تقييم أداء حكومة الببلاوي: فرص ضائعة وتهديدات مستمرة
اختلفت طبيعة حكومة الببلاوي اختلافا جوهريا عن الحكومات
التي سبقتها منذ ثورة 25 يناير، إذ جاءت هذه الحكومة خالية تماما من ممثلين
للإخوان المسلمين، بعد أن رفض هؤلاء الدعوة للمشاركة في الحوار الوطني بعد 30
يونيو، وأصروا على عدم الاعتراف بشرعية سلطة أخرى غير سلطة الرئيس المعزول محمد
مرسي. ولذلك فإن حكومة الببلاوي جاءت لتعبر عن تحالف شرعية ما بعد 30 يونيو، ممثلة
لمعظم أحزاب وقوى تحالف يونيو بما في ذلك الأحزاب الجديدة التي نشأت بعد ثورة
يناير مثل؛ الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب الدستور والناصريين والوفديين،
إضافة إلى التكنوقراط وممثلي السلطة التأسيسية (بقوة الأمر الواقع) ألا وهي
المؤسسة العسكرية. ومع ذلك فإنه من الخطأ الاعتقاد بأنه بعد تشكيل الحكومة على هذا
النحو تمت إدارتها بنفس المنطلق، أي بقوة تحالف 30 يونيو ومرجعياته المتعددة من
أحزاب وحركات سياسية. فالحقيقة أنه تمت إدارة الحكومة بنفس الطريقة تقريبا التي
أديرت بها حكومات ما بعد الثورة جميعا، باستثناء حكومة هشام قنديل. وكانت للمجلس
الأعلى للقوات المسلحة الكلمة الأعلى في اتخاذ القرارات في حكومتي عصام شرف وكمال
الجنزوري، في حين كانت جماعة الإخوان المسلمين هي المدبر الفعلي للأمور في حكومة
هشام قنديل، التي كانت تعمل بمثابة حكومة ظل في العلن! بمعني آخر كان الفريق سامي
عنان (مكلفا من المجلس العسكري) يدير حكومات ما قبل الثورة السابقة على مجيء الإخوان
للسلطة، في حين أن خيرت الشاطر ومجموعته الخاصة كانوا يديرون الأمور من وراء ظهر
حكومة هشام قنديل.
وقد واجهت حكومة الدكتور حازم الببلاوي تحديات إعادة
البناء الإقتصادي والسياسي، وإعادة ترتيب الوضع الأمني في البلاد بقدر كبير من
المسئولية في الأشهر الأولى، لكن عوامل
كثيرة بعضها شخصي يتعلق برئيس الوزراء نفسه، وبعضها موضوعي يتعلق بالبيئة السياسية
والاقتصادية والاجتماعية السلبية من حوله، بما فيها تدخل أطراف من خارج الحكومة في
أعمالها اليومية أدت عمليا إلى نشوء شعور بالإحباط ثم العجز عن تقديم رؤية واضحة
ومتوازنة خصوصا في ظل تصاعد التهديدات الأمنية بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة في
أغسطس 2013. ويمكنني أن أقول بلا مواربة: إن صحة رئيس الوزراء كانت أقل من أن
تعينه على مشاق إدارة الأعمال اليومية للحكومة، كما أن الفريق المحيط به لم يكن
بالقدر الكافي من التجانس السياسي والدراية والحصافة السياسية التي تساعد على
تشكيل فريق عمل على الدرجة الكافية من التوافق، ينهض بإدارة أمور البلاد في مرحلة
حرجة. ومع ذلك فقد ساعدت الحكومة على إنجاح عملية إعداد الدستور والاستفتاء عليه،
مما يصب في خانة إنجازاتها، كما نجحت بفضل المساعدات الخليجية في وقف نزيف الاحتياطي
من العملات الأجنبية، وفي وقف تدهور التصنيف الائتماني لمصر بما أدى عمليا إلى
تحسين مناخ الأعمال في مصر.
ومن المهم الإشارة إلى أن العوامل المساندة لحكومة
الببلاوي تضمنت عددا من المقومات المهمة جدا، وكان على رأسها دعم السلطة التأسيسية
المتمثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة وفي رئيس الجمهورية المؤقت المستشار
عدلي منصور، وكذلك دعم ومشاركة الأحزاب السياسية خصوصا تلك الممثلة في الحكومة على
الرغم من ضعف نفوذ مثل هذه الأحزاب بل وتحركها أحيانا، وربما في أوقات عصيبة ضد
الحكومة مثل المقاومة الشرسة التي أبدتها
أحزاب مشاركة في الحكومة لقانون
تنظيم حق التظاهر. وكان من أهم مقومات الدعم بلا شك المساندة الاقتصادية والسياسية
من كل من الإمارات والسعودية والكويت، إضافة إلى الخطوات التي تم اتخاذها على طريق
العودة إلى التقارب مع روسيا. ومع كل ذلك فمن المهم أن أؤكد هنا أن قدرات العمل
الجماعي داخل الحكومة، وفيما بين الوزراء تعرضت لضربة قاسية في 14 أغسطس بعد
انقسام مجلس الوزراء بشكل واضح بين أغلبية تضم رئيس الوزراء طالبت بشكل قاطع
بضرورة تصفية الاعتصامين المسلحين للإخوان، وبين أقلية كانت تساند وجهة نظر نائب
رئيس الجمهورية في ذلك الوقت محمد البرادعي، الذي كان يقود مفاوضات لمحاولة التوصل
إلى اتفاق يتضمن حلولا وسطا للتعامل مع التمرد الذي أعلنه الإخوان ضد الدولة. ومنذ
ذلك الوقت إلى يوم استقالة الحكومة، باستثناءات محدودة، كانت الحكومة عاجزة عن أن
تتصرف كحكومة تقود دولة في فترة إعداد لمقومات الانتقال الديمقراطي وبناء حكم مدني
جديد. كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعمل من ناحية وكان بعض مستشاري رئيس
الجمهورية يعلمون من ناحية ثانية في حين كانت الحكومة منقسمة على نفسها خصوصا على
جبهة ممثلي الأحزاب السياسية.
أما العوامل المقيدة والمعرقلة للأداء فقد تضمنت التحدي
الأمني وتمرد الإخوان وتدهور الوضع الأمني في سيناء بسبب تمدد العمليات الإرهابية
وبدء موجة الاعتصامات والمظاهرات العنيفة بعد أغسطس 2013. ولم يتوقف الأمر عند حد
اتساع نطاق التهديدات الداخلية المتمثلة في الظواهر السابقة، وإنما زاد على ذلك توتر الحدود خصوصا مع ليبيا وغزة. وشمل هذا
التوتر على الحدود الليبية احتجاز أفراد ومركبات وشاحنات مصرية ثم اختطاف دبلوماسيين
مصريين، ومن بعدها تهديد حياة عشرات الآلاف من المصريين العاملين في ليبيا. أما
على جانب الحدود الشمالية الشرقية، فقد استمرت أيضا التهديدات بداية من أعمال حفر
الأنفاق، وتهريب الأفراد والبضائع من مصر إلى تهريب الأسلحة والمتسللين الإرهابيين
من غزة وتنفيذ عمليات إرهابية مؤلمة في مدن شمال سيناء بواسطة إرهابيين تم تدريبهم
وتسليحهم وتهريبهم عبر الحدود من غزة إلى مصر.
ولم تتوقف التهديدات عند ذلك الحد وإنما وجدت حكومة
الببلاوي نفسها فجأة في مواجهة موجة عارمة من الاحتجاجات الجماهيرية عبرت عن نفسها في عدد
كبير من المظاهرات والإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات الفئوية، شملت عمال الغزل
والنسيح وعمال النقل العام والأطباء والمهن الطبية وغيرهم. ووقعت الحكومة في حيرة
من أمرها في عدد كبير من الموضوعات الحساسة منها الموقف من قضايا الدفع ببطلان
عقود خصخصة عدد من شركات القطاع العام، والاستجابة لمطالب العمال بالحصول على
مكافآت وزيادات في الأجور. وترافقت نهاية الحكومة عمليا مع الموجة الأخيرة من الاحتجاجات
السياسية والعمالية التي شملت عمال المحلة والنقل العام في القاهرة وإضراب
الأطباء.
أولا: خلفيات تكليف حازم الببلاوي
جاء تكليف الدكتور حازم الببلاوي في 9 يوليو 2013 بتشكيل
أولى حكومات ما بعد ثورة 30 يونيو 2013 في
خضم ذروة الأحداث الدرامية التي بدأت تجتاح مصر منذ 22 نوفمبر 2012 عندما أصدر
رئيس الجمهورية في ذلك الوقت إعلانا دستوريا عصف فيه بكل سلطات الدولة وأسس بنصوصه
حصانة لكل قرارات الرئيس مما وضعه في صدام مع جميع مؤسسات الدولة بما في ذلك
القضاء. وزادات تعقيدات الموقف السياسي يوما بعد يوم حتى استعصى عمليا إجراء حوار
وطني يتم من خلاله إتفاق بين القوى السياسية الوطنية حول مخرج من المأزق الذي ترتب
على الإعلان الدستوري. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن الصدامات التي جرت في محيط
قصر الاتحادية الرئاسي والدماء التي سالت فيها وما تلاها من استعراضات للقوة من
جانب جماعة الإخوان كانت بمثابة رسالة قوية إلى الضمير الوطني تؤكد أن مصر بصدد
الدخول في مرحلة جديدة بعد استعصاء الإستمرار في طريق المرحلة التي كان الإخوان هم
قيادتها الرسميين.
