بين الصراع والتعاون: التنافس الدولي في آسيا الوسطى
مع انهيار الاتحاد السوفيتي نهاية القرن
الماضي، وانشغال الدول التي كانت تنظم عقده بترسيخ استقلالها وسيادتها، وترسيم
حدودها وبناء علاقاتها الإستراتيجية والسياسية مع بقية دول العالم، بدت دول وسط
آسيا ذات الغالبية المسلمة، والتي تتمتع بموقع جغرافي مهم ومميز، وبثروات معدنية
ونفطية كبيرة، تستقطب دول العالم الكبرى، وتجتذب الاستثمارات الأجنبية لتمويل
مشاريع استثمار ثرواتها الباطنية الهائلة والسيطرة على واحد من أهم طرق تصدير
منابع الطاقة البترولية إلى أوربا وآسيا الشرقية([1])، ومكن الفراغ الإستراتيجي الذي شهدته
منطقة آسيا الوسطى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي العديد من الدول من لعب دور فاعل في
هذه المنطقة الحيوية من العالم بشكل دفع
عددًا من المحليين إلى الحديث عما يمكن تسميته "اللعبة الكبرى الجديدة"
بين المتنافسين على بسط السيطرة والنفوذ على المنطقة، خاصة بعد اكتشاف احتياطياتها
النفطية الهائلة([2]). وتتناول
الدراسة سياسات القوى الكبرى للسيطرة على
آسيا الوسطى لتحقيق مصالحها على المستويين الدول يوالإقليمي كما يلي:
أولًا: الأهمية
الاقتصادية والإستراتيجية لآسيا الوسطى
تقع آسيا الوسطى في الرقعة الممتدة من
ساحل بحر قزوين الشرقي حتى تخوم منغوليا الواقعة بين الصين وروسيا، وتقع آسيا
الوسطى في المنطقة الممتدة من شمال أفغانستان وحتى حدود روسيا الجنوبية. ويضم الإقليم السياسي الخاص بمنطقة آسيا
الوسطى خمس دول: كازاخستان، تركمانستان، أوزبكستان، طاجيكستان، قيرغيزستان. وتقول
المعلومات التاريخية إن هذه المنطقة ظلت لفترة طويلة تحمل اسم تركستان، ولكن بعد
ضمها إلى الاتحاد السوفيتي السابق، وتحديدًا في فترة حكم جوزيف ستالين، أطلقت كتب
الجغرافيا السوفيتية عليها تسمية منطقة آسيا الوسطى التي كانت ضمن الاتحاد
السوفيتي واستقلت بعد انهياره مكونة دول آسيا الوسطى الخمسة([3]). ويصل
مجموع مساحتها نحو 4 ملايين كم مربع، أي ما يساوي 29,5 % من مجموع مساحة الدول
العربية، والمنطقة لها تعريفات مختلفة تضيف إلى ما سبق دولا وأراضي أخرى، فآسيا الوسطى
ليست مساحة جغرافية جامدة، وإنما نظام إقليمي يتسع ويضيق وفقا للمعيار الذي يأخذ به
الباحثون، والمعيار الذي تأخذ به الدراسة وتعتمده كثير من وزارات الخارجية عبر
العالم هو معيار سياسي خالص يعتبر أن هذه الدول الخمس بالتحديد تشكل منطقة قائمة
بذاتها لأن علاقات القوة السياسية التي ربطتها بروسيا تغيرت 180 درجة بحلول عام
1991، فروسيا وإن كانت قد ألفت التدخل في مناطق قريبة من تلك الجمهوريات مثل
أفغانستان، فإن الدول الخمس وحدها هي التي قبعت لأكثر من قرن خلف الستار الحديدي
إلى أن سقط لتجد نفسها فجأة في مرحلة السيولة الإقليمية، التي أتاحت لعديد من
القوي الإقليمية والدولية النفاذ إليها وهي حالة فرضتها الجغرافيا الحبيسة
للمنطقة، وحاجتها إلى شركاء خارجيين جدد إلى جانب روسيا يمكنونها من النفاذ إلى
العالم عبر أراضيهم، ويقدمون لها سندا يستطيع موازنة النفوذ الروسي الذي لا تزال
جمهوريات المنطقة تحمل تجاهه شكوكا تاريخية عميقة([4]).
تكمن أهمية منطقة آسيا الوسطى باعتبارها
تمثل المتغير الجيو ــ سياسي اللازم الذي يمثل مفتاح السيطرة على العالم، فالتمركز في آسيا الوسطى يتيح الإطلالة
الأكثر سهولة والأقل تكلفة باتجاه العمق الحيوي الروسي باتجاه الشمال.
والعمق الحيوي الصيني باتجاه الجنوب الشرقي، علاوة على العمق الحيوي لشبه القارة
الهندية باتجاه الجنوب والعمق الحيوي الإيراني باتجاه الجنوب الغربي. والعمق الحيوي
لكامل منطقة بحر قزوين باتجاه الغرب، علاوة
على أن السيطرة
على موارد آسيا الوسطي تتيح التحكم في إمدادات النفط والغاز والمعادن والموارد الزراعية
إلى روسيا والصين وشبه القارة الهندية ودول الاتحاد الأوربي. والسيطرة
على ممرات آسيا الوسطى تتيح السيطرة علي الممرات البرية والجوية التي تربط بين شبه
القارة الهندية وروسيا والصين، وغير ذلك من الطرق والممرات التي تتيح ضبط
التفاعلات والعلاقات البينية التي تربط بين الأقاليم المحيطة بمنطقة آسيا الوسطى([5]). كما تمتع باحتياطيات نفطية تعادل في كميتها تلك الموجودة
في منطقة الخليج([6])،
وعلى سبيل المثال تمتلك كازاخستان
قدرات وطاقات علمية كبيرة. وكانت واحدة من أكثر الجمهوريات السوفيتية تقدما من
الناحية العلمية. كما يوجد بصحراوات كازاخستان مطار بايكونور الفضائي الشهير، وهو
مركز إطلاق سفن الفضاء وتجارب الصواريخ وأبحاث حرب النجوم في العهد السوفيتي، ولا
تزال روسيا تستأجره وتستخدمه لنفس الأغراض حتى الآن. وأوزبكستان تتمتع بثروات
طبيعية كبيرة من الذهب والفضة واليورانيوم والنحاس والزنك، فضلا عن الغاز الطبيعي
والنفط والفحم وغيرها، وهي تعتبر سادسة دول العالم في إنتاج الذهب ورابعتها من حيث
احتياطيات الخام الفضي، ومعروف أن لديها القدرة على تخصيب اليورانيوم، وطاجيكستان
تمتلك مناجم كبيرة من اليورانيوم تم اكتشافها في الثلاثينيات، وقرغيزستان ترقد على
مناجم هائلة من الذهب([7]).
