الانتخابات في عصر الإنترنت: الدعاية السياسية في الانتخابات الرئاسية
هناك
من يعرّف الدعاية الانتخابية بأنها (الأنشطة الاتصالية المباشرة وغير المباشرة
التي يمارسها مرشح أو حزب بصدد حالة انتخابية معينة بهدف تحقيق الفوز في
الانتخابات عن طريق الحصول على أكبر عدد ممكن من أصوات الهيئة الانتخابية)، ويرى
البعض أن الدعاية الانتخابية هي " كل أنشطة الاتصال التي تهدف إلى تدعيم
الثقة في الحزب أو المرشحين السياسيين بشأن حالة انتخابية معينة، وإمداد جمهور
الناخبين بالمعلومات ومحاولة التأثير فيهم بكل الوسائل والإمكانات والأساليب المتوافرة
من خلال جميع قنوات الاتصال والإقناع بهدف الفوز في الانتخابات أو زيادة مؤيدي
المرشح وإبراز صورته المرغوبة أمام الناخبين".
أما الحملة الانتخابية فتعرّف بأنها مجموعة الأنشطة التي يقوم بها الحزب أو المرشح السياسي بهدف إمداد جمهور الناخبين بالمعلومات عن برنامجه وسياسته وأهدافه، ومحاولة التأثير فيهم بكل الوسائل والأساليب والإمكانات المتوافرة من خلال جميع قنوات الاتصال والإقناع ، وذلك بهدف الحصول على أصوات الناخبين وتحقيق الفوز في الانتخابات، وتعد الحملات الانتخابية الناجحة البداية الحقيقية لتحقيق الفوز في الانتخابات، والحملة الانتخابية الناجحة هي التي تستفيد من كل الظروف، وفي إطار الوقت المحدد لاستهداف الناخبين وتقوم بتطوير رسالة مقنعة، وتتابع العمل وفق خطة معقولة للوصول إلى الناخب.
لذلك
تعتبر الحملات الانتخابية للمرشحين هي الشكل الراقي للممارسة الديمقراطية لحسم
التنافس على الجمهور، والمرشح هو العامل الفاعل في التخطيط للحملات الانتخابية،
واستثمار ذاته وتاريخه وإنجازاته ومقترحاته لتلبية احتياجات المواطنين وحل مشاكلهم،
ويتحقق نجاحه طبقًا لمدى اقتناع الجماهير به، وقدرته على إجهاض فرص التأثير على
المواطنين التي يقوم بها المرشح الآخر، وتبرز أهمية التخطيط للحملات الانتخابية من
خلال الموازنة في الاستفادة من كل العوامل المتحكمة في السلوك الانتخابي للناخبين،
مع السيطرة في الوقت نفسه على العناصر السلبية، ولم تعد الحملات الانتخابية مجرد
احتفالات جماهيرية أو عرض لافتات وإقامة الكرنفالات بالشوارع والميادين، بل أصبحت
علمًا وفنًا له أساليبه ووسائله وأخلاقياته، ولا شك أن الأمر يحتاج لفهم أفضل
الأسس التي يقوم عليها التخطيط العلمي للحملات الانتخابية لضمان الفوز في
الانتخابات، وعلى دعم أسس المشاركة السياسية الواعية لجميع المواطنين.
وتوجد
ثمة علاقة بين وسائل الإعلام الجديد ورأس المال الانتخابي، حيث تسعى حملات الدعاية
الانتخابية لإيجاد اتصال مباشر بين المرشح والجمهور المستهدف من الحملة، مما يسهم
في وصول الرسائل بشكل واضح ويحقق أهداف
العملية الاتصالية ويأتي بنتائج إيجابية. ومن الواضح أن التحول
الكبير نحو استخدام المرشحين لمواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في حملات الدعاية الانتخابية، بهدف التواصل مع ناخبيهم
والتعريف ببرامجهم الانتخابية ومدى قدرتهم على خدمتهم بشكل
أفضل هو تحول منطقي، ولعل هذا التحول ناجم عن الارتفاع الكبير في نسبة استخدام أجهزة الحاسب الآلي والهواتف الذكية
وسرعة النفاذ للإنترنت من خلال استخدام تقنيات متقدمة.
