المخاطر والفرص .. فيروس كورونا المستجد والنظام الدولي
إن
النظام الدولى يشهد حالة إغلاق تعيشها الدول في مواجهة الجائحة العالمية، ودول العالم
اليوم برغم العولمة باتت قرى مغلقة على نفسها، حتى تلك التى تشترك في تكتلات
إقليمية، مع دول أخرى تحاول الاعتماد على ما لديها من مقومات للصمود في وجه
الفيروس المستجد، وجائحته التى تعد صعبة على كل الدول دون استثناء، وإلى الآن لم
نر تأثير الفيروس على السياسات العالمية، وقليلة هي إلى اليوم مبادرات التكافل بين
الدول، بعدما باتت معظم الدول غنيها وفقيرها بحاجة إلى مساعدات، إلى حد ما. لذا
تمثل "جائحة كورونا" ملامح الأزمة العالمية، ليس فقط لانتشار المرض جغرافيًّا
إلى كل قارات العالم، ولكن أيضًا لأن الإجراءات التي تتخذها الحكومات لمحاولة احتواء
هذه الأزمة أصبحت تمسّ الحياة اليومية للبشر على نطاق واسع، كما أن تداعياتها الاقتصادية،
بحسب مؤسسات دولية، سوف تُلقي بظلالها على كفاءة الاقتصاد العالمي ككل، في ظل حالة
عدم اليقين المحيطة بأزمة فيروس كورونا.
يُمثّل الانتشار الواسع لفيروس كورونا
المستجد "كوفيد-19" أخطر أزمة وبائية غير مسبوقة في العلاقات الدولية في
الألفية الثالثة، بما وُصف بأنه أكبر حالة استنفار طبي في التاريخ على مستوى النظام
الدولى، فمنذ بدايات اكتشافه في مدينة ووهان الصينية أواخر ديسمبر 2019 حتى الآن
في نهايات الربع الأول من 2020، امتد الفيروس من الصين، إلى جميع أنحاء العالم، وقد
تعاملت جميع الدولُ التي امتدّ إليها الفيروس، والدول الأخرى التي تحاول منع
امتداده إليها، مع هذه الأزمة بإجراءات مشابهة، والتي تضمنت غلق الحدود، ووقف
رحلات الطيران، والعزل الصحي، وتعليق الدراسة وإلغاء التجمعات والفعاليات العامة،
وحتى الشعائر الدينية.
مخاطر أزمة فيروس كورونا المستجد على النظام الدولى
مع تزايد انتشار فيروس كورونا عبر
قارات العالم، في الشرق والغرب على حد سواء، وارتفاع نسبة الإصابات والوفيات به في
الدول المتأثرة وعددها 222 دولة، (والتى بلغت حتى كتابة هذه الورقة بحسب بيانات
منظمة الصحة العالمية ما يقارب عدد المصابون 721238، وحالات التعافى 158772،
وحالات الوفاة 33981 يتركز غالبيتهم في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى) في ظل
غياب لقاح أو برتوكول دواء له، مما انعكس تداعياته على الاستقرار والاقتصاد
العالمي الذي يتحمل أعباء متزايدة قد يحتاج إلى سنوات لتعويضها، ناهيك عن تكلفة هذه
الأزمة على المستوى الأهم والأكثر تكلفة، وهو المستوى الإنساني والخسائر البشرية يومًا
بعد يوم.
