الموقف السياسي والعسكري قبل اقتحام "رابعة" و"النهضة"
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 01:47 م
لواء. أ. ح. متقاعد حسام سويلم:
مقدمة
كان قرار مجلس الوزراء في 31 يوليو 2013 بتكليف وزير الداخلية بإنهاء اعتصامات رابعة والنهضة ومواجهة المخاطر الناجمة عن ذلك وما تشكله من تهديد خطير للأمن القومي المصري في بعده الداخلي، فضلا عن بعده الخارجي نتيجة استقواء الإخوان بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفائهم في دول أخرى، كان هذا التكليف تلبية لمطالب الشعب التي تلحّ في سرعة تصفية هذا الوضع الإرهابي، بعد أن أعطى الشعب تفويضا بذلك للدولة، ومن ثم فإن أي تقاعس أو تراخٍ من الدولة في تلبية هذا المطلب أو تأخير في تنفيذه سيفقد الدول بمؤسساتها الأمنية والسياسية مصداقيتها أمام الشعب، الذي سيتهمها بالفشل في المحافظة على أمنه وأمانه، ويدفع بالتالي جماهير الشعب للانقلاب على الدولة، والبحث عن حكومة أخرى تحفظ له أمنه وأمانه. لا سيما بعد أن منح رئيس الجمهورية المؤقت اختصاصاته الأمنية في ما يتعلق باستخدام قانون الطوارئ واتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة للحفاظ على الأمن القومي المصري لرئيس الوزراء.
لذلك كان لزاما على الدولة ممثلة في وزير الداخلية أن يعلن عن جاهزية وزارته لتنفيذ تكليفات مجلس الوزراء لمواجهة المخاطر الناجمة عن استمرار اعتصامي جماعة الإخوان وأنصارها، متعهدا بعد أن حصل على الغطاء السياسي من مجلس الوزراء، وقرب حصوله على الغطاء القانوني من النائب العام باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذه المهمة، بعد أن تم وضع الخطط وتجهيز الآليات اللازمة لذلك، مؤكدا أن ذلك سيتم في إطار الدستور والقانون، موضحا أن أعمال فض الاعتصام ستكون على مراحل، خصوصا بعد أن قدم له مجلس الوزراء بيانا بأعداد الجثث التي تعرضت للتعذيب داخل الاعتصامين (11 حالة) والمحاضر التي تتهم الإخوان بارتكاب جرائم قتل وترويع الأهالي والاعتداء على ممتلكات عامة وخاصة في جميع المحافظات، وكان واضحا أن تصريحات وزير الداخلية ومساعديه أن الدولة مصممة وقادرة على فرض إرادتها وهيبتها حماية للشعب ومقدراته، وإظهار ذلك القوة أمام الرأي العام الداخلي والإقليمي والدولي.
ولم يكن هناك بد من تفعيل خيار التدخل الأمني بقوة لإنهاء اعتصامات رابعة والنهضة، بعد أن فشلت جميع المحاولات التي بذلها الوسطاء مع قيادات الإخوان لإنهاء هذه الاعتصامات سلميا، حيث تمسك قادة الإخوان بمبادرة معطوبة قدمها سليم العوا الذي من المعروف انتماؤه إليها، ومعه شخصيات أخرى عُرفت أيضا بانتمائها للجماعة أو على الأقل تعاطفهم معها، وهي مبادرة في جوهرها تعيد الوضع لما كان عليه قبل 30 يونيو لذلك رُفضت، فضلا عن استمرار استقواء الإخوان بالدول الأجنبية خصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو ما برز واضحا في تكرار زيارة ممثلين عنهما لمصر، بعد أن اشتدت الحملة الدعائية للإخوان في الخارج لتصوير ثورة 30 يونيو على أنها انقلاب عسكري، واستغلال القتلى الذين سقطوا في أحداث دار الحرس الجمهوري وطريق النصر على أنهم ضحايا عدوان قوات الجيش والشرطة ضد الإخوان، وهو اتهام باطل تأكد من زاروا مصر ممثلين عن الولايات لمتحدة وأوروبا والاتحاد الإفريقي من أنه لا أساس له من الصحة، وأن جماعة الإخوان هي المعتدية على قوات الأمن والمواطنين، وعلى المنشآت الحيوية والاستراتيجية، فضلا عن إغلاق الطرق والكباري بالحواجز والحوائط والتمترس خلفها بالأسلحة، وهي التي تسببت عمدا في سقوط هؤلاء القتلى لتتاجر بهم جماعة الإخوان إعلاميا ضد النظام الجديد في مصر.
خطورة قرارات التنظيم الدولي للإخوان في استانبول
من الأمور التي عجّلت باتخاذ قرار القيادات المصرية بتصفية الوضع في رابعة والنهضة، ما صدر عن اجتماع قيادة التنظيم الدولي للإخوان من قرارات خطيرة بعد اجتماعاته في استانبول خلال الفترة بين 11 و14 يوليو الحالي لدراسة خطة العمل بعد عزل مرسي، والذي شارك فيه ممثلو جماعة الإخوان في جميع دول العالم بتسهيلات من حكومة تركيا الذي يرأسها الإخواني رجب طيب أردوغان، وشارك فيها عن تونس راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة، وحسن مالك من مصر، وزكي بن إرشيد عن الأردن، وخالد مشعل عن حماس.. وغيرهم، وكان انعقاد هذا الاجتماع بمباركة أمريكية، كما كان المشاركون في الاجتماعات على تواصل مستمر مع السفيرين الأمريكي والفرنسي في تركيا، وهو ما يفسر الضغوط لتي مارسها المجتمعون على الكونجرس والإدارة في أمريكا والاتحاد الأوروبي لقطع المعونات العسكرية والاقتصادية عن مصر، وأدى إلى زيارات عضوين من الكونجرس ومسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي آشتون إلى مصر مرتين في أقل من شهر، والمحاولة الفاشلة للتصويت في الكونجرس الأمريكي على قطع المساعدات العسكرية عن مصر.
وقد اتفق المجتمعون في استانبول على عدم القيام بأي خطوات استفزازية تبعد الأمريكيين والأوروبيين عن موقفهم المتعاطف مع الجماعة، والتركيز إعلاميا على إبراز الإخوان كإسلام معتدل، وشنّ هجوم عنيف على الإسلام المتشدد والمتطرف، وربطهم بتطرف الحركات القومية وقيادة الجيش المصري، هذا بالإضافة إلى العمل بحذر وسرية تامة لمواجهة التطورات الجارية في تونس وليبيا ضد الإخوان، ومواجهة رموز المعارضة في البلدين بصمت وخفاء من خلال الاتفاق والإيماء للقوى السلفية بأنهم في خطر إذا عاد العلمانيون للحكم، ورصد كل أسماء ورموز المعارضة من صحفيين وكتاب ونقابيين والتعامل معهم وإسكات صوتهم بأي طريقة لتجنب ما حدث للإخوان في مصر. كما تضمنت القرارات أيضا محاولة كسب الأقليات في العالم العربي والتركيز على التنظيمات الكردية في العراق وسوريا وتركيا وكسبهم إلى جانب الإسلام السياسي، وإنشاء صندوق طوارئ يمول من قبل التنظيم العالمي للإخوان ومتبرعين لمساعدة حركة حماس في غزة التي بدأت تتجه مرة أخرى نحو إيران وتنفتح عليها، وأيضا مساعدة حزب النهضة في تونس، مع تشكيل لجنة طوارئ عليا تكون في حالة انعقاد متواصل للتعامل مع هذه الأزمات.
أما أخطر القرارات السرية التي اتخذها المجتمعون من قادة الإخوان في العالم في استانبول فهي المتعلقة بالثورة المصرية التي اندلعت في مصر في 30 يونيو وأدت إلى سقوط نظام حكم الإخوان في مصر، وتمثلت في ثلاثة قرارات هي:
(1) الثبات في الاعتصامات الموجودة في المدن المصرية وتوسيع دائرتها وانتشارها في المدن والميادين الأخرى (وكان نتيجة هذا القرار زحف معتصمي رابعة نحو طريق النصر والمنصة ومحاولة احتلال صالة المؤتمرات، فضلا عن إغلاق جامعة القاهرة في الجيزة).
(2) تكثيف واستمرار التظاهرات والمسيرات في كل الميادين اعتراضا على ما يسمونه الانقلاب العسكري.
(3) استدعاء إسرائيل إلى المشهد السياسي والأمني بشن عمليات إرهابية من جنوب سيناء ضد أهداف مدنية وعسكرية إسرائيلية في إيلات بقصفها بالصواريخ، وأهداف متحركة (حافلات تقلّ إسرائيليين) على الطريق 12 بين بئر سبع وإيلات، بما يعطي إسرائيل الذريعة للتدخل العسكري ضد مصر في سيناء واحتلال جزء منها، بما يشتت جهود الجيش المصري بين الجبهة الداخلية وسيناء.
(4) تكليف “,”جيش مصر الحر“,” في سيناء الذي يقوده رجل القاعدة رمزي موافي، بالسعي لضم جميع الحركات الجهادية في سيناء وتوحيدها في صفه، مع تعزيزه بشريا وتسليحيا من حماس في غزة بما يؤدي إلى تكثيف العمليات الإرهابية في سيناء لزيادة الضغوط على الجيش في سيناء، وهو ما انعكس في إعلان القيادي الإخواني محمد البلتاجي الموجود في رابعة عن تشكيل “,”مجلس حرب“,” من أبناء سيناء لطرد الجيش والشرطة من سيناء، قائلا في 1/8/2013 “,”لا سلمية بعد اليوم“,”، موجها رسالة إلى قوى الإسلام السياسي تقول “,”لا انتخابات بعد اليوم“,” إشارة إلى رفض المسار الديمقراطي، وهو ما يدل على زيادة لهجة العنف في الخطاب الإخواني، والدفع باتجاه القفز على سلمية التظاهر، وتبني قاعدة “,”سنعتدي على من اعتدى علينا“,”، ويبدو تفسيرا واضحا لحالة فقدان قيادات الإخوان السيطرة على الموقف، وغياب الرؤية في التعامل مع المشهد الراهن جراء حصار شعبي وأمني وإعلامي للاعتصامات القائمة، فضلا عن ارتباك وتخبط القائمين على الاعتصامات من قادة الإخوان.