ويلجأ المرشحون إلى الإنترنت نظرًا لتأثيرها
الكبير، وارتفاع عدد مستخدميها في الآونة الأخيرة،
كما أنها تتميز بقدرتها على الوصول للناخب في أي وقت،
وعدم إلزام جميع الناخبين بالوجود في وقت واحد، كما أن هذه الوسيلة تضيف بعضا من الخصوصية على العلاقة ما بين المرشح والناخب،
وانخفاض تكلفة استخدام مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي يجعلها وسائل اتصال
شعبية، فهي لا تحتاج إلى ميزانيات ضخمة مقارنة
بوسائل الاتصال التقليدية الأخرى مثل المخيمات وقاعات الاحتفالات، الأمر الذي رفع
من نسبة استخدامها بين المرشحين بشكل كبير كما هو الحادث في الانتخابات المصرية
الرئاسية الحالية .
أولا: الأساليب الدعائية الجديدة
انتشرت الهاشتاجات
الساخرة من السباق إلى قصر الاتحادية بالحصان والذي يمثل الامتداد العربي والدرّاجة
تمثل الامتداد الإقليمي والدولي، حيث امتد الجدال إلى نوع الدراجة وثمنها وضرورة
التقشف، وبين ركوب المرشح على عجلة الإنتاج، في حين أثنت التعليقات على القرب من
الشعب وعلى الجانب الآخر نجد بيع بطاقات السيسي بقطارات المترو وصور المرشح
بالطرقات، والدعاية للمرشح على عربات الخيل
وأنغام المزمار، ورفع سعر الدقيقة للإعلان على التليفزيون
لـ300 ألف جنيه أثناء حوار السيسي مع لميس الحديدي وإبراهيم
عيسى. وفي السياق ذاته، تواصل المشير "السيسي" مع
آلاف المواطنين عبر الهاشتاج بعنوان "تحيا مصر"، حيث شاركه 120 ألف زائر
في أول 15 دقيقة، وهو الهاشتاج الذي تفوّق بشدة على هاشتاج حملة حمدين صباحي
بعنوان "هنكمل حلمنا".
على الجانب الآخر تلقى الحملات
الإلكترونية اهتمامًا كبيرًا من المرشحين في الانتخابات الرئاسية، نظرًا لصعوبة
الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وللمزايا التي توفرها في خدمة الدعاية الانتخابية
ولطبيعة الفئة الانتخابية المستهدفة من الشباب، ويرتبط نجاح الحملات الإلكترونية
في التأثير في الناخب بقدرتها على الانتقال من الطابع الإلكتروني إلى أرض الواقع
في شكل فاعليات انتخابية موازية، ومخاطبة العقل بدلا من العاطفة والالتزام
بالمصداقية والسرعة في ردود الأفعال، والتي تعمل على دعم الالتصاق بمطالب الناخبين
الفعلية من أجل كسب ثقتهم وتحفيزهم على المشاركة الإيجابية عبر الذهاب إلى صناديق
الاقتراع، وهو ما يفرض القيام بإدارة حملة إلكترونية انتخابية ذكية وواعية تأخذ في
اعتبارها مختلف المحفزات الوطنية، والاستمالة العقلية والعاطفية لزيادة قدرتها على
إقناع الناخبين، والالتزام
بالمصداقية والتنظيم الجيد وتوزيع
الأدوار بما يجعل ردود الأفعال ذات طابع تنظيمي وليس عشوائيًا، كما يجب ألا يتم التعامل مع الحملات المسيئة أمنيًا فقط عبر حجب
الروابط الإلكترونية بل يجب أن يتم التركيز على الحل السياسي بمواجهة الأفكار
بأفكار أخرى مضادة وتنوع الأدوات الإعلامية، وأهمية تركيز الخطاب الانتخابي المستخدم في الحملة على أولوية
القضايا الوطنية والأكثر التصاقًا بمعاناة المواطنين كالتعليم والصحة والبطالة
وسيادة القانون ومكافحة الفساد والفقر، وأهمية احترام حرية الرأي والتعبير على
شبكات التواصل الاجتماعي.
