بين التشابه والتطابق: مشاكل "الإسلام الحاكم" والمعارضة في مصر وتونس
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 12:51 م
د. يسري العزباوي
بدايةً.. يمكن القول إن هناك تشابهًا كبيرًا يصل إلى حد التطابق بين مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر وتونس؛ حيث عظَّمت السلطة الجديدة في كلا البلدين من ثورة تطلعات المواطنين قبل وبعد توليها الحكم. وما أن تولت الحكم لم تستطع أن تستجيب لرغبات أو حتى أن تقوم بعملية ضبط لثورة تطلعات الجمهور.
ومن ناحية ثانية لعب الجيش في كلا البلدين دورًا وطنيًّا حقيقيًّا، ولكنه زاد من تعقيد وأطال أمد المرحلة الانتقالية. بالإضافة إلى أن نخبة كلا البلدين توهمت بأن إسقاط الأنظمة القائمة هي نهاية المطاف، في مجافاة حقيقية للواقع، ولم تقم بعمل “,”خريطة طريق“,” متفق عليها من الجميع أو إجراء حوار وطني يرسم صورة واضحة لما يجب أن تكون عليه المرحلة الانتقالية .
ومما زاد الطين بلة، الأخطاء المتكررة للنخبة التي تولت مقاليد الحكم في مصر وتونس، فبدلاً من احتواء المعارضة أو العمل معها، قامت بتكريس السلطة في يدها، ضاربة عرض الحائط بكل المطالب المجتمعية، بالإضافة إلى أنها لم تعمل على ترجمة مبادئ وأهداف الثورة إلى واقع ملموس لدى الناس، بل على العكس قامت برفع الأسعار، وفرض ضرائب جديدة؛ مما زاد الأمر تعقيدًا، وغيرها من الأمور التي سنتناولها لاحقًا.
واللافت أيضًا أن المعارضة لم تكن عند مستوى الحدث السياسي الذي يمر به كلا البلدين، فما زال التشتت والتشرزم والتناطح بينهم قائمًا، بالإضافة إلى فشل كل محاولات التوحد بينهم، كما أن السلطة الجديدة، وشركاء الثورة، تتلاعب بهم من حين إلى آخر؛ مما أدى إلى زيادة حالة الاحتقان والصراع السياسي، والذي تحاول تيارات الإسلام السياسي في كلا البلدين بتصويره على أنه صراع ديني بالأساس، أو صراع بين “,”المشروع الإسلامي“,”، وبين قوى مدنية وعلمانية، لا تريد له خيرًا، أو على الأقل إتاحة الفرصة له.
السلطة الجديدة تساعد على أعمال العنف
على الرغم من تأكيد البعض بأن هناك اختلافًا في المنهج الفقهي والسياسي بين الإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس؛ وذلك لأن قادة حركة النهضة عاشوا لفترة طويلة في أوروبا واختلطوا بالحضارة الغربية، فإن الممارسة الواقعية تؤكد غير ذلك تمامًا. وقد اشترك الإخوان مع حركة النهضة في العديد من الممارسات التي أدت إلى ارتفاع وتيرة العنف في كلا البلدين.
فعلى سبيل المثال، وبعد خلع “,”بن علي“,”، أطلقت الحكومة الانتقالية التونسية سراح كثير من السجناء السياسيين الإسلاميين، وكان من بين هؤلاء العديد من كبار الجهاديين الذين سبق لهم أن حاربوا في أفغانستان وباكستان، وكان منهم: سيف الله بن حسين، المكنّى بـ“,”أبو عياض التونسي“,”، الذي هو العقل المدبر الكاريزمي وراء تأسيس “,”أنصار الشريعة“,” في تونس في إبريل 2011.. وهو ما فعله الدكتور مرسي بعد توليه الحكم في مصر، والمجلس العسكري من قبله؛ مما أدى إلى تعقيد الأمور داخليًّا على الصعيد السياسي والأمني في كلا البلدين. ومن ينظر بدقة إلى الوضع في سيناء ومقتل شكري بلعيد في تونس يستطيع أن يستنتج ذلك بسهولة .
