المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

اغتـــــراب الكاتــــب

الخميس 01/مايو/2014 - 11:19 ص

تعودت منذ سنوات بعد شيوع النشر الفورى لتعليقات القراء على مقالاتى أن أبدأ منذ منتصف ليل الخميس  موعد نشر مقالى الأسبوعى فى «الأهرام» بقراءة التعليقات المبكرة للقراء، وأواصل القراءة فى اليوم التالى، لكى أعرف صدى ما طرحته من أفكار ورؤى لدى مجموعة عريضة من القراء الذين تعودوا مع الزمن الدخول معى فى حوارات مكثفة، يكشفون فيها عن اتفاقهم أو اعتراضهم على ما ورد فى نص المقال.

غير أننى فوجئت مؤخراً بأنه نظراً لمشكلات فنية فى بوابة الأهرام- لم يعد متاحاً للقراء أن ينشروا تعليقاتهم بشكل عام على مقالات الكتاب بما فيها مقالتى الأسبوعية.

ولا أخفى عن القراء أننى شعرت بإحباط شديد، لأننى تعودت على الاستماع لأصوات القراء سواء كانت مرحبة أو رافضة لآرائى، ونشأت ـ وقد يبدو هذا غريباً لأول وهلة ـ بينى وبينهم صداقة فكرية عميقة!

تعودت على الانتقادات العنيفة للدكتور «على فرج»، وعلى الملاحظات النقدية النافذة للدكتور «محمد منصور» و»ماهر زريق»، وعلى الإضافات المهمة «لهشام الخميسى»، وعلى السخرية اللاذعة «للإسكندرانية»، هذه الحقوقية التى تخرجت مثلما تخرجت من كلية حقوق الإسكندرية، ودرست على نفس أساتذتى وغيرهم قراء عديدون.

وحينما تأملت لماذا حزنت لوقوع هذه المشكلة الفنية الإلكترونية التى حرمتنى من تعليقات قرائى الأعزاء أدركت أننى منذ أواخر التسعينيات- حين تركت القاهرة وذهبت إلى عمان لأشغل منصب أمين عام منتدى الفكر العربى لمدة عامين (1990-1992) انشغلت فكرياً بإعادة صياغة منهجى العلمى الذى سبق لى أن بلورته خلال عملى باحثاً بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية ابتداء من عام 1957 وأطلقت عليه -فيما بعد حينما تبلور ـ المنهج التاريخى النقدى المقارن.

أحسست فى «عمان» أن هذا المنهج التاريخى المقارن الذى طبقته فى بحوث جد متنوعة تنتمى إلى علوم اجتماعية شتى قد وصل إلى منتهاه، وأصبح عاجزاً عن وصف العالم فى نهاية التسعينيات بحكم التحولات الكبرى فى النظام الدولى، وأبرزها على الإطلاق انهيار إمبراطورية الاتحاد السوفيتى، وتحول النظام الثنائى القطبية الذى تصارعت فيه أثناء الحرب الباردة إمبراطوريتان عظميان وهما الإمبراطورية الأمريكية والإمبراطورية السوفيتية إلى نظام أحادى القطبية تنفرد فيه الإمبراطورية الأمريكية بحكم العالم.

غير أن التغيرات العالمية كانت أعمق بكثير من تحولات النظام الدولى. فقد أدت العولمة والتى أصبحت هى العملية الحضارية الكبرى التى قلبت أوضاع العالم إلى نشوء ما أطلقت عليه «الثورة الكونية».

وهى ثورة مثلثة الجوانب، ثورة سياسية وتعنى الانتقال الواسع المدى من الشمولية والسلطوية إلى الديمقراطية، وثورة قيمية وتعنى الانتقال من القيم المادية إلى القيم ما بعد المادية، وأبرزها الاعتداد بالكرامة الإنسانية، وإحياء الجانب الروحى فى الشخصية والمجتمع، وثورة معرفية وتعنى الانتقال من قيم الحداثة إلى قيم ما بعد الحداثة.

