أزمة القيادة.. هل تكون الأخيرة داخل حزب النور؟
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 11:53 ص
د. يسري العزباوي
كشف الدكتور يسري حماد، المتحدث الرسمي لحزب النور، مؤخرًا، عن أن الدكتور عماد عبدالغفور، أعلن رسميًّا استقالته من رئاسة الحزب؛ نظرًا لما وصفه بـ “,”تدخلات بعض من أعضاء الجبهة السلفية في الحزب بشكل غريب“,”. وأكد حماد بأنه سيتم تشكيل حزب جديد باسم “,”الصحوة“,” أو “,”الوطن“,”، وسط توقعات بأن يتحالف الحزب الجديد مع الحزب الذي يقوم الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل بتأسيسه حاليًّا.
في الواقع ليست هذه الأزمة الأولى التي يمر بها حزب النور؛ حيث تفجرت الأزمة بداخله في شهر أكتوبر الماضي، والتي كانت تعد أول اختبار حقيقي لحزب النور، بعد صراع دام أكثر من شهر، حيث انتهت بإقرار هيئ ته العليا باستمرار الدكتور عماد عبد الغفور رئيس ً ا له حتى الانتهاء من الانتخابات البرلمانية القادمة، وتعي ي ن مصطفى خليفة نائبًا لرئيس الحزب، مع استكمال الانتخابات الداخلية بالحزب في جميع المحافظات، وهو ما لم يحدث، فسرعان ما تفجرت الأزمة من جديد. فهل ستكون هذه الأزمة هي الثانية والأخيرة داخل الحزب؟ أم ستصبح الأزمات مشهدًا دائمًا في حزب النور؟
للإجابة عن هذا السؤال، سوف نتناول كيف تفجرت الأزمة الأولى، والصراع بين الدعوي والسياسي في خطاب الحزب، وعضوية الحزب في المجالس المنتخبة، ومستقبل الحزب، الذي يعتبره البعض رمانة الميزان في الحياة السياسية والحزبية المصرية.
· أسباب أزمة الحزب:
تفجرت الأزمة الداخلية الأخيرة في حزب النور بسبب قرار الدكتور عماد عبد الغفور، رئيس حزب النور، بإيقاف وتأجيل الانتخابات الداخلية للحزب والتحقيق في الشكاوى التي وردت من جميع المحافظات بشأن شفافية الانتخابات، وإحالة لجنة شئون العضوية وملف الانتخابات إلى التحقيق من مجلس الشيوخ، وتعميم ذلك على أمانات الحزب في المحافظات. وزادت حدة الخلافات داخل الحزب بشكل كاد يهدد وجوده؛ حيث انقسم الحزب لفريقين، كل منهما يدعي الشرعية، ويصدر قرارات بفصل خصومه، فالهيئة العليا الأولى التي قادها أشرف ثابت، وكيل مجلس الشعب السابق، أصدرت عدة قرارات تشمل إقالة الدكتور عماد عبد الغفور من منصبه، وتعيين مصطفى خليفة رئيسًا جديدًا للحزب لحين انعقاد الجمعية العمومية للحزب، وهو ما رد عليه الدكتور عماد عبد الغفور بسلسلة من القرارات، هي فصل عدد من قيادات الهيئة العليا، وظهرت للمرة الأولى “,”هيئتان علييان“,” للحزب، أصدرت كل منهما قرارات بفصل الخصوم. علاوة على ذلك المخالفات السياسية، وما ثبت من قيام بعض قيادات حزب النور والدعوة السلفية بإجراء اتصالات مع الفريق أحمد شفيق قبل جولة الإعادة من انتخابات الرئاسة 2012، في تعارض واضح مع قرار الحزب بدعم الدكتور محمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة والتيار الإسلامي في عمومه في هذه الجولة.
وجاء الاتفاق على حل الأزمة ب عد قيام قيادات الدعوة السلفية بالوساطة لإنهاء الأزمة ؛ حيث عقدت عدة لقاءات مع الأطراف المختلفة، والتوصل إلى ما يلي:
· الأول: الاتفاق على أن رئيس حزب النور هو الدكتور عماد عبد الغفور، وأن سيد مصطفى خليفة هو نائب رئيس الحزب.
· والثاني: عقد الجمعية العمومية برئاسة طارق الدسوقي رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات.
· و الثالث: تعهد الدكتور عماد عبد الغفور ب سحب قراراته الخاصة بتغيير الهيئة العليا ، وقرار تغ ي ير مجلس الشيوخ، وقرار إلغاء الانتخابات ، وقرار حل لجنة شئون العضوية وتعيين آخرين ، وقرار توسيع الهيئة العليا ، وتنازل سيد مصطفى عن رئاسة الحزب؛ وذلك بعد رجوعه للهيئة العليا، التي أُقرت برئاسة عماد عبد الغفور.
والرابع: استمرار الهيئة العليا المصغرة كما هي، علمًا بأن الهيئة العليا الموسعة تضم أعضاء الهيئة المصغرة بالإضافة إلى أمناء المحافظات.
§ المنطلقات الفقهية والسياسية:
جاء الصعود السياسي للتيار السلفي في مصر بعد ثورة 25 يناير مفاجأة للكثيرين، وأحدث صدمة امتزجت بحال من التوجس والخوف. ويتمثل سبب الصدمة في الصورة المخيفة التي ظهر أو أُريد أن يظهر بها التيار السلفي، الذي طالما ابتعد عن الانشغال بالسياسة، واتخذ منحى انعزاليًّا عن قضايا المجتمع السياسية، بل إن بعض فصائل ذلك التيار كانت تنادي بطاعة الحاكم، وإن كان فاسقًا.