فمن الأهمية القول إن “,”أبو عياض التونسي“,” اكتسب اسمه الحركي هذا في أفغانستان؛ حيث أسس المجموعة التونسية المقاتلة، وهي خلية إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة في جلال آباد. وعقب اعتقاله في تركيا عام 2003 تم تسليمه للحكومة التونسية، حيث حُكِم عليه بالسجن 43 سنة. وما أن حلت الثورة قيود أبو عياض، استفاد الرجل من شبكة معارفه التي كوَّنها مع السجناء، مدعومًا في ذلك أيضًا ببهاء مكانته؛ حيث إنه أحد كبار المجاهدين في أفغانستان وباكستان. وقد طاف أبو عياض البلاد -مستعينًا بما ذكرنا- لشهور، خطيبًا بالمساجد، عاكفًا على تعليم مبادئه لآلاف الشباب ممن اعتنقوا عقائده الجهادية. وفي غضون السنة الأولى من تأسيس “,”أنصار الشريعة“,” في تونس، لم يقتصر نجاح أبو عياض فقط على تجنيد ما يقرب من 10000 شاب سلفي، ولكن أنصار الشريعة في تونس تحت قيادته صُنفت بشكل جوهري بأنها الحركة السلفية الصاعدة؛ فتصير بذلك المرجع الذي لا يُختلف عليه في ذلك الميدان.
وفي الحقيقة، الأمر بدا وكأنه أشبه بحركات تسويقية متتابعة أكثر من كونه أفعالاً نابعة من إيمان صادق، جعلت أول ظهور لـ“,”أنصار الشريعة“,” في تونس على المشهد العام يكون من خلال التعدي على الرموز المدنية وشن هجمات على المسارح ومحطات التلفاز، كما حدث في مصر من قبل جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي يونيو 2012 أمر أبو عياض بنهب معرض “,”ربيع الفنون“,” في “,”لامرسى“,”، وتلقى تنصيبه بعد ذلك بيوم واحد من زعيم القاعدة أيمن الظواهري، وكذلك مباركة المفكر الجهادي ذي التأثير، أبو المنذر الشنقيطي، حيث لم يمض وقت طويل على إصداره فتوى تجيز للمسلمين الانضمام إلى راية الجهاد في تونس تحت لواء أبو عياض.
وقد ظهر من رد فعل الحكومة الإسلامية استمرار حالة اللامبالاة السلبية تجاه أعمال العنف العديدة التي تقوم بها أنصار الشريعة في تونس. في الواقع، ألقت الحكومة التونسية اللوم –بسخف- على الفنانين المدنيين وحملتهم مسؤولية الهجوم، بدلاً من أن تضع حدًّا للعنف المتنامي الذي ترتكبه أنصار الشريعة. وعندئذ؛ جاهر أبو عياض بالفعل بغايته الجهادية .
وفي 14 سبتمبر 2012 نجح أبو عياض في شن الهجوم على سفارة الولايات المتحدة بتونس، ورغم إعلانه المسبق عن نواياه، بكل سلبية سمحت قوات الشرطة لكتائب أنصار الشريعة في تونس باجتياح المجمع. ومع تأكيد وزارة الخارجية الأمريكية، ومع توفر الدليل القاطع على تورط أبو عياض، أخلت الحكومة التونسية سبيله، وسوَّت المسألة بالقبض على قليل من المسلحين السلفيين.
