وضْع العربة أمام الحصان: مشهد التحالفات الانتخابية
فيما يبدو أن الانتخابات الحالية
قد لا تشهد تحولا لافتًا للنظر، فهي لا تزال تتأرجح بين السياسي والأيديولوجي في قيامها
بصنع التحالفات الانتخابية، على أرضية الوضع السياسي، لا على أرضية التوافق في البرامج
الاجتماعية والاقتصادية. ورغم أن ثنائية الأيديولوجي مقابل السياسي، ظلت حاضرة في المشهد
السياسي، لا تغيب، فإن المتابع لتحولات الأوضاع السياسية، سيجد أن طرفًا من أطراف الثنائية
قد تغلب في مرحلة، فيما ظل الطرف الآخر يحتل مساحة محدودة.
فقد لاحظ المراقبون للانتخابات
أنها تفتقد منذ يناير إلى التفكير بلغة جديدة تبتعد عن فترة حكم مبارك. إذ يفترض أن
العملية الانتخابية هي عملية تنافس على البرامج التي تدشّن موقفًا من المشكلات الاقتصادية
والسياسية الملحة، وتحدد حلولا مؤقتة بجدول زمني، يبدأ من مدى زمني قصير فمتوسط فطويل
الأمد. ورغم الخبرة الطويلة للعمل الانتخابي في السياق المصري، فإن التنافس على هذا
الأساس هو تنافس منتفٍ، وأصبح واضحًا هذا التذبذب بين الانحياز لوضعية مؤقتة هي الموقف
السياسي أو الانحياز لموقف أيديولوجي، أو النظر إلى ماذا تريد السلطة، وليس ماذا سنفعل
إزاء الحاجات الملحة والمطالب الشعبية.
ومن المهم قبل التعرف على
خارطة المشهد الانتخابي المتوقعة، طبقًا لما جرى أخيرًا من إعلان للنيّات، من الضروري
تحديد صور التحالف الانتخابي الممكنة، وأشكالها منذ قيام انتفاضة يناير، وتحولاتها
بعد انتفاضة ثلاثين يونيو، باتباعها تاريخيًا قبل يناير حتى اللحظة الراهنة.
أولا: أشكال التحالفات
الانتخابية في عهد مبارك
في الواقع، لا يوجد شكل واحد
للتحالفات الانتخابية في الواقع المصري، إذ توجد أشكال متنوعة، تختلف بحسب موقع الفاعلين
في السياق السياسي. أول هذه الأشكال هو التحالف على أساس المصلحة. وهو أكثر أشكال التحالف
بروزًا في المجتمع المصري. وهو عادة ما يشتد عوده في المجتمعات التي يسودها نمط الحكم
الاستبدادي، حيث ينعكس نمط العضوية في الحزب الحاكم على طبيعة التحالف السياسي. وفي
مجتمعنا المصري عادة ما تجتمع مصلحة الجماعات المهيمنة مع السلطة، فتحاول هذه الجماعات
أن تمكن الحزب الحاكم من الحصول على أكبر نصيب من الأصوات الانتخابية، في مقابل أن
تحصل هي على أكبر نصيب من الثروة والجاه. وعادة ما يسعى أبناء هذه الجماعات إلى الانتساب
إلى الحزب الحاكم والعضوية فيه، أو العمل بقوة على تمكين أفرادها من الدخول إلى مؤسسات
الدولة القوية، كجزء من عملية تمكين حضورها، واستثمارًا لعلاقتها بالحزب الحاكم، مع
الحصول على امتيازات أخرى. وبطبيعة الحال، فهذه الجماعات (سواء أكانت في صورة عائلات
أم قبائل أم عشائر أو مجموعة من رجال الأعمال) لا تعتقد في أي نظام أيديولوجي، بل قادرة
على التلون، والدفاع عن مصالحها، والوقوف مع أي سلطة مهما كانت، إلا في حالات تهديد
المنافسة، أو وجود ثارات بينها وبين السلطة الجديدة. هذه الجماعات قادرة ـ بحكم سطوتها
على السكان المحليين ـ على الحشد والتعبئة، واستغلال الفقر والعوز، واستثمار رأس المال
الاجتماعي والديني لها، في الدفع بالحليف قدمًا. وتاريخيًا كان لها تاريخ مخزٍ من الصفقات
السياسية مع المحتلين. والأمثلة على ذلك كثيرة، أبرزها التحالف الذي قاده الباشا محمد
سلطان مع الإنجليز للإيقاع بأحمد عرابي، ومن قبل ما قام به بعض المشايخ (والشيخ هنا
ليس لقبًا دينيًا) من أمثال الشيخ البكري من التعاون مع نابليون بونابرت حين جاء إلى
مصر غازيًا. إن من أبرز سماتها السيكولوجية هي الخضوع والانذلال لأي سلطة محلية أو
أجنبية، فهي تدفع ثمن الحفاظ على مصالحها دون هوادة. هذا اللون التحالف على أساس المصلحة
يشكل حجر الأساس الذي اعتمد عليه الحزب الوطني في تدشين حضوره السياسي، وهو ليس تقليدًا
يرتبط بالمباركية Mubarakism، بل هو تقليد تاريخي يرتبط بسطوة
العائلات، وهيمنتها على التكوين الاجتماعي والسياسي للريف والحضر المتريف في بقاع عديدة
من أرض مصر، لكن ما يميز مرحلة مبارك هو إنتاجها لجماعات تربت في أحضان الدولة، وهي
نتاج سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، من الطبقات الطفيلية (تجار السوق السوداء والمخدرات
والآثار) التي نمت وترعرعت في عصر السادات، وهي الطبقات المسئولة عن تردي الذوق العام،
بفضل امتلاكها لرأس رمزي متواضع، تسبب في تسليع الفنون، والتسويق لأعمال فنية وذوق
جمالي رديء.
