في 16 يوليو 2022 عُقدت قمة جدة للأمن
والتنمية في السعودية؛ حيث اجتمع قادة دول مجلس التعاون لدول
الخليج العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وجمهورية مصر العربية، وجمهورية
العراق، والولايات المتحدة الأمريكية في قمة مشتركة في مدينة جدة بالمملكة العربية
السعودية، وذلك بهدف تأكيد شراكتهم التاريخية، وتعميق تعاونهم المشترك في جميع
المجالات.
ترأس ولي العهد السعودي، الأمير محمد
بن سلمان القمة مؤكدًا بكلمته الافتتاحية على أن "المنطقة والعالم يواجهان
تحديات مصيرية كبرى، تستدعي مواجهتها بتكثيف التعاون المشترك، في إطار مبادئ
وميثاق الأمم المتحدة التي تقوم على احترام سيادة الدول، وقيمها، واحترام
استقلالها وسلامة أراضيها".
وتعد الزيارة التي قام بها الرئيس
الأمريكي جو بايدن أول جولة شرق أوسطية له بعد توليه الرئاسة، والتي سعى خلالها
لطرح رؤية جديدة للدور الأميركي في هذه المنطقة الإستراتيجية التي تعصف بها
الصراعات والغنية بموارد الطاقة.
نتائج متعددة
أكد البيان الختامي الصادر عن قمة جدة
للأمن والتنمية حرصهم على تعزيز الأمن، وتأكيد شراكتهم التاريخية، وتعميق تعاونهم
في جميع المجالات. وأكد قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج
العربية، والأردن، ومصر، والعراق، والولايات المتحدة الأمريكية، في البيان ضرورة
التوصل لحل عادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين. كما وجدد
القادة دعمهم الكامل لسيادة العراق وأمنه واستقراره ونمائه ورفاهه ولجميع جهوده في
مكافحة الإرهاب، وإدانتهم القوية للإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره، وعزمهم على تعزيز
الجهود الإقليمية والدولية الرامية لمكافحته.
ودعا القادة في بيانهم إيران للتعاون
الكامل لإبقاء منطقة الخليج العربي خالية من أسلحة الدمار الشامل وللحفاظ على
الأمن والاستقرار إقليميًا ودوليًا، مؤكدين ضرورة تكثيف الجهود للتوصل لحل سياسي
للأزمة السورية بما يحفظ وحدة البلاد وسيادتها ويلبي تطلعات شعبها. ودعم رؤيتهم
المشتركة لمنطقة يسودها السلام والازدهار، وما يتطلبه ذلك من أهمية اتخاذ جميع
التدابير اللازمة في سبيل حفظ أمن المنطقة واستقرارها، وتطوير سبل التعاون
والتكامل بين دولها، والتصدي المشترك للتحديات التي تواجهها، والالتزام بقواعد حسن
الجوار والاحترام المتبادل واحترام السيادة والسلامة الإقليمية. وجدد الرئيس
بايدن التأكيد على التزام الولايات المتحدة بالعمل من أجل تحقيق السلام العادل
والشامل والدائم في الشرق الأوسط. وتطوير التعاون والتكامل الإقليمي والمشاريع
المشتركة بين دولهم بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة، والتصدي الجماعي لتحديات
المناخ من خلال تسريع الطموحات البيئية، ودعم الابتكار والشراكات، بما فيها
باستخدام نهج الاقتصاد الدائري للكربون وتطوير مصادر متجددة للطاقة.
1. فيما يخص
الحرب في أوكرانيا، يجدد القادة التأكيد على ضرورة احترام مبادئ القانون الدولي،
بما فيها ميثاق الأمم المتحدة، وسيادة الدول وسلامة أراضيها، والالتزام بعدم
استخدام القوة أو التهديد بها. ويحث القادة المجتمع الدولي وجميع الدول على مضاعفة
الجهود الرامية للتوصل إلى حل سلمي، وإنهاء المعاناة الإنسانية، ودعم اللاجئين
والنازحين والمتضررين من الحرب، وتسهيل تصدير الحبوب والمواد الغذائية، ودعم الأمن
الغذائي للدول المتضررة.