وقد ظل السلفيون بعيدين أشد البعد عن العمل السياسي، بحكم أنهم يستندون في هذا السياق إلى رؤية تختلف عن رؤية جماعة الإخوان، فهم لا يمانعون في السمع والطاعة للحاكم حتى ولو كان ظالمًا، ويحرّمون الخروج عليه أو الانتفاض ضده؛ من منطلق أن الخروج عليه قد يؤدي إلى فتنة أكبر من فتنة ظلمه، وهي فتنة المقتلة العظيمة وسط المنتفضين؛ لذلك فهم يدعون إلى الصبر على الحاكم ولو نهب الأموال؛ لأن الخروج عليه يمكن أن يؤدي إلى ضرب وقتل ونهب أكبر.
وعلى الرغم من الصعود السلفي اللافت بعد الثورة، فقد ظلت خريطة التيارات السلفية تتسم ب ال تعقد والتداخل، إلى الحد الذي بات معه من الصعوبة بمكان الإحاطة الدقيقة بمكونات الخريطة السلفية في الساحة المصرية، والوقوف على أفكارها ورموزها واتجاهاتها. ومن أهم ملامح تعقد الخريطة السلفية في مصر أنه يوجد نوعان من التيار السلفي، هما:
أولاً: السلفية التقليدية: ويقصد بها ذلك المنهج الذي يركز على “,”التصفية والتربية“,”، وهي تضم ثلاثة أشكال من السلفية، هي : الدعوة السلفية، والسلفية الحركية، والسلفيون المستقلون.
ثانيًا: سلفية المنهج : وتتمثل في عدد من التيارات الإسلامية التي تعد سلفية المنهج والاعتقاد، وليست العمل والتنظيم، حيث لها طريقة عملها الخاص وأسلوبها الدعوي المستقل. ومن أهمها جماعة أنصار السنة المحمدية، الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة.
وفيما يلي نرصد عددًا من المنطلقات الفقهية والسياسية لحزب النور ، التي جرى إنتاجها وتكييفها بسرعة مجاراة للواقع السياسي المتغير بعد ثورة 25 يناير، وهو جزء تكمن فيه بعض أبعاد أزمة الحزب الحقيقية ، وسوف نرصد رؤى الحزب بخصوص أربع قضايا على نحو خاص، هي: المشاركة السياسية، الديمقراطية، تطبيق الشريعة، و المرأة والأقباط.
1. الموقف من المشاركة السياسية: ما إن وقعت أحداث ثورة الـ25 من يناير، بما أوجدته من متغيرات جذرية داخل مصر، حتى وجد السلفيون أن الظروف باتت مهيئة إلى حد يسمح لهم بمساحة لا بأس بها من المشاركة الإيجابية، ومن ثم جاء إعلانهم رسميًّا المشاركة السياسية، حسبما جاء في بيان مقتضب من جماعة “,”الدعوة السلفية بالإسكندرية“,” بتاريخ 22 مارس2011 على لسان المتحدث الرسمي باسم مجلس إدارة الدعوة السلفية الشيخ علي حاتم. ويرى السلفيون في العمل السياسي “,”وسيلة مِن وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر“,”، وأن الهدف والغاية هي تعبيد الناس لرب الناس.
ورأت “,”الدعوة السلفية“,” -بالرغم من إعلان مشاركتها السياسية- أهمية في الحفاظ على بقائها جماعة “,”دعوية“,”؛ تقديرًا وحفاظًا على رؤيتها لدور الدعوة المتمثل في: “,”حراسة الدين“,”، و“,”السعي إلى إقامته“,”. وحفاظًا على هذا الدور رأى السلفيون أنه لا ينبغي لهم الانشغال بتشكيل الأحزاب أو الانخراط بأنفسهم في سراديب العمل السياسي، إذ جاء في البيان الأول لـ “,”مجلس شورى العلماء“,” بتاريخ 10 /3 /2011: “,”نفضل للعلماء والدعاة أن لا يترشحوا بأنفسهم؛ حتى لا ينشغلوا عن الدعوة إلى الله، وإنما يقدمون من يتبنى قضايا الإسلام ومصلحة الأمة“,”. وقد استعاضت الدعوة السلفية عن المشاركة بالاكتفاء بأن تؤيد “,”من تراه صالحًا“,” من القوى الإسلامية التي ستنخرط بنفسها في العملية السياسية“,”. ويقول عبد المنعم الشحات، وقد صار بعد الثورة المتحدث الرسمي للدعوة السلفية: “,”نحن نختار أن نظل دعوة، وإن كنا سنشارك في العمل السياسي باختيار الأصلح مِن الأحزاب السلفية -إن نجح تكوينها- وكذا الأصلح مِن أفراد أحزاب ذات مرجعية إسلامية أخرى: كالإخوان، وكذا مِن المستقلين الصالحين“,”.
وبدأت المشاركة السياسية الفعلية للتيار السلفي، عقب الثورة، بحشد الشارع المصري للتصويت بـ“,”نعم“,” على التعديلات الدستورية مارس 2011، حيث دخلت التيارات السلفية في سباق محموم ضد القوى السياسية الأخرى الموجودة في البلاد، والتي ترغب في التصويت بـ“,”لا“,”. ومن اللافت للنظر في توجه التيار السلفي نحو المشاركة السياسية سرعة التحول الفكري للتيار السلفي نحو العمل السياسي. غير أن التيار السلفي استطاع أن يقوم بهذا التحول الخاص بالمشاركة السياسية في وقت قصير للغاية لا يتجاوز بضعة أشهر. والأغرب من ذلك أن التيار السلفي أخذ يقترب من قضايا كان لا يمكن أن يقترب منها أو يناقشها من قبل، نظرًا لتصادمها مع الفكر السلفي ومعتقداته، مثل قضية المواطنة، وحقوق الأقباط، وسيادة القانون، والدولة المدنية، وتجديد الخطاب الديني... الخ.
