بين الواقع والخيال: الجيش المصري الحر
على
الرغم من أن تشكيل الجيش السوري الحر في سوريا قد قام في الأساس على مجموعة صغيرة من الجنود المنشقين
والمؤيدين للثورة السورية، وكانت مهمته في بداية الثورة السورية دفاعية فقط، حيث يتعين
على جنوده حماية المتظاهرين، وردع نظام الأسد في سوريا. نجد على النقيض من ذلك، أن
هناك محاولات لإنشاء "الجيش المصري الحر"، على غرار "الجيش السوري الحر"،
يتم تدريبه وإعداده في ليبيا بهدف نشر الفوضى في مصر، وأن هذه المحاولات تجرى بمشاركة الإخوان
المسلمين وتنظيم القاعدة تحت رعاية قطرية
- تركية
- إيرانية، حيث يتم التخطيط لاستهداف المنشآت الحيوية بما في ذلك مطار القاهرة الدولي واقتحام السجون لإطلاق
سراح الإخوان المعتقلين ونشر الفوضى.
فمنذ
30 يونيو 2013 وجماعة الإخوان تحمل على عاتقها الحرب بالوكالة ضد كل المؤسسات العسكرية والشرطية في مصر،
فالإخوان اليوم يمثلون الطابور الخامس المدعوم من أمريكا وتركيا وقطر لإجهاد الجيش
المصري، القوى العسكرية الوحيدة الباقية في المنطقة العربية، خاصة بعد انهيار
الجيوش العربية في دول العراق وسوريا واليمن وليبيا، ولم يتبق إلا جيش مصر هو
المستهدف الوحيد لعملية التصفية، والتي تبدأ بعده مراحل أولها، كما تكشف الأوراق السرية
لقيادات الإخوان، التي تم ضبطها مع التنظيمات الإرهابية، تشويه صورة قيادات الجيش
المصري، ثم بدأت الخطة الثانية لتكسير عظام الجيش من خلال استخدم عملاء الإخوان ممن
يطلقون على أنفسهم "أنصار بيت المقدس"، وهم مجموعة من الإرهابيين التابعين لمليشيات
خيرت الشاطر التي ظل يمولهم أثناء وجود
محمد
مرسى في قصر الاتحادية، حيث تم استخدامهم الآن ضد الجيش المصري.
أولا: رعاية قطر وتركيا وإيران
تداولت
وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة تقارير عديدة وتصريحات من عدد من السياسيين عن سعْي جماعة الإخوان
"الإرهابية" إنشاء ما يسمي بـ "الجيش المصري الحر"، الداعم لنظام الإخوان، بعد
عزل الرئيس السابق محمد مرسي عقب خروج الملايين عليه في ثورة 30 يونيو، إلا أن صحفًا
أجنبية وعربية أكدت أن "الجيش المصري الحر" لم يعد مجرد فكرة في عقول قيادات الإخوان
أو مناصريهم من الجماعات التكفيرية، بل أصبحت واقعًا ينتظر "ساعة الصفر"
على الحدود الغربية لمصر، للإجهاز على القوات الأمنية، ومحاولة عرقلة الانتخابات، وضرب
الاستقرار.
"إسماعيل
الصلابي" هو زعيم أقوى الميليشيات الليبية، وهي كتيبة راف اللـه السحاتي، والتي تتمركز في شرق ليبيا مع
الحدود المصرية، وتتولى مسئولية الأمن
بموافقة
ضمنية للحكومة المركزية بعد الإطاحة بمعمر القذافي، والمعروف عنه تصفيته الجسدية لخصومه عقب سقوط نظام القذافي،
"الصلابي" يعتبر المخطط والرجل الأول لـ
"الجيش
المصري الحر"، خاصة أنه يتمتع بعلاقات جيدة بمكتب الإرشاد بمصر، ويعتبر مسئول مخابرات الإخوان بليبيا، ويمثل
حلقة الوصل بين الجماعة بالقاهرة
وطرابلس.
وذكرت
صحيفة "وورلد تريبيون" الأمريكية، في تقرير لها، عن أن "الجيش
المصري
الحر"
بقيادة "الصلابي" وسمّته برجل المخابرات الإخوان في ليبيا، مشيرة إلى
أنه بمشاركة
الإخوان وتنظيم القاعدة يسعى لاستهداف المنشآت الحيوية، بما في ذلك السد العالي بأسوان، مطار القاهرة الدولي،
مرافق الجيش والشرطة، اقتحام السجون لإطلاق سراح المعتقلين من الإخوان الإرهابيين.
وتمتلك ميليشيا راف اللـه السحاتي بقيادة إسماعيل الصلابي ترسانات أسلحة ضخمة
وسجونًا يحتجزون فيها مسجونين خارج نطاق النظام القضائي الرسمي، ووصفته وكالة
"رويترز" أثناء مقابلة معه في نهاية عام 2012 من أقوى
الرجال
في شرق ليبيا.
وكان
قد قاد كتيبة شهداء "17 فبراير" أكبر وأفضل المجموعات في شرق ليبيا تسليحًا، والتي تحصل علي الدعم المادي
من وزارة الدفاع، وتضم المجموعة اثني عشر فصيلاً، وتمتلك مجموعة كبيرة من الأسلحة
الخفيفة والثقيلة، وتقوم بتدريبات عملية لأعضائها الذين تتراوح أعدادهم بين 1500
إلى 3500، وفق ما ذكرته هيئة الإذاعة
البريطانية.
ويعرف عن الصلابي "37 عامًا، وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام محلية ليبية، انتقاده للجماعات العلمانية، قائلاً
إنها تحاول تشويه سمعة الإسلاميين وخلق صراع سياسي، وهو يقود أكثر من 3000 مقاتل،
ويتبع إدارياً وزارة الداخلية الانتقالية في طرابلس، وكان قد رافق رئيس المجلس
الانتقالي مصطفي عبد الجليل إلي اجتماع لحلف شمال الأطلسي في الدوحة، كما سبق له أن قاتل
في أفغانستان.
وإلى
جانب ذلك، كثرت التحركات الخارجية من جانب قطر وتركيا وأنصارهما في المنظمات الداعمة لجماعة الإخوان
الإرهابية بهدف زعزعة الاستقرار في مصر، فبعد ما تردد عن وصول جماعات تكفيرية إلى سيناء
عبر أنفاق غزة، وخوض أجهزة الأمن معركة
ضارية
ضد إرهاب هذه الجماعات، التي ما زالت قائمة حتى الآن، وبعد العداء العلني والصريح من جانب هاتين الدولتين تجاه
ثورة 30 يونيو 2013، ها هما تنتهجان حربا جديدة ضد مصر.
فبعد
بدء الثورة ضد القذافي تلقت قوات "الصلابي" دعمًا من قطر. وقالت مصادر أمنية لصحيفة "العرب"
اللندنية: إن المعسكر الرئيسي للجيش المصري الحر تابع لتنظيم القاعدة وحركة أنصار الشريعة، ويقوده
"الصلابي" الذي كان يزور القاهرة خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، لكنه
الآن يخطط لتنفيذ عملية اقتحام للسجون المصرية لتحرير قيادات الإخوان بمساعدة السائق
الخاص لأسامة بن لادن سفيان بن جم، والجهادي المصري ثروت صلاح شحاتة، والذي ألقت
الأجهزة الأمنية المصرية القبض عليه أخيرًا، وأكدت مصادر أمنية بمديرية أمن الشرقية
في تصريحات سابقة عقب القبض عليه بأن
"شحاتة"
هو أحد القادة البارزين لتنظيم "أنصار الشريعة" الذي يتردد الكثير عن امتلاكه معسكرات تدريبية وميليشيات
مسلحة بأسلحة حديثة تم الحصول عليها من مخازن سلاح القذافي بعد سقوطه، كما يتردد عن
علاقته القوية بجماعة الإخوان خاصة بعد
الثورة
وعلاقته المقربة بالمهندس خيرت الشاطر، النائب الأول للمرشد العام للجماعة.
ويلعب
الليبي "إسماعيل الصلابي" الدور الأكبر في التنسيق بين تلك المجموعات والمخابرات القطرية والتركية وذلك من
خلال علاقته الوثيقة برئيس المخابرات القطرية غانم الكبيسي ولقاءاته المستمرة معه،
كما أن علاقته المتميزة مع نائب مرشد الإخوان خيرت الشاطر تسهل مهمته التنسيقية
المتعددة الأطراف، والجيش المصري الحر المزعوم هو؛ محاولة بائسة لاستنساخ ما حدث في سوريا،
رغم أن سميّه السوري بدأ كانشقاق من الجيش النظامي السوري، وذلك ما لم يستطيع فعله
الإخوان مع الجيش المصري المتماسك، لذا
فإنهم
يحاولون تصنيع مسخ مخلّق من مجموعات إخوانية وقاعدية وإلباسهم زي الجيش الوطني، وقد قاموا باستعراض عسكري مفتوح
في ميدان الصحابة بمدينة درنة بشرق ليبيا، ويعلنون أنهم على موعد مع لحظة الانطلاق
نحو مصر محددين لهم أهدافًا معلنة، وهى
المطارات
والسد العالي والسجون لتحرير قادة الإخوان.
ويقود
الجيش الحر حالياً شخص يدعى "شريف الرضوان" وهو إرهابي مصري حارب كذلك في أفغانستان وسوريا، ويرأس العمليات
شخص آخر يدعى "أبو شهاب" وتقوم قطر بتقديم الدعم المالي واللوجستي بينما تقوم تركيا
بتقديم الدعم الفني لسابق خبرتها في إنشاء
"الجيش
السوري الحر"، ويتم تخزين الأسلحة حاليا في مزرعة أبو دهب وثانوية الشرطة في درنة ويخططون لنقلها إلى واحة
"جغبوب" في الجنوب تمهيداً لتهريبها لمصر عبر الحدود الجنوبية قبيل الانتخابات الرئاسية، كما
يجدر بالذكر أن "أبو عبيدة" الذى يرأس غرفة ثوار ليبيا المقربة من جهاز الأمن والتي
أعلنت مسؤوليتها عن خطف رئيس وزراء ليبيا والديبلوماسيين المصريين للمبادلة بأبو
عبيدة بعد القبض عليه في مصر، كان في مهمة استخبارية لصالح الجيش الحر.
ومن
المعلوم أن القاهرة ترصد بدقة الأخبار الآتية من ليبيا، وتعمل لها حساباتها وقد نشطت أجهزة الاستخبارات وجمع
المعلومات لتسقط الأخبار عنها وتحليلها, وأعتقد أن تشكيل قوات التدخل السريع يهدف إلى ردع
أي محاولة للتحرش بالأراضي المصرية، وما أعلن عنه صباح الجمعة 18 أبريل 2014 من
قيام طائرة مجهولة بقصف مبنى تابع لأنصار الشريعة في بنى غازي أثناء عقد اجتماع
لعناصر من قوى جهادية تضم قيادات من "الجيش المصري الحر" وجماعة "أنصار
بيت المقدس وأنصار الشريعة" ليس ببعيد عن احتمالات أن تكون مقدمة لرد مصري خارج الحدود.
ثانيا: معسكرات تدريب للإرهابيين
"الجيش المصري الحر"
ليس وليد الأيام الحالية، أو سببًا رئيسيًا لثورة 30 يونيو، ولكنه حقيقة أعد لها الأمريكان
والإخوان، ونفذت في سوريا باقتدار وبدأ التحرك الفعلي لتكوينه في سيناء إبان الحكم
الإخوان بقيادة عناصر القاعدة القادمة من أفغانستان وعلى رأسها أيمن الظواهري،
وكل ما حدث ما هو ألا تغيير أماكن التمركز والانطلاق بعد اكتشاف الجيش المصري لتلك
البؤر الإرهابية في سيناء ومحاربته، فتحول الاتجاه إلى ليبيا التي تعد أرضًا خصبة
لتكوينه الآن، وهذا ما أكدته صحيفة "وورلد تريبيون" الأمريكية أن الإخوان
يسعون لتكوين جيش حر بدعم أمريكي وأوربي، وأعلنت الصحيفة في تقرير لها دعم أمريكا والغرب
لإنشاء "الجيش المصري الحر" برعاية قطر وتركيا وإيران، وبتنفيذ جهاديين من مصر
وسوريا والسودان وليبيا.