ثانيا:
البرنامج الانتخابي للمرشح
هو أحد أهم الدعائم الأساسية للمرشح،
وذلك ليس فقط لإقناع الناخبين بأنه الأجدر للفوز بمقعد الرئاسة، ولكنه يتضمن روشتة
العمل التي سوف يقوم من خلالها على تحقيق رغبات وطموح الشعب من جانب، وأن جمهور
الناخبين سوف يحاسبه أيضًا على ما قطعه على نفسه في هذا البرنامج. وبالتالي لا بد
أن يأتي البرنامج الانتخابي للمرشح معبرًا عن أهداف وطموح ثورتي 25 يناير و30
يونيو، وأن يحمل أفكارًا وشعارات قابلة للتنفيذ والتطبيق.
1- برنامج المرشح
حمدين صباحي بشعار "نقدر نبنيها من جديد"
اعتمد برنامج المرشح في دعايته
الانتخابية على عنوان: (مصر اللي جاية هنبنيها من جديد)، يستهدف البرنامج ما صنعه المصريون
خلال ثورتي الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو، ويتضمن البرنامج ما تعانيه
مصر من مشكلات وتحديات، وأساليب التغلب على هذه المشكلات والتحديات في فترة زمنية
محددة، من خلال استغلال الموارد البشرية في سبيل النهوض بمصر.
2- البرنامج الانتخابي للمرشح "عبد
الفتاح السيسي" بشعار "تحيا مصر"
أطلقت الحملة الرسمية للمرشح
"عبد الفتاح السيسي" الموقع الرسمي لها على شبكات التواصل الاجتماعي مع
بداية فترة الدعاية الانتخابية، ويضم الموقع السيرة الذاتية وأخبار الحملة في
الصحف المختلفة ومقالات وتصريحات وتعهدات وصور وفيديو المرشح، وجزءًا من البرنامج
الانتخابي، وجزءًا للتعريف بأماكن اللجان الانتخابية، كما خصص الموقع جزءًا عن
مبادرة" فكرتي" لاكتشاف مواهب الشباب.
وتضمن البرنامج الانتخابي الأمن
والاستقرار وعدم التصالح مع الجماعة الإرهابية، ويبحث مستقبل الرياضة ويطالب
بالحوار مع الألتراس، ويعمل على إيجاد حل لأزمة الطاقة، وتنمية حلايب وشلاتين .
ثالثا- حملتا المرشحيْن
في عيون الخبراء
مع بدء الحملات الدعائية للانتخابات الرئاسية، يرى عديد من السياسيين أن
ضيق وقت الدعاية جعل أعضاء حملة "صباحي" يتوجهون بالنقد للمشير السيسي
أكثر من التركيز على شرح البرامج السياسية للمواطنين في حين لم يهتم أعضاء حملة
المشير "عبد الفتاح السيسي" سوى بالدعاية نظرا لثقتها في الفوز دون
النظر إلى الهجوم على الخصم، وبدأ تخاطب الشباب مباشرة وتركز على شرح برنامج
المشير الانتخابي.
كما أبدى هؤلاء السياسيون ملاحظة أخرى تتعلق بالمرشح المحتمل "حمدين
صباحي" وهو تركيزه في حملته الدعائية على جنوب مصر والاهتمام بمحافظات الصعيد،
التي أدرك من خلال التجربة السابقة له أنه لم يحصل سوى على نحو 355 ألفا من عدد
أصوات هذه المحافظات، فرأى أن يبدأ حملته الدعائية فيها ويركز على أبناء الجنوب
الذين يأمل أن يعطوه نسبة أكبر من أصواتهم خلال هذه المعركة.