وكانت حملة التعبئة الشعبية "تمرد" التي تولت
جمع توقيعات لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة
عنوانا لطريق جديد بعد أن تمكنت من جمع ملايين التوقيعات تأييدا لمطالبها. وبعد
الحشود المليونية غير المسبوقة في 30 يونيو 2013 أصبحت البلاد على شفا حرب أهلية
ضارية، وأعلن الإخوان أنهم قد تسلحوا واستعدوا لها بالفعل. ولم يكن هناك مفر من
انحياز القوات المسلحة المصرية إلى الحشود الشعبية تماما، كما فعلت في 25 يناير 2011
اتقاء لشر نشوب مثل هذه الحرب. ورفضت القوات المسلحة دعوة الرئيس إلى التدخل
لمصلحته وتدخلت على العكس من ذلك لمصلحة الشعب في 3 يوليو 2013، فتم عزل الرئيس
واختيار رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا للسلطة الانتقالية وعقدت القوى
السياسية لقاءات مع القوات الملسحة تم فيها الاتفاق على "خريطة
للمستقبل" تتضمن تشكيل لجنة لوضع مشروع دستور جديد للبلاد ووضع ترتيبات للاستفتاء
على الدستور ثم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية لإعداد البلاد لتحول ديمقراطي
حقيقي.
وعلى الصعيد الاقتصادي، جاء تكليف الببلاوي بتشكيل
حكومته في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد. وكانت ملامح الأزمة تطل بقوة في مجالات
رئيسية حساسة أهمها نقص الطاقة والسلع التموينية وتوقف أعداد كبيرة من المصانع كليا
أو جزئيا وارتفاع الأسعار وانتشار البطالة، وانهيار التصنيف الائتماني وتدهور سعر
صرف الجنيه المصري وانهيار الاحتياطي النقدي الأجنبي وعجز الإدارة الاقتصادية عن
وضع حد لانفلات العجز في الميزانية العامة للدولة وتوقف الاستثمارات تقريبا.
وانعكس هذا التدهور في الوضع الاقتصادي على الحالة الاجتماعية العامة في البلاد
خصوصا بين الشباب وفي أوساط الفئات الاجتماعية الفقيرة التي استمرت تدفع ثمن
الثورة بدون الحصول على أي عائد منذ 25 يناير 2011. وظهرت أعراض الاحتقان الاجتماعي
على استحياء خلال مسيرة حكومة الببلاوي منذ البداية حتى تحولت في نهاية الأمر إلى
موجة كبرى من السخط في أوساط الفقراء ومتوسطي الحال شملت عمال الغزل والنسيج وعمال
النقل العام وموظفي البريد والأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان والأطباء البيطريين
وغيرهم من الفئات الإجتماعية.
ومن المفيد أن نتذكر أيضا أنه بسبب تلك الظروف
والتعقيدات فإن قليلين من رجال الدولة أو المسئولين السابقين أو الخبراء كان
بوسعهم أن يعلنوا استعدادهم للمشاركة في حكومة جديدة سيتعين عليها شاءت أم أبت أن
تدفع حساب حكومات سابقة لم تف بدفع المستحقات التي ترتبت على فترة حكمها. وفي هذا
السياق فإن قرار الدكتور حازم الببلاوي بقبول التكليف بتشكيل الحكومة جاء بعد تردد
قوي من جانب الرجل. كما إن كثيرين من الوزراء الذين ضمتهم تشكيلته الوزارية لم
يكونوا على يقين من أن مهمتهم يمكن أن تنجح بسهولة في ظل الظروف الصعبة التي أحاطت
بالوزارة منذ تكليف الببلاوي، ولكنهم خاضوا التجربة معه وفاء لالتزامهم الوطني قبل
أي شيء آخر. وخلال مسيرة العمل داخل الحكومة التي ضمت عددا من الوجوه السياسية
التي ارتبط إسمها بثورة 25 يناير و30 يونيو أو بالأحزاب السياسية التي نشأت بعد
ثورة يناير (زياد بهاء الدين ونبيل فهمي وحسام عيسى وأحمد البرعي وكمال أبو عيطه
ومنير فخري عبد النور) كان من الواضح أن بعض الأطراف عاجزة عن العمل المشترك. وعلى
الرغم من محاولات التوافق لم يتمكن الدكتور حازم الببلاوي من تكوين فريق عمل
متجانس يتعاون معه في تطوير رؤية يمكن أن تصبح إطارا لعمل حكومته والحكومات التي
قد تخلفها. وقد وجدت الحكومة نفسها في مواقف لا تحسد عليها عند مناقشة عدد من
القضايا الحيوية من أهمها الموقف من فض اعتصامي رابعة والنهضة، وحظر جماعة الإخوان
وإعلان الجماعة تنظيما إرهابيا، وفي مناقشات قانون تنظيم حق التظاهر ومسألة الحرس
الجامعي ودور وزارة الداخلية في فض مظاهرات الطلبة وفي القرار الخاص بتحديد الحد
الأدنى والأقصى للأجور. وقبيل تقديم الوزارة استقالتها نشبت كذلك أزمة وزير
الرياضة طاهر أبو زيد مع النادي الأهلي واتخذ مجلس الوزراء قرارا نقض به قرار الوزير
المختص بشأن انتخابات النادي الأهلي. وقبيل تقديم الببلاوي إستقالة الحكومة كان
فريقه قد خسر رسميا نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية الدكتور زياد بهاء الدين
ووزير الرياضة طاهر أبو زيد وتردد أيضا أن الدكتور حسام عيسى نائب رئيس الوزراء
ووزير التعليم العالي كان على وشك تقديم استقالته أو هو قدمها بالفعل.
وفي مقابل هذه الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية
الصعبة التي أحاطت بتشكيل حكومة الدكتور حازم الببلاوي، فإن هذه الظروف المعاكسة
نفسها كان من شأنها أن تقدم فرصا للحكومة الجديدة باعتبارها حكومة ثورة جديدة بعد
تجربة حكم فاشلة قادها الإخوان نتيجة لثورة 25 يناير. والحقيقة أن حكومة الببلاوي
كانت تتمتع بعدد من المميزات التي توفرت لها منذ اللحظة الأولى ومن هذه المميزات
الدعم الشعبي الكبير من جماهير ثورة 30 يونيو والدعم السياسي الواضح بواسطة القوى
السياسية الديمقراطية خصوصا تلك التي شاركت بوزارء في التشكيلة الحكومية. كذلك
تمتعت الحكومة بدعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة على غرار ما تمتعت به من قبل
حكومة الدكتور عصام شرف بعد ثورة يناير. والحقيقة أنه كان يمكن بسهولة رصد الكثير
من الملامح المشتركة بين حكومتي الببلاوي وعصام شرف على الرغم من اختلاف السياق
السياسي التاريخي لكل منهما. وعلى المستوى الإقتصادي فإن حكومة الببلاوي حظيت بدعم
إقليمي غير مسبوق، لكنها تعرضت في المقابل لضغوط على المستوى الدولي من الشركاء
الأوروبيين والأمريكان. وفي الحالين فإن سقوط كل من الحكومتين (حكومة الببلاوي
وحكومة شرف) رافقته موجة كبيرة وصاخبة من الاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات
الفئوية.
وخلال فترة وجود الببلاوي على رأس الحكومة عقد مجلس
الوزراء 29 اجتماعا على مستوى المجلس ككل (باستثناء إجتماعات المجموعات الوزارية) خلال
الفترة منذ تشكيل الحكومة في 16 يوليو 2013
(تكليف الببلاوي صدر في 9 يوليو بعد جدل واسع النطاق حول إسم رئيس الوزراء
المكلف) . وكان الاجتماع الأخير للحكومة في 19 فبراير وذلك قبل تقديم استقالتها في
اجتماع طارئ يوم 24 فبراير 2014. وجرت خلال هذه الاجتماعات مناقشة مسائل كثيرة
ومتنوعة تترواح بين دراسة مشروعات قرارات بقوانين إلى مناقشة اتفاقيات دولية، ومن
مناقشة مشاريع قومية مهمة مثل برنامج لتحفيز النمو الاقتصادي وكيفية التعامل مع
إثيوبيا في مشكلة توزيع مياه النيل إلى موضوعات خدمية صغيرة ومحلية على غرار مشروع
الصرف الصحي لقرية الصفا وعزبة زاوية بلتان مركز طوخ أو طلب محافظة سوهاج تخصيص
مساحة من الأرض لأغراض المنفعة العامة
تقام عليها عمارات للفئات الأولى بالرعاية!
وسوف نعود بالتفصيل إلى دراسة إنجازات الحكومة في المجال
الاقتصادي على وجه الخصوص، لكننا أردنا أن نشير هنا بسرعة إلى درجة المركزية
الشديدة في إدارة الجهاز الإداري للدولة إلى الحد الذي تدرج فيه ميزانية مشروع
للصرف الصحي في عزبة تابعة لقرية تابعة لمركز تابعة لمحافظة على جدول أعمال مجلس
الوزراء! طبعا هذا الأمر لا يتعلق باختيارات إدارية ولكنه يتعلق بالتزامات قانونية
حيث يحدد القانون جهة الولاية على الأراضي وسلطة اتخاذ القرار، وهو ما يلزم مجلس
الوزراء بالنظر في مثال ما عرضت في السطور السابقة. إن الثورة لن تتحقق قبل أن تصل
إلى إعادة بناء الجهاز الإداري للدولة. وهذا في حد ذاته لن يتم على أساس سليم بغير
إعادة النظر في المنظومة القانونية الكاملة التي تحكم عمل هذا الجهاز بما في ذلك
قوانين العمل والمعاشات والتأمينات والولاية على الأراضي وقوانين استغلال الثروات
الطبيعية، وتخصيص المنافع العامة والأملاك الخاصة للدولة وإدارة مشاريع المرافق
العامة وغيرها من منظومة التشريعات التي تضع الإدارة خارج نطاق الزمن الذي نعيش
فيه.