وبعد ما أحدثه الهجوم على السفارة الأمريكية من تبعات، ركز أبو عياض جهود منظمته على الأعمال الخيرية؛ حيث عملت أنصار الشريعة في تونس على توزيع الماء والغذاء في المناطق الحضرية والريفية الأكثر فقرًا، وقدمت فيها خدمات صحية مجانية (كان أطباؤها يصدرون الروشتات المعنونة بشعار أنصار الشريعة). وفي ظل تزايد حالة عدم الرضا العامة في النطاق السياسي التونسي، تم تصوير هذه الأعمال، التي يقال إنها إنسانية، بشكل منظم، وتم بث المشاهد الدعائية التي تظهر الدعم الشعبي الذي تحظى به أنصار الشريعة في تونس على شبكة الإنترنت. فهم لا يقتصرون على بناء شبكة من المتعاطفين، بل هم كذلك يحاولون أن يثبتوا أن لديهم القدرة لكي يَحِلّوا محل الدولة في وظائفها حال سقوط الجمهورية واستبدالها بالخلافة.
وفي أعقاب اغتيال شكري بلعيد، تلقفت أنصار الشريعة في تونس الفرصة لتنافس الدولة، في جو يتسم بازدياد اضطراباته وعدم قدرة الحكومة على إحكام قبضتها على قوات الأمن. فمع قلة التواجد الشرطي أو انعدامه في المناطق التي كانت وكرًا للصوص، نشرت أنصار الشريعة مسلحيها. حيث تجد أعضاء لجان الأمن، التابعة لأنصار الشريعة في تونس، وهم يرتدون ستراتهم البرتقالية اللامعة الأنيقة، يحرسون الشوارع بمدن مثل بنزرت والقيروان وصفاقس، بالإضافة إلى بعض ضواحي تونس العاصمة. تتألف هذه اللجان التي تسمى “,”لجان الحماية الشعبية“,” من مجموعة تضم في العادة عددًا من الدراجات البخارية، وعددًا من حافلات التوصيل التي تقل الشباب السلفيين المسلحين بعصي وسكاكين وسيوف. أما ما يهدد اللصوص والمعارضة المدنية لحزب النهضة على حد سواء فهو أن هذه الحراسات تعمل في خدمة أغراض سياسية. إن السلفيين، وهم يملأون الفراغ الذي تركته الشرطة، يثبتون مرة أخرى أن وضعهم أفضل من الدولة حين يأتي الحديث عن تحقيق السلامة للشعب.
واللافت للنظر، أنه دائمًا ما كانت العلاقة بين النهضة وأنصار الشريعة في تونس معقدة؛ فأبو عياض تربطه روابط عديدة وطيدة مع متشددي النهضة مثل البرلماني “,”صدوق شورو“,”، الذي صرح علنًا أن أولئك الذين يعملون ضد الحكومة هم “,”أعداء الله“,” وينبغي تقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم، وهو الذي كان المتحدث الضيف في أول مؤتمر سنوي تعقده أنصار الشريعة في تونس في سيدي بوزيد عام 2011، وعلى الجانب الآخر، هناك بعض المعتدلين في النهضة مثل رئيس الوزراء الجبالي، الذي اتخذ موقفًا ضد العنف السياسي من خلال الالتفاف حول الديمقراطية. ويأتي رئيس حزب النهضة، راشد الغنوشي، حائرًا في الوسط لا ينفك عن إرسال رسائل متضاربة للمعارضة المدنية وشركاء تونس الغربيين من جانب، وكذا السلفيين من جانب آخر.
وداخل النهضة، أصبح الجدل حول كيفية التعامل مع أنصار الشريعة في تونس مسألة ساخنة، يمكن أن تكشف عن الانشقاقات الداخلية الحاصلة في الحزب، وتدفع بعض أعضائه للانسحاب. فلم يحدث قط أن ذكر رئيس الوزراء الجبالي، ولا وزير الداخلية، علي العريض، اسم أنصار الشريعة في تونس في سياق الشك، ولم يحدث أن هددوهم بالمحاكمة جزاء الهجمات العدائية. فالخوف من زيادة الانشقاقات داخل حزبهم، بالإضافة إلى انكشاف العلاقة الغامضة القائمة بين الحزب والفصيلة الجهادية منع الجبالي والعريض من اتخاذ قرار حاسم .