وظهر
الأمر جليا مع تزايد الحوادث الخطرة وغير المتوقعة، بما فيها الانتشار غير المنضبط للسلاح بصورة كبيرة، خاصة
أن ليبيا أصبحت خلال السنوات الثلاث الماضية مصدرًا رئيسيا للأسلحة المهربة في
العالم، فمع مع بداية خريف عام 2012، عندما سُرقت دفعة كبيرة من المنظومات
الصاروخية المحمولة المضادة للطائرات من طراز "إيجلا" من قاعدة بنغازي العسكرية في ليبيا، لتظهر
فيما بعد معلومات عن احتمال وقوع تلك
المنظومات
في أيدي مقاتلي المعارضة السورية، ورغم أن منظومات "إيجلا" تعتبر نوعًا خطرًا من الأسلحة، يستخدم لتدمير أهداف
جوية على ارتفاعات منخفضة وهناك اتفاقيات دولية بين روسيا والولايات المتحدة لفرض
السيطرة على انتشاره والحيلولة دون وقوعه في أيدي الإرهابيين، ويدعم
ذلك قائد أركان الجيش الفرنسي، الأميرال إيدوارد جيو، من أن هذه النقطة السوداء تمتد من الحدود الجزائرية إلى
منطقة الكفرة بالقرب من الحدود المصرية
السودانية،
فهي مساحة للإرهابيين للالتقاء والتزود بالأسلحة والتخطيط، وأصبحت مركزا للعبور وإقامة معسكرات التدريب الدائمة،
وللأسف أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب قام بنسج علاقات قوية مع مختلف الجماعات
المسلحة في ليبيا ومصر وتونس، المولودة من رحم ما سمّيَ الثورات العربية، وعلى
رأسها جماعة أنصار الشريعة بشقيها الليبي والتونسي. وهناك معسكرات تدريب
للإرهابيين بمنطقة الجبل الأخضر، تشرف عليها قيادات إرهابية تابعة لتنظيم مختار بالمختار،
زعيم "المرابطين" وبذلك تحولت ليبيا إلى ملجأ للإرهابيين، فالسلاح منتشر في كل مناطق
ليبيا، وتنظيمات مثل القاعدة و"الإخوان المسلمين" تستفيد من الانقسامات في
المجتمع الليبي، وخاصة مع وجود الدعم المادي من قطر واللوجيستي من أمريكا وتركيا، ودعم
هذا الاتصال الذى جرى بين القاعدة وفريق أمني أمريكي ووفد من الإخوان المسلمين
المصريين في ليبيا في فبراير 2013، للتوصل إلى اتفاق بين واشنطن وتنظيم القاعدة، لوقف
إطلاق النار وتخفيض مستوى العنف في
أفغانستان
بحيث ينسحب الأمريكيون بسلاسة، وفتح الطريق لهم للوجود في سوريا ومصر وسيناء.
فالاتفاق
الأمريكي تلخص في عودة آمنة لعناصر القاعدة العرب والأجانب إلى ليبيا ومصر، وتوجيه العناصر إلى سيناء، حيث
ستتولى حركة حماس توفير الترتيبات اللوجستية للعائدين من تنظيم القاعدة بعيداً عن
رصد الجيش المصري لأن الرئاسة المصرية لا تستطيع القيام بذلك لعدم سيطرتها على
الجيش والأمن، وبعد 30 يونيو عدلت الخطة لتكوين "الجيش المصري الحر"
في ليبيا لاقتحام مصر غرباً. والاتفاق بدأ في يناير
2013 مع
وصول وفد أمني أمريكي كبير إلى القاهرة وطلب لقاء شخصيات قيادية من جماعة الإخوان، والتقى الوفد في السفارة
الأمريكية مع خيرت الشاطر وعصام الحداد الذي كان يتولى العلاقات بين الجماعة والولايات
المتحدة، وجرى في الاجتماع بحث إمكانية
التوصل
إلى تفاهم مع تنظيم القاعدة لتسهيل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان المقرر العام المقبل". ووافق المرشد العام
محمد بديع والرئيس المعزول محمد مرسي على الوساطة، خاصة أن مرسي على معرفة مسبقة
بالدكتور أيمن الظواهري، إلى جانب أن مدير مكتب الرئاسة هو رفاعة الطهطاوي ابن
خالة الظواهري. ويبدو أن الأيام القادمة ستكشف المخطط الإرهابي الكبير الذى شارك فيه
الإخوان لتكوين هذا الجيش، ليكون داعما لهم في تمكينهم من مصر، ودعم الإمبريالية
الأمريكية الصهيونية لتحقيق أحلامها الاستيطانية فى المنطقة.