وتخبئ سلاسل الجبال
الممتدَّة على مساحات شاسعة، والتي تتمتَّع بقمم شاهقة ثروات ضخمة من المعادن؛ كما
أن سهولها ووديانها خصبة وغنيَّة بالإنتاج الزراعي الوفير، لكن أيًّا ما كان
الحديث عن ثروات آسيا الوسطى والقوقاز، فإن الثروات النفطيَّة المخبوءة تحت سطح
بحر قزوين تُغطي دائما على أي حديث آخر([8]). ولقد اعتبر بحر قزوين بحرًا سوفيتيًا إيرانيًا منذ
1920 وحتى عام 1970، وفي عام1970قامت وزارة النفط السوفيتية بتقسيم "القطاع
السوفيتي" لبحر قزوين إلى قطاعات بين جمهوريات روسيا السوفيتية، أذربيجان
وتركماستان وكازاخستان، وفي هذه الأثناء اتخذ خط التوسيط البحري أساسًا للتقسيم،
وهو الأسلوب الشائع اتباعه في الممارسات الدولية عند تعيين الحدود على البحيرات
الدولية، ومنذ ذلك التاريخ صارت لكل جمهورية من الجمهوريات السوفيتية الأربع
المطلة على قزوين قطاع على هذا البحر، ذلك القطاع الذي أصبح بعد تحول الحدود
الإدارية إلى حدود دولية بسقوط الاتحاد السوفيتي قطاعا يخص هذه الدولة المستقلة([9]).
ويعد تصميم الحدود بين جمهوريات آسيا الوسطى أحد أهم أسباب التوترات الأمنية، حيث
لم يُراع التكوينات الاجتماعية وتجانسها، مما تسبب في حركات انفصالية وعدم استقرار
لهذه الدول الجديدة، فهناك على سبيل المثال
أكثر من مليون طاجيكي يقيمون في أوزباكستان، ومليون أوزبيكي يعيشون على
الجانب الآخر في طاجيكستان، كما أن لدى تركماستان مشكلات مع أوزبكستان، حيث دخلت
العاصمة التركمانية القديمة خوارزم في زمام الحدود الأوزبكية([10])،
ونخب الحكم لا تعطي أولوية لمسألة الديمقراطية، مما يجعل السياسات الخارجية حكرا
لقلة مسيطرة هذه القلة عادة ما تبحث في الخارج وليس في الداخل عن مظلة حماية سواء
كانت لأمن النظام أم لأمن الوطن، كما تبحث أيضا عن مخارج لبيع منتجاتها الأمر الذي
يفتح الباب في آسيا الوسطى على مصراعيه أمام الاختراق الخارجي، فهذه المنطقة لا تحكم
تفاعلاتها الإقليمية بنفسها إنما تقررها منافسات عالمية كبيرة تتجاوز قدرتها([11]).
ثانيًا- التنافس الدولي
في آسيا الوسطى علي مستوى القوى الكبرى
يضم هذا المستوى التنافس عدة لاعبين هم
روسيا، والولايات المتحدة، والصين، والاتحاد الأوربي، ويتم تناولها على
النحو التالي:
1- روسيا: تعتبر آسيا الوسطى المجال الحيوي لروسيا والمحور الأساسي لنفوذها، وتقوم روسيا بالدفاع
عن مصالح المواطنين الروس المنتشرين في دول آسيا الوسطى، ويمثلون نسبة يُعتد بها
من سكان هذه الدول مثل كازاخستان يمثلون 23,7% من السكان، وفي كل من قيرغيستان وتركمانستان
يمثلون 12,5 %، وفي أوزباكستان يمثلون 5,5 % ([12]).
ومنذ انهيار الاتحاد وروسيا تسعى للحفاظ على مركزها كقوة عظمى، وتستهدف
السياسة الروسية الخارجية بشكل أساسي جمهوريات آسيا الوسطى، وتعتبر روسيا حدود تلك
الدول حدودًا أمنية لها، ولاسيما من جهة جمهورية طاجكستان التي يوجد فيها عدد كبير
من القوات الروسية على الحدود مع أفغانستان، مما دفع الكرملين إلى تضخيم الأخطار
التي تواجه أمن آسيا الوسطى من "جماعات إرهابية"، واحتمال نشوب حروب
وصراعات على السلطة في بعض دولها، وأن دولًا أجنبية قد تتدخل لدعم التطرف، وتستخدم
موسكو هذه الأوراق لزيادة نفوذها ووجودها العسكري هناك ([13]).
وقد أدت مجموعة من العوامل إلى تحسين موقع
روسيا في مقابل جيرانها؛ حيث تعافت من الأزمة الاقتصادية، وزادت الفوائض المالية لديها
نتيجة الزيادة المستمرة في أسعار النفط، ورأت أنه يجب تأمين الجمهوريات السوفيتية السابقة
كسوق لنشاط قطاع الأعمال الروسي، كما يجب عليها الحفاظ علي هذه الدول من توسيع التحالفات
العسكرية - السياسية مثل حلف الناتو، وكان لزامًا على موسكو أن تكون قادرة على التوسط
وإدارة النزاعات بين جيرانها، وأن تمارس القيادة السياسية في إطار الكومنولث([14]). وفي ظل الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان
بسبب الحرب على الإرهاب، أدركت روسيا أن أوباما يريد تقوية وجود
الولايات المتحدة في أفغانستان لتتحول إلى منصة عمل باتجاه جمهوريات آسيا الوسطى،
وصولًا إلى حوض قزوين عبرها، ومن أجل السيطرة على الكميات الكبيرة من النفط والغاز
في تلك المناطق، لذا بادرت روسيا باتخاذ خطوات من شأنها تقوية مواقعها في آسيا
الوسطى، من خلال ربط جمهوريات تلك المنطقة باتفاقيات والتزامات تصب في خدمة مصالح
روسيا ومصالح هذه الجمهوريات في آن واحد([15]).
ويمكن النظر لجهود روسيا لتحقيق مصالحها
في آسيا الوسطى على المستوى السياسي الأمني والاقتصادي والجغرافي الثقافي، فسياسيا
وأمنيا وتعمل موسكو على إنشاء نظام أمني في المنطقة من خلال
"منظمة معاهدة الأمن الجماعي" لحماية روسيا من التحديات القادمة من جميع
الاتجاهات، ويشمل ذلك النظام (أرمينيا، وبيلاروسيا، وبلدان آسيا الوسطى كازاخستان،
قرغيزستان، طاجيكستان، وأوزبكستان)، وهذه المعاهدة تسمح بالتشاور السياسي وقدر ما من
التنسيق بين المؤسسات الدفاعية والأمنية للدول الأعضاء، وتستغل روسيا هذا التحالف الأمني
لتحقيق نوع من التضامن الدبلوماسي بين الأعضاء، أي حلفائها فمثلا تصدر الدول الأعضاء
في هذا التحالف بيانات مشتركة خلال اجتماعات منظمة الأمن والتعاون في أوربا. وتحاول
روسيا إقامة علاقات رسمية بين الناتو ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهو ما يعد اعترافا
بهيمنة روسيا عسكريا وسياسيا على المنطقة.