2 ـ رحب القادة بتأكيد
الرئيس بايدن على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لشراكاتها الاستراتيجية
الممتدة لعقود في الشرق الأوسط، والتزام الولايات المتحدة الدائم بأمن شركاء
الولايات المتحدة والدفاع عن أراضيهم، وإدراكها للدور المركزي للمنطقة في ربط
المحيطين الهندي والهادئ بأوروبا وأفريقيا والأمريكيتين.
3 ـ أكد القادة رؤيتهم
المشتركة لمنطقة يسودها السلام والازدهار، وما يتطلبه ذلك من أهمية اتخاذ جميع
التدابير اللازمة في سبيل حفظ أمن المنطقة واستقرارها، وتطوير سبل التعاون
والتكامل بين دولها، والتصدي المشترك للتحديات التي تواجهها، والالتزام بقواعد حسن
الجوار والاحترام المتبادل واحترام السيادة والسلامة الإقليمية.
4 ـ جدد الرئيس بايدن
التأكيد على التزام الولايات المتحدة بالعمل من أجل تحقيق السلام العادل والشامل
والدائم في الشرق الأوسط، وأكد القادة ضرورة التوصل لحل عادل للصراع الفلسطيني ـ
الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، مشددين على أهمية المبادرة العربية. وأكد القادة
ضرورة وقف كل الإجراءات الأحادية التي تقوض حل الدولتين، واحترام الوضع التاريخي
القائم في القدس ومقدساتها، وعلى الدور الرئيسي للوصاية الهاشمية في هذا السياق.
كما أكد القادة أهمية دعم الاقتصاد الفلسطيني ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا)، وأشاد الرئيس بايدن بالأدوار المهمة في عملية
السلام للأردن ومصر، ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ودعمها للشعب
الفلسطيني ومؤسساته.
5 ـ جدد القادة عزمهم على
تطوير التعاون والتكامل الإقليمي والمشاريع المشتركة بين دولهم بما يسهم في تحقيق
التنمية المستدامة، والتصدي الجماعي لتحديات المناخ من خلال تسريع الطموحات
البيئية، ودعم الابتكار والشراكات، بما فيها باستخدام نهج الاقتصاد الدائري
للكربون وتطوير مصادر متجددة للطاقة. وأشاد القادة في هذا الإطار باتفاقيات الربط
الكهربائي بين المملكة العربية السعودية والعراق، وبين مجلس التعاون لدول الخليج
العربية والعراق، وبين المملكة العربية السعودية وكل من الأردن ومصر، والربط
الكهربائي بين مصر والأردن والعراق.
6 ـ أشاد القادة بمبادرتي
"السعودية الخضراء" و "الشرق الأوسط الأخضر" اللتين أعلنهما
صاحب السمو الملكي ولي عهد المملكة العربية السعودية. وأعرب القادة عن تطلعهم
للمساهمة الإيجابية الفاعلة من الجميع في سبيل نجاح (مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي
السابع والعشرين) الذي تستضيفه جمهورية مصر العربية، ومؤتمر (الأمم المتحدة للتغير
المناخي الثامن والعشرين) الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة، و (المعرض
الدولي للبستنة 2023) الذي تستضيفه دولة قطر بعنوان "صحراء خضراء، بيئة أفضل
2023 - 2024".
7 ـ أكد القادة على أهمية
تحقيق أمن الطاقة، واستقرار أسواق الطاقة، مع العمل على تعزيز الاستثمار في
التقنيات والمشاريع التي تهدف إلى خفض الانبعاثات وإزالة الكربون بما يتوافق مع
الالتزامات الوطنية. كما نوه القادة بجهود (أوبك +) الهادفة إلى استقرار أسواق
النفط بما يخدم مصالح المستهلكين والمنتجين ويدعم النمو الاقتصادي، وبقرار (أوبك
+) زيادة الإنتاج لشهري يوليو وأغسطس، وأشادوا بالدور القيادي للمملكة العربية
السعودية في تحقيق التوافق بين أعضاء (أوبك +).
8 ـ جدد القادة دعمهم
لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ولهدف منع انتشار الأسلحة النووية في
المنطقة. كما جدد القادة دعوتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية للتعاون الكامل مع
الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع دول المنطقة، لإبقاء منطقة الخليج العربي
خالية من أسلحة الدمار الشامل، وللحفاظ على الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً.
9 ـ جدد القادة إدانتهم
القوية للإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره، وعزمهم على تعزيز الجهود الإقليمية والدولية
الرامية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، ومنع التمويل والتسليح والتجنيد للجماعات
الإرهابية من جميع الأفراد والكيانات، والتصدي لجميع الأنشطة المهددة لأمن المنطقة
واستقرارها.