يمر “,”النهضة“,” بأزمة حادة؛ حيث إن رئيس الوزراء الجبالي، الذي انعزل عنه قادة حزبه وهجروه يتحرك بصورة عملية نحو توفيق الأوضاع مع المعارضة المدنية. وأثناء ذلك، المتشددون آخذون ببسط نفوذهم يُغذون الحزب بمزيد من الاستقطاب والراديكالية، ذلك الحزب الذي تصوب نحوه الهجمات من كافة الاتجاهات بسبب الشك في تورطه في اغتيال بلعيد، إلى جانب عدم قدرته على أداء الإصلاحات اللازمة للقضاء على البطالة والتضخم .
في هذا السياق، بينما يعاني حزب النهضة من التفكك والراديكالية والضعف الكبير؛ يبدو أن أبو عياض قد شرع في حملة شرسة للاستيلاء على الحزب. دعا أبو عياض في مقابلة بُثت قبل أيام قليلة من وفاة بلعيد إلى توحيد النطاق السياسي الإسلامي؛ من أجل إلحاق الهزيمة بالحركة المدنية التونسية. فجاء رد حزب النهضة في وقت قريب جدًا. ففي اليوم التالي على جنازة بلعيد، دعا أحد المتحدثين -في مسيرة نظمها حزب النهضة- إلى توحيد الحركة الإسلامية في صورة ترويكا جديدة يزمع تكوينها من حزب النهضة وحزب التحرير و“,”السلفيين“,”، والذين يُقصد بهم طبعًا أنصار الشريعة في تونس.
ومن اللافت أن لجان الحماية الشعبية التابعة لأنصار الشريعة في تونس انضمت إلى صفوف رابطات حماية الثورة، وهي منظمات شبابية إسلامية تابعة للجناح القوي بحزب النهضة. ويعرف أن رابطات حماية الثورة تميل إلى العنف اللفظي والمادي تجاه العلمانيين، وصدرت عنهم تهديدات بالقتل ضد خصوم النهضة في حالات متعددة. وقد يشير هذا التعاون إلى أن متشددي حزب النهضة من الآن يعتمدون على أبو عياض؛ لتقويض صعود المعارضة المدنية . ومع ما حدث في مصر من قبل استغلال جماعة الإخوان للتيارات السلفية المختلفة لمواجهة المعارضة، أو تصدير خطاب إلى الخارج بأن الشارع لا يزال مساندًا وداعمًا للدكتور محمد مرسي حتى هذه اللحظات.
حياة حزبية متشرذمة
في البداية، كانت العملية الانتقالية في تونس هي الأكثر سهولة في بلدان الربيع العربي، ولكن بعد فترة قلية اكتشف الجميع بأنها لا تزال تواجه مشاكل سياسية، إضافة إلى ما تواجهه من تحديات اقتصادية جد خطيرة. كما لا تزال المشكلة الأساسية تتمثل في حالة عدم التوازن في الطيف السياسي الذي يتنافس فيه حزب النهضة الإسلامي ذو التنظيم الجيد والمتماسك، مع عدد كبير من الأحزاب العلمانية المفتتة. هذه الأحزاب تدرك تمامًا أن فرصها لتحقيق النجاح في الانتخابات ستكون محدودة مالم تتمكن من تشكيل تحالفات أكبر، بيد أنها فشلت حتى الآن في تشكيل تجمعات دائمة، ناهيك عن تشكيل تحالف علماني كبير .
وقد طفح على السطح الائتلاف الحاكم الآن، المؤلَّف من حزب النهضة، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية العلماني (الوسط)، وحزب التكتل العلماني (يسار الوسط)، الذي لم يكن أبدًا أكثر من زواج مصلحة بين جماعات غير واثقة من بعضها بعضًا. في حين أن هذا لا يعني أن حدوث أزمة بات وشيكًا، فإنه يمثل تذكرة بمدى الصعوبات والتعقيدات التي تنطوي عليها حتى عملية انتقال ناجحة . وتسيطر ما تسمى الترويكا على ما مجموعه 138 من أصل 217 مقعدًا في الجمعية التأسيسية.
