دور الفيلق الأفريقي الروسي وتداعياته على القارة السمراء
لقد لعبت قوات فاغنر الروسية الخاصة خلال السنوات الأخيرة
دوراً هاماً في المجال الأمني والعسكري في عدد من دول أفريقيا كونها أداة من أدوات
السياسة الخارجية التي توظفها موسكو لتحقيق أهداف جيوسياسية ولإثبات حضورها كدولة
فاعلة في الساحة الأفريقية، تمكّنها من تطويق النفوذ الأوروبي وخاصة الفرنسي
والأمريكي وكسبها ورقة ضغط تساوم بها في ملف الهجرة الغير شرعية والإرهاب .
وعلى إثر
محاولة الانقلاب الفاشلة التي قامت بها مجموعة فاغنر في 24 يونيو2023 وبعد مقتل
زعيمها "يفغيني بريغوجين" في أغسطس 2023، شكّلت وزارة الدفاع الروسية
هيكل عسكري جديد في مطلع عام 2024 ليكون بديلاً عنها وقد أطلق عليه اسم
"الفيلق الأفريقي" وبهذا التغيير يتخذ التدخل الروسي في أفريقيا طابعاً
رسمياً تعمل من خلاله على توسيع مجال عملياتها العسكرية والأمنية واستقطاب دول أفريقية
أخرى .
أولاً- مهام الفيلق الأفريقي
أسست موسكو الفيلق الأفريقي الروسي ككيان
رسمي تابع لها لا يختلف دوره عن قوات فاغنر الخاصة في حماية نفوذها في أفريقيا لأجل
تحقيق مصالحها وترسيخ وجودها، لاسيما وأنها تبحث عن حلفاء جدد بغية فك العزلة الدولية
المفروضة عليها من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2014 وتزايدت حدتها
مع الأزمة الحالية في أوكرانيا , كما تسعى روسيا عبر هذا الكيان إلى الانخراط المباشر في أفريقيا للحفاظ على إرث قوات فاغنر من خلال تنسيق عملياتها واستيعاب أنشطتها في القارة خاصة وأنها حققت مكاسب سياسية
واقتصادية تخدم استراتيجية موسكو في إفريقيا
على حساب تراجع النفوذ الغربي
وخاصة الفرنسي .
إلى جانب ذلك تعوّل روسيا على هذا الهيكل العسكري الجديد لتعزيز تعاونها الأمني والعسكري وضمان
استمراريته في المناطق الساخنة في إفريقيا
لفرض سيطرتها عليها واستحواذها على
مصادر الثروات والمعادن ودعم الأنظمة السياسية الهشة فيها، وهذا ما دفع موسكو إلى
زيادة الدعم العسكري في القارة خلال القمة الروسية الإفريقية المنعقدة في 27، 28
يوليو 2023.(1)
ثانياَ- مناطق نشاطه
لقد اكتسبت موسكو خلال الأعوام الأخيرة نفوذاً
واسعاً في إفريقيا من خلال الخدمات
العسكرية التي كانت تقدمها شركة فاغنر
لعدد من الدول الإفريقية، وعليه تحرص روسيا
على تمددها وترسيخ وجودها عبر هذا الفيلق الجديد الذي يبدأ بحلول صيف 2024 لينشط في خمسة دول، وهي:
ليبيا: يتخذ الفيلق
الإفريقي ليبيا كمقر رئيسي له باعتبار موقعها الجيوستراتيجي الذي يربط بين أوروبا
وإفريقيا، لذا، تتطلع روسيا إلى إقامة قاعدة بحرية في شرق ليبيا بمنطقة
"طبرق" لتكون بمثابة منفذ بحري على ساحل البحر المتوسط يسهل عليها نقل الإمدادات العسكرية إلى باقي دول أفريقيا وتكون منطقة
نفوذ لها في جنوب أوروبا حيث يتقاطع الصراع الدولي القائم على ليبيا من طرف الولايات
المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى ذلك العلاقة القوية التي تربط الجيش الليبي في شرق البلاد بقيادة "
خليفة حفتر " مع حليفته روسيا. (2)
تقع بوركينافاسو، مالي، النيجر في
قلب الساحل الإفريقي لذا اختارت روسيا هذه الدول لنشاط هذا المكون العسكري الجديد لتكون مركز للعمليات الروسية، كما تستحوذ هذه الدول على
موارد طبيعية هائلة ما جعلها ساحة للتنافس
بين القوى الدولية التي تسعى إلى فرض هيمنتمها
في المنطقة ويعكس هذا التنافس في ظل الانقلابات العسكرية التي شهدتها هذه الدول
خلال عامي 2022 و2023 انسحاب النفوذ الفرنسي الذي كان فاعلا رئيسيا فيها، حيث
استغلت موسكو هذا الفراغ لتقديم نفسها من خلال دعمها الأمني
والعسكري بل ساهمت في بناء تحالف جديد مع
بوركينافاسو، مالي والنيجر بعد انسحابهم
من مجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس، وشكلت هذه الدول تكتلاً
أمنياً بعد قطع العلاقات العسكرية مع فرنسا بهدف التعاون المشترك لمواجهة العقوبات التي
تفرضها الإكواس.(3)
أما وجود الفيلق في جمهورية
إفريقيا الوسطى ما هو إلا لترسيخ الدورالروسي في القارة ومد نفوذه لحماية
استثماراته فيها، لذا تنوي موسكو إقامة قاعدة عسكرية وسط القارة لتمكنها من مراقبة
ما يجري في أنحاء القارة .