تُظهر أزمة فيروس كورونا ملمحًا
جديدًا للأزمات العالمية، وهو تصاعد أهمية البعد المجتمعي وتأثيره على إدارة
الأزمات، ولا سيما من خلال منصات التواصل الاجتماعي الإلكترونية، فقد كان
"المجتمع" طرفًا أساسيًّا في الأزمة منذ اندلاعها، وذلك نتيجة للانتشار
الواسع للمعلومات على الشبكة الإلكترونية، فلم تكن الحكومة الصينية أول مصدر
للمعلومات عن الأزمة، بل بدأ تسرب المعلومات من خلال ما نشره بعض الأطباء في مدينة
ووهان (مصدر الفيروس) على المنصات الإلكترونية، ورغم أن السلطات حاولت السيطرة على
الخطاب المتعلق بالأزمة، وقمع وتهديد من نشروا معلومات عن انتشار الفيروس؛ فإن
التسريبات توالت، ووصلت المعلومات أيضًا إلى المجتمع الدولي خارج الصين، ووجدت
الحكومة الصينية نفسها تحت ضغط داخلي وخارجي للإفصاح عن المعلومات المتعلقة
بالأزمة.
كما نجد أن الرئيس الأمريكي
دونالد ترامب يعارض مفهوم العالمية ويدعو إلى فكرة "الحدود الفاصلة" بين
الدول وقدر أكبر من السياسات الحمائية، وسياسة "أمريكا أولا"، يرتبط ذلك
بأن انتشار الفيروس بهذا النطاق هو نتيجة للانفتاح العالمي بين الدول، وقد يستغل
ترامب انتشار الفيروس لدعم فكرته بخطاب مواجهة "العالمية" والسعي نحو
إعادة هيكلة النظام الدولى، وذلك خاصة في ظل حالة عدم اليقين والتساؤل بشأن الثقة
الدولية في تعامل النظام الدولي مع هذا المهدد البيولوجي والتأثير على نظام
الاعتماد المتبادل والحوكمة العالمية.
مواجهة كورونا وفرص التعاون الدولى
إن مواجهة الأوبئة والأمراض من
أولى المحركات لنشأة التنظيم الدولى متعدد الأطراف الحديث وهو التعبير عن التعاون
الدولى، ففى 1851 انعقد مؤتمر للدول الأوروبية للتباحث فى التصدى للكوليرا
والطاعون والحمى الصفراء، وبدأت نشأة أنظمة الصحة العامة الحديثة فى العشرينيات من
القرن الماضى فى البلدان الأكثر تقدما ثم انتقلت، مع تجاربها، إلى البلدان الأخرى،
هذا أيضا مثال على التعاون الدولى الطبى يتمثل فى منظمة الصحة العالمية التى ترصد
وتنصح وتوجه وتضع المعايير تجسيد للتعاون الدولى، والمهم أنها نصائح وتوجيهات
ومعايير تقبلها الدول، كما أن غريزة البقاء تحمل البشر على التعاون، ولكن لا يمكن
أن يكون هدف الإنسان مجرد البقاء، لعل تهديد فيروس كورونا يحث البشر على ترسيخ
التعاون بينهم فى المجالات الأخرى للنظام الدولى، بل ويضطرهم إلى ذلك، هكذا فأن
التعاون الدولى سوف يكون ضروريا لإعادة تنشيط الاقتصاد العالمى.
وعلى النقيض من المتوقع، فقد أدّى
الفيروس إلى إنعاش العديد من القطاعات الأخرى، مثل المنتجات التي يتم بيعها عبر الإنترنت،
وبصفة عامة فإن زيادة حجم المبيعات عبر الإنترنت، وسماح العديد من الشركات
للمواطنين بالعمل من المنزل، سوف يؤدي إلى إيجاد أنماط جديدة من الاستهلاك، وأشكال
جديدة من التفاعلات في بيئة العمل داخل المجتمع الدولى.
