقبل، مدفوعة برغبة مشتركة في تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والتجاري والثقافي. ومن خلال هذه اللقاءات فمن المتوقع أن يستمر الجانبان في تعزيز الشراكات الاستراتيجية وتنويع مجالات التعاون، بما يحقق المصالح المشتركة ويسهم في تعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة والعالم.

خلال القرن الحادي والعشرين تطورت العلاقات الصينية العربية؛ حيث تحولت بكين لأكبر شريك تجاري للدول العربية وزاد حجم التجارة من 37 مليار دولار في 2004، إلى 400 مليار دولار في 2023، كما أن الصين المستثمر الأول في المنطقة العربية باستثمارات مباشرة بلغت 30 مليار دولار. وتشمل هذه العلاقات تصدير النفط والغاز من الدول العربية إلى الصين، واستيراد المنتجات الإلكترونية والميكانيكية وغيرها من الصين إلى الدول العربية. كما تسعى الصين لتعزيز استثماراتها في البنية التحتية في الدول العربية، من خلال مبادرة الحزام والطريق التي تهدف إلى إعادة إحياء طريق الحرير برًا وبحرًا.

ويلعب المنتدى دورًا محوريًا في صياغة ومتابعة أطر التعاون بين الجانبين الصيني والعربي، كما تسعى الدول العربية إلى تحقيق التوازن التجاري مع الصين، بالتوازي مع توجه عربي واسع نحو تعزيز الشراكات مع بكين في إطار ما يسمى التوجه شرقًا وتنويع العلاقات الاقتصادية مع عديد من دول العالم؛ حيث يضم منتدى التعاون الصيني العربي الصين 22 عضوًا في الجامعة العربية، ويهدف إلى تعزيز الحوار والتعاون وتدعيم السلام والتنمية، مع معالجة ميل الميزان التجاري للصين مع الدول غير المصدرة للطاقة، وأن يكون هناك توازن مع الدول العربية المصدرة للطاقة. على سبيل المثال تمثل زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد مهمة بالنسبة لبلده الذي يعاني من أزمة اقتصادية مستفحلة ومن صعوبة في دفع عجلة الاستثمار والنمو وفي توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتغطية عجز الموازنة. ولكنها لا تبحث عن الحصول على تمويلات بديلة عن صندوق النقد الدولي من الصين، وإنما عن استثمارات جديدة تساعدها على خلق الثروة وتنشيط الاقتصاد.

تفاهمات عديدة

هناك مجموعة من العوامل التي أسهمت في وصول العلاقات بين الصين والعالم العربي لهذا المستوى الرفيع، ذلك أن أغلبية الدول العربية وقعت شراكات استراتيجية كاملة مع الصين، وهذا الأمر لم يأت من فراغ لكن جاء لمجموعة من العوامل مثل التفاهم حول القيم؛ إذ يؤمن كلا الطرفين بضرورة تعزيز السلام والاستقرار في العالم، وكذا الرغبة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعمل على الدفع بالحلول السياسية والدبلوماسية كأفضل السبل لحل أي خلاف ينشأ بين الدول.. هذه الشراكة في المبادئ دفعت الثقة في التعامل الاقتصادي والتجاري بين الطرفين.

وضمن هذا السياق، تلتزم الدول العربية بمبدأ الصين الواحدة، ودعمها لجهود الصين في الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها. وهو ما يعني دعم الصين في موقفها الذي يعتبر جزيرة تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية. من ناحية أخرى تدعم إدارة بايدن موقف إسرائيل في الصراع الفلسطيني، إلا أن الصين تتفق مع الدول العربية، وتؤيد وقفًا فوريًا لإطلاق النار والاعتراف بالدولة الفلسطينية. ويؤدي هذا التحالف إلى مساعدة بكين على توسيع نفوذها السياسي في دول كانت حتى وقت قريب تنظر إلى الصين باعتبارها شريكًا اقتصاديًا في المقام الأول، كما تكسب حلفاء جدد في تنافسها العالمي على النفوذ مع الولايات المتحدة.

مخرجات مستدامة

أشاد الرئيس الصيني شي جين بينج بطبيعة التطورات المتصاعدة في اتجاه التعاون مع الدول العربية، وذلك خلال افتتاح منتدى التعاون الصيني العربي في بكين بهدف تعميق العلاقات مع المنطقة، داعيًا إلى عقد مؤتمر سلام دولي بشأن الشرق الأوسط. وأضاف أن الصين والجانب العربي سيبنيان إطارًا أكثر توازنًا للعلاقات الاقتصادية والتجارية التي تعود بالنفع على الجانبين، خاصة التعاون الصيني في مجال الطاقة من خلال دعم شركات الطاقة والمؤسسات المالية الصينية للمشاركة في مشاريع الطاقة المتجددة بقدرة تزيد إجمالًا عن ثلاثة ملايين كيلووات في الدول العربية.

وتُعد الطاقة من أبرز مجالات التعاون بين الصين والدول العربية، حيث تعتمد بكين على النفط والغاز العربي لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة. ووقعت عديد من الاتفاقيات بين الجانبين لتطوير مشاريع مشتركة في مجال الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو ما يسهم في تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستدامة. بجانب التعاون في مجالات التكنولوجيا والابتكار؛ حيث تقدم الصين خبراتها في مجالات الاتصالات وتقنية المعلومات إلى الدول العربية. وتم في هذا السياق توقيع عديد من الاتفاقيات لإنشاء مناطق اقتصادية خاصة، وتطوير البنية التحتية الرقمية، وتعزيز التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية.

وفيما يخص القضية الفلسطينية أكد أن الصين تدعم بقوة إقامة دولة فلسطينية مستقلة تتمتع بالسيادة الكاملة وتؤيد مسعى الفلسطينيين لأن يصبحوا دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة؛ حيث يعمل الجانبان بشكل مشترك على تعزيز التسوية السياسية وبلورة الحل الشامل والعادل والدائم للقضية الفلسطينية، وتعزيز التنسيق المشترك بين الصين والدول العربية بشأن هذه القضية.

في الختام: على مدى 20 عامًا، حققت العلاقات الصينية العربية قفزة كبيرة في إطار المنتدى، ففي الدورة الأولى للاجتماع الوزاري للمنتدى في عام 2004 اتفقت الصين وجامعة الدول العربية على إقامة علاقات الشراكة القائمة على المساواة والتعاون الشامل، ويمكن القول أن منتدى التعاون الصيني العربي أصبح منصة مهمة للتعاون بين الصين والدول العربية ومحركًا مهمًا لتعزيز تنمية العلاقات الصينية العربية في مختلف المجالات، كما يمثل مرحلة جديدة من التعاون بين الجانبين، وهو أمر حاسم لتعزيز التنمية المشتركة ومواجهة التحديات العالمية بعدما سمحت آليات المنتدى المختلفة من بلورة الأفكار والأدوات التي تعزز من مساحات التفاهم بين الجانبين.

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