ثالثاً- تداعيات تواجد الفيلق في إفريقيا
بلا شك، فإن
التمدد النفوذ الروسي في أفريقيا من خلال هذا الهيكل العسكري سينتج عنه تداعيات
سلبية تؤثر على دول القارة، وقد يكون عاملاً رئيسياً في تعقيد الأزمات فيها حيث
تعمل موسكو على عرقلة الديمقراطية بتدخلها في العملية الانتخابية لدعم الأنظمة
الموالية لها لضمان بقاءها في السلطة أو لتأييدها للانقلابات والاعتراف بشرعية الانقلابيين العسكريين.
ومن
المؤكد أن نشاط هذا الفيلق في ليبيا ستكون
له آثار وخيمة ليس فقط على الأراضي الليبية فحسب بل حتى على الدول المجاورة لها، بالإضافة
إلى تأثيره على الانتخابات المرتقبة ودعم عمليات التمرد خاصة وأن البلاد تشهد انقسام
داخلي حاد في ظل انعدام الاستقرار السياسي والأمني ما أدى إلى وجود حكومتان واحدة في الغرب يقودها "عبد الحميد
الدبيبة" وأخرى في الشرق بقيادة
"خليفة حفتر" الذي يتلقى الدعم
من روسيا .
وإلى
جانب ذلك، تحرص روسيا على تعزيز قبضتها في إفريقيا لاستنزاف والسيطرة على ثرواتها ومورادها الطبيعية التي تزخر بها القارة
مقابل الخدمات العسكرية والأمنية التي
تقدمها روسيا.(4)
ولا
يمكن فصل بين الحرب الأوكرانية عن الفيلق الإفريقي الروسي حيث
يعاني الجيش الروسي من نقص في حجم قواته البرية ومن المحتمل سيتم تجنيد أفارقة في
صفوف الجيش للانضام إلى العمليات القتالية في أوكرانيا .
وفي الختام،
يمكننا القول أنه رغم تداعيات الفيلق الإفريقي على أمن وعدم الاستقرارالسياسي لدول
القارة، إلا أن وجوده أصبح مطلوب من طرف الانقلابيين العسكريين لأجل تأمين حمايتهم
وإحكام سيطرتهم في السلطة ومحاربتهم
للإرهاب، كما يعد تواجد هذا الهيكل
العسكري تحالفاً استراتيجياً جديداً في أفريقيا.
الهوامش
1-Andrew McGregor, Wagner’s influence in central African
republic wanes as American PMC entres the scene , 7 february 2024 avaible at:
2 - محمد عادل عثمان، الفيلق الإفريقي الروسي : أهداف وسيناريوهات
المستقبلية، 4 فبراير2024، متاح على الرابط التالي :
3 – الفيلق الإفريقي الروسي وانعكاساته على ليبيا،
وكالة أنباء الأناضول ،05 يناير2024، متاح على الرابط التالي:
https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7
4 - حكيم ألادي نجم الدين، النفوذ الروسي في
إفريقيا، مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية، 18 ابريل، 2022، متاح على الرابط
التالي: