المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

دواعٍ وتداعيات: القرار الأمريكي بشأن جماعة بيت المقدس

الثلاثاء 29/أبريل/2014 - 11:17 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمد ضياء الدين زاهر

وسط التأييد الأمريكي خلال السنوات السابقة، والذي بدأ يخفت صوته في الآونة الأخيرة للتيار الإسلامي عمومًا ولجماعة الإخوان المسلمين خاصة. ومع أصوات القنابل التي ترددت في سيناء، وفي كثير من أنحاء البلاد بعشوائية تغتال البرءاء من أبناء مصر الشرفاء. وسط كل هذا أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أن جماعة أنصار بيت المقدس (التي تأسست عام 2011، في أعقاب ثورة 25 يناير 2011) جماعة إرهابية.

        ونظرًا للأهمية الإستراتيجية التي ينطوي عليها هذا القرار، وحتى لا نقع في الخديعة التي تأتي من المباغتة التي باغتنا بها القرار الأمريكي، فنحن مضطرون للكشف عن المظاهر الكاذبة أحيانًا، والصادقة أحيانًا أخرى التى يمثلها القرار الذي يتقنّع وراء المصالح الأمريكية.

        لذا، فينبغي علينا طرح عدة تساؤلات تحيط بهذه المسألة، وهي تتعلق بمدى صدق هذا القرار، فهل هو اعتراف حقيقي بإرهابية جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في ذراعها الإرهابية، أنصار بيت المقدس، أم أنه نوع من المناورة الإستراتيجية من جانب الولايات المتحدة لإظهار نفسها كدولة محاربة للإرهاب، أم أن القرار يحاول إضفاء طابع الظلم الواقع على الإخوان والتغطية عليهم في جرائم الإرهاب الأسود التي ترتكب، وبالتالي ادّعاء مظلوميتهم وسلميتهم تمهيدًا لإدماجهم في المجتمع السياسي المصري.

        ومع إدراكنا للخطورة السياسية التي قد تنطوي عليها أي إجابة أو تفسير متسرع، فإنه من المهم أن نتعرّف على ماهية هذا القرار.

        فوفقًا للإعلان الأمريكي نتبيّن أنه استند إلى المادة رقم (219) من قانون الهجرة والجنسية الأمريكي، والذي يقضي بتجميد جميع الممتلكات والمصالح التي تتبع المنظمات الإرهابية، (والمقصود هنا بالطبع جماعة أنصار بيت المقدس) وتجريم التعامل معها، لا سيما في الداخل الأمريكي، مع متابعة دقيقة لتشكيلة نشاطاتها الإرهابية في خارج الولايات المتحدة. وقد عدّد الإعلان قائمة بالجرائم والهجمات الإرهابية التي تورطت فيها وخططت لها هذه الجماعة وفي مقدمتها:

        محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، تفجير خطوط الغاز في سيناء، استهداف السائحين الأجانب، تفجير مقرات حكومية مصرية، إطلاق صواريخ على إسرائيل.

        وإذا خرجنا من نطاق تلك التبريرات التي ساقها القرار، نجد أيضًا أنه لم يكن السبب الكافي لوصم هذه الجماعة بالإرهاب، بل أشار إلى أنها متعاطفة مع "تنظيم القاعدة وتتبنّى أفكارها"، وهذا كفيل باعتبارها جماعة إرهابية، ولم يتطرق القرار لكونها متعاونة مع تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، أو أنها تنتسب إلى التنظيم الدولي للإخوان، وهذا النفي أو التجاهل لهذا البعد إنما يمثل في مضمونه شبهات واضحة!

بدأت العديد من الدول الأوربية في إجراء مراجعات من موقفها تجاه الإخوان في مصر، فبدأت في بحث أوضاعهم ومجمل أعمالهم في تلك البلدان

أولا: دواعي صدور القرار

        لعل فحص الظروف التي تتحكم في الخلفية التي تمهد لصدور هذا القرار، والسياقات التي قادت إليه تجعلنا نفهم بدقة مغازي القرار ومستهدفاته خاصة؛ وأننا نعلم جيدًا أن أي قرار أمريكي لابد أن يخضع لحسابات إستراتيجية متعمقة في ضوء الإمكانات المتيسرة والمستقبلية التي تحقق الأمن القومي الأمريكي.