2. الموقف من الديمقراطية: اتخذت السلفية موقفًا معاديًا على طول الخط من النظريات السياسية والفكرية الغربية، فانتقدت هذه النظريات، وهاجمت الداعين إلى تطبيقها في العالم الإسلامي؛ معتبرة أنها مصطلحات وافدة، تصطدم في الكثير من الأحيان بالسنن الشرعية والكونية، فلا يصح أخذها على عواهنها، ولا اعتمادها مقياسًا وبديلاً عن شرع الله، ولا ترديدها والترويج لها؛ لما تنطوي عليه من مخالفات شرعية.
وقد أصل السلفيون كتابات شرعية لإظهار أوجه تناقض النظريات الفكرية الغربية مع أحكام الإسلام، ومن أوائل هذه النظريات “,”العلمانية“,”، كنظرية قامت على عزل الدين عن الحياة. وتجهر السلفية برفض “,”الديمقراطية“,” كنظرية سياسية للحكم رفضًا تامًّا، إلى جانب رفض قيمها كـ“,”الأغلبية“,”، و“,”حكم الشعب“,”، وغيرها؛ لتناقض هذه المبادئ مع أحكام الإسلام التي لا يمكن في ظلها الفصل بين الدين والدولة، على عكس الديمقراطية التي لا تراعي الشروط الإسلامية فيمن يحكم أو يشرع القوانين، فقد تأتي بكافر أو امرأة لحكم الدولة الإسلامية، و“,”ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة“,”، أو تأتي بمن يجهر بعداء الدين. وهنا يتساءل الشيخ سعيد عبد العظيم، نائب رئيس الدعوة السلفية: “,”ما قيمة صندوق انتخابات يأتينا بيهودي؟“,”، و“,”ماذا نصنع إن أتى على رأس السلطة كافر؟ والإسلام يعلو ولا يُعلى عليه“,”، مشيرًا إلى أن رأي الأكثرية الانتخابية هنا لا قيمة له إن كان سيخالف ما نص عليه الإسلام، فـ“,”الأكثرية“,” -وهي محور النظام الديمقراطي- “,”لا يجوز أن تغير شرع الله“,”.
ويتجلى موقف التيار السلفي من الانتخابات في مقال منشور بمجلة التوحيد بعنوان “,”أنصار السنة والانتخابات“,”، جاء فيه: إقامة الأحزاب حرام بصريح القرآن !! ويقول الشيخ محمد إسماعيل المقدم ، من مؤسسي الدعوة السلفية بالإسكندرية، في محاضرة “,”حقيقة التغيير“,”، نوفمبر 2010: “,”معظم العلماء السلفيين يرفضون الدخول في لعبة الديمقراطية والبرلمانات، فالديمقراطية سراب“,”. وبذلك يحرم الشيخ محمد إسماعيل دخول السلفيين البرلمان؛ حتى لا ينشغلوا عن الدعوة.
وخلافاً لما سبق، يرى حزب النور أنه يجب اعتماد الانتخاب وسيلة لاختيار الممثلين للهيئات والمؤسسات المعبرة عن الجماعة الوطنية المصرية، وخاصة هيئات السلطات الثلاث: التشريعية، والقضائية، والتنفيذية. بل ويرى ضرورة امتداد هذا الحق حتى اختيار عمداء الكليات، ورؤساء الجامعات، والاتحادات الطلابية، والنقابات المهنية، والمجالس المحلية والتشريعية، والعمد، ورؤساء المدن، والمحافظين. كما يجب تقوية المجالس المحلية ومنحها صلاحيات حقيقية لإدارة المناطق التي تمثلها بشكل لا مركزي.
والسؤال هنا، هل السلفيون مقتنعون حقًا بالديمقراطية؟ أم أن ما يفعلونه الآن مجرد تكتيك مرحلي لتدمير وإحراق سلم الديمقراطية بعد استخدامه في الصعود؟
والخلاصة: ينظر السلفيون إلى كون الديمقراطية لا تراعي الشروط الإسلامية فيمن يحكم أو يشرع القوانين، وقد تأتي بكافر أو امرأة لحكم الدولة الإسلامية، أو تأتي بمن يجهر بعداء الدين.
3. الموقف من تطبيق “,”الشريعة الإسلامية“,” : يرى حزب النور ضرورة أن تحكم الشريعة في مصر ما بعد الثورة، وإزالة كل العوائق في طريق ذلك. و يقصد بالشريعة الإسلامية كافة أحكامها، ومبادئها موضع لا مجال لمنازعة قدسيته، ولم تقصرها على الحدود، بل هي منهج كامل لكل مناحي ومجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية.. إلخ.
و ينص برنامج الحزب على الالتزام بالمادة الثانية من الدستور المصري، التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، واعتبارها (المادة الثانية) “,”مرجعية عليا للنظام السياسي للدولة“,”، وأيضًا “,”نظامًا عامًا وإطارًا ضابطًا لجميع الاجتهادات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والقانونية“,”. ويؤكد الحزب على رغبته في ألا يظل الموقف من الشريعة الإسلامية هو ذلك الموقف القديم الذي كرسه النظام السابق من النصوص الشرعية -بالرغم من وجود المادة الثانية- فتركها جامدة لا أثر لها على حياة الناس.
4. الموقف من الأقباط والمرأة: في الوقت الذي يرفض فيه حزب النور تولي الأقباط المناصب العليا؛ بحكم أنه لا تجوز الولاية الكبرى لهم، فإنه يدعو إلى إقامة دولة “,”تحترم حقوق التعايش السلمي بين أبناء الوطن جميعًا“,”، وهي دولة قائمة على تعدد المؤسسات، والفصل بين السلطات، وتحمي الحريات وتحقق العدالة. ويرى الحزب ضرورة الحفاظ على سلامة العلاقة بين أعراق وأطياف الأمة المصرية بجميع مكوناتها: مسلمين وأقباط، وقبائل ونوبة، عمال وفلاحين، وأطباء ومهندسين ومثقفين، وغيرهم.. كل ذلك في نسيج واحد، يجمعه خطاب سياسي وإعلامي وثقافي واحد، ويقوم على “,”أساس مِن الحق والعدل والحرية المسئولة.