ثانيا: تحديات تواجه الحكومة
اصطدم أداء حكومة الببلاوي بعد أيام من تشكيلها بتحدي
أمني خطير تمثل في دعوات الإخوان إلى العصيان والعمل على إسقاط الحكم الجديد.
وترافقت هذه الدعوات بإجراءات عملية أعلنها الإخوان أو قاموا فعلا بتنفيذها على
الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية. وكان من أهم هذه الإجراءات:
-
الدعوة للاعتصام ومقاومة السلطة الجديدة بالعنف على أساس أنها سلطة إغتصبت
الحكم. ولتنظيم ذلك سياسيا تم تشكيل ما سمّاه الإخوان "تحالف دعم
الشرعية" الذي يتكون من الإخوان والأحزاب المتحالفة معهم مثل حزب الوسط وحزب
الفضيلة وغيرهما من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية باستثناء حزب النور الذي اتخذ
موقفا بعيدا عن تحالف دعم الشرعية على المستوى الرسمي. وقد بدأ على الفور وبعد
سلسلة من المصادمات الاعتصام بواسطة الإخوان وحلفائهم في محيط مسجد رابعة العدوية
في مدينة نصر بمحافظة القاهرة وفي ميدان نهضة مصر بمحافظة الجيزة، وهو الميدان الذي
يواجه جامعة القاهرة. وبمرور الوقت تحول كل من الاعتصامين إلى قلعة مسلحة تحوطها
تحصينات، استخدمت فيها الحجارة وأكياس الرمال والطوب وكسر البلاط من كل جانب وتجوب
فيها دوريات أمنية وتنطلق منها عمليات مباغتة للهجوم على قوات الشرطة وعلى مرافق
الدولة.
-
تم البدء على الفور في تسخين الموقف في سيناء بواسطة الجماعات التكفيرية
الإرهابية والتخطيط لنقل العمليات الإرهابية إلى كل المحافظات بما في ذلك العاصمة
القاهرة. واتخذت الأنشطة الجديدة في سيناء شكل عمليات قنص للجنود وتفجير لخطوط
الغاز وشن عمليات هجومية على معسكرات الأمن المركزي ومراكز الشرطة خصوصا في العريش
ورفح والشيخ زويد. وقد عبرت هذه الأنشطة قناة السويس وشكلت تهديدا حقيقيا لقدرة
الشرطة في الحفاظ على الأمن وحماية البلاد من الإرهاب. واستهدفت العمليات
الإرهابية مواقع إستراتيجية للجيش والشرطة وكمائن أمنية ثابتة في قلب القاهرة أو
في المحافظات. وكان من أخطر هذه العمليات تفجير مديرية أمن المنصورة ومديرية أمن
القاهرة واقتحام عدد من الأقسام خصوصا في محافظات الجيزة والصعيد إضافة إلى عمليات
تصفية متفرقة أو جماعية لجنود وأفراد الشرطة في محافظات مثل الشرقية وبني سويف.
-
أطلق تحالف دعم الشرعية بقيادة التنظيم الدولي للإخوان حملة إقليمية شرسة
ضد مصر من مراكز إقليمية سياسية وإعلامية شاركت فيها تركيا وقطر وتونس وتنظيمات
الإخوان في أوروبا والولايات المتحدة.
-
أعلنت كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي قلقها من التطورات
السياسية التي أسفرت عن إزاحة الإخوان من الحكم ودعت إلى عودة الشرعية وانتقدت ما سمّته
بالحملة الحكومية للتضييق على الحريات، واعتقال رموز الإخوان والمتحالفين معهم.
ووصفت الإدارة الأمريكية وحكومات دول الاتحاد الأوروبي حكومة الببلاوي بأنها حكومة
جاء بها العسكريون ويدعمونها (military-backed
government) وهددت هذه
الدول باتخاذ إجراءات ضد مصر في حال عدم الاستجابة لطلبات وقف مطاردة الإخوان
والإفراج عنهم وفتح الباب لإجراء حوار لإعادة الشرعية. وعلى الرغم من ان دول الاتحاد
الأوروبي تنازلت عن شرط إعادة مرسي إلى الحكم (وهو الشرط الذي كان يطالب به
الإخوان لإجراء حوار) فإن هذه الدول إنتهزت كل مناسبة ممكنة لإعلان تحفظاتها على
سياسات الحكومة والإدارة السياسية للبلاد في الفترة التالية لثورة 30 يونيو. وكان
الإخوان قد اشترطوا لوقف أعمال العنف التي بدأوا في ممارستها ثم لفض اعتصامي رابعة
العدوية في مدينة نصر وميدان النهضة في الجيزة أن تتراجع "سلطات
الإنقلاب" على حد تعبير الإخوان، وهو التعبير الذي تبنته الإدارة الأمريكية
والإدارة في دول الاتحاد الأوروبي، وأن تقوم بتنفيذ عدة شروط من أهمها:
أولا:
عودة مرسي إلى الحكم
ثانيا:
عودة الدستور المعطل (دستور 2012)
ثالثا:
عودة مجلس الشورى المنحل للإنعقاد
رابعا:
إسقاط خريطة الطريق "المستقبل" المعلنة بعد 3 يوليو والبدء في حوار جديد
بين الإخوان وبين بقية
القوى السياسية من أجل وضع خطوط خريطة طريق جديدة للمستقبل.
وبسبب ذلك تعرضت
حكومة الدكتور حازم الببلاوي لضغوط أمنية قوية خصوصا في صيف عام 2013 وكانت
الحكومة قاب قوسين أو أدنى من السقوط قبيل الشروع في فض اعتصامي رابعة والنهضة في
14 أغسطس عام 2013. وكان الانقسام بشأن كيفية فض الإعتصامين حادا، فبينما أصر وزير
الداخلية اللواء محمد إبراهيم على عدم التحرك إلا إذا حصل على تفويض واضح لا لبس
فيه في حال الاضطرار إلى استخدام القوة لفض الإعتصامين في الوقت الذي كان فيه نائب
رئيس الجمهورية الدكتور محمد البرادعي يقوم بعملية للوساطة لضمان حل ودي للإعتصام.
وقد قام الدكتور حازم الببلاوي بإبلاغ كل من رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات
المسلحة قبل أيام من فض اعتصامي رابعة والنهضة بأنه ما لم يتم فض الاعتصامين خلال
ايام فإنه قد يجد نفسه في موقف يجعله يتقدم باستقالته من رئاسة الحكومة وهو ما من
شأنه أن يضع الإدارة السياسية للمرحلة الانتقالية في وضع شديد الحرج.
ولم يكن النجاح
في فض اعتصامي رابعة والنهضة نهاية الضغوط الأمنية التي تعرضت لها حكومة الببلاوي،
إذ استمرت هذه الضغوط حتى الأيام الأخيرة من عمر الحكومة وشهدت تصاعدا كببيرا خلال
شهري يناير وفبراير 2014 (تفجير مديرية أمن القاهرة في 24 يناير وتفجير اتوبيس السياح الكوريين في طابا في 16
فبراير ومن قبلهما تفجير مديرية أمن الدقهلية في 24 ديسمبر 2013). كما شهدت هذه
الفترة إقدام العناصر الإرهابية على تنفيذ خطة لاستهداف ضباط وقيادات الأمن الوطني
المتخصصين في مكافحة التطرف الديني والتنظيمات الإرهابية. ومن الضروري الإشارة هنا
إلى أننا في حاجة إلى إصدار تقرير عام عن
الأمن يرصد بدقة الحالة الأمنية في البلاد ويتم نشره على أوسع نطاق وإتاحته على
الموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية بغرض زيادة الوعي الأمني وتوسيع نطاق حرية
تداول المعلومات الأمنية خصوصا وأن البلاد تخوض حربا ضد الإرهاب لن يتم الانتصار فيها
بغير التعاون الوثيق بين المواطنين وبين الأجهزة الأمنية.
وعلى الرغم من
صعوبة الموقف الأمني، فإن حكومة الدكتور الببلاوي تمكنت من تحقيق عدد مهم من
الإنجازات في المجال الأمني بفضل الدعم الذي حصل عليه وزير الداخلية من الحكومة
ككل. وتمثلت أهم هذه الإنجازات في فض اعتصامي رابعة والنهضة اللذين استمرا لمدة 46
يوما كما تم تطهير قرية دلجا التي كانت واحدا من معاقل الإرهابيين المسلحين وتطهير
كرداسة التي كانت تمثل ما يشبه "منطقة محررة" يحكمها الإخوان ويتحكمون
في أهلها. وساعدت عمليات البحث والتحري الدقيقة على كشف عدد من البؤر الإرهابية
والشخصيات القيادية في شبكة الإرهاب وبدأ التعامل مع هذه البؤر والشخصيات بسرعة
فائقة، وتمت بالفعل تصفية عدد من هذه البؤر والشخصيات وتنفيذ عدد من العمليات الاستباقية
التي كان من أهمها عملية قليوب التي تم فيها تصفية 6 من أعضاء منظمة أنصار بيت
المقدس الإرهابية إضافة إلى تدمير كميات ضخمة من المفرقعات والمواد المتفجرة.
ويبين الجدول التالي المؤشرات العامة الوصفية لخريطة
الظروف السياسية والاقتصادية وأهم التحديات والإنجازات التي حققتها حكومة الدكتور
حازم الببلاوي خلال فترة ممارستها لعملها.
