انعكاسات متعددة: روسيا والاتجاه نحو أفريقيا بعد الأزمة الأوكرانية
في 24 يوليو 2022 وصل وزير الخارجية
الروسي سيرغي لافروف إلى العاصمة المصرية القاهرة في مستهل جولة له في قارة
أفريقيا، هي الأولى له منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، ضمن أهداف
روسيا بالسعي إلى الاستفادة من رغبة بعض الدول في الانضمام إلى تحالفات غير غربية
في وقت تقاوم موسكو الانتقادات الدولية في شأن الحرب على أوكرانيا.
ومن المقرر أن يلتقي لافروف أيضًا في القاهرة الأمين العام
لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وممثلي الدول الأعضاء، كما سيلقي كلمة أمام
مجلس الجامعة على مستوى المندوبين. وبعد لقائه أعضاء الجامعة
يتجه لافروف إلى إثيوبيا وأوغندا اللتين توترت علاقاتهما مع الغرب أخيرًا، بالإضافة
إلى جمهورية الكونغو.
وكان لافروف قد سلط الأضواء على دعم الاتحاد السوفيتي السابق
لإنهاء الاستعمار خلال حقبة الحرب الباردة، وسعي موسكو إلى استعادة الروابط
والعلاقات في أفريقيا منذ انهيار الاتحاد، قائلًا إن من المقرر عقد قمة روسية -
أفريقية ثانية العام المقبل؛ حيث وجدت روسيا فرصًا لاستعادة نفوذها في أفريقيا من
خلال تقديم المساعدات الأمنية بشروط أقل من الغرب، وغطاء سياسي من النقد الغربي.
ملفات متعددة
من المقرر أن يناقش لافروف خلال زيارته الأجندة الدولية
والإقليمية والتعاون الثنائي بجانب مناقشة وتعزيز الشراكة بين روسيا والدول
الأفريقية والاستعدادات للقمة الأفريقية الروسية القادمة، خاصة وأن الزيارة وتتزامن
مع حدث مهم طال انتظاره بالنسبة للمنطقة، بعدما تم التوصل إلى "صفقة توريد
المواد الغذائية" في إسطنبول؛ حيث تم التوقيع على وثائق بشأن رفع القيود
المفروضة على توريد المنتجات الغذائية الروسية، وكذلك تعاون روسيا في تصدير الحبوب
الأوكرانية.
من ناحية أخرى، تكمن أهمية هذه الجولة كونها تأتي بعد قمة طهران
التي جمعت بين الرئيس الروسي بوتين والرئيس التركي أردوغان والإيراني إبراهيم
رئيسي, من ناحية , وبعد جولة الرئيس الإمريكي بايدن وقمة جدة للأمن والتنمية التي
زار خلالها إسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية، حيث شارك في قمة تجمع الدول
الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والأردن والعراق.
ويمكن إجمال أهداف الزيارة في مجموعة من النقاط على سبيل المثال
السعي إلى استرداد المكانة – التعاون في إمدادات الحبوب رفض المزاعم بأن موسكو
تسببت في أزمة غذاء عالمية – العمل على بلورة نظام دولي جديد التأكيد وأن هذا
النظام لن ينطوي على إجبار الدول على إلغاء إرادتها وتبني وقيم وأفكار لا تتناسب
معها - توقيع اتفاقيات جديدة، لاسيما مع الدول الأفريقية التي لم تعلن حتى الآن
موافقتها للتبادل التجاري والعسكري اعتمادًا على العملات الوطنية للدول من خلال
تخفيض حصة الدولار واليورو في التجارة المتبادلة.
وتبقى الإشارة إلى أن وزير الخارجية الروسي، أعرب عن تقدير
بلاده موقف الدول الإفريقية المتوازن من الأزمة الأوكرانية. وقال إن الدول التي لم
تخضع للضغوط الخارجية غير المسبوقة، ولم تنضم إلى العقوبات ضد روسيا، تستحق
الاحترام العميق في ظل الامتناع عن
الانضمام إلى الغرب في معاقبة روسيا والمحاولات المكشوفة للولايات المتحدة لفرض
نظام عالمي أحادي القطب على المجتمع الدولي.