ويمكن القول؛ إن المصالح العسكرية لروسيا في
هذه المنطقة ذات طابع سلبي بالأساس، وهو منع هذه الدول من دخول حلف الناتو أَو من استضافة
قواعد عسكرية أمريكية جديدة؛ إذ يمكن الجزم بأن السبب وراء الحرب على جورجيا كان رغبة
تبليسي في الانضمام للناتو. كما تحاول روسيا وقف انتشار الديمقراطية في كومنولث الدول
المستقلة؛ فما تخشاه روسيا ليس الديمقراطية وإنما الجهود الأمريكية لنشرها([16])، ومن أهم القواعد العسكرية الروسية في
المنطقة قاعدة دوشنبهفي طاجيكستان، قاعدة كانت،
وقاعدة كيولياب،
وقد وقعت روسيا مع قيرغيزستان
اتفاقية تسمح الأخيرة بموجبها للطائرات الحربية
الروسية بالهبوط في قاعدة كانت الجوية في منطقة بشكيك عاصمة قيرغيزستان وتعتبر أول قاعدة جوية
خالصة في المنطقة، حيث تحتوي على وجود عسكري بري وجوي روسي مكثف، هذا إلى جانب
حاميات عسكرية روسية في كازاخستان وطاجيكستان وتؤكد روسيا أن القواعد العسكرية
الروسية في آسيا الوسطى والقوقاز هدفها تأمين والدفاع عن الحدود الجنوبية لروسيا
وجيرانها .وأبرز
الترتيبات الأمنية التي اتخذتها دول آسيا الوسطى مع روسيا، الدخول في منظمة شنغهاي
للتعاون، ومجموعة جوام، وبرنامج الناتو الشراكة من أجل السلام، ومبادرة التفاعل
وإجراءات بناء الثقة في آسيا (السيكا)([17])، وستظل جيوش دول آسيا الوسطى الضعيفة في حاجة ملحة
للدعم الروسي العسكري بالنظر لاعتمادها على الترسانة الروسية في الإمداد بقطع
الغيار وعمرات الطائرات والمساعدات الخدمية الأخرى، وعلى المستوى الاقتصادي
فقد أسست كل من روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان منظمة (الفضاء
اليورو- آسيوي الموحد) عام 2000، بهدف توطيد العلاقات الاقتصادية بين الدول
المشاركة وصولًا إلى تأسيس اتحاد جمركي فيما بينها. إلا أن الاتحاد الجمركي الذي
قام على أساس هذه المنظمة عام 2006 لم يضم سوى جمهوريات ثلاث هي روسيا وبيلاروسيا
وكازاخستان([18])، فالنخبة في أوزبكستان وطاجكستان وتركمانستان
تلتزم الحذر فيما يخص المشروع التكاملي الذي تتزعمه روسيا، وذلك خوفا من التفريط
بجزء من السيادة الوطنية والوقوع تحت تأثير روسيا ([19])،
وتحاول القيادة الروسية إقامة بنوك مشتركة
ولديها استثمارات عديدة مع هذه الدول، وتروج لفكرة اعتماد الروبل الروسي كعملة حفظ
الاحتياطات المالية في المنطقة، وشركات البترول الروسية مثل لوك أوبل لديها امتيازات
واسعة في مشروعات التنقيب عن البترول، وتقترح روسيا عددًا من الخطوط التي تنقل البترول
عبر أراضيها.وأبرمت روسيا اتفاقا مع كل من تركمانستان وكازاخستان
لإنشاء خط أنابيب للغاز الطبيعي مواز لبحر قزوين لنقل غاز تركمانستان إلي الأسواق
الغربية والأوربية على وجه الخصوص([20]).
كما بدأت روسيا في مد خط أنابيب ساوث ستريم في
ديسمبر 2012 وتأمل في البدء في نقل الغاز لأوربا قبل 2019، وهو الموعد المقرر
للبدء في تدفق الغاز من أذربيجان إلى الاتحاد الأوربي الذي يعد مشروعا منافسًا لهاوسيشق مشروع ساوث ستريم الذي تقوده شركة غاز بروم البحر الأسود
وسيتبع بعد ذلك خط نابوكوويست.([21]) وبالنسبة للمستوى الجغرافي الثقافي، فعلى الرغم من ارتفاع
منزلة اللغات الوطنية في الدول حديثة الاستقلال، فضلا عن انتشار اللغة الإنجليزية فيها،
لا تزال اللغة الروسية ذات سطوة في الدول السوفيتية السابقة؛ واللغة الروسية هي اللغة
الثانية بين النخب في دول جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، ولا تزال القنوات الروسية متاحة
عبر الأقمار الصناعية وتتمتع الأعمال الفنية التليفزيونية والسينمائية الروسية بشعبية
عالية، كما تسيطر الموسيقي الشعبية الروسية على البرامج الإذاعية في العديد من دول
آسيا الوسطى([22]). ويسعي الرئيس الروسي
بوتين الآن بعد أزمة أوكرانيا والقرم إلى زعماء آسيا الوسطي خاصة نور سلطان نزار باييف
رئيس كازاخستان في مسعى لتحقيق هدفه بإقامة اتحاد أورو آسيوي من دول الاتحاد
السوفيتي السابق في إطار تكامل مبني علي أسس جديدة([23]).
2- الولايات
المتحدة: نشطت الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في التقرب من
جمهوريات القوقاز وآسيا الوسطى، وسعت إلى توطيد علاقاتها السياسية والاقتصادية
معها، والعمل على إرساء نظم حكم صديقة لها في هذه الجمهوريات لتأمين مصالحها
النفطية في المنطقة. ومع وقوع أحداث 11 سبتمبر عام 2001، وبدء الحملة الأمريكية ضد
ما يسمى بالإرهاب بدأت واشنطن في تدعيم وجودها العسكري في المنطقة، وقامت بتوقيع
عدد من الاتفاقيات لإقامة قواعد عسكرية في بعض الجمهوريات، ومنها قيرغيزستان،
وأوزبكستان، لاستخدامها في حربها ضد طالبان والقاعدة في أفغانستان، ولتدعيم النفوذ
والحضور الأمريكي في المنطقة، بما يتيح إقامة العديد من مشاريع النفط والغاز التي
تؤمن الاحتياجات الأمريكية من الطاقة([24]).
