المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

البحث عن تفسير: أوباما وانهيار مؤسسة الرئاسة

الثلاثاء 17/يونيو/2014 - 07:27 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
هاني سليمان
البحث عن تفسير: أوباما

تعرض مسار إدارة السياسة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما إلى سلسلة من الانتقادات، من المقربين قبل المناوئين، سيما مع تسارع الاخفاقات والتراجعات الواحدة تلو الأخرى، على الصعد الداخلية والخارجية. الأمر الذي حدى بصحيفة واشنطن بوست، المقربة من صناع القرار، توصيف الأمر بأن "العالم أصبح بمثابة مسرح للإخفاقات بالنسبة للرئيس الأمريكي .

        الأمر بالطبع ليس محصور بطاقم تنفيذ السياسة المخول بالمحافظة على أسس الاستراتيجية القائمة على إرساء الهيمنة الأمريكية وتفتيت الدول والكيانات. وشرعت إدارة الرئيس إلى التحلي بالتردد والنأي بالنفس في بعض الساحات تفادياً لتكرار الأخطاء السابقة، كما يروج لانسحاب أمريكي من العراق وأفغانستان، والتدخل غير المسبوق كما يجري في سوريا دون تحقيق إنجازات ملموسة باستثناء استمرار مسلسل القتل والدمار.

        الانتصارات الميدانية التي يحققها الجيش السوري، فضلاً عن ترتيبات المصالحة ونزع المنخرطين في القتال ضد الدولة وحملهم على التخلي عن أسلحتهم والعودة إلى نسيج المجتمع، أثارت، ولا تزال، ردود فعل غاضبة ودعوات متنامية للتدخل عسكرياً، أو على الأقل توفير أسلحة مضادة للدروع ولسلاح الطيران لقوى المعارضة المسلحة. عند هذا المنعطف، أوضحت يومية "واشنطن بوست" ما ينبغي على الإدارة فعله وتذكيرها بأن "إستراتيجية تجنب المخاطر قد تؤدي إلى تعقيدات مضاعفة .. الوقت حان للتخلص من الأوهام وإدراك أن تجنب المخاطر عادة ما يقود إلى مزيد من المخاطر".

بيَّن الاستطلاع التي أجرته مؤخراً وكالة رويترز للأنباء أن نسبة المؤيدين لأوباما انخفضت إلى 38% مقابل 55% للمعارضين

ساحات وقضايا أخرى لا تزال تنتظر توجهات أوضح إلى جانب الإخفاق الأبرز لأمريكا في سوريا، منها: الجدل المتجدد حول حقيقة دور أركان الإدارة في أحداث بنغازي التي أدت لمقتل السفير الأمريكي، كريستوفر ستيفنز، في 11 أيلول 2012؛ الانسحاب الأمريكي المرتقب من أفغانستان دون التوصل إلى اتفاق مسبق مع السلطات المحلية؛ قرار روسيا بضم شبه جزيرة القرم الذي أخذ الأجهزة الاستخبارية الأمريكية على حين غرة؛ والأزمة في أوكرانيا؛ وانتقال الصراع في العراق إلى الصدارة مترافقاً مع اخفاق القوات العراقية المدربة أمريكيا عن أداء مهامها، والتراجع في مواجهة "داعش". وفي المستوى الداخلي، لا زال مناوئوا الرئيس يلاحقونه ومحاصرة برنامج الرعاية الصحية الشاملة، أوباما كير؛ واستهداف مصلحة الضرائب الاتحادية منظمات بعينها محسوبة على الحزب الجمهوري؛ فضيحة اخفاق هيئة إدارة شؤون المحاربين القدامى واهمال متطلبات رعايتهم الصحية؛ والأحدث، طبيعة الصفقة المعقودة مع حركة طالبان التي بموجبها أُطلق سراح جندي أمريكي معتقل، بو بيرغدال، مقابل إطلاق سراح خمسة من معتقلي تنظيم القاعدة من سجن غوانتانامو.

        استطلاعات الرأي العام حول أداء الرئيس أوباما جاءت بنتائج متدنية أقلقت أركان الادارة، إذ بيَّن الاستطلاع التي أجرته مؤخراً وكالة رويترز للأنباء أن نسبة المؤيدين انخفضت إلى 38% مقابل 55% للمناوئين.