(جدول
يعرض الحالة العامة لحكومة الببلاوي: مؤشرات القوة والضعف والإنجازات والإخفاقات)
الظروف
السياسية والاقتصادية والاجتماعية |
مقومات القوة التوافق بشأن
مسار العملية السياسية لإعادة البناء والتحول الديمقراطي على المستوى المحلي بين
القوى السياسية وبين القوات المسلحة ارتبط بإجراءات قوية لدعم التضامن الإقليمي
وإعادة بناء العلاقات مع العالم خصوصا مع روسيا. 1- ثورة 30 يونيو 2- مساندة القوات المسلحة 3- مشاركة القوى السياسية الشعبية والثورية: إختيار رئيس
الجمهورية المؤقت- تشكيل الحكومة- تشكيل لجنة الخمسين لإعداد مشروع الدستور- 4- المساندة الإقليمية العربية 5- عودة التقارب مع روسيا
|
التحديات
وعناصر التهديد 1- التحدي الأمريكي – الأوروبي 2- تركيا وتعظيم قوة التنظيم الدولي للإخوان 3- اعتصامات الإخوان 4- بطء إجراءات العدالة الإنتقالية 5- التهديدات الأمنية في سيناء والمحافظات 6- المقاطعة السياسية الأفريقية 7- التهديد الإثيوبي لتدفق مياه النيل 8- توقف الإستثمارات الدولية 9- حساسية الموقف الإقتصادي (توقف المباحثات مع صندوق
النقد- تدهور الجنيه- إنهيار الإحتياطي النقدي- تدهور النمو- تراجع السياحة-
أزمة الوقود...) 10-
تدهور الأوضاع على الحدود الغربية مع ليبيا ومع غزة.
|
الموارد
والإمكانات والآليات |
- إمكانات
تعبئة سياسية إستثنائية - إمكانات
تمويل إقليمي إستثنائية - إمكانات
تمويل محلي إستثنائية - مشاركة
شعبية - درجة مرونة
عالية في تسيير مؤسسات الدولة وأجهزتها |
- زيادة
الضغوط الشعبية قصيرة الأجل في مجالات التشغيل و الطاقة والأجور - زيادة درجة
تعقد العلاقات مع إثيوبيا بسبب تقدمها في إجراءات بناء سد النهضة - إتساع نطاق
الضغوط الدولية على مصر من بوابات حقوق الإنسان والحريات المدنية - تهديد
العقوبات العسكرية بواسطة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي |
الملامح
الرئيسية للأداء: تسديد فواتير والتزامات ومتأخرات مستحقة من حكومات سابقة |
الإنجازات |
الإخفاقات |
المؤشرات
السياسية |
-
بناء تحالف إقليمي قوي مع السعودية والإمارات والكويت -
السعي لإعادة العلاقات القوية مع لبنان -
البدء في إقامة تحالف دولي قوي مع روسيا تتقدمه اعتبارات التعاون العسكري
والاقتصادي -
إنجاز مشروع الدستور -
إنجاز الإستفتاء على الدستور بنجاح واضح -
فض اعتصامي الإخوان في كل من رابعة العدوية وميدان نهضة مصر بخسائر تقل
كثيرا عن التوقعات المتشائمة -
البدء في محاكمة رموز نظام الإخوان مع الاستمرار في محاكمات قيادات نظام
مبارك -
السعي لإعادة بناء العلاقات مع أفريقيا ووقف تردي العلاقات مع كل من الاتحاد
الأوروبي والولايات المتحدة -
قرار شطب جمعية الإخوان وتطبيق حكم حظر تنظيم الإخوان الإرهابي -
إصدار قانون تنظيم حق التظاهر
|
-
الفشل في تطوير التحالف بالقدر الضروري الكافي لدعم التنمية والتحول
الديمقراطي. -
العجز عن المساعدة على تكوين ائتلاف سياسي قوي في لبنان للحد من
استقطابات القوة في منطقة شرق البحر المتوسط وتحييد لبنان في الصراع السوري. -
التردد في تطوير العلاقات العسكرية والسياسية والاقتصادية مع روسيا وتمسك
بعض الدوائر بخيارات التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة, -
إستمرار الشواهد على وجود اختراقات إخوانية للأجهزة الدولة الحساسة بما
في ذلك وزارة الداخلية. -
استمرار حالة مزمنة من عدم الثقة في العدالة ووجود شعور بعدم الرضا لدى
قطاعات اجتماعية عريضة بسبب عدم تحقيق مبادئ العدالة الانتقالية والقصاص لدماء
شهداء الثورة. -
تخبط في اتخاذ قرارات سياسية أدى عمليا إلى انحياز قوى (شبابية على وجه
الخصوص) إلى المواقف المعادية للحكومة خصوصا فيما يتعلق بقانون التظاهر. |
المؤشرات الاقتصادية |
-
وقف تدهور احتياطي النقد الأجنبي والبدء في زيادته -
توقف تدهور سعر صرف الجنيه المصري -
وقف تدهور التصنيف الائتماني لمصر وإعادة التصنيف إلى أعلى من جديد -
تخفيض أسعار الفائدة من جانب البنك المركزي بنسبة 1.5% على ثلاث مرات
بواقع نصف نقطة مئوية في كل مرة -
ضم جزء من موارد الصناديق الخاصة إلى الميزانية العامة -
تعيين وتثبيت عشرات الآلاف في الجهاز الإداري للدولة -
إعلان العمل بقواعد الحد الأدنى والأقصى للأجور -
تصميم حزمتين لتحفيز النمو الإقتصادي -
ضخ موارد إضافية لتحسين الأجور والكادر الخاص لبعض قطاعات العاملين -
محاولة ضبط الانفلات السعري في أسواق السلع الأساسية بإعلان
"الأسعار الإسترشادية" -
إعلان بدء الإستعدادات لبناء 100 صومعة جديدة لتخزين القمح -
سداد متأخرات مستحقة للمقاولين -
سداد متأخرات مستحقة لشركات السكر -
سداد متأخرات مستحقة لشركات النفط والغاز -
توقيع اتفاقية الربط الكهربائي مع السعودية واتفاقية قرض تمويل محطة
كهرباء جنوب حلوان مع البنك الدولي (585.4 مليون دولار)
|
-
عدم وجود إطار واضح ومحدد لعملية التنمية خلال فترة وجود الحكومة والتردد
بشدة بين الالتزام بقواعد الرشد الاقتصادي وبين الاستجابة للمطالب الجماهيرية. -
استمرار العجز في الميزانية وتفاقمه يوما بعد يوم. -
ظهور ضغوط جدية على العملة على الرغم من الموارد الاستثنائية التي توفرت
للحكومة من مصادر عربية. -
الفشل في دفع مؤشرات النمو إلى أعلى بما يعكس الموارد الإضافية
الإستثنائية وحالة التعبئة السياسية المساندة للحكومة خصوصا في الأشهر الثلاثة
الأولى. -
إنفاق الجزء الأعظم من الموارد الإضافية في دفع فواتير مستحقة من حكومات
سابقة وتخصيص نسبة كبيرة من الموارد المتبقية لقطاع المقاولات ومشاريع البنية
الأساسية التي لا تدر عائدا إنتاجيا. -
استمرار ضغوط المشاكل التي نشأت مع الثورة بدون حلول جذرية مثل مشكلة المصانع المغلقة أو المصانع
المتعثرة. -
زيادة اللجوء إلى الاقتراض من الخارج مع استمرار الإقتراض الحكومي من
المصارف المحلية. -
توقف أو تراجع الإهتمام بمشاريع كانت حكومة هشام قنديل قد بدأتها أو
استعدت لها في إطار المبادرة الوطنية للانطلاق الاقتصادي. -
عدم البدء في إعداد بدائل سريعة مشكلات حرجة مثل مشكلة العجز في إمدادات
الطاقة في الوقت الذي كانت فيه الحكومة تحصل على إمدادات مجانية من الوقود من كل
من السعودية والإمارات. |
المؤشرات
الأمنية |
-
استمرار المواجهات مع الجماعات الإرهابية في سيناء -
التصدي للجماعات الإرهابية في القاهرة والمحافظات -
محاولة احتواء الأزمات على الحدود بين مصر وليبيا -
تصفية بؤر إرهابية وشن عمليات استباقية ضد الإرهابيين |
-
تعد مسؤولية الحكومة عن الملف الأمني محدودة في نطاق المساندة للمجهود
الذي تقرره وزارة الداخلية بالاتفاق مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ولذلك
فليس من الملائم وضع المسؤولية على الحكومة فيما يتعلق بالأمن (الحرب على
الإرهاب أو مقاومة تمرد جماعة الإخوان إضافة إلى استقرار الأمن العام). -
استطاعت الجماعات الإرهابية أن تتمدد وأن تنقل عملياتها من سيناء إلى
أطراف مدن القناة ومحافظة الشرقية القريبة ثم إلى القاهرة وباقي المحافظات خصوصا
محافظات الصعيد. -
استمرت خطوط الإمدادات والتعبئة لجماعة الإخوان الإرهابية في الداخل
والخارج على حالها بدون أن تمس تقريبا مما ساعد على استمرار التظاهرات وأعمال العنف
والعمليات الإرهابية بما في ذلك الأعمال التي تستهدف الشرطة والمواطنين. |
المؤشرات الاجتماعية |
-
إضافة 3.8 مليون مواطن إلى نظام البطاقات التموينية -
حصر أموال التأمينات -
زيادة معاش الضمان الاجتماعي بنسبة 50% |
- استمرار
حالة عدم الرضا الاجتماعي والتعبير عن
نفسها في إضرابات واعتصامات فئوية واجتماعية طالت المناطق العشوائية
والتجمعات العمالية وفئات المهنيين المنتمين إلى الطبقة الوسطى مثل الأطباء. |
ثالثا: الضغوط الدولية
واجهت حكومة الببلاوي منذ اليوم الأول لتشكيلها ضغوطا
دولية غير مسبوقة لم تشهدها مصر منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حيث جرى
وصفها بأنها "حكومة انقلاب عسكري" وقادت الولايات المتحدة الأمريكية
مجهودا عالميا للتضييق على الحكومة الجديدة وعلى مصر بشكل عام بقصد الضغط من أجل
إعادة الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان إلى الحكم. وقد اتخذت الإدارة
الأمريكين نفسها عددا من الإجراءات ضد مصر تبعها كل من الاتحاد الأوروبي والاتحاد
الأفريقي باتخاذ إجراءات يمكن وصفها بأنها كانت إجراءات ذات طابع
"إنتقامي" مثل قرار الاتحاد الأفريقي الذي قضى بتجميد عضوية مصر. وتعرضت
مصر خلال فترة حكومة الببلاوي إلى ضغوط دبلوماسية واقتصادية وعسكرية من جانب
الولايات المتحدة وحلفائها لم تتوقف طوال
الشهور التي استمرت فيها الحكومة في موقعها وبعد استقالتها لارتباط هذه
الضغوط بموقف الولايات المتحدة من القوات المسلحة المصرية التي انحازت إلى الشعب
في 3 يوليو 2013 وبادرت إلى حماية البلاد من حرب أهلية مدمرة كانت يمكن أن تقود
مصر إلى المصير الذي وصلت إليه كل من ليبيا وسوريا.