وقد حظي خط أنابيب باكو ــ جيهان باهتمام بالغ من جانب الولايات المتحدة التي
اعتبرته طوق النجاة للهروب من الاعتماد الغربي المطلق على النفط الخليجي، وإنهاء
للسيطرة الروسية الطويلة على إمدادات النفط القادم من بحر قزوين، وبالتالي إضعاف
نفوذها الاقتصادي والسياسي. ولهذا مارست العديد من الضغوط علي الدول والشركات
المساهمة للإسراع في تنفيذ الأنبوب، وخط أنابيب "باكو ــ جيهان"أطلق عليه "مشروع القرن"،
ويبدأ أنبوب النفط العملاق مسيرته بالقرب من العاصمة باكو على ساحل بحر قزوين، مارًا
بمنتصف أذربيجان من الشرق إلي الغرب، ثمّ يقطّع جورجيا في منتصفها تقريبًا من
الشرق إلي الغرب، قبل أن يتجه جنوبًا ليشق جبال الأناضول التركية بشكل مائل من
ناحية الشمال الشرقي نحو الجنوب إلى مدينة جيهان على ساحل البحر المتوسط وقد بدأ العمل في هذا المشروع عام 2002 بعد أربع
سنوات من الخلافات بشأنه، بسبب تخوف دول أوربا والقوقاز من آثاره البيئية،
واعتراضات البنك الدولي أيضًا على إنشائه، فضلًا عما أثارته العديد من الشركات
المساهمة من مخاوف من التأثيرات السلبية للاضطرابات في كل من أذربيجان وجورجيا على
سير المشروع، إضافة إلى ما تعانيه تركيا من قلاقل بسبب الأقلية الكردية التي تحاول
إقامة دولة مستقلة لها([25]).
لقد وفرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر
للإدارة الأمريكية حافزا إضافيا لتشديد قبضتها على المناطق النفطية، وترى الإدارة
الأمريكية أن خريطة ما تسميه "ملاذات الإرهاب" أو ما تطلق عليه "الدول
المارقة" قد تكون هي نفسها خريطة موارد الطاقة الرئيسية في العالم، وقد تم
تصنيف أفغانستان، بأنها في غاية الأهمية، ففي أراضيها تمر الخطوط المحتملة لصادرات
النفط والغاز من آسيا الوسطى إلى بحر العرب([26])، وأقامت وزارة الدفاع
الأمريكية علاقات مع القوات المسلحة في كل من أذربيجان وكازاخستان وقرغيزستان
وأوزبكستان، وبدأت في تأمين السلاح والتدريب لتلك القوات([27]). وتمتلك
الولايات المتحدة قاعدة جوية
"ماناس" في قيرغيزستان وتقع شمال العاصمة بشكيك، حيث تضم هذه القاعدة
أكثر من ألف جندي أمريكي، أما القاعدة الثانية فهي قاعدة "خان آباد"
الجوية في أوزبكستان، وفضلًا عن ذلك فإن الولايات المتحدة ترتبط بالعديد من
الاتفاقيات مع هذه البلدان، تتيح لها استخدام مجالها الجوي والهبوط الاضطراري
للتزود بالوقود([28]). فضلًا
عن حصار إيران من الشمال والشرق، تمهيدًا لإخضاعها للسيطرة الأمريكية، ومنع تسرب
التكنولوجيا والمواد والخبرات النووية، وكذلك تكنولوجيا الصواريخ وغيرها من
الأسلحة التقليدية أو فوق التقليدية المتطورة الموروثة عن العهد السوفيتي من دول
آسيا الوسطى، وخاصة كازاخستان وأوزبكستان إلى الدول المارقة مثل إيران([29]). وتعتمد الولايات المتحدة سياسة القوى
الناعمة من خلال الدبلوماسية والمساعدات ودعم التوجهات الإصلاحية.
3-الصين: تعتبر الصين
من أوائل الدول التي اعترفت بدول آسيا الوسطى بعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي
السابق، وأقامت معها علاقات دبلوماسية قوية وتبادلت معها الزيارات الرسمية، وبدت
ملامح السياسة الصينية الجديدة تجاه هذه المنطقة عام 1969، حينما تحركت بكين
لإيجاد إطار رسمي يربطها بالمنطقة، فجاءت فكرة منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي
بالتعاون مع روسيا وكل من كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، والتي انضمت إليها
أوزبكستان عام 2001، وكان واضحا أن بكين تستغل نفوذ روسيا للتحرك نحو آسيا الوسطى
في حين كانت موسكو تبحث عن حليف قوي في آسيا لوقف الزحف الأوربي الأمريكي نحو
مناطق نفوذها([30]).
وفي ظل حاجة الصين الملحة للطاقة بشكل متزايد وارتفاع أسعار النفط والغاز، كان على
بكين البحث عن بدائل رخيصة وأكثر أمانا تلبي احتياجاتها. ومن هنا برزت أمامها
مصادر الطاقة في آسيا الوسطى التي هي قريبة منها ليتحقق لها هذا
الحلم، غير أن الأمر يحتاج لمزيد من المقايضات مع روسيا التي تتخوف من أن
الصين تزاحمها في السيطرة على خطوط نقل
النفط والغاز. وفي نفس الوقت تشكل آسيا الوسطى سوقا استهلاكيا رائجا للسلع
الصينية، ومعظم واردات الصين من آسيا الوسطى هي المواد الخام التي تفتقر إليها
الصين، وتصدر الصين السلع الاستهلاكية لهذه الدول، وقد لعبت الاستثمارات الصينية
في آسيا الوسطى دورًا في حل ما تعاني منه هذه الدول من نقص رؤوس الأموال، وبالنسبة
للصين فآسيا الوسطى هي معبر لا يمكن الاستغناء عنه لأوربا ومنطقة غرب آسيا فهي
شريان مواصلاتها، وخلافًا لأهداف الدول الأخرى في آسيا الوسطى فإن الصين لا تسعى
إلى الوجود العسكري فيها، وإنما أو النظر إليها على أنها مناطق نفوذ لها بل تأمل
في التعاون الاقتصادي واستتباب الاستقرار في هذه الدول بما ينعكس على الأمن القومي
الصيني، وفي عام 1999 أبرمت الصين سلسلة من الاتفاقيات لإعادة رسم الحدود المشتركة
مع دول المنطقة([31])،
وتعتبر الصين ثاني أكبر شريك تجاري مع كازاخستان وقيرغزستان، وتزخر آسيا الوسطى
حاليا بمئات المشاريع الكبيرة والصغيرة التي ينفذها الصينيون في مجالات متعددة
أهمها: التنقيب وبناء خطوط أنابيب نقل الطاقة، وبناء الطرق وسكك الحديد، كما
توجد اتفاقيات مبدئية مع كل من أوزبكستان وإيران حول مشاريع نقل الغاز إلى
الصين أو حتى الدول الأخرى مثل مشروع نقل الغاز التركماني عبر أفغانستان إلى
باكستان والهند.