        مصادر القلق لا تنحصر في قواعد الخصم للحزب الجمهوري فحسب، بل امتدت لعدد من مؤيديه السابقين في الحزب الديموقراطي وشريحة الناخبين المستقلين أيضاً. أسبوعية "ناشيونال جورنال،" المؤيدة إجمالاً للرئيس أوباما عنونت مقالها الرئيسي "بلغ السيل الزبى،" موضحة أن إقلاع الممثلين الديموقراطيين في الكونجرس عن تأييد الرئيس أوباما في صفقة إطلاق سراح الجندي الأمريكي شكّل الخطوة الأحدث في مسار "القشة التي قصمت ظهر قادة الحزب الديموقراطي معبرين عن مدى الإحباط من قيادة الرئيس". ونقلت عن هؤلاء قولهم أنهم "يكنون الاحترام والاعجاب لشخص الرئيس لكنهم على اعتقاد بأن منصب الرئاسة قد تعرض للضرر نتيجة قصور أدائه ..".

ملامح الإخفاق الأبرز لأمريكا خارجياً في الأزمة السورية، الانسحاب الأمريكي المرتقب من أفغانستان دون ترتيبات؛ قرار روسيا بضم شبه جزيرة القرم، وانتقال الصراع في العراق إلى الصدارة

        ويؤخذ على الرئيس أوباما بأنه "لا يصغي لنصائح محبيه وبات يترنح متنقلاً بين مأزق وآخر من صنع يديه". خطاب الرئيس أوباما في الأكاديمية العسكرية، ويست بوينت، رمى لدحض مشاعر الضعف في أداء السياسة الخارجية. بينما صفقة اطلاق سراح بيرغدال تم توقيتها لتهدئة حدة الانتقادات المتصاعدة لهيئة إدارة شؤون المحاربين القدامى واستغلال العواطف الشعبية لاستعادة جندي أسير، اتهمه الخصوم لاحقاً بأنه فار من الخدمة، مما أدى لاختلاط مشاعر المحاربين القدامى بين مؤيد ومعارض. وعلى ضوء التعبئة المناهضة للصفقة أعرب نحو 68% من عائلات المحاربين معارضتهم لها. وتفاقمت أزمة الصفقة مع تشبث الكونجرس بنص قانون يلزم الرئيس إعلامه بشروط صفقة من هذا القبيل خلال 30 يوما قبل اتمامها، الأمر الذي ضاعف من تدهور مصداقية الادارة وباتت في موقف الدفاع لاحتواء الضرر وتداعياته على الممثلين عن الحزب الديموقراطي في مجلسي الكونجرس.

        البعض يتساءل عن الدوافع التي أدت بالرئيس أوباما ارتكاب سلسلة مذهلة من الخطوات حصدت الفشل، بيد أن الأمر ينطوي على عدد متشعب من العوامل والحوافز تشمل طبيعة هيكلية المؤسسات الحاكمة وأطباع الرئيس أوباما الشخصية فضلاً عن كبار مساعديه.

سجين البيت الابيض

        نزعة البيت الأبيض للعزلة والتقوقع ليست وليدة اليوم، بل تضاعفت مرات عدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. بالمقارنة، يقال أن الرئيس هاري ترومان اعتاد الخروج للتنزه الصباحي دون مرافقة طاقم الحراسة الخاص. الرؤساء أيزنهاور وكيندي عادة كانوا يركبون سيارات مكشوفة في زياراتهم والتفاعل المباشر مع الناس. اغتيال الرئيس جون كنيدي وضع حداً وفرض إعادة مراجعة الإجراءات الأمنية وحراسة الرئيس وأفراد عائلته. شغف جهاز الحرس الرئاسي باجراءات الحماية الشخصية أضحى خانقاً وأدى عملياً لعزل الرئيس عن التواصل المباشر مع المواطنين.

        الإجراءات المطبَقة راهناً تقتضي وقف السير البري والتحليق الجوي في محيط المنطقة التي سيتحرك ضمنها الرئيس، واتخاذ تدابير احتياطية مسبقاً لفحص طبيعة المجموعة التي سيلتقي بها لسد ثغرات التهديد الأمني من عناصر عادية مثيرة للشغب، ربما، أو لكونهم يحملون آراء سياسية مغايرة. من يقع عليهم الاختيار للقاء الرئيس في البيت الابيض يتم انتقائهم بعناية وتحديد إطار ومدة الظهور مع الرئيس والتقاط الصور التذكارية لاقصر فترة زمنية ممكنة.