أما الموقف من المرأة، فثمة جدل هائل في مصر يتجدد بين الحين والآخر عند تعاطي رموز التيار السلفي مع قضايا الحريات، وبشكل خاص ما يتعلق بحقوق المرأة، بدأت إرهاصاته أثناء انعقاد البرلمان المنحل حاليًّا، عندما طالب بعض أعضائه بإلغاء بعض قوانين الأحوال الشخصية مثل الخلع، ثم ما قيل عن مقترح في الدستور الجديد للسماح بزواج القاصرات، وقول أحد رموز هذا التيار -وهو الطبيب ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية- إن زواج الأطفال يعد حلاًّ لمشكلة الزواج العرفي، طالما تستطيع الفتاة تحمل عبء الممارسة الزوجية، مرورًا برفض تعيين امرأة في منصب نائب الرئيس؛ وهو الأمر الذي أجبر الرئيس الحالي على الإذعان ومخالفة وعوده للقوى المدنية قبيل انتخابه.
§ مستقبل الصراع داخل حزب النور:
على الرغم من حل أزمة الحزب مؤقتًا، فإنها مرشحة للعودة مرة أخرى بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، فهناك طائفة عريضة من الخلافات بشأن هذه المنطلقات الفكرية والسياسية العامة التي التأمت حولها عناصر الحزب. وفي هذا السياق، يمكن رسم عدة سيناريوهات لمستقبل هذا الحزب، على النحو التالي:
· السيناريو الأول: التجميد : هذا السيناريو يفترض حدوثه في حال استمرار الصراع داخل الحزب، حيث يصبح التجميد هو مصير الحزب في النهاية، طبقًا لقوانين لجنة شئون الأحزاب. واللافت للنظر أن قيادات الحزب والدعوة السلفية كانت على وعي كامل بذلك، ومن ثم كان هناك تحركات سريعة بين قيادات الحزب والدعوة من أجل احتواء الأزمة قبل البت في وضع الحزب من قبل لجنة شئون الأحزاب، ومن ثم كان التوافق على ضرورة التوصل إلى اتفاق لإنهاء الأزمة، وإن كان مؤقتًا.
· السيناريو الثاني: الاستمرار كحزب واحد: فأزمة الحزب تعود في جزء كبير منها إلى قلة الخبرة السياسية لأعضائه، وعدم وجود آليات ديمقراطية لفض المنازعات داخل الحزب، والربط الواضح بين الدعوي والسياسي في الحزب. وكما هو معروف، فإن حزب النور يتكون من عدة جبهات دعوية سلفية، ومع تصور خروج الجبهات المختلفة، سوف تظل الكتلة الكبيرة المنتمية لنفس الأفكار الدعوية والسلفية؛ مما يجعلنا أمام حزب واحد أصغر في العدد، ولكن أقوى من حيث التماسك والالتزام الحزبي، المفتقد في الحياة الحزبية في مصر عمومًا.
· السيناريو الثالث: الانقسام إلى عدة أحزاب : فمن السمات الأساسية للحياة الحزبية في مصر، قبل وبعد الثورة، ما يسمي بظاهرة “,”الانشطار“,” داخل الأحزاب السياسية، وأنه في حالة حدوث خلاف داخلي في أي حزب، يحدث انشقاق بقيادة مجموعات مختلفة داخله، وتقوم بتأسيس حزب جديد ببرنامج آخر، ينافس -في التسمية والبرنامج والأهداف- الحزب الأصلي، ويحمل في اتجاهاته وتوجهات نفس الأفكار والأطروحات القديمة. وقد بدأت بالفعل المؤشرات الانشطارية داخل حزب النور بقيام الجبهة السلفية في الإسكندرية بتأسيس حزب جديد تحت اسم “,”الشعب“,”، أو الحزب الذي ينوي تأسيسه عبد الغفور.
وضمن هذا السيناريو يمكن تصور أحد احتمالين:
الأول: الانقسام ثم الاندماج : حيث قد تجد الأحزاب المنشطرة نفسها بأنها غير قادرة على المنافسة، سواء كانت سياسية أو انتخابية، منفردة؛ ومن ثم لن تجد بديلاً عن الاندماج مرة أخرى، حتى لو تم تغيير مسمى الحزب الرئيسي.
والثاني: الانقسام حزبيًّا والتحالف انتخابيًّا : وهذا الاحتمال هو الأقرب إلى الواقع، حيث يوجد داخل التيارات السلفية خلافات فقهية حول الكثير من الأمور الدعوية. وقد تم تأسيس حزب النور على عجل، ومن دون مراجعة فقهية حقيقية حول الكثير من الخلافات البينية لمواجهة الإخوان والتيارات العلمانية والليبرالية، وقد برز ذلك في تصريحات الكثير القيادات الدعوية داخل التيارات السلفية المختلفة. وبناء عليه، ستجد الأحزاب السلفية الجديدة نفسها أمام ضرورة بناء تحالفات انتخابية، مختلفة، فقد ينشأ:
1) تحالف الأحزاب السلفية والجهادية فقط، وربما ترى الأحزاب السلفية ضرورة التحالف معًا لمواجهة سيطرة الإخوان، وحتى تزيد من مكاسبها السياسية من الجماعة، سواء كان ذلك في تشكيل الحكومة أو مجالس المحافظين.
2) أو تحالف الأحزاب السلفية والإخوان في مواجهة التحالفات الليبرالية أو اليسارية والعلمانية؛ تحت ذريعة ضرورة توحيد الصف الإسلامي في مواجهة القوى الأخرى.
3) أو التحالف السلفي مع القوى المدنية لمواجهة جماعة الإخوان المسلمين التي تحاول حاليًّا السيطرة والهيمنة على مجريات العملية السياسية، و“,”أخونة“,” مؤسسات الدولة.