اندفاع الإخوان نحو مزيد من العنف والإرهاب في الأيام القادمة
كان من نتيجة توصيات وقرارات التنظيم الدولي للإخوان في استانبول، أن توافرت لدى الأجهزة الأمنية في مصر معلومات عن قرارات اتخذتها قيادة الإخوان في مصر لرفع مستوى العنف والإرهاب في جميع محافظات مصر بهدف الضغط على قيادات الدولة والجيش لإعطاء تنازلات تبدأ في أقصاها بالإفراج عن مرسي، وفي أدناها التعهد بخروج آمن لقيادات الإخوان من رابعة وغيرها، مع الإفراج عن قيادات الإخوان المعتقلين.
وتتمثل خطط الإخوان في المرحلة الحالية والقريبة جدا في الآتي:
1- إشعال فتنة طائفية جديدة من خلال مهاجمة الكنائس والأقباط، ومحاولة اغتيال كبار رجال الكنيسة، بما يعطي الذريعة لتدخل خارجي لحماية الأقباط في مصر، فضلا عن شغل الدولة بهذه القضية على حساب تصفية بؤر الاعتصام الإخوانية ومسيراتهم اليومية الداعية للفوضى.
2- التوسع في عمليات العنف لتندلع في جميع المحافظات في وقت واحد، وتكثيفها بشدة كي لا تقتصر فقط على قطع الطرق والكباري وخطوط السكة الحديد وتعطيل المترو وإغلاق الشوارع، بل وتشمل أيضا شن هجمات بالأسلحة النارية ضد المنشآت الحيوية وذات الأهمية الاستراتيجية، وأبرزها مقرات الحكومة من وزارات وهيئات ومؤسسات عامة، ومقرات وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية (أمن الدولة، المخابرات العامة، المخابرات الحربية) مديريات الأمن وأقسام الشرطة، ومقرات القضاء (محاكم، مجلس الدولة، نادي القضاة).. إلخ.
3- إحداث تفجيرات ضخمة في مستودعات وخطوط الغاز داخل المدن، ومحطات الطاقة، بما يؤدي إلى ترويع المواطنين وإظلام المدن، وتعطيل الحياة العامة في مصر، فضلا عن شلل في التحركات والمرور في جميع أنحاء مصر.
4- إطلاق النار من عربات وموتسيكلات بشكل عشوائي وبكثافة على المواطنين المعارضين للإخوان وأخذ رهائن وطلب فديات في مقابل الإفراج عنهم، بما يؤدي إلى ترويع المواطنين على النحو الجاري في سوريا حاليا.
5- إطلاق قذائف مضادة للدبابات ونيران رشاشات ثقيلة على السفن العابرة لقناة السويس، مصحوبة بتفجيرات في منشآت هيئة القناة في مدن القناة الثلاث، بما يؤدي إلى توقف الملاحة واستدعاء التدخل الأجنبي بدعوى الحفاظ على حرية الملاحة في القناة.
6- مهاجمة المطارات والمواني في أنحاء الجمهورية، وتعطيل حركة السفر والشحن من وإلى مصر جوا وبحرا.
خطط الإخوان للدفاع عن رابعة والنهضة في مواجهة اقتحامهما:
أولا: مَن الموجودون في رابعة والنهضة؟
يتكون الموجودون في رابعة حاليا من أربع فئات على النحو التالي وبإجمالي لا يزيد على خمسين ألف فرد:
الفئة الأولى- وتشكل 60% من المعتصمين، ممن هم في أدنى مستوى خط الفقر، ويحصل كل فرد منهم على 200 جنيه يوميا، و2 وجبة غذائية مقابل بقائه في مكان الاعتصام، فضلا عم أطفال الملاجئ الذين شاهدناهم يحملون أكفانا وكتب على ظهورهم (مشروع شهيد)، وهي إحدى صور التجارة بالبشر التي يمارسها الإخوان، وإذا سار في مسيرة يحصل على 500 جنيه، ويستخدمون في خدمة إعاشة المعتصمين.
الفئة الثانية- وتشكل 20% من المعتصمين، وهم من المتسولين المحترفين من الرجال والنساء وأطفال الشوارع، ويتقاضى الفرد منهم أيضا 200 جنيه و2 وجبة غذائية، وإذا سار في مسيرة يحصل على 500 جنيه، وإذا استخدم في خلع بلاط الشوارع وبناء الحواجز يحصل الفرد على 1000 جنيه في يوم العمل.
الفئة الثالثة- وتشكل 10% من المعتصمين، وهم من البلطجية والمسجلين خطرا، والهاربين من تنفيذ أحكام، وهم المكلفون بممارسة أعمال العنف وإطلاق النار وحراسة البوابات وإرهاب الناس في الشوارع.
الفئة الرابعة- وتشكل 10% من المعتصمين، وهم من كوادر الإخوان في التنظيم، الملوثة عقولهم بمفاهيم دينية باطلة حول (إقامة دولة الخلافة، وتطبيق الشريعة، والحكم بما أنزل الله..) إلى غير ذلك مما جاء في كتب الجماعة ورسالات مرشدها، وقد أغلقوا عقولهم على هذه المفاهيم، ولا يقبلون نقاشا حولها، وهم مَن وصفهم د. ثروت الخرباوي المنشقّ عن الجماعة “,”إلههم المرشد، وقرآنهم كتاب (معالم في الطريق)“,”، ويعتقدون أنهم يدافعون بممارساتهم هذه عن الإسلام، وأن المنتسبين إلى الجماعة فقط هم المسلمون وما عداهم -بمن فيهم حلفاء الجماعة من السلفيين- كفار أو أشباه مسلمين، وبالتالي يحلّون أرواحهم ودماءهم وثرواتهم وأعراضهم، فضلا عن تكفير جميع مؤسسات الدولة باعتبارها “,”دولة جاهلية، ومجتمعا جاهليا“,”، وهو ما يفسر أعمالهم الوحشية في تعذيب وقتل معارضيهم، وهم الذين يهددون باقي المعتصمين بالعقاب في حالة خروجهم عن الاعتصام. وقد انضمّت إلى هذه الفئة أعداد كبيرة من إخوان الدول العربية والإسلامية، خصوصا في سوريا والعراق وحماس، ممن خاضوا معارك في هذه البلدان، ويحترفون استخدام الأسلحة الموجود في أماكن الاعتصام، مثل الرشاشات المتوسطة والثقيلة، والصواريخ المضادة للدبابات، والقنابل اليدوية والبنادق الآلية والقناصة وعبوات متفجرة وأنابيب بوتاجاز للتفجير، وتفيد بعض المعلومات بوجود هاونات وصواريخ جراد أيضا في أيدي المعتصمين.
وتشكل الفئات الثلاث الأولى دروعا بشرية للفئة الرابعة والتي تحوي ضمنا قيادات الإخوان، وعناصر من كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس، وسوريين وعراقيين، فضلا عن قيادات سلفية مثل عاصم عبد الماجد، وطارق الزمر، كما حرصت قيادات الإخوان على جمع بطاقات الهوية وأرقام القومي من الفئات الثلاث الأولى ضمانا لبقائهم.
ثانيا: خطة الإخوان للدفاع عن رابعة والنهضة.
بدأت خطوة الإخوان للدفاع عن رابعة بتوجيه ضربات مسبقة تمثلت في الدعوة إلى مظاهرات واعتصامات في ميادين أخرى في القاهرة شملت المدينة الإعلامية، وشارع الميرغني في مصر الجديدة، وأمام جهاز الأمن الوطني، ووزارة الدفاع ومديريات الأمن وغيرها من الأماكن الحيوية لتشتيت جهود أجهزة وقوات الأمن والجيش، وهو ما حدث يوم الجمعة 2/8 وترتب على ذلك القبض على عشرات منهم أمام المدينة الإعلامية، حاولوا قطع الطرق والكباري.
وقد انخفضت أعداد المعتصمين في رابعة والنهضة بسبب توجه الكثيرين منهم إلى مدنهم لقضاء إجازة عيد الفطر المبارك، وخوفا على حياتهم من اقتحام قوات الأمن لأماكن الاعتصام، لا سيما بعد النشاط الذي تمارسه جماعتان منشقتان عن جماعة الإخوان هما (إخوان بلا عنف) و(الإخوان الأحرار)، تعترضان على ممارسات مكتب الإرشاد وتطالبان باستقالته، وتحذير المعتصمين من مغبة الانسياق وراء دعوات قادة الجماعة إلى استمرار الاعتصام وتحدي الدولة، والدعوة إلى تشكيل مكتب إرشاد جديد ينهض بمهام الدعوة فقط دون خلط الديني بالسياسي، وكان المنشقون عن الجماعة قد رفضوا الاجتماع بالمرشد بديع، خصوصا بعد أن حدثت مواجهات بين قادة الإخوان في رابعة، حيث حمّل كل منهم مسؤولية انهيار الجماعة للآخر، وأفادت مصادر من داخل اجتماع مكتب الإرشاد في رابعة أن أهم ما أسفر عنه هذا الاجتماع سحب الثقة من بديع وتكليف محمد علي بشر ليكون مرشدا عاما جديدا مؤقتا حتى استقرار الأوضاع وإجراء انتخابات جديدة، مع عدم الإعلان عن هذا القرار حفاظا على الروح المعنوية للجماعة وتماسك الاعتصامات.
بينما شهد ميدان رابعة أيضا مناوشات كلامية بين المعتصمين الذين دعا بعضهم الآخر لفض الاعتصام قبل تدخل الأمن، وكان الرأي المعارض بأنهم ينتظرون قدوم الأمن حتى لو كلفهم ذلك حياتهم.