        جهاز الحرس الرئاسي والأجهزة الأمنية المرافقة تتحكم بقرار مدى تفاعل الرئيس مع أي جمهور مما يؤدي إلى تقليص مدة الاحتكاك بين الرئيس والمواطن العادي وعدم إطلاع الأول على هموم ومطالب الناس، ويبقى الأمر على ما هو لحين مغادرة الرئيس البيت الأبيض. الاستغناء عن الاحتكاك اليومي المباشر أعطى بعداً إضافياً لاستطلاعات الرأي للتوقف عند الهموم الشعبية، والتي عادة لا تلبي غرض التوقف الحقيقي عند الاهتمامات الشعبية، بل تسعى للوصول إلى نتيجة سياسية مسبقة. وعليه، تعددت الأطر والمراكز المهتمة باستطلاعات الرأي التي توظَّف أسئلة منتقاة بعناية لبلوغ النتيجة السياسية المرجوة.

        مراكز القوة عادة تعج بالكفاءات والمقربين والمتملقين ايضا والذين يحيطون بصاحب القرار بقوة يسمعونه ما تطرب له أذنيه وحجب الوقائع الجارية خاصة إن لم تحمل أنباء سارة. صحيفة "واشنطن بوست" أعربت عن اعتقادها بأن الرئيس أوباما محاط بمستشارين متملقين الذين دفعوا باتجاه انجاز صفقة التبادل مع طالبان قائلة "لا يساورنا الشك بأن تلك المجريات هي من صنع مستشاري الرئيس واستعداهم للموافقة،" متوِّجين "غرائز الرئيس أوباما" في تعامله مع قضايا شتى. كما رأت الصحيفة ان أوباما أحاط نفسه "بطاقم من المستشارين يفتقد إما للمكانة أو الثقة بالنفس ومواجهته مباشرة لقرار أساء تقديره .. خطورة الصورة الموصوفة هو أن المرء يستحدث فقاعة يبنيها لعزل نفسه، والمستشارين يصبحون عرضة للميل باتخاذ قرار يرضيه".

        وعليه يصبح ساكن البيت الأبيض يعتمد بشكل كبير على قلة من مصادر المعلومات الموثوقة واستشعار حقيقة آراء الوسط الانتخابي. ومن المفارقة أن يراكم الرئيس الأمريكي معلومات وآراء متعددة عما يدور في المجتمعات الأخرى ويفتقر إلى ما يوازيها عن المجتمع والمواطنين الأمريكيين. في هذا السياق يستطيع المرء تلمس أجواء وقوع الرئيس ضحية معلومات غير متكاملة يتخذ على أساسها قرارات سياسية تثبت خطأها، والتي كان بإمكانه تلافيها لو حرص على التواصل مع النبض الشعبي.

داخلياً محاصرة برنامج الرعاية الصحية الشاملة، أوباما كير؛ فضيحة اخفاق هيئة إدارة شؤون المحاربين القدامى، الصفقة المعقودة مع حركة طالبان وإطلاق سراح 5 من معتقليها

طبائع شخصية الرئيس أوباما

        يجمع المقربون من الرئيس أوباما أنه ذو شخصية حادة الذكاء منطوية ذاتياً محاط بمجموعة صغيرة من المستشارين الموثوق بهم، مثل فاليري جاريت، يجنح للإحجام عن توسيع دائرة المشاركة السياسية خاصة عند توفر دلائل وقرائن تدل على إمكانية إغناء رصيده السياسي بتبنيه هكذا إجراء.

        أضحى الرئيس بعيداً عن أكثرية عناصر الأطقم الأخرى المحيطة به، ومنها وزراء على رأس أعمالهم، والذين لا يسمح الضغط اليومي بلقائه سوى على عجل أو في جلسات معَدة لالتقاط الصور التذكارية. وزيرة الخارجية السابق هيلاري كلينتون، ووزير الخزانة السابق تيم غايتنر أعربا عن امتعاضهما من إقصائهما عن المشاركة في اتخاذ قرارات هامة.

        المجلة الشهرية "فانيتي فير،" واسعة الانتشار عنونت أحد موادها "الرجل المتيتم،" للدلالة على أن الرئيس أوباما أحاط نفسه بفقاعة شخصية وسياسية. وأنبت الرئيس ومستشاريه إبان انكشاف تجسس وكالة الأمن القومي على المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل قائلة "ماذا حل بمستشاري الرئيس أوباما، هل أصيبوا بالجبن والذعر لإبلاغه بذلك؟ هل أدى فصله لنفسه بعدم إثارة الأمر؟ أم الأمرين معاً؟" .