حيث قال عمرو علي، عضو المكتب التنفيذي لحزب
المصريين الأحرار: إن كلا من المرشحين حمدين والسيسي يدركان تماما أن الفترة
الانتخابية التي حددتها اللجنة العليا للانتخابات 20 يوما قليلة جدا، فيحاول
كلاهما أن يكتسب أكبر وقت ممكن لجمع أصوات من خلال حملته الانتخابية.
وأضاف
أن المرشح الرئاسي "حمدين صباحي" بدأ حملته الانتخابية من خلال تعظيم
دور الشباب ويحاول أن يقدم لهم وعودا من إلغائه لقانون التظاهر، وتوفير العدالة
الاجتماعية ووضع الشباب على الخريطة السياسية وحل مشكلة البطالة. أما
بالنسبة للمرشح الانتخابي "عبد الفتاح السيسي" فمن الواضح أن شعبيته
الجارفة جعلت أعضاء حملته على ثقة كبيرة بالفوز لذلك لا يهتمون بتوجيه النقد أو الهجوم
على المرشح المنافس ويقومون بالتركيز على الدعاية الانتخابية.
ونجد
أيضا أن المرشح الرئاسي "عبد الفتاح السيسي " يركز أيضا على تعظيم دور
الشباب في المرحلة القادمة، لأنه يضمن أن يكتسح طبقة ما فوق 40 عاما في الانتخابات،
وأن الشباب لا بد أن يضمهم، فقام بحملة "تحيا مصر" أو بهاشتاج على مواقع
التواصل الاجتماعي الفيس بوك وتويتر، كما قام بضم عدد كبير من الشباب إلى المكتب
السياسي للحملة.
ورصد محمد عطية، عضو المكتب السياسي لتكتل القوى الثورية، أنه من الواضح
اهتمام حملتي المرشحين حمدين صباحي وعبد الفتاح السيسي بتصدر الشباب بإدارة
الحملتين، وهذا يدل على محاولتهما جذب أكبر قدر من الشباب. وأضاف أنه من الواضح أن
المرشح الرئاسي حمدين صباحي يهتم بشباب الثورة والعمال والفلاحين وقضايا العمل
والإنتاج، بينما يركز المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي على قيام أعضاء حملته ببث
دعاية انتخابية لصور تجمع بين عبد الفتاح السيسي والزعماء جمال عبد الناصر
والسادات لإعطاء صورة لجميع الشعب أنه يجمع بين الرمزين والمميزات المعروفة لهما.
ومن جانبه ذكر مجدي شرابية عضو المكتب السياسي لحزب التجمع، أنه لا توجد فروق
واضحة حتى الآن بين أسلوب الدعاية الانتخابية التي يتبعها كل من مرشحي الرئاسة
حمدين والسيسي، حيث إن كليهما يتحدث عن العدالة الاجتماعية وعند تحقيق أهداف
الثورة ووعود الفقراء والعمال
.
رابعا- دور وسائل
الإعلام في الدعاية الانتخابية
تحولت شبكات التواصل الاجتماعي إلى
منصة مهمة لشن الحملات الإلكترونية في السباق الرئاسي، سواء أكانت المؤيدة لمرشح
ما أم المعارضة له أم الداعية إلى المقاطعة، أو التي تستهدف شن الحرب النفسية
بالعمل على وقف المسار السياسي، وهو الأمر الذي نقل الحملات
الانتخابية من الحائط والشارع إلى ساحات الشبكات الاجتماعية، مستفيدة باتساع قاعدة
المستخدمين وبسهولة توظيف الرسالة الإعلامية في عملية التأثير في الناخبين ودفعهم
إلى المشاركة السياسية.