1-موقف الولايات المتحدة
سجل أول يوليو 2013 الاتصال الهاتفي الأخير بين الرئيس
الأمريكي باراك أوباما والرئيس الإخواني محمد مرسي. وفي هذا الاتصال دعا أوباما
إلى العمل على إجراء حوار سياسي لاستيعاب القوى السياسية المناوئة للإخوان والتي
كانت قد تجمعت فيما سمي "جبهة الإنقاذ الوطني". لكن التطورات السريعة
التي كانت قد بدأت في اليوم السابق على المكالمة الهاتفية لم تمهل الرئيس المعزول
الذي كانت جماعته قد استعدت بالفعل لشن حرب على كل المصريين من أجل الاستمرار في
الحكم على الرغم من المعارضة الشعبية واسعة النطاق التي سجلتها مظاهرات 30 يونيو
وما بعدها. وعلى إثر قيام القوات المسلحة
بعزل محمد مرسي والبدء في إجراء حوار مع كل القوى السياسية بما فيها الإخوان
وغيرهم لوضع ملامح لخريطة طريق جديدة
لإعادة البناء السياسي في مصر على أساس ديمقراطي، دعا الرئيس الأمريكي باراك
أوباما إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي الأمريكي يوم 3 يوليو 2013 لإعادة
تقييم العلاقات بين واشنطن والقاهرة على ضوء ما وصفه أوباما بقيام القوات المسلحة
المصرية بعزل الرئيس المنتخب وتعطيل الدستور. وفي الوقت الذي دعا فيه أوباما إلى
ضرورة سرعة تحرك القوات المسلحة ناحية
تسليم السلطة إلى حكومة منتخبة، فإنه وجه حكومته وكافة وكالاتها المختصة أو ذات
العلاقة بالمعاملات مع مصر إلى سرعة إعادة النظر في العلاقات بين البلدين
والمساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة إلى مصر طبقا للقانون الأمريكي. وأعلن
أوباما في بيان أصدره من البيت الأبيض في اليوم نفسه بأن إدارته تعتقد أن أفضل
طريق لتحقيق الاستقرار السياسي في مصر لابد أن يقوم على أساس نظام سياسي تشارك فيه
كل الأطراف بما في ذلك الأحزاب السياسية العلمانية والدينية والجماعات المدنية
والعسكرية.
وفور انتهاء اجتماع الرئيس الأمريكي مع مجلس الأمن
القومي، انتقل مستشاري الرئيس وأعضاء الحكومة إلى دراسة الجوانب المختلفة للعلاقات
الأمريكية المصرية تمهيدا لتحديد الزوايا والمحاور التي ستختارها الإدارة
الأمريكية للضغط على مصر وإجبار السلطة الجديدة في القاهرة على التراجع عن موقفها
والسماح بعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 3 يوليو 2013. واستمر النقاش داخل
الإدارة الأمريكية وفي أوساط نواب مجلسي النواب والشيوخ خصوصا في لجان الشؤون
الخارجية والدفاع والمساعدات حتى يوم 15 أغسطس 2013 بعد أن قامت قوات الأمن
المصرية بفض اعتصامي الإخوان في كل من منطقتي مسجد رابعة العدوية (مدينة نصر)
ومحيط جامعة القاهرة (الجيزة). ففي ذلك اليوم أعلن باراك أوباما أن الولايات
المتحدة "تدين بقوة الخطوات التي قامت بها الحكومة الإنتقالية في مصر بواسطة
قوات الأمن...والطريق الخطر الذي تسير فيه بالقبض العشوائي والتضييق على جماعة
مرسي وأنصاره..." وقال أوباما إن الإدارة الأمريكية وهي ترى ذلك فإنها لا
يمكن أن تستمر في التعاون مع مصر بصورة عادية "في الوقت الذي يتم فيه قتل
المدنيين في الشوارع ويتم فيه التراجع عن الحقوق والحريات".
ونتيجة لكل ذلك وبعد المشاورات مع مستشاريه وأركان حكومة
فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أعلن أن حكومته أبلغت الحكومة المصرية صباح
اليوم (15 أغسطس) أن الولايات المتحدة قررت إلغاء المناورات العسكرية المشتركة بين
قوات البلدين، والتي كان من المقرر إجراؤها في الشهر التالي (سبتمبر 2013). كما
قرر أوباما إنه سيمضي أبعد من ذلك وإنه كلف مستشاري الأمن القومي بتقييم الوضع
واقتراح الإجراءات الضرورية التي يمكن للولايات المتحدة أن تتخذها على صعيد
العلاقات الأمريكية المصرية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها العلاقات
بين القاهرة وواشنطن إلى درجة إلغاء مناورات عسكرية مقررة بين الدولتين بعد ثورة
25 يناير فتم إلغاء مناورات "النجم الساطع" في هذه السنة، وتبع ذلك
ازدياد التوتر بين البلدين إلى درجة تهدد هذه العلاقات التاريخية التي أقامها
الرئيس المصري الراحل أنور السادات في أوائل السبعينات من القرن الماضي بديلا
لعلاقات التحالف مع الاتحاد السوفييتي.
ومع ذلك فإن الولايات المتحدة ظلت حريصة على إبقاء الباب
مفتوحا على احتمالات تحسين العلاقات مع مصر على الرغم من الحملات الإعلامية
الضارية التي كانت تشنها من واشنطن ونيويورك الصحف (نيويورك تايمز والواشنطن بوست)
وأجهزة الإعلام (سي إن إن وفوكس نيوز) ومنظمات المجتمع المدني الأمريكية وعلى
رأسها (هيومان راتش ووتش) والتي اتخذت على طول الخط موقفا عدائيا من النظام الجديد
في مصر لحساب جماعة الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسي ولم تتوقف عن نعت النظام
الجديد بـ "الإنقلاب العسكري" وحكومة الببلاوي بأنها "حكومة الانقلاب
العسكري" أو "المستندة إلى الانقلاب".
لكن سياسة الباب المفتوح لم تسفر إلا عن المزيد من
الإجراءات الانتقامية ضد مصر بواسطة الإدارة الأمريكية حيث أعلن الرئيس الأمريكي
باراك أوباما في 8 أكتوبر 2013 تجميد تصدير مجموعة واسعة منتقاة من المعدات
العسكرية الأمريكية إلى مصر، إضافة إلى مساعدات اقتصادية ومالية على أن يسري هذا
التجميد حتى ما بعد إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تشارك فيها كل القوى
السياسية والدينية بدون إقصاء لأي منها وإقامة حكومة مدنية تحل محل السلطة
العسكرية القائمة. وقد اتضح فيما بعد إن الحظر الأمريكي على الصادرات العسكرية إلى
مصر شمل وقف تسليم 4 طائرات إف-16 مقاتلة كانت مصر قد تعاقدت على شرائها ورفض
تسليم 10 طائرات أباتشي هجوميه كانت مطلوبة لغرض تعزيز قوة مكافحة الإرهاب في
سيناء إضافة إلى أنواع أخرى من الأسلحة والذخائر. وكشف وزير الخارجية المصري نبيل
فهمي في حديث مع قناة تليفزيونية (إم بي
سي مصر) يوم 19 مارس 2014 عن أن عددا من طائرات الأباتشي المصرية كانت قد نقلت إلى
الولايات المتحدة لغرض الصيانة لكن السلطات الأمريكية احتجزتها هناك ولم تعد هذه
الطائرات إلى مصر من الولايات المتحدة حتى تاريخه.
وتجدد في الولايات المتحدة الحديث بصورة قوية عن ضرورة
مراجعة العلاقات مع القاهرة في مناسبة إعداد ميزانية الإنفاق الحكومي، واقتراح
مشروع قانون لإنهاء تجميد المساعدات الأمريكية لمصر والتي توقفت في 8 أكتوبر 2013.