وفي النهاية، تتوقف هذه السيناريوهات الخمسة إلى حد كبير على: طبيعة التفاعل بين حزب النور والقوى السياسية الأخرى، خاصة جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي، وعدد المقاعد التي سيحصل عليها الحزب في الانتخابات البرلمانية القادمة في مجلسي الشعب والشوري، ومدى قدرة الحزب على التوصل إلى آلية محددة لحل مشاكله الداخلية، وتصورة لدوره المستقبلي في الحياة السياسية في مصر ما بعد الثورة.
في الواقع ليست هذه الأزمة الأولى التي يمر بها حزب النور؛ حيث تفجرت الأزمة بداخله في شهر أكتوبر الماضي، والتي كانت تعد أول اختبار حقيقي لحزب النور، بعد صراع دام أكثر من شهر، حيث انتهت بإقرار هيئ ته العليا باستمرار الدكتور عماد عبد الغفور رئيس ً ا له حتى الانتهاء من الانتخابات البرلمانية القادمة، وتعي ي ن مصطفى خليفة نائبًا لرئيس الحزب، مع استكمال الانتخابات الداخلية بالحزب في جميع المحافظات، وهو ما لم يحدث، فسرعان ما تفجرت الأزمة من جديد. فهل ستكون هذه الأزمة هي الثانية والأخيرة داخل الحزب؟ أم ستصبح الأزمات مشهدًا دائمًا في حزب النور؟
للإجابة عن هذا السؤال، سوف نتناول كيف تفجرت الأزمة الأولى، والصراع بين الدعوي والسياسي في خطاب الحزب، وعضوية الحزب في المجالس المنتخبة، ومستقبل الحزب، الذي يعتبره البعض رمانة الميزان في الحياة السياسية والحزبية المصرية.
· أسباب أزمة الحزب:
تفجرت الأزمة الداخلية الأخيرة في حزب النور بسبب قرار الدكتور عماد عبد الغفور، رئيس حزب النور، بإيقاف وتأجيل الانتخابات الداخلية للحزب والتحقيق في الشكاوى التي وردت من جميع المحافظات بشأن شفافية الانتخابات، وإحالة لجنة شئون العضوية وملف الانتخابات إلى التحقيق من مجلس الشيوخ، وتعميم ذلك على أمانات الحزب في المحافظات. وزادت حدة الخلافات داخل الحزب بشكل كاد يهدد وجوده؛ حيث انقسم الحزب لفريقين، كل منهما يدعي الشرعية، ويصدر قرارات بفصل خصومه، فالهيئة العليا الأولى التي قادها أشرف ثابت، وكيل مجلس الشعب السابق، أصدرت عدة قرارات تشمل إقالة الدكتور عماد عبد الغفور من منصبه، وتعيين مصطفى خليفة رئيسًا جديدًا للحزب لحين انعقاد الجمعية العمومية للحزب، وهو ما رد عليه الدكتور عماد عبد الغفور بسلسلة من القرارات، هي فصل عدد من قيادات الهيئة العليا، وظهرت للمرة الأولى “,”هيئتان علييان“,” للحزب، أصدرت كل منهما قرارات بفصل الخصوم. علاوة على ذلك المخالفات السياسية، وما ثبت من قيام بعض قيادات حزب النور والدعوة السلفية بإجراء اتصالات مع الفريق أحمد شفيق قبل جولة الإعادة من انتخابات الرئاسة 2012، في تعارض واضح مع قرار الحزب بدعم الدكتور محمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة والتيار الإسلامي في عمومه في هذه الجولة.
وجاء الاتفاق على حل الأزمة ب عد قيام قيادات الدعوة السلفية بالوساطة لإنهاء الأزمة ؛ حيث عقدت عدة لقاءات مع الأطراف المختلفة، والتوصل إلى ما يلي:
· الأول: الاتفاق على أن رئيس حزب النور هو الدكتور عماد عبد الغفور، وأن سيد مصطفى خليفة هو نائب رئيس الحزب.
· والثاني: عقد الجمعية العمومية برئاسة طارق الدسوقي رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات.
· و الثالث: تعهد الدكتور عماد عبد الغفور ب سحب قراراته الخاصة بتغيير الهيئة العليا ، وقرار تغ ي ير مجلس الشيوخ، وقرار إلغاء الانتخابات ، وقرار حل لجنة شئون العضوية وتعيين آخرين ، وقرار توسيع الهيئة العليا ، وتنازل سيد مصطفى عن رئاسة الحزب؛ وذلك بعد رجوعه للهيئة العليا، التي أُقرت برئاسة عماد عبد الغفور.
والرابع: استمرار الهيئة العليا المصغرة كما هي، علمًا بأن الهيئة العليا الموسعة تضم أعضاء الهيئة المصغرة بالإضافة إلى أمناء المحافظات.
§ المنطلقات الفقهية والسياسية:
جاء الصعود السياسي للتيار السلفي في مصر بعد ثورة 25 يناير مفاجأة للكثيرين، وأحدث صدمة امتزجت بحال من التوجس والخوف. ويتمثل سبب الصدمة في الصورة المخيفة التي ظهر أو أُريد أن يظهر بها التيار السلفي، الذي طالما ابتعد عن الانشغال بالسياسة، واتخذ منحى انعزاليًّا عن قضايا المجتمع السياسية، بل إن بعض فصائل ذلك التيار كانت تنادي بطاعة الحاكم، وإن كان فاسقًا.
وقد ظل السلفيون بعيدين أشد البعد عن العمل السياسي، بحكم أنهم يستندون في هذا السياق إلى رؤية تختلف عن رؤية جماعة الإخوان، فهم لا يمانعون في السمع والطاعة للحاكم حتى ولو كان ظالمًا، ويحرّمون الخروج عليه أو الانتفاض ضده؛ من منطلق أن الخروج عليه قد يؤدي إلى فتنة أكبر من فتنة ظلمه، وهي فتنة المقتلة العظيمة وسط المنتفضين؛ لذلك فهم يدعون إلى الصبر على الحاكم ولو نهب الأموال؛ لأن الخروج عليه يمكن أن يؤدي إلى ضرب وقتل ونهب أكبر.