ثالثا: الجيش المصري الحر: مخطط دولي
"دولة مثيرة
للقلق".. "وكر أفاع"، تعبيران، أحدهما له دلالة سياسية مهمة، وبتتبعه وُجد أنه استخدم أخيرًا عدة
مرات في مواضع إستراتيجية بالغة الأهمية، فمصر في الشهر قبل الأخير لرئاسة محمد مرسي
صارت "دولة مثيرة للقلق" في تقرير الحريات الدينية في الكونجرس الأمريكي، وبعدها
لم يلبث مرسي في الحكم طويلاً، واليمن كذلك، وهي محل تغيير أيضًا، أما الثاني فهو
تعبير استخدمته أكثر من دولة أوربية أهمها فرنسا. إن تحديات الأمن والعدالة تتفاقم
في ليبيا جراء الانتشار واسع النطاق
لمخلفات
حقبة القذافي من سلاح وذخيرة، حيث يُقدَّر مخزون الأسلحة الليبية بأكثر من 100 ضعف مقارنة بما عُثر عليه
في العراق، ومعظمه غير مؤمن.
وحينما
يصدر هذا الرقم التقديري عن مركز دراسات، فإنه سيتهم بالطبع بالافتقار إلى الدقة، وربما العبثية في التقدير،
لكن حيث إن هذه العبارة هي ما خلصت إليه وزارة الخارجية البريطانية في تقرير
صادر لها مؤخراً، فإنه ليس متاحًا لدينا أن نأخذه إلا على محمل الجد. والجد
بالتأكيد لا يعني التصديق وإنما الحذر والانزعاج الشديد، فكثيرًا ما تطلق الخارجية
البريطانية أكاذيب لكنها تؤسس عليها جرائمها الاحتلالية فيما بعد، وقبل اثني عشر
عامًا كان توني بلير رئيس الحكومة البريطانية الأسبق، يشرعن هو وجورج بوش رئيس
الولايات المتحدة السابق الحرب على العراق وإطاحة نظام صدام حسين، بناء على تقارير اعترفت
استخبارات بلديهما بعد ذلك بأنها كانت
مغلوطة
عن "أسلحة الدمار الشامل" والصفقة المزعومة بين العراق والنيجر على
توريد يورانيوم
إلى نظام صدام حسين.
وعليه
فإن صدور هذا التقرير الذي وضع له عنوان له دلالة خاصة "ليبيا – دولة مثيرة للقلق"، يبعث على القلق
باحتمال وجود نيّات خبيثة تدبرها القوى الغربية لليبيا، خصوصًا إذ جاء ضمن حملة محمومة
من الإعلام الغربي على ليبيا، وتعاظمت
بتصريح
آخر في غاية الخطورة ورد على لسان وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان، وجاء فيه: إن "جنوب ليبيا تحول إلى
"وكر أفاع" للمتشددين الإسلاميين، وإن الطريقة الوحيدة للتعامل معه هي من خلال تحرك
جماعي قوي من الدول المجاورة"!.
والحق
أن مشكلة ليبيا الأولى، والتي يخشاها الغرب، ليس في الفوضى، فهو يسمح بها في أماكن كثيرة، ولا في عدم اكتمال
مؤسساتها السياسية فهو يقر دولاً كثيرة على ديكتاتوريتها وبقائها دون مؤسسات
مكتملة، ولا في تنوع أطيافها، فذاك أصل
الديمقراطية
في أي مكان، إنما مشكلتها العظمى التي تشاطرها سوريا بقدر ما، أن قواها العسكرية والأمنية ليست جميعها في حافظة
غربية، فبعض الكتائب، وربما معظمها "شاردة"
عن
الحظيرة الغربية بخلاف دول إسلامية كثيرة.