وما يزيد من تأثير ذلك تحول شبكات
التواصل الاجتماعي إلى مصدر للأخبار للصحف وللقنوات الفضائية، وهو ما يزيد من
تأثيرها في توجهات الشباب، وهم القاعدة الانتخابية العريضة والأكثر استخدامًا
وناشطية وتأثرًا بالأوضاع الاقتصادية والأمنية، وارتباط ذلك بعدم وجود مؤسسات
تمثيلية منتخبة تمارس الرقابة والتعبير عن المطالب، وهو ما يعزز دور الشبكات الاجتماعية
في المرحلة الانتقالية، وفي ظل بيئة جديدة تتميز بوصول عدد مستخدمي الإنترنت إلى
40 مليون مستخدم، ووصول مشتركي الفيس بوك إلى ما يزيد على 17 مليون مستخدم، كما
يتابع 35% من مستخدمي الإنترنت تويتر، فضلاً
عمّا يزيد على 90 مليون مشترك في الهاتف المحمول.
ويمتلك الفاعلون في الحملات الإلكترونية القدرة
على مخاطبة وصياغة أهداف الجمهور والتلاحم مع مشاكله بدرجة أكبر وأسرع من المؤسسات
الإعلامية التقليدية والتي ينعكس نمط ملكيتها على أدائها الإعلامي، وحظيت الحملات الإلكترونية على كثير
من الاهتمام من قبل المرشحين، والذين
يتسابقون على إطلاق حملاتهم الإلكترونية عبر تدشين المواقع الرسمية والحسابات على
مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن برنامجهم الانتخابي وإنجازاتهم ورؤاهم
للمستقبل، والرد على منتقديهم وتغطية نشاطهم الإعلامي من مؤتمرات أو تغطيات لنشاطهما
في الصحف المختلفة، وتعزز الحملات الإلكترونية من القدرة على التأثير في جمهور
الناخبين عبر تعبئة المؤيدين الحاليين أو جذب مؤيدين جدد أو التأثير في المعارضين.
وتتوقف محددات السلوك التصويتى على ثلاث
فرضيات
الأولى استندت إلى تصاعد الهوى الإسلامي،
وميل المصريين للتصويت لمشروع الإسلام السياسي على حساب المشروع المدني الديمقراطي.
الثانية فتستند إلى حالة
التمايز الاجتماعي بين الريف والحضر أو الغنى والفقر.
الثالثة تستند صراع النخب
حيث توجد نخبة قديمة تحاول الحفاظ على
مصالحها، وأخرى جديدة تحاول بناء نظامها الجديد.
وفي الواقع لا يمكن الاستناد إلى
فرضية واحدة من الثلاث لفهم وتفسير سلوك التصويت في الانتخابات الماضية، إلا أنه
من المؤكد أن قواعد وبيئة اللعبة الانتخابية بعد 30 يونيو مغايرة تمامًا عما
قبلها، وهو ما سيؤثر لا محالة في نمط وطرق تصويت المصريين.
خامسا: رؤية الصحافة
الغربية للانتخابات الرئاسية
تلقى الانتخابات المصرية اهتمامًا إعلاميًّا من الصحف
العالمية، وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن المسئولين
في مصر يخشون أن يؤدي تصعيد الهجمات الإرهابية إلى تعطيل الانتخابات الرئاسية والمقرر
عقدها في 26 و27 من مايو، لافتة النظر إلى تنامي التوقعات بفوز المشير "عبد
الفتاح السيسي" وزير الدفاع السابق، ونقلت الصحيفة عن مسئولين حكوميين قولهم
إن اتمام الانتخابات الناجحة سيكون علامة فارقة في تحول مصر إلى الديمقراطية، وهو
الأمر الذي من شأنه أن يحقق قدرًا أكبر من الاستقرار، واتفقت صحيفة "الجارديان" البريطانية حول
كون المرشح "السيسي" الأفضل في الترشيحات المصرية للانتخابات الرئاسية،
وأن الحكومة المؤقتة ترسم الانتخابات كخطوة مهمة نحو الديمقراطية، ويرى بعض
المعارضين مخاوف بشأن سلامة التصويت.