وتم بالفعل إعداد مشروع قانون يحدد قيمة المساعدات الأمريكية لمصر في عام 2014 بقيمة
1550 مليون دولار أمريكي منها 1300 مليون دولار مساعدات عسكرية و250 مليون دولار
مساعدات إقتصادية. واتخذ السيناتور ليندسي جراهام موقفا متشددا خلال المناقشات ضد
السماح لوزير الخارجية الأمريكي باتخاذ قرار باستئناف تقديم المساعدات إلى مصر إلا
بعد العودة إلى الكونجرس وتقديم شهادة تبرهن على أن مصر إلتزمت بتنفيذ خريطة
الطريق لإعادة البناء السياسي وأن القوات المسلحة المصرية قد خرجت من المشهد
السياسي وسلمت الحكم إلى إدارة مدنية منتخبة في انتخابات حرة نزيهة شاركت فيها
جميع القوى السياسية بدون إقصاء وإنه تمت إعادة تثبيت الحقوق والحريات المدنية
للمواطنين. لكن مشروع القانون الذي تم تقديمه للكونجرس بشأن تجميد المساعدات إلى
مصر وآليات رفع هذا التجميد تضمن أربعة استثناءات رأي المشرعون ضرورة إستمرار تدفق
المساعدات بشأنها وألا تتأثر هذه المساعدات في هذه المجالات الأربعة بطبيعة نظام
الحكم في مصر. وهذه المجالات الأربعة هي:
1- التعاون في مجال مكافحة الإرهاب
2- المساعدات بشأن مساندة حظر الإنتشار النووي
3- المساندة الأمنية والفنية المتعلقة ببرنامج أمن الحدود
4- برامج التنمية ذات الطابع الاجتماعي
على أن ترتبط المساعدات في هذه المجالات بشرطين أساسيين
هما الالتزام بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والالتزام بالعلاقات الإستراتيجية
مع الولايات المتحدة.
وخلال المناقشات في الكونجرس التي استمرت خلال شهر يناير
2014 وبعد إتمام الاستفتاء الناجح على الدستور الجديد في مصر تم دخال فقرة في
قانون الإنفاق الفيدرالي تسمح للرئيس الأمريكي بإطلاق حزمة مساعدات بقيمة 975
مليون دولار إلى مصر على أن يتم تقديم 576 مليون دولار إلى مصر بعد أن تنتهي من
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. ومن الضروري أن نوضح هنا إن هذه المساعدات التي
يتم تقديمها إلى مصر تذهب في الحقيقة إلى شركات الصناعات العسكرية وشركات
الإتصالات والنقل والمحاسبة والاستشارات التي تشارك في عمليات تقديم إمدادات
الأسلحة والمساعدات الاقتصادية والفنية إلى مصر، في حين لا تذهب إلا نسبة قليلة
جدا من هذه المساعدات في صورة دعم مالي أو برامج تنمية اقتصادية حقيقية في داخل
مصر. وقد اشترط أعضاء الكونجرس ألا يتم فك تجميد المساعدات لمصر إلا بعد أن يقدم
وزير الخارجية الأمريكي شهادة تفيد بأن مصر تتقدم على طريق الانتقال إلى
الديمقراطية والحكم المدني. وقد ثار جدل في شهر مارس 2014 بشأن ما إذا كانت
الإدارة الأمريكية بالفعل في طريقها إلى استئناف المساعدات إلى مصر، وانتشرت في
مصر تقديرات بأن إنهاء تجميد المساعدات الأمريكية بات قريبا. لكن وزارة الخارجية
الأمريكية أسرعت إلى إجلاء الأمر في 20 مارس حيث قطعت الشك باليقين معلنة أن
الحكومة الأمريكية لم تقرر بعد استئناف المساعدات إلى مصر.
وعلى الفور قامت منظمة هيومان رايتس ووتش في 31 مارس
2014 بإرسال خطاب إلى وزير الخارجية الأمريكي شددت فيه على أن مصر "لم تحرز
أي تقدم على صعيد الحريات الأساسية والانتقال الديمقراطي". كما تم توجيه
الرسالة نفسها إلى أعضاء الكونجرس في مبادرة من شأنها قطع الطريق على اي دعوة إلى
استئناف المساعدات إلى مصر خصوصا وإن جماعات ضغط ترتبط بصناعات السلاح الأمريكية
بدأت جنبا إلى جنب مع أحد بيوت العلاقات العامة الأمريكية المستأجرة بواسطة
الحكومة المصرية منذ اكتوبر 2013 في شن حملة تهدف إلى فك الحظر على المساعدات
الأمريكية لمصر. وقد حصلت هيومان رايتس ووتش الأمريكية على تقارير من منظمات
حقوقية مصرية تعمل معها لتعزيز مبرراتها تفيد بأن أكثرمن 1000 شخص قتلوا بواسطة
السلطات التي تسلمت الحكم بعد 3 يوليو وأن أكثر من 16 ألف شخص قيد الاعتقال، وأنه
يتم بكل الطرق خنق الحريات المدنية. وقالت المنظمة في رسالتها إن الحكم بالإعدام
الجماعي على 529 شخصا من أنصار الإخوان الصادر في 24 مارس 2014 ما هو إلا مثال
واجد فقط على القمع المتصاعد في مصر ضد الحركات السياسية والأفراد المعارضين لما
وصفوه بأنه "الحكومة العسكرية". وطبقا لتعديلات قانون الإنفاق الفيدرالي
فإن الإدارة الأمريكية لا تستطيع استئناف المساعدات إلى مصر إلا وفق الشروط التي
وضعها الكونجرس، وطبقا للالتزام بالجدول الزمني لخريطة الطريق. ومن المتوقع أن
يثور الجدل مرة أخرى بشأن المساعدات خلال حملة الانتخابات الرئاسية على أرضية مدى
اتساع نطاق المشاركة السياسية ومدى التزام الإدارة في مصر بقواعد ضمان الحريات
السياسية والمدنية للأفراد والتجمعات.
2- موقف الاتحاد الأوروبي
تحولت السيدة كاثرين أشتون نائب رئيس اللجنة الأوروبية والرئيس
الأعلى للسياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي إلى أحد الوجوه المألوفة في المشهد
السياسي المصري منذ ثورة يناير 2011. وكان حضور أشتون في الفترة الأولى من الثورة
يعكس اهتماما ملحوظا بجماعة الإخوان والدور الذي يمكن أن تلعبه في بناء التحالف
الإقليمي الذي ترغب أوروبا (والولايات المتحدة) في إقامته في الشرق الأوسط بعد
ثورات الربيع العربي. وقدمت أشتون تنظيم الإخوان ومن بعده الرئيس محمد مرسي على
إنه نصير للديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية الحريات العامة والسلام في الشرق
الأوسط. وقد أسهمت أشتون على المستوى الشخصي والمؤسسي في دعم العلاقات الأوروبية
المصرية بعد ثورة يناير وساعدت على الاتفاق على إنشاء مجموعة عمل مشاركة بين
الطرفين في سبتمبر 2012 لتعزيز التعاون المشترك وتوسيع نطاق المشاركة السياسية في
إطار سياسة الجوار الأوروبية.
ومنذ نشوب الأزمة السياسية في مصر بسبب إصدار الإعلان
الدستوري الرئاسي في 22 نوفمبر 2012 والذي نص على تحصين قرارات رئيس الجمهورية
ووضع الرئيس المعزول فوق النيابة وفوق القضاء نشطت كاثرين أشتون ومعها مؤسسات وممثلي
الاتحاد الأوروبي في محاولة لنزع فتيل الأزمة وفتح الطريق أمام حوار بين الإخوان
وبين أطراف جبهة الإنقاذ بما يمهد الطريق لتوسيع نطاق المشاركة السياسية. غير إن
عناد الإخوان وتصلبهم حال دون تحقيق أي تقدم يذكر في هذا المجال. واستمرت الأوضاع
السياسية في مصر في التدهور حتى 30 يونيو عندما شهدت القاهرة والمحافظات مظاهرات
حاشدة بالملايين تطالب بعزل الرئيس مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وفي أعقاب عزل
مرسي قامت أشتون بزيارة لمصر في 17 يوليو ثم زيارة أخرى يومي 29 و30 يوليو في
محاولة للتوسط بين الأطراف السياسية المتصارعة والحيلولة دون انهيار الوضع السياسي
أو اتساع نطاق المواجهات التي تحولت إلى اتخاذ أشكال عنيفة بين جماعة الإخوان
وأنصارهم من ناحية وبين الإدارة السياسية الجديدة من ناحية أخرى. وخلال هذه الفترة
لعب مكتب مفوضية الاتحاد الأوروبي في القاهرة دورا مهما في محاولات التواصل
والمساعدة على صياغة مبادرات تساعد على الحوار وتحد من درجة الإحتقان السياسي. لكن
هذه الجهود أصيبت بنكسة كبيرة بعد تصاعد أعمال العنف من جانب الإخوان وأنصارهم
المحتشدين في محيط مسجد رابعة العدوية وفي محيط جامعة القاهرة.