وإزاء هذا الوضع الجديد بدأ المعتصمون في رابعة يصدِّرون النساء والأطفال في المشهد سواء داخل اعتصام رابعة والنهضة أو في المسيرات التي تخرج ليلا لتجوب الشوارع ثم يعودون إلى رابعة أو ينصرفون، في مشهد يتكرر شبه يومي لا سيما في أيام الجمعة والسبت بسبب الإجازات وعلى مدار شهر الاعتصام، كما شيّد المعتصمون 6 سواتر من الطوب وحجارة الأرصفة ودشم رملية بها فراغل يمكن منها إطلاق نيران منشَّنة بدقة، فضلا عن دوائر من كاوتش السيارات لحرقه أثناء فض الاعتصام، وإغلاق جميع مداخل ميدان رابعة من جانب “,”طيبة مول“,” وطريق النصر وشارع الطيران وغيرها من الشوارع الفرعية، كما تم نصب رشاشات وصواريخ مضادة للدبابات فوق أسطح المنازل، وامتلأت الخيام بشوم ومواسير حديدية وزجاجات فارغة وجراكن بنزين لاستخدامها كمولوتوف، مع تكثيف نقاط المراقبة فوق أسطح المنازل، وفي اعتصام ميدان النهضة تم إغلاقه من جهة ميدان الجيزة وحديقة الأورمان وحديقة الحيوان ومديرية الأمن، كما تم إنشاء سواتر أسمنتية وشكائر رملية وسواتر حديدية حول مكان الاعتصام، فضلا عن بوابتين للسيطرة على الداخلين والخارجين من وإلى مكان الاعتصام وتفتيشهم.
ويستعد المعتصمون لصد اقتحام قوات الأمن أولا بإطلاق نيران الرشاشات والبنادق من فوق السواتر الحجرية والحديدية والصواريخ المضادة للدبابات عند اقترابها من مسافات بعيدة، ومع الاقتراب أكثر ستزداد كثافة نيران الرشاشات والبنادق والصواريخ المضادة للدبابات عند وصول مركبات الشرطة المدرعة في مدى هذه الأسلحة، ثم إطلاق زجاجات المولوتوف عند اقتحام مركبات الشرطة وأفرادها لمواقع الاعتصام، فضلا عن إشعال النيران في الكاوتش لتعطيل تقدم مركبات الشرطة، وارتداء أقنعة واقية من الغاز المسيل للدموع والدخان المتوقع إطلاقه بكثافة، مع إعادة إبقاء قنابل الغاز على الجنود والمركبات.
كذلك تم تجهيز أخشاب بها مسامير لإلقائها في طريق عربات الجيش والشرطة، وتوفير كميات كبيرة من زيت السيارات لإلقائه على الأرض لعرقلة تحرك القوات المقتحمة وزحلقتهم. كما وفر المعتصمون سائلا جديدا جرى إنتاجه داخل الاعتصام يعمل على إبطال مفعول قنابل الغاز المسيل للدموع، كذلك تم توفير براميل صغيرة من الرمال والمياه لإطفاء أي حرائق قد تحدث نتيجة إطلاق النار عليهم. وقد استعدت المستشفيات الميدانية التابعة للإخوان في أماكن الاعتصام بتوفير كميات كبيرة من الأدوية اللازمة لعلاج الإصابات والجروح وأجهزة تنفس، إضافة إلى السوائل التي تستخدم لمواجهة آثار الغازات المسيلة للدموع، وتم توزيعها مسبقا على القائمين في منطقة الحواجز الرئيسية حول ميادين الاعتصام لتكون متوافرة قرب مناطق الاشتباكات المتوقعة، هذا مع تكليف عناصر مناهضة من حماس باعتلاء أسطح المنازل لاستهداف الضباط وقادة الاقتحام وليس من المستبعد أن تقوم عناصر من حماس بإطلاق صواريخ جراد وهادفات ذات المدى حتى 20 كم ضد أهداف استراتيجية بعيدة، مثل مقرات الوزارات والأجهزة الأمنية والكباري والتجمعات السكنية لإحداث إرباك في أوساط أجهزة الأمن، فضلا عن نشر الذعر والترويع بين المواطنين في الداخل. كما ستسعى قيادات الإخوان من أماكن الاعتصام في أزياء نساء منتقبات وعربات إسعاف ونعوش موتى، وذلك قبل بدء عمليات الاقتحام.
ومع اقتراب ساعة تصفية اعتصامات الإخوان، تتصاعد من قادتهم صيحات الحرب النفسية ودعوات الاستقواء بالخارج، ومع حرصهم على رفع الروح المعنوية للمعتصمين. من ذلك هتافاتهم بأنهم كما كسروا الداخلية في 25 يناير فإنهم سيعزلون اليوم الداخلية، مع إعطاء وعود مكررة بقرب قدوم مرسي إلى رابعة، واقتراب النصر وزوال الانقلاب. وعلى صعيد الاستقواء بالخارج تكررت دعاوى قادة الإخوان عبر قناة “,”الجزيرة“,” لمن أطلقوا عليهم الشرفاء في العالم أن يأتوا في القاهرة من شتى أنحاء العالم لينضموا إلى معتصمي رابعة والنهضة، فضلا عن دعوة مكتب “,”هيومان رايتس ووتش“,”، ومكتب المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان، ومكتب منظمة العفو الدولية، وكل مسؤولي ملفات الحريات وحقوق الإنسان في جميع السفارات للمجيء إلى رابعة والاطلاع على أحوال الاعتصام بدعوى أنه اعتصام سلمي، وللضغط على الحكومة المصرية للعدول عن فكرة فضل الاعتصام بالقوة.
ويبلغ مستوى الإنفاق اليومي على المعتصمين في رابعة والنهضة نحو 30 مليون جنيه، أما مصادر التمويل فهي من دولة قطر، وأموال الجماعة التي تقدر في الداخل بنحو 20 مليار جنيه، فضلا عن تبرعات الإخوان في الداخل والخارج، وعائدات شركاتها الكثيرة المنتشرة في الداخل والخارج تحت أغطية مختلفة.
تصور الخطة وإدارة عملية فض الاعتصامات
مما لا شك فيه أن قيادات وزارة الداخلية بالتنسيق مع قيادات الجيش، قد وضعوا خطة محكمة لتصفية أوضاع الاعتصام في رابعة والنهضة، وذلك بناء على المعلومات المتوافرة بواسطة أجهزة الأمن والمخابرات والصور الجوية والقضائية التي تم الحصول عليها، وفرض أسوأ الاحتمالات المتوقعة من جانب الإخوان وحلفائهم في رابعة، وكيفية مواجهتها. وبناء على هذه الخطة تم تدبير وتجهيز آليات تنفيذها من قوات ومعدات ومركبات وأسلحة.. إلخ، بل والتدريب عليها أيضا.
وبعد أن حصل وزير الداخلية على تكليف من مجلس الوزراء باتخاذ الإجراءات اللازمة لتصفية الوضع في الاعتصامين برابعة والنهضة نظرا لما يمثله ذلك من تهديد للأمن القومي المصري وترويع غير مقبول للمواطنين، وذلك في إطار أحكام الدستور والقانون، فقد أصدرت وزارة الداخلية عدة بيانات موجهة للمعتصمين ندعوهم إلى الاحتكام إلى العقل وتغليب مصلحة الوطن والانصياع للصالح العام وسرعة الانصراف منهما وإخلائها حرصا على سلامة الجميع مع التعهد الكامل بخروج آمن وحماية كاملة لكل من يستجيب لهذه الدعوة، مع التعهد بعدم ملاحقة أي منهم أمنيا في المستقبل. ومن المتوقع أن يتكرر مثل هذا البيان عدة مرات قبل لحظة فض الاعتصام.
ومن المتوقع بعد أن حصل وزير الداخلية على الغطاء السياسي من مجلس الوزراء، أن يحصل أيضا على غطاء قانوني من النائب العام يكلفه بفض الاعتصامات التي تشكل إرهابا وإزعاجا للمواطنين الذي قدموا بلاغات عديدة ضد المعتصمين. كما ستحرص أيضا قوات الأمن عند اقتحامها لأماكن الاعتصامات على أن يصاحبها عناصر من النيابة العامة لتكون شاهدا على ما سيقع من أحداث من الجانبين، فضلا عن تسجيل كل شيء بالصوت والصورة.
وستحكم تنفيذ عملية تصفية الاعتصامات عدة مبادئ تتمثل في الآتي:
تحقيق المفاجأة من حيث توقيت الاقتحام، وأسلوبه، وحجم القوات المشتركة ونوعياتها وتسليحها، واتجاهات عملها، وكيفية التنفيذ. وفي هذا الإطار قد تنفذ عمليات خداع لتضليل قيادات وعناصر الإخوان عن حقيقة خطة فض الاعتصام.
تشتيت جهود المعتصمين بين عدة اتجاهات ستعمل عليها قوات الاقتحام.
تقليل حجم الخسائر إلى أدنى درجة في الجانبين.
سرعة اصطياد قيادات الإخوان ومنعهم من الهروب.
ولتحقيق هذه المبادئ سيتم توجيه أكثر من إنذار للمعتصمين بفض الاعتصامات مع تكرار التعهد بعدم الملاحقة وذلك كل 6 ساعات ثم إنذار صريح واضح بمهلة محددة لبدء الإجراءات لتفادي أكبر عدد من الضحايا، وأن عليهم أن يأخذوا هذه المهلة على محمل الجد، ومن يخالف التحذيرات ويتجاهلها فإنه سيكون مسؤولا عن استمرار الجرائم التي ارتكبت والمشاركة في مناصرة مجرمين متهمين صدر بحقهم قرارات ضبط وإحضار من قبل النيابة العامة، ومساعدة مجرمين على استمرار جرائم، وهذا لا يختلف عمن يخفي مجرما أو يساعد مجرما على مقاومة السلطات أو لا يعتبر مثل هؤلاء ضحايا بل مجرمون. وقد يصاحب ذلك إعلان حالة الطوارئ بشكل مؤقت وحظر التجول في مناطق الاعتصامات وحولها، وهو أمر مهم لاتخاذ إجراءات لإنقاذ البلاد من أخطاء تهدد الأمن القومي المصري، ولاعتقال كل من يعترض على تنفيذ القانون ويستخدم السلاح في مواجهة الشرطة ويحرض على القتل ويستدعي جهات أجنبية لمصر ويستنجد بها، الأمر الذي يعد خطيرا ويخرج عن سلمية المظاهرات التي يسمح بها الدستور والقانون.
