المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات التوغل: تحولات العملية العسكرية الروسية شرق أوكرانيا

الإثنين 20/مايو/2024 - 11:39 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية أن الجيش الروسي بدء هجومًا بريًا على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا؛ حيث دخلت القوات الروسية على بوريسيفكا وأوغيرتسيف وبليتينيفكا وبيلنا وستريليتشا في منطقة خاركيف قرب الحدود مع روسيا، وكذلك قرية كيراميك في منطقة دونيتسك؛ حيث استهدفت القوة البشرية والعتاد لأربعة ألوية أوكرانية ومفرزة من حرس الحدود في مناطق فولشانسك وفيسيلي وغلوبوكوي ونيسكوشني وكراسني في محاولة لتوسيع الجبهة وتشتيت القوات الأوكرانية. بعدما اتخذت أوكرانيا موقفًا دفاعيًا بعد شهور من تباطؤ إمدادات المساعدات العسكرية الغربية وخاصة الأميركية، وهو ما منح روسيا التفوق في الميدان العسكري لتفتح جبهة شمالية شرقية جديدة في الحرب التي تدور رحاها إلى حد كبير في الشرق والجنوب منذ نحو عامين. وقد يؤدي هذا التقدم إلى إبعاد بعض القوات الأوكرانية المستنزفة عن الشرق؛ حيث تتقدم روسيا ببطء. فلم يكن تقدم القوات الروسية سوى بضعة أميال فقط، لكنها استطاعت السيطرة على نحو 100 كيلومتر من الأراضي الأوكرانية، مقارنة بما شهدته منطقة شرقي أوكرانيا الأكثر دفاعا، والذي استغرق من روسيا شهورًا لتحقيق نفس النتائج.

من جهته قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن قوات بلاده تخوض معارك ضارية مع الجيش الروسي المتقدم في منطقتين حدوديتين. وقال زيلينسكي: "هناك معارك ضارية حاليًا بالقرب من الحدود شرقي وشمال شرقي أوكرانيا. يحاول الجنود الأوكرانيون المتفوقون في العدد صد هجوم بري روسي عنيف.

وتهدف القوات الروسية إلى استغلال نقاط الضعف الأوكرانية قبل وصول دفعة كبيرة من المساعدات العسكرية الجديدة من الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين إلى ساحة المعركة بأوكرانيا في الفترة المقبلة بما يزيد من قدرات موسكو العسكرية في الميدان، في حين سيمثل ذلك واحدة من أخطر الفترات بالنسبة لكييف في الحرب المستمرة منذ عامين بعدما فتحت السيطرة الروسية على مدينة أفدييفكا في دونيتسك في فبراير 2024 الباب أمام القوات العسكرية الروسية للتقدم غربًا وإلى عمق دونيتسك؛ حيث تعد السيطرة على دونيتسك بأكملها أحد أهداف روسيا الرئيسية في الحرب.

 

تصعيد مسبق

تجب الإشارة هنا إلى أن هناك مؤشرات على هذا التوغل الروسي الذي حدث؛ حيث كانت المخابرات الأوكرانية والغربية على حد سواء على علم بأن روسيا كانت تحشد قوات عبر الحدود، مع تقديرات بأن قوام تلك القوات يصل إلى نحو 30 ألف جندي. كما أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في وقت سابق هدفه المتمثل في إنشاء منطقة عازلة داخل منطقة خاركيف لحماية الأراضي الروسية من ضربات المدفعية الأوكرانية.

بيد أن أوكرانيا لم تكن مستعدة بشكل جيد على ما يبدو، على الرغم من النفي الرسمي من جهتها. وهو ما أدى إلى أن قالت القيادة العسكرية الأوكرانية في خورتيتسيا إن البريغادير جنرال ميخايلو دراباتي حل محل القائد المسئول عن خط المواجهة في منطقة خاركيف بشمال شرق البلاد.

وقبل حدوث هذا التصعيد، تبنّت كييف استهداف منشأة للنفط ومحطة للتحويل الكهربائي في منطقتي بلغورود وليبتسك في غرب روسيا على مقربة من الحدود. وأنها عملية نفذتها الأجهزة الخاصة بواسطة مسيرات هجومية. في حين لم يقدّم الجانب الروسي أي معلومات بشأن الهجوم على محطة النفط، لكن حاكم ليبتسك أكد وقوع حريق في المحطة الكهربائية الفرعية، بدون الكشف عن سببه ولا اتهام أوكرانيا. وكثفت أوكرانيا التي تواجه الهجوم الروسي منذ عامين، هجماتها ضد روسيا في الأشهر الأخيرة مستهدفة بشكل خاص مواقع الطاقة. وكانت كييف وعدت بنقل القتال إلى الأراضي الروسية رداً على عمليات القصف الكثيفة على أراضيها.