ورغم هذه الدوافع الاقتصادية للتحرك الصيني نحو آسيا الوسطى، فإن الجوانب
السياسية والأمنية لهذا التحرك لا يمكن إغفالها. أمنيا استطاعت بكين أن تقنع دول
آسيا الوسطى لممارسة ضغط على ناشطي المعارضة الإيغورية الذين يكافحون من أجل
حريات أكثر في إقليم شينغ يانغ (تركستان الشرقية) والتي بقيت تنشط في آسيا الوسطى،
مما أثار غضب الكثير من المؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان. كما أن التغلغل
الاقتصادي الصيني ساعد على تحجيم النفوذ الأمريكي في آسيا الوسطى، كما تمثل
في إغلاق القاعدة الأمريكية في أوزبكستان عام 2006 وكذلك مراجعة عقد إيجار القاعدة
الأمريكية في قرغيزستان، ثم الدعوة الرسمية لمنظمة شنغهاي في 2006 لإغلاق القواعد
الأمريكية في آسيا الوسطي. ومن جهتها نجحت منظمة شنغهاي في استقطاب دول آسيا الوسطى
بشكل كبير ضد التوجهات الغربية التي تسعى لفرض أجندتها على الأنظمة التي لا تريد
الخضوع لضغوط الغرب فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان والديمقراطية، فكثيرا ما
يعلن زعماء آسيا الوسطى تصريحاتهم ضد الانتقادات الغربية والأمريكية من
العاصمة الصينية بكين([32]).
4- الاتحاد الأوربي: تتحكم
روسيا في خطوط نقل نفط وغاز جمهوريات آسيا الوسطى بحكم مرور خطوط الأنابيب القادمة
من هذه الجمهوريات عبر الأراضي الروسية إلى أوربا، الأمر الذي يجعل في استطاعة
موسكو فرض شروطها وأسعارها والتحكم في مسار هذه الخطوط وما تحتويه. ولهذا شرع
الأوربيون منذ منتصف التسعينيات في التقرب لهذه الجمهوريات، وخصوصًا منها جمهوريات
آسيا الوسطى وبحر قزوين "كازاخستان وتركمانستان وأذربيجان" الذين يملكون
احتياطات هائلة من النفط والغاز بهدف إقناعهم بتحويل نقل إنتاجهم عبر خطوط جديدة
لا تمر عبر الأراضي الروسية([33]).
لذا تسارعت وتيرة التسابق بين الاتحاد الأوربي وروسيا للسّيطرة على مصادر
الطّاقة خاصّة في الدول المجاورة لروسيا، الأمر الذي أصبح مصدرا لتنامي قلق
الكرملين. وتعد تركمانستان من بين الدول التي يتهافت الاتحاد الأوربي وروسيا
للسيطرة على مصادر الطاقة فيها، الأمر الذي أثار امتعاض الروس، ذلك أنهم يستوردون
منها مواد أولية بأسعار منخفضة لبيعها مرة أخرى بأسعار مرتفعة في أوربا. بالإضافة
إلى الاتفاقية التي وقعها عملاق الطاقة الألماني إر.في.إي (RWE) مع تركمانستان
في 2008، والذي يتعهد بموجبها البلد الآسيوي بتزويد أوربا بإمدادات الطاقة، وذلك
عبر خط أنابيب نابوكو، الذي يفترض أن يمر من آسيا الوسطي عبر بحر قزوين وجنوب
القوقاز وصولا إلي تركيا. وقد اتهمت روسيا الأوربيين بالسعي إلى توسيع "نطاق
نفوذهم" على الدول المجاورة لها. على صعيد آخر، يرى مراقبون أن الثمن الذي
دفعه الاتّحاد الأوربي للتخلص من تبعيتها لروسيا في مجال الغاز يعد باهظا، حيث
تعاونت مع بلدان تعاني من تجاوزات شديدة فيما يتعلق بالديمقراطية مشيرين إلى
الاتفاقيات التي أبرمها مع دول أذربيجان وتركمانستان([34]).
ويحظي مشروع
نابوكو بأهمية كبيرة لدى الاتحاد الأوربي، أن مشروع نابكو لنقل الغاز الآسيوي
والشرق أوسطى عبر تركيا هو المشروع الرئيس في هذه المنظومة لتخفيض الاعتماد على
الغاز الروسي. ويهدف المشروع إلى نقل الغاز الطبيعي من آسيا الوسطى إلى بلدان
الاتحاد الأوربي دون المرور بروسيا. وسيصبح
هذا الخط منافسا لخط أنابيب الغاز “السيل الجنوبي” الذي يربط روسيا بإيطاليا. ويعد
مشروعTAP الذي يشمل مد خط أنابيب غاز أقصر وأرخص من خلال
تركيا، اليونان، ألبانيا والبحر الأدرياتيكي إلى جنوب إيطاليا، ومن ثم في أوربا
الغربية، منافسا لمشروع نابوكو([35]). وقد اختارت أذربيجان مشروع خط أنابيب "TAP" لنقل الغاز الذي يتم
إنتاجه من حقل شاه دينيز2 ببحر قزوين إلي أسواق أوربا على حساب المشروع المنافس
نابوكو المدعوم من الاتحاد الأوربي([36]).
ثالثا:
التنافس الدولي في آسيا الوسطى على مستوى القوى الإقليمية
يضم
هذا المستوى كلا من إيران وتركيا وإسرائيل كما يلي :
1-
إيران:
تتميز
إيران جيوبوليتيكيًا بأن حدودها الشمىالية تصل إلى بحر قزوين، وتشكل أفضل معبر
للنفط إلى الخليج العربي جنوبًا، ومع تفكك الاتحاد السوفيتي وظهور ثلاث دول آسيوية
تشاطئ بحر قزوين وتطالب بمياهها الإقليمية فيه، وهي أذربيجان وكازاخستان
وتركمانستان، وفي ضوء عدم استغلال نفط بحر قزوين خلال عهد الاتحاد السوفيتي، حيث
اقتصرت المنافع الإيرانية من البحر على الصيد وثروة الكافيار التي درّت على إيران
أرباحًا كبيرة، إضافة إلى الثروة النفطية التي خرجت إليى العيان، تصاعدت الأهمية
الإستراتيجية لتلك المنطقة مما حرك التطلعات الإيرانية للقيام بدور رئيس فيها،
وبخاصة أن لدى إيران مرافق نفطية متقدمة نسبيًا؛ فالتطلعات الإستراتيجية الإيرانية
الحالية تتركز في أن تصبح هي الناقل الرئيس لنفط بحر قزوين، عبر أراضيها إلى
الخليح العربي([37]).