والجدير بالقول.. إنه لا يمكن لحزب النهضة، وهو الأكبر في الجمعية وله 89 مقعدًا، أن يحكم من دون دعم من العضوين الآخرين في الائتلاف، وقد نجح الحزب في البداية، بزعامة رئيس الوزراء حمادي الجبالي، حتى الآن، في الحفاظ على تماسكه.
أما حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (29 مقعدًا) بزعامة منصف المرزوقي، فهناك مؤشرات كبيرة على وجود توتر في صفوفه. فقد اتهم بعض الأعضاء المرزوقي، الذي أصبح رئيسًا لتونس في ديسمبر 2011، بتقديم طموحه الشخصي على مصالح الحزب. وبعدما أصبح المرزوقي رئيسًا للجمهورية، وبطبيعة الحال أنه سيكون أقل انخراطًا في الشؤون الداخلية للحزب؛ ونتيجة لذلك لم يكن بوسعه منع اثني عشر من ممثلي حزبه في الجمعية التأسيسية من الانفصال وتشكيل حزب جديد.
ومنذ أشهر عدة، ظهرت بوادر لتأسيس أحزاب جديدة، على غرار حزب الدستور الجديد العلماني المتشدد، الذي تم حلّه الآن (الحزب الحر الدستوري الجديد)، وهو حزب الحبيب بورقيبة، أول رئيس تونسي. لم يتم تأسيس مثل هذه الأحزاب بعد، باستثناء حزب صغير جدًا يسمى الدستور. وقد اجتمع مؤيدو فكرة إحياء حزب دستوري جديد في 25 مارس 2012، مع الباجي قائد السبسي، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في الفترة الانتقالية بين الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي وانتخابات ديسمبر 2011. تم في الاجتماع، الذي دُعي إليه ممثِلون عن أحزاب التجديد وآفاق تونس والمبادرة، مناقشة إمكانية إنشاء جبهة مشتركة من الأحزاب العلمانية تحت الراية الدستورية .
مع ذلك، أعلن السبسي عن تشكيل حزب “,”نداء تونس“,” في 16 يونيو، مؤكدًا أن الحركة الجديدة ترمي إلى تحقيق الإجماع الوطني وتوحيد أحزاب تونس “,”المبعثرة“,”. وأعلن أحمد إبراهيم، الأمين الأول لحركة التجديد، عن دعم حزبه للمبادرة الجديدة، والتزامه العمل مع نداء تونس في المستقبل. كذلك، صرّحت سلمى بكار، العضو في الجمعية التأسيسية، التي تنتمي إلى القطب الديمقراطي الحداثي، بأنها مستعدة للعمل مع الحركة الجديدة. ويبقى أن ننتظر لنرى ما إذا كان هذا الحزب سيساهم في توحيد المعارضة أو شرذمتها أكثر .
وقد ندّدت الترويكا الحاكمة على الفور بالاجتماع، ووصفته بأنه من “,”آثار النظام السابق“,”، حيث قال أحد ممثّلي حزب المؤتمر من أجل الجمهورية: “,”هؤلاء الأشخاص يريدون سرقة الثورة التونسية“,”. الحزب الدستوري لم يتأسس رسميًّا في الوقت الحالي، ولكن في 5 يونيو، أعلن السبسي عزمه على إطلاقه، وقال إنه لن يكون موجهًا ضد حزب النهضة أو يمثّل شريحة من السكان أو نزعة أيديولوجية واحدة، لكنه سيكون مفتوحًا للجميع. ومثل غيرها من الكتل السياسية التونسية المتقلِّبة، من غير الواضح في هذه المرحلة ما إذا كانت القوى البورقيبية ستتمكن من الاندماج في حزب واحد قبل الانتخابات المقبلة .
أما حزب التكتل (20 مقعدًا) بزعامة مصطفى بن جعفر، فقد انضم إلى تحالف النهضة. فقد كان العديد من مسؤولي التكتل صريحين على نحو مدهش بشأن حقيقة أن قرار الانضمام إلى النهضة في الحكومة استند إلى المصالح السياسية وليس إلى أي تقارب أيديولوجي أو برنامجي. وأدى الاستياء في صفوف الحزب تجاه التحالف إلى حدوث بعض الانشقاقات، وقبل كل شيء الكثير من التذمّر .