يسود إجماع بين المراقبين السياسيين يفيد بأن نفوذ البيت الأبيض في تراجع، وأن الحزب الجمهوري يستغل تلك الثغرات لمصلحته السياسية في الانتخابات المقبلة

        على خلفية سياق ضحالة المعلومات المتوفرة لدى الرئيس أوباما عند اتخاذه قرار ما، يبتعد عنصر المفاجآت وردات الفعل المتعددة لقرار يقدم عليه الرئيس. يأبى أوباما تقبل النقد، مما يعزز ميل أولئك المحيطين به لمشاطرته الرأي عوضاً عن تقديم وجهات نظر قيمة وربما متباينة. وينقل المقربون أيضاً عن توتر علاقة الرئيس أوباما بتجمع الممثلين السود في الكونجرس ويصاب بالإحباط أمام أي إشارة انتقاد من قِبل أعضاء التجمع.

        كما أن الرئيس أوباما معروف بقصر انشداد انتباهه، كما أوضحت أسبوعية "ناشيونال جورنال،" بالقول أن الرئيس "تظهر عليه علامات الملل والكلل من مهام الرئيس، والحزب الديموقراطي يدفع ثمن ترشيحه .. هو إنسان موهوب لكنه غير مهيأ للقيادة".

        أما في برنامج عمله اليومي فيلتزم الزهد ويقلع عن العمل ساعات طويلة كما أوضح في مقابلة أجرتها معه شبكة "إيه بي سي" للتلفزة عام 2011، وعادة ما ينهي أعماله اليومية مع حلول الساعة الرابعة بعد الظهر، ويحافظ على تقليد تناول وجبة الغداء مع زوجته وأطفاله قدر ما يستطيع، ومن ثم يخلو بنفسه في مكتبه الخاص؛ البعض يعتقد أنه يطالع عدد من الملفات والبعض الآخر يغفل ما يجري خلف أبواب مكتبه.

        المحصلة النهائية لطبائع شخصية أوباما المنطوية أدت إلى تراكم عدد من الأزمات لإدارته، فضلاً عن النتائج السلبية المرافقة لعنجهية السياسة الأمريكية نحو بعض حلفائها، كالتجسس على المستشارة الألمانية، وتضعضع ثقتهم بقدرة الإدارة الأمريكية على مواجهة التحديات المتنامية. يستشهد خصوم أوباما بصعود روسيا القوي على المسرح الدولي بمديات أبعد مما كانت عليه التوازنات إبان الحرب الباردة إضافة إلى عزم الصين ممارسة نفوذها وقوتها في الإقليم ولجوئها لاتخاذ تدابير أقلقت الدول المجاورة في بحر الصين الجنوبي.

        ابتعاد أوباما عن النبض الشعبي أدى به الى عدم قراءة التوجهات الانتخابية بدقة، كما برهنت صفقة إطلاق السراح المتبادل وسوء إدارة هيئة شؤون المحاربين القدامى. ولا يزال يعبر عن ثقته العالية بأن مشروع الرعاية الصحية، أوباما كير، ينال رضى الشعب الأمريكي الذي تعارضه أغلبية معتبرة. وفي ذات السياق تندرج الأزمات السياسية المرافقة للقضايا الداخلية الاخرى.

ماذا عن المستقبل؟

        متاعب الرئيس أوباما في ولايته الثانية لا تقتصر على شخصه فحسب، إذ عادةً ما يتعاظم مدى النقم الشعبي على الرئاسة في ولايتها الثانية، وربما نال الرئيس أوباما حظاً اسوأ بالمقارنة مع أقرانه الآخرين وإقلاعه عن إعادة النظر بأخطاء السياسات المتبعة.

فهل سيستطيع استرداد شعبيته المفقودة؟ على الأرجح أنه لن يكون بوسعه ذلك.

        الاستدارة السياسية لمعالجة الأوضاع الراهنة تتطلب توفر شرطين: طاقم جديد من المستشارين المقربين وتعديل أوباما لمسلكه في التعاطي مع الأمور. وبعكس أسلافه من الرؤساء يبتعد الرئيس أوباما عن اتخاذ إجراءات قاسية بأركان إدارته بما فيها إقالتهم من مناصبهم، بيد أن استقالة وزير شؤون المحاربين القدامى جاءت استثناءاً لتلك القاعدة بعد اشتداد حملة الاستقطاب في الكونجرس ورفض استمراره في منصبه. وعليه، يبقى استمرار الرئيس أوباما في انتهاج ما سلف ذكره أكثر ترجيحاً، وربما سيشهد مزيدا من تقلص أعضاء مستشاريه بالترافق مع اشتداد المعارضة لسياساته.