أمام هذا الشكل من أشكال التحالف
السياسي، ظهر نمط آخر من التحالفات. منها التحالف على أساس سياسي، والثاني التحالف
لأسباب تاريخية، والثالث لأسباب فكرية. والنمط الأول كثيرا ما كانت تلجأ إليه أحزاب
المعارضة، حتى يتسنى لها الحصول على أكبر الأصوات. كان هذا يتم عادة بالتوافق والتنسيق
على المواضع التي يتم فيها إخلاء التصويت لمرشح التحالف. وهو يقوم على التحالف لأسباب
سياسية: الخبرة المشتركة، الموقف من النظام، ضرورة الوضع والموقف الانتخابي، حيث يسعي
كل طرف لبيان قوته الانتخابية، وإبراز قوة أعضائه، وموارده، ومحالفيه. هذا النوع من
التحالفات كان هو الغالب والمسيطر في ظل حكم مبارك. فيما يظهر اللون الثاني لعللٍ تتعلق
بأوضاع ومكتسبات تاريخية. ففي الوقت الذي تصل فيه قوة سياسية للحكم، تتمكن عبر الإصلاحات
الاجتماعية والاقتصادية أن تشكل خلفها ظهيرا سياسيا، يظل هو القادر على إدارة الصراع
الاجتماعي، وهو ينتمي لا لأهداف المصلحة، بل انتماء يصل إلى درجة الأيديولوجيا. وهو
ما نجده في قوة حزب الوفد في مناطق بعينها بصعيد مصر. فقد استطاع حزب الوفد عبر تاريخه
السياسي الطويل أن يصنع شبكة اجتماعية من المستفيدين والمؤمنين برؤيته الليبرالية،
سواء في بُعدها الوطني (وحدة الهلال مع الصليب) أو بُعدها الاقتصادي (دعه يعمل دعه
يمر). في المقابل، استطاعت السياسات الناصرية في الإصلاح الزراعي أن تكرس ولاء لها،
دفعت ببعض العائلات من الطبقة الوسطى في الريف أن تظل على حبها للناصرية، وإيمانها
بها، بفضل قناعاتها باعتبارها الأيديولوجيا الأقدر على تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
لكن مع هذا فإن التحولات التاريخية وولادة جيل جديد، تربى على قيم جديدة، لا ترغب في
استرجاع ميراث الآباء، ولا تؤمن بنوستالجيا استعادة الغائب، وأخذت تنضم، لعلّات متنوعة،
إلى قوى مناوئة، أو تبحث عن الانضواء تحت أضواء السلطة، في ظل مجتمع محكوم بمنطق السوق
والمصلحة. وبالتالي ضعفت هذه التحالفات، وهو ما يدلل عليه من تراجع هذين الحزبين الكبيرين
وتضعضع بنيتهما من الداخل، مع صعود جيل السبعينيات، وعدم قدرتهما على إدارة الصراع
السياسي الداخلي، بين جيل الشيوخ وجيل الشباب، مما آل الأمر إلى انقسامات طالت بنية
الحزب، وانشقاقات طالت العضوية، حتى تشكل حزبا الكرامة والعربي الاشتراكي، في مقابل
حزب الوفد الجديد، كمناوئ للحزبين الكبيرين.
