سيناريوهات مفتوحة: خيارات الإخوان الصعبة
تواجه جماعة «الإخوان المسلمين» الآن تحديات شديدة الصعوبة خصوصاً بعد نجاح المصريين فى إجراء
الاستحقاق الثانى من خريطة المستقبل بعد النجاح فى إنجاز الاستحقاق الأول وهو
الاستفتاء على الدستور الجديد (دستور عام 2014). فنجاح إجراء الانتخابات الرئاسية يعد إضافة كبيرة لمسيرة التأسيس
لشرعية الحكم الجديد الذى يؤسسه المصريون بعد إسقاطهم نظامى مبارك والإخوان.
فالاستفتاء على الدستور وإقراره، وانتخاب رئيس جديد (عبدالفتاح السيسي) بمشاركة مصرية غير مسبوقة وبأغلبية كاسحة له معنى مباشر شديد
الأهمية وهو أن ما ظل الإخوان وحلفاءهم مصرون على ترديده منذ إسقاط نظامهم فى 3
يوليو 2013 من دفاع عن «شرعية»يزعمون أنها أسقطت بـ «انقلاب عسكري» تتداعى أركانها الواحدة تلو الأخرى. ومن ثم، لم يتبق غير
الانتخابات البرلمانية واختيار الشعب لنوابه الجدد فى السلطة التشريعية كى تكتمل
أركان شرعية النظام الجديد.
أولا: شرعية جديدة
هذه النجاحات التى تتحقق على مسار تأسيس شرعية حكم جديد تسقط مباشرة كل مزاعم لشرعية حكم تهاوى
بالإرادة الشعبية وتسقط كل حجج الإخوان ومزاعمهم أنهم دعاة حقوق وأنهم يدافعون عن «الشرعية» التى أسقطها الانقلاب
العسكري، وتضعهم مباشرة، فى حالة
خروجهم على هذه الشرعية الجديدة، موضع الاتهام، وهذا هو المأزق شديد التعقيد الذى
يواجهونه الآن.
لقد خاضوا معركتين كبيرتين للحيلولة دون تمكين الشعب من التصويت
على الدستور الجديد، قاطعوا الاستفتاء، وحرضوا ضده، وشنوا هجوماً دعائياً مشوهاً
لتجريحه فى محاولة لدفع المواطنين للتراجع عن الإقدام على التصويت عليه، ولم
يتوقفوا عن مواصلة الإرهاب ضد المجتمع كله: الجيش والشرطة والمواطن من خلال تفجيراتهم المدبرة والإجرامية،
وكرروا التجربة مرة ثانية فى الانتخابات الرئاسية، حيث أعلنوا المقاطعة لهذه
الانتخابات، ومارسوا أعلى درجات التحريض والترهيب لمنع المصريين من الذهاب إلى
صناديق الاقتراع فى حرب مستميتة لجعل نسبة المشاركة فى التصويت الرئاسى أدنى من
مثيلتها فى الانتخابات الرئاسية السابقة التى خاضها مرشحهم محمد مرسي، والهدف هو
النيل من شرعية النظام الجديد وتشويهها بل وتقزيمها مقارنة بما يتمسكون هم به من
شرعية أسقطها الشعب.
لم تفلح كل محاولاتهم لإفساد العرس الشعبى فى الانتخابات الرئاسية،
تعاموا، عن قصد، عن كل هذا النضج فى الوعى الشعبى إزاء هذه الانتخابات. فالشعب
أدرك منذ الوهلة الأولى أن المعركة الانتخابية الرئاسية ليست معركة بين المرشحين عبدالفتاح
السيسى وحمدين صباحى ولكنها معركة بين كل الشعب المصرى الطامح إلى تحقيق الاستقرار
والأمن والرخاء وبين الإخوان وحلفائهم المصرين على فرض الإرهاب، وإدامة حال الفوضى
الدامية ضمن مخطط هدفه إعادة
حكمهم وإعادة رئيسهم. وقد اتضح ذلك على نحو ما جاء مؤخراً (12/5/2014) على لسان إبراهيم منير أمين عام التنظيم الدولى لجماعة الإخوان فى
معرض تأكيد إصرارهم على مقاضاة النظام المصرى أمام الأمم المتحدة بتهمة ما سماه «تجاوزات فادحة من جانب
السلطات». فقد انتقد، من ناحية،
قرار المحكمة الجنائية الدولية رفض الدعوى الإخوانية للتحقيق فى ما يزعمه الإخوان
من الجرائم المرتكبة فى مصر ووصفه بأنه «ليس له حيثية»، وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد رفضت الدعوة الإخوانية، لكنه،
أكد من ناحية أخرى أن«قضية عودة (مرسي) إلى الحكم لا تراجع عنها لأنها مطلب الشعب المصرى الذى خرج فى
انتخابات من أجل الديمقراطية».كيف سيتصرف الإخوان إذن بعد أن تجاوز الشعب المصرى كل هذه المزاعم
والإدعاءات وانتخب رئيسه الجديد فى عرس ديمقراطى شهد له كل العالم؟ السؤال يمثل
مأزقاً شديد التعقيد للإخوان، لأن حجج ومزاعم أنهم دعاة دفاع عن شرعية أسقطها
انقلاب تهاوت وبيد الشعب وإرادته، هل سيفكرون فى التراجع والبحث عن مصالحه، أم هل
سيواصلون خوض حرب دموية ضد الشعب المصرى كله لتأديبه على ما يسمونه بـ «نكران الجميل» فى عدم دفاعهم عن
الإخوان وعن رئيسهم محمد مرسي.