وانطلقت طهران من تصور إستراتيجي
مؤداه؛ أنها باتت القوة الطبيعية المرشحة للعب دور قيادي في منطقة آسيا الوسطى،
فهي تجاور تركمانستان وأذربيجان جغرافيا، كما تعد طهران المنفذ البري الطبيعي
لكلتا الدولتين إلى الخليج العربي، ولها صلات ثقافية وحضارية مع طاجكستان،
حيث يتحدث شعب طاجيكستان اللغة الفارسية، وحرصت
إيران على صياغة منهج براجماتي تدريجي يدور حول عدم التركيز على تصدير النموذج
الثوري الإسلامي الإيراني، وعمدت إلى تقديم نموذج فارسي يتسم بالطبيعة العملية،
فلم تسع طهران إلى نشر فكرة الثورة الإيرانية في آسيا الوسطى؛ نظرا للتباين
المذهبي من ناحية، ولإدراكها أن النخب الحاكمة في تلك الدول قد تشربت القيم
العلمانية بما يجعلها أكثر ميلا إلى عدم تقبل الفكر الثوري الإيراني من ناحية أخرى.
وعلى الجانب الاقتصادي، كانت الدوافع الاقتصادية إحدى أوجه تقارب إيران من
جمهوريات آسيا الوسطى، ويتضح ذلك عند النظر في حجم التبادل التجاري بين إيران وهذه
الدول، وركزت إيران في هذا المجال على حزمة من السياسات المتمثلة في تقديم
الائتمان لتنشيط التجارة مع تلك الدول، كما عمدت طهران إلى الاعتماد على حزمة من
السياسات التي صممت ليس فقط لتطوير وجودها الاقتصادي في آسيا الوسطى، ولكن أيضا
لحرمان منافسيها من أي فرص للنجاح في المنطقة، وذلك من خلال بناء شبكة مواصلات
برية بين إيران وآسيا الوسطى، بحيث يمر التعامل التجاري مع المنطقة بالضرورة عبر
البوابة الإيرانية. وقد بدا جليا استعداد إيران للشراكة الفعالة والمؤثرة مع هذه
الدول عبر الدخول في تكتلات إقليمية ودولية، من أهمها: "منظمة الدول المطلة
على بحر قزوين" (تضم: إيران ـ أذربيجان ـ روسيا ـ تركمانستان ـ كازاخستان)،
و"منظمة التعاون الاقتصادي" (تضم: إيران ـ أذربيجان ـ كازاخستان ـ
طاجيكستان ـ تركمانستان ـ قيرغيزستان ـ أوزبكستان ـ باكستان ـ تركيا)، ومنظمة
شنغهاي (تضم: الصين ـ روسيا ـ كازاخستان ـ قيرغيزستان ـ طاجيكستان ـ أوزباكستان)،
والتي تشترك إيران حاليا فيها بصفة مراقب([38]). ونجحت إيران في تصدير الغاز
التركماني إلي تركيا وأوربا عبر إيران بأقصر الطرق وأفضلها وأقلها تكلفة، ويواجه
معارضة شديدة من جانب الولايات المتحدة، والتي تبذل قصارى جهدها للحيلولة دون
سيطرة روسيا أو إيران علي مصادر الطاقة في هذه الدول، وذلك عبر بناء خطوط أنابيب
تتفادى المرور عبر هذه الدول، حتى وإن كانت بتكلفة أعلى أو تواجهها مخاطر أمنية
عديدة([39].
واهتمت إيران بالتوسع الاقتصادي والتجاري مع دول آسيا الوسطى للخروج من العزلة
الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة عليها سواء بالعلاقات الثنائية مع كل دولة
على حدة أو بالتحالفات الإقليمية، وتحظي كل من تركمانستان وطاجيكستان باهتمام
إيراني كبير نظرا للحدود المشتركة مع
تركمانستان واللغة والثقافة المشتركة مع طاجيكستان([40]).
2- تركيا: غيرت
تركيا منذ مجيء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 من نهج تعاملها مع منطقة
القوقاز وآسيا الوسطى، فعوضا عن التنافس والصراع على المصالح والنفوذ اتبعت أنقره
فلسفة التعاون والشراكة، وقدمت نفسها على أنها الدولة المصدرة للأمن والاستقرار.
وكان تفكك الاتحاد السوفيتي واستقلال ست دول إسلامية في آسيا الوسطى منها خمس دول
ذات أصول تركية قد مثل فرصة كبيرة لتركيا، إذ فتح أمامها مجالًا جديدا وواسعًا من
العلاقات مع هذه الدول، وعقب الاستقلال وطوال الفترة من 1991 إلى 1995، سوّقت
تركيا نفسها على أنها الأخ الأكبر والدولة النموذج بالنسبة إلى تلك الدول ومنحتها
هبات وقروضا، وقدمت لها وعودا لم يستطع الاقتصاد التركي الضعيف آنذاك الوفاء بها.
وعلى الرغم من ذلك فيحسب لهذه الفترة أن تركيا أقدمت على تحويل علاقاتها مع تلك
الدول إلى الإطار المؤسساتي، فدشنت العديد من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية
والتعليمية التي لا تزال تعمل. وفي تلك الفترة أيضا غضت روسيا الطرف عن النشاط التركي
في القوقاز وآسيا الوسطى، وهما المنطقتان اللتان تعتبرهما مناطق نفوذ تاريخية
بالنسبة لها، وذلك لأن موسكو أرادت أن تستعمل تركيا في محاربة التيار الإسلامي
المتشدد الذي بدأ يزداد قوة وانتشارا في تلك البلدان عقب تفكك الاتحاد السوفيتي. ومنذ
مجيء حزب العدالة والتنمية والعلاقات بين تركيا وجمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز
تشهد تحسنا مطردا، والسبب في ذلك يعود إلى أن الحزب غير فلسفة تعامله مع روسيا
فعوضا عن النظر إليها على أنها "منافس" أصبح يتعامل معها على أنها
"شريك" آخذا بعين الاعتبار معطى الجوار الجغرافي وارتباط المصالح، فعلى
سبيل المثال أصبحت روسيا تمثل بالنسبة لتركيا ثاني أكبر شريك تجاري. كما أدخلت
تركيا روسيا شريكا في مشروع خط أنابيب نابوكو لتزويده بالغاز، وهو مشروع يهدف إلى
نقل الغاز الطبيعي عبر بحر قزوين من تركمانستان صاحبة رابع أكبر احتياطي للغاز في
العالم إلى أذربيجان ومنها إلى خط أنابيب نابوكو، الذي سيصل بدوره إلى وسط أوربا
بعد أن كان هذا المشروع قد صمم في الأساس لتجاوز روسيا وعزلها وفق الإستراتيجية
الغربية. وتركيا تمثل بالنسبة لأوربا الدولة المفتاح، وتعرض نفسها على أنها ممر
آمن لتأمين الطاقة إلى هذه القارة، وفي هذا الإطار فإن خط أنابيب باكو ـ تفليس ـ جيهان،
الهادف إلى نقل بترول أذربيجان ــ وربما كذلك بترول آسيا الوسطى وبشكل خاص
كازاخستان ــ عبر جورجيا إلى ميناء جيهان التركية الواقعة على البحر الأبيض
المتوسط يشكل أهمية بالغة بالنسبة لتركيا والغرب على السواء، ذلك أن المشروع يشكل
أول مرحلة من مراحل تحول تركيا إلى أن تكون جسرا للطاقة وممرا لها بين الشرق
والغرب. ولتكتمل دائرة تحسين العلاقات بين تركيا وآسيا الوسطى تنتهج تركيا عدة
أساليب دبلوماسية واقتصادية وأمنية لتحقيق هذا الهدف منها تنشيط "منتدى
الاستقرار والتعاون في القوقاز" الذي تم تدشينه في أعقاب الاشتباك المسلح
الذي نشب عام 2008، بين روسيا وجورجيا على خلفية أوسيتيا الجنوبية. وتطمح تركيا
فضلا عن ذلك إلى تنفيذ فكرة ربط بحر قزوين بالخليج من خلال إنشاء خط يربط تركمانستان
وإيران وتركيا، وهو طموح إن تحقق فإنه من شأنه أن تكون له تأثيرات عميقة على المستوى
الجيوسياسي في المشرق بأكمله([41]).