بالإضافة إلى ما سبق، فقد كان هناك ائتلاف جديد من “,”يسار الوسط“,”، لكن تكوينه يشير إلى أنه ربما يكون أقرب إلى الوسط منه إلى اليسار. وهو يضم :
أولاً: الحزب الديمقراطي التقدّمي (16 مقعدًا) بزعامة أحمد نجيب الشابي، وهو حزب علماني وسط أو من يسار الوسط. توقع الحزب أن يُبلي بلاءً حسنًا جدًّا في انتخابات العام 2011 للجمعية التأسيسية، وهو يسعى إلى إيجاد وسيلة لإعادة تأكيد نفسه كلاعب رئيس في الحياة السياسية التونسية. ومن الواضح أنه يهيمن على التنظيمات الأصغر حجمًا في الحزب الجديد .
ثانيًا: حزب آفاق تونس (4 مقاعد)، بزعامة مصطفى المزغني، وهو حزب علماني وليبرالي من الناحية الاقتصادية، يُنظَر إليه على أنه يمثّل مجتمع الأعمال .
ثالثًا: الحزب الجمهوري التونسي، الذي يتزعمه عبد العزيز بلخوجة، هو أيضًا حزب علماني وليبرالي اقتصاديًّا. ليس من الواضح كم عدد المقاعد التي يمكن أن يضيفها للتحالف؛ لأنه خاض انتخابات الجمعية التأسيسية العام 2011، مع أحزاب أخرى عديدة؛ كجزء من حزب القطب الديمقراطي الحداثي، الذي حصل على ما مجموعه خمسة مقاعد . وأخيرًا، حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي بزعامة أحمد إبراهيم، وسمير باطيّب، وعبدالجليل بدوي في منصب نائب الرئيس.
وبالإضافة إلى الأحزاب التي تم ذكرها سالفًا، والتي حصلت على مقاعد في الجمعية التأسيسية، سجلت عشرات الأحزاب الأخرى نفسها، وهي موجودة على الأقل اسميًّا. الأحزاب خارج الائتلافين تشمل كلاًّ من : حزب العريضة الشعبية (26 مقعدًا) بزعامة محمد الحامدي، والاتحاد الوطني الحر (6 مقاعد)، بزعامة سليم الرياحي، وهو حزب علماني ليبرالي من الناحية الاقتصادية، وحركة الشعب (مقعدان)، برئاسة محمد براهيمي، ويعرف نفسه بأنه حزب قومي عربي واشتراكي، وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين (مقعدان) بزعامة محمد المواعد، والحزب الليبرالي المغاربي (مقعد واحد)، بزعامة محمد بوعبدلي، وهو حزب علماني، وليبرالي من الناحية الاقتصادية، وحزب المبادرة (5 مقاعد)، كمال مرجان، يتم تنظيمه ودعمه من عناصر من التجمع الدستوري الديمقراطي، وهو الحزب المنحلّ للرئيس السابق زين العابدين بن علي، وأخيرًا، حزب العمال الشيوعي التونسي (3 مقاعد)، بزعامة حمام حمامي، ينظر إليه عمومًا بوصفه حزبًا شيوعيًّا متشددًا من الطراز القديم .
الدور السياسي للمساجد.. وإلقاء التهم على الإعلاميين
لا شك في أن جماعة الإخوان وحركة النهضة في تونس تسيطران تمامًا على المساجد في كلا البلدين، والأخطر من ذلك هو استغلال المساجد ليس فقط في الترويج إلى سياستهما، ولكن الأخطر هو استخدامهما للتنكيل بالمعارضة، وإلقاء التهم بالجملة على من يخالفهم في الرأي، أو الطريقة التي تتم بها إدارة البلاد. وحقيقةً، كما ذكرنا سالفًا، يخطئ تمامًا من يعتقد بأن الثورة التونيسة حققت تقدمًا ملحوظًا في العملية الانتقالية عن مصر المحروسة، فكلتا الثورتين تم اختطافهما من قبل قوى لم تشارك فيهما منذ اندلاعهما.
