المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

من التقلب إلى الثبات: الخرائط التصويتية المحتملة للاستفتاء على الدستور

الثلاثاء 31/ديسمبر/2013 - 12:12 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
بقلم: د. يسري العزباوي
مع التصويت النهائي من قبل لجنة الخمسين على التعديلات الدستورية، تبلورت بشكل واضح مواقف الأحزاب والتيارات المدنية والنشطاء السياسيين والإعلاميين من الوثيقة الدستورية الجديدة، وعلى الرغم من تحفظات بعض القوى السياسية والمجتمعية مثل العمال والفلاحين والأقباط وبعض الهيئات القضائية على التعديلات، إلا أن كل التوقعات تقول إن نتيجة الاستفتاء على الدستور سوف تأتي بالإيجاب بغض النظر عن نسبة من أدلوا بأصواتهم.
واللافت للنظر هو تغيير المشهد السياسي برمته، وتبدل المواقف والأدوار بين القوى السياسية والحزبية، فمن كان في السلطة بالأمس القريب، وكان يدعو للحشد بـ(نعم) على دستور 2012، هو من يقف الآن ضد الذهاب من الأساس إلى العملية التصويتية على التعديلات الدستورية، ومن كان يدعو للمقاطعة أو التصويت بـ(لا) هو من يدعو للتصويت بالإيجاب على الدستور.
وفي ظل التحول والتغيير في المواقف، فإن الخريطة التصويتية للاستفتاء على الدستور ستكون مغايرة هذه المرة، وسوف تتغير تلك "الفرضية" التي رسخت نتيجة الاستفتاءات والانتخابات بعد ثورة 25 يناير القائلة بأن سكان المدن والمناطق التي تقل فيها التوترات الطائفية، وأبناء الطبقة الوسطى، والأكثر دخلًا وتعليما هم أكثر ميلا للتصويت لصالح التيارات المدنية على حساب التيار الإسلامي، فيما يتزايد نفوذ التيار الإسلامي في الريف الفقير، وبين أبناء الطبقة الأكثر فقرًا، والشرائح الأقل تعليمًا، وسكان المناطق التي تتزايد فيها حدة التوترات الطائفية؛ حيث قلبت الموجة الثانية للثورة في 30 يونيو وبيان 3 يوليو الموازين والمواقف، مع الأخذ في الاعتبار أن البيئة السياسية، وخطاب النخب، والقضايا الرئيسة للناخب في لحظة الانتخابات تؤثر هي الأخرى على السلوك التصويتي.
محددات العملية التصويتية
لا شك في أن هناك مجموعة من المحددات والاعتبارات الحاكمة للـ( موافقة / أو رفض) الوثيقة الدستورية الجديدة، منها ما يلي:
1- الموقف من 30 يونيو وخارطة 3 يوليو: فلا شك أن القوى التي قامت وشاركت بالموجة الثانية للثورة، وباركت خارطة المستقبل، سوف تحشد للتصويت بنعم، والعكس تمامًا؛ حيث ما زالت تعمل القوى التي كانت تتولى السلطة قبل 30 يونيو على إفشال الذهاب إلى صناديق الاقتراع بأي حال من الأحوال؛ لأنها تعلم أن الذهاب إلى صناديق الاقتراع والموافقة على الدستور هو نهاية حلمها بالعودة مرة ثانية إلى السلطة.
2- استمرار حالة التوافق التي سادت عملية التصويت من قبل لجنة الخمسين، والسؤال هل نتيجة التصويت داخل لجنة الخمسين ستكون مؤشرًا على التصويت الجمعي للمصريين؟ الإجابة بالقطع "لا"، فحالة التوافق داخل اللجنة هي حالة "استثنائية" أو بالأحرى "مؤقتة"، والدليل على ذلك أنه لو تم إجراء تصويت على نفس الوثيقة بعد فترة شهر بين أعضاء لجنة الخمسين، ستأتي نسب الموافقة على بعض المواد مغايرة عن تلك التي جرت هذا الأسبوع، وهذا سرعان ما حدث بالفعل؛ حيث نشبت خلافات بين أعضاء اللجنة، ووجِّهَت بعض الاتهامات إلى رئيس اللجنة بأنه قام بتغيير بعض الألفاظ داخل المسودة.