ومن المتوقع أن يتم تنفيذ خطة فض اعتصامي رابعة والنهضة في وقت واحد، وقد يكون ذلك على مراحل حفاظا على الأرواح، تبدأ بالإنذارات المشار إليها آنفًا وخروج النساء والأطفال، ثم التصعيد طبقا لرد الفعل من جانب المعتصمين.
وستبدأ الخطة بمحاصرة موقعي الاعتصام في رابعة والنهضة وتضييق الخناق على المعتصمين، وإغلاق الشوارع المؤدية إليهم، ومنع دخول متظاهرين جدد أو عربات، وفي حالة خروج بعضهم في مظاهرات يمنع دخولهم مرة أخرى، مع منع دخول أي إمدادات من طعان وشرب للمعتصمين، إلى جانب إغلاق منافذ القاهرة بما لا يسمح بتوافد معتصمين من المحافظات الأخرى إلى القاهرة مع زرع كمائن أمنية متحركة لرصد أي تحركات أو إمدادات خاصة لأسلحة مخبأة في أغراض بريئة.
وسيتم التعامل مع المعتصمين وفقا لقواعد التدرج في استخدام وسائل القوة، بدءًا بأسلحة شل القدرة غير المميتة “,”NON LETHAL WEAROM“,” مثل خراطيم المياه تحت ضغط عالٍ، وقنابل الغاز المسيل للدموع، وقنابل الدخان، والقنابل الصوتية، والموجات فوق الصوتية “,”ultra sound“,”، ونبضات كهرومغناطيسية غير مميتة، ثم إزالة السدود والمواقع المعيقة حول أماكن الاعتصام، ثم يتم الاقتحام من عدة اتجاهات في وقت واحد باستخدام العصيّ المكهربة.
وستعطي أولوية لإخراج النساء والأطفال الباقين بالقوة وتجميعهم في شاحنات خارج أماكن الاعتصامات، مع توجيه قوة خاصة للأماكن الموجود بها قادة الإخوان لاعتقالهم وإعلان ذلك إعلاميا بالصوت والصورة، بما يؤدي إلى انهيار الروح المعنوية للمعتصمين وكذلك إنزال قوات خاصة بالمروحيات فوق أسطح المنازل لتطهيرها من مواقع الأسلحة المنصوبة فيها، وتأمين السكان في المنازل من أعلاها وأسفلها حتى لا يتخذهم الإخوان رهائن يتم المساومة عليهم.
أما الأماكن التي سيتم إطلاق نيران حية منها ضد قوات الاقتحام فسيتم الرد عليها بالمثل لإسكاتها، تفعيلا لحق الدفاع الشرعي عن النفس. كما سيُعطى اهتمام خاص لاعتقال الجنسيات غير المصرية الموجودة في أماكن الاعتصام لا سيما أن معظمهم مكلّفون باستخدام أسلحة نارية، خصوصا أن مصادر المعلومات تفيد بوجود مجموعات من كتائب عز الدين القسام وحزب الله بتشكيلين، الأول داخل القاهرة والثاني في سيناء، وتم القبض على بعضهم في سيناء والمحافظات خصوصا في منطقة القناة.
وقد تستمر المواجهات مع المعتصمين عدة ساعات، وستحرص القوات على استخدام وسائل شل القدرة المشار إليها آنفا والرصاص المطاطي لتجنب وقوع ضحايا، مع استخدام الوحدات الخاصة بمكافحة الشعب والصاعقة للقبض على رؤوس مثيري الشغب الموجودين بالشكل والمكان والاسم، مع الحرص على وجود قوات احتياط في مناطق قريبة لمواجهة احتمالات التصعيد وسرعة الحسم، فضلا عن قوات احتياط أخرى في مناطق بعيدة تحسبا لتظاهرات واعتصامات في أماكن أخرى وفضها قبل أن يستفحل أمرها. وستخصص أعداد كثيرة من الشاحنات لاعتقال ونقل كل من يواجه قوات الأمن بأعمال معادية إلى المعتقلات كذلك توفير قوات من الأمن المركزي للانتشار في المواقع التي يتم فضها.
ومن المتوقع أيضا استخدام كلاب بوليسية خاصة للبحث عن المفرقعات، وغالبا ما سيكون استخدامها في بداية عمليات الفض، كذلك سيُراعى عدم السماح بوجود أي قناة فضائية تقوم ببث الأحداث، مع السيطرة على وحدات البث المستولى عليها من التليفزيون المصري قبل 30 يونيو والتي تستخدم لبث الاعتصام في رابعة، كذلك شن عمليات إعاقة إلكترونية على قنوات “,”الجزيرة“,” وفرض حظر على بثها من مصر.
خلاصة القول
مما لا شك فيه أن الدولة المصرية تواجه تحديا غير مسبوق في تاريخها، يتمثل في تهديد داخلي خطير للأمن القومي المصري له أبعاد خارجية، ويتمثل في تنظيمات إرهابية تمتهن العنف باسم الدين ضد كل من لا ينتمي إليها من المواطنين، يكفّرونهم ويستحلّون حرماتهم من أرواح ودماء وممتلكات، بل ويستقوون بقوى خارجية لتمكينهم من حكم مصر وعلى حساب أراضيها وشعبها، وتنفيذا لمخططات أمريكية وإسرائيلية تستهدف تقسيم مصر وانتزاع سيناء منها لحساب إسرائيل وحماس، ومن خلال إشاعة الفوضى فيها على النحو الجاري في العراق وسوريا وليبيا واليمن، ويزداد الأمر خطورة مع نجاح جماعة الإخوان وحلفائهم من السلفيين في استقطاب أعداد كبيرة من المصريين بعد خداعهم بالشعارات الدينية البراقة التي ترفعها هذه الجماعات مستغلين حب المصريين لدينهم وتمسكهم به إلى جانب ما تجده هذه الجماعات من دعم مالي وبشري وتسليحي وإعلامي وسياسي من دول ومنظمات أجنبية مثل قطر وتركيا وليبيا والسودان فضلا عن التعاطف الأمريكي والأوروبي.
ولما كان الشعب المصري قد أعطى تفويضا كاملا أكثر من مرة منذ ثورة 30 يونيو لسلطات الدولة للقضاء على الإرهاب المتفشي في الداخل وفي سيناء، فقد أصبح لزاما على مؤسسات الدولة أن تستجيب فورا لنداءات جميع قطاعات الشعب المطالبة بإنهاء الاعتصامات والتظاهرات وحظر عمل هذه الجماعات مستقبلا خصوصا جماعة الإخوان ومن ثم فإن أي تأخر أكثر من ذلك سيأتي بنتائج عكسية، حيث ستفقد أجهزة الدولة ومؤسساتها السياسية والأمنية عندئذ مصداقيتها عند الشعب، وستفقد أيضا ما حصلت عليه من تعاطف وتأييد شعبي كاسح لم يسبق له مثيل، وقد ينقلب الشعب عليها ويدعو إلى البحث عن شخصيات أخرى قادرة على تحمل المسؤولية، وتعمل بأيدٍ قوية غير مرتعشة، قادرة على إصدار القرارات الحاسمة والرشيدة في التوقيتات المناسبة، بما يحافظ على أمن الوطن والمواطنين.
ولأن قادة الإخوان يعلمون جيدا أنه في حالة استجابتهم لمطالب الدولة في الخروج الطوعي وفض الاعتصام سلميا، فإنه سيتم اعتقالهم بموجب أوامر الضبط والإحضار الصادرة من النيابة ضدهم، ثم محاكمتهم وإيداعهم السجون مرة أخرى، فإنه من المؤكد أنهم لن يقبلوا بالخروج الطوعي وفض الاعتصامات سلميًّا وسيقاتلون معركتهم بواسطة الفئات الأربع السابق الإشارة إليها آنفا حتى آخر طلقة وآخر رجل أو اعتقالهم بواسطة أجهزة الأمن، لأنها في نظرهم معركة النهاية في حياتهم، ومن هنا ستأتي حتمية فض الاعتصام بالقوة، ولا سبيل ولا بديل غيرها لفرض الأمن وهيبة الدولة وتلبية مطالب الشعب.
ولما كنا بسبيل إعداد دستور جديد لمصر، فإنه ينبغي على من ينهضون بهذه المسؤولية أن يضعوا في اعتبارهم رغبة الشعب الملحة في عدم قيام أحزاب على أسس دينية بعد ما كابده الشعب خلال العامين الماضيين من مآسٍ وإرهاب وخراب على أيدي هذه الأحزاب، وسواء من كان منهم داخل الحكم مثل الإخوان، أو خارجها من السلفيين، وأن ينص على ذلك بشكل واضح في الدستور القادم.
وأخيرا يجب أن تعطي أولوية مطلقة للمواجهة الفكرية لتلك الأفكار الدينية الهدامة والباطلة التي تنهض عليها مبادئ عمل الجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية، وإظهار الحقيقة في ما ترفعه من شعارات دينية برّاقة هي كلمات حق يُراد بها باطل، مثل الحاكمية والحكم بما أنزل الله، وتطبيق الشريعة، وآفاق الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذلك لأن المواجهة الفكرية لكل ذلك ستكون هي السبيل الأوحد لمنع هذه الجماعات المتطرفة والإرهابية من تضليل الناس بأنها القائمة على الإسلام والمدافعة عنه في وجه الحكومات العلمانية التي لا تطبّق شرع الله، وبالتالي إغلاق المخارج التي يتم فيها تلويث عقول عامة الناس بمفاهيم دينية باطلة، وتعتبر وسائل الإعلام والمنابر السياسية والثقافية والدينية هي المسؤولة عن هذه المواجهة الفكرية والتوعية الدينية الحقيقية.