البحث عن تفسير: أوباما

من المستبعد إقدام الرئيس أوباما على تعديل طبائعه وآلية اتخاذه للقرارات في المدى المنظور نظراً لصعوبة المثابرة على توجهات مغايرة أحياناً. وينقل بعض المقربين أنه يعيش أجواء ما بعد انتهاء ولايته الرئاسية والاهتمام بتفاصيل التطبيقات، منها تركيزه على إنشاء مكتبة رئاسية تتضمن أوراقه الخاصة والعامة، أسوة بمن سبقوه من الرؤساء.

        بما أن الرئيس أوباما يعد رئيسا للحزب الديموقراطي أيضاً، تتسع أبعاد المعضلة أمام الحزب سيما وأنه مرتبط ارتباطاً عضوياً بالسياسات المقررة وانعكاساتها التي ستدخل موسم الانتخابات عليها قبل نهاية العام الجاري. بالمقابل، تشير كافة الدلائل أن الحزب الجمهوري سيحافظ على مكانة الأغلبية في مجلس النواب وربما يستطيع الفوز أيضاً بأغلبية تمثيلية في مجلس الشيوخ.

        في ظل هذا السيناريو يتحكم الحزب الجمهوري بمقاليد السلطة التشريعية كافة والذي ينذر بمتاعب جديدة للرئيس أوباما فيما تبقى له من ولايته الرئاسية؛ ومن المرجح أن يعزل نفسه داخل فقاعة تُدخل إليه بعض الطمأنينة الذاتية بانتظار يوم مغادرته البيت الابيض، 20 كانون الثاني 2017.

        ترف خيار الانعزال والتقوقع لا يتوفر للحزب الديموقراطي الذي سيسارع الخطى لبحث عن شخصية قيادية تدير دفة مستقبله السياسي تمهيداً للانتخابات الرئاسية المقبلة، 2016. في هذا الصدد، برزت وزيرة الخارجية السابق هيلاري كلينتون في مكانة تتهيأ فيها لقيادة الحزب والتميز عن سياسات الرئيس أوباما السابقة. وقد يسعفها تخبط سياسات البيت الأبيض في بلوغ مكانتها أمام القوى المؤثرة في الحزب، سيما في قدرتها على جمع التبرعات المالية لمرشحي الحزب لخوض الانتخابات المحلية والقومية.

        بيد أن سجل السيدة هيلاري ينوء من أعباء سياسات ساهمت في صنعها وباتت محل انتقاد تهدد مسيرتها الطامحة، لا سيما فيما يخص إخفاقات السياسة الأمريكية بمجملها في ليبيا وسوريا وروسيا، وقد تضطر لتبرير موقفها عما مضى ومواجهة مطالبات البعض لماذا لم تقدم استقالتها مبكراً احتجاجاً على سياسات تزعم معارضتها لها.

        قسم كبير من الشعب الأمريكي لا يكِن احتراماً لهيلاري ويتهمونها بتصلب الشخصية والمبالغة بما يخدم أغراضها، لعل آخرها قبل بضعة أيام للترويج لكتابها الجديد بالزعم أنها وزوجها بيل كلينتون كانا على حافة الإفلاس المالي عند مغادرته البيت الأبيض، رغم توقيعها عقداً بقيمة 8 مليون دولار لكتابة مذكراتها آنئذ، وشرائهما بيتاً خاصاً في نيويورك لتلبية شرط الإقامة قبل دخول الانتخابات كمرشحة عن الحزب في مجلس الشيوخ. يخطيء من يعتقد من المرشحين أن بوسعه التحايل على الذاكرة الجمعية.

        يسود إجماع بين المراقبين السياسيين يفيد بأن نفوذ البيت الأبيض في تراجع، وعثراته بنيوية الطابع لن يتغلب عليها بيسر. في المقابل، يتأهب الحزب الجمهوري استغلال ما يستطيع من ثغرات حقيقية أو متخيلة لمصلحته السياسية في الانتخابات المقبلة، مطمئناً أن خصمه الديموقراطي يحث الخطى للتوصل الى شخصية قيادية تخلف الرئيس أوباما.

 

* من تقارير مراكز الدراسات الأمريكية والعربية

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