ومفاد ما سبق أن الوثيقة الدستورية هي نتاج جهد بشري بالأساس، ربما لا تحظى بحالة إجماع بين عموم المصريين، وهذا بالتأكيد الطبيعي في مثل هذه الظروف الاستثنائية، ولكن على الأقل ستكون هناك أغلبية موافقة عليها.
ربما يكون في الوثيقة- من وجهة نظر البعض- بعض المواد التي ليس لها أية أهمية لكي يتم وضعها في دستور البلاد، وأنه كان يجب ترك بعض التفاصيل التي وردت به للقانون لكي يحددها، وأن مواد الدستور يمكن تصفيتها جميعا في عدد محدود من المواد، كل هذا وارد، ولكن الأهم الآن هو التقدم خطوة للمستقبل، وتنفيذ خارطة المستقبل، وتسليم البلاد لرئيس مدني منتخب.
3- قدرة الحكومة واللجنة على تسويق الوثيقة الدستورية، والمقصود بالتسويق لا يعني حملات إعلانية فقط، ولكن شرح مواد الدستور بكل شفافية وموضعية، وإبراز الإيجابيات والسلبيات، من خلال حملات شعبية واسعة النطاق، تقوم بها الحركات الشبابية التي شاركت- أو لم تشارك- في وضع الدستور، وأعضاء لجنة الخمسين، وللجنة العليا للانتخابية.
4- قدرة مؤسسة الرئاسة على إحداث حالة توافق عامة بين الأحزاب والقوى السياسية المختلفة حول مجموعة القضايا الخلافية التي لم تستطع اللجنة حسمها مثل النظام الانتخابي والمحاكمات العسكرية، ووضع العمال والفلاحين، ومسألة التمييز الإيجابي للمرأة والأقباط.
5- الموقف الدولي، والذى يتمثل في مجمله بضرورة الالتزام بخارطة 3 يوليو، والإشراف على الاستحقاقات الدستورية الانتخابية، وبناء عليه، فإن إنجاز خريطة المستقبل سوف يؤدي إلى تغيير في موقف الدول الرافضة لثورة 30 يونيو، بما فيهم تركيا وقطر، وذلك لأن الشعب المصري سيكون قد قال كلمته النهائية، ولن يوجد أي مبرر مطلقًا من قبل هذه الدول في مقاطعة الرئيس الجديد المنتخب.
الخرائط التصويتية الجديدة
تنقسم الخرائط التصويتية المحتملة للاستفتاء على الدستور بين ثلاث تيارات رئيسية، وهي تلك القوى الداعمة أو الرافضة لثورة 30 يونيو، بالإضافة إلى الكتلة الصامتة التي لم تتحرك حتى الآن، على الرغم من محاولات استفزازها أو تحريكها من قبل الكثيرين.
1-القوى الرافضة للدستور
وإن لم تحدد موقفها من الذهاب إلى صناديق الاقتراع من عدمه، إلا أنه يأتي على رأسها جماعة الإخوان، وقوى الإسلام السياسي المتحالفة معها "تحالف دعم الشرعية"، إضافة إلى بعض أنصار التيار السلفي.
وفي هذا الإطار، وبعد الفشل المنقطع النظير من جماعة الإخوان، والتيارات ذات المرجعية الدينية المتحالفة معها، ليس فقط أثناء توليها السلطة، ولكن في مرحلة ما بعد السلطة وفض اعتصامي رابعة والنهضة، وقيامها بالاستقواء بالخارج، ومحاولة تركيع الدولة المصرية، وممارسة العقاب الجماعي للمصريين، والمشاركة أو على الأقل الضلوع في سيناريو "الاغتيالات السياسية"، فإن شعبية الجماعة والمؤيدين لها في انخفاض شديد، وبحسب المشهد السكاني والانتماء السياسي فيما بعد 30 يونيو فإن تيار الإسلام السياسي- بشقيه الإخواني والسلفي- لديه جمهور تصويتي محتمل بنحو 20 إلى 25% من الناخبين، وهم إجمالي سكان الريف الفقير، والمحافظات الحدودية، ومناطق التوتر الطائفي في الصعيد.