كان قرار مجلس الوزراء في 31 يوليو 2013 بتكليف وزير الداخلية بإنهاء اعتصامات رابعة والنهضة ومواجهة المخاطر الناجمة عن ذلك وما تشكله من تهديد خطير للأمن القومي المصري في بعده الداخلي، فضلا عن بعده الخارجي نتيجة استقواء الإخوان بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفائهم في دول أخرى، كان هذا التكليف تلبية لمطالب الشعب التي تلحّ في سرعة تصفية هذا الوضع الإرهابي، بعد أن أعطى الشعب تفويضا بذلك للدولة، ومن ثم فإن أي تقاعس أو تراخٍ من الدولة في تلبية هذا المطلب أو تأخير في تنفيذه سيفقد الدول بمؤسساتها الأمنية والسياسية مصداقيتها أمام الشعب، الذي سيتهمها بالفشل في المحافظة على أمنه وأمانه، ويدفع بالتالي جماهير الشعب للانقلاب على الدولة، والبحث عن حكومة أخرى تحفظ له أمنه وأمانه. لا سيما بعد أن منح رئيس الجمهورية المؤقت اختصاصاته الأمنية في ما يتعلق باستخدام قانون الطوارئ واتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة للحفاظ على الأمن القومي المصري لرئيس الوزراء.
لذلك كان لزاما على الدولة ممثلة في وزير الداخلية أن يعلن عن جاهزية وزارته لتنفيذ تكليفات مجلس الوزراء لمواجهة المخاطر الناجمة عن استمرار اعتصامي جماعة الإخوان وأنصارها، متعهدا بعد أن حصل على الغطاء السياسي من مجلس الوزراء، وقرب حصوله على الغطاء القانوني من النائب العام باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذه المهمة، بعد أن تم وضع الخطط وتجهيز الآليات اللازمة لذلك، مؤكدا أن ذلك سيتم في إطار الدستور والقانون، موضحا أن أعمال فض الاعتصام ستكون على مراحل، خصوصا بعد أن قدم له مجلس الوزراء بيانا بأعداد الجثث التي تعرضت للتعذيب داخل الاعتصامين (11 حالة) والمحاضر التي تتهم الإخوان بارتكاب جرائم قتل وترويع الأهالي والاعتداء على ممتلكات عامة وخاصة في جميع المحافظات، وكان واضحا أن تصريحات وزير الداخلية ومساعديه أن الدولة مصممة وقادرة على فرض إرادتها وهيبتها حماية للشعب ومقدراته، وإظهار ذلك القوة أمام الرأي العام الداخلي والإقليمي والدولي.
ولم يكن هناك بد من تفعيل خيار التدخل الأمني بقوة لإنهاء اعتصامات رابعة والنهضة، بعد أن فشلت جميع المحاولات التي بذلها الوسطاء مع قيادات الإخوان لإنهاء هذه الاعتصامات سلميا، حيث تمسك قادة الإخوان بمبادرة معطوبة قدمها سليم العوا الذي من المعروف انتماؤه إليها، ومعه شخصيات أخرى عُرفت أيضا بانتمائها للجماعة أو على الأقل تعاطفهم معها، وهي مبادرة في جوهرها تعيد الوضع لما كان عليه قبل 30 يونيو لذلك رُفضت، فضلا عن استمرار استقواء الإخوان بالدول الأجنبية خصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو ما برز واضحا في تكرار زيارة ممثلين عنهما لمصر، بعد أن اشتدت الحملة الدعائية للإخوان في الخارج لتصوير ثورة 30 يونيو على أنها انقلاب عسكري، واستغلال القتلى الذين سقطوا في أحداث دار الحرس الجمهوري وطريق النصر على أنهم ضحايا عدوان قوات الجيش والشرطة ضد الإخوان، وهو اتهام باطل تأكد من زاروا مصر ممثلين عن الولايات لمتحدة وأوروبا والاتحاد الإفريقي من أنه لا أساس له من الصحة، وأن جماعة الإخوان هي المعتدية على قوات الأمن والمواطنين، وعلى المنشآت الحيوية والاستراتيجية، فضلا عن إغلاق الطرق والكباري بالحواجز والحوائط والتمترس خلفها بالأسلحة، وهي التي تسببت عمدا في سقوط هؤلاء القتلى لتتاجر بهم جماعة الإخوان إعلاميا ضد النظام الجديد في مصر.
خطورة قرارات التنظيم الدولي للإخوان في استانبول
من الأمور التي عجّلت باتخاذ قرار القيادات المصرية بتصفية الوضع في رابعة والنهضة، ما صدر عن اجتماع قيادة التنظيم الدولي للإخوان من قرارات خطيرة بعد اجتماعاته في استانبول خلال الفترة بين 11 و14 يوليو الحالي لدراسة خطة العمل بعد عزل مرسي، والذي شارك فيه ممثلو جماعة الإخوان في جميع دول العالم بتسهيلات من حكومة تركيا الذي يرأسها الإخواني رجب طيب أردوغان، وشارك فيها عن تونس راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة، وحسن مالك من مصر، وزكي بن إرشيد عن الأردن، وخالد مشعل عن حماس.. وغيرهم، وكان انعقاد هذا الاجتماع بمباركة أمريكية، كما كان المشاركون في الاجتماعات على تواصل مستمر مع السفيرين الأمريكي والفرنسي في تركيا، وهو ما يفسر الضغوط لتي مارسها المجتمعون على الكونجرس والإدارة في أمريكا والاتحاد الأوروبي لقطع المعونات العسكرية والاقتصادية عن مصر، وأدى إلى زيارات عضوين من الكونجرس ومسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي آشتون إلى مصر مرتين في أقل من شهر، والمحاولة الفاشلة للتصويت في الكونجرس الأمريكي على قطع المساعدات العسكرية عن مصر.
وقد اتفق المجتمعون في استانبول على عدم القيام بأي خطوات استفزازية تبعد الأمريكيين والأوروبيين عن موقفهم المتعاطف مع الجماعة، والتركيز إعلاميا على إبراز الإخوان كإسلام معتدل، وشنّ هجوم عنيف على الإسلام المتشدد والمتطرف، وربطهم بتطرف الحركات القومية وقيادة الجيش المصري، هذا بالإضافة إلى العمل بحذر وسرية تامة لمواجهة التطورات الجارية في تونس وليبيا ضد الإخوان، ومواجهة رموز المعارضة في البلدين بصمت وخفاء من خلال الاتفاق والإيماء للقوى السلفية بأنهم في خطر إذا عاد العلمانيون للحكم، ورصد كل أسماء ورموز المعارضة من صحفيين وكتاب ونقابيين والتعامل معهم وإسكات صوتهم بأي طريقة لتجنب ما حدث للإخوان في مصر. كما تضمنت القرارات أيضا محاولة كسب الأقليات في العالم العربي والتركيز على التنظيمات الكردية في العراق وسوريا وتركيا وكسبهم إلى جانب الإسلام السياسي، وإنشاء صندوق طوارئ يمول من قبل التنظيم العالمي للإخوان ومتبرعين لمساعدة حركة حماس في غزة التي بدأت تتجه مرة أخرى نحو إيران وتنفتح عليها، وأيضا مساعدة حزب النهضة في تونس، مع تشكيل لجنة طوارئ عليا تكون في حالة انعقاد متواصل للتعامل مع هذه الأزمات.
أما أخطر القرارات السرية التي اتخذها المجتمعون من قادة الإخوان في العالم في استانبول فهي المتعلقة بالثورة المصرية التي اندلعت في مصر في 30 يونيو وأدت إلى سقوط نظام حكم الإخوان في مصر، وتمثلت في ثلاثة قرارات هي:
(1) الثبات في الاعتصامات الموجودة في المدن المصرية وتوسيع دائرتها وانتشارها في المدن والميادين الأخرى (وكان نتيجة هذا القرار زحف معتصمي رابعة نحو طريق النصر والمنصة ومحاولة احتلال صالة المؤتمرات، فضلا عن إغلاق جامعة القاهرة في الجيزة).
(2) تكثيف واستمرار التظاهرات والمسيرات في كل الميادين اعتراضا على ما يسمونه الانقلاب العسكري.
(3) استدعاء إسرائيل إلى المشهد السياسي والأمني بشن عمليات إرهابية من جنوب سيناء ضد أهداف مدنية وعسكرية إسرائيلية في إيلات بقصفها بالصواريخ، وأهداف متحركة (حافلات تقلّ إسرائيليين) على الطريق 12 بين بئر سبع وإيلات، بما يعطي إسرائيل الذريعة للتدخل العسكري ضد مصر في سيناء واحتلال جزء منها، بما يشتت جهود الجيش المصري بين الجبهة الداخلية وسيناء.
(4) تكليف “,”جيش مصر الحر“,” في سيناء الذي يقوده رجل القاعدة رمزي موافي، بالسعي لضم جميع الحركات الجهادية في سيناء وتوحيدها في صفه، مع تعزيزه بشريا وتسليحيا من حماس في غزة بما يؤدي إلى تكثيف العمليات الإرهابية في سيناء لزيادة الضغوط على الجيش في سيناء، وهو ما انعكس في إعلان القيادي الإخواني محمد البلتاجي الموجود في رابعة عن تشكيل “,”مجلس حرب“,” من أبناء سيناء لطرد الجيش والشرطة من سيناء، قائلا في 1/8/2013 “,”لا سلمية بعد اليوم“,”، موجها رسالة إلى قوى الإسلام السياسي تقول “,”لا انتخابات بعد اليوم“,” إشارة إلى رفض المسار الديمقراطي، وهو ما يدل على زيادة لهجة العنف في الخطاب الإخواني، والدفع باتجاه القفز على سلمية التظاهر، وتبني قاعدة “,”سنعتدي على من اعتدى علينا“,”، ويبدو تفسيرا واضحا لحالة فقدان قيادات الإخوان السيطرة على الموقف، وغياب الرؤية في التعامل مع المشهد الراهن جراء حصار شعبي وأمني وإعلامي للاعتصامات القائمة، فضلا عن ارتباك وتخبط القائمين على الاعتصامات من قادة الإخوان.