ومن خلال حضوري لصلاة “,”الجمعة“,” في أحد مساجد تونس العريقة، نستطيع التأكيد على ما يلي:
أولاً: استخدام دور العبادة في العمل السياسي ودعم حزب النهضة (إخوان تونس)، كما يحدث في مصر. ففي خطبة صلاة الجمعة أكد الخطيب على أن هناك صحفيًّا متخصصًا في الشأن الاقتصادي، أكد على أن تونس دخلت مرحلة الخطر الاقتصادي، وربما لن تستطيع الحكومة بعد أقل من شهرين أن تدفع رواتب موظفيها، ومن ثم ستعلن الحكومة إفلاس الدولة التونسية.
ثانيًا: إلقاء التهم على المعارضة بأنها هي السبب الرئيسي في حالة الصراع التي يعيشها المجتمع التونسي، من غياب الأمن، وفقدان السياحة التي تعتمد عليها البلاد بشكل رئيسي، وأنها معارضة إعلامية فقط ولا تواجد لها في الشارع التونسي.
ثالثًا: اتهام وسائل الإعلام بالتخريب والتحريض؛ ومن ثم يجب عدم الإصغاء إليها، إلى الدرجة التي أكد فيها خطيب المسجد بأن الصحفيين والإعلام هم السبب الرئيسي في كل المشاكل الدائرة في تونس.
رابعًا: ضرورة الالتفاف حول السلطة وإعطائها فرصة حتى تستقر الأمور وتستطيع أن تنجز مشروعها المتعلق بالنهضة التونسية .
وبعدما سمعت هذه الأمور، وأقسم بالله أن هذا حدث، قمت من الصفوف الخلفية إلى الأمامية؛ حتى يستقر في يقيني بأن الخطيب تونسي وليس مصريًّا، وقد أصبتُ بعدها بإحباط شديد؛ لأنني وجدته تونسيًّا خالصًا!!
خامسًا: تآكل الطبقة الوسطى في تونس؛ ففي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها تونس، فإن الأمر ينعكس سلبًا عليها. وكانت الأرقام الرسمية قبل الثورة تشير إلى أن حجم الطبقة الوسطى في تونس كان يصل إلى نحو 80%، وهو رقم لم يقنع خبراء الاقتصاد، الذين رأوا فيه أجندة سياسية أكثر من مؤشر يعكس حقيقة الواقع الاجتماعي في تونس. ويتواصل ارتفاع التضخم المالي، الذي بلغ 10% في نهاية السنة، وما ينتج عن ذلك من ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطن، كل ذلك يمثل أعباء تتكبدها الطبقة الوسطى في تونس بالأساس، وتؤدي إلى تراجع حجمها في المجتمع التونسي. ويؤدي تآكل الطبقة الوسطي في مجتمع ما إلى تزايد عدد من الظواهر الاجتماعية السلبية؛ فهذه الطبقة تعد عامل استقرار في كل المجتمعات. هذا إلى جانب تراجع مستوى المرافق العمومية ومؤسسات الدولة من خدمات صحية وطرقات وتجهيزات .
ونافلة القول: على النخبة الجديدة في بلدان الربيع العربي أن تدرك بأن الشباب الذي قام بالثورة لن يسمح بأن تنحرف عن مسارها الطبيعي، بل إنه لن يسمح بأن ينفرد فصيل سياسي واحد بالحكم؛ ومن ثم فعليها أن تقوم بتضمين الشباب في كل مؤسسات الدولة من جانب، وإجراء حوار وطني حقيقي يضم جميع الأطياف السياسية والمجتمعية، من جانب آخر، وعليها أيضًا أن توسع من إدراكاتها وعدم إلقاء التهم على المعارضة.