أثار قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون الخميس اعتماد المادة 49.3 من الدستور لإقرار قانون إصلاح نظام التقاعد
ردود فعل شعبية وسياسية سريعة وقوية. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة لن تنهي الجدل بشأن
هذا القانون ولن توقف موجة الاحتجاجات المستمرة منذ يناير 2023. فهل تُنذر بأزمات
سياسية متعددة في السنوات الأربع المتبقية من ولاية ماكرون الثانية؟ خاصة وأنه أصبح
إصلاح نظام التقاعد معتمدًا بعدم تمكن المعارضة الفرنسية في 20 مارس 2023 من إسقاط
الحكومة، بموجب مقترح حجب الثقة الذي وضعته في مذكرتين، على خلفية تمرير الجهاز
التنفيذي بالقوة مشروع قانون إصلاح التقاعد، بدون عرضه على مجلس النواب،
وبالاعتماد على بند 49.3 من الدستور.
وشهدت الجمعية الوطنية نقاشا محتدما
بين الأطراف المؤيدة لإصلاح نظام التقاعد والمعارضة له. وانتقدت إليزابيث بورن
بحدة طريقة تعامل المعارضة، حسب تعبيرها، مع الحكومة على خلفية الإصلاح، فيما
انسحب جزء منها، المحسوب على حزب "فرنسا الأبية"، من البرلمان أثناء عرض
كلمتها قبل أن يفسح المجال للتصويت. كما عبرت بورن عن تفهمها للقلق الذي ولده
الإصلاح، مشيرة إلى الفئات المستفيدة منه، كما أكدت أن الحكومة أخذت الوقت الكافي
للنظر في جميع المقترحات الصادرة عن الكتل النيابية المكونة لمجلس النواب. واعتبرت
أنها ذهبت بعيدا في توافقات في خطوة غير مسبوقة.
وقد ترتب على ذلك أن اندلعت احتجاجات
في فرنسا بعد فشل البرلمان في حجب الثقة عن الحكومة واعتماد قانون التقاعد. واعتقلت الشرطة الفرنسية 100 شخص في باريس على خلفية الاحتجاجات ضد
قانون التقاعد. لكن مشروع القانون الذي دفعه الرئيس إيمانويل ماكرون دون موافقة
المشرعين لا يزال يواجه مراجعة من قبل المجلس الدستوري قبل أن يصبح قانونًا.
مسارات عديدة
اعتُمد إصلاح نظام التقاعد الذي طلبه
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشكل نهائي في الجمعية الوطنية (مجلس النواب)، بعد
رفضها مذكرتين لحجب الثقة عن الحكومة. بعدما رفضت الجمعية الوطنية المذكرة الأولى
بفارق تسعة أصوات فقط والتي تشارك فيها أحزاب عدة، في حين لم تحصد المذكرة الثانية
المقدّمة من اليمين المتطرف سوى 94 صوتا من أصل 287 صوتا ضروريا. وتستمر التحركات المناهضة لهذا الإصلاح الذي يرفع سن التقاعد القانوني
من 62 إلى 64 عاما.
وبالتالي نجت الحكومة الفرنسية من تصويت على حجب الثقة عنها
بفارق عدد قليل من الأصوات، وهو الإجراء التي جاء نتيجة تداعيات دعم إدارة ماكرون
لتشريع مقترح يتضمن زيادة سن التقاعد إلى 64 سنة.
وكان نواب الوسط في البرلمان الفرنسي هم من تقدموا بطلب لإجراء هذا
التصويت الذي أشارت نتيجته إلى أن عدد قليل صوتوا لصالح سحب الثقة من الإدارة
الفرنسية، وهو أقل من عدد الأصوات المطلوبة لسحبها (287 صوتا). وكان من المفترض، حال حجب
الثقة من الحكومة الفرنسية، أن يسمي ماكرون حكومة جديدة أو أن يحل الجمعية الوطنية
ويدعو إلى انتخابات جديدة. ولم يُمرر أيضا اقتراح
بتصويت آخر لحجب الثقة من الحكومة الفرنسية تقدم به حزب التجمع الوطني اليميني
المتشدد بقيادة مارين لوبان.
ولقي الاقتراح الأول بالتصويت على حجب الثقة من حكومة ماكرون
دعما من عدد من الأحزاب السياسية اليسارية، من بينهم حزب الخضر الفرنسي والحزب
الاشتراكي الفرنسي. وبعد فشل التصويت، رفع
أعضاء معسكر اليسار في الجمعية الوطنية لافتات تقول "استمر، وسوف نلتقي في
الشوارع". كما هتف هؤلاء بعبارات تطالب رئيسة الوزراء الفرنسية بالاستقالة.
على الجانب الآخر، فإن الرئيس الماكرون وضع إصلاح نظام التقاعد
في صلب الإصلاحات التي يريد إنجازها خلال ولايته الثانية والأخيرة، معتبرا ذلك
أمرا حتميا للحفاظ على التوازنات المالية لصندوق الضمان الاجتماعي. كما حاول
ماكرون تعزيز موقفه المؤيد للقانون المقترح بتصريحات أشار خلالها إلى أن شيخوخة
السكان في فرنسا تجعل خطة الرواتب التقاعدية الحالية لا يمكن تحملها. لكن هذا ليس
شعورا يتفق معه الجميع في البرلمان.