اندفاع الإخوان نحو مزيد من العنف والإرهاب في الأيام القادمة
كان من نتيجة توصيات وقرارات التنظيم الدولي للإخوان في استانبول، أن توافرت لدى الأجهزة الأمنية في مصر معلومات عن قرارات اتخذتها قيادة الإخوان في مصر لرفع مستوى العنف والإرهاب في جميع محافظات مصر بهدف الضغط على قيادات الدولة والجيش لإعطاء تنازلات تبدأ في أقصاها بالإفراج عن مرسي، وفي أدناها التعهد بخروج آمن لقيادات الإخوان من رابعة وغيرها، مع الإفراج عن قيادات الإخوان المعتقلين.
وتتمثل خطط الإخوان في المرحلة الحالية والقريبة جدا في الآتي:
1- إشعال فتنة طائفية جديدة من خلال مهاجمة الكنائس والأقباط، ومحاولة اغتيال كبار رجال الكنيسة، بما يعطي الذريعة لتدخل خارجي لحماية الأقباط في مصر، فضلا عن شغل الدولة بهذه القضية على حساب تصفية بؤر الاعتصام الإخوانية ومسيراتهم اليومية الداعية للفوضى.
2- التوسع في عمليات العنف لتندلع في جميع المحافظات في وقت واحد، وتكثيفها بشدة كي لا تقتصر فقط على قطع الطرق والكباري وخطوط السكة الحديد وتعطيل المترو وإغلاق الشوارع، بل وتشمل أيضا شن هجمات بالأسلحة النارية ضد المنشآت الحيوية وذات الأهمية الاستراتيجية، وأبرزها مقرات الحكومة من وزارات وهيئات ومؤسسات عامة، ومقرات وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية (أمن الدولة، المخابرات العامة، المخابرات الحربية) مديريات الأمن وأقسام الشرطة، ومقرات القضاء (محاكم، مجلس الدولة، نادي القضاة).. إلخ.
3- إحداث تفجيرات ضخمة في مستودعات وخطوط الغاز داخل المدن، ومحطات الطاقة، بما يؤدي إلى ترويع المواطنين وإظلام المدن، وتعطيل الحياة العامة في مصر، فضلا عن شلل في التحركات والمرور في جميع أنحاء مصر.
4- إطلاق النار من عربات وموتسيكلات بشكل عشوائي وبكثافة على المواطنين المعارضين للإخوان وأخذ رهائن وطلب فديات في مقابل الإفراج عنهم، بما يؤدي إلى ترويع المواطنين على النحو الجاري في سوريا حاليا.
5- إطلاق قذائف مضادة للدبابات ونيران رشاشات ثقيلة على السفن العابرة لقناة السويس، مصحوبة بتفجيرات في منشآت هيئة القناة في مدن القناة الثلاث، بما يؤدي إلى توقف الملاحة واستدعاء التدخل الأجنبي بدعوى الحفاظ على حرية الملاحة في القناة.
6- مهاجمة المطارات والمواني في أنحاء الجمهورية، وتعطيل حركة السفر والشحن من وإلى مصر جوا وبحرا.
خطط الإخوان للدفاع عن رابعة والنهضة في مواجهة اقتحامهما:
أولا: مَن الموجودون في رابعة والنهضة؟
يتكون الموجودون في رابعة حاليا من أربع فئات على النحو التالي وبإجمالي لا يزيد على خمسين ألف فرد:
الفئة الأولى- وتشكل 60% من المعتصمين، ممن هم في أدنى مستوى خط الفقر، ويحصل كل فرد منهم على 200 جنيه يوميا، و2 وجبة غذائية مقابل بقائه في مكان الاعتصام، فضلا عم أطفال الملاجئ الذين شاهدناهم يحملون أكفانا وكتب على ظهورهم (مشروع شهيد)، وهي إحدى صور التجارة بالبشر التي يمارسها الإخوان، وإذا سار في مسيرة يحصل على 500 جنيه، ويستخدمون في خدمة إعاشة المعتصمين.
الفئة الثانية- وتشكل 20% من المعتصمين، وهم من المتسولين المحترفين من الرجال والنساء وأطفال الشوارع، ويتقاضى الفرد منهم أيضا 200 جنيه و2 وجبة غذائية، وإذا سار في مسيرة يحصل على 500 جنيه، وإذا استخدم في خلع بلاط الشوارع وبناء الحواجز يحصل الفرد على 1000 جنيه في يوم العمل.
الفئة الثالثة- وتشكل 10% من المعتصمين، وهم من البلطجية والمسجلين خطرا، والهاربين من تنفيذ أحكام، وهم المكلفون بممارسة أعمال العنف وإطلاق النار وحراسة البوابات وإرهاب الناس في الشوارع.
الفئة الرابعة- وتشكل 10% من المعتصمين، وهم من كوادر الإخوان في التنظيم، الملوثة عقولهم بمفاهيم دينية باطلة حول (إقامة دولة الخلافة، وتطبيق الشريعة، والحكم بما أنزل الله..) إلى غير ذلك مما جاء في كتب الجماعة ورسالات مرشدها، وقد أغلقوا عقولهم على هذه المفاهيم، ولا يقبلون نقاشا حولها، وهم مَن وصفهم د. ثروت الخرباوي المنشقّ عن الجماعة “,”إلههم المرشد، وقرآنهم كتاب (معالم في الطريق)“,”، ويعتقدون أنهم يدافعون بممارساتهم هذه عن الإسلام، وأن المنتسبين إلى الجماعة فقط هم المسلمون وما عداهم -بمن فيهم حلفاء الجماعة من السلفيين- كفار أو أشباه مسلمين، وبالتالي يحلّون أرواحهم ودماءهم وثرواتهم وأعراضهم، فضلا عن تكفير جميع مؤسسات الدولة باعتبارها “,”دولة جاهلية، ومجتمعا جاهليا“,”، وهو ما يفسر أعمالهم الوحشية في تعذيب وقتل معارضيهم، وهم الذين يهددون باقي المعتصمين بالعقاب في حالة خروجهم عن الاعتصام. وقد انضمّت إلى هذه الفئة أعداد كبيرة من إخوان الدول العربية والإسلامية، خصوصا في سوريا والعراق وحماس، ممن خاضوا معارك في هذه البلدان، ويحترفون استخدام الأسلحة الموجود في أماكن الاعتصام، مثل الرشاشات المتوسطة والثقيلة، والصواريخ المضادة للدبابات، والقنابل اليدوية والبنادق الآلية والقناصة وعبوات متفجرة وأنابيب بوتاجاز للتفجير، وتفيد بعض المعلومات بوجود هاونات وصواريخ جراد أيضا في أيدي المعتصمين.
وتشكل الفئات الثلاث الأولى دروعا بشرية للفئة الرابعة والتي تحوي ضمنا قيادات الإخوان، وعناصر من كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس، وسوريين وعراقيين، فضلا عن قيادات سلفية مثل عاصم عبد الماجد، وطارق الزمر، كما حرصت قيادات الإخوان على جمع بطاقات الهوية وأرقام القومي من الفئات الثلاث الأولى ضمانا لبقائهم.
ثانيا: خطة الإخوان للدفاع عن رابعة والنهضة.
بدأت خطوة الإخوان للدفاع عن رابعة بتوجيه ضربات مسبقة تمثلت في الدعوة إلى مظاهرات واعتصامات في ميادين أخرى في القاهرة شملت المدينة الإعلامية، وشارع الميرغني في مصر الجديدة، وأمام جهاز الأمن الوطني، ووزارة الدفاع ومديريات الأمن وغيرها من الأماكن الحيوية لتشتيت جهود أجهزة وقوات الأمن والجيش، وهو ما حدث يوم الجمعة 2/8 وترتب على ذلك القبض على عشرات منهم أمام المدينة الإعلامية، حاولوا قطع الطرق والكباري.
وقد انخفضت أعداد المعتصمين في رابعة والنهضة بسبب توجه الكثيرين منهم إلى مدنهم لقضاء إجازة عيد الفطر المبارك، وخوفا على حياتهم من اقتحام قوات الأمن لأماكن الاعتصام، لا سيما بعد النشاط الذي تمارسه جماعتان منشقتان عن جماعة الإخوان هما (إخوان بلا عنف) و(الإخوان الأحرار)، تعترضان على ممارسات مكتب الإرشاد وتطالبان باستقالته، وتحذير المعتصمين من مغبة الانسياق وراء دعوات قادة الجماعة إلى استمرار الاعتصام وتحدي الدولة، والدعوة إلى تشكيل مكتب إرشاد جديد ينهض بمهام الدعوة فقط دون خلط الديني بالسياسي، وكان المنشقون عن الجماعة قد رفضوا الاجتماع بالمرشد بديع، خصوصا بعد أن حدثت مواجهات بين قادة الإخوان في رابعة، حيث حمّل كل منهم مسؤولية انهيار الجماعة للآخر، وأفادت مصادر من داخل اجتماع مكتب الإرشاد في رابعة أن أهم ما أسفر عنه هذا الاجتماع سحب الثقة من بديع وتكليف محمد علي بشر ليكون مرشدا عاما جديدا مؤقتا حتى استقرار الأوضاع وإجراء انتخابات جديدة، مع عدم الإعلان عن هذا القرار حفاظا على الروح المعنوية للجماعة وتماسك الاعتصامات.
بينما شهد ميدان رابعة أيضا مناوشات كلامية بين المعتصمين الذين دعا بعضهم الآخر لفض الاعتصام قبل تدخل الأمن، وكان الرأي المعارض بأنهم ينتظرون قدوم الأمن حتى لو كلفهم ذلك حياتهم.
