منذ سنوات، لم تهتز تركيا كما حدث في 13
نوفمبر 2022 حيث انفجرت قنبلة وسط شارع الاستقلال الأكثر ازدحاما وحركة وحيوية في
اسطنبول. التفجير أسقط ستة قتلى على الأقل و81 جريحًا من المارة. وأعلنت مديرية
أمن إسطنبول أن منفذة تفجير إسطنبول هي المواطنة السورية أحلام البشير، وهي عضو
تنظيم حزب العمال الكردستاني، وأنها دخلت تركيا من منطقة عفرين بطريقة غير شرعية
قبل أسبوع. وأنها استهدفت انفجار قلب إسطنبول المدينة
الرئيسية والعاصمة الاقتصاديّة لتركيا. وقال الأمن التركي في بيان اعتقلنا المدعوة
أحلام البشير والحاملة للجنسية السورية عند الساعة 2:50 فجرًا في المنزل الذي
اختبأت فيه بعد تنفيذ العملية. وأضاف الأمن التركي أن المشتبه بها تلقت تدريبهًا
بصفتها عضو استخبارات خاصة في حزب العمال الكردستاني، وأنها تلقت تعليمات تنفيذ
تفجير إسطنبول من مركز حزب العمال الكردستاني في منطقة كوباني (عين العرب)
السورية.
وجهت تركيا اتهامات لحزب العمال
الكردستاني المحظور بالمسئولية عن هجوم بقنبلة في إسطنبول أوقع ستة قتلى وأكثر من
80 جريحًا. ونفى الحزب أي ضلوع له في الاعتداء الذي وقع ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها
عنه. كما أن الحزب في صلب نزاع قائم بين السويد وتركيا التي تعرقل انضمام ستوكهولم
إلى حلف شمال الأطلسي، وتتّهمها بتوفير ملاذ آمن لنشطائه.
توترات متبادلة
تُصنف أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية
منظمة إرهابية وتعدها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردًا ضدهًا منذ
عقود. وتعتبر كل من تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات
المتحدة حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية. لكن واشنطن أيدت وحدات حماية الشعب في الصراع بسوريا، وهو ما أذكى
التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا، البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي. وقد نفذت تركيا 3 عمليات اجتياح استهدفت وحدات حماية الشعب في شمال
سوريا، وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هذا العام، إن هناك عملية أخرى وشيكة.
من جهته، نفى حزب العمال الكردستاني
ضلوعه في الهجوم، قائلاً إنه لا يستهدف المدنيين، وذلك في بيان نُشر على موقعه على
الإنترنت. وقال حزب العمال الكردستاني "ليس وارداً بالنسبة لنا استهداف
المدنيين بأي شكل من الأشكال"، رافضاً مزاعم تركيا بأنه ووحدات حماية الشعب
الكردية السورية مسؤولان عن الانفجار، متهماً الحكومة التركية بامتلاك "خطط
غامضة" وبـ"إظهار كوباني كهدف".
وقال المتحدث باسم الجناح السياسي لحزب
العمال الكردستاني زاكروس هيوا في اتصال مع وكالة فرانس برس: "ليس لدينا أي
علاقة بالانفجار الذي وقع في إسطنبول ولسنا مسؤولين عنه. كما نفت قوات سوريا
الديمقراطية (قسد)، المدعومة أميركيًا، وتُعد وحدات حماية الشعب الكردية أبرز
فصائلها، أي علاقة لها بتفجير إسطنبول، وفق ما أعلن قائدها العام مظلوم عبدي.
وكتب عبدي في تغريدة على تويتر:
"إننا نؤكد أن قواتنا ليست لها أي علاقة بتفجير إسطنبول، ونرفض المزاعم التي
تتهم قواتنا بذلك"، مضيفًا: "نعبّر عن خالص تعازينا لأهالي المفقودين
والشعب التركي، ونرجو للجرحى الشفاء العاجل".
من ناحية أخرى، أشار وزير الداخلية
التركي، سليمان صويلو، إلى وقوف الولايات المتحدة الأمريكية وراء الهجوم. حيث تم
تنفيذ الهجوم من قبل حزب العمال الكردستاني وهو حزب يتلقى الدعم من قبل الولايات
المتحدة الأمريكية، حسب أنقرة. وقال صويلو "نرفض تعازي السفارة
الأمريكية". يجب إعادة النظر فيما إن كانت الدولة التي يرسل مجلس الشيوخ
فيها، الأموال إلى كوباني، حليفًا جيدًا. وأصبحت كوباني معروفة على الصعيد الدولي،
عندما دافعت وحدات حماية الشعب عن المدينة ضد داعش. وتشعر تركيا بالإحباط من تعاون الولايات المتحدة الأمريكية مع
الميليشيات الكردية في سوريا في القتال ضد داعش. ودعت الحكومة التركية بشكل متكرر
حليفها الأمريكي في الناتو إلى إنهاء هذه العلاقة دون جدوى.
مسارات عديدة
من المرجح أن يكون للهجوم الذي شهدته
تركيا في قلب إسطنبول النابض بالحركة والحيوية، عواقب على السياسة الداخلية
والخارجية للبلاد. خاصة فيما يتعلق بفرض قيود على حرية الاتصال على المواطنين
الأتراك عشية الانتخابات القادمة؛ حيث يأتي التفجير في إسطنبول قبل سبعة أشهر من
انتخابات رئاسية ستشهدها تركيا في يونيو 2023، وقد فاقم مخاوف المجتمع التركي من
تجدد موجة الهجمات التي شهدتها البلاد بين العامين 2015 و2016.
ويؤشر على ذلك أنه وبحسب استطلاعات
الرأي، لن يكون الأمر سهلًا على الرئيس التركي الحالي، رجب طيب أردوغان. ففي
استطلاع أجراه معهد أبحاث الرأي التركي يونيليم Yöneylem، ذكر أن 58
بالمائة من المشاركين في أي حال من الأحوال لن يصوتوا لأردوغان.
وضمن السياق ذاته، يشهد الرأي العام
التركي أيضًا نقاشًا حول ما إن كان هذا التفجير في شارع الاستقلال سيتم استغلاله
"كذريعة" للعملية العسكرية التركية في سوريا التي طال الحديث عنها. فقبل
بضعة أشهر، كرر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن تركيا "قد تأتي فجأة في
ليلة" إلى سوريا. كما شدد على أن حكومته تريد معالجة مخاوف بلاده الأمنية عبر
عمليات جديدة. وتسيطر الآن ميليشيات مدعومة من تركيا على أجراء من شمال سوريا.
وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فمن
المتوقع أيضًا أن يكون للهجوم الذي وقع تداعيات على الاقتصاد التركي. وبينما يشعر
المواطنون الأتراك بالقلق على سلامتهم، فإن الهجوم قد يمنع أيضًا السياح الأجانب
من السفر إلى تركيا لقضاء إجازاتهم، كما حدث قبل بضع سنوات. ناهيك عن أن تركيا تمر
حاليًا بأزمة اقتصادية. وبحسب الأرقام الرسمية، فإن معدل التضخم السنوي
يتجاوز 85 بالمائة. ووفق مجموعة أبحاث التضخم المستقلة (ENAG) فإن معدل
التضخم يتجاوز 185 بالمائة في الواقع. وقبل شهر كان اليورو الواحد يساوي 18,06
ليرة، واليوم يساوي 19,16 ليرة. إن الانعكاسات اقتصادية السريعة تظهر في على المدى
القريب، مثل انخفاض في سعر الليرة التركية، أو تراجع في أعداد السائحين.