سياقات
وتجنبت الدول الأفريقية التي تملك إرثًا متشابكًا من العلاقات
مع كل من الغرب والاتحاد السوفيتي السابق إلى حد بعيد الانحياز إلى أي طرف فيما
يتعلق بالحرب في أوكرانيا، ويستورد كثير منها الحبوب الروسية، وعلى نحو متزايد
الطاقة أيضاً، لكنها تشتري بالمثل الحبوب الأوكرانية وتستفيد من تدفق المساعدات
الغربية والعلاقات التجارية.
على الجانب الآخر، يسعى الغرب أيضًا إلى التودد لأفريقيا، إذ من
المقرر أن يزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الكاميرون وبنين وغينيا بيساو، في
حين أن المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي مايك هامر في طريقه إلى مصر
وإثيوبيا. وهو ما يعني تصاعد التوترات والمنافسة بينهما بما يمكن أن ينعكس على دول
القارة الأفريقية.
توجهات متباينة
تواجه روسيا كثير من التحديات في
تحركاتها الخارجية خاصة وأنها جاءت بعد محاولة الولايات المتحدة استعادة حضورها
وفاعلية دورها في ظل ما تتعرض له من عقوبات اقتصادية وسياسية من جانب الدول
الغربية التي دفعت بها إلى البحث عن طرق للخروج من هذه الأزمة، وقد جاءت الأزمة
الأوكرانية الروسية لتلقي بانعكاسات سلبية على أوضاع الدول الأفريقية خاصة وأن هذه
الدول تعتمد بشكل كبير على واردات القمح والحبوب سواء من
روسيا وأوكرانيا، بيد أن تعطل الإمدادات جراء الحرب أدى إلى تفاقم خطر الجوع في
القارة السمراء.
وهو ما دفع إلى هيمنة على تصريحات لافروف في فكرة تقديم روسيا
كصديق جدير بالاحترام لأفريقيا على عكس القوى الغربية المتعجرفة ذات العقلية
الاستعمارية. ووصف لافروف في تصريح له في إثيوبيا الدول الأفريقية التي تحاول
تقرير مستقبلها وحل مشاكلها بأنها جزء من نزعة لتشكيل عالم متعدد الأقطاب والذي
اتهم الغرب بالوقوف ضده لصالح الهيمنة الأمريكية. وحاولت روسيا طمأنة شركائه من
الدول الأفارقة خاصة بعد الاتفاق على توفير "ممرات آمنة" لصادرات
الحبوب.
وتسعى روسيا لإيجاد موطئ قدم لها في أفريقيا عن طريق إبراز
نفسها كوسيط أمني لمواجهة "الإجماع الغربي" وتصدير نفسها في صورة
"المدافع عن أفريقيا" في هدف يبدو أن الدول الغربية فشلت في تحقيقه
بعدما استطاعت لعب دور في إفريقيا بعيدًا عن أعين الدول الغربية حيث قامت بإبرام
اتفاقيات في مجال الطاقة النووية وتصدير الأسلحة لتصبح روسيا في الوقت الحالي أكبر
مصدر للأسلحة إلى القارة الأفريقية.
في الختام: هناك سعي متبادل من جانب روسيا والدول الغربية
لتعزيز نفوذهم في القارة الأفريقية كانعكاس للتوترات بينهما في الأزمة الأوكرانية ومحاولة
اكتساب دعم هذه الدول في مواجهة بعضهما البعض وهو ما يبرر الاهتمام المتبادل منهما
في الفترة الأخيرة خاصة وأن الدول الأفريقية لم تتخذ مواقف من شأنها دعم أو مواجهة
روسيا أو الغرب وانتهجت الحياد الدبلوماسي باعتبارها من أكثر المناطق تضررًا جراء
الأزمة والاتجاه نحو مواجهة تداعيات الأزمة على شعوبها.