وفور عملية فض الاعتصامين بواسطة قوات الأمن دعا وزراء
خارجية الاتحاد الأوروبي إلى عقد اجتماع غير عادي لمجلس الشؤون الخارجية. وتم
بالفعل عقد الاجتماع في بروكسيل في 21 أغسطس 2013 لمناقشة الوضع في مصر وبحث مصير
العلاقات بين الطرفين خصوصا فيما يتعلق بالمساعدات التي كان الاتحاد الأوروبي قد
التزم بتقديمها إلى مصر في إطار شراكة دوفيل في أواخر عام 2012. وأصدر وزراء
خارجية دول الاتحاد الأوروبي في نهاية اجتماعهم مذكرة أكدوا فيها على عدد من
الحقائق الأساسية من وجهة النظر الأوروبية:
1- مصر تحتاج إلى عملية انتقالية تشمل كل القوى والمجموعات
السياسية بلا استثناء وصولا إلى انتخابات حرة ونزيهة تفضي إلى قيام سلطة بقيادة
مدنية
2- المقومات السابقة تمثل شروطا ضرورية مسبقة لتحقيق الاستقرار
والرخاء والديمقراطية في مصر
3- أعرب الوزراء عن قلقهم من التضييق على الحريات العامة
وحرية التعبير عن الرأي ومطاردة قيادات جماعة الإخوان
وقد أكد الوزراء في مذكرتهم إلى أهمية العلاقات المصرية
الأوروبية وسجلوا إنه منذ دخول اتفاق انتساب مصر إلى الإتحاد الأوروبي في العام
2004 فإن قيمة التجارة المتبادلة بين الطرفين زادت من 11.5 مليار يورو إلى 23.8
مليار يورو في العام 2012. وأعرب الوزراء في السياق نفسه على اهمية المحافظة على
هذه العلاقات وتطويرها خصوصا وأن هناك عددا من المشروعات المهمة التي يشارك الاتحاد
الأوروبي في تمويلها سواء من خلال اتفاقات متعددة الأطراف أو من خلال اتفاقات
ثنائية منها تمويل الخط الثالث لمترو الأنفاق في القاهرة. وقد فهمت من السفير جيمس
موران سفير الاتحاد الأوروبي في القاهرة خلال لقاء معه ضم عددا من القيادات
السياسية المستقلة إن الإتحاد الأوروبي على الرغم من أنه يدين العنف في السياسة
المصرية إلا إنه في الوقت نفسه حريص على الإبقاء على تعهدات المساعدات الإقتصادية
لمصر كما هي خصوصا تلك المساعدات ذات الأبعاد الاجتماعية مثل برامج تدريب العمال
والفنيين وبرامج تمويل الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومشاريع دعم الأسر الفقيرة وتمويل
المشاريع متناهية الصغر.
ويبين الجدول التالي مساهمات بنك
الاستثمار الأوروبي في مشاريع مصرية عام 2013
قيمة التمويل
(مليون يورو) |
وصف المشروع |
600 |
المرحلة
الثالثة من الخط الثالث لمترو الأنفاق |
80 |
قروض
للمشاريع الصغيرة والمتوسطة بالتعاون مع البنك الأهلي |
57 |
مشاريع لتحسين
جودة المياه وتطوير الصرف الصحي |
50 |
تطوير نظام
المراقبة الجوية للمطارات في مصر |
787 |
إجمالي تمويل
بنك الاستثمار الأوروبي لمصر في عام 2013 |
وفي عام 2014 وقع بنك الاستثمار الأوروبي اتفاقية مع
الحكومة المصرية (9 فبراير) بقيمة 205 ملايين يورو لتمويل مشروع تطوير محطة كهرباء
الشباب بهدف إنتاج الطاقة بنظام الدورة المركبة بالمشاركة مع البنك الأوروبي
للإعمار والتنمية والصندوق السعودي للتنمية الإقتصادية وبنك التنمية الإسلامي
وشركة الدلتا لإنتاج الكهرباء (صاحبة المشروع). وتبلغ التكاليف الإستثمارية
الإجمالية لتطوير المحطة نحو 900 مليون دولار. وفي نهاية عملية التطوير ستتمكن
المحطة من زيادة إنتاجها بنسبة 50% بدون استخدام وقود أضافي طبقا لمصادر في داخل
الشركة نفسها. كذلك بدأت حكومة الببلاوي قبل استقالتها مفاوضات مع البنك للمشاركة
في تمويل مشروع تطوير بحيرة البرلس بمساهمة من البنك تبلغ 77 مليون يورو لكن هذه
المفاوضات توقفت بعد استقالة الحكومة على أمل أن يتم استئنافها بين الحكومة
التالية وبين البنك.
3- العلاقات مع روسيا والصين
أتاحت زيارة الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع
والسيد نبيل فهمي وزير الخارجية إلى روسيا في 13 فبراير 2014 فرصة هائلة للحكومة
للبدء في تحرك ديبلوماسي يقطع ما كان قد اتصل من تجاهل القوى الصاعدة ومراكز
النفوذ في العالم غير الغربي إضافة إلى العمل على تنويع مصادر القوة للسياسة
الخارجية المصرية التي أصبحت تعاني بصورة أكيدة من محاولات للحصار الدولي من دول
حلف الأطلنطي والدول المتحالفة معها. والحقيقة إن بدء تدهور العلاقات بين مصر
وقيادة حلف الأطلنطي يمكن رصده مبكرا منذ قيام الثورة الشعبية المصرية لاقتلاع
نظام حسني مبارك في 25 يناير 2011 وما
تلاها من تطورات في دول عربية أخرى منها ليبيا وسوريا على وجه الخصوص. ويمكن الاستنتاج
باطمئنان استنادا إلى مناقشات وبعض التسريبات من قيادات عسكرية غربية إن التعامل
مع الوضع في ليبيا على وجه الخصوص كان واحدا من أشد نقاط الخلاف بين دول حلف الأطلنطي وبين مصر.
وقد اعتمدت الولايات المتحدة وقيادة حلف الأطلنطي على افتراض بسيط مفاده إنه يمكن
استخدام مصر بصورة مؤكدة للتدخل في ليبيا لمساندة القوى المناهضة للنظام الليبي
السابق في إحدي صورتين: الأولى أن تقوم قوات مصرية بمساندة المجهود الذي يقوم به
المتمردون الليبيون للإطاحة بنظام الرئيس الليبي معمر القذافي عبر الحدود المصرية
الليبية أو في الصورة الثانية بمنح تسهيلات لقوات حلف الأطلنطي للعمل بحرية في
ليبيا حصوصا فيما يتعلق بقواعد انطلاق للطائرات وموانئ تمركز للسفن ومراكز للإمداد
والتموين وتخزين الأسلحة.
ويبدو أن تقديرات قيادة القوات المسلحة المصرية في ذلك
الوقت لم تتفق مع الرغبات الأطلنطية حفاظا على قدرات الجيش المصري المصنف رقم 14
بين أقوى جيوش العالم، وادخار هذه القوة لحماية البلاد من الأخطار التي كانت
تتزاحم عليها من الخارج وفي الداخل، مما أدى بالقوات الأمريكية والأوروبية إلى الاعتماد
على مواقع انطلاق في تركيا وقبرص وإيطاليا لتنظيم وإطلاق المجهود العسكري لدول
الحلف بقصد المساعدة على تحقيق هدف التخلص من نظام القذافي. وعلى الرغم من أن هذا
الخلاف في تقدير الموقف فيما يتعلق بالوضع في ليبيا فإن دول حلف الأطلنطي لم تتوقف
عن محاولة جرجرة الجيش المصري إلى التورط في عمليات عسكرية خارج الحدود للمشاركة
في إسقاط نظام بشار الأسد ومساندة قوات المرتزقة وفلول القاعدة التي تحارب هناك ضد
النظام السوري الذي يرتبط بالماضي السابق على ثورات الربيع العربي. ومن الواضح أنه
كانت هناك تفاهمات بين الولايات المتحدة وبين الرئيس المعزول محمد مرسي على
الإلتزام بمساندة المتمردين في سوريا عسكريا بوسائل عديدة من بينها إرسال أسلحة
وقوات مصرية لمحاربة بشار الأسد. وقد عجلت ثورة 30 يونيو بدفن هذه التفاهمات
وإهالة التراب عليها بدون ذكر بعد ذلك.
وفي اعتقادي أن الزيارة التي قام بها وزيرا الدفاع
والخارجية إلى روسيا في فبراير 2014 كانت فرصة أكيدة لانطلاق الديبلوماسية المصرية
إلى عالم جديد من العلاقات يستهدف إقامة منظومة متوازنة مع القوى العالمية القديمة
والصاعدة وليس إلى خلق استقطاب جديد في السياسة المصرية يكون واحدا من القيود
والعوامل السلبية المفروضة على حركة السياسة الخارجية المصرية. كما أن هذه الزيارة
كانت بدون شك فرصة لدفع العلاقات مع روسيا إلى مجالات أوسع وأرجب كثيرا من مجالات
التعاون العسكري والدبلوماسي، فنحن في مصر في حاجة ماسة إلى تعاون فني وتكنولوجي
مع الروس في مجالات معينة من مجالات التنمية إرتبط تقدمنا فيها بالعلاقات معهم مثل
صيانة توربينات السد العالي وتطوير مصانع الحديد والصلب والألومونيوم وتوسيع نطاق
أسواق التصدير المصرية والعودة إلى أسواق كانت تعتبر من أسواقنا الخارجية الرئيسية
في فترة الستينيات ومطلع السبعينيات والاستفادة
من التكنولوجيا المصرية في مجالات الاستشعار عن بعد ومراقبة الحدود وتنظيم حركة
الملاحة البحرية والجوية وتكنوبوجيا استخراج النفط والغاز وتصنيع الآلات التي تخدم
العديد من الصناعات وعلى رأسها الصناعات الهندسية التي تعاني فيها مصر تأخرا مهينا
منذ خروج الروس من مصر في السبعينات. وقد اعتقدت أن زيارة السيسي/فهمي ستعقبها
زيارات أخرى لاستطلاع التعاون في تلك المجالات، لكن ذلك ما لم يتحقق وهو ما أهدر،
من زاوية التوقيت، فرصة أتيحت لحكومة الدكتور حازم الببلاوي لتعظيم قوة حكومته
وإضافة المزيد من مصادر القوة إليها.