وفى المجمل، تسود هذه القوى حالة من الارتباك حول سبل التعامل مع الاستفتاء- إعلان مقاطعته للاستفتاء‏ أو التصويت بـ لا- إلا أن المؤكد بأنها سوف تدعو عناصرها سرا إلى الذهاب للجان والتصويت بـلا، حتى لا تؤدي عملية المقاطعة إلى ارتفاع نسبة المؤيدين للدستور في الاستفتاء، خاصة مع إجماع باقي القوى السياسية على المشاركة والتصويت بـنعم.
2- القوى الداعمة للدستور
نظريًّا، تضم أغلب القوى التي أيدت وشاركت في 30 يونيو (حركة تمرد، وجبهة الإنقاذ، وتيار الاستقلال، وحزب النور والطرق الصوفية، وغيرها من الحركات والأحزاب ورجال الأعمال)، ويكمن أنصار هذه القوى في الكتل السكانية التي يتوفر لها قدر أعلى من التعليم، حيث تبتعد في تصويتها عن الاتجاهات المحافظة، وتقدر هذه الكتلة التصويتية بـ 30 أو 35%، وتتمثل في سكان الحضر، والريف الغني، وأبناء الطبقة الوسطى.
وفى الواقع، فإن موافقة مجلس شورى الدعوة السلفية العام على المشاركة في الاستفتاء بنسبة "98%" من أعضائها، وموافق أعضائه على التصويت بنعم على الدستور بنسبة 82% من الأعضاء مع الحشد للتصويت بنعم، سوف يساعد على ارتفاع نسبة الموافقة على الدستور بنسبة تفوق تلك التي جاءت في عهد الإخوان.
3- القوى المرجحة
وفي مقابل الكتلتين السابقتين توجد "الكتلة الحاسمة" أو "الحرجة" أو "المرجحة"، والتي تتراوح ما بين 30 إلى 40%، وهي تضم أيضًا أبناء الريف، وسكان الحضر، وأبناء الطبقة الوسطى، إضافة إلى ما يعرف إعلاميًّا باسم "حزب الكنبة"، والذي تحرك بقوة في 30 يونيو، وتكمن المشكلة الأساسية في الكتلة الحرجة بأنها تميل إلى السلبية، ولا تتحرك إلا حينما تشعر بالخطر على مصالحها وعلى الدولة المصرية؛ حيث تتميز بقدرة كبيرة على التكيف مع أية ظروف اقتصادية واجتماعية جديدة، وبالتالي فهي بحاجة إلى جهد كبير لدفعها إلى صناديق الاقتراع.
وهنا يمكن القول بأن النخبة الإعلامية سوف تلعب دورًا بارزًا في تحريك هذه الكتلة، والحشد للإجابة بنعم على الدستور، كما سيصوت أبناء المؤسسة العسكرية وأسرهم- الذين خرجوا من أداء الخدمة- لصالح الدستور.
وفي النهاية، لا بد أن يتذكر الجميع بأن عدد الذين ذهبوا للاستفتاء على دستور 2012 بلغ نحو 17 مليونًا من جملة 51 مليونًا لهم حق الاقتراع، منهم 63% قالوا "نعم" ونحو 38% قالوا "لا"، وبالتالي فإنه يجب ألا يقل عدد الذين سيذهبون إلى صناديق الاقتراع على التعديلات الدستورية عن 25 مليونًا، وحتى نستطيع القول بأن ثورة 25 يناير بموجاتها المختلفة أثرت في المواطن يجب على الأقل أن يذهب نصف من لهم حق التصويت إلى الاستفتاء على الدستور؛ لأنه لا يعقل بأن تقوم ثورتان في أقل من ثلاث سنوات وتأتي نسبة المشاركة العامة أقل من 50% من المواطنين، وما أقصده هنا متى سيتحرك المواطن المصري لحسم مصيره والمشاركة في صنع غد أفضل؟

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