ولعل في مقدمة هذه الدواعي التى حتمت صدور هذا القرار ما يلي:

1-  الهجوم الشديد الذي مارسه كل من الإعلام الأمريكي والكونجرس على الرئيس "باراك أوباما"، لدعمه المبالغ فيه للتنظيم الدولي للإخوان ولجماعة الإخوان في مصر خاصة، حيث قدم لهم دعمًا ماليًّا بلغ ثمانية مليارات دولار، وفي هذا الصدد تم تذكير أوباما بعواقب ما سمّاه مستشار الأمن الأمريكي الأسبق بريجينسكي "بالفخ الأفغاني" حيث انقلب رفقاء الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي (سابقًا) في أفغانستان إلى أعداء، فبعد ما قامت الولايات المتحدة بتعبئة الإسلاميين الراديكاليين من مختلف بلدان العالم ونظمتهم ضمن قوات عسكرية وإرهابية لمقاومة الروس، وغذّت عنفهم وحقدهم ضد أعدائها، لم تجن شيئًا بل انقلب السحر على الساحر، فأسقطوا برج التجارة العالمي في 11 سبتمبر، فالغول الذي صنعوه لإخافة العالم صار هو الغول الذي يخشونه الآن.

2-     التحولات في مواقف دول الاتحاد الأوربي تجاه الثورة المصرية:

فقد بدأت العديد من الدول الأوربية في إجراء مراجعات من موقفها تجاه الإخوان في مصر، فبدأت في بحث أوضاعهم ومجمل أعمالهم في تلك البلدان. وكانت في مقدمة هذه الدول إنجلترا التي أعلن كاميرون، رئيس وزرائها، عن إصداره تعليماته لمراجعة وتقييم نشاطات الإخوان في بريطانيا.

كما تقدم أعضاء بالبرلمان الكندي بمشروع قرار لإدانة جماعة الإخوان وعملياتها فى كندا. كما أن النمسا وألمانيا أعلنتا تخوفاتهما من هجرة القيادات الإخوانية إليهما لتصبحا ملاجئ بديلة لإنجلترا. كما تصاعدت المشاعر العدائية تجاه الهجرات الإسلامية في فرنسا. وقد كانت الزيارة الأخيرة لكاثرين آشتون إلى مصر بمثابة تراجع عن تأييد الإخوان، حيث امتنعت عن الالتقاء بكل ممثلي جماعة الإخوان ـ على غير العادة ـ مما يرجّح بشكل علني مباركتها لخارطة الطريق، كما أعلنت عن مشاركة لجنة من الاتحاد الأوربي في الرقابة على الانتخابات الرئاسية، وقد وصلت هذه اللجنة بالفعل خلال الأيام القليلة الماضية، لتعلن مباركة الاتحاد الأوربي لجهود مصر ضد الإرهاب. ولعل هذه التحولات مثلت ضغطًا لا ينكر على الولايات المتحدة الأمريكية كي تحذو حذو الاتحاد الأوربي في موقفه الجديد من الثورة المصرية.

3-   استياء دول الخليج العربي من موقف أمريكا العدائي لمصر: ولعل هذا العامل شكل ضغطًا شديدًا على الولايات المتحدة بالنظر إلى الثقل الاقتصادي والإستراتيجي الهائل الذي تمثله تلك الدول خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات، وكان لتضامنهما الوثيق والذي لم تشهد له المنطقة العربية نظيرًا، سوى في حرب أكتوبر 1973، الدور الأكبر في إسراع الولايات المتحدة بتصنيف جماعة أنصار بيت المقدس جماعة إرهابية، خاصة وأن السعودية والإمارات قد جرمتا نشاطات الجماعة الأم، جماعة الإخوان المسلمين، واعتبرتها مع غيرها من الجماعات الإرهابية. فكان التحرك الأمريكي الخجول تعبيرًا عن مجرد خطوة أولية لإرضاء هذه الدول.

4-  انشغال تركيا بأزماتها الداخلية، وتصاعد قوى المعارضة لمواقف أردوغان الديكتاتورية، لاسيما بعد الانتخابات الأخيرة، مما أدى إلى انصراف جزئي من جانبه عن تأييد تيار الإخوان في مصر. لذا بات من الملح على أمريكا أن تتحسّب من تأييدها الأعمى للإرهاب في مقابل انصراف المؤيدين عن جماعة الإخوان.