وعلى الرغم من الصعود السلفي اللافت بعد الثورة، فقد ظلت خريطة التيارات السلفية تتسم ب ال تعقد والتداخل، إلى الحد الذي بات معه من الصعوبة بمكان الإحاطة الدقيقة بمكونات الخريطة السلفية في الساحة المصرية، والوقوف على أفكارها ورموزها واتجاهاتها. ومن أهم ملامح تعقد الخريطة السلفية في مصر أنه يوجد نوعان من التيار السلفي، هما:
أولاً: السلفية التقليدية: ويقصد بها ذلك المنهج الذي يركز على “,”التصفية والتربية“,”، وهي تضم ثلاثة أشكال من السلفية، هي : الدعوة السلفية، والسلفية الحركية، والسلفيون المستقلون.
ثانيًا: سلفية المنهج : وتتمثل في عدد من التيارات الإسلامية التي تعد سلفية المنهج والاعتقاد، وليست العمل والتنظيم، حيث لها طريقة عملها الخاص وأسلوبها الدعوي المستقل. ومن أهمها جماعة أنصار السنة المحمدية، الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة.
وفيما يلي نرصد عددًا من المنطلقات الفقهية والسياسية لحزب النور ، التي جرى إنتاجها وتكييفها بسرعة مجاراة للواقع السياسي المتغير بعد ثورة 25 يناير، وهو جزء تكمن فيه بعض أبعاد أزمة الحزب الحقيقية ، وسوف نرصد رؤى الحزب بخصوص أربع قضايا على نحو خاص، هي: المشاركة السياسية، الديمقراطية، تطبيق الشريعة، و المرأة والأقباط.
1. الموقف من المشاركة السياسية: ما إن وقعت أحداث ثورة الـ25 من يناير، بما أوجدته من متغيرات جذرية داخل مصر، حتى وجد السلفيون أن الظروف باتت مهيئة إلى حد يسمح لهم بمساحة لا بأس بها من المشاركة الإيجابية، ومن ثم جاء إعلانهم رسميًّا المشاركة السياسية، حسبما جاء في بيان مقتضب من جماعة “,”الدعوة السلفية بالإسكندرية“,” بتاريخ 22 مارس2011 على لسان المتحدث الرسمي باسم مجلس إدارة الدعوة السلفية الشيخ علي حاتم. ويرى السلفيون في العمل السياسي “,”وسيلة مِن وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر“,”، وأن الهدف والغاية هي تعبيد الناس لرب الناس.
ورأت “,”الدعوة السلفية“,” -بالرغم من إعلان مشاركتها السياسية- أهمية في الحفاظ على بقائها جماعة “,”دعوية“,”؛ تقديرًا وحفاظًا على رؤيتها لدور الدعوة المتمثل في: “,”حراسة الدين“,”، و“,”السعي إلى إقامته“,”. وحفاظًا على هذا الدور رأى السلفيون أنه لا ينبغي لهم الانشغال بتشكيل الأحزاب أو الانخراط بأنفسهم في سراديب العمل السياسي، إذ جاء في البيان الأول لـ “,”مجلس شورى العلماء“,” بتاريخ 10 /3 /2011: “,”نفضل للعلماء والدعاة أن لا يترشحوا بأنفسهم؛ حتى لا ينشغلوا عن الدعوة إلى الله، وإنما يقدمون من يتبنى قضايا الإسلام ومصلحة الأمة“,”. وقد استعاضت الدعوة السلفية عن المشاركة بالاكتفاء بأن تؤيد “,”من تراه صالحًا“,” من القوى الإسلامية التي ستنخرط بنفسها في العملية السياسية“,”. ويقول عبد المنعم الشحات، وقد صار بعد الثورة المتحدث الرسمي للدعوة السلفية: “,”نحن نختار أن نظل دعوة، وإن كنا سنشارك في العمل السياسي باختيار الأصلح مِن الأحزاب السلفية -إن نجح تكوينها- وكذا الأصلح مِن أفراد أحزاب ذات مرجعية إسلامية أخرى: كالإخوان، وكذا مِن المستقلين الصالحين“,”.
وبدأت المشاركة السياسية الفعلية للتيار السلفي، عقب الثورة، بحشد الشارع المصري للتصويت بـ“,”نعم“,” على التعديلات الدستورية مارس 2011، حيث دخلت التيارات السلفية في سباق محموم ضد القوى السياسية الأخرى الموجودة في البلاد، والتي ترغب في التصويت بـ“,”لا“,”. ومن اللافت للنظر في توجه التيار السلفي نحو المشاركة السياسية سرعة التحول الفكري للتيار السلفي نحو العمل السياسي. غير أن التيار السلفي استطاع أن يقوم بهذا التحول الخاص بالمشاركة السياسية في وقت قصير للغاية لا يتجاوز بضعة أشهر. والأغرب من ذلك أن التيار السلفي أخذ يقترب من قضايا كان لا يمكن أن يقترب منها أو يناقشها من قبل، نظرًا لتصادمها مع الفكر السلفي ومعتقداته، مثل قضية المواطنة، وحقوق الأقباط، وسيادة القانون، والدولة المدنية، وتجديد الخطاب الديني... الخ.
2. الموقف من الديمقراطية: اتخذت السلفية موقفًا معاديًا على طول الخط من النظريات السياسية والفكرية الغربية، فانتقدت هذه النظريات، وهاجمت الداعين إلى تطبيقها في العالم الإسلامي؛ معتبرة أنها مصطلحات وافدة، تصطدم في الكثير من الأحيان بالسنن الشرعية والكونية، فلا يصح أخذها على عواهنها، ولا اعتمادها مقياسًا وبديلاً عن شرع الله، ولا ترديدها والترويج لها؛ لما تنطوي عليه من مخالفات شرعية.