10 ـ أكد القادة إدانتهم
القوية للهجمات الإرهابية ضد المدنيين والأعيان المدنية ومنشآت الطاقة في المملكة
العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وضد السفن التجارية المبحرة في ممرات
التجارة الدولية الحيوية في مضيق هرمز وباب المندب، وشددوا على ضرورة الالتزام
بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومنها قرار مجلس الأمن 2624.
11 ـ جدد القادة دعمهم الكامل
لسيادة العراق وأمنه واستقراره، ونمائه ورفاهه، ولجميع جهوده في مكافحة الإرهاب.
كما رحب القادة بالدور الإيجابي الذي يقوم به العراق لتسهيل التواصل وبناء الثقة
بين دول المنطقة.
12 ـ رحب القادة بالهدنة في
اليمن، وبتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، معبرين عن أملهم في التوصل إلى حل سياسي
وفقاً لمرجعيات المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني
الشامل، وقرارات مجلس الأمن ومنها قرار مجلس الأمن 2216. ودعا القادة جميع الأطراف
اليمنية إلى اغتنام الفرصة والبدء الفوري في المفاوضات المباشرة برعاية الأمم
المتحدة، كما أكد القادة أهمية استمرار دعم الحاجات الإنسانية والإغاثية والدعم
الاقتصادي والتنموي للشعب اليمني، وضمان وصولها لجميع أنحاء اليمن.
13 ـ أكد القادة ضرورة تكثيف
الجهود للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية، بما يحفظ وحدة سوريا وسيادتها، ويلبي
تطلعات شعبها، بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254، وشدد القادة على أهمية توفير
الدعم اللازم للاجئين السوريين، وللدول التي تستضيفهم، ووصول المساعدات الإنسانية
لجميع مناطق سوريا.
14 ـ عبر القادة عن دعمهم
لسيادة لبنان، وأمنه واستقراره، وجميع الإصلاحات اللازمة لتحقيق تعافيه الاقتصادي.
نوه القادة بانعقاد الانتخابات البرلمانية، بتمكين من الجيش اللبناني وقوى الأمن
الداخلي. وبالنسبة للانتخابات الرئاسية القادمة دعوا جميع الأطراف اللبنانية لاحترام
الدستور والمواعيد الدستورية، وأشاد القادة بجهود أصدقاء وشركاء لبنان في استعادة
وتعزيز الثقة والتعاون بين لبنان ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ودعمهم
لدور الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في حفظ أمن لبنان،
ونوه القادة بشكل خاص بمبادرات دولة الكويت الرامية إلى بناء
العمل المشترك بين لبنان ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبإعلان دولة قطر
الأخير عن دعمها المباشر لمرتبات الجيش اللبناني، وأكدت الولايات المتحدة عزمها
على تطوير برنامج مماثل لدعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.
كما رحب القادة بالدعم الذي قدمته جمهورية العراق للشعب
اللبناني والحكومة اللبنانية في مجالات الطاقة والإغاثة الإنسانية دعا القادة جميع
أصدقاء لبنان للانضمام للجهود الرامية لضمان أمن لبنان واستقراره، وأكد القادة على
أهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك تنفيذ
أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف، من أجل أن تمارس سيادتها
الكاملة فلا يكون هناك أسلحة إلا بموافقة الحكومة اللبنانية، ولا تكون هناك سلطة
سوى سلطتها.
15 ـ جدد القادة دعمهم للجهود
الساعية لحل الأزمة الليبية وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومنها القرارين 2570
و2571، وضرورة عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية جنباً إلى جنب في أقرب وقت، وخروج
جميع المقاتلين الأجانب والمرتزقة دون إبطاء. جدد القادة دعمهم لتوحيد المؤسسات
العسكرية بإشراف الأمم المتحدة.
وعبر القادة عن تقديرهم لاستضافة جمهورية مصر العربية للحوار
الدستوري الليبي بما يدعم العملية السياسية المدعومة من الأمم المتحدة.
16 ـ أكد القادة دعمهم لجهود
تحقيق الاستقرار في السودان، واستكمال وإنجاح المرحلة الانتقالية، وتشجيع التوافق
بين الأطراف السودانية، والحفاظ على تماسك الدولة ومؤسساتها، ومساندة السودان في
مواجهة التحديات الاقتصادية.