الجدير بالذكر أنه لإسقاط الحكومة الفرنسية، كان يجب أن تصوت
الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية لحجب الثقة عن الحكومة بـ287 صوتا. لكن صوت
لصالحه 278 فقط أي بفارق قليل عن العدد المطلوب للإطاحة بالحكومة. وكانت المعارضة
تعول على دعم الحزب الجمهوري لنيل أصواته، والذي ظهر منقسما بخصوص المشروع. وقد جاء ذلك في وقت تواصل
فيه النقابات ضغطها عبر الشارع لوقف هكذا إصلاح. كرر الأمين العام لنقابة (سي إف
دي تي) لوران بيرجيه تحذيره من تفاقم الغضب في البلاد، داعيا الرئيس الفرنسي إلى
"سحب الإصلاح".
تداعيات محتملة
شهدت بعض المدن، وفي مقدمتها باريس،
مظاهرات ليلية احتجاجا على اعتماد هذا الإصلاح. وتحدثت وسائل الإعلام عن اعتقال
العشرات في العاصمة الفرنسية لوحدها، مشيرة إلى أن مظاهرات نظمت بشكل تلقائي بدون
تراخيص مسبقة ما صعب على قوات الأمن محاصرتها.
كما أطلقت قوات الشرطة الغاز المسيل
للدموع، وقامت بعمليات اعتقال عشوائية في صفوف محتجين على قانون إصلاح نظام
التقاعد. كما تعاملت شاحنات الإطفاء مع بؤر حرائق أضرمها
محتجون على القانون، فيما دعا سياسيون الفرنسيين إلى النزول إلى الشوراع مطالبين
رئيسة الوزراء بالاستقالة. وذلك بعد تبنى البرلمان الفرنسي قانونا
مثيرا للانقسام، بشأن المعاشات التقاعدية يرفع سن التقاعد في البلاد من 62 إلى 64،
وذلك بعد أن رفض المشرعون في مجلس النواب اقتراعين بحجب الثقة عن الحكومة.
من جانبها، اتهمت رئيسة المجموعة
النيابية لحزب "النهضة" الذي يقود الأغلبية الحاكمة، المعارضة بمحاولة
"وقف البلد" عبر مقترح حجب الثقة. واستهجنت ما أسمته بـ"التحالفات
الظرفية" بين مكونات المعارضة ضد الإصلاح المثير للجدل. فيما وجه رئيس
المجموعة النيابة للحزب الجمهوري أوليفييه مارليكس الاتهام للمعارضة بأنها
"بصدد جر البلد نحو الأسفل".
وعلى الجهة المعارضة، اعتبرت رئيسة
المجموعة النيابية لحزب "فرنسا الأبية" اليساري، ماتيلد بانو، أن
الحكومة "خدعت الفرنسيين" الذين صوتوا لها، وأن هذه الحكومة "ماتت
مسبقا"، كما انتقدت بشدة ماكرون، معتبرة أنه "جلب العار لفرنسا".
من جهته، توعد شارل دو كورسون عن
مجموعة "ليوت"، تحالف رافض للإصلاح بينه أحزاب اليسار، باللجوء إلى
المجلس الدستوري. أما اليمين المتطرف، فاعتبر على لسان لور لفاليت عن المجموعة
النيابية لـ"التجمع الوطني" أنه "مهما كانت نتيجة التصويت فالحكومة
ستكون خاسرة".
في الختام: حاول ماكرون تعزيز موقفه المؤيد للقانون المقترح
بتصريحات أشار خلالها إلى أن شيخوخة السكان في فرنسا تجعل خطة الرواتب التقاعدية
الحالية لا يمكن تحملها. لكن هذا ليس شعورا يتفق معه الجميع في البرلمان. وبالتالي
كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام خيارين: إما الذهاب إلى تصويت نتيجته غير
محسومة، أو تمرير الحكومة مشروع القانون دون تصويت. كما تعقدت الأمور أكثر في فرنسا، بسبب الصراع الدائر حول قانون
إصلاح التقاعد، بعد قرار الرئيس إيمانويل ماكرون المصادقة على إصلاح نظام التقاعد
المثير للجدل من دون تصويت في الجمعية الوطنية (البرلمان).
ومن المحتمل أن تتزايد معدلات الاحتجاجات السياسية والاجتماعية
في ظل تنامي الاحتجاجات في القطاعات الخدمية والإنتاجية المختلفة، على سبيل المثال
أعلنت الكونفدرالية العامة للعمل (سي جي تي)، في وقت سابق، أن أكبر مصفاة في
البلد، والتي تقع في النورماندي (شمال غرب) وتديرها شركة "توتال إنرجي"،
بدأت بالتوقف عن العمل، علما أن المضربين عطلوا منذ بداية الحركة الاحتجاجية شحنات
الوقود، لكن لم تتوقف أي من المصافي الفرنسية السبع عن العمل بالكامل.