تواجه الدول المشاطئة للبحر الأحمر كارثة بيئية جراء غرق السفينة روبيمار في الثاني من مارس 2024م، ورغم خطورة الكارثة وتعدد جوانبها بما في ذلك تلويث المياه والتأثير في حياة الكائنات البحرية، والخلل في التوازن البيولوجي والبيئي في البحار والمحيطات، فضلا عن التأثير في الاقتصاد المحلي من خلال تأثر قطاعَي الصيد والسياحة في المناطق الساحلية، ما يخلق خسائر اقتصادية فادحة، غير أن الجهود المبذولة لمواجهة الكارثة ما تزال دون المستوى، حيث أظهرت الكارثة إلى أي مدى تفتقر دول البحر الأحمر إلى مظلات إقليمية فاعلة يمكن من خلالها التعاطي مع هذه الكوارث التي تهدد واحد من اهم النظم البيئية تنوعا في العالم.

وقد رصد تقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة) التداعيات البيئية للكارثة، والإجراءات التي اتخذتها الدول المعنية والهيئات الإقليمية والدولية لمواجهة الكارثة، موضحا إلى مدى تبدو الجهود المبذولة ليست على قدر الخطورة التي تمثلها هذه الحادثة، والأدهى أنه في ظل استمرار الضربات التي يوجهها الحوثيون إلى مزيد من السفن، فإن الكارثة البيئية سوف تتضاعف، وستكون واحدة من البيئات البحرية النادرة في العالم عرضة للتهديد، علاوة على تأثيرات اقتصادية وصحية سوف تطال الدول المطلة على البحر الأحمر.

بحسب تقرير "رصانة"، فإن السفينة كانت تحمل 20 ألف طن من كبريتات فوسفات الأمونيوم، وهذه مادة كيميائية تُستخدم أسمدة، لكنها أسمدة صناعية وليست طبيعية، وبالتالي عندما تذوب هذه الأسمدة وتتسرب إلى الماء لها تداعيات بيئية خطيرة، يزداد الخطر المتوقع من تسرب الشحنة القابعة في السفينة نظرًا لطبيعة التيارات البحرية في البحر الأحمر، ممثلًا في أنماط المياه الدائرية الفريدة في البحر الأحمر، التي تعمل في الأساس كبحيرة عملاقة، إذ تتحرك المياه شمالًا، نحو قناة السويس في مصر، خلال فصل الشتاء، وخارجًا إلى خليج عدن في الصيف، وهو ما يعني أن ما يجري إلقاؤه أو غرقه في البحر الأحمر سيظل موجودًا لفترة زمنية طويلة قبل أن تتمكن التيارات البحرية من جذبه إلى خارج نطاق البحر الأحمر. إضافة إلى ذلك إن ظلت الكميات سليمة تحت الماء، فسيكون التأثير بطيئًا بدلًا من إطلاقه على نطاق واسع، ومن المرجح أنها ستذوب في عمود المياه، مما يؤدي إلى تغيير جذري في تكوين الماء، ويؤدي إلى تلوثه وعدم ملاءمته حياة بعض الكائنات الحية.

ولن يتوقف التأثير على تلوث الماء بل إنه يطال الحياة البحرية في واحد من أكثر مناطق التنوع البيولوجي ثراءً في العالم. إذ إن الأسمدة تغذِّي تكاثر الطحالب، وتكاثرها يعني فقدان الأكسجين واختناق الحياة البحرية وإنشاء ما يسمى (المناطق الميتة)، كما أنها تشكل خطرًا كبيرًا على الشعاب المرجانية الأكثر تنوعًا واتساعًا في العالم، وعندما تترسب هذه المواد في أجسام هذه الكائنات، لا سيّما الرخويات منها، فهي لا شك ستكون كائنات مشبعة بالسموم سيظهر تأثيرها على مَن يتناولها، وستظهر أمراض خطيرة في المستقبل القريبهذا ناهيك عن تهديد المخزون السمكي في البحر الاحمر. 

ويشير تقرير رصانة إلى الخسائر الاقتصادية جراء فقد الشعاب المرجانية، التي تعد ركيزة سياحة الغوص في البحر الأحمر، إذ تشير الإحصاءات إلى أن عدد السياح حول العالم في عام 2019 (قبل جائحة كورونا) بلغ نحو 1.5 مليار سائح، منهم 80% وجهتهم المناطق الساحلية في العالم، حيث تعد الشواطئ وممارسة رياضة الغوص لمشاهدة أعماق البحار.

وأخيراً، فبحسب رصانة، فإن المياه المحلاة ستكون عرضة لتلوث خطير، ومن الناحية العملية والبيئية، فإن التداعيات السلبية المحتملة نتيجة تلك الحادثة لن تتوقف عند حدود البحر الأحمر والدول المطلة عليه، وإن كان سينالها النصيب الأكبر من تلك التداعيات، لكنَّ البحر الأحمر في النهاية متصل بغيره من البيئات البحرية، مثل بحر العرب والمحيط الهندي، ويعد كذلك أحد المداخل الرئيسية لقناة السويس، شريان التجارة العالمية.

وبينما رصد تقرير رصانة جوانب القصور في التعامل مع الكارثة، فإنه وضع امام دول المنطقة خيارات مهمة ليس للتعامل مع هذه الكارثة، ولكن من أجل التعامل مع غيرها من الكوارث في المستقبل، ومن ذلك ضرورة وجود تكتل إقليمي يجمع دول منطقة البحر الأحمر معاً بحيث ينبثق عنه مظلة للتعامل مع القضايا البيئية، وهو مشروع اقترحته السعودية لكنه معطل منذ سنوات، كما يقدم التقرير العديد من الخطوات الفنية للتعامل مع الكارثة بما في ذلك تدشين آلية للإنذار المبكر، وغيرها من الإجراءات التي يجب أن توضع بعين الاعتبار من جانب الدول المطلة على البحر الأحمر، لا سيما مصر والسعودية باعتبار ما لديهما من خبرة كبيرة ومن قدرة على التعاون من اجل خلق بيئة آمنة في البحر الأحمر، لا سيما ان البلدين لديهما مشروعات طموحة في المنطقة ومثل هذه الكوارث قد تعرقل العوائد الاقتصادية لهذه المشروعات.