5-  توجس أمريكا من التوجه المصري المتسارع نحو روسيا، وهو أمر تخشاه أمريكا غاية الخشية، خاصة وأن روسيا قد بدأت تغازل دول المنطقة العربية، بدءًا من سوريا فالسعودية والإمارات ومصر.. وهي الدول التي صار التيار الإسلامي المتطرف فيها، خاصة جماعة الإخوان وأنصار الشريعة والمرابطون، مصدرًا للقلاقل داخلها. فانصراف أمريكا عن دعم مصر في حربها ضد الإرهاب، معناه في التحليل العميق حدوث تداعيات خطيرة في مقدمتها تراجع عن اتفاقيات السلام مع ربيبتها إسرائيل، وتغير متوقع في مسارات التحرك ومحاولات الاستقرار في الشرق الأوسط بكامله وتداعيات أخرى لقلب ميزان التوازن الإستراتيجي في المنطقة، بشكل يقود إلى إرباك بالغ في كل الحسابات والإستراتيجيات الأمريكية، بل قد يقلب المائدة عليها تمامًا.

6-  خشية الولايات المتحدة على سمعتها الدولية؛ فهذه السمعة أصبحت على المحك .. باعتبار أمريكا راعية للإرهاب وضالعة في صناعته، ومشكلة للمنظمات الإرهابية وداعمة له. وهذا الاتهام المتصاعد يعترف به العديد من الساسة والمفكرين الأمريكان، وفى مقدمتهم "تشومسكي" الذي يؤكد أن أمريكا باتت فاقدة لأخلاقيتها ومصداقيتها أمام شعوب العالم، كما أنها الدولة الوحيدة في العالم التي أدانتها المحكمة الدولية بالإرهاب الدولي بسبب استخدامها غير المشروع للقوة من أجل أغراض سياسية. لذا، فإن أمريكا باتت تخشى على سمعتها التي طالما حافظت عليها .. ولكنها الآن تهدم بيديها ما بناه أسلافها من قيم، فلم تبق منها – كما يقول تشومسكي، ما تُفاخر به.

7-  وفوق هذا كله، فإن توالي النجاحات المستمرة للجيش والشرطة المصرية في محاصرة العنف والإرهاب، وكشف الجهات المتعاونة معه، من جماعة الإخوان المسلمين أو من يتحلّقون حولها، جعل أمريكا تحث الخطى نحو إظهار تعاطفها مع مصر، حتى لا تخسر في المستقبل مصر.

كانت الزيارة الأخيرة لكاثرين آشتون إلى مصر بمثابة تراجع عن تأييد الإخوان، حيث امتنعت عن الالتقاء بكل ممثلي جماعة الإخوان مما يرجّح بشكل علني مباركتها لخارطة الطريق

ثانيا: تداعيات وضع أنصار بيت المقدس على القوائم الإرهابية

تأسيسًا على ما سبق وغيره من العوامل الضاغطة، كان لابد أن تسعى الولايات المتحدة، وتتحسب لمحاولة استرضاء الشعوب والدول ليس بالتنازل عن مصالحها الإستراتيجية مع التنظيم الدولي للإخوان، الذي يضم فيما قيل "مالك أو ماليك" شقيق الرئيس الأمريكي، بل أيضًا باعتبار هذا التنظيم وتنويعاته في الدول خاصة مصر، هو بمثابة الدرع السنية ضد إيران الشيعية، كما أنه يمكن أن يتخذ مصدرًا لزراعة القلاقل في العمق الروسي والدول الحديثة الاستقلال ذات التوجه الإسلامي واستخدامه في إعادة رسم خريطة توزيع القوى في العالم.

لذلك كله؛ جاء قرار الولايات المتحدة ليحمل في واجهته مظهرًا إيجابيًّا يمثل تعاطفًا مع حرب مصر ضد الإرهاب، ولكن من السهولة الكشف عن أن القرار في حقيقته، كما سبق ذكره، يحاول تغيير الدفة من الإخوان إلى جماعة أنصار بيت المقدس، بادّعاء أن كل جرائم الإرهاب هي في الأصل نفس الجرائم المنسوبة لجماعة الإخوان، إذن فالقرار هو في تحليله النهائي، محاولة خفية لتبرئة جماعة الإخوان من تهم العنف والإرهاب، ومحاولة إلصاقها بجماعة مجهولة محدودة التأثير هي جماعة أنصار بيت المقدس، لإظهار جماعة الإخوان كجماعة سلمية تتعرض في مواجهتها للانقلاب العسكري المدّعي، إلى وحشية الشرطة والجيش المصري.

إذن فهي ضحية وليست مذنبة! ومن زاوية أخرى يتم إبعاد جماعة أنصار بيت المقدس من حقيقة كونها الذراع الإرهابية للإخوان، وأنها تتحرك بأوامر موجهة إلى نقاط محدودة وفقًا لتخطيط إخواني مسبق.