وإزاء هذا الوضع الجديد بدأ المعتصمون في رابعة يصدِّرون النساء والأطفال في المشهد سواء داخل اعتصام رابعة والنهضة أو في المسيرات التي تخرج ليلا لتجوب الشوارع ثم يعودون إلى رابعة أو ينصرفون، في مشهد يتكرر شبه يومي لا سيما في أيام الجمعة والسبت بسبب الإجازات وعلى مدار شهر الاعتصام، كما شيّد المعتصمون 6 سواتر من الطوب وحجارة الأرصفة ودشم رملية بها فراغل يمكن منها إطلاق نيران منشَّنة بدقة، فضلا عن دوائر من كاوتش السيارات لحرقه أثناء فض الاعتصام، وإغلاق جميع مداخل ميدان رابعة من جانب “,”طيبة مول“,” وطريق النصر وشارع الطيران وغيرها من الشوارع الفرعية، كما تم نصب رشاشات وصواريخ مضادة للدبابات فوق أسطح المنازل، وامتلأت الخيام بشوم ومواسير حديدية وزجاجات فارغة وجراكن بنزين لاستخدامها كمولوتوف، مع تكثيف نقاط المراقبة فوق أسطح المنازل، وفي اعتصام ميدان النهضة تم إغلاقه من جهة ميدان الجيزة وحديقة الأورمان وحديقة الحيوان ومديرية الأمن، كما تم إنشاء سواتر أسمنتية وشكائر رملية وسواتر حديدية حول مكان الاعتصام، فضلا عن بوابتين للسيطرة على الداخلين والخارجين من وإلى مكان الاعتصام وتفتيشهم.
ويستعد المعتصمون لصد اقتحام قوات الأمن أولا بإطلاق نيران الرشاشات والبنادق من فوق السواتر الحجرية والحديدية والصواريخ المضادة للدبابات عند اقترابها من مسافات بعيدة، ومع الاقتراب أكثر ستزداد كثافة نيران الرشاشات والبنادق والصواريخ المضادة للدبابات عند وصول مركبات الشرطة المدرعة في مدى هذه الأسلحة، ثم إطلاق زجاجات المولوتوف عند اقتحام مركبات الشرطة وأفرادها لمواقع الاعتصام، فضلا عن إشعال النيران في الكاوتش لتعطيل تقدم مركبات الشرطة، وارتداء أقنعة واقية من الغاز المسيل للدموع والدخان المتوقع إطلاقه بكثافة، مع إعادة إبقاء قنابل الغاز على الجنود والمركبات.
كذلك تم تجهيز أخشاب بها مسامير لإلقائها في طريق عربات الجيش والشرطة، وتوفير كميات كبيرة من زيت السيارات لإلقائه على الأرض لعرقلة تحرك القوات المقتحمة وزحلقتهم. كما وفر المعتصمون سائلا جديدا جرى إنتاجه داخل الاعتصام يعمل على إبطال مفعول قنابل الغاز المسيل للدموع، كذلك تم توفير براميل صغيرة من الرمال والمياه لإطفاء أي حرائق قد تحدث نتيجة إطلاق النار عليهم. وقد استعدت المستشفيات الميدانية التابعة للإخوان في أماكن الاعتصام بتوفير كميات كبيرة من الأدوية اللازمة لعلاج الإصابات والجروح وأجهزة تنفس، إضافة إلى السوائل التي تستخدم لمواجهة آثار الغازات المسيلة للدموع، وتم توزيعها مسبقا على القائمين في منطقة الحواجز الرئيسية حول ميادين الاعتصام لتكون متوافرة قرب مناطق الاشتباكات المتوقعة، هذا مع تكليف عناصر مناهضة من حماس باعتلاء أسطح المنازل لاستهداف الضباط وقادة الاقتحام وليس من المستبعد أن تقوم عناصر من حماس بإطلاق صواريخ جراد وهادفات ذات المدى حتى 20 كم ضد أهداف استراتيجية بعيدة، مثل مقرات الوزارات والأجهزة الأمنية والكباري والتجمعات السكنية لإحداث إرباك في أوساط أجهزة الأمن، فضلا عن نشر الذعر والترويع بين المواطنين في الداخل. كما ستسعى قيادات الإخوان من أماكن الاعتصام في أزياء نساء منتقبات وعربات إسعاف ونعوش موتى، وذلك قبل بدء عمليات الاقتحام.
ومع اقتراب ساعة تصفية اعتصامات الإخوان، تتصاعد من قادتهم صيحات الحرب النفسية ودعوات الاستقواء بالخارج، ومع حرصهم على رفع الروح المعنوية للمعتصمين. من ذلك هتافاتهم بأنهم كما كسروا الداخلية في 25 يناير فإنهم سيعزلون اليوم الداخلية، مع إعطاء وعود مكررة بقرب قدوم مرسي إلى رابعة، واقتراب النصر وزوال الانقلاب. وعلى صعيد الاستقواء بالخارج تكررت دعاوى قادة الإخوان عبر قناة “,”الجزيرة“,” لمن أطلقوا عليهم الشرفاء في العالم أن يأتوا في القاهرة من شتى أنحاء العالم لينضموا إلى معتصمي رابعة والنهضة، فضلا عن دعوة مكتب “,”هيومان رايتس ووتش“,”، ومكتب المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان، ومكتب منظمة العفو الدولية، وكل مسؤولي ملفات الحريات وحقوق الإنسان في جميع السفارات للمجيء إلى رابعة والاطلاع على أحوال الاعتصام بدعوى أنه اعتصام سلمي، وللضغط على الحكومة المصرية للعدول عن فكرة فضل الاعتصام بالقوة.
ويبلغ مستوى الإنفاق اليومي على المعتصمين في رابعة والنهضة نحو 30 مليون جنيه، أما مصادر التمويل فهي من دولة قطر، وأموال الجماعة التي تقدر في الداخل بنحو 20 مليار جنيه، فضلا عن تبرعات الإخوان في الداخل والخارج، وعائدات شركاتها الكثيرة المنتشرة في الداخل والخارج تحت أغطية مختلفة.
تصور الخطة وإدارة عملية فض الاعتصامات
مما لا شك فيه أن قيادات وزارة الداخلية بالتنسيق مع قيادات الجيش، قد وضعوا خطة محكمة لتصفية أوضاع الاعتصام في رابعة والنهضة، وذلك بناء على المعلومات المتوافرة بواسطة أجهزة الأمن والمخابرات والصور الجوية والقضائية التي تم الحصول عليها، وفرض أسوأ الاحتمالات المتوقعة من جانب الإخوان وحلفائهم في رابعة، وكيفية مواجهتها. وبناء على هذه الخطة تم تدبير وتجهيز آليات تنفيذها من قوات ومعدات ومركبات وأسلحة.. إلخ، بل والتدريب عليها أيضا.
وبعد أن حصل وزير الداخلية على تكليف من مجلس الوزراء باتخاذ الإجراءات اللازمة لتصفية الوضع في الاعتصامين برابعة والنهضة نظرا لما يمثله ذلك من تهديد للأمن القومي المصري وترويع غير مقبول للمواطنين، وذلك في إطار أحكام الدستور والقانون، فقد أصدرت وزارة الداخلية عدة بيانات موجهة للمعتصمين ندعوهم إلى الاحتكام إلى العقل وتغليب مصلحة الوطن والانصياع للصالح العام وسرعة الانصراف منهما وإخلائها حرصا على سلامة الجميع مع التعهد الكامل بخروج آمن وحماية كاملة لكل من يستجيب لهذه الدعوة، مع التعهد بعدم ملاحقة أي منهم أمنيا في المستقبل. ومن المتوقع أن يتكرر مثل هذا البيان عدة مرات قبل لحظة فض الاعتصام.
ومن المتوقع بعد أن حصل وزير الداخلية على الغطاء السياسي من مجلس الوزراء، أن يحصل أيضا على غطاء قانوني من النائب العام يكلفه بفض الاعتصامات التي تشكل إرهابا وإزعاجا للمواطنين الذي قدموا بلاغات عديدة ضد المعتصمين. كما ستحرص أيضا قوات الأمن عند اقتحامها لأماكن الاعتصامات على أن يصاحبها عناصر من النيابة العامة لتكون شاهدا على ما سيقع من أحداث من الجانبين، فضلا عن تسجيل كل شيء بالصوت والصورة.
وستحكم تنفيذ عملية تصفية الاعتصامات عدة مبادئ تتمثل في الآتي:
تحقيق المفاجأة من حيث توقيت الاقتحام، وأسلوبه، وحجم القوات المشتركة ونوعياتها وتسليحها، واتجاهات عملها، وكيفية التنفيذ. وفي هذا الإطار قد تنفذ عمليات خداع لتضليل قيادات وعناصر الإخوان عن حقيقة خطة فض الاعتصام.
تشتيت جهود المعتصمين بين عدة اتجاهات ستعمل عليها قوات الاقتحام.
تقليل حجم الخسائر إلى أدنى درجة في الجانبين.
سرعة اصطياد قيادات الإخوان ومنعهم من الهروب.
ولتحقيق هذه المبادئ سيتم توجيه أكثر من إنذار للمعتصمين بفض الاعتصامات مع تكرار التعهد بعدم الملاحقة وذلك كل 6 ساعات ثم إنذار صريح واضح بمهلة محددة لبدء الإجراءات لتفادي أكبر عدد من الضحايا، وأن عليهم أن يأخذوا هذه المهلة على محمل الجد، ومن يخالف التحذيرات ويتجاهلها فإنه سيكون مسؤولا عن استمرار الجرائم التي ارتكبت والمشاركة في مناصرة مجرمين متهمين صدر بحقهم قرارات ضبط وإحضار من قبل النيابة العامة، ومساعدة مجرمين على استمرار جرائم، وهذا لا يختلف عمن يخفي مجرما أو يساعد مجرما على مقاومة السلطات أو لا يعتبر مثل هؤلاء ضحايا بل مجرمون. وقد يصاحب ذلك إعلان حالة الطوارئ بشكل مؤقت وحظر التجول في مناطق الاعتصامات وحولها، وهو أمر مهم لاتخاذ إجراءات لإنقاذ البلاد من أخطاء تهدد الأمن القومي المصري، ولاعتقال كل من يعترض على تنفيذ القانون ويستخدم السلاح في مواجهة الشرطة ويحرض على القتل ويستدعي جهات أجنبية لمصر ويستنجد بها، الأمر الذي يعد خطيرا ويخرج عن سلمية المظاهرات التي يسمح بها الدستور والقانون.