أما
النمط الثالث، فهو التحالف على أساس أيديولوجي، وهو أضعف التحالفات وأقلها تأثيرًا.
وفيه يحصل التحالف بين حزبين لتقاربهما الفكري، فيما يتصل بالخيارات الاقتصادية بالذات.
وأبرز الأمثلة على ذلك ما كان يقيمه حزب الوفد اليميني مع الأحزاب اليمينية الإسلامية
كحزب العمل باعتبارها الممثل الوحيد للأحزاب الإسلامية في عهد مبارك. والواقع أن هذا
النمط من التحالفات لم يكن قويًّا لعدة أسباب، أنها لم تكن تحالفات مستمرة قادرة على
البقاء لأكبر فترة ممكنة، ولأن قطاعات عريضة من القاعدة الشعبية لم تكن على قناعة بجدواها،
فمن جهة لم تكن القاعدة الشعبية الوفدية مقدرة لهذا التحالف، وتنظر إليه شذرًا، خاصة
وأن أهم قاعدة فكرية للوفد (وهي وحدة الهلال والصليب) تتناقض مع هذا النمط من التحالف،
ورأى فيها البعض تراجعًا عن الثوابت الوفدية، ودخولا في مرحلة جديدة من تاريخ الوفد.
وربما يكونون على حق، وربما يمثل ذلك بذرة ولادة حزب الوفد الجديد، وهو ما يبرر ارتباط
أحد قياداته (أيمن نور) بجماعة الإخوان في موقفها السياسي الحالي. ومن جهة أخرى فإن
القاعدة الشعبية الإسلامية لم تكن، في قطاع لا يستهان به منها، ترى في العملية الانتخابية
مسرحية لا طائل منها، وأن التحالف مع الوفد تحديدًا هو سقطة تستحق المراجعة.
ثانيا: التحالفات
مع بعد يناير: التراوح بين السياسة والأيديولوجيا
تغيرت الخريطة السياسية لمصر بعد ثورة 25 يناير، وذلك
بظهور قوى جديدة تمثل تيارات سياسية متنوعة تتوق للعمل السياسي بعد زوال القيود الأمنية
على مشاركتها، مثل التيارات الإسلامية، وظهور قوى تمثل شباب الثورة. وبسبب يتعلق بعدم
شهرتها، سعت الأحزاب الجديدة إلى إقامة تحالفات وتكتلات انتخابية في محاولة للحصول
على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، واللافت للنظر أن الأحزاب دخلت في تحالفات انتخابية،
ليس على أساس التقارب الفكري فيما بينها، ولا على أساس سياسي بل على أساس التراوح بين
طرفي ثنائية السياسي في مقابل الفكري، وهو ما يتضح في شبكة التحالفات التالية:
1.
التحالف الديمقراطي: تأسس التحالف الديمقراطي
من أجل مصر في يونيو 2011 بدعوة من حزبي الوفد والحرية والعدالة، ويضم مجموعة من الأحزاب
من مختلف التيارات السياسية المصرية، يهدف التحالف لدعم التوافق الوطني عن طريق التنسيق
السياسي والانتخابي للوصول لبرلمان قوي خالٍ من "فلول النظام السابق". وقرر
حزب الوفد الانسحاب من التحالف في 5 أكتوبر 2011، وخوض الانتخابات بقائمة منفردة؛ معللا
ذلك برغبته في طرح عدد من المرشحين أكبر مما يسمح به اتفاق التحالف، ولكنه أكد على
استمرار التنسيق السياسي مع أحزاب التحالف، وكان حزب النور قد انسحب من التحالف في
سبتمبر. ثم انسحبت عدة أحزاب في أكتوبر 2011 اعتراضًا على نسب تمثيلها في قائمة التحالف
الانتخابية، منهم الحزب العربي الديمقراطي الناصري، وأخيرا استقر التحالف على 11 حزبا
أشهرها حزب الحرية والعدالة، وحزب الكرامة الناصري وحزب غد الثورة الليبرالي (مؤسسه
أيمن نور) وحزب العمل المصري.
2.