وكل هذا ليس شيئًا خافيًا على المخابرات الأمريكية التي تتجسس وتتصنت ـ وفقًا لسنودن ـ على كافة الدول والجماعات والمنظمات والأشخاص في كل العالم تقريبًا. لذا، فالقرار لا يمكن اعتباره يشير إلى موقف حيادي تجاه أحداث العنف والإرهاب في مصر، بل إنه يحمل في حقيقته مناورة سياسية إستراتيجية لغسل يد جماعة الإخوان من دماء من تسفك أرواحهم جماعة أنصار بيت المقدس.

ومن غير المتصور في هذه الظروف أن تجهل الولايات المتحدة مع إمكاناتها الإلكترونية، وتغلل عيونها في معظم دول العالم ألا تعلم ما يخطط له رجال التنظيم الدولي للإخوان في اجتماعاتهم العامة والخاصة، خاصة وأن الإخوان ينتشرون في عدد كبير من دول أوربا وأمريكا والعالم، وأن جماعتهم خرج من جعبتها كل الجامعات التكفيرية والإرهابية بمن فيهم (أبو خميس المصري) الذي يحاكم الآن في الولايات المتحدة.

والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فوفقًا لبعض المحللين، فإن جماعة أنصار بيت المقدس ليس موجّهة فقط من الإخوان، بل هي جهاز مدعوم في الخفاء من أجهزة مخابراتية، دولية وإقليمية لتأخير محاولة مصر العودة لدورها الريادي كإقليم قاعدة في المنطقة، وبالتالي عرقلة تقدمها، باعتبار أن العودة القوية لها ليست في مصلحة دولة معينة، ولا سيما إسرائيل وباقي عملاء أمريكا في المنطقة.

وهذا الدعم أمر يمثل "أقل تكلفة" من تكلفة خوض معركة أو حتى مجرد "إعلان استنفار" في الجيش.

يؤكد تشومسكي أن أمريكا باتت فاقدة لأخلاقيتها ومصداقيتها أمام شعوب العالم، كما أنها الدولة الوحيدة في العالم التي أدانتها المحكمة الدولية بالإرهاب الدولي

ومن ناحية أخرى، فإن هذا يلقي بظلاله على الموقف الأمريكي من جماعة "حماس" في ذات الوقت باعتبارها داعمة للإرهاب، وتكون هناك فرصة لحل المشكلة الفلسطينية بالتوجه ناحية الضفة الغربية فقط. فمن الملاحظ أن إسرائيل خلال السنتين الأخيرتين تحاول أن تضغط هي وأمريكا لحل المشكلة الفلسطينية بأسرع ما يكون، ولعل التزامن بين إعلان أنصار بيت المقدس عن مسئوليتها عن حادثة مديرية أمن الدقهلية، يشير بكل وضوح إلى ترابط بين الإعلان وموقف أمريكا، وفي ذات الوقت تبرئة ساحة الإخوان المسلمين. وهذا يحتمل وجود اتفاق أمريكي – إخواني صدر بمقتضاه القرار الأمريكي ضد جماعة أنصار بيت المقدس.

والواقع أن نشاط جماعة أنصار بيت المقدس مرتبط تمامًا بالوضع السياسي في مصر، بل إن رصيد الإرهاب الأسود الذي يطال رجال الشرطة والجيش في مصر مقترن تمامًا بهذه الجماعة التي تمثل في الحقيقة، كما سبق، وأشرنا الذراع الإرهابية لجماعة الإخوان ... فنشاط هذه الجماعة لم يظهر سوى بعد تنحية الإخوان عن السلطة في مصر، حيث إنها في فترة السنة الأولى لتولية محمد مرسي، لم تقم مطلقًا بأي أعمال، وما قامت به كان بتوجيه من القيادات الإخوانية من أجل تنحية المجلس العسكري وموقف الرئيس المعزول (مرسي) في الحادث الآخر الخاص بخطف الجنود، من أنه يريد المحافظة على أرواح الخاطفين والمخطوفين،  وللأسف قدم الخاطفين، وتم الإفراج عن المخطوفين بالاتصال السري المتفق عليه بين الإخوان وعملائهم. وفجرت أنابيب الغاز ست عشرة مرة بعد ذلك (راجع في ذلك تهديد محمد البلتاجي بشأن الإرهاب في سيناء)، كما روّعت الآمنين وقتلت الأبرياء.