ملاحظات ختامية
إن انتشار مثل هذه الفيروسات
وتحولها إلى أوبئة على هذا النحو، هو شيء ليس بالغريب أو الاستثنائي في عصر
العولمة، فمنظّمة الصحة العالمية تستقبل سنويًّا الآلاف من البلاغات المبكرة عن
أوبئة متفشية حول العالم، كما أن الاقتصاد العالمي يتحمل تكلفة سنوية تتراوح بين
500 مليار دولار و570 مليار دولار بسبب الأوبئة، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي
والمنتدى الاقتصادي العالمي، وهي القيمة التي تُمثّل نحو 0.7% من الناتج المحلي
الإجمالي العالمي، كما أنها تعادل التكلفة التي يتحملها العالم بسبب أزمة التغير
المناخي كل عام، ومن ثمّ فأن وباء كورونا المستجد ليس إلا وباءً جديدًا يُضاف إلى
سجل الأوبئة العالمية لدى منظمة الصحة العالمية، ويُرجّح أن تنحسر مخاطره على
الاقتصاد العالمي قريبًا، ويمكن ذكر عدة ملاحظات ختامية على النحو التالى:
1. تقول الصين إنها تمكنت من مواجهة الجائحة والتغلب
عليها، غير أن انعدام الشفافية لدى الحكومة المركزية في الصين، يثير شكوكاً حول
حقيقة الإعلانات المتتالية عن تراجع الإصابات، وما إذا كانت فعلية أو محاولة
لإنقاذ البلاد من الانهيار، الأمر الذي يبقي على حالة التشكيك من الدول الغربية
بالإجراءات الصينية.
2. أظهرت جائحة كورونا هشاشة الديموقراطيات الغربية
الليبرالية وضعفها الهيكلي في ظل انتشار التيارات والشعبوية، من حيث ضعف اتخاذ تدابير
لمواجهة انتشار الفيروس تحفظ صحة وسلامة أعداد كبيرة من البشر.
3. من جانب آخر، لم تكن الفحوصات المعملية اللازمة
لاكتشاف الإصابة بالفيروس متاحةً على نطاق واسع في وقت مبكر من اندلاع الأزمة، وعدم
توفر استعدادات طبية مناسبة، مما أعاق القدرة على تحديد درجة انتشاره، ومنع
المصابين به من التحرك ونشره على نطاق أوسع.
4. قد تضافرت حالة عدم اليقين، إضافةً إلى شيوع عدم
الثقة في تعامل الحكومات مع الأزمة بما قد يكون له تداعياته على النظم السياسية؛
في خلق حالة من القلق الشديد، أو حتى الفزع، على مستوى الرأي العام عالميًّا، وقد
ساهم في انتشارها كم كبير من المعلومات المغلوطة، والأخبار الزائفة، ونظريات
المؤامرة، والتوجهات العنصرية التي تم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي.
5. مع استبعاد أن تكون أزمة فيروس كورونا سببًا في
تغييرات جذرية بالنظام الدولي الراهن؛ فإن في هذه الحالة، يتحدث الخبراء عن انقسام
النظام العالمي إلى "مجالات نفوذ اقتصادي" في ظل السيطرة على الموارد
الطبيعية واقتصاديات المعرفة والتكنولوجيا، يهيمن على كل منها إحدى القوى الكبرى،
وتتميز بكثافة العلاقات الاقتصادية والتجارية بداخلها، بينما تسود بينها علاقات
قائمة على عدم الثقة والتنافس، وهو ما يشكل نهاية المرحلة الحالية من العولمة.
هوامش البحث
1. راغده درغام، تداعيات فيروس كورونا الجغرافية –
السياسية، في: https://elaph.com/Web/opinion/2020/03/1285398.html
2. ميشيل باشليه، وفيليبو غراندي، فيروس كورونا هو اختبار
لأنظمتنا وقيمنا وإنسانيتنا، جريدة القدس، 12/3/ 2020، في:
http://www.alquds.com/articles/1584532248062263800/
3.
شرين الخطيب: هل تعيد حرب
الفايروس تشكيل النظام الدولي؟، المكتب الإعلامى للأمم المتحدة، 20/3/2020.
4. إبراهيم عوض: كورونا والنظام الدولى، 7/3/2020، في: https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=07032020&id=5f8e7b65-4dc2-4f70-b0eb-effa003c92fe