ثانيا: محددات مختلفة
إن الإجابة تبقى محكومة بالعديد من المحددات المهمة أول هذه المحددات هو المحدد
الذاتى العقائدى من ناحية والموضوعى من ناحية ثانية. فالمحدد العقائدى له علاقة
مباشرة بالغاية البعيدة للجماعة منذ أسسها حسن البنا وهى استعادة نظام الخلافة الإسلامية، وله علاقة بالمنهج المتفق عليه
لتحقيق هذه الغاية وهو "التمكين بالقوة وليس التمكين بالدعوة"، ولعل ما ورد على
لسان حسن البنا فى إجابته على مطالبة قادة التنظيم له بالسماح لهم بالجهاد ما يؤكد
صدقية تمسكهم بمنهج التمكين بالقوة فقد رد عليهم: «بمجرد ما يتوافر للجماعة 300 كتيبة مجهزين روحياً وفكرياً
وجسمانياً.. فى هذا الوقت طالبونى بأن أخوض بكم لج البحار، واقتحم بكم عنان
السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار فإنى فاعل إن شاء الله».هذا يعنى أن الإخوان وفقاً لمعتقداتهم لن يتراجعوا عن مواصلة خيار
العنف الدموى لاسترداد الحكم، ولكن هذا الخيار يبقى محكوماً بمن أضحت له الغلبة
والكلمة العليا فى إدارة التنظيم هل الجماعة القطبية أم الجماعة الدعوية، وما هى
قدرات التنظيم الآن، بعد كل ما تعرض له من ضربات أمنية فى الداخل، وانحسار الدعم
فى الخارج، على مواصلة خيار مواصلة التحدى والصراع من أجل استرداد الحكم.
ثانى هذه المحددات يتعلق بالبيئة الداخلية فى مصر، من ناحية مدى صلابة
الدولة فى مواجهة مشروعهم الدموي، ومدى تعاطف الشعب ودعمه له، وحدود وفرص تماسك«تحالف دعم الشرعية» الموالى لهم ومساندة
باقى فصائل الإسلام السياسى لمشروعهم. قراءة تفاصيل هذا المحدد تقول أن مجئ رئيس جديد بشرعية
شعبية قوية أظهرت مدى التماسك الوطنى فى الحرب على الإرهاب، يعد العائق الأهم أمام
خيار الصراع الإخواني، ويعد من ناحية أخرى دافعاً لآفول فرص التوحد بين الإخوان
والحلفاء على خيار مواصلة الحرب ضد المصريين.
ثالث هذه المحددات يخص البيئة العربية والإقليمية والدولية. فالدور القطرى الداعم
للإخوان أضحى محاصراً خليجياً بل ومرفوضاً وسيكون مآله الخفوت، ومأزق الإخوان
وحلفاءهم من التكفيريين والإرهابيين أضحى شديد الصعوبة فى ظل تغير موازين القوى
الداخلية لصالح النظام. أما إقليمياً، فإن رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية
يواجه انتكاسات داخلية ضده شخصياً وضد حزبه، وباتت أزماته الداخلية تفوق قدراته
على مواصلة مشروع الزعامة والخلافة الإسلامية. يبقى الوضع الدولى الداعم للإخوان
الأوروبى (خاصة البريطاني) والأمريكى وهو الآخر فى
تحول ضده، وهذا التحول مرجح أن يزداد تعمقاً بعد نجاح الانتخابات الرئاسية المصرية.
معنى هذا أن فرص الإخوان على مواصلة مشروع استرداد السلطة تتراجع، وأنهم
أضحوا فعلاً بين خيارى اليأس والرجاء. اليأس سيدفعهم إلى مواصلة المزيد من
الحماقات والجرائم، أما الرجاء فهو الرهان على تحول شعبى قد لا يتأخر كثيراً ضد
الرئيس الجديد والحكم الجديد فى ظل عجز محتمل عن تحقيق وفاق وطنى مساند، وفشل فى
حل سريع لأزمتى الأمن والاقتصاد.
ثالثا: ثورة جديدة
هذا يعنى أنهم سوف يواصلون خيار العنف الدموى لإفشال إن لم يكن إسقاط الحكم الجديد، وتغذية الحاجة إلى «ثورة ثالثة» ولعل فى بيان بروكسل وبنوده العشرة ما يكشف أنهم عازمون على إسقاط الحكم فى مصر واستعادة حكمهم ولكن وفق قواعد أفضل لمشاركة قطاعات شعبية وسياسية أوسع. أما خيار التهدئة فسيبقى الخيار الاحتياطى فى حالة الفشل لامتلاك خط رجعة يجدد لهم فرصة «بعث حكم جديد» فى ظروف أفضل مما هى الآن.