وتنشط تركيا كذلك في مجال التعليم والثقافة في آسيا الوسطى عبر سلسلة المدارس
والجامعات التركية، كما أن هناك العديد من طلاب آسيا الوسطى الذين يدرسون في
الجامعات التركية في إطار خطة الرئيس التركي الراحل تورجوت أوزال لدعم الهوية
والثقافة التركية في جمهوريات آسيا الوسطى([42]).
3-إسرائيل: تسعى
إسرائيل إلي النفاذ لدول آسيا الوسطى من خلال إقامة مشروعات عملاقة وتقديم مساعدات
اقتصادية وعسكرية وتكثيف الزيارات الرسمية، كما سعت إلى تنظيم هجرات يهودية من بعض
تلك الجمهوريات إلى إسرائيل لاستغلال الموروث الديني في بناء جسور من العلاقات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبدأت الوفود الحكومية في إسرائيل بالقيام
بزيارات لتلك الدول، وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية معها معبدة الطريق أمام الشركات
الإسرائيلية لغزو تلك الجمهوريات، وأنشأت الحكومة الإسرائيلية غرفة للتجارة
والصناعة خاصة بالعلاقات مع دول آسيا الوسطى، وأنشأت بنك المعلومات الاقتصادية
ودليلًا للمجالات التي يستطيع الإسرائيليون الاستثمار فيها، وسنّت قوانين حماية
تلك الاستثمارات والإعفاءات الجمركية والازدواج الضريبي وغيرها، بعد ذلك بدأ سيل
الشركات الإسرائيلية والأفراد اليهود من دول كثيرة بالتدفق على تلك الجمهوريات،
واستطاع رجال الأعمال هؤلاء فتح مؤسسات ومكاتب تجارية تشتري وتبيع وتستثمر في كل
مجال تطاله أياديها، وتركز هذه الشركات أعمالها في مجال الطاقة، المعادن والثروة
الباطنية، والزراعة والثروة الحيوانية، والصناعة، والاتصالات، والبنوك والأنظمة
المالية والمصرفية، والإدارة والتنمية البشرية، والطب والرعاية الصحية، والفضاء
والأبحاث العلمية وغيرها، ووضعت إسرائيل يدها على مناجم ومصانع في كازاخستان تنتج
آلاف الأطنان من اليورانيوم سنويا لتستخدمه في صنع السلاح النووي، وأصبحت إسرائيل
مالكا رسميا لمجمع ضخم لمعالجة اليورانيوم يكفي لصنع ترسانة كاملة من الأسلحة
النووية كل عام، كما استفادت من قاعدة بايكونور الفضائية الكازاخية في إطلاق أكثر
من قمر صناعي. وفي المقابل نقلت الشركات الإسرائيلية تكنولوجيا الري والزراعة
والصناعات الغذائية إلى كازاخستان فضلا عن التعاون في مجال تكرير النفط والصناعات
الكيماوية([43]).
كما شكلت الحرب الأمريكية ضد ما تسميه الإرهاب مظلة جديدة لإطلاق يد الكيان
الصهيوني في نشاط عسكري استخباري محموم في آسيا الوسطى، وقد اهتمت إسرائيل منذ وقت
مبكر باختراق دول آسيا الوسطى بأكملها، وكانت لديها إستراتيجية متكاملة لذلك تعتمد
على التركيز في المرحلة الأولى على التغلغل الاقتصادي من خلال رجال الأعمال اليهود
من شتى الجنسيات من جهة وتقديم إسرائيل نفسها كوسيط نشيط لجذب رؤوس الأموال
الغربية من جهة أخرى. كما تم افتتاح فرع للوكالة اليهودية (سحتوت) في العاصمة
الأوزبكية طشقند لتنظيم هجرة اليهود الأوزبك إلى إسرائيل، وافتتاح مركز ثقافي صهيوني
في طشقند يعمل بنشاط على الترويج للثقافة والأفكار الصهيونية بين اليهود وغيرهم من
مواطني أوزبكستان، فضلًا عن تعليم اللغة العبرية. وهكذا كانت إسرائيل تحقق تغلغلًا
سياسيا واقتصاديًا وثقافيًا متزايدًا الاتساع والعمق في أوزبكستان طوال
التسعينيات، وضع أساسًا قويًا لقيام تعاون أمني واسع النطاق([44]).
لم يكن أمام
دول آسيا الوسطى سوى الترحيب بالتنافس الدولي ما دام سيفك عنها حبسها المزدوج
السياسي لروسيا والجغرافي للطبيعة تستطيع من خلالها تصدير ثرواتها، للحصول علي
عوائد تدعم استقلالها، وهذا التنافس مرشح للتزايد كما ونوعًا ويتفاقم ذلك في ظل
العولمة بما تتضمنه من انفتاح وحرية حركة عبر الحدود مما يؤدي إلى زيادة التهديدات
والتحديات أمنية([45]).
وعلى الدول العربية أن تفتح جسور التعاون المتبادل مع آسيا الوسطى.