الكتلة المصرية : أسس 15 حزبًا وحركة سياسية
الكتلة المصرية في أغسطس 2011 من بينها حزب المصريين الأحرار الليبرالي، والتجمع اليساري،
والمصري الديمقراطي الاجتماعي. من ضمن أهداف التحالف هو "الدفاع عن الدولة المدنية".أدى
ترشيح الكتلة عدد من أعضاء الحزب الوطني المنحل و"فلول النظام السابق" للانتخابات
على قوائمها لتفجر الأوضاع داخل الكتلة، مما دفع مجموعة من أحزاب التحالف للانسحاب،
وكان من ضمنهم التحالف الشعبي الاشتراكي والحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي المصري. ثم
تبعها حزب مصر الحرية للسبب ذاته. كما انسحب حزب الجبهة الديمقراطية الذي فضل خوض الانتخابات
منفصلا، وأخيرا لم يتبقَ بالكتلة المصرية سوى ثلاثة أحزاب وهي التي شكلت قوائمه الانتخابية
لمجلسي الشعب والشورى على النحو التالي: 50% للمصريين الأحرار و40% للمصري الديمقراطي
الاجتماعي و10% للتجمع بعد انسحاب باقي أحزاب الكتلة.
3. الكتلة الإسلامية: تحالف إسلامي أنشئ في 23 أكتوبر 2011، ويضم أحزاب النور والأصالة
والبناء والتنمية، والتي توصف بالسلفية. وقد أكد كل من حزب الأصالة وحزب البناء والتنمية
أن "التحالف ليس موجهًا ضد أي تحالف آخر، ويهدف لتحقيق النهضة المصرية على أساس
الهوية الإسلامية من خلال مشروع وطني يشارك فيه كل أبناء مصر".
3.
تكتلات أخرى: أنشأ حزب العدل "قائمه الطريق
الثالث" والذي يهدف أن تكون نواة لـ "التيار الوسطي المصري" لمواجهه
الاستقطاب السياسي بين التحالف الديمقراطي والكتلة المصرية. وأنشأ حزب الوسط ائتلافًا
بينه وبين حزبي الريادة والنهضة تحت التأسيس تحت مسمّى ائتلاف الوسط وهي أحزاب إسلامية،
فيما ضم تحالف الثورة مستمرة أحزاب مصر الحرية، وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وأحزابًا
أخرى. وكانت مجموعة من الأحزاب اليسارية قد شكلت تحالف القوى الاشتراكية من أجل
"خلق قوة وهيمنة يسارية أكبر" في مصر بعد الثورة .
وفي الواقع، فإن التحالفات
السياسية التي شكلت أساسا لهذه الخريطة الانتخابية، افتقدت للقدرة على صناعة برنامج
انتخابي مشترك، لكنها اعتمدت على تاريخ سابق لها في التعاون السياسي ضد نظام مبارك
كما في التحالف الديمقراطي، في مقابل هشاشة الحجج الأيديولوجية المستخدمة من التحالفات
الأخرى لتبرير أسباب تحالفها، كتبرير التحالف على أساس التوافق الأيديولوجي الديني،
كما في حالة التحالف السلفي، أو تبريره لأسباب تتعلق بالخوف على الوحدة الوطنية ومبادئ
المواطنة، كما هي الحال في التحالف المدني، فكيف يمكن ترجمة هذه التحالفات إلى برنامج
اجتماعي اقتصادي، يتوجه للناخب. فهي تحالفات رد الفعل، لا الاستجابة لمطالب الثورة،
فالتحالف السلفي رد فعل على تحالف الإخوان مع بعض الأحزاب المدنية، كذلك فإن تكتل الأحزاب
المدنية هي أخرى استدعاء للاستقطاب (مدني مقابل ديني).
ثالثا: التحالفات
بعد يونيو: استمرار التفاوت
يحدد د.يسري العزباوي، ملامح
الخريطة الانتخابية بعد يونيو على النحو التالي: "إن التحالفات الحزبية ما بعد
25 يناير كانت شبيهة بالتحالفات الحزبية خلال الثمانينيات، حيث كانت
تحالفات انتخابية وسياسية، وليست تحالفات انتخابية فقط. ثم يردف:
"إن أهم التحالفات التي تم الإعلان عنها هي تحالف عمرو موسى، رئيس لجنة
الخمسين لتعديل الدستور واللواء مراد موافي، فضلا عن تحالف حزب الوفد وحزب
المصري الديمقراطي الاجتماعي ... كذلك تحالف حزب الكرامة والتيار الشعبي والدستور والشعبي الاشتراكي الذي عرف بتحالف صباحي، حيث إن أغلب الأحزاب التي تشترك فيه أعلنت تأييدها لصباحي خلال الانتخابات الرئاسية، وكذلك تحالف 25-30 الذي يضم عددا من الشخصيات العامة والسياسية ومنهم المخرج خالد يوسف ومصطفى الجندي وشاهندة مقلد وعبد الحليم قنديل
... (كذلك فإن) حزب مصر القوية يعقد الآن عدة اجتماعات للاتفاق حول تحالف انتخابي جديد برئاسة ممدوح السيد، فضلا عن تحالف نواب الشعب الذي يضم أعضاء الحزب الوطني المنحل الذين خاضوا الانتخابات في فترات ماضية، ثم أعلنوا استقلالهم عن الحزب، إضافة إلى تحالف دعم الرئيس الذي دشنه الفضالي رئيس تيار الاستقلال ويضم 37 حزبًا على رأسها حزب التجمع. وهناك عدد من التحالفات
التي لم تكتمل بعد؛ ومنها تحالف مستقبل وطن الذي دشنه محمد بدران، وكذلك
تحالف إخوان بلا عنف الذي يضم الإخوان المنشقين عن الجماعة، وتحالف النقابات
المهنية الذي دشنه نقيب المحامين سامح عاشور".