وقد أصل السلفيون كتابات شرعية لإظهار أوجه تناقض النظريات الفكرية الغربية مع أحكام الإسلام، ومن أوائل هذه النظريات “,”العلمانية“,”، كنظرية قامت على عزل الدين عن الحياة. وتجهر السلفية برفض “,”الديمقراطية“,” كنظرية سياسية للحكم رفضًا تامًّا، إلى جانب رفض قيمها كـ“,”الأغلبية“,”، و“,”حكم الشعب“,”، وغيرها؛ لتناقض هذه المبادئ مع أحكام الإسلام التي لا يمكن في ظلها الفصل بين الدين والدولة، على عكس الديمقراطية التي لا تراعي الشروط الإسلامية فيمن يحكم أو يشرع القوانين، فقد تأتي بكافر أو امرأة لحكم الدولة الإسلامية، و“,”ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة“,”، أو تأتي بمن يجهر بعداء الدين. وهنا يتساءل الشيخ سعيد عبد العظيم، نائب رئيس الدعوة السلفية: “,”ما قيمة صندوق انتخابات يأتينا بيهودي؟“,”، و“,”ماذا نصنع إن أتى على رأس السلطة كافر؟ والإسلام يعلو ولا يُعلى عليه“,”، مشيرًا إلى أن رأي الأكثرية الانتخابية هنا لا قيمة له إن كان سيخالف ما نص عليه الإسلام، فـ“,”الأكثرية“,” -وهي محور النظام الديمقراطي- “,”لا يجوز أن تغير شرع الله“,”.
ويتجلى موقف التيار السلفي من الانتخابات في مقال منشور بمجلة التوحيد بعنوان “,”أنصار السنة والانتخابات“,”، جاء فيه: إقامة الأحزاب حرام بصريح القرآن !! ويقول الشيخ محمد إسماعيل المقدم ، من مؤسسي الدعوة السلفية بالإسكندرية، في محاضرة “,”حقيقة التغيير“,”، نوفمبر 2010: “,”معظم العلماء السلفيين يرفضون الدخول في لعبة الديمقراطية والبرلمانات، فالديمقراطية سراب“,”. وبذلك يحرم الشيخ محمد إسماعيل دخول السلفيين البرلمان؛ حتى لا ينشغلوا عن الدعوة.
وخلافاً لما سبق، يرى حزب النور أنه يجب اعتماد الانتخاب وسيلة لاختيار الممثلين للهيئات والمؤسسات المعبرة عن الجماعة الوطنية المصرية، وخاصة هيئات السلطات الثلاث: التشريعية، والقضائية، والتنفيذية. بل ويرى ضرورة امتداد هذا الحق حتى اختيار عمداء الكليات، ورؤساء الجامعات، والاتحادات الطلابية، والنقابات المهنية، والمجالس المحلية والتشريعية، والعمد، ورؤساء المدن، والمحافظين. كما يجب تقوية المجالس المحلية ومنحها صلاحيات حقيقية لإدارة المناطق التي تمثلها بشكل لا مركزي.
والسؤال هنا، هل السلفيون مقتنعون حقًا بالديمقراطية؟ أم أن ما يفعلونه الآن مجرد تكتيك مرحلي لتدمير وإحراق سلم الديمقراطية بعد استخدامه في الصعود؟
والخلاصة: ينظر السلفيون إلى كون الديمقراطية لا تراعي الشروط الإسلامية فيمن يحكم أو يشرع القوانين، وقد تأتي بكافر أو امرأة لحكم الدولة الإسلامية، أو تأتي بمن يجهر بعداء الدين.
3. الموقف من تطبيق “,”الشريعة الإسلامية“,” : يرى حزب النور ضرورة أن تحكم الشريعة في مصر ما بعد الثورة، وإزالة كل العوائق في طريق ذلك. و يقصد بالشريعة الإسلامية كافة أحكامها، ومبادئها موضع لا مجال لمنازعة قدسيته، ولم تقصرها على الحدود، بل هي منهج كامل لكل مناحي ومجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية.. إلخ.
و ينص برنامج الحزب على الالتزام بالمادة الثانية من الدستور المصري، التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، واعتبارها (المادة الثانية) “,”مرجعية عليا للنظام السياسي للدولة“,”، وأيضًا “,”نظامًا عامًا وإطارًا ضابطًا لجميع الاجتهادات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والقانونية“,”. ويؤكد الحزب على رغبته في ألا يظل الموقف من الشريعة الإسلامية هو ذلك الموقف القديم الذي كرسه النظام السابق من النصوص الشرعية -بالرغم من وجود المادة الثانية- فتركها جامدة لا أثر لها على حياة الناس.
4. الموقف من الأقباط والمرأة: في الوقت الذي يرفض فيه حزب النور تولي الأقباط المناصب العليا؛ بحكم أنه لا تجوز الولاية الكبرى لهم، فإنه يدعو إلى إقامة دولة “,”تحترم حقوق التعايش السلمي بين أبناء الوطن جميعًا“,”، وهي دولة قائمة على تعدد المؤسسات، والفصل بين السلطات، وتحمي الحريات وتحقق العدالة. ويرى الحزب ضرورة الحفاظ على سلامة العلاقة بين أعراق وأطياف الأمة المصرية بجميع مكوناتها: مسلمين وأقباط، وقبائل ونوبة، عمال وفلاحين، وأطباء ومهندسين ومثقفين، وغيرهم.. كل ذلك في نسيج واحد، يجمعه خطاب سياسي وإعلامي وثقافي واحد، ويقوم على “,”أساس مِن الحق والعدل والحرية المسئولة.