المراجع
[1]- هشام منور ، تمدد النفوذ الإسرائيليفي آسيا الوسطي : أذربيجان نموذجا ، 24 سبتمبر 2009 ، http://almoslim.net/node/117559
[2]- Richard Auty, Energy, Wealth and Governance in the Caucasus and Central Asia Lessons Not Learned , ( London : Routledge, 1 edition, 2006 ) ,p 4 .
[3]- دول آسيا الوسطي: المجال الحيوي والإستراتيجي لخارطة الصراع ، 25 نوفمبر 2008 ، http://www.empressoffice.com/ar/index.php?news=2830
[4]- إبراهيم عرفات ، آسيا الوسطى التنافس الدولي في منطقة مغلقة، السياسة الدولية، عدد 167، يناير 2007، ص 125.
[5]- المرجع السابق.
[6]- هل تنجو آسيا الوسطى من أطماع الدول العظمى
، 1 إبريل 2009،
http://www.asiaalwsta.com/reportsdetails.asp?newsID=12688&chk=1
[7]- آسيا الوسطى والقوقاز .. تشابك
الثروات والأعراق والمصالح الدولية، 25 يناير 2002،
http://www.albayan.ae/one-world/2002-01-25-1.1282200
[8]- التعريف
بوسط آسيا وبلاد القوقاز،
www.forsanelhaq.com/showthread.php?t=125763
[9]- صلاح الصيفي ، بترول بحر قزوين وصراع القوى الكبرى ، 5 يونيه 2007 .http://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-58-9444.htm
[10] - مدحت أيوب ، بؤر التوتر الإقليمي في آسيا الأسباب والحلول، السياسة الدولية، عدد 167 ، يناير 2007 ، ص 131 .
[11] - إبراهيم عرفات، مرجع سابق ، ص 125 .
[12]- عبداللـه فلاح عودة، التنافس الدولي في آسيا الوسطى، رسالة ماجستير غير منشورة 1991- 2010، عمان ، جامعة الشرق الأوسط ، كلية الآداب والعلوم ، 2011 ، ص 60.
[13]- عبد القادر عبد الهادي،
سياسة قديمة في وعاء جديد ، فبراير 2010
http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/qpolitic-june-2000/qpolitic13.asp
[14]- مروة نظير، روسيا في محيطها جيوبوليتيكا المصالح لا النفوذ، 14 أكتوبر 2009، http://www.islamonline.net/servlet/Satellite
[15]- طه عبد الواحد، خطوات
روسية استباقية للحفاظ على النفوذ في آسيا الوسطى، جريدة النور ، 11 فبراير 2009
http://www.an-nour.com/index.php?option=com
[16] - - مروة نظير ، مرجع سابق.
[17]- حسام سويلم، القواعد
العسكرية في آسيا الوسطى، السياسة الدولية ، إبريل 2006 .
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=221654&eid=209
[18] - طه عبد الواحد، مرجع سابق.
[19] - روسيا
وآسيا الوسطى.. نحو التكامل الحقيقي، 24 مايو 2012
http://arabic.rt.com/prg/telecast/657355/ :
[20] - صلاح الصيفي، مرجع سابق.
[21] - خط أنابيب روسي يهدد مشروع نابوكو لنقل غاز دول بحر قزوين للاتحاد الأوربي، جريدة القدس ، 28 مايو 2013
[22] - مروة نظير، مرجع سابق.
[23]- أمريكا تعزز دعمها لآسيا الوسطى بعد أزمة القرم ، 29 مارس 2014
http://www.albawabhnews.com/487751
[24] - Charles William ,
America Discovers Central Asia, April 2003 ,
www.foreignaffairs.com/articles
[25] - عبد اللـه صالح، أنابيب النفط تشعل الصراع في آسيا الوسطى 5، أغسطس2005 ،http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&contentID=6917
[26] -
محمد علي الفرا ، الولايات المتحدة والنفط والسيطرة على العالم ،
http://www.alarabnews.com/alshaab/gif/07-03-2003/Alfarra.htm
[27]- هل تنجو آسيا الوسطى من أطماع الدول العظمى، مرجع سابق.
[28] - عبد اللـه صالح،
القواعد الأمريكية وصراع المصالح في آسيا الوسطى،28 يوليو 2005
http://alasr.ws/articles/view/6889
[29]- هل تنجو آسيا الوسطى من أطماع الدول العظمى، مرجع سابق.
[30] - جعفر حسن ، منظمة شنغهاي للتعاون وصراع القوى الكبرى في آسيا الوسطى، 18 مارس 2008 ، http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147505144
[31] - عبد اللـه فلاح عودة، مرجع سابق، ص ص 100- 106.
[32] - مطيع اللـه تائب، الصين وإيران وتركيا..
اللاعبون الجدد في آسيا الوسطى، 12 أغسطس 2007 ،
http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/6976e5ef-9f4a-4baf-ab68-ef902a45708
[33] - صلاح الصيفي، مرجع سابق.
[34] - سمر كرم، انطلاق القمة الأوربية الروسية وسط احتدام التنافس على مصادر الطاقة في آسيا الوسطى، 21 مايو 2009 ، http://www.dw-world.de/dw/article/0,,4270096,00.html
[35] - أذربيجان: مشروع نابوكو مات. يحيي مشروع TAP، مركز القوقاز، 28 يونيو 2013
http://echokavkaz.blogspot.com/2013/08/tap.html
[36] - خط أنابيب غاز روسي يهدد مشروع نابوكو، 28 مايو 2013
http://ara.reuters.com/article/businessNews/idARACAE9B2MSA20130528
[37] - صلاح الصيفي، مرجع سابق.
[38] - هبة محسن أبو الوفا، إيران في آسيا الوسطي.. نموذج للقوة المرنة، 9 ديسمبر2008، http://www.islamonline.net/servlet/Satellite
[39] - صلاح الصيفي، مرجع سابق.
[40] - عبد اللـه فلاح عودة، مرجع سابق، ص 115.
[41] - محرم أكشي، تركيا في آسيا الوسطى والقوقاز تأمين لجسور الطاقة ، 6 أغسطس 2009 . http://www.aljazeera.net/NR/exeres/DE6D722D-8175-48D6-A72F-0477CB0A2C6A.htm
[42] - مطيع اللـه تائب، مرجع سابق.
[43] - عبداللـه فلاح عودة، مرجع سابق.، ص ص 126 – 127.
[44] - صلاح
الصيفي، التغلغل الاقتصادي لإسرائيل في منطقة آسيا، 6 أغسطس 2007.
http://islamtoday.net/nawafeth/artshow-58-9838.htm
[45] - نورهان الشيخ ، العولمة و الأمن في آسيا ، في : محمد السيد سليم و السيد صدقي عابدين ( محرران ) ، آسيا و العولمة ، القاهرة : مركز الدراسات الآسيوية ، 2003، ص 163.