أول هذه التحالفات هو تحالف
عمرو موسى، وهو جزء من جماعات المصالح التي أيدت السيسي في الانتخابات الرئاسية، ويمكن
أن نطلق عليه "تحالف الدولة" فالعناصر الرئيسية فيه ممثلون بامتياز لرجالات
الدولة، الدولة في صيغتها في العهود الثلاثة السابقة؛ أعني الدولة القوية التي تتعامل
بمنطق القوة الأمنية مع معارضيها، وتتفانى في الدفاع عن سيادتها. يمثل هذا التحالف
أقوى التحالفات، وهو تحالف مصالح بامتياز، يمثل القوة المتمركزة في الطبقة الوسطى والشعبية
التي تستند إلى ميراث الدولة الناصرية، ويعتمد على المخيال الراسخ عن دولة الحسم أمام
غياب القانون، وتردي الأحوال المعيشية المترتبة عليها، ما يعني أنها استمرار لا نظام
مبارك كيفما يُظَن، بل للدولة الناصرية التي أنشأها الثوار الأحرار، بمعالمها البيروقراطية
المنحازة للتسييد عبر القبضة الأمنية المحكمة، وعبر التلاعب بشعارات العدالة الاجتماعية،
وحقوق الطبقات المحرومة، ولعل هذا التحالف سوف يحصد أصواتًا تفوق المتوقع، إن لم يتفكك،
خاصة وأنه يستند إلى الميراث التاريخي للعائلات وجماعات المصلحة، ويعتمد على ما حدث
من إجراءات أمنية أخيرة، تتعلق بضبط حركة الشارع المصري وإزالة التعديات، وربما يكون
ذلك جزءًا من الدعاية الانتخابية.
وثانيها تحالف أيديولوجي يضم
القوى اليسارية، وهو امتداد للتحالف الانتخابي المؤيد للمرشح حمدين صباحي، وهو تحالف
ستواجهه نفس المشكلات التي واجهته من قبل: التشويه الإعلامي والتحقير الدعائي، وقلة
الموارد المالية، غياب التصويت من جانب القوى الشبابية الفاعلة، عدم معرفة قطاعات واسعة
من الجماهير بها لجدّتها. هذا التحالف يضم أحزابا يسارية جديدة، وهي تمثل التحالف بين
جيل السبعينيات المتمرد على سلطة الأب والأجيال اللاحقة عليه من شباب الثورة، من أبناء
الحركات الاجتماعية المتنوعة.
وثالثها تحالف انتخابي يضم
شخصيات عامة أيدت السيسي، وتدشن لرؤية ترى أن ثورة يونيو امتداد لثورة يناير، وأنها
تمثيل للإرادة الشعبية، وليست انقلابًا على حكم الإخوان. ورغم وجاهة ما يطرحه التحالف،
فإنه لا يمكن تقديمه في برنامج انتخابي، وبالتالي فإن هذا التحالف يستند هنا إلى الجناح
الأضعف في تركيبة تحالفات السيسي السياسية، حتى وإن انضمت إليه عناصر من الشخصيات العامة،
فلا وجود فيزيائي له على الأرض.
أما التحالفات المتبقية فينطبق عليها ذات التوصيف
فهي تحالفات سياسية أكثر من كونها تحالفات أيديولوجية، وإن جمعت بعضها توافقات وتفاهمات
على أرضية أيديولوجية، كما هي الحال في تحالف حمدين صباحي أو تحالف حزب الوسط المزمع
إنشاؤه، لكنها، مع ذلك، مهمومة بالموقف السياسي، وليست معنية بالبرامج الاجتماعية والاقتصادية،
فهي تضع العربة أمام الحصان.