وفي سياق متصل، حاولت
صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية استعداء الإدارة الأمريكية ضد مصر
في هذه المرحلة الحرجة من إجراء الانتخابات، وتعكير الأجواء، وقال الكاتب الأمريكي
"روبرت كيجان" الخبير السياسي بمعهد "بروكينجز" الأمريكي في
مقال له: إنه على إدارة الرئيس باراك أوباما عدم التراجع في موقفها الذي اتخذته
تجاه مصر عقب عزل الرئيس "محمد مرسي"، مستنكرًا دعم واشنطن لما وصفه
بالخارطة السياسية التي وضعها المستبدون في مصر، وزعم الكاتب أن المساعدات التي
قررت واشنطن إعطاءها لمصر ستكون في أيدي مجموعة من الجنرالات المصريين الديكتاتوريين،
ووصفت الصحيفة قرار الإدارة الأمريكية بمساعدة مصر بأنه انتحار سياسي، وأن واشنطن
تلقي بنفسها إلى هاوية الجحيم، كما دعا الكاتب الكونجرس الأمريكي بغرفتيه (مجلسي الشيوخ والنواب)،
بضرورة التدخل لدى إدارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" لوقف استئناف
المساعدات العسكرية لمصر، بالإضافة إلى سن مشروع قانون يمنع منح الإدارة المصرية
مساعدات اقتصادية أو عسكرية في المستقبل، وزعم أن مساعدات واشنطن لمصر ستضر بالمصالح
والمصداقية الأمريكية التي تنادى بدعم الحرية والديمقراطية في دول العالم، وسيؤدي
دعم واشنطن لمصر إلى ظهور جيل إسلامي جديد يريد الانتقام والثأر من السياسة
الأمريكية.
في حين ترى الصحف الغربية البريطانية والأمريكية أن المرشح الرئاسي "عبد
الفتاح السيسي" هو المرشح الرئيسي للانتخابات الرئاسية المصرية، مؤكدة على
ذلك صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية بأن السيسي يدفع المصريين للاصطفاف حوله والوقوف
خلفه لحل المشاكل الاقتصادية المتزايدة، وارتفاع معدلات البطالة والديون الحكومية
الهائلة، وأزمة الطاقة التي أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي يوميا ، وأشارت
الصحيفة إلى اعتبار "السيسي" قائدًا قويًا، قادرًا على حل مشاكل البلاد
والتخلص من الاضطرابات، وتتوافر فيه ميزة التخطيط الجيد والكفاءة العالية ومن
المتوقع فوزه على المرشح المنافس "حمدين صباحي".
على الجانب الآخر، اهتمت الصحف الأمريكية نفسها بالتصريحات التي أدلى بها المرشح الرئاسي "عبد الفتاح السيسي" في
أول حوار تليفزيوني له مع الإعلاميين "لميس الحديدي" و"إبراهيم
عيسى" وخاصةً حديثه عن مصير جماعة الإخوان، وأشارت صحيفة "واشنطن
بوست" الأمريكية، في تغطيتها لحوار "السيسي" إلى تصريحاته التي
قال فيها: "إن جماعة الإخوان لن تعود كتنظيم، متهمًا إياها باستخدام جماعات
مُسلحة لزعزعة استقرار البلاد، وتعهده بأن يكون عودة الاستقرار وجلب التنمية على
رأس أولوياته، ورأت الصحيفة أن إجابات السيسي كانت بمثابة إشارة مهمة لنيته التخلص
من تنظيم الإخوان سياسيًا وفكريًا، كما أشارت إلى قول "السيسي" (إن المصريين هم من قضوا على
الإخوان ولست أنا، المشكلة ليست معي).
وفي سياق متصل ذكرت
صحيفة "نيويورك تايمز"، في تقريرها حول تصريحات "السيسي"
بأنه (سيقضي على الإخوان في حال توليه رئاسة البلاد)، وأشارت الصحيفة إلى تعليق
"السيسي" بأن (المصريين هم من قالوا "لا" في 30 يونيو الماضي،
وهم من يقولــــون "لا" الآن)، وأوضحت الصحيفة تحميل "السيسي"
الإخوان مسئولية العنف الذي يحدث بالبلاد، وأبرزت تصريحاته التي أعلن
فيها بصراحة أن أي ( "مصالحة" مع الإخوان "لن تنجح" بسبب
أيديولوجية الجماعة، مؤكدًا بقوله" نحن لا يمكننا العيش معًا) .