إذن فليس من المعقول أن تبادر أمريكا إلى خسارة الإخوان بسهولة، فهي تتطلع ـ وفقًا لإستراتيجيات أمنها القومي ـ إلى استخدامهم في مواجهة أعدائها، وفي تنفيذ مخططاتها الدولية والإقليمية وإعادة تصميم خريطة توزيع القوى في العالم. لذا، فإننا نعيد التأكيد على أن القرار الأمريكي يحاول تبرئة الإخوان من العمليات الإجرامية والإرهابية التي تمت ـ على الأقل ـ بتأييد منهم، حتى يمكن إتاحة الفرصة لهم في الانخراط في الحياة السياسية المصرية من جديد، ويستطيعوا أن يلعبوا الدور الذي خططه الأمريكان لهم ليلعبوه. وكذلك لأنه في حالة انتخاب السيسي رئيسًا للجمهورية، ترد أمريكا بقوة أنها كانت ضد الإرهاب الديني .. وفي حالة أخرى لا تخسر التنظيم الدولي للإخوان، الذي تسانده بالتأييد الخفي والتستر.

ثالثا: إذن؛ فماذا ننتظر بعد هذا القرار؟

        بصرف النظر عن مسببات هذا القرار ومغازيه، فمن المهم أن ندرك أي توقعات بشأن سلوك هذه الجماعة تحكمه العوامل السابق ذكرها، وإن كنا نتوقع، من جهة أخرى، أن تزداد حدة عنف هجماتها وتفجيراتها، وربما قيامها بموجه اغتيالات في الفترة القادمة، وخاصة وأن الاستحقاقات الانتخابية تتبلور، وفي حالة إتمام هذه الاستحقاقات بشكل نهائي والحصول على اعتراف دولي بشرعية الأوضاع الجديدة واكتمال خريطة الطريق سيصبح تحرك هذه الجماعة بلا هدف، ويتقلص الدعم الدولي والإقليمي والمحلي لها، ماديًا ومعنويًا، وتتداعى قيمة ما تقوم به، خاصة أنهم متأكدون من أن قبضة الرئيس الجديد لن تكون رخوة عليهم باعتباره يعرف تمامًا خبايا "الصندوق الأسود" لهم ولحلفائهم بحكم مكانته وخبراته.

إن جماعة أنصار بيت المقدس ليس موجّهة فقط من الإخوان، بل هي جهاز مدعوم في الخفاء من أجهزة مخابراتية، دولية وإقليمية لتأخير محاولة مصر العودة لدورها الريادي، وعرقلة تقدمها

ومهما كان من أمر هذا القرار التصنيفي، فإنه سوف يضغط على أنصار بيت المقدس بشكل جذري باعتبارهم جماعة "تعمل بالقطعة" للإفادة من أموال الإخوان والمخابرات الدولية والإقليمية، والتي تتدفق على أمرائهم.. ففي مرحلة تالية سوف تقل هذه التدفقات المالية عليهم باعتبار أن نشاطاتهم وعملياتهم لن تؤدي إلى النتائج التي كان يرجوها الإخوان منهم. وفى هذه الحالة سيفقدون الدعم المعنوي أيضًا من بعض التيارات الإسلامية التي كانت تساندهم بالتستر، وبالتالي فإن الاحتمال الأكثر ترجيحًا ليس التحجيم التدريجي في نشاطات وعمليات هذه الجماعة، بقدر ما نرجح تزايد مبالغ في نشاطاتها تمهيدًا للقضاء عليها في مرحلة ما قبل الموت، ويساعدها في هذه الزيادة ما تمثله الأيام القادمة من ظروف تلازم مرحلة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، تتسم بالتوتر والعصبية، وهو المناخ الذي تفضله هذه الجماعات لإحداث تفجيرات مدوية.

        وإن كان من المتوقع أن تهدأ الجماعة بعد إتمام الاستحقاقات الدستورية لتجمع شتاتها بعد تفرق، ولتضمد جراحها بعد تعريتها أمام العالم، ولتحاول استعادة شكل للتنظيم يلائم المرحلة القادمة.

        وفي النهاية، لعلنا نؤكد أن الذي سوف ينتصر خلال الأيام القليلة القادمة هو، اتباع أمريكا طريق الحكمة والحريص على سمعتها وعلى استمرارية اتفاقيات السلام، لذا فسوف نشاهد تراجعًا تدريجيًّا في موقفها من الإرهاب في مصر، وتعاوناً كاملاً مع الحكومة المصرية الجديدة لمواجهته.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