ومن المتوقع أن يتم تنفيذ خطة فض اعتصامي رابعة والنهضة في وقت واحد، وقد يكون ذلك على مراحل حفاظا على الأرواح، تبدأ بالإنذارات المشار إليها آنفًا وخروج النساء والأطفال، ثم التصعيد طبقا لرد الفعل من جانب المعتصمين.
وستبدأ الخطة بمحاصرة موقعي الاعتصام في رابعة والنهضة وتضييق الخناق على المعتصمين، وإغلاق الشوارع المؤدية إليهم، ومنع دخول متظاهرين جدد أو عربات، وفي حالة خروج بعضهم في مظاهرات يمنع دخولهم مرة أخرى، مع منع دخول أي إمدادات من طعان وشرب للمعتصمين، إلى جانب إغلاق منافذ القاهرة بما لا يسمح بتوافد معتصمين من المحافظات الأخرى إلى القاهرة مع زرع كمائن أمنية متحركة لرصد أي تحركات أو إمدادات خاصة لأسلحة مخبأة في أغراض بريئة.
وسيتم التعامل مع المعتصمين وفقا لقواعد التدرج في استخدام وسائل القوة، بدءًا بأسلحة شل القدرة غير المميتة “,”NON LETHAL WEAROM“,” مثل خراطيم المياه تحت ضغط عالٍ، وقنابل الغاز المسيل للدموع، وقنابل الدخان، والقنابل الصوتية، والموجات فوق الصوتية “,”ultra sound“,”، ونبضات كهرومغناطيسية غير مميتة، ثم إزالة السدود والمواقع المعيقة حول أماكن الاعتصام، ثم يتم الاقتحام من عدة اتجاهات في وقت واحد باستخدام العصيّ المكهربة.
وستعطي أولوية لإخراج النساء والأطفال الباقين بالقوة وتجميعهم في شاحنات خارج أماكن الاعتصامات، مع توجيه قوة خاصة للأماكن الموجود بها قادة الإخوان لاعتقالهم وإعلان ذلك إعلاميا بالصوت والصورة، بما يؤدي إلى انهيار الروح المعنوية للمعتصمين وكذلك إنزال قوات خاصة بالمروحيات فوق أسطح المنازل لتطهيرها من مواقع الأسلحة المنصوبة فيها، وتأمين السكان في المنازل من أعلاها وأسفلها حتى لا يتخذهم الإخوان رهائن يتم المساومة عليهم.
أما الأماكن التي سيتم إطلاق نيران حية منها ضد قوات الاقتحام فسيتم الرد عليها بالمثل لإسكاتها، تفعيلا لحق الدفاع الشرعي عن النفس. كما سيُعطى اهتمام خاص لاعتقال الجنسيات غير المصرية الموجودة في أماكن الاعتصام لا سيما أن معظمهم مكلّفون باستخدام أسلحة نارية، خصوصا أن مصادر المعلومات تفيد بوجود مجموعات من كتائب عز الدين القسام وحزب الله بتشكيلين، الأول داخل القاهرة والثاني في سيناء، وتم القبض على بعضهم في سيناء والمحافظات خصوصا في منطقة القناة.
وقد تستمر المواجهات مع المعتصمين عدة ساعات، وستحرص القوات على استخدام وسائل شل القدرة المشار إليها آنفا والرصاص المطاطي لتجنب وقوع ضحايا، مع استخدام الوحدات الخاصة بمكافحة الشعب والصاعقة للقبض على رؤوس مثيري الشغب الموجودين بالشكل والمكان والاسم، مع الحرص على وجود قوات احتياط في مناطق قريبة لمواجهة احتمالات التصعيد وسرعة الحسم، فضلا عن قوات احتياط أخرى في مناطق بعيدة تحسبا لتظاهرات واعتصامات في أماكن أخرى وفضها قبل أن يستفحل أمرها. وستخصص أعداد كثيرة من الشاحنات لاعتقال ونقل كل من يواجه قوات الأمن بأعمال معادية إلى المعتقلات كذلك توفير قوات من الأمن المركزي للانتشار في المواقع التي يتم فضها.
ومن المتوقع أيضا استخدام كلاب بوليسية خاصة للبحث عن المفرقعات، وغالبا ما سيكون استخدامها في بداية عمليات الفض، كذلك سيُراعى عدم السماح بوجود أي قناة فضائية تقوم ببث الأحداث، مع السيطرة على وحدات البث المستولى عليها من التليفزيون المصري قبل 30 يونيو والتي تستخدم لبث الاعتصام في رابعة، كذلك شن عمليات إعاقة إلكترونية على قنوات “,”الجزيرة“,” وفرض حظر على بثها من مصر.
خلاصة القول
مما لا شك فيه أن الدولة المصرية تواجه تحديا غير مسبوق في تاريخها، يتمثل في تهديد داخلي خطير للأمن القومي المصري له أبعاد خارجية، ويتمثل في تنظيمات إرهابية تمتهن العنف باسم الدين ضد كل من لا ينتمي إليها من المواطنين، يكفّرونهم ويستحلّون حرماتهم من أرواح ودماء وممتلكات، بل ويستقوون بقوى خارجية لتمكينهم من حكم مصر وعلى حساب أراضيها وشعبها، وتنفيذا لمخططات أمريكية وإسرائيلية تستهدف تقسيم مصر وانتزاع سيناء منها لحساب إسرائيل وحماس، ومن خلال إشاعة الفوضى فيها على النحو الجاري في العراق وسوريا وليبيا واليمن، ويزداد الأمر خطورة مع نجاح جماعة الإخوان وحلفائهم من السلفيين في استقطاب أعداد كبيرة من المصريين بعد خداعهم بالشعارات الدينية البراقة التي ترفعها هذه الجماعات مستغلين حب المصريين لدينهم وتمسكهم به إلى جانب ما تجده هذه الجماعات من دعم مالي وبشري وتسليحي وإعلامي وسياسي من دول ومنظمات أجنبية مثل قطر وتركيا وليبيا والسودان فضلا عن التعاطف الأمريكي والأوروبي.
ولما كان الشعب المصري قد أعطى تفويضا كاملا أكثر من مرة منذ ثورة 30 يونيو لسلطات الدولة للقضاء على الإرهاب المتفشي في الداخل وفي سيناء، فقد أصبح لزاما على مؤسسات الدولة أن تستجيب فورا لنداءات جميع قطاعات الشعب المطالبة بإنهاء الاعتصامات والتظاهرات وحظر عمل هذه الجماعات مستقبلا خصوصا جماعة الإخوان ومن ثم فإن أي تأخر أكثر من ذلك سيأتي بنتائج عكسية، حيث ستفقد أجهزة الدولة ومؤسساتها السياسية والأمنية عندئذ مصداقيتها عند الشعب، وستفقد أيضا ما حصلت عليه من تعاطف وتأييد شعبي كاسح لم يسبق له مثيل، وقد ينقلب الشعب عليها ويدعو إلى البحث عن شخصيات أخرى قادرة على تحمل المسؤولية، وتعمل بأيدٍ قوية غير مرتعشة، قادرة على إصدار القرارات الحاسمة والرشيدة في التوقيتات المناسبة، بما يحافظ على أمن الوطن والمواطنين.
ولأن قادة الإخوان يعلمون جيدا أنه في حالة استجابتهم لمطالب الدولة في الخروج الطوعي وفض الاعتصام سلميا، فإنه سيتم اعتقالهم بموجب أوامر الضبط والإحضار الصادرة من النيابة ضدهم، ثم محاكمتهم وإيداعهم السجون مرة أخرى، فإنه من المؤكد أنهم لن يقبلوا بالخروج الطوعي وفض الاعتصامات سلميًّا وسيقاتلون معركتهم بواسطة الفئات الأربع السابق الإشارة إليها آنفا حتى آخر طلقة وآخر رجل أو اعتقالهم بواسطة أجهزة الأمن، لأنها في نظرهم معركة النهاية في حياتهم، ومن هنا ستأتي حتمية فض الاعتصام بالقوة، ولا سبيل ولا بديل غيرها لفرض الأمن وهيبة الدولة وتلبية مطالب الشعب.
ولما كنا بسبيل إعداد دستور جديد لمصر، فإنه ينبغي على من ينهضون بهذه المسؤولية أن يضعوا في اعتبارهم رغبة الشعب الملحة في عدم قيام أحزاب على أسس دينية بعد ما كابده الشعب خلال العامين الماضيين من مآسٍ وإرهاب وخراب على أيدي هذه الأحزاب، وسواء من كان منهم داخل الحكم مثل الإخوان، أو خارجها من السلفيين، وأن ينص على ذلك بشكل واضح في الدستور القادم.
وأخيرا يجب أن تعطي أولوية مطلقة للمواجهة الفكرية لتلك الأفكار الدينية الهدامة والباطلة التي تنهض عليها مبادئ عمل الجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية، وإظهار الحقيقة في ما ترفعه من شعارات دينية برّاقة هي كلمات حق يُراد بها باطل، مثل الحاكمية والحكم بما أنزل الله، وتطبيق الشريعة، وآفاق الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذلك لأن المواجهة الفكرية لكل ذلك ستكون هي السبيل الأوحد لمنع هذه الجماعات المتطرفة والإرهابية من تضليل الناس بأنها القائمة على الإسلام والمدافعة عنه في وجه الحكومات العلمانية التي لا تطبّق شرع الله، وبالتالي إغلاق المخارج التي يتم فيها تلويث عقول عامة الناس بمفاهيم دينية باطلة، وتعتبر وسائل الإعلام والمنابر السياسية والثقافية والدينية هي المسؤولة عن هذه المواجهة الفكرية والتوعية الدينية الحقيقية.