وعلى الصعيد ذاته لم
تختلف اهتمامات صحيفة "لوس أنجليس تايمز" كثيرًا عن الصحف
الأخرى، إلاّ فيما يتعلق بتعليقها على البدلة ورابطة العنق التي اختار السيسي
ارتداءها في هذا الحوار، وحول
مقاطعة الانتخابات قالت "الواشنطن بوست" إن غالبية أهالي الفيوم
التي تعد واحدة من أكثر المدن المصرية اضطرابًا من الناحية الأمنية، تتجه إلى
مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأوضحت الصحيفة أن الفيوم إبان الانتخابات
الرئاسية الماضية في 2012، كانت متحمسة بشدة للحراك الديمقراطي، وانتخبت "محمد
مرسي" ممثلاً للحكم الإسلامي، أما الآن فتبدو الديمقراطية في حالة موت بهذه
المدينة وقراها الفقيرة.
سادسا- الحرب الدعائية
تستخدم
الشبكات الاجتماعية في شن الحملات الإلكترونية لرخص التكلفة وسهولة تكوين ونشر
الصور والفيديوهات الدعائية، وإتاحة الفرصة لكسر فترة الصمت الانتخابي وضعف
الرقابة على سقف التمويل، وهو ما يمثل تجاوزًا لقيود اللجنة الانتخابية المشرفة
على الانتخابات، وتمثل الحملات الإلكترونية تحولاً في مجال الدعاية الانتخابية عبر
قدرة الفاعلين السياسيين في التعبئة والحشد والتأثير في توجهات الناخبين وتغطية
عملية التصويت والرقابة وإعلان النتائج وإتاحة الفرصة لمشاركة المتطوعين في تنظيم
الفاعليات الانتخابية، إلى جانب الحملات الرسمية للترويج لحملة ما عبر الروابط
الشبكية والتجمعات الإلكترونية، ولا تميز العضوية بها على أساس العمر أو الجنس أو
الدين أو الموقع الجغرافي، وهو ما يجعلها ساحة مفتوحة للتعبير عن تنوع وجهات النظر
وبمدى تمثيلها في الشارع السياسي، ومدى جاذبيتها في نشر الدعاية عبر عدة طرق منها
إطلاق مواقع للإنترنت للمرشحين أو قنوات على "اليوتيوت" أو بتدشين صفحة رسمية على "الفيس
بوك" أو حساب على "تويتر"، ويتم استخدام عدد المشاهدات أو عدد
المعجبين للصفحات أو التغريدات والهاشتاج على تويتر كمؤشر على نجاح الحملة
الإلكترونية.
واقتصرت هذه الحرب على "الهاتشتاج" على الفيس
بوك ضد المرشح "عبد الفتاح السيسي" حيث تضمن هذا الهاشتاج تجاوزًا لفظيًّا
غير مسبوق، علاوة على التحريض المبالغ فيه من خلال وضع صورة لكوكب الأرض كخلفية
للمرشح، وكأن المرشح "عبد الفتاح السيسي" يملك كوكب الأرض وليست لدية
شعبية جارفة لدوره كوزير دفاع سابق، والتعامل مع المتطلبات الشعبية بإسقاط حكم
"الإخوان".
وهناك صفحة (علشان
ماسر .. يا وليه هاتي صوباع محاشي علشان مصر) والمقصود بها "علشان
مصر" ووصل عدد المعجبين بها
(715) معجبًا، ومن أبرز
التعليقات بها: حول اختراع الجهاز لعلاج الفيروسات (علاج الكفتة .. لا يكلف
اللـه نفسًا إلا وسعها - و كان عندك فيروس
وراح)، وحول التشويش على برنامج
"البرنامج" لمقدمه
"باسم يوسف" كانت من أبرز التعليقات هاشتاج (أنا أخدت التردد علشان مصر - خدت خمسة مليون يا باسم .. طاب ما تجيب شوية
لمصر) ، ومن التعليقات الأخرى ( أين
أشيائي خدناها علشان مصر - هات شيبسي
علشان مصر .. لا إنت ولاعشرة زيك - ما تجيبي بوسة علشان مصر - علشانك يا عبير رقّيت
نفسي مشير - حمدين حمضي واحد كفاية). على الجانب الآخر نجد هناك الصفحات المؤيدة
والداعمة للمرشح "عبد الفتاح السيسي" كصفحة ( انتخبوا البطل والتي وصل
عدد المعجبين بها إلى 13492معجبًا، وصفحة "فوضناك
..شاور وإحنا معاك" ووصل عدد المعجبين بهذه الصفحة إلى 619 معجبًا.