أما الموقف من المرأة، فثمة جدل هائل في مصر يتجدد بين الحين والآخر عند تعاطي رموز التيار السلفي مع قضايا الحريات، وبشكل خاص ما يتعلق بحقوق المرأة، بدأت إرهاصاته أثناء انعقاد البرلمان المنحل حاليًّا، عندما طالب بعض أعضائه بإلغاء بعض قوانين الأحوال الشخصية مثل الخلع، ثم ما قيل عن مقترح في الدستور الجديد للسماح بزواج القاصرات، وقول أحد رموز هذا التيار -وهو الطبيب ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية- إن زواج الأطفال يعد حلاًّ لمشكلة الزواج العرفي، طالما تستطيع الفتاة تحمل عبء الممارسة الزوجية، مرورًا برفض تعيين امرأة في منصب نائب الرئيس؛ وهو الأمر الذي أجبر الرئيس الحالي على الإذعان ومخالفة وعوده للقوى المدنية قبيل انتخابه.
§ مستقبل الصراع داخل حزب النور:
على الرغم من حل أزمة الحزب مؤقتًا، فإنها مرشحة للعودة مرة أخرى بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، فهناك طائفة عريضة من الخلافات بشأن هذه المنطلقات الفكرية والسياسية العامة التي التأمت حولها عناصر الحزب. وفي هذا السياق، يمكن رسم عدة سيناريوهات لمستقبل هذا الحزب، على النحو التالي:
· السيناريو الأول: التجميد : هذا السيناريو يفترض حدوثه في حال استمرار الصراع داخل الحزب، حيث يصبح التجميد هو مصير الحزب في النهاية، طبقًا لقوانين لجنة شئون الأحزاب. واللافت للنظر أن قيادات الحزب والدعوة السلفية كانت على وعي كامل بذلك، ومن ثم كان هناك تحركات سريعة بين قيادات الحزب والدعوة من أجل احتواء الأزمة قبل البت في وضع الحزب من قبل لجنة شئون الأحزاب، ومن ثم كان التوافق على ضرورة التوصل إلى اتفاق لإنهاء الأزمة، وإن كان مؤقتًا.
· السيناريو الثاني: الاستمرار كحزب واحد: فأزمة الحزب تعود في جزء كبير منها إلى قلة الخبرة السياسية لأعضائه، وعدم وجود آليات ديمقراطية لفض المنازعات داخل الحزب، والربط الواضح بين الدعوي والسياسي في الحزب. وكما هو معروف، فإن حزب النور يتكون من عدة جبهات دعوية سلفية، ومع تصور خروج الجبهات المختلفة، سوف تظل الكتلة الكبيرة المنتمية لنفس الأفكار الدعوية والسلفية؛ مما يجعلنا أمام حزب واحد أصغر في العدد، ولكن أقوى من حيث التماسك والالتزام الحزبي، المفتقد في الحياة الحزبية في مصر عمومًا.
· السيناريو الثالث: الانقسام إلى عدة أحزاب : فمن السمات الأساسية للحياة الحزبية في مصر، قبل وبعد الثورة، ما يسمي بظاهرة “,”الانشطار“,” داخل الأحزاب السياسية، وأنه في حالة حدوث خلاف داخلي في أي حزب، يحدث انشقاق بقيادة مجموعات مختلفة داخله، وتقوم بتأسيس حزب جديد ببرنامج آخر، ينافس -في التسمية والبرنامج والأهداف- الحزب الأصلي، ويحمل في اتجاهاته وتوجهات نفس الأفكار والأطروحات القديمة. وقد بدأت بالفعل المؤشرات الانشطارية داخل حزب النور بقيام الجبهة السلفية في الإسكندرية بتأسيس حزب جديد تحت اسم “,”الشعب“,”، أو الحزب الذي ينوي تأسيسه عبد الغفور.
وضمن هذا السيناريو يمكن تصور أحد احتمالين:
الأول: الانقسام ثم الاندماج : حيث قد تجد الأحزاب المنشطرة نفسها بأنها غير قادرة على المنافسة، سواء كانت سياسية أو انتخابية، منفردة؛ ومن ثم لن تجد بديلاً عن الاندماج مرة أخرى، حتى لو تم تغيير مسمى الحزب الرئيسي.
والثاني: الانقسام حزبيًّا والتحالف انتخابيًّا : وهذا الاحتمال هو الأقرب إلى الواقع، حيث يوجد داخل التيارات السلفية خلافات فقهية حول الكثير من الأمور الدعوية. وقد تم تأسيس حزب النور على عجل، ومن دون مراجعة فقهية حقيقية حول الكثير من الخلافات البينية لمواجهة الإخوان والتيارات العلمانية والليبرالية، وقد برز ذلك في تصريحات الكثير القيادات الدعوية داخل التيارات السلفية المختلفة. وبناء عليه، ستجد الأحزاب السلفية الجديدة نفسها أمام ضرورة بناء تحالفات انتخابية، مختلفة، فقد ينشأ:
1) تحالف الأحزاب السلفية والجهادية فقط، وربما ترى الأحزاب السلفية ضرورة التحالف معًا لمواجهة سيطرة الإخوان، وحتى تزيد من مكاسبها السياسية من الجماعة، سواء كان ذلك في تشكيل الحكومة أو مجالس المحافظين.
2) أو تحالف الأحزاب السلفية والإخوان في مواجهة التحالفات الليبرالية أو اليسارية والعلمانية؛ تحت ذريعة ضرورة توحيد الصف الإسلامي في مواجهة القوى الأخرى.
3) أو التحالف السلفي مع القوى المدنية لمواجهة جماعة الإخوان المسلمين التي تحاول حاليًّا السيطرة والهيمنة على مجريات العملية السياسية، و“,”أخونة“,” مؤسسات الدولة.
وفي النهاية، تتوقف هذه السيناريوهات الخمسة إلى حد كبير على: طبيعة التفاعل بين حزب النور والقوى السياسية الأخرى، خاصة جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي، وعدد المقاعد التي سيحصل عليها الحزب في الانتخابات البرلمانية القادمة في مجلسي الشعب والشوري، ومدى قدرة الحزب على التوصل إلى آلية محددة لحل مشاكله الداخلية، وتصورة لدوره المستقبلي في الحياة السياسية في مصر ما بعد الثورة.