وفي إطار وقف هذه الضربات، أعلنت روسيا أنها تريد إنشاء منطقة عازلة لكي تكون المناطق الحدودية خارج نطاق النيران الأوكرانية، خصوصا منطقة بلغورود. ومنذ 10 مايو، يشن الجيش الروسي هجومًا في شمال أوكرانيا في منطقة خاركيف المتاخمة لمدينة بيلغورود والتي سبق أن تعرضت لعمليات قصف عدة في الأسابيع الماضية ما أدى إلى انقطاع الكهرباء بشكل خاص. وتلجأ روسيا في خاركيف إلى اتباع أساليب قتالية مألوفة للغاية من أجل تقدم قواتها، ألا وهي تحويل القرى والبلدات الأوكرانية إلى أنقاض.

ويؤدي فتح جبهة معارك جديدة هنا في الشمال إلى استنزاف موارد أوكرانيا المحدودة، في وقت أدى فيه تأخر موافقة الولايات المتحدة على إرسال مزيد من الدعم العسكري إلى حرمان القوات الأوكرانية من الذخيرة. كما يهدف الكرملين إلى تشتيت قواتنا من خلال فتح جبهة نشطة ثانية في خاركيف. بالإضافة إلى أنه من خلال تكثيف العمليات الهجومية، تسعى روسيا إلى إرهاق القوات الأوكرانية وتحقيق اختراقات في صفوفها.

تغيرات عسكرية روسية

أقال الرئيس الروسي بوتين وزير الدفاع سيرجي شويجو -الذي كان يشغل المنصب منذ عام 2012- وذلك في تغيير كبير للقيادة العسكرية بعد أيام قليلة على تنصيبه لولاية رئاسية خامسة وبعد أكثر من عامين على بدء التدخل الروسي في أوكرانيا. واقترح بوتين الاقتصادي أندريه بيلوسوف ليحل محل شويغو، وفقًا للائحة الترشيحات الوزارية التي نشرها مجلس الاتحاد، الغرفة العليا في البرلمان الروسي. كما أصدر بوتين مرسومًا بتعيين شويجو أمينًا عامًا جديدًا لمجلس الأمن القومي، خلفًا لنيكولاي باتروشيف.

وليست لدى بيلوسوف -البالغ حاليًا من العمر حاليا 65 عامُا والبديل المرشح لشويجو- أي خلفية عسكرية، وقد كان النائب الأول لرئيس الحكومة الأخيرة منذ عام 2020 وأحد المستشارين الاقتصاديين الرئيسيين لبوتين في السنوات الأخيرة، حتى إنه شغل لفترة وجيزة منصب وزير التنمية الاقتصادية بين مايو 2012 ويونيو 2013. إلا أنه أن وزير الدفاع الجديد مختص بإدارة الأزمات وقادر على التعامل مع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا وتنظيم الموارد المالية والاقتصاد العسكري. وأن اختيار اقتصادي كوزير جديد للدفاع، مؤشر على أن روسيا تريد تحسين الإدارة المالية للمجمع العسكري الصناعي الضخم والذي يتم الإنفاق عليه بسخاء في ظل زيادة الإنفاق العسكري الذي يصل إلى 6.8 في المئة من ميزانية روسيا في إشارة إلى قدرته على تحقيق نجاح في إنتاج الأسلحة للحرب مع الحفاظ على النجاح الاقتصادي.

ويمكن الإشارة هنا إلى أنه لا علاقة لهذه التغيرات بخسائر عسكرية كبيرة في أوكرانيا ولا بوجود شبهات فساد تطال شويجو، وفي بعض التقديرات الداخلية والغربية، لكنها تعديلات متوقعة، وتم اختيار موقع مناسب لعمل وزير الدفاع السابق بهدف تطوير الصناعات العسكرية خاصة وأن تعد إقالة شويجو تمثل أحد أهم التغييرات التي أجراها بوتين للقيادة العسكرية منذ إرسال قوات إلى أوكرانيا في فبراير 2022 فيما أسماه عملية عسكرية خاصة. إلا أن ذلك لن يحدث تغييرات على مستوى العمليات العسكرية في أوكرانيا، بل أن هناك بعض التقديرات التي تشير بأن بوتين يهدف من هذه التغيرات إلى إحكام مزيد من السيطرة على الشئون العسكرية، بينما تستمر حرب أوكرانيا.

في الختام: تأتي هذه التوترات والتصعيد الميداني والاستراتيجي في المواجهات العسكرية في ظل مساعي غربية لتزويد كييف بما تحتاجه من أسلحة ومعدات قتالية لوقف هذه الهجمات، في حين فإنه من المقرر أن تستضيف سويسرا مؤتمرًا حول أوكرانيا يومي 15 و16 يونيو المقبل، بالقرب من مدينة لوسيرن، دون حضور روسيا. وهو ما سيزيد من صعوبة الوصول إلى تفاهمات مشتركة حول كيفية إنهاء الحرب خاصة أن الرؤية الروسية تتمثل في إن سويسرا تركز على صيغة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، لكنها في الوقت نفسه تتجاهل المبادرات الأخرى القائمة، بما في ذلك الصين، التي تعتبر الأكثر شمولًا.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