ولم تقتصر هذه
الحرب على المرشح الرئاسي "عبد الفتاح السيسي" فقط وإنما هناك المرشح
"حمدين صباحي" حيث جاءت بعض المجموعات المؤيدة له بعنوان (معًا ضد
الحملة الممنهجة لتشوية المناضل حمدين صباحي ووصل عدد المشاركين بها إلى 57 مشاركًا
فقط ).
على الجانب الآخر تمثلت الحرب الدعائية بين مرشحي
الرئاسة في فخ التسريبات الإلكترونية حول اعتزام حمدين محاكمة السيسي، فيما نفت
حملة حمدين التسريبات وردت عليها حملة السيسي بأنها تصريحات غير مسئولة.
سابعا-
انتهاكات الدعاية
الانتخابية
تحولت الحملات الإلكترونية الانتخابية إلى سلاح في إدارة الصراع السياسي
بين الفرقاء السياسيين، وتراوح ذلك ما بين استخدامها كوسيلة للدعاية الانتخابية أو
للعمل على وقف المسار السياسي برمته ،عبر تنشيط دور اللجان الإلكترونية في استخدام
الدعاية السوداء، وهو ما يعبر عن دخول أطراف أخرى مجال الحملات الإلكترونية بين
المرشحين من أجل تحويلها إلى طابع احتجاجي وانتقامي من قبل نشطاء من أنصار جماعه
الإخوان المسلمين
الذين لديهم خبرة في توظيف القدرات
التقنية والتسويقية لتسريع الانتشار الكمي للحملات الإلكترونية في نشر الشائعات
والحرب النفسية والسب والقذف أو نشر المعلومات الخاطئة أو فبركة الصور أو الأخبار
أو الفيديوهات لتوظيفها سياسيًا لشحن الرأي العام ليس فقط المحلى بل العالمي أيضًا
ضد العملية السياسية، ويأتي ذلك مع صعوبة قيام الأجهزة الأمنية بحجب صفحات وحسابات
مواقع التواصل الاجتماعي مقارنة بحجب المواقع الإلكترونية، وعدم تبني قانون
لمكافحة الجريمة الإلكترونية، وهو ما يفتح الطريق إلى القرصنة السياسية بين
الفرقاء باللجوء إلى الاختراقات الإلكترونية المتبادلة، وهو ما يعبر عن عدم وجود ثقافة
الاختلاف واحترام حرية الرأي والتعبير. وحول
الانتهاكات الدعائية انتقدت صحيفة "الجارديان" البريطانية انتشار
الكتابة المسيئة على الجدران وشبكات التواصل الاجتماعي ضد المرشح"عبد الفتاح
السيسي".
ولا ينبغي أن تُقاس قوة الحملات الإلكترونية بعدد المشاركين فيها، أو عدد الإعجابات على الفيس بوك أو بحجم التغريدات أو الهاشتاج، وقد يكون جزء كبير منها أقل من السن الانتخابية، أو ممن لا يحملون الجنسية المصرية أو وجود إعجابات وهمية أو وجود حسابات مكررة للشخص نفسه، ونجد أن من ضمن هذه الانتهاكات إعلان برنامج المرشح حمدين صباحي قبل إعلان القائمة النهائية للمرشحين من اللجنة العليا للانتخابات، والتي تم حفظ التحقيق فيها.