ولذلك
فالآلة الإعلامية الممهدة للتدخل الخارجي في الشأن الليبي بدأت بشن هجوم ضارٍ، فإذا كان وزير الدفاع الفرنسي قد
تحدث عن "وكر أفاعٍ" في الجنوب الليبي، فلأن فرنسا لها أطماعها الخاصة في جبال
"تيبستي" الذي يحوي ثروات كبيرة من الذهب واليورانيوم، وإذا كان الكاتب المصري
المخضرم محمد حسنين هيكل قد قالها صراحة في حوار متلفز لفضائية CBC: "نحن دائمًا نقول إن
الخطر من الشرق، والآن الخطر من
الغرب"!،
ويحدده هيكل بدرنة في شرق ليبيا، فلأن أكثر من عنصر يجعل الحشد ضد الشرق الليبي ذا وجاهة لدى أدوات الغرب.
فتضخيم
فكرة "الإرهاب" و"القاعدة" في الشرق الليبي تخفي أطماعاً في
نفطه من
جهة،
ويقوض فكرة توازن القوى في ليبيا لصالح الكتائب ذات التوجه القريب من النظام السابق، وقوى التدخل الخارجي، والأخطر
أنه يصب في وعاء التقسيم الذي وضعت به
سيناريوهاته
في الدوائر الغربية، ومنها تلك التي قال أحد رجالها لهيكل شخصيًا في الحوار الذي وصفه فيه بأنه "زائر
أمريكي" نصًا: "أخشى مما يحدث في درنة، أخشى أنكم إذا لم تحاربوا في درنة فقد تجدون
أنفسكم تفعلون ذلك في مرسى مطروح، أتيت أخيرًا هناك 300 عنصر من القاعدة وصلوا،
واستقرت في درنة أخيرًا".
والحديث
عن خط "درنة - مرسى مطروح" هو حديث يتماهى بقوة مع مخطط كشف عنه منذ شهور عن تقسيم لليبيا قد يمتد إلى إقليم
يتسع من بنغازي أو طبرق إلى مرسى مطروح، ويضم قبائل أولاد علي المنتشرة عبر
الحدود، والتي تلقت مناشدات من أطراف ليبية بالعودة لـ"الاستيطان" بالشرق
الليبي. وما يعزز هذا التصور، ما فجره الإعلام المصري أخيرًا عما قيل إنه "جيش مصري
حر" يتدرب في الشرق الليبي، وسط دعوات إعلامية لتوجيه ضربة في العمق الليبي، وهو ما قد يدفع
في عدة اتجاهات، إما نشر الفوضى عبر الحدود، أو تغيير التوازن الحاكم في ليبيا
وتجييره باتجاه يعزز من احتمال حلول انقلاب ميليشياوي غربي يحل بديلاً عن
النظام الحالي الذي ينبثق من مؤسسة المؤتمر الوطني، أو ينعش تصورات حول إرادة النظام المصري
في ممارسة ضغوط حقيقية على ليبيا من أجل التدخل لحل مشكلة نقص الغاز المصرية
التي تفجر أزمة طاقة تؤثر على قطاع الكهرباء الحيوي في البلاد.
ما
من شك، رغم كل هذا أن ثمة مشكلات جوهرية في الداخل الليبي، وأن سلطة "الكتائب الحافظة
للأمن والاستقرار" من جهة، و"الميليشيات المخربة" هي إحدى المعضلات الناجمة عن الوضع الفوضوي الذي
واكب التحول العسكري السريع للثورة
الليبية،
وليس ثمة ما يساور أحد في ليبيا أن للخارج يد فاعلة في الداخل الليبي.
خلاصة
القول، إن اتساع نطاق هذا النوع من الإرهاب، من حيث الدول التي تتعرض له، خلال الفترة المقبلة، يتطلب
إستراتيجيات معقدة في مكافحته، تكون من ناحية، ذات طابع "غير أمني"، تستهدف مركز
الثقل الرئيسي لهذا النوع من الإرهاب، كما يتطلب من ناحية ثانية، إجراءات جماعية، بين الدول
التي تواجه هذا النوع من الإرهاب، تكفل
تتبعه
عبر الحدود، فقد اتبعت عدد من الدول العربية أخيرًا إستراتيجية السيطرة الاجتماعية على الإرهاب من خلال وضع أطر
قانونية تقلص شرعية الأيديولوجيات التي
عادة
ما يستند إليها الإرهاب من هذا النوع، ولكن يظل التحدي الرئيسي، أن هذا النوع عادة ما يصعب التنبؤ بظهوره في الدولة،
أو توقع انتشاره فيها على نطاق واسع.