17 ـ بالنسبة لسد النهضة
الأثيوبي، عبر القادة عن دعمهم للأمن المائي المصري، ولحل دبلوماسي يحقق مصالح
جميع الأطراف ويسهم في سلام وازدهار المنطقة. وأكد القادة ضرورة التوصل لاتفاق
بشأن ملء وتشغيل السد في أجل زمني معقول كما نص عليه البيان الرئاسي لرئيس مجلس
الأمن الصادر في 15 سبتمبر 2021، ووفقاً للقانون الدولي.
18. فيما يخص أفغانستان أكد القادة على أهمية استمرار وتكثيف
الجهود في سبيل دعم وصول المساعدات الإنسانية لأفغانستان، وللتعامل مع خطر
الإرهابيين المتواجدين في أفغانستان، والسعي لحصول الشعب الأفغاني بجميع أطيافه
على حقوقهم وحرياتهم الأساسية، وخاصة في التعليم والرعاية الصحية وفقاً لأعلى
المعايير الممكنة، وحق العمل خاصةً للنساء، وعبر القادة عن تقديرهم لدور دولة قطر
في مساندة أمن الشعب الأفغاني واستقراره.
سياقات مختلفة
جاءت قمة جدة للأمن والتنمية في لحظة استثنائية من تاريخ العالم
والمنطقة العربية، وعلى الرغم من شمولية الملفات التي تم تناولها خلال القمة وما
تم طرحه من موضوعات تتناول جميع الملفات المثارة على الساحتين الإقليمية والدولية،
إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة الاستمرار في تنفيذ هذه المخرجات على الرغم من
أهميتها في ظل التداخل الكبير بين المتغيرات الداخلية والخارجية ذات الصلة بهذه
الموضوعات والتي تتطلب توافر الإرادة الجماعية لدى الدول لتحقيق ذلك في ظل الهدف
العام لأن تؤسس القمة لعهد جديد من التعاون المشترك لتعميق
الشراكة بين دولنا وأميركا وتعزيز الأمن والتنمية في المنطقة.
كما أنه ليس جديداً أن زيارة الرئيس
بايدن للمنطقة تؤكد عمق العلاقة التاريخية للطرفين، وأنه سيسعى من خلالها إلى
تذويب جدار الجليد السياسي الذي أقامته آخر إدارتين ديمقراطيتين. ومن المُسلم به
أن قائمة المصالح بينهما كبيرة ولا يمكن إلغاؤها أو تجاهلها بسهولة، بعد تراكمها
على مر عقود وتوسعها. لكن الجديد هنا أن مخرجات القمة ستكون نقطة تحول باتجاه
إدارة للعلاقات أكثر برجماتية من الجانبين الأمريكي والخليجي، وأن تُرسخ المصلحة
كأساس للتعامل الثنائي، مع وجود مساحة ومرونة في التحرك الخليجي مع الدول الكبرى
الأخرى، خاصةً أن دول الخليج مهدت الطريق لإحداث نقلة نوعية في علاقاتها الدولية
وسياساتها الخارجية في الإقليم والعالم.
وضمن هذا السياق، بمعنى آخر، فإن
الرئيس بايدن يخطئ لو كان يظن أنه قادم إلى المنطقة ليجتمع بقادة دول الخليج
والمنطقة العربية، فقط ليطرح عليهم مطالب أو ليستعين بتلك الدول في أزمة أوكرانيا
أو تهدئة أسعار النفط أو لإيجاد ترتيبات إقليمية جديدة برعاية أمريكية؛ بل عليه
تحضير نفسه قبل طرح أي من تلك المطالب، لأن يسمع مطالب دول المنطقة، والأهم أن
يكون مُستعداً لتنفيذها بإجراءات عملية وليس بمجرد تصريحات ووعود كلامية.
في الختام: أفرزت القمة مجموعة من
الاتجاهات العامة التي يمكن من خلالها التعامل مع المشكلات الإقليمية والدولية محل
النقاش، والتي يمكن من خلالها بلورة مجموعة من الأدوات على مختلف المستويات
للتعامل مع القضايا المطروحة، ولعل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية يمكن أن
يساهم في تعزيز إمكانية الوصول إلى سياسات من شأنها تنفيذ هذه المخرجات.