وفي حقيقة الأمر فإن تطوير العلاقات المصرية – الروسية
لا يجب أن ينظر إليه على أنه رد فعل لتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة أو الاتحاد
الأوروبي. إن تطوير العلاقات المصرية الروسية يجب أن يكون موضوعا قائما بذاته يتم
قياس مؤشراته وتحريكه في الاتجاه الذي يخدم مصالح البلدين بعيدا عن أي استقطاب
دولي. ويبدو إن الجانب الروسي نفسه كان حريصا على مبادلة الرؤية المصرية برؤية
مثيلة فتركزت الوفود الروسية التي جاءت إلى القاهرة بعد زيارة السيسي/فهمي على
استطلاع إمكانات التعاون بين البلدين في المجالات العسكرية فقط دون التطرق إلى
مجالات أخرى. لكن هذه الوفود الروسية التي جاءت إلى مصر ومنها الوفد العسكري الذي
ترأسه قائد القوات الجوية الروسية فيكتور بونداريف في 17 فبراير 2014 لم تحرز
نتائج جديدة تضيف مكونات أساسية ملموسة إلى التفاهمات التي كانت زيارة السيسي/فهمي
قد توصلت إليها واللتي انصبت على "رغبة" مصر في أن تستورد من روسيا
طائرات ميج-29 المقاتلة وطائرات إم آي 35 المروحية الهجومية وأنظمة دفاع جوي
وأنواع أخرى من الأسلحة الصغيرة في صفقة بقيمة 2 مليار دولار تقريبا تمولها كل من
الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وقد أسرفت الصحافة المصرية في
الحديث عن هذه الصفقة كما لو أنها كانت قد
تم توقيعها بالفعل، لكن الوضع حتى الآن يشير إلى حقيقتين: الأولى إن هذه القائمة
التي تحدثت عنها أوساط مصرية هي مجرد wish list
(قائمة رغبات) ليس أكثر. الثانية أن الولايات المتحدة سارعت إلى
محاولة حصار هذا التحرك المصري بالضغط على كل من السعودية والإمارات بقصد إثنائهما
عن توفير تمويل للطلبات وكذلك الضغط على مصر بوضع شرط قاطع على استمرار المساعدات
العسكرية الأمريكية إلى مصر يتمثل في ضرورة احترام "التحالف الإستراتيجي مع
الولايات المتحدة" ناهيك طبعا عن ضرورة الإلتزام بالمعاهدة المصرية الإسرائيلية
خصوصا بعد أن سارعت إسرائيل إلى الإعلان بأن مثل هذه الصفقة من شأنها الإخلال
بموازن القوة وتهديد السلام بين مصر وإسرائيل.
وفي اعتقادي أن المجال كان مفتوحا أمام حكومة الدكتور
الببلاوي (ولايزال) لتطوير منظومة العلاقات المصرية الروسية بعيدا عن المجالات
العسكرية بما يقلل من حساسية التعاون العسكري ويؤسس علاقات تعاون طبيعية بين
البلدين. ويوجد لدى الحكومة ملف كبير يحوي مشاريع واقتراحات تقدم بها وفد يمثل
وزارة التنمية الروسية وممثلين عن 10 من كبرى الشركات الروسية برئاسة يفجيني بوبوف
نائب وزير التنمية الروسي قام بزيارة مصر في الأسبوع الأول من شهر مارس عام 2013.
وطبقا لهذا الملف فإن روسيا تعتبر مصر شريكها التجاري والاقتصادي الأول في أفريقيا
والشرق الأوسط على الرغم من الإهمال الذي تعرضت له العلاقات المتبادلة. وقد وصلت
قيمة التبادل التجاري عام 2012 إلى نحو 3.5 مليار دولار وهذه القيمة لا تعكس
الإمكانات الحقيقية للتبادل التجاري والمصالح المشتركة بين البلدين. ويرى الروس أن
قيمة التبادل التجاري يجب أن ترتفع من هذا الرقم إلى 10 مليارات دولار بحلول العام
2020. ليس ذلك فقط بل إن الرؤية الروسية تنطلق أساسا من التعامل مع مصر على أنها
البوابة التجارية والاقتصادية الرئيسية للنفاذ إلى اسواق أفريقيا والشرق الأوسط.
وتشمل مجالات التعاون مع مصر التي اقترحها الروس إنشاء
مراكز إقليمية للتصنيع والتخزين والتجارة والتوريد في مصر تخدم المصالح المشتركة
بين البلدين في أطراف ثالثة في أفريقيا والشرق الأوسط مثل مراكز لإنتاج وصيانة
وتوريد طائرات النقل والركاب الروسية ومراكز إنتاج وصيانة وتوريد وسائل النقل
والمعدات الثقيلة ومعدات ومولدات الكهرباء وإفساح المجال لشركات النفط والغاز الروسية
للفوز بامتيازات للتنقيب في مصر، على غرار ما تحصل عليه الشركات الغربية والعمل
على إنشاء مركز إقليمي للملاحة والتتبع يستفيد من إمكانات الأقمار الصناعية
الروسية والمعلومات التي توفرها لتوجيه الملاحة ومراقبة الحدود وتشجيع السياحة
وإنتاج معدات الطاقة الشمسية وتوربينات توليد الكهرباء وغيرها من المجالات. ومن المؤسف
أن أقرر هنا إن قيادات الأجهزة الإدارية والفنية القائمة على التعاون الدولي في
مصر لا تمنح الاهتمام الكافي لوضع رؤية وبرامج للتعاون المشترك واستراتيجيات
وسياسات للتعاون مع العالم بمكوناته المختلفة، وإنما تعمل بصورة موسمية وفي نطاق
الإستجابة أو رد الفعل إما لرغبات القيادة السياسية وإما لرغبات الشريك الأجنبي
خصوصا إذا كان هذا الشريك من القوة بحيث يقدر على القفز فوق أسوار العقبات
الإدارية والبيروقراطية التي تضعها هذه القيادات. وهذا الوضع لا ينفي حقيقة إن
هناك شبابا من الخبراء والعاملين داخل هذه الأجهزة لديهم من قدرات العمل والإبداع
ما يستطيع أن يدفع التعاون المصري مع العالم إلى آفاق لا حدود لها، خصوصا مع الدول
النامية الصاعدة التي أصبحت تحتل مكانة مهمة في منظومة التعاون والقدرات الاقتصادية
والتكنولوجية على مستوى العالم.
وارتباطا مع الحديث عن التعاون المصري الروسي من الضروري
الإشارة أيضا إلى التعاون المصري المصيني كواحد من الفرص المهمة التي لم تستفد
منها حكومة الببلاوي بالقدر الكافي على الرغم من أن الصين كانت واحدا من الدول
القليلة في العالم التي أدركت حقائق ما بعد الثورة المصرية في 25 يناير خصوصا فيما
يتعلق بالحاجة إلى تعزيز قدرات قوات الشرطة بما يساعد على تحقيق الأمن. وتسجل
بيانات المساعدات الصينية لمصر قيام الحكومة الصينية بتقديم منحة بقيمة 48.9 مليون
دولار لدعم الأمن والتنمية شملت توريد مركبات ومعدات للشرطة لتعويضها عما فقدته
خلال الثورة إضافة إلى تمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة. وتبلغ قيمة برنامج التعاون
الإنمائي بين مصر والصين في الوقت الحالي (مايو 2014) نحو 424.8 مليون دولار منها
ما يقرب من 120.3 مليون دولار في صورة منح غير مستردة و 304.5 مليون دولار في صورة
قروض ميسرة لتمويل مشاريع تنموية في قطاعات التعليم والتدريب والصناعات الصغيرة.
وتعتبر الصين إن مصر مركز مهم من مراكز التحرك نحو أفريقيا والعالم وقد أعرب
مسؤولون صينيون في أكثر من مناسبة إن بلادهم معنية جدا بالمشاركة في تطوير محور
التنمية في منطقة قناة السويس، وفي إقامة موانئ وتسهيلات برية وبحرية تهدف إلى
تعزيز حركة التجارة الصينية حول العالم. وأظن أن تطوير التعاون المصري الصيني في
المجالات التجارية والاقتصادية هو إحدى الفرص الثمينة التي لا يجب التردد في
الإستفادة منها واستثمارها إلى أقصى حد لتحقيق المصالح المتبادلة بين
البلدين.
إن طبيعة تشكيل حكومة الدكتور حازم الببلاوي وطبيعة
التهديدات الداخلية والخارجية التي واجهتها فرضت قيودا شديدة على أداء الحكومة.
وعلى الرغم من مصادر القوة التي توفرت لها فقد كان الحصاد النهائي لعمل الحكومة
أقل بكثير من الإمكانات والفرص التي اتيحت لها. ومع أنه يمكن وصفها بحق بأنها
حكومة الفرصة الضائعة إلا أنه لا يمكن في هذا السياق إلقاء اللوم على الحكومة فقط
واعتبارها مسئولة وحدها عن التقصير في الأداء والعجز عن تحقيق أقصى المكاسب
الممكنة من مصادر القوة التي أتيحت لها. إن انقسام القوى المدنية وانشغال المؤسسة
العسكرية في المعركة ضد الإرهاب وزيادة النزيف الذي تعرضت له الشرطة خصوصا قوات
الأمن المركزي والقوات الخاصة بمكافحة الإرهاب انعكس سلبا على أداء الحكومة وخلق
مناخا خانقا كان يخيم في معظم الأوقات على اجتماعات مجلس الوزراء. وبناء على ذلك
فإن أقصى ما تستطيع أن تفخر به حكومة الدكتور حازم الببلاوي هو إنها شاركت في
إنجاح الإستفتاء على الدستور وأوقفت إلى حد ما تدهور بعض المؤشرات الاقتصادية
الأساسية. وسوف يحتاج الأداء الاقتصادي للحكومة إلى عرض خاص، باعتبار أن التعامل
مع المشكلة الاقتصادية كان المهمة الرئيسية الملقاة على عاتق هذه الحكومة.