وأريد اليوم بإيجاز شديد أن أركز على التغيرات الكبرى التى أحدثتها حركة ما بعد الحداثة -وهى حركة فلسفية جامعة تركت آثارها فى الفلسفة والاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية فى مجال العلاقة بين الكاتب والقارئ، لأنه تبين لى أننى تأثرت بها بعمق فى مجال علاقتى الوثيقة بقرائى وحرصى على أن أتوقف كل بضعة مقالات، وأقيم حواراً تفاعلياً أناقش فيه ردود أفعالهم على ما كتبت.

وإذا أردنا أن نشير إشارة موجزة إلى المبادئ الأساسية التى تدعو لها حركة ما بعد الحداثة، بعد نقدها العنيف لمبادئ الحداثة، فيمكننا أن نوجزها فى عدد محدد من المبادئ الرئيسية.

سعت حركة ما بعد الحداثة أولاً إلى تحطيم السلطة الفكرية القاهرة للأنساق الفكرية الكبرى المغلقة، والتى عادة ما تأخذ شكل الإيديولوجيات، على أساس أنها فى زعمها تقديم تفسير كلى للظواهر، قد ألغت حقيقة التنوع الإنسانى، وانطلقت من حتمية وهمية لا أساس لها. ومن هنا لم تقنع الحركة بمجرد إعلان سقوط هذه الأنساق الفكرية المغلقة، بل إنها انطلقت ـ فى دراستها لثلاثية المؤلف والقارئ ـ إلى إعلان يبدو مستفزاً للكثيرين، وهو أن المؤلف قد مات! وتعنى الحركة بموت المؤلف، أنه ـ وضد مبادئ حركة الحداثة ـ نحن لا يعنينا تاريخ حياة المؤلف أو المفكر أو ميوله الفكرية أو اتجاهاته السياسية، أو العصر الذى عاش فيه، ذلك أن دوره ينتهى بكتابة النص، والعبء يقع بعد ذلك على القارئ، والذى من خلال تأويل النص يشارك فى كتابته فى الواقع، لا هيمنة من المؤلف إذن على النص، وليس من حقه أن يصدر بياناً يحدد فيه المعانى التى قصدها، ولا نياته من كتابته، النص يصبح ملكاً للقارئ. بل إن النص نفسه، ـ فيما ترى حركة ما بعد الحداثة ـ لا يكتبه فى العادة مؤلف واحد، ذلك ان أى نص هو عملية تفاعل بين نصوص متعددة يستشهد بها أو يستحضرها المؤلف، بكل ما تترتب عليه كلمة التفاعل من نفى لبعض النصوص، أو المزاوجة بينها، او إزاحتها، وهى الظاهرة التى يطلق عليها التناص Inter- texuality. وبالإضافة إلى ذلك تهتم حركة ما بعد الحداثة بالعوامل التى تحدد عملية القراءة ذاتها، وهى التى شغلت ما يسمى «علم اجتماع القراءة»، بالإضافة إلى المناهج التأويلية الحديثة.

غير أن أهم من قلب العلاقة بين المؤلف والنص والقارئ، هو ما تدعو إليه ما بعد الحداثة، من أن المؤلف لا ينبغى أن يقدم نصاً مغلقاً، محملاً بالأحكام القاطعة، وزاخراً بالنتائج النهائية، والتى عادة ما تقوم على وهم مبناه أن المؤلف يمتلك اليقين، ويعرف الحقيقة المطلقة! بل إن عليه أن يقدم نصاً مفتوحاً، بمعنى تضمنه لكتابة قد لا تكون واضحة تماماً، بل يستحسن أن تكون غامضة نوعاً ما حتى يتاح للقارئ أن يشارك بفعالية من خلال عملية التأويل فى كتابة النص.

ما سبق توضيح منهجى ونظرى يشرح لماذا ارتبطت فكرياً وعاطفياً بتعليقات